الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي نعمة ربك عليك وإمهاله لك وأخذه لغيرك بذنبه وفي سالف ذنبك وعاقبة أمرك ومبادرة ما عسى أن يكون قد اقترب من أجلك.
ــ
مما قبله وما بعده أشد منه "و" استعن عليها أيضا بالفكرة "في نعمة ربك عليك" لأنك إذا تفكرت في نعمه عليك استحييت أن تبارزه بالمعاصي "و" تفكر أيضا "في إمهاله لك" وأنت تعصيه "وأخذه لغيرك" من الأمم الماضية "بذنبه" في الحال "و" استعن أيضا وتفكر "فيـ" ما تقدم من "سالف ذنبك" وخف الأخذ به "و" تفكر أيضا في "عاقبة أمرك" إذ لا تدري بماذا يختم الله لك "و" تفكر أيضا في "مبادرة" أي مسارعة "ما عسى أن يكون قد اقترب من أجلك" بيان لما أي مسارعة أجلك الذي عسى الأجل أي لعله أن يكون قد اقترب أي تفكر هل هو أي الأجل نهاية يوم أو أقل لأن ذلك يسهل الطاعة ويقل الأمل والحرص ولأنه إذا تفكر في الموت أتاه وهو مستعد له وإذا أتاه بغتة فيندم حيث لا ينفعه الندم فيا لطيف الطف بنا فإنه لا حول ولا قوة إلا بك وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك
.
ــ
"باب في" بيان "الفطرة" أي الخصال التي يكمل بها المرء حتى يكون على أفضل الصفات أي أفضل الهيئات "و" في بيان حكم "الختان و" حكم "حلق الشعر و" في بيان ما يجوز من "اللباس" وما لا يجوز "و" في بيان "ستر العورة و" في بيان "ما يتصل بذلك"
ومن الفطرة خمس قص الشارب وهو الإطار وهو طرف الشعر المستدير على الشفة لا إحفاؤه والله أعلم وقص الأظفار ونتف الجناحين وحلق العانة ولا بأس بحلاق غيرها من شعر الجسد والختان للرجال سنة والخفاض للنساء
ــ
أي بما ذكر مما أمر به أو نهى عنه في هذا الباب كالصور والتماثيل وبدأ بما صدر به في الترجمة فقال: "ومن الفطرة خمس":
أولها: "قص الشارب وهو الإطار" أي والشارب بالمعنى المذكور الإطار بوزن كتاب "وهو طرف الشعر المستدير على الشفة" أي النابت على الشفة والاستدارة بالشيء الإحاطة به فالمعنى المحيط بالشفة هذا معناه بحسب الأصل ولكن المراد هنا النازل على طرف الشفة هذا هو السنة في قصه "لا إحفاؤه والله أعلم" أي استئصاله.
"و" ثانيها: "قص الأظفار" للرجال والنساء.
"و" ثالثها: "نتف الجناحين" أي الإبطين وهو سنة للرجال والنساء.
"و" رابعها: "حلق العانة" سنة للرجال والنساء ولا تنتفها المرأة ولا الرجل على سبيل الكراهة لأن ذلك يرخي المحل ويبطل كثيرا من منافعه ويجوز إزالتها بالنورة "ولا بأس بحلاق غيرها" أي العانة "من شعر الجسد" كشعر اليدين والرجلين وشعر حلقة الدبر وظاهره الإباحة في حق الرجال وأما النساء فحلق ذلك منهن واجب لأن في تركه بهن مثلة.
"و" خامسها: "الختان للرجال" أراد بالرجال الذكور كانوا بالغين أو غير بالغين إلا أن البالغ يؤمر بختن نفسه لحرمة نظر عورة الكبير والختان هو زوال الغرلة بضم الغين المعجمة غشاء الحشفة "سنة" زاد في الضحايا واجبة أي مؤكدة "والخفاض في النساء" وهو قطع الناتئ في أعلى فرج الأنثى كأنه عرف
مكرمة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تعفى اللحية وتوفر ولا تقص قال مالك ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين ويكره صباغ الشعر بالسواد من غير تحريم ولا بأس به بالحناء والكتم ونهى الرسول عليه السلام الذكور عن لباس الحرير وتختم الذهب وعن
ــ
الديك "مكرمة" بفتح الميم وضم الراء أي كرامة بمعنى مستحب "وأمر النبي" صلى الله عليه وسلم "أن تعفى" أي توفر "اللحية" فقوله "وتوفر ولا تقص" تأكيد وقوله: "قال مالك ولا بأس بالأخذ" بمعنى يستحب الأخذ "من طولها إذا طالت كثيرا" والمعروف لا حد للأخذ منها إلا أنه لا يتركها لنحو الشهرة "و" ما قاله مالك "قاله" قبله "غير واحد" أي أكثر من واحد "من الصحابة والتابعين" رضي الله عنهم أجمعين "ويكره صباغ الشعر" الأبيض "بالسواد من غير تحريم" لما كانت الكراهة تطلق ويراد بها التنزيه وتطلق ويراد به التحريم دفع هذا الثاني بقوله من غير تحريم وهذا الحكم خاص بغير البيع والجهاد أما في البيع فيحرم وأما في الجهاد لإيهام العدو الشباب فيؤجر عليه "و" أما صبغه بغير السواد فـ "لا بأس به بالحناء والكتم" بفتح التاء ورق السلم وهو يصفر الشعر والحناء تحمره وكلامه محتمل للندب والإباحة وهي أقرب "ونهى الرسول عليه" الصلاة و "السلام" نهي تحريم الذكر "عن لباس" أي لبس "الحرير" أي والجلوس عليه "و" عن "تختم الذهب و" نهى عليه الصلاة والسلام "عن
التختم بالحديد ولا بأس بالفضة في حلية الخاتم والسيف والمصحف ولا يجعل ذلك في لجام ولا سرج ولا سكين ولا في غير ذلك ويتختم النساء بالذهب ونهي عن التختم بالحديد والاختيار مما روي في التختم التختم في اليسار لأن تناول الشيء
ــ
التختم بالحديد ولا بأس بالفضة في حلية الخاتم والسيف والمصحف" أراد بحلية الخاتم أن يكون الخاتم من فضة لما في الصحيحين أنه اتخذ خاتما من ورق فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر من بعد ثم كان في يد عمر ثم كان في يد عثمان رضي الله عنهم أجمعين حتى وقع في بئر أريس كجليس قريبة من مسجد قباء وقد بالغ عثمان في التفتيش عليه ونزح البئر ثلاثة أيام وأخرج جميع ما فيه فلم يجده إشارة إلى أن أمر الخلافة منوط بذلك الخاتم
"ولا يجعل ذلك" المذكور من التحلية بالفضة "في لجام ولا سرج ولا سكين" ولا في غير ذلك من آلات الحرب اقتصارا على ما ورد الشرع به "ويتختم النساء بالذهب" وأولى بالفضة "ونهي عن التختم بالحديد" للنساء وتقدم النهي عن ذلك للرجال فالتختم بالحديد منهي عنه مطلقا للرجال والنساء "والاختيار" عند الجمهور منهم مالك "مما" أي من الذي "روي" عن النبي صلى الله عليه وسلم "في التختم التختم في اليسار" ويتختم في اليسار في الخنصر ويجعل فصه مما يلي الكف فإذا أراد الاستنجاء خلعه كما يخلعه عند إرادة الخلاء وإنما جعل في اليسار "لأن تناول الشيء"
باليمين فهو يأخذه بيمينه ويجعله في يساره واختلف في لباس الخز فأجيز وكره وكذلك العلم في الثوب من الحرير إلا الخط الرقيق ولا يلبس النساء من الرقيق ما يصفهن إذا خرجن ولا يجر الرجل إزاره بطرا ولا ثوبه من الخيلاء وليكن إلى الكعبين فهو أنظف لثوبه
ــ
الصادق بالخاتم وغيره "باليمين فهو يأخذه بيمينه ويجعله في يساره" ولأن كونه في اليسار أبعد عن الإعجاب "واختلف في لبس الخز" بخاء وزاي معجمتين وهو ما سداه حرير ولحمته صوف أو قطن أو كتان على أقوال فأشار إلى اثنين منها بقوله: "فأجيز وكره" صحح في القبس الأول واستظهر ابن رشد الثاني والثالث يحرم لبسه قال القرافي وهو ظاهر مذهب مالك لقوله عليه الصلاة والسلام في حلة عطارد وكان يخالطها الحرير: "إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة""وكذلك العلم في الثوب من الحرير إلا الخط الرقيق" وهو ما كان أقل من أصبع فإنه جائز "ولا يلبس النساء" على جهة المنع "من الرقيق ما يصفهن" أي الذي يوصفن فيه فإسناد الوصف للثياب استعارة أي الذي يظهر منه أعالي الجسدكالثديين والردف ومحل المنع "إذا خرجن من" بيوتهن أما إذا لبسنه في بيوتهن مع أزواجهن فيجوز "ولا يجر الرجل إزاره بطرا" أي كبرا "ولا ثوبه من الخيلاء" أي حال كون الجر ناشئا من الخيلاء والرجل في كلامه لا مفهوم له فإن المرأة كذلك إذا قصدت الخيلاء "و" إذا لم يجز للرجل فعل ذلك فـ "ليكن" المذكور من الإزار والثوب "إلى الكعبين فهو أنظف لثوبه"
وأتقى لربه وينهى عن اشتمال الصماء وهي على غير ثوب يرفع ذلك من جهة واحدة ويسدل الأخرى وذلك إذا لم يكن تحت اشتمالك ثوب واختلف فيه على ثوب ويؤمر بستر العورة.
ــ
وإزاره "وأتقى لربه" لأنه يتقى العجب والكبر والأول يرجع إلى ملاحظة الشخص لنفسه بعين الكمال مع نسيان نعمة الله والثاني يرجع إلى ذلك مع احتقار غيره فإذا الكبر أخص من العجب وهو الفرد الأشد حرمة "وينهى" بمعنى ونهي "عن اشتمال الصماء" نهي تحريم "وهي" أي صفة اشتمال الصماء أن تكون "على غير ثوب" أي إزار مثلا "يرفع ذلك" أي طرف ما يشتمل به "من جهة واحدة ويسدل الأخرى" قد فسرت في حديث أبي سعيد بجعل الرجل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه وفسرها اللغويون بأن يلبس الرجل ثوبا يلتف فيه ولا يجعل ليديه مخرجا فإذا أراد أن يخرج يديه بدت عورته فقد قال صاحب القاموس أن يرد الكساء من جهة يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا إذا تقرر هذا فقوله اشتمال الصماء الإضافة للبيان أي اشتمال هو الصماء وقوله: "وذلك إذا لم يكن تحت اشتمالك" أي تحت ما تشتمل به "ثوب" تكرار كرره ليرتب عليه قوله: "واختلف فيه" أي في حكم الاشتمال المذكور "على ثوب" أي إزار مثلا على قولين لمالك بالمنع اتباعا لظاهر الحديث والإباحة لانتفاء العلة المذكورة وهي كشف العورة "ويؤمر" المكلف "بستر العورة".
وإزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه والفخذ عورة وليس كالعورة نفسها ولا يدخل الرجل الحمام إلا بمئزر ولا تدخله المرأة إلا من علة ولا يتلاصق
ــ
عن أعين الناس وجوبا إجماعا وفي الخلوة استحبابا على المشهور ومقابله أنه فرض عين في الخلوة أيضا "وإزرة" الرجل "المؤمن" بكسر الهمزة لأن المراد الهيئة "إلى أنصاف ساقيه" ولفظ الموطأ من قوله عليه الصلاة والسلام: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك ففي النار لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا""والفخذ" وهو ما بين الساق والورك "عورة وليس كالعورة" ولما انتفى كونه كالعورة خف أمره فغاية ما يقال إنه يكره مع غير الخاصة والحرمة بعيدة لأنه عليه الصلاة والسلام كشف فخذه مع أبي بكر وعمر ففي مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا فخذيه وساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحالة فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه فدخل وتحدث معه فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تباله ودخل عمر فلم تباله أي لم تهتم لدخولهما وتستر فخذيك ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال: "ألا أستحي من رجل تستحيي منه الملائكة" والاستحياء منه مزية وهي لا تقتضي الأفضلية "ولا يدخل الرجل الحمام إلا بمئزر" بكسر الميم والهمز وتركه ما يؤتزر به "ولا تدخله المرأة إلا من علة" من مرض أو نفاس لا من حيض أو جنابة "ولا يتلاصق
رجلان ولا امرأتان في لحاف واحد ولا تخرج امرأة إلا مستترة فيما لا بد لها منه من شهود موت أبويها أو ذي قرابتها أو نحو ذلك مما يباح لها ولا تحضر من ذلك ما فيه نوح نائحة أو لهو من مزمار أو عود أو شبهه من الملاهي الملهية إلا الدف في النكاح وقد اختلف في الكبر ولا يخلو رجل بامرأة
ــ
رجلان ولا امرأتان في لحاف" أو ثوب "واحد" غير مستوري العورة وهذا على جهة المنع سواء كانت بينهما قرابة أم لا لما رواه أبو داود من قوله عليه الصلاة والسلام: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفض الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفض المرأة إلى المرأة في ثوب واحد" "ولا تخرج امرأة إلا مستترة فيما لا بد" أي لا غنى "لها منه من شهود موت أبويها أو ذي قرابتها" كالأخ "أو نحو ذلك مما يباح لها" الخروج لأجله كجنازة من ذكر وحضور عرسه "ولا تحضر" المرأة "من ذلك" أي مما أبيح لها الخروج إليه "ما فيه نوح نائحة أو لهو من مزمار أو عود أو شبهه من الملاهي الملهية" فيمتنع حضور شيء من ذلك "إلا الدف" بضم الدال فإنه يجوز "في النكاح" خاصة للرجال والنساء "وقد اختلف في الكبر" بفتحتين وهو طبل صغير يجلد من ناحية واحدة فأجازه ابن القاسم ومنعه غيره "ولا يخلو رجل بامرأة"
ليست منه بمحرم ولا بأس أن يراها لعذر من شهادة عليها أو نحو ذلك أو إذا خطبها وأما المتجالة فله أن يرى وجهها على كل حال وينهى النساء عن وصل الشعر وعن الوشم ومن لبس خفا أو نعلا بدأ بيمينه وإذا نزع بدأ بشماله ولا بأس بالانتعال قائما ويكره المشي في نعل واحدة
ــ
شابة ليست بذي محرم منه لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك قائلا: "فإن الشيطان ثالثهما""ولا بأس أن يراها" بمعنى يجوز للرجل أن يرى ما ليست بذي محرم منه "لـ" أجل "عذر من شهادة عليها أو" لها و "نحو ذلك" كنظر الطبيب "أو إذا خطبها" لنفسه وهذا في غير المتجالة "وأما المتجالة" وهي التي لا أرب للرجال فيها "فله أن يرى وجهها على كل حال" لعذر وغيره "وينهى النساء" نهي تحريم "عن وصل الشعر وعن الوشم" لقوله عليه الصلاة والسلام: "لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" المتنمصة: هي التي تنتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقا حسنا والمتفلجة هي التي تبرد أسنانها ليتباعد بعضها عن بعض أو يكون في أسنانها طول فتزيله بالمبرد ومفهوم قوله: للحسن أن الحرام هو المفعول للحسن فلو احتيج إليه لعلاج أو عيب فلا بأس به "ومن لبس خفا أو نعلا" أي أراد أن يلبسهما "بدأ بيمينه" على جهة الاستحباب "وإذا" أراد "نزعهما بدأ بشماله" على جهة الندب "ولا بأس بالانتعال قائما" أي كما يجوز جالسا فلا بأس للجواز المستوي الطرفين "ويكره المشي في نعل واحدة" لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك