الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب
.
الوضوء للصلاة فريضة وهو مشتق من الوضاءة إلا المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين منه فإن ذلك سنة والسواك مستحب مرغب فيه والمسح على الخفين رخصة وتخفيف والغسل من الجنابة ودم الحيض والنفاس فريضة وغسل الجمعة
ــ
"باب جمل" أي في بيان جمل "من الفرائض" وجمل من السنن "الواجبة" أي المؤكدة "و" جمل "من الرغائب" وابتدأ هذا الباب بمسائل فقهية فقال: "الوضوء للصلاة" فرضا كانت أو نفلا "فريضة" أي عبادة مفروضة "وهو مشتق من الوضاءة" وهي الحسن قال زروق وهذا في الظاهر بإزالة الأوساخ وفي الباطن بتكفير الذنوب ولما خشي أن يتوهم من قوله فريضة فرضية جميع أجزائه استثنى ما ليس له هذا الحكم فقال: "إلا المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين منه فإن ذلك سنة" أي كل واحد فالإشارة تعود إلى المذكور "والسواك" في الوضوء بمعنى الاستياك "مستحب مرغب فيه" أي مؤكد في طلبه "والمسح على الخفين رخصة" أي ذو رخصة وهي لغة التخفيف وشرعا إباحة الشيء الممنوع مع قيام السبب المانع ويقابلها العزيمة وهي الحكم المشروع أولا "وتخفيف" عطف بيان "والغسل من الجنابة" وهي الإنزال ومغيب الحشفة "ودم الحيض والنفاس فريضة" أي عبادة مفروضة فرضها الشارع "وغسل الجمعة للصلاة
سنة وغسل العيدين مستحب والغسل على من أسلم فريضة لأنه جنب وغسل الميت سنة والصلوات الخمس فريضة وتكبيرة الإحرام فريضة وباقي التكبير سنة والدخول في الصلاة بنية الفرض فريضة ورفع اليدين سنة والقراءة بأم القرآن في الصلاة فريضة وما زاد عليها
ــ
سنة" مؤكدة وهذا مفسر لقوله في الجمعة والغسل لها واجب "وغسل العيدين مستحب" على المشهور وقيل إنه سنة "والغسل على من أسلم فريضة لأنه جنب" في الغالب أي فما وجب الغسل إلا للجنابة فإذا تحقق أنه لم يجنب لم يجب "وغسل الميت" أي تغسيله غير شهيد المعركة ومن لم يستهل "سنة" وأما غسل الشهيد فحرام "والصلوات الخمس فريضة" فمن جحد وجوبها استتيب فإن لم يتب قتل كفرا "وتكبيرة الإحرام" وهي الله أكبر "فريضة" على كل من يحسنها من فذ وإمام ومأموم "وباقي التكبير سنة" أي إن كل تكبيرة من تكبيرات الصلاة غير تكبيرة الإحرام سنة وليس الجميع سنة وإن قال به أشهب "والدخول في الصلاة بنية الفرض" أي الفريضة أي المفروضة التي هي الصلاة المعينة "فريضة" أي الدخول المصور بنية الفرض فريضة "ورفع اليدين" عند تكبيرة الإحرام فقط دون ما عداها من التكبيرات "سنة" وقيل إن ذلك مستحب "والقراءة بأم القرآن في الصلاة" المفروضة في حق الإمام والفذ في كل ركعة أو في الجل "فريضة" وأما المأموم فيحملها عنه الإمام "وما زاد عليها" أي على أم القرآن في
سنة واجبة والقيام والركوع والسجود فريضة والجلسة الأولى سنة والثانية فريضة والسلام فريضة والتيامن به قليلا سنة وترك الكلام في الصلاة فريضة والتشهدان سنة والقنوت في الصبح حسن وليس بسنة واستقبال القبلة فريضة وصلاة الجمعة والسعي إليها فريضة والوتر سنة واجبة
ــ
الفرض "سنة واجبة" أي مؤكدة "والقيام في الصلاة" المفروضة للقادر عليه غير المسبوق "والركوع والسجود" للقادر عليه "فريضة" بلا خلاف في ذلك كله فإن ترك شيئا من ذلك مع القدرة عليه فصلاته باطلة "والجلسة الأولى" فيما فيه تشهدان "سنة والثانية" بمقدار ما يوقع فيه السلام خاصة "فريضة" والزائد على ذلك سنة "والسلام" من الصلاة "فريضة" من كل صلاة لها سلام فلا سلام لسجدة التلاوة "والتيامن به" أي بالسلام قليلا بحيث ترى صفحة وجهه للإمام والفذ والمأموم "سنة" والمعتمد ما اعتمده صاحب المختصر أنه فضيلة "وترك الكلام في الصلاة" لغير إصلاحها "فريضة" وأما من تكلم لإصلاح صلاته أي يسيرا وأما الكثير فيبطل وكذا الناسي إن تكلم يسيرا فلا شيء عليه وأما الكثير فمبطل "والتشهدان" أي كل تشهد "سنة" على المشهور "والقنوت في الصبح" فقط سرا "حسن" أي مستحب وقوله: "وليس بسنة" تأكيد ولا سجود على من نسيه "واستقبال القبلة فريضة" في كل صلاة ذات ركوع وسجود وغيرها كصلاة الجنائز إلا في الفرض في شدة الخوف وإلا في حال المرض إذا لم يجد من يحوله إلى القبلة فإنه يصلي حيث تيسر "والوتر سنة واجبة"
وكذلك صلاة العيدين والخسوف والاستسقاء وصلاة الخوف واجبة أمر الله سبحانه وتعالى بها وهو فعل يستدركون به فضل الجماعة والغسل لدخول مكة مستحب والجمع ليلة المطر تخفيف وقد فعله الخلفاء الراشدون والجمع بعرفة والمزدلفة سنة واجبة وجمع المسافر في جد السير رخصة
ــ
أي مؤكدة "وكذلك صلاة العيدين و" صلاة "الخسوف" أي خسوف الشمس والقمر "و" صلاة "الاستسقاء" أي طلب السقيا "وصلاة الخوف" أي حالة التحام الحرب "سنة واجبة" أي وجوب السنن المؤكدة وآكدها الوتر ثم العيدان ثم الخسوف ثم الاستسقاء "أمر الله سبحانه وتعالى" بها بقوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} الآية فالصلاة في نفسها فريضة وعلى الهيئة المذكورة سنة "وهو فعل يستدركون به فضل الجماعة" أي يحصلون به السنة "والغسل لدخول مكة مستحب والجمع" بين المغرب والعشاء "ليلة المطر" وفي الطين والظلمة "تخفيف" أي رخصة "وقد فعله الخلفاء الراشدون" وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا وهو القدوة وإنما استشهد بفعلهم دون فعله عليه الصلاة والسلام لأن فعله يتطرق إليه النسخ دون فعلهم لأنه لا نسخ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم "والجمع بعرفة" بين الظهر والعصر "وبالمزدلفة" بين المغرب والعشاء "سنة واجبة" أي مؤكدة "وجمع المسافر" سفرا واجبا كسفر الحج الواجب أو مندوبا أو مباحا كحج التطوع والتجارة "في" حال "جد السير رخصة" وظاهره اشتراط جد السير وهو نص المدونة والذي
وجمع المريض يخاف أن يغلب على عقله تخفيف وكذلك جمعه لعلة به فيكون ذلك أرفق به والفطر في السفر رخصة والإقصار فيه واجب وركعتا الفجر من الرغائب وقيل من السنن وصلاة الضحى نافلة وكذلك قيام رمضان نافلة وفيه فضل كبير ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
ــ
في المختصر عدم الاشتراط "وجمع المريض الذي يخاف أن يغلب على عقله" عند الصلاة الثانية "تخفيف" أي رخصة فإذا جمع ولم يغلب على عقله في وقت الثانية فإنه يعيدها "وكذلك جمعه لـ" أجل "علة به" تخفيف "فيكون ذلك أرفق به" لأنه إذا جمع كان له قيام واحد ووضوء واحد فبالجمع حصل التخفيف "والفطر في السفر" الذي تقصر فيه الصلاة ويرخص فيه الجمع "رخصة" إن شاء فعل وإن شاء ترك والمشهور أن الصوم أفضل "والإقصار فيه" أي قصر الصلاة في السفر بشرطه "واجب" وجوب السنن المؤكدة فلا يحرم الإتمام "وركعتا الفجر من الرغائب" لهما نية تخصهما "وقيل" هما "من السنن" والأول هو المشهور "وصلاة الضحى نافلة" أي متأكدة والنافلة ما دون السنة والرغيبة "وكذلك قيام شهر رمضان نافلة وفيه فضل كبير" لما صح من قوله عليه الصلاة والسلام: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وإلى هذا أشار الشيخ بقوله: "ومن قامه إيمانا واحتسابا" أي محتسبا أجره على الله "غفر له ما تقدم من ذنبه" بمحض
والقيام من الليل في رمضان وغيره من النوافل المرغب فيها والصلاة على موتى المسلمين فريضة يحملها من قام بها وكذلك مواراتهم بالدفن وغسلهم سنة واجبة وكذلك طلب العلم فريضة عامة يحملها من قام بها إلا ما يلزم الرجل في خاصة نفسه وفريضة الجهاد عامة يحملها من قام بها إلا أن يغشى العدو محلة قوم
ــ
الإحسان "والقيام من الليل في رمضان وغيره من النوافل المرغب فيها والصلاة على موتى المسلمين فريضة" من فروض الكفاية "يحملها من قام بها" عن الباقين "وكذلك مواراتهم بالدفن" أي موتى المسلمين "وغسلهم سنة واجبة" أي مؤكدة ولا يخفى عدم الملاءمة في كلامه فإن من يقول بسنية الغسل يقول بسنية الصلاة ومن يقول بوجوبه يقول بوجوبها والراجح القول بوجوب الغسل والصلاة "وكذلك طلب العلم فريضة عامة" أي واجبة على جميع المسلمين "يحملها من قام بها" عن الباقين "إلا" فيـ "ما يلزم الرجل في خاصة نفسه" كالتوحيد والوضوء والصلاة والحج والبيع والشراء لما تقرر وثبت أنه لا يجوز لأحد أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه فهذه من فروض الأعيان لا يحملها أحد عن أحد "وفريضة الجهاد عامة" أي واجبة على جميع المسلمين "يحملها من قام بها منهم" فتسقط عن الباقين "إلا أن يغشى العدو محلة قوم" أي يغير ويهجم على محلة قوم بفتح الميم
فيجب فرضا عليهم قتالهم إذا كانوا مثلي عددهم والرباط في ثغور المسلمين وسدها وحياطتها واجب يحمله من قام به وصوم شهر رمضان فريضة والاعتكاف نافلة والتنفل بالصوم مرغب فيه وكذلك صوم يوم عاشوراء ورجب وشعبان ويوم عرفة والتروية وصوم يوم عرفة لغير الحاج أفضل منه للحاج
ــ
المكان ينزله القوم "فيجب فرضا عليهم" أي يجب وجوبا مؤكدا عينا على الذكر والأنثى الحر والعبد "قتالهم إذا كانوا مثلي عددهم" فإذا بلغ عدد الكفار أكثر من مثليهم جاز لهم الفرار "والرباط" وهو الإقامة "في ثغور المسلمين" وهي الفرج الكائنة بين المسلمين والكفار "وسدها وحياطتها" أي حفظها "واجب" وجوب فرض الكفاية "يحمله من قام به" عن بقية المسلمين "وصوم شهر رمضان فريضة" على كل مسلم مكلف "والاعتكاف" وهو ملازمة المسجد المباح للذكر وتلاوة القرآن "نافلة" وقيل إنه سنة "والتنفل بالصوم مرغب فيه" وهو أحسن ما فسر به قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فقد فسر الصبر بالصوم "وكذلك صوم يوم عاشوراء" بالمد وهو العاشر من المحرم مرغب فيه "و" كذلك صوم شهر "رجب مرغب" فيه "و" كذلك صوم شهر "شعبان" مرغب فيه "و" كذلك صوم "يوم عرفة" وهو التاسع من ذي الحجة مرغب فيه "و" كذلك صوم "يوم التروية" وهو الثامن من ذي الحجة مرغب فيه "وصوم يوم عرفة لغير الحاج أفضل" وفي نسخة أحسن "منه للحاج"
وزكاة العين والحرث والماشية فريضة وزكاة الفطر سنة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحج البيت فريضة والعمرة سنة واجبة والتلبية سنة واجبة والنية بالحج فريضة والطواف للإفاضة فريضة والسعي بين الصفا والمروة فريضة والطواف المتصل به واجب وطواف الإفاضة آكد منه والطواف للوداع سنة والمبيت بمنى ليلة يوم عرفة سنة والجمع بعرفة واجب والوقوف
ــ
وأما الحاج فالفطر له أفضل "وزكاة العين" الذهب والفضة "و" زكاة "الحرث و" زكاة "الماشية فريضة" أي كل ذلك واجب "وزكاة الفطر سنة" أي واجبة بالسنة وهو معنى قوله: "فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي فهي واجبة بالسنة "وحج البيت فريضة" في العمر مرة واحدة "والعمرة سنة واجبة" أي مؤكدة مرة واحدة في العمر "والتلبية" في الحج والعمرة "سنة واجبة" أي مؤكدة "والنية بالحج فريضة و" كذا "الطواف للإفاضة" وهو الذي يفعل بعد الرجوع من عرفة "فريضة" بلا خلاف "و" كذلك "السعي بين الصفا والمروة فريضة وكذلك الطواف المتصل به" أي بالسعي وهو طواف القدوم "واجب" يترتب على تركه دم "وطواف الإفاضة آكد منه" أي من طواف القدوم "والطواف للوداع سنة" والذي في المختصر أنه مستحب "والمبيت بمنى ليلة يوم عرفة سنة" لا دم على من تركه وقوله: "والجمع بعرفة واجب" تكرار مع ما تقدم "والوقوف
بعرفة فريضة ومبيت المزدلفة سنة واجبة ووقوف المشعر الحرام مأمور به ورمي الجمار سنة واجبة وكذلك الحلاق وتقبيل الركن سنة واجبة والغسل للإحرام سنة والركوع عند الإحرام سنة وغسل عرفة سنة والغسل لدخول مكة مستحب والصلاة في الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة والصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فذا أفضل من الصلاة في سائر المساجد واختلف في مقدار
ــ
بعرفة فريضة" بلا خلاف "ومبيت المزدلفة سنة واجبة" أي مؤكدة "ووقوف المشعر الحرام مأمور به" استحبابا "ورمي الجمار سنة واجبة" أي مؤكدة "وكذلك الحلاق" في حق الرجل دون المرأة "سنة واجبة" أي مؤكدة "وتقبيل الركن" يعني الحجر الأسود في أول شوط "سنة واجبة" أي مؤكدة "والغسل للإحرام سنة" للرجل والمرأة ولو حائضا أو نفساء "والركوع عند الإحرام سنة وغسل عرفة" لأجل الوقوف بعرفة سنة وقوله: "والغسل لدخول مكة مستحب" تكرار "والصلاة في الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" وفي رواية بخمس وعشرين جزءا ولا تنافي لجواز كون الجزء أكبر من الدرجة "والصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فذا أفضل من الصلاة في سائر المساجد" ويليهما في الفضل مسجد إيلياء وهو بيت المقدس "واختلف في مقدار
التضعيف بذلك بين المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يختلف أن الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه وسوى المسجد الحرام من المساجد وأهل المدينة يقولون إن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون الألف وهذا كله في الفرائض وأما النوافل ففي البيوت أفضل والتنفل بالركوع
ــ
التضعيف" أي الزيادة "بذلك" التفضيل "بين المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام" لم يرد ما هو الظاهر من أنه اختلف بماذا يفضل أحد المسجدين على الآخر وإنما أراد بيان الخلاف الواقع بين العلماء هل مكة أفضل أو المدينة ومشهور المذهب أن المدينة أفضل ومعنى التفصيل بينهما أن ثواب العمل في إحداهما أكثر من ثواب العمل في الأخرى "ولم يختلف أن الصلاة في مسجد الرسول" عليه الصلاة والسلام "أفضل من ألف صلاة فيما سواه وسوى المسجد الحرام من المساجد" واختلفت هل الصلاة فيه أفضل أو الصلاة في المسجد الحرام "فأهل" أي علماء "المدينة المشرفة يقولون إن الصلاة فيه" أي في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام "أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون الألف" قال بعضهم معناه: بسبعمائة "وهذا" التفضيل الذي ذكر إنما هو "في الفرائض وأما النوافل فـ" فعلها "في البيوت أفضل" لقوله عليه الصلاة والسلام: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم" أي شيئا من صلاتكم في بيوتكم "والتنفل بالركوع
لأهل مكة أحب إلينا من الطواف والطواف للغرباء أحب إلينا من الركوع لقلة وجود ذلك لهم ومن الفرائض غض البصر عن المحارم وليس في النظرة الأولى بغير تعمد حرج ولا في النظر إلى المتجالة ولا في النظر إلى الشابة لعذر من شهادة عليها وشبهه وقد أرخص في ذلك
ــ
لأهل مكة" أي سكانها "أحب إلينا" أي إلى المالكية "من الطواف" لئلا يزاحموا الغرباء "وبالطواف للغرباء" وهم أهل المواسم "أحب إلينا من الركوع لقلة وجود ذلك لهم" وذلك أن الطواف إنما يكون حول البيت الحرام وأما الركوع فيتيسر ولو للخارج من مكة "ومن الفرائض غض البصر" قال ابن القطان الإجماع على أن العين لا تتعلق بها كبيرة ولكنها أعظم الجوارح آفة على القلب وأسرع الأمور في خراب الدين والدنيا "عن النظر إلى جميع المحارم" أي المحرمات كالنظر للأجنبية والأمرد على وجه التلذذ لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} الآية الغض اسم للكسر والبصر للعين "وليس في النظرة الأولى" إلى المحارم "بغير تعمد" أي قصد "حرج" أي إثم "ولا" حرج "في النظر إلى المتجالة" أي التي لا أرب فيها للرجال "ولا" حرج "في النظر إلى الشابة" وتأمل صفتها "لعذر من شهادة عليها" في نكاح أو بيع ومثل الشاهد الطبيب والجرائحي وإليه أشار بقوله: "أو شبهه" أي شبه العذر من شهادة فيجوز للطبيب والجرائحي النظر إلى موضع العلة وإن كانت في العورة لكن يبقر الثوب قبالة العلة وينظر إليها لأنه إذا لم يبقر الثوب لربما تعدى نظره إلى غير موضع العلة "وقد أرخص في ذلك" أي في النظر إلى الشابة
للخاطب ومن الفرائض صون اللسان عن الكذب والزور والفحشاء والغيبة والنميمة والباطل كله قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا
ــ
"للخاطب" أي إذا كان قصده مجرد علم صفتها فقط وهذا نظره قاصر على رؤية الوجه والكفين وإنما رخص له في النظر إليهما لأنه يستدل برؤية الوجه على الجمال وبرؤية الكفين على خصب البدن ومصدر ذلك أمره عليه الصلاة والسلام بذلك "ومن الفرائض صون اللسان" أي حفظه "عن الكذب" وهو الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه "و" من الفرائض أي من الأمور الواجبة على كل إنسان بعينه صون اللسان عن شهادة "الزور" وهو أن يشهد بما لم يعلم وإن وافق الواقع "و" منها صون اللسان عن "الفحشاء" وهي كل محرم أي من قول أو فعل "و" منها صون اللسان عن "الغيبة" وهي أن يقول الإنسان في غيره في غيبته ما يكره أي من شأنه فخرج ما إذا كان الإنسان يكره أن يذكر بطاعة لأن هذا مدح والمدح ليس شأنه ذلك فإذا مدحه بما يكرهه وليس فيه فيحرم من جهة أنه كذب لا من جهة أنه غيبة "والنميمة" أي ومنها صون اللسان عن النميمة وهي نقل الكلام عن المتكلم به إلى غير المتكلم به على وجه الإفساد بالإضافة البيانية أي وجه هو الإفساد "و" عن "الباطل كله" أي يجب صون اللسان عن الباطل كله من الأقوال حيث كان مصدرها اللسان فالمراد الباطل من الأقوال والباطل أكثر من أن يحصى وهو خلاف الحق ثم استدل على ما ذكر بحديثين صحيحين وإن كانا لا ينتجان خصوص المدعى وهو الفرضية إلا أنهما ينتجان المدعى بوجه عام وهو مطلق طلب صون اللسان على الكذب بقوله: "قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا
أو ليصمت" وقال عليه السلام: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وحرم الله سبحانه دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم إلا بحقها ولا يحل دم امرئ مسلم إلا أن يكفر بعد إيمانه
ــ
أو ليصمت" لما كان ظاهر الحديث أنه مخير بين قول الخير أو السكوت عنه وهذا غير صحيح لأن الكلام قد يكون واجبا كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلذا صرف عن ظاهره وقيل إن معناه فليقل خيرا يثب عليه ويسكت عن شر يعاقب عليه أي فيكون مطلوبا بالأمرين فعل الخير والسكوت عن الشر "وقال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" الذي لا يعنيه هو كل ما لا تعود عليه منه منفعة لدينه ولا لآخرته والذي يعنيه ما يكون في تركه فوات الثواب وإنما قال: "من حسن إسلام المرء" ولم يقل من إسلام المرء لأن ترك ما لا يعني ليس هو الإسلام ولا جزءا منه وإنما هو من أوصافه الحسنة "وحرم الله سبحانه وتعالى دماء المسلمين" بقوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} وكذا دماء أهل الذمة والمعاهد "و" حرم سبحانه وتعالى "أموالهم وأعراضهم" بقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أربى الربا عند الله استحلال عرض المسلم" مفاد الحديث اعتقاد حليته إلا أنه ليس بمراد وإنما المراد التكلم في عرضه لكن لما كان المتكلم في الأعراض كأنه مستحل لها أطلق عليه الاستحلال والاستثناء في قوله: "إلا بحقها" راجع للأمور الثلاثة فحق الأموال أن من استهلك شيئا منها فعليه قيمته وحق الأعراض ما يأتي من قوله ولا غيبة في هذين في ذكر حالهما وحق استباحة الدماء ما أشار إليه بقوله: "ولا يحل دم امرئ مسلم إلا أن يكفر بعد إيمانه" أي بعد أن يستتاب
أو يزني بعد إحصانه أو يقتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض أو يمرق من الدين ولتكف يدك عما لا يحل لك من مال أو جسد أو دم ولا تسع بقدميك فيما لا يحل لك ولا تباشر بفرجك أو بشيء من جسدك ما لا يحل لك قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} وحرم الله سبحانه الفواحش
ــ
ثلاثة أيام "أو يزني بعد إحصانه أو يقتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض" وهو قطع الطريق لمنع السلوك "أو يمرق من الدين" بأن يعتقد اعتقاد أهل الأهواء الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" في المصباح: "مرق السهم من الرمية مروقا" من باب قعد نفذ من الجانب الآخر انتهى والرمية ما يرمى من الحيوان ذكرا كان أو أنثى "ولتكف يدك عما لا يحل لك" تناوله "من مال كالسرقة أو" مباشرة "جسد" غير الزوجة والأمة مما يتلذذ به ذكرا كان أو أنثى "أو" مباشرة "دم" قتلا أو جرحا "ولا تسع بقدميك فيما لا يحل لك" المشي إليه كالزنا "ولا تباشر بفرجك أو بشيء من جسدك ما لا يحل لك" مثل الزنا واللواط والاستمناء باليد "قال الله سبحانه" وتعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} أي المتجاوزون ما لا يحل لهم "وحرم الله سبحانه الفواحش" قال التتائي هي كل مستقبح من قول أو فعل
ما ظهر منها وما بطن وأن يقرب النساء في دم حيضهن أو نفاسهن وحرم من النساء ما تقدم ذكرنا إياه وأمر بأكل الطيب وهو الحلال فلا يحل لك أن تأكل إلا طيبا ولا تلبس إلا طيبا ولا تركب إلا طيبا ولا تسكن إلا طيبا وتستعمل سائر ما تنتفع به طيبا ومن وراء ذلك
ــ
"ما ظهر منها" على الجوارح "وما بطن" في الضمائر "و" حرم الله سبحانه وتعالى "أن يقرب النساء في دم حيضهن أو نفاسهن" بالجماع في الفرج بل يحرم التمتع بغير النظر بما بين السرة والركبة ولو بغير الوطء ومن فوق حائل ولا حرج في النظر ومصداق هذا قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} "وحرم من النساء ما تقدم ذكرنا إياه" في باب النكاح وهو أنه يحرم سبع بالقرابة وسبع بالرضاع والصهر "وأمر بأكل الطيب وهو الحلال" والحلال هو ما انحلت عنه التبعات فلم يتعلق به حق الله ولا حق لغيره وإليه الإشارة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} والمراد بالأكل هنا الانتفاع فإذا علمت أن الله تعالى أمرك تأكل الطيب "فلا يحل لك أن تأكل إلا طيبا" أي حلالا قال ابن عباس لا يقبل الله صلاة من في بطنه حرام "ولا" يحل لك "أن تلبس إلا طيبا" أي حلالا "ولا" يحل لك "أن تركب" شيئا من الدواب "إلا طيبا" فركوب الدابة المغصوبة أو المشتراة بمال حرام حرام "ولا" يحل لك "أن تسكن إلا طيبا" فسكنى ما اشترى بمال حرام حرام "وتستعمل سائر ما تنتفع به طيبا" أي حلالا "ومن وراء ذلك" أي
مشتبهات من تركها سلم ومن أخذها كان كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه وحرم الله سبحانه أكل المال بالباطل ومن الباطل الغصب والتعدي والخيانة والربا والسحت والقمار والغرر والغش والخديعة
ــ
الحلال أمور "متشابهات من تركها سلم ومن أخذ منها كان كالراتع حول الحمى يوشك" بكسر الشين أي يقرب "أن يقع فيه" فإذا وقع فيه فإنه يخاف عليه من سطوة صاحب الحمى والحمى لغة ما يحميه صاحب الشوكة ويمنع غيره من الرعي فيه والقصد اجتناب المتشابه والاقتصار على محقق الحل "وحرم الله سبحانه أكل المال بالباطل" أي أخذه من وجه غير جائز وليس المراد حقيقة الأكل وإنما عبر عن الأخذ بالأكل لأن الغالب فيما يكتسب أن يراد للأكل "ومن الباطل الغصب" وهو استيلاء يد عادية على مال الغير "و" من الباطل "التعدي" في الكراء "و" منه "الخيانة" وهو أن يخون غيره في ماله أو أهله أو في أمانته أو نفسه "و" منه "الربا" وهو الزيادة في الثمن أو الأجل على غير وجه سائغ "و" منه "السحت" وهو الرشوى التي يأخذها الشاهد على شهادته أو القاضي على حكمه والذي في غير هذه النسخة الرشوة بالهاء وكذا في المصباح بالهاء "و" منه "القمار" وهو ما يأخذ بعضهم من بعض على لعب الشطرنج ونحوه "و" منه "الغرر" الكثير كشراء الطير في الهواء والسمك في البحر وأما اليسير فمغتفر لأن البياعات لا تنفك عنه كالحبوب المباعة فإنها لا تخلو من نحو طين "و" منه "الغش" بكسر الغين وهو خلط الشيء بغير جنسه أو بجنسه الدنيء "و" منه "الخديعة" بالكلام أو الفعل
والخلابة وحرم الله سبحانه أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وما ذبح لغير الله وما أعان على موته ترد من جبل أو وقذة بعصا أو غيرها والمنخنقة بحبل أو غيره
ــ
ليتوصل إلى عرض دنيوي كأن يقول من يتعاطى البيع لرجل قدم عليه نهارك مبارك حصل أنسكم قصده التوصل إلى أن يشتري منه "و" منه "الخلابة" بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وفسرت بالخديعة "وحرم الله" سبحانه وتعالى "أكل الميتة" ما عدا ميتة البحر "و" أكل "الدم و" حرم "لحم الخنزير" أي أكله "و" حرم أكل "ما أهل لغير الله به" أي ما ذبح ورفعت عليه الأصوات بغير ذكر الله تعالى مثل أن يذكر عليه اسم المسيح "و" حرم الله سبحانه وتعالى أكل "ما ذبح لغير الله" كالأصنام وفي كلامه هنا مع ما تقدم من قوله في الضحايا ولا بأس بأكل طعام أهل الكتاب معارضة وجهها أن من جملة طعام أهل الكتاب ذبائحهم لقصد عيسى مثلا فيكون مفيد الحل ما ذبح لغير الله وأجاب ابن عمر بأن ما قاله هنا محمول على ذبائح المجوس ويبقى ما في الضحايا على إطلاقه وحاصل هذا الجواب أن ذبائح أهل الكتاب تؤكل مطلقا أهل عليها لغير الله أو لا وليس كذلك وفقه المسألة أن ذبح الكتابي لا يحل إذا أهل به لغير الله وذبح المجوسي لا يحل مطلقا "و" أكل "ما" أي الذي "أعان على موته ترد من جبل" أي فلا يؤكل ولو ذكي لأنه لا يدرى هل مات من الذكاة أو السقوط من علو إلى سفل كما لو سقط من نحو جبل "أو" أعان على موته "وقذة" أي رمية "بعصا أو غيرها" كالحجر "و" حرم الله "المنخنقة" أي أكلها وهي ما تخنق "بحبل أو غيره" مثل أن تخنق بين عودين
إلا أن يضطر إلى ذلك كالميتة وذلك إذا صارت بذلك إلى حال لا حياة بعده فلا ذكاة فيها ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود فإن استغنى عنها طرحها ولا بأس بالانتفاع بجلدها إذا دبغ ولا يصلى عليه ولا يباع
ــ
ودليل تحريم هذه المذكورات قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} الخ الآية "إلا أن يضطر إلى" أكل "ذلك" فإنها لا يحرم أكلها "كـ" المضطر لأكل "الميتة" من مأكول اللحم وغيره ما عدا ميتة الآدمي "وذلك" أي تحريم أكل المتردية وما ذكر معها "إذا صارت بذلك" الفعل الذي هو التردي أو الوقذ أو الخنق "إلى حال لا حياة بعده" عادة فإذا وصلت إلى هذه الحالة "فلا ذكاة" تؤثر "فيها" ظاهره سواء أنفذت مقاتلها أم لا وهو خلاف المذهب والمذهب التفصيل فإن أنفذت مقاتلها تحقيقا أو شكا لم تفد فيها الذكاة وإلا فالذكاة مفيدة فيها وإن أيس من حياتها "ولا بأس للمضطر" الذي بلغ الجوع منه مبلغا يخاف منه على نفسه الهلاك "أن يأكل الميتة" وظاهر قوله ولا بأس إن ترك الأكل أفضل وليس كذلك بل هو واجب كما قال مالك لقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} "و" إذا أكل لا بأس أن "يشبع" منها كما قال ابن ناجي وعند مالك لا يأكل إلا ما يسد رمقه خاصة "و" أن "يتزود" منها فقال مالك له ذلك وقيل ليس له ذلك وإذا قلنا بالأول "فـ" إنه إن "استغنى عنها طرحها" أي وجوبا "ولا بأس بالانتفاع بجلدها" أي الميتة "إذا دبغ" في اليابسات والماء فقط أما إذا لم يدبغ فلا ينتفع به أصلا "ولا يصلى عليه ولا يباع"
ولا بأس بالصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها وينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في الحياة وأحب إلينا أن يغسل ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها وكره الانتفاع بأنياب الفيل وكل شيء من الخنزير حرام وقد أرخص في الانتفاع بشعره وحرم الله سبحانه شرب الخمر قليلها وكثيرها وشراب العرب
ــ
على المشهور فالمشهور أنه لا يصلى عليه ولا يباع "ولا بأس بالصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها وينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في" حال "الحياة" أي إن جز أيضا والضمير في منها راجع للميتة لا من حيث كونها ميتة بالفعل أي ميتة بحسب الإمكان "وأحب إلينا أن يغسل" وقال ابن حبيب يجب غسله "ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها" المراد بالريش قصب ريش الميتة لأن الزغب كالشعر في طهارته بالجز وأما القرن فلا ينتفع به مطلقا طرفه وأصله سواء في عدم الانتفاع والأظلاف هي الأخفاف "وأنيابها وكره الانتفاع بأنياب الفيل" أي غير المذكى "وكل شيء من الخنزير" لحمه وشحمه وعظمه وجلده "حرام" أي أكله والانتفاع به "وقد أرخص في الانتفاع بشعره" لأنه ليس بنجس على المشهور "وحرم الله سبحانه" وتعالى "شرب الخمر قليلها وكثيرها" قال في شرح عمدة الأحكام إن بعض الشيوخ يقول حتى لو أخذ منها برأس إبرة على لسانه لحد انتهى "وشراب العرب" وهم الصحابة وغيرهم لأن
يومئذ فضيخ التمر وبين الرسول عليه السلام أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام وكل ما خامر العقل فأسكره من كل شراب فهو خمر وقال الرسول عليه السلام: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" ونهى عن الخليطين من الأشربة وذلك أن يخلطا عند الانتباذ
ــ
الخمر لم يكن حراما قبل "يومئذ" أي يوم تحريم الخمر "فضيخ التمر" بفاء وضاد وخاء معجمتين بينهما تحتية ساكنة وهو تمر يهرس ويجعل في الأواني ويجعل عليه ماء ويترك حتى يتخمر أي يصير خمرا مسكرا "وبين الرسول عليه" الصلاة و "السلام أن كل ما أسكر كثيره من جميع الأشربة فقليله حرام" أي ولو لم يسكر "وكل ما خامر" أي ستر "العقل فأسكره من كل شراب فهو خمر" لما كان يتوهم قصر الخمر على ماء العنب قال وكل ما خامر العقل أي ستر العقل وقوله فأسكره أي فليس المراد كل ساتر للعقل بل أراد سترا تسبب عنه إسكار أي نشوة وفرح "وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "إن الذي حرم شربها" وهو الله "حرم بيعها" روى مالك في الموطأ أن ابن عباس قال أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما علمت أن الله حرمها؟ "، قال: لا، فسأله إنسان إلى جنبه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما "ونهى" عليه الصلاة والسلام "عن الخليطين من الأشربة" أي عن شرب الخليطين لأن النهي إنما يتعلق بالأفعال "و" يصور "ذلك" بحالتين إحداهما "أن يخلطا عند الانتباذ" بأن
وعند الشرب ونهى عن الانتباذ في الدباء والمزفت ونهى عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل لحوم الحمر الأهلية ودخل مدخلها لحوم الخيل والبغال لقول الله تبارك وتعالى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} ولا ذكاة في شيء منها إلا
ــ
يفضخ التمر والزبيب مثلا ويخلطا ويوضعا في إناء ويصب عليهما الماء ويتركا حتى يتخمرا "و" الحالة الثانية أن ينبذ هذا على حدة وهذا على حدة ثم يخلطا "عند الشرب" فالنهي متعلق بكل من الحالتين "ونهى" عليه الصلاة والسلام "عن الانتباذ في الدباء" بضم الدال وتشديد الباء وبالمد القرع "و" عن الانتباذ في "المزفت" وهي قلال تزفت أي تطلى بالزفت وإنما نهى عن ذلك لأن السكر يسرع إليهما "ونهى عليه" الصلاة و "السلام عن" أكل "كل ذي ناب من السباع" وهو كل ما له ناب يعدو به ويفترس كالفهد والنمر والذئب وأما الثعلب فليس بسبع وإن كان له ناب لأنه لا يعدو به ولا يفترس "ونهى عليه" الصلاة و "السلام عن أكل لحوم الحمر الأهلية ودخل مدخلها" في منع الأكل "لحوم الخيل والبغال" أي شارك أكلها في الحرمة أكل لحوم الخيل الخ وذلك أن الله تعالى لما ذكر الأنعام قال: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ولما ذكر هؤلاء لم يذكر غير الركوب والزينة فدل على أنه لا يجوز فيها إلا ذلك وإلى ذلك الغرض أشار الشيخ بقوله: "لقول الله تبارك وتعالى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} أي يتزين بها "ولا ذكاة في شيء منها" أي من ذي الناب وما بعده أي لا تعمل فيه الذكاة شيئا أصلا بحيث يترتب عليها حل الأكل "إلا
في الحمر الوحشية ولا بأس بأكل سباع الطير وكل ذي مخلب منها ومن الفرائض بر الوالدين وإن كانا فاسقين وإن كانا مشركين فليقل لهما قولا لينا وليعاشرهما بالمعروف ولا يطعهما في معصية كما قال الله سبحانه وتعالى وعلى المؤمن أن يستغفر لأبويه المؤمنين وعليه موالاة المؤمنين.
ــ
في الحمر الوحشية" فإنها تعمل فيها الذكاة ما دامت متوحشة والاستثناء في كلامه منقطع لأن الحمر الوحشية لم تدخل فيما تقدم "ولا بأس بأكل سباع الطير" كالبازي وظاهر قوله: "وكل ذي مخلب منها" أن السباع غير ذي المخلب وليس كذلك ويلتزم التأويل في كلامه بأن نقول تقديره وهي كل ذي مخلب منها والمخلب الظفر الذي يعقر به "ومن الفرائض بر الوالدين وإن كانا فاسقين" بالعمل أو الاعتقاد "وإن كانا مشركين" أي فيقود الأعمى منهما للكنيسة ويحملهما لها ويعطيهما ما ينفقانه في أعيادهما "فليقل لهما قولا لينا" بأن لا يرفع صوته فوق صوتهما "وليعاشرهما بالمعروف" أي بكل ما عرف من الشرع الإذن فيه "ولا يطعهما في معصية كما قال الله سبحانه وتعالى": {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} "و" يجب "على المؤمن أن يستغفر لأبويه المؤمنين" لقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} "ولا يستغفر لهما إذا كانا كافرين بعد الموت إجماعا "و" يجب "عليه" أي المؤمن "موالاة المؤمنين" وهي الألفة والاجتماع أي إظهار المحبة لهم وعدم ما يوجب المنافرة من حسد
والنصيحة لهم ولا يبلغ أحد حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه كذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليه أن يصل رحمه ومن حق المؤمن على المؤمن أن يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض
ــ
وغيره "و" يجب على المؤمن "النصيحة لهم" أي للمؤمنين لما صح من قوله عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة" أي معظم الدين النصيحة كما قال: "الحج عرفة" وحين قال له الحاضرون: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" فالنصيحة لله أن تصفه بما وصف به نفسه من سائر الصفات الواجبة له وتنزهه عما لا يليق به والنصيحة لكتابه أن تتلوه حق تلاوته وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه والنصيحة لرسوله أن تؤمن به وبجميع ما جاء به والنصيحة لأئمة المسلمين بامتثال أوامرهم واتباع قوانينهم الموافقة للشرع من الموازين والمكاييل وغير ذلك والنصيحة لعامتهم أن ترشدهم إلى ما فيه مصالحهم وأن تعاملهم بالصدق "ولا يبلغ أحد حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه" ذكر المحبة مبالغة لأنها الركن الأعظم ومستلزمة لبقية الأركان فلا يرد أن الإيمان له أركان أخر وذكر الأخ ليحترز به عن الرسول صلوات الله عليه فإن المرء لا يكون مؤمنا حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ماله وولده ونفسه أفاده التتائي "و" يجب "عليه" أي المؤمن "أن يصل رحمه" وهو كل قرابة أي ذي قرابة بنسب من جهة الأبوة أو الأمومة "ومن حق المؤمن على المؤمن أن يسلم عليه" أي يبدأه بالسلام "إذا لقيه و" من حقه عليه أن "يعوده إذا مرض" ومن آداب ذلك أن يقل عنه السؤال أي عن
ويشمته إذا عطس ويشهد جنازته إذا مات ويحفظه إذا غاب في السر والعلانية ولا يهجر أخاه فوق ثلاث ليال والسلام يخرجه من الهجران ولا ينبغي له أن يترك كلامه بعد السلام والهجران الجائز هجران ذي البدعة أو متجاهر بالكبائر لا يصل إلى عقوبته
ــ
حاله وأن يظهر له الشفقة وأن لا يقنطه "و" من حقه عليه "أن يشمته إذا عطس" أي يقول له: يرحمك الله إذا سمعه يحمد الله "و" من حقه عليه "أن يشهد جنازته إذا مات" لأجل الصلاة عليه والدفن "وأن يحفظه إذا غاب في السر" بأن لا يغتابه "و" يحفظه في "العلانية" بأن لا يشتمه ولا يأخذ ما له علانية "ولا" يجوز للمؤمن أن "يهجر أخاه" المؤمن بحيث لا يكلمه ولا يسلم عليه "فوق ثلاث ليال" بأيامها لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال" ومفهومه أن هجران الثلاثة جائز وهو كذلك لأنه لو حرم الهجران مطلقا لكان في ذلك مشقة لأن طبع الإنسان قل أن ينفك عن غضب "والسلام يخرج من الهجران" إن نوى به ذلك فإن رد الآخر فقد خرجا من الهجران معا وإلا فقد خرج المسلم فقط "ولا ينبغي" بمعنى يستحب "له أن" لا "يترك كلامه بعد السلام" أي يستحب له أن يسترسل ويداوم على كلامه لأن في تركه بعد السلام إساءة الظن به "والهجران الجائز" شيئان "هجران ذي البدعة" المحرمة كالقدرية هم طائفة يقولون الخير والشر من الإنسان لا من الله "أو متجاهر بالكبائر" أي معلن بها بحيث
ولا يقدر على موعظته أو لا يقبلها ولا غيبة في هذين في ذكر حالهما ولا فيما يشاور فيه لنكاح أو مخالطة ونحوه ولا في تجريح شاهد ونحوه ومن مكارم الأخلاق أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من
ــ
لا يستتر عند فعلها كما إذا كان يشرب الخمر مثلا جهارا ومحل هجران معلن الكبيرة إذا كان لا يقدر على عقوبته الشرعية من أدب ونحوه كبقية أنواع التعزير وإلا لزمه ذلك "ولا يقدر على موعظته" أي لشدة تجبره "أو" يقدر عليها لكنه "لا يقبلها" أي لعدم عقل ونحوه "ولا غيبة في هذين" أي المبتدع والمتجاهر "في ذكر حالهما" أي بسبب ذكر حالهما بالفسق بالاعتقاد وبالجارحة فقط إذا سئل عن حالهما بأن يقول في المبتدع فلان اعتقاده باطل لمخالفته أهل السنة وفي حق المتجاهر فلان مصر على الكبائر فيجوز ذكر كل بما يتجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب "ولا" تجوز غيبتهما في غير هذين الوجهين إلا "فيما يتشاور فيه" أي الذي تشرع فيه المشاورة مثل أن يسأل عنه "لـ" أجل "نكاح" أي بأن يقول شخص لآخر أريد أن أتزوج بنت فلان ولا أعرف حاله فيجوز له ذكر حاله بقصد النصيحة لا غير "أو" لأجل "مخالطة" كالشركة "ونحوه" مثل أن يسأل عنه لأجل أن يتصدق عليه هل هو أهل لذلك أم لا "و" كذا "لا" غيبة "في تجريح شاهد ونحوه" أي نحو الشاهد كالإمام للصلاة يريدون أن يقدموه فسألوه عنه فإنه يجوز له أن يخبرهم بجراحته بل يجب عليه ذلك وكذا يجوز له جراحة الراوي مخافة أن يتقول على النبي صلى الله عليه وسلم مالم يقل "ومن مكارم الأخلاق أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من
حرمك وتصل من قطعك وجماع آداب الخير وأزمته تتفرع عن أربعة أحاديث قول النبي عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" وقوله عليه السلام: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وقوله عليه السلام للذي اختصر له في الوصية: "لا تغضب"
ــ
حرمك وتصل من قطعك" لقوله عليه الصلاة والسلام: "أمرني ربي أن أصل من قطعني وأعطي من حرمني وأعفو عمن ظلمني" "وجماع آداب الخير" أي خصال الخير وسميت بالآداب لأن بها يحصل التأديب "وأزمته" جمع زمام الطريق الموصل إليه وهو في الأصل ما يقاد به البعير أطلق على الطريق الموصل للخير على جهة المجاز لأن كلا يقود إلى ما ينتفع به "تتفرع" أي تتخرج "عن أربعة أحاديث" مرفوعة:
أحدها: "قول النبي عليه الصلاة والسلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" أي فليقل خيرا يؤجر عليه أو يسكت عن شر يعاقب عليه.
وثانيها: "قوله عليه" الصلاة و "السلام: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وهو ما لا تعود عليه منه منفعة دنيوية ولا أخروية.
"و" ثالثها: "قوله عليه" الصلاة و "السلام لـ" لرجل "الذي اختصر له في الوصية" حين قال له أوصني قال: "لا تغضب" فردد مرارا أي فرجع ترجيعا مرارا أي حيث يقول له أوصني يعتقد أن عدم الغضب ليس أمرا يعتد به فقال: "لا تغضب" مفيدا له أن عدم الغضب أمر عظيم يعتد
وقوله عليه السلام: "المؤمن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه" ولا يحل لك أن تتعمد سماع الباطل كله ولا أن تتلذذ بسماع كلام امرأة لا تحل لك ولا سماع شيء من الملاهي والغناء
ــ
به لما يترتب على الغضب من المفاسد الدنيوية والأخروية وعلى عدمه من المصالح والثمرات الأخروية ما لا يحصى لأن الله تعالى خلق الغضب من النار وعجنه بطينة الإنسان فمهما نوزع في غرض من أغراضه اشتعلت نار الغضب فيه وفارت فورانا يغلي منه دم القلب وينتشر في العروق فيرتفع إلى أعالي البدن ارتفاع الماء في القدر ثم ينصب في الوجه والعينين حتى يحمرا منه إذ البشرة لصفائها كالزجاجة تحكي ما ورءاها وغرض الشارع صلوات الله عليه أي لا تعمل موجبات الغضب لا أنه ينهاه عن شيء جبل عليه لأنه لا يمكن إخراجه عن جبلته.
"و" رابعها "قوله عليه" الصلاة و "السلام: "المؤمن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه" وهو في البخاري بلفظ: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" أي من الطاعات والأشياء المباحات "ولا يحل لك" أيها المكلف "أن تتعمد سماع الباطل كله" كان الباطل قولا كالغيبة أو فعلا كصوت آلات الملاهي وصوتها فعل لها حقيقة وفعل للشخص من حيث إنه متسبب عن فعله "ولا" يحل لك "أن تتلذذ بسماع صوت" كلام "امرأة لا تحل لك" أي لا يحل لك مناكحتها أي فيجوز التلذذ بكلام من تحل من زوجة أو أمة وكذا لا يحل التلذذ بصوت الأمرد الذي فيه لين "ولا" يحل لك "سماع شيء من آلات الملاهي" كالعود "و" كذا لا يحل لك سماع "الغناء بالمد"
ولا قراءة القرآن باللحون المرجعة كترجيع الغناء وليجل كتاب الله العزيز أن يتلى إلا بسكينة ووقار وما يوقن أن الله يرضى به ويقرب منه مع إحضار الفهم لذلك ومن الفرائض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من بسطت يده في الأرض
ــ
وهو الصوت الذي يطرب به "ولا" يحل لك "قراءة القرآن" ولا سماعه "باللحون المرجعة" أي الأصوات المطربة "كترجيع الغناء" بالمد أي المشبهة بالغناء "وليجل" أي يعظم وينزه "كتاب الله العزيز أن يتلى" أي يقرأ "إلا بسكينة ووقار" أي طمأنينة وتعظيم فمرجع الطمأنينة إلى سكون الجوارح بحيث لا يعبث بيده ولا ينظر إلى ما يلهي ومرجع التعظيم إلى كونه إذا عرض له الريح يمسك عن القراءة حتى يتكامل خروجه ونحو ذلك "وما يوقن أن الله يرضى به ويقرب منه" أي على حالة يغلب على ظنه أن الله يرضى بها بأن يكون على طهارة مستقبل القبلة جالسا كجلوس المتعلم بين يدي أستاذه أو قائما في الصلاة وقوله ويقرب منه أي يوقن أن الله يقرب القارىء منه أي بوجهه وحالة تقرب القارىء من المولى أي قرب قبول وإحسان "مع إحضار الفهم لذلك" أي لما يتلوه فإذا مر بآية نهي تيقن أنه المنهي أو بآية أمر تيقن أنه المأمور فهذا من ثمرات إحضار الفهم "ومن الفرائض الأمر بالمعروف" وهو ما أمر الله ورسوله به "والنهي عن المنكر" وهو ما نهى الله ورسوله عنه "على كل من بسطت يده" بالبناء للمفعول أي بسط الله يده أي حكمه "في الأرض" كالسلطان
وعلى كل من تصل يده إلى ذلك فإن لم يقدر فبلسانه فإن لم يقدر فبقلبه وفرض على كل مؤمن أن يريد بكل قول وعمل من البر وجه الله الكريم ومن أراد بذلك غير الله لم يقبل عمله والرياء الشرك الأصغر والتوبة فريضة من كل ذنب من غير إصرار والإصرار
ــ
"وعلى كل من تصل يده إلى ذلك" أي الأمر والنهي "فإن لم يقدر على" ذلك التغيير بيده "فبلسانه فإن لم يقدر" بلسانه "فبقلبه" وصفة تغيير القلب إذا رأى منكرا يقول في نفسه لو كنت أقدر على تغييره لغيرته وإذا رأى معروفا ضاع يقول في نفسه لو كنت أقدر على الأمر به لأمرت ويحب الفاعل للمعروف ويكره الفاعل للمنكر بقلبه "وفرض على كل مؤمن أن يريد بكل قول وعمل من البر وجه الله الكريم" أي ذات الله الكريم لا رياء ولا سمعة فدخل مرتبتان الكاملة بأن لا يقصد جنة ولا نارا والناقصة بأن يقصد دخول الجنة والبعد عن النار "ومن أراد بذلك" القول أو العمل "غير" وجه "الله" الكريم "لم يقبل عمله" ولا قوله: "والرياء" هو أن يريد بعمله أي مما كان قربة وقوله غير الله بأن أراد الناس فلا يتأتى في غير القربة كالتجمل باللباس "الشرك الأصغر" لما رواه أحمد من قوله عليه الصلاة والسلام: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: "الرياء" الحديث، "والتوبة فريضة من كل ذنب" وهي الندم على ما فات والإقلاع عن الذنب في الحال والنية أن لا يعود وقوله:"من غير إصرار" زائد لأن التوبة لا تصلح إلا برفع الإصرار "والإصرار
المقام على الذنب واعتقاد العود إليه ومن التوبة رد المظالم واجتناب المحارم والنية أن لا يعود وليستغفر ربه ويرجو رحمته ويخاف عذابه ويتذكر نعمته لديه ويشكر فضله عليه بالأعمال بفرائضه وترك ما يكره فعله ويتقرب إليه بما تيسر له من نوافل الخير وكل ما ضيع من فرائضه فليفعله الآن وليرغب إلى الله في تقبله ويتوب إليه من
ــ
المقام" بضم الميم بمعنى الإقامة "على الذنب واعتقاد العود إليه ومن التوبة رد المظالم" إلى أهلها بأن يدفعها إليهم إن كانت أموالا أو يردها لوارثه فإن لم يجده ولا وجد وارثه تصدق بها على المظلوم وإن كان أعراضا كقذف استحل المقذوف "واجتناب المحارم والنية أن لا يعود" هذه شروط التوبة الواجبة فيها وإلى شروط الكمال أشار بقوله: "وليستغفر ربه ويرجو رحمته ويخاف عذابه ويتذكر نعمته لديه" أي عليه "ويتقرب إليه" أي إلى الله تعالى "بما تيسر له" فعله وإن قل "من نوافل الخير" كالصلاة لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم عن الله: "وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته وإن استعاذ بي لأعيذنه" "وكل ما ضيع من فرائضه" التي أوجبها عليه كالصلاة "فليفعله الآن" وجوبا على الفور "و" إذا فعل التائب ما ضيعه من الفرائض فـ "ليرغب إلى الله تعالى في تقبله" منه "ويتوب إليه من
تضييعه وليلجأ إلى الله فيما عسر عليه من قياد نفسه ومحاولة أمره موقنا أنه المالك لصلاح شأنه وتوفيقه وتسديده لا يفارق ذلك على ما فيه من حسن أو قبيح ولا ييأس من رحمة الله والفكرة في أمر الله مفتاح العبادة فاستعن بذكر الموت والفكرة فيما بعده
ــ
تضييعه" للفرائض "وليلجأ" أي يتضرع "إلى الله" تعالى "فيما عسر عليه من قيادة نفسه" إلى الطاعة لأنه سبحانه وتعالى هو المسهل والميسر "و" يتضرع إليه في "محاولة أمره" أي فيما يشكل عليه في حاله حال كونه "موقنا" أي مصدقا "أنه المالك لصلاح شأنه" أي حاله "و" المالك "لتوفيقه وتسديده" هما بمعنى واحد وهو الاستقامة على الطاعة "لا يفارق ذلك" أي ما ذكر من اللجأ واليقين "على ما فيه" أي على أي حالة هو فيها "من حسن" وهو الطاعة "أو قبح" وهو المعصية ولا يمنعه الذنب من ذلك لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} والتواب: هو الذي كلما أذنب تاب ولا ييأس من رحمة الله تعالى على ما هو عليه من المعصية والفكرة أي التفكر "في أمر الله" تعالى أي مخلوقاته لأنه إذا تفكر في مصنوعات خالقه علم وجوب وجوده وكمال قدرته وحقيقة ربوبيته فيجد في عبادته وفيه إشارة إلى أنه لا يتفكر في ذاته لعدم قدرة العبد على إدراكها وحينئذ فالنظر في مخلوقات الله تعالى كما قال الشيخ: "مفتاح العبادة واستعن" على نفسك "بذكر الموت" لأن الإنسان إذا تفكر في الموت قصر أمله وكثر عمله "و" استعن عليها أيضا "بالفكرة فيما بعده" لأن الموت أشد