الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويستحب الفطر فيه قبل الغدو إلى المصلى وليس ذلك في الأضحى ويستحب في العيدين أن يمضي من طريق ويرجع من أخرى.
ــ
العيد ويجوز إخراجها قبل يوم الفطر بيوم أو يومين ولا تسقط بمضي زمنها لأنها حق للمساكين ترتب في الذمة ولا يأثم ما دام يوم الفطر باقيا فإن أخرها مع القدرة على إخراجها أثم وتدفع لحر مسلم فقير أو مسكين فلا تدفع لعبد ولو كان فيه شائبة حرية ولا لكافر ولا لغني "ويستحب الفطر قبل الغدو إلى المصلى" فيه أي في يوم الفطر على أي شيء لكن الأفضل أن يكون على تمر وترا لما صح من فعله عليه الصلاة والسلام ذلك "وليس ذلك" أي استحباب الفطر قبل الغدو إلى المصلى "في" عيد "الأضحى" بل المستحب فيه الإمساك حتى يرجع فيأكل من أضحيته لفعله عليه الصلاة والسلام ذلك "ويستحب في العيدين أن يمضي من طريق ويرجع من أخرى" تكرار مع ما تقدم له في صلاة العيدين
باب في الحج والعمرة
.
ــ
"باب في" بيان حكم "الحج" بفتح الحاء وكسرها الفتح هو القياس والكسر أكثر سماعا وكذا اللغتان في الحجة "و" في بيان "العمرة" وصفتهما وما يتعلق بهما ولكل واحد منهما معنى لغوي واصطلاحي أما الحج لغة فهو قصد الشيء مرة أو فعل الشيء مرة بعد مرة أو مجرد القصد أقوال مأخوذ من قولك حج فلان فلانا إذا كرر زيارته نظير قوله تعالى: {مَثَابَةً لِلنَّاسِ} أي يرجعون إليه كل عام
وحج بيت الله الحرام الذي ببكة فريضة على كل من استطاع إلى ذلك سبيلا من المسلمين الأحرار البالغين
ــ
ويكررون زيارته وأما اصطلاحا فهو عبادة ذات إحرام ووقوف وطواف وسعي وغير ذلك وأما العمرة لغة فهي الزيارة يقال: اعتمر فلان فلانا إذا زاره واصطلاحا عبادة ذات إحرام وسعي وطواف بدأ بحكم الحج فقال: "وحج بيت الله الحرام الذي ببكة" بالباء لغة في مكة وإضافته إلى الله إضافة تشريف ومن شرفه أنه لا يعلوه طير إلا لعلة به وإذا علاه ذو علة شفى الله علته وإذا عم الشتاء ركنا من أركانه عم ذلك البلد الذي يواليه وإذا عم الشتاء جميع أركانه عم الشتاء جميع البلاد "فريضة" بشروط خمسة أشار إلى أحدها بقوله: "على كل من استطاع إلى ذلك سبيلا" أي إلى بيت الله الحرام ويحتمل عوده إلى الحج كما في التتائي وإلى الثاني أشار بقوله: "من المسلمين" ظاهره أن الاسلام شرط وجوب وهو الذي مشى عليه ابن الحاجب والذي مشى عليه صاحب المختصر أنه شرط صحة فعلى الأول الكفر مانع من وجوبه وعلى الثاني مانع من صحته وإلى الثالث أشار بقوله: "الأحرار" لا خلاف في كون الحرية شرط وجوب فالعبد القن ومن فيه شائبة رق لا يجب عليه لأنه صلى الله عليه وسلم حج بأزواجه ولم يحج بأم ولده وإذا لم يجب على أم الولد فغيرها أولى وإلى الرابع أشار بقوله: "البالغين" ولا يختص اشتراط البلوغ بالحج أي فلا ينبغي عده من شروط الحج لأنه لا يعد من شروط الشيء إلا ما كان خاصا به وكذلك لا ينبغي عد الإسلام ولا الحرية لأنهما لا يختصان بالحج ألا ترى أن الحرية شرط أيضا في الزكاة بقي شرط آخر وهو العقل أي فلا يجب الحج على غير العاقل فالمكلف وما قبله شرطا وجوب فلو حج غير المكلف أو العبد صح حجه ولا يسقط عنه حجة الإسلام دل على
مرة في عمره والسبيل الطريق السابلة والزاد المبلغ إلى مكة والقوة على الوصول إلى مكة إما راكبا أو راجلا مع صحة البدن
ــ
فرضيته الكتاب والسنة والإجماع فمن جحد وجوبه أو شك فيه فهو كافر ومن أقر بوجوبه وامتنع من فعله فالله حسبه أي لا يتعرض له وإنما يجب الحج على من اجتمعت فيه الشروط "مرة" واحدة "في عمره" إجماعا ولا التفات لمن قال إنه يجب في كل خمسة أعوام "والسبيل" المذكور عبارة عن مجموع أربعة أشياء أحدها "الطريق السابلة" أي المأمونة فإن خاف على نفسه سقط عنه اتفاقا وإن خاف على بعض ماله وكان يجحف به سقط عنه وإن كان لا يجحف به سقط على أحد القولين "و" ثانيهما " الزاد المبلغ" أي الموصل "إلى مكة" ظاهر كلامه أنه لا يعتبر إلا ما يوصله فقط وهو نص اللخمي وقيده بقوله إلا أن يعلم أنه لو بقي هناك ضاع وخشي على نفسه فيراعي ما يبلغه ويرجع به إلى أقرب المواضع مما يمكنه أن يتمعش فيه وبيع في زاده داره وغير ذلك وإن كان يترك ولده وزوجته لا مال لهم إلا أن يخشى عليهم الضياع.
"و" ثالثها: "القوة على الوصول إلى مكة إما راجلا" أي ماشيا "أو راكبا" فالأعمى إذا وجد من يقوده ولم يحصل له مشقة فادحة فإنه يجب عليه وقيد المشقة لأنه لا يشترط انتفاؤها جملة وإلا سقط الحج عن أغلب الناس المستطيعين إذ لا بد من أصل المشقة ومثل الأعمى الشيخ الكبير الذي لا يهتدي إلا بقائد فيما ذكر.
ورابعها: أشار إليه بقوله: "مع صحة البدن" قيل هو داخل في قوله والقوة على الوصول وقال بعضهم هو شرط رابع فالمريض لا يجب عليه الحج ولو وجد ما يركبه
وإنما يؤمر أن يحرم من الميقات وميقات أهل الشأم ومصر والمغرب الجحفة فإن مروا بالمدينة
ــ
ثم اعلم أن للحج فرائض وسننا وفضائل ولم يبينها الشيخ وإنما ذكر صفة الحج على الترتيب الواقع المشتمل عليها ونحن ننبه عليها إن شاء الله تعالى فنقول من الفرائض الإحرام وله ميقاتان زماني ومكاني والأول لم يذكره الشيخ وهو شوال وذو القعدة وذو الحجة بتمامه على المشهور وقيل العشر الأول منه وفائدة الخلاف تظهر في تأخير طواف الإفاضة فعلى المشهور لا يلزمه دم إلا بتأخيره للمحرم وعلى مقابله إذا أخره إلى حادي عشره إذا علمت ذلك علمت أن الزمن المحدد بما ذكر وقت للحج تحللا وإحراما لا إحراما فقط فلو أحرم قبل شوال كره وانعقد إحرامه والثاني شرع في بيانه فقال: "وإنما يؤمر أن يحرم من الميقات" فإن أحرم قبله كره أي ويصح والمستحب أن يحرم من أوله ولا يؤخره لآخره لأن المبادرة للطاعة أولى وهو يتنوع باختلاف حال المحرم فإنه إما أن يكون مكيا أو آفاقيا
والمكي لم يذكره الشيخ وهو المقيم بها سواء كان من أهلها أو لا فميقاته للحج مكة ويندب له أن يحرم من جوف المسجد وميقاته للعمرة وللقران الحل لأن كل إحرام لا بد فيه من الجمع بين الحل والحرم والآفاقي يتنوع ميقاته إلى خمسة أنواع باختلاف أفقه سواء كان محرما بحج أو عمرة "و" أما "ميقات أهل الشام ومصر والمغرب" فهو "الجحفة" بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وهي قرية على نحو سبع مراحل من المدينة المشرفة وثلاث أو خمس من مكة فالثلاثة على قول والخمسة على قول فانظر الأصح منهما "فإن مروا" أي أهل هذه الأفق الثلاثة "بالمدينة" المشرفة
فالأفضل لهم أن يحرموا من ميقات أهلها من ذي الحليفة وميقات أهل العراق ذات عرق وأهل اليمن يلملم وأهل نجد من قرن ومن مر من هولاء بالمدينة فواجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة إذ لا يتعداه إلى ميقات له ويحرم الحاج أو المعتمر
ــ
"فالأفضل لهم أن يحرموا" من ميقات أهلها وهو "من ذي الحليفة" بضم الحاء المهملة وفتح اللام وبالفاء بينه وبين المدينة المشرفة ستة أميال وهو أبعد المواقيت من مكة بينهما نحو عشرة مراحل "و" أما "ميقات أهل العراق" أي كالبصرة والكوفة زاد في الجلاب وفارس وخراسان "فذات عرق" بكسر العين المهملة قرية خربت على مرحلتين من مكة "و" أما ميقات أهل "اليمن" فـ "يلملم" بفتح المثناة تحت وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة "و" أما ميقات أهل "نجد" فـ "من قرن" بفتح القاف وسكون الراء وهو جبل صغير منقطع عن الجبال تلقاء مكة على مرحلتين منها "ومن مر من هؤلاء" يعني أهل العراق واليمن ونجد "بالمدينة" المشرفة "فواجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة إذ لا يتعداه" من مر منهم بالمدينة "إلى ميقات له" بعد فيحرم منه بخلاف من مر من أهل الشام ومصر والمغرب بالمدينة لم يجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة إذ يتعداه إلى ميقات له بعد فيحرم منه وإنما خالف الأفضل فقط ومن كان بين المواقيت فميقاته من بيته أي فيحرم منه ومن حج في البحر من أهل مصر وشبههم فليحرم إذا حاذى الجحفة "ويحرم الحاج أو المعتمر
بإثر صلاة فريضة أو نافلة يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وينوي ما أراد من حج أو عمرة
ــ
بإثر" بكسر الهمزة وسكون المثلثة وفتحهما "صلاة فريضة أو نافلة يقول لبيك" أي في حال كونه قائلا الخ أي على جهة السنية وملخصه أن التلبية واجبة في نفسها بحيث لو تركها يلزمه دم ويسن مقارنتها للإحرام ومعنى لبيك إجابة بعد إجابة فالإجابة الأولى لقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} والثانية حين أذن سيدنا إبراهيم في الناس بالحج فنادى أيها الناس إن لله بيتا فحجوه فكانوا يجيبونه من مشارق الأرض ومغاربها ومن بطون النساء وأصلاب الرجال "لا شريك لك لبيك إن الحمد" بكسر الهمزة "والنعمة" بالفتح على الأشهر أي لعطفه على منصوب إن قبل الاستكمال "لك والملك" اختار بعضهم الوقف عليه والابتداء بقوله: "لا شريك لك وينوي ما أراد من حج أو عمرة" قال ابن عمر ظاهر كلامه على قول ابن حبيب القائل بأن الإحرام إنما ينعقد بالنية والقول أي التلبية فجعل التلبية شرطا في صحته فهي بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة وفي مناسك خليل حقيقة الإحرام الدخول بالنية في أحد النسكين مع قول متعلق به كالتلبية أو فعل متعلق به كالتوجه على الطريق وقال أيضا إن الإحرام لا ينعقد بمجرد النية أي بل لا بد من قول كالتلبية أو فعل كالتوجه إلى الطريق فليس خصوص التلبية شرطا في صحة الإحرام كما يقول ابن حبيب بل المدار على وجود أحد الأمرين من القول أو الفعل ويستحب الاقتصار على التلبية المذكورة لأنها تلبيته عليه الصلاة والسلام
ويؤمر أن يغتسل عند الإحرام قبل أن يحرم ويتجرد من مخيط الثياب ويستحب له أن يغتسل لدخول مكة ولا يزال يلبي دبر الصلوات وعند كل شرف وعند ملاقاة الرفاق وليس عليه كثرة الإلحاح بذلك
ــ
"ويؤمر" مريد الحج أو العمرة ولو حائضا أو نفساي على جهة السنية "أن يغتسل عند" إرادة "الإحرام قبل أن يحرم" لما في الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم تجرد للإحرام واغتسل قبل أن يحرم وليس في تركه عمدا أو نسيانا دم وكذا باقي اغتسالات الحج والدليل على سنيته للحائض والنفساء ما في الموطأ أن أسماء ولدت فذكر أبو بكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مرها فلتغتسل ثم لتهل" ويستحب لمريد الإحرام بأحد النسكين أن يقلم أظفاره ويحلق عانته ويقص شاربه ولايحلق رأسه طلبا للشعث "و" يؤمر أيضا إن كان رجلا على جهة السنية أن "يتجرد من مخيط الثياب" ويلبس إزارا ورداء ونعلين "ويستحب له" أي للمحرم إن كان غير حائض ونفساء "أن يغتسل لدخول مكة" والأفضل أن يكون بذي طوى مثلث الطاء لفعله عليه الصلاة والسلام "ولا يزال" المحرم "يلبي دبر الصلوات" الفرائض والنوافل "وعند كل شرف" مكان عال وفي بطون الأودية "وعند ملاقاة الرفاق" جمع رفقة بضم الراء وكسرها الجماعة يرتفقون فينزلون معا ويرتحلون معا وعند اليقظة من النوم ولا يرد الملبي سلاما حتى يفرغ ويستحب رفع الصوت بالتلبية رفعا متوسطا والمرأة تسمع نفسها فقط ولا تكره التلبية للحائض ولا للجنب "وليس عليه كثرة الإلحاح بذلك" لا وجوبا ولا استحبابا بل هو مكروه عند مالك ذوالإلحاح الإكثار وهو
فإذا دخل مكة أمسك عن التلبية حتى يطوف ويسعى ثم يعاودها حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها ويستحب أن يدخل مكة من كداء الثنية التي بأعلى مكة وإذا خرج خرج من كدى وإن لم يفعل في الوجهين فلا حرج قال فإذا دخل مكة فليدخل المسجد الحرام
ــ
ملازمة التلبية حتى لا يفتر عن ذلك وكما أنه لا يلح لا يسكت حتى تفوته الشعيرة "فإذا دخل مكة أمسك عن التلبية حتى يطوف ويسعى ثم" بعد فراغه من الطواف والسعي "يعاودها" أي التلبية ويستمر على ذلك "حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها" وروي يقطعها عند جمرة العقبة وإليه مال اللخمي لما في مسلم: "أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة""ويستحب" للحاج والمعتمر "أن يدخل مكة من كداء الثنية التي بأعلى مكة" لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذا والصحابة بعده ويستحب دخولها نهارا لفعله عليه الصلاة والسلام ذلك فإن دخل قبل طلوع الشمس فلا يطوف فإن طاف فلا يركع حتى تطلع الشمس وتحل النافلة ويستحب للمرأة إذا قدمت نهارا أن تؤخر الطواف إلى الليل "و" كذلك يستحب له "إذا خرج" من مكة "أن يرجع من كدى" وهو موضع من أسفل مكة وكدى بضم الكاف منون "وإن لم يفعل في الوجهين" ما ذكر من الدخول من الثنية العليا والخروج من السفلى "فلا حرج" أي لا إثم عليه ولا دم لأنه لم يترك واجبا "قال" الإمام مالك رحمه الله "فإذا دخل" الحاج أو المعتمر "مكة فليدخل المسجد الحرام" أي يبادر
ومستحسن أن يدخل من باب بني شيبة فيستلم الحجر الأسود بفيه إن قدر وإلا وضع يده عليه ثم وضعها على فيه من غير تقبيل ثم يطوف
ــ
بدخول المسجد الحرام ولا يقدم عليه غيره إلا ما لا بد منه من حط رحل وأكل خفيف فالتراخي عنه إساءة أدب "وإذا أراد دخول المسجد" الحرام "فمستحسن" أي مستحب "أن يدخل من باب بني شيبة" ويعرف الآن بباب السلام لفعله عليه الصلاة والسلام وبعد دخوله المسجد فليكن أول ما يقصده بعد نية الطواف الركن الأسود فإذا وصل إليه "يستلم" بمعنى يلمس "الحجر الأسود بفيه إن قدر" على ذلك "وإلا" أي وإن لم يقدر على استلامه بفيه "وضع يده عليه" أي على الحجر الأسود "ثم وضعها على فيه من غير تقبيل" أي تصويت فإن لم يصل إليه مسه بعود ثم يضعه على فيه من غير تقبيل فلا يكفي العود مع إمكان اليد ولا اليد مع إمكان التقبيل وهذا الاستلام سنة في أول الطواف مستحب في باقيه ودليل الاستلام ما في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قبله وقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، "ثم" إذا فرغ من استلام الحجر الأسود فإنه "يطوف" بالبيت الشريف طواف القدوم وهو واجب على كل من أحرم من الحل سواء كان من أهل مكة أو غيرها أما إذا أحرم من الحرم فإنه لا قدوم عليه لكونه غير قادم وللطواف من حيث هو سواء كان ركنا أو واجبا أو مندوبا واجبات وسنن ومستحبات أما واجباته فستة:
الواجب الأول: شرائط الصلاة من طهارتي الحدث والخبث وستر العورة فلو أحدث في أثنائه تطهر وابتدأ ولا يبني
والبيت على يساره سبعة أطواف ثلاثة خببا ثم أربعة مشيا
ــ
على المشهور ويباح فيه الكلام لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير".
والثاني: أن يكون الطواف داخل المسجد.
والثالث: جعل البيت على يساره وإليه أشار بقوله: "والبيت" الشريف "على يساره" فلو جعله على يمينه لم يصح طوافه ولزمته الإعادة وينبغي أن يحتاط عند ابتداء الطواف فيقف قبل الركن بقليل بحيث يكون الحجر عن يمين موقفه كذا في الفاكهاني والموافق عن يسار موقفه ليستوعب جملته بذلك لأنه إن لم يستوعب الحجر لم يعتد بالشوط الأول فليتنبه لذلك فإن كثيرا ما يقع فيه الجهال ويكون في طوافه خارجا عن البيت فعلى من قبل الحجر الأسود أن لا يمشي إلا بعد أن ينتصب قائما كما كان ولا يجوز له أن يقبله ثم يمشي وهو مطأطئ رأسه أو يده لئلا يحصل بعض الطواف وليس جميع بدنه خارجا عن البيت لأنه يكون بعض البدن على الشاذروان وهو من البيت فلا يصح طوافه.
والرابع: أن يطوف "سبعة أطواف" جمع طوف وهو الشوط وابتداؤه من الحجر إلى الحجر أي الحجر الأسود فلو ابتدأ من الركن اليماني أتم إليه وعليه دم.
الخامس: الموالاة فلو نسي شوطا وذكر بالقرب ولم ينتقض وضوءه عاد إليه بالقرب كما يرجع إلى الصلاة وإن طال بطل الطواف قياسا على الصلاة.
السادس: أن يركع ركعتين عقبه.
وأما سننه فأربعة:
أحدها: الرمل بفتح الراء وإليه أشار بقوله: "ثلاثة خببا" الخبب الرمل وهو الهرولة فوق المشي دون الجري وهو سنة الرجل لا المرأة ولو مريضا ولا دم في تركه ولو مع القدرة "ثم أربعة مشيا" ودليل هذا كله فعله عليه الصلاة والسلام.
ثانيها: الدعاء وهو غير محدود.
ثالثها: استلام الحجر.
ويستلم كلما مر به كما ذكرنا ويكبر ولا يستلم الركن اليماني بفيه ولكن بيده ثم يضعها على فيه من غير تقبيل فإذا تم طوافه ركع عند المقام ركعتين ثم استلم
ــ
الأسود أول الطواف كما تقدم.
رابعها: استلام الركن اليماني أول شوط.
وأما مستحباته فأربعة:
الأول: استلام الحجر الأسود في أول كل شوط ما عدا الأول وإليه أشار بقوله: "ويستلم الركن" يعني الحجر الأسود "كلما مر به كما ذكرنا" أولا وهو أن يستلمه بفيه إن قدر وإلا وضع يده عليه ثم يضعها على فيه من غير تقبيل وظاهر قوله: "ويكبر" أنه يجمع بين الاستلام والتكبير وظاهر المدونة خلافه لكن الراجح الجمع بينهما.
الثاني استلام الركن اليماني في أول كل شوط غير الأول وإليه وإلى صفة استلامه أشار بقوله: "ولا يستلم" الركن "اليماني بفيه ولكن بيده ثم يضعها على فيه من غير تقبيل" ونحوه في المدونة.
الثالث: الدنو من البيت للرجال دون النساء.
الرابع: الدعاء بالملتزم بعد الفراغ من الطواف والملتزم ما بين الركن والباب فيعتنقه ويلح في الدعاء "فإذا تم طوافه ركع عند المقام ركعتين" اشتمل كلامه على واجب ومستحبين فالواجب فعل ركعتين بعد الطواف على المذهب والمستحبان كونهما عند المقام واتصالهما بالطواف ومفاده أنه ليس في ترك الاتصال دم مطلقا وليس كذلك بل الدم في بعض الأحوال فحينئذ ليس الاستحباب مطلقا بل في البعض والوجوب في البعض الآخر الذي يترتب فيه الدم وحاصل القول أن من لم يفعل الركعتين حتى تباعد أو رجع لبلده فإنه يفعلهما مطلقا ثم إن كانتا من طواف واجب فعليه الدم وإن كانتا من غيره لم يجب عليه دم وإن لم يتباعد ولا
الحجر إن قدر ثم يخرج إلى الصفا فيقف عليه للدعاء ثم يسعى إلى المروة ويخب في بطن المسيل فإذا أتى المروة وقف عليها للدعاء ثم يسعى إلى الصفا يفعل ذلك سبع
ــ
رجع لبلده فإن لم تنتقض طهارته أتى بالركعتين فقط مطلقا وإن انتقضت طهارته عمدا فيأتي بالطواف والركعتين ولو كانتا من غير فرض ويعيد السعي إن كان فعله وإن لم يتعمد نقض طهارته ففي الفرض يعيد الطواف والركعتين والسعي وفي غيره يعيدهما وهل يعيد الطواف أو لا الظاهر ترجيح الثاني ولا يستلم اليماني ويستحب بعد استلام الحجر الأسود أن يمر بزمزم فيشرب منها "ثم يخرج إلى الصفا" صرح الأقفهسي وابن عمر باستحباب الخروج من باب الصفا لكونه أقرب إلى الصفا ونقل زروق عن ابن حبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج منه "فيقف عليه لـ" أجل "الدعاء ثم" إذا فرغ من الدعاء نزل منه فـ "يسعى" أي يمشي "إلى المروة" قال في المصباح المرو الحجارة البيض الواحدة مروة وسمي بالواحدة الجبل المعروف بمكة "و" الحال أنه "يخب" أي يسرع في مشيه وهذا سنة الرجل دون المرأة "في بطن السيل" خاصة في المرور إلى المروة والمسيل ما بين الميلين الأخضرين هما اللذان في جدار المسجد الحرام على يسار الذاهب إلى المروة أولهما في ركن المسجد تحت منارة علي والثاني بعده قبالة رباط العباس فإذا أتى المروة "وقف عليها لـ" أجل "الدعاء" والدعاء عليها وعلى الصفا غير محدود والوقوف عليهما سنة "ثم" بعد فراغه من الدعاء على المروة "يسعى" أي يمشي "إلى الصفا يفعل ذلك" أي ما ذكر من الوقوف على الصفا والمروة والدعاء عليهما والخبب في بطن المسيل "سبع
مرات فيقف بذلك أربع وقفات على الصفا وأربعا على المروة ثم يخرج يوم التروية إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر
ــ
مرات" فيتحصل مما ذكرنا أنه "يقف لذلك أربع وقفات على الصفا وأربعا على المروة" وهذا السعي ركن من أركان الحج والعمرة التي لا بد منها لا يجزىء في تركه هدي ولا غيره دل على فرضيته الكتاب والسنة وله شروط وسنن ومستحبات أما شرائطه فأربعة الأول الترتيب وهو أن يأتي بالسعي بعد الطواف فلو بدأ بالسعي رجع فطاف وسعى الثاني الموالاة فإن جلس وطال وصار كالتارك ابتدأ السعي وإن كان شيئا خفيفا لم يضر وإن أصابه حقن أي حبس بول توضأ وبنى والكلام فيه أخف من الكلام في الطواف أي لا ينبغي له الكلام إلا أنه أخف الثالث إكمال العدد وإليه أشار بقوله سبع مرات فمن ترك شوطا من حج أو عمرة سواء كانا صحيحين أو فاسدين فليرجع لذلك من بلده ومن ترك من السعي ذراعا لم يجزه الرابع أن يتقدمه طواف صحيح ولا يشترط فيه أن يكون واجبا بل يكفي أي طواف كان على ما صدر به ابن الحاجب وفهمه خليل من المدونة وهو الراجح وقال زروق المشهور اشتراط كونه واجبا كطواف الإفاضة والقدوم "ثم" بعد فراغه من السعي إذا قرب وقت الوقوف فإنه "يخرج يوم التروية إلى منى" سميت بذلك لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام تمنى فيها كشف ما نزل به من الأمر بذبح ولده وقيل لأن الدماء تمنى أي تراق فيها بينها وبين مكة ستة أميال ويستحب أن يكون خروجه إليها بقدر ما إذا وصل إليها حانت الصلاة "فيصلي بها الظهر والعصر
والمغرب والعشاء والصبح ثم يمضي إلى عرفات ولا يدع التلبية في هذا كله حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها وليتطهر قبل رواحه فيجمع بين الظهر والعصر مع الإمام
ــ
و" يستحب أيضا أن يبيت بها فيصلي بها "المغرب والعشاء" والأصل في هذا فعله عليه الصلاة والسلام فقد روى أحمد أنه صلى الله عليه وسلم صلى بمنى خمس صلوات الظهر والصبح وما بينهما ومن ترك المبيت بها كره له ذلك ولا دم عليه "ثم" إذا صلى الصبح من اليوم التاسع بمنى يستحب له أن لا يخرج منها إلا بعد طلوع الشمس فـ "يمضي إلى عرفات" وهو موضع الوقوف فإذا وصل إلى عرفة فالمستحب أن ينزل بنمرة وهو من آخر الحرم وأول الحل "ولا يدع التلبية في هذا كله" أي ما ذكر من الخروج بعد طلوع الشمس الخ "حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها" وهو مسجد نمرة "وليتطهر" أي يغتسل بعد الزوال "قبل رواحه إلى المصلى" ولا يتدلك في هذا الغسل دلكا بالغا بل بإمرار اليد فقط وهذا آخر اغتسالات الحج الثلاثة وقد تقدم بيان حكمه وهو للوقوف لا للصلاة فتخاطب به الحائض والنفساء "فـ" إذا وصل إلى المصلى "يجمع بين الظهر والعصر مع الإمام" جمعا وقصرا زاد في المدونة بأذانين وإقامتين والقراءة في ذلك سرا لا جهرا ولو وافقت جمعة لأنه يصلي ظهرا لا جمعة ومن فاته الجمع مع الإمام جمع في رحله وما ذكر من القصر فهو في حق غير أهل عرفة أما هم فيتمون والضابط أن أهل كل مكان يتمون فيه ويقصرون فيما سواه والقصر بعرفة إنما هو للسنة وإلا فهو ليس بمسافة قصر في حق المكي وأهل
ثم يروح معه إلى موقف عرفة فيقف معه إلى غروب الشمس ثم يدفع بدفعه
ــ
المزدلفة ونحوهم "ثم" بعد الفراغ من الصلاة مع الإمام "يروح معه إلى موقف عرفة" أخذ من كلامه أن موقف عرفة غير مصلاها ويصح الوقف في كل جزء منها إلا أنه يستحب الوقوف عند الصخرات العظام المفروشة في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي بوسط عرفة لأنه الذي وقف فيه صلى الله عليه وسلم ويؤخذ منه أيضا أن أول الوقوف بعد الزوال وظاهر قوله: "فيقف معه" أي مع الإمام "إلى غروب الشمس" على ما قاله الفاكهاني وغيره أنه لا يؤخذ جزء من الليل والمذهب أنه لا بد من جزء من الليل قال ابن الحاجب والفرض من الوقوف الركن أدنى حضور جزء من الليل وجزء من عرفة حيث شاء سوى بطن عرنة بضم العين والراء وحاصل الفقه أن الوقوف بعرفة بعد الزوال واجب ينجبر بالدم والوقوف الركني الوقوف بها جزءا من الليل بعد الغروب والتعبير بالوقوف بيان للوجه الأكمل فلا ينافي أنه إذا مر بعرفة ليلا ولم يقف فيها يجزئه بشرطين أن يكون عالما بأن هذا المحل عرفة وأن ينوي الحضور بعرفة لا المار الجاهل بأن هذا المحل عرفة ويلزم المار على هذا الوجه المجزىء الدم لوجوب الطمأنينة بعرفة ويستحب الوقوف راكبا لفعله عليه الصلاة والسلام ويستحب التسبيح والتحميد والتهليل والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والدعاء للنفس وللوالدين ويستحب الفطر ليقوى على العبادة "ثم" بعد غروب الشمس من يوم عرفة وتمكن الليل "يدفع بدفعه" أي بدفع الإمام إلى المزدلفة فإن دفع قبل دفعه بعد غروب الشمس كان تاركا للأفضل فإذا وصل إليها فليكن أول اهتمامه إقامة الصلاة بعد حط ما خف
إلى المزدلفة فيصلي معه بالمزدلفة المغرب والعشاء والصبح ثم يقف معه بالمشعر الحرام يومئذ بها ثم يدفع بقرب طلوع الشمس إلى منى ويحرك دابته ببطن
ــ
من رحله "فيصلي معه" أي مع الإمام "بمزدلفة المغرب والعشاء" جمعا وقصرا للعشاء لغير أهل مزدلفة والمذهب أن هذا الجمع سنة "و" إذا طلع الفجر استحب له أن يصلي مع الإمام "الصبح" أول الوقت أخذ من هذا أنه يطلب منه البيات بالمزدلفة على جهة الاستحباب كما نص عليه في المختصر وأما النزول فهو واجب ولا يكفي فيه إناخة البعير بل لا بد من حط الرحال قال الحطاب وهذا ظاهر إذا لم يحصل لبث أما إن حصل لبث ولو لم يحط الرحال بالفعل فالظاهر أنه كاف ومن ترك النزول من غير عذر حتى طلع الفجر لزمه دم ومن تركه لعذر فلا شيء عليه "ثم" بعد ذلك يستحب له على المشهور أن "يقف معه بالمشعر الحرام" ويجعل وجهه أمام البيت والمشعر جبل بالمزدلفة سمي بذلك لأن الجاهلية كانت تشعر هداياها فيه يومئذ أي يوم النحر المستفاد بطريق اللزوم لأنه لم يتقدم ذكر ليوم النحر والعامل في قوله: "يومئذ" ليصلي الصبح المقدر أو ليقف وقوله: "بها" أي بالمزدلفة أطلق اليوم على بعضه وهو من صلاة الصبح إلى قرب طلوع الشمس يدل عليه قوله: "ثم يدفع بقرب طلوع الشمس إلى منى" ظاهره كالمختصر جواز التمادي بالوقوف بالمشعر إلى الإسفار والذي في المدونة لا يقف أحد بالمشعر الحرام إلى طلوع الشمس أو الإسفار ولكن يدفع قبل ذلك وفي الصحيح ما يدل للأول ففيه أنه صلى الله عليه وسلم أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره ووحده وهلله ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا "و" الدافع إلى منى إن كان راكبا "يحرك دابته" على جهة الاستحباب "ببطن
محسر فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات مثل حصى الخذف ويكبر مع كل حصاة
ــ
محسر" بكسر السين المهملة وهو واد بين مزدلفة ومنى والطريق في وسطه وإن كان ماشيا أسرع الرجل ولا تسرع المرأة وهذا الإسراع تعبدي "فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة" يعني بدأ برميها أول ما يأتي منى وهو على حالته التي هو عليها من ركوب أو غيره وهي آخر منى من ناحية مكة سميت جمرة باسم ما يرمى فيها وهي الحجارة وللرمي وقت أداء وهو من طلوع الفجر إلى غروب شمس يوم النحر ووقت قضاء وهو كل يوم من أيام الرمي بل الليل عقب كل يوم قضاء لذلك اليوم ولا خلاف في وجوب الدم مع الفوات والفوات يكون بغروب الشمس من اليوم الرابع من أيام منى واختلف في وجوبه وسقوطه مع القضاء ولا يبطل الحج بفوات شيء من الجمار وللرمي شروط صحة فمن شروط الصحة أن يجعل الحصاة بين إبهامه وسبابته وقيل يمسكها بإبهامه والوسطى ومنها ما أشار إليه الشيخ "بسبع حصيات" واحدة بعد واحدة فلا يجزئ أقل من ذلك ولو رمى السبع في مرة واحدة احتسب منها بواحدة منها أن يكون المرمي به حجرا ونحوه فلا يجزىء الطين ولا المعادن كالحديد واختلف في مقدار المرمي به فالذي عليه أكثر الشيوخ ما أشار إليه بقوله: "مثل حصى الخذف" بخاء وذال ساكنة معجمتين وفاء ومقدار حصى الخذف قيل قدر النواة وقيل قدر الفولة فلا يجزىء الصغير جدا كالحمصة "ويكبر مع كل حصاة" أي على جهة الاستحباب فإن لم يكبر أجزأه الرمي وأن يتابع الرمي وأن يلتقط الحصيات ويكره له أن يأخذ حجرا ويكسره ويأخذ الحصيات بل المندوب أن يلتقطها من الأرض وأن تكون طاهرة فيكره الرمي بالنجس وأن تكون
ثم ينحر إن كان معه هدي ثم يحلق ثم يأتي البيت فيفيض ويطوف سبعا ويركع ثم يقيم بمنى ثلاثة أيام
ــ
من غير ما رمى به أولا وأن يكون رميها من بطن الوادي وبرمي جمرة العقبة يحل من كل شيء ما عدا النساء والصيد ويسمى التحلل الأصغر وبطواف الإفاضة يحل له كل شيء حتى النساء والصيد ويسمى التحلل الأكبر "ثم" بعد فراغه من رمي جمرة العقبة "ينحر" ما ينحر ويذبح ما يذبح "إن كان معه هدي" وقف به في عرفة ومنى كلها محل للنحر إلا ما وراء جمرة العقبة ولا ينتظر الإمام في ذلك إذ ليس هناك صلاة عيد "ثم" إذا فرغ من النحر "يحلق" أو يقصر إن كان رجلا لم يلبد رأسه ولم يعقصه أما إن لبد أو عقص فالحلاق ليس إلا أي يجب فيهما الحلاق ولا بد من حلق الرأس كله فبعضه كالعدم ومن برأسه وجع لا يقدر على الحلاق أهدى وأما المرأة فالسنة في حقها التقصير ليس إلا "ثم" بعد الحلاق "يأتي البيت" الحرام "فيفيض" أي يطوف طواف الإفاضة وهو آخر أركان الحج الأربعة التي لا تنجبر بالدم ويحل به جميع ما كان ممنوعا منه حتى النساء والصيد وأخذ من كلام الشيخ أن المبادرة به يوم النحر أفضل وهو كذلك ولو أخره عن أيام التشريق لا يلزمه دم وإنما يلزمه الدم إذا تركه حتى خرج ذو الحجة على المشهور ومقابله إذا أخره لحادي عشره لزمه الدم وقوله: "ويطوف سبعا ويركع" تفسير لقوله فيفيض ولا يرمل في هذا الطواف ولا يسعى لأنه سعى بعد طواف القدوم وهذا في حق غير المراهق وأما المراهق الذي ضاق عليه الزمن فلم يتيسر له طواف القدوم فيرمل في طواف الإفاضة ندبا "ثم" بعد الفراغ من طواف الإفاضة وركعتيه "يقيم بمنى ثلاثة أيام" بلياليها إن كان غير متعجل فلو ترك جل لياليها لزمه دم والإقامة
فإذا زالت الشمس من كل يوم منها رمى الجمرة التي تلي منى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يرمي الجمرتين كل جمرة بمثل ذلك ويكبر مع كل حصاة ويقف للدعاء بإثر الرمي في الجمرة الأولى والثانية ولا يقف عند جمرة العقبة ولينصرف
ــ
هنا لغوية فيقصر الصلاة لا شرعية إذ لو كانت شرعية لتم ولا يجوز المبيت دون جمرة العقبة لأنه ليس من منى واستثنوا من لزوم البيات بمنى من ولي السقاية لأنه عليه الصلاة والسلام أرخص للعباس البيات بمكة من أجل السقاية قال ابن حبيب وأرخص للرعاة أن ينصرفوا بعد جمرة العقبة يوم النحر ويأتون ثالثه فيرمون لليومين أي ثاني النحر وثالثه ثم إن شاؤوا تعجلوا فسقط عنهم رمي الرابع وإن شاؤوا أقاموا اليوم الرابع فيرمونه مع الناس وأما أهل السقاية فيرمون كل يوم وإنما يرخص لهم في ترك البيات بمنى لا في ترك الرمي نهارا فيبيتون بمكة ويرمون الجمار نهارا ويعودون لمكة كما في الطراز "فإذا زالت الشمس من كل يوم منها" أي من الأيام الثلاثة "رمى الجمرة" الأولى "التي تلي مسجد منى بسبع حصيات" بالشروط المتقدمة "يكبر مع كل حصاة ثم يرمي بعدها الجمرتين" فيبدأ بالوسطى ثم يختم بالثالثة وهي جمرة العقبة "كل جمرة بمثل ذلك" أي بسبع حصيات مثل حصى الخذف "ويكبر مع كل حصاة ويقف للدعاء بأثر الرمي في الجمرة الأولى" التي تلي مسجد منى "و" في الجمرة "الثانية" وهي الوسطى قال الأقفهسي قوله فإذا زالت يريد قبل الصلاة فإن رمى قبل الزوال لم يجزه ويعيد بعد الزوال كما إذا رمى جمرة العقبة قبل الفجر "ولا يقف" للدعاء "عند جمرة العقبة ولينصرف" أمامه أي سريعا عقب
فإذا رمى في اليوم الثالث وهو رابع يوم النحر انصرف إلى مكة وقد تم حجه وإن شاء تعجل في يومين من أيام منى فرمى وانصرف فإذا خرج من مكة طاف للوداع وركع
ــ
رميها من غير دعاء "فإذا رمى في اليوم الثالث وهو رابع يوم النحر انصرف" من منى "إلى مكة" شرفها الله تعالى قال ابن عمر ولا يقيم بمنى بعد رميه في اليوم الثالث والمستحب أن ينزل بالمحصب فيصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويدخل مكة ليلا لفعله ذلك عليه الصلاة والسلام وكذا الصحابة بعده رضوان الله عليهم أجمعين وإن صلى الظهر قبله فلا شيء عليه كما أنه لو ترك النزول به لا دم عليه وفي قوله: "وقد تم حجه" شيء وهو أن يقال ماذا أراد بالتمام فإن أراد بسننه وفرائضه وفضائله فقد بقي عليه طواف الوداع وإن أراد الفرائض فقد تمت قبل هذا فالجواب أنه أراد تم بفرائضه وسننه ولم يعتبر طواف الوداع لأنه لا يختص بالحاج بل يفعله كل من خرج من مكة حاجا أو غيره وقوله: "وإن شاء تعجل في يومين من أيام منى فرمى وانصرف" قسيم قوله يقيم بمنى ثلاثة أيام هذا ما لم تغرب الشمس من اليوم الثاني فإذا غربت فلا تعجيل لأن الليلة إنما أمر بالمقام فيها من أجل رمي النهار فإذا غربت الشمس فكأنه التزم رمي اليوم الثالث "فإذا خرج من مكة" أي أراد الخروج منها "طاف للوداع" بكسر الواو وفتحها وحكم هذا الطواف الاستحباب فلا دم في تركه "و" إذا فرغ منه "ركع" قال ابن فرحون لطواف الوداع ركعتان إن تركهما حتى تباعد
وانصرف والعمرة يفعل فيها كما ذكرنا أولا إلى تمام السعي بين الصفا والمروة ثم يحلق رأسه وقد تمت عمرته والحلاق أفضل في الحج والعمرة والتقصير يجزئ وليقصر من جميع شعره وسنة المرأة التقصير
ــ
أو بلغ بلده ركعهما ولا شيء عليه وإن قرب وهو على طهارته رجع لهما وإن انتقض وضوءه تطهر وابتدأ الطواف وركعهما "وانصرف والعمرة يفعل فيها كما ذكرنا أولا إلى تمام السعي بين الصفا والمروة" أخذ منه أن أركانها ثلاثة الإحرام والطواف والسعي ولها ميقاتان زماني ومكاني فالزماني الوقت كله والمكاني هو الحل سواء كان آفاقيا أو مقيما بمكة وظاهر قوله: "ثم يحلق رأسه وقد تمت عمرته" أن العمرة لا تتم حتى يحلق رأسه وليس كذلك لأن مالكا قال تتم عمرته بالطواف والسعي وأما الحلاق فمن شروط الكمال أي ليس شرط صحة فلا ينافي أنه واجب ويمكن الجواب بأن المراد بتمام العمرة كمالها فلا ينافي تمامها بالفراغ من طوافها وسعيها وقوله: "والحلاق أفضل في الحج والعمرة" من التقصير ليس على إطلاقه فإن التقصير في عمرة التمتع أفضل لاستبقاء الشعث للحج قاله زروق ولا يتم نسك الحلاق إلا بجميع الرأس لفعله صلى الله عليه وسلم "والتقصير يجزىء" عن الحلاق "و" المقصر إن كان رجلا فـ "ليقصر من جميع شعره" قال ابن الحاجب وسنته أي التقصير من الرجل أن يجز من قرب أصوله أي الصفة الكاملة أي المندوبة أن يجز الخ وأقله أن يأخذ من جميع الشعر أي الذي لا يجزئ بدونه أن يأخذ من جميع الشعر ولو قدر الأنملة فإن اقتصر على بعضه فكالعدم "وسنة المرأة التقصير" أي الطريقة المتعينة في حقها
ولا بأس أن يقتل المحرم الفأرة والحية والعقرب وشبهها والكلب العقور وما يعدو من الذئاب والسباع ونحوها ويقتل من الطير ما يتقى أذاه من الغربان والأحدية فقط ويجتنب في حجه وعمرته النساء
ــ
التقصير ويكره لها الحلاق وقيل هو حرام لأنه مثلة وعليه اقتصر في التحقيق فيفيد اعتماده والأصل في ذلك ما رواه أبو داود من قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير" ثم انتقل يتكلم على ما يجوز للمحرم قتله فقال: "ولا بأس" أي يجوز جوازا مستوي الطرفين "أن يقتل المحرم الفأرة" بالهمز وبدون همز والتاء فيه للوحدة لا للتأنيث "و" يجوز أيضا أن يقتل "الحية والعقرب وشبهها" أي شبه الفأرة "والحية والعقرب فشبه الفأرة ما يقرض الثياب كابن عرس وشبه الحية الأفعى والثعبان وشبه العقرب الزنبور "والكلب العقور" المراد به كل ما يعدو فيدخل فيه السبع والكلب والنمر قاله الفاكهاني فعلى هذا يكون قول الشيخ "وما يعدو من الذئاب والسباع ونحوها" تكرارا وانظر لم خالف الأسلوب بين ما تقدم وقوله: "ويقتل من الطير ما يتقى أذاه من الغربان والأحدية" حيث قال أولا ولا بأس الخ ثم قال هنا ويقتل الخ وقوله والأحدية قال ابن العربي صوابه الحدأ بالهمز والقصر وظاهر كلامه أن هذين النوعين يقتلان وإن لم يبتدئا بالأذية كبيرا كان أو صغيرا وهو كذلك ومفهوم قوله: "فقط" إن ما آذى من الطير غيرهما وما آذى من غير الطير لا يقتل وهو أحد قولين حكاهما ابن الحاجب الراجح منهما قتل ما ذكر حيث ابتدأ بالأذية و "يجتنب" المحرم "في حجه وعمرته" وجوبا "النساء" أي الاستمتاع
والطيب ومخيط الثياب
ــ
بهن بالوطء وغيره أما الوطء فموجب للإفساد مطلقا كان في قبل أو دبر آدميا كان الموطوء أو غيره وقع عمدا أو نسيانا أو جهلا أنزل أو لا مباح الأصل أو لا كان موجبا للحد والمهر أو لا وقع من بالغ أو لا وظاهر كلامهم كما في الأجهوري ولولم يوجب الغسل كأن لف على الذكر خرقة كثيفة أو أدخله في هواء الفرج أو في غير مطيقة ويجب عليه إتمام ما أفسده لبقائه على إحرامه فإن لم يتمه ظنا منه أنه خرج منه بإفساده وتمادى إلى السنة الثانية وأحرم بحجة القضاء فإنه لا يجزئه ذلك عن الفائت وإحرامه الثاني لغولم يصادف محلا وهو على إحرامه الفاسد ولا يكون ما أحرم به قضاء عنه ومحل كونه يجب عليه إتمامه إذا أدرك الوقوف في العام الواقع فيه الفساد فإن لم يدركه فإنه يؤمر أن يتحلل منه بفعل عمرة وجوبا ولا يجوز له البقاء على إحرامه اتفاقا لأن فيه التمادي على الفاسد مع تمكنه من الخلوص منه وأما مقدمات الوطء كالقبلة والمباشرة فحرام فإن قبل أو باشر وحصل إنزال أفسد وإلا فليهد بدنة وأما النظر والفكر فلا يحصل فساد بخروج المني بسببهما إلا إذا كان كل منهما للذة وإدامة وأما خروجه بمجرد النظر والفكر فإنما فيه الهدي فقط هذه أحكام خروج المني وأما خروج المذي فموجب للهدي مطلقا خرج بعد مداومة النظر أو الفكر أو القبلة أو المباشرة أم لا "و" يجتنب المحرم في حجه وعمرته "الطيب" مذكرا كان كالورد والياسمين ولا فدية فيه أو مؤنثا وهو ما له جرم يعلق بالبدن والثوب كالمسك والزعفران وفيه الفدية ولو أزاله سريعا "و" يجتنب المحرم أيضا في حجه وعمرته "مخيط الثياب" لا خلاف في تحريمه على الرجال دون النساء والمراد به كل ما أحاط بالبدن أو ببعضه مخيطا كان أو غيره فيحرم عليه أن يلبس ما لبد أو نسج على شكل المخيط
والصيد وقتل الدواب وإلقاء التفث ولا يغطي رأسه في الإحرام ولا يحلقه إلا من ضرورة ثم يفتدي بصيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو ينسك بشاة
ــ
ويحرم عليه أيضا أن يلبس العمائم والسراويل والبرانس "و" كذلك يجتنب المحرم في حجه وعمرته "الصيد" أي ما شأنه أن يصاد في البر فيحرم صيده والتسبب في اصطياده سواء كان مأكول اللحم كالغزال وحمار الوحش أو لا كالقرد من غير فرق بين أن يكون متأنسا أو وحشيا مملوكا أو مباحا ولا يستثنى من ذلك إلا ما يتناوله الحديث وهو الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور "و" كذلك يجتنب فيهما "قتل الدواب" فلا يقتل القمل ولا يلقيه عن جسده "و" كذلك يجتنب "إلقاء التفث" كقص الشارب تمثيل لإلقاء التفث فالتفث اسم لما تأنف منه النفس وتكرهه فإن أزال شيئا من شعره أطعم حفنة "ولا يغطي رأسه في الإحرام" أي يحرم على المحرم أن يغطي رأسه وكذا وجهه بأي ساتر كان كطين وأولى العمامة وأما غيرهما من سائر البدن فإنه يحرم تغطيته بنوع خاص وهو المخيط "ولا يحلقه إلا من ضرورة" لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} المعنى فحلق لإزالة الأذى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وقد أشار إلى ذلك بقوله: "ثم يفتدي بصيام ثلاثة" أيام ولو أيام منى "أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو ينسك بشاة" أي يتعبد وقوله بشاة أي أو غيرها واقتصر على الشاة لأن الفدية كالضحية الأفضل فيها طيب اللحم ولا بد من ذبحها.
يذبحها حيث شاء من البلاد وتلبس المرأة الخفين والثياب في إحرامها وتجتنب ما سوى ذلك مما يجتنبه الرجل وإحرام المرأة في وجهها وكفيها وإحرام الرجل في وجهه ورأسه ولا يلبس الرجل الخفين في الإحرام إلا أن لا يجد نعلين
ــ
ولا يكفي إخراجها غير مذبوحة كما أفاده بعضهم وقوله: "يذبحها حيث شاء من البلاد" مقيد بما إذا لم يقلدها أو يشعرها فإن قلدها أو أشعرها لم يذبحها إلا بمنى ثم بين ما تخالف فيه المرأة الرجل فقال: "وتلبس المرأة الخفين" مطلقا وجدت نعلين أم لا "و" تلبس "الثياب" المخيطة في إحرامها "وتجتنب ما سوى ذلك" أي ما سوى لبس الخفين والثياب "مما يجتنبه الرجل" في إحرامه من الوطء ومقدماته والصيد وقتل الدواب وإلقاء التفث وأما تغطية الرأس فلا تجتنبه وإليه أشار بقوله: "وإحرام المرأة في وجهها وكفيها" بمعنى أنها تبديهما فيحرم عليها سترهما بكل شيء ولو طينا وليس لها لبس النقاب ولا البرقع ولا اللثام فإن فعلت شيئا من ذلك افتدت "وإحرام الرجل في وجهه ورأسه" بمعنى أنه يبديهما في حال الإحرام ليلا ونهارا فإن غطى شيئا من ذلك وانتفع حرم عليه وافتدى ناسيا كان أو عالما أو جاهلا وإن نزعه مكانه فلا شيء عليه ويجوز توسده وستره بيده من شمس أو ريح فاليد لا تعد ساترا إلا إذا ألصقها برأسه وطال فعليه الفدية كما في العتبية ويجوز له أن يحمل على رأسه ما لا بد منه من خروجه وجرابه وغير ذلك كحزمة حطب يحملها ليبيعها فإن حمل لغيره أو للتجارة فالفدية ويجوز استظلاله بالبناء والأخبية "ولا يلبس الرجل الخفين" في الإحرام "إلا أن لا يجد نعلين
فليقطعهما أسفل من الكعبين والإفراد بالحج أفضل عندنا من التمتع ومن القران فمن قرن أو تمتع من غير أهل مكة فعليه هدي يذبحه أو ينحره بمنى إن أوقفه
ــ
فليقطعهما أسفل من الكعبين" كما ورد في الحديث ثم انتقل يبين الفاضل والمفضول من أوجه الإحرام فقال: "والإفراد" وهو أن يحرم "بالحج" فقط "أفضل عندنا" أي المالكية "من التمتع وسن القرآن" وإنما كان الإفراد أفضل لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أفرد أي في حجة الوداع واتصل عمل الخلفاء أي فقد أفرد الصديق في السنة الثانية وعمر بعده عشر سنين وعثمان اثنتي عشرة سنة وما جاء من أنه صلى الله عليه وسلم قرن أو تمتع فأجاب عنه الإمام بحمله على أن المراد أمر بعض أصحابه بالقران وأمر بعضا بالتمتع فنسب ذلك إليه على طريق المجاز ولأن الإفراد لا يحتاج إلى أن يجبر بالهدي بخلاف القران والتمتع فإنهما يحتاجان إليه وإلى ذلك أشار بقوله: "فمن قرن" بفتح الراء "أو تمتع من غير أهل مكة فعليه هدي" مفهومه أن أهل مكة لا هدي عليهم وهو كذلك والمراد بهم من كان حاضرا بها أو بذي طوى وقت فعل النسكين ولوجوب الدم على القارن شرطان أن لا يكون حاضرا بمكة أو بذي طوى وأن يحج من عامه فلو فاته الحج وتحلل بعمرة فلا دم عليه فإن ترك الأولى في حقه ولم يتحلل بعمرة وبقي على إحرامه لم يسقط عنه ثم بين محل نحر الهدي وذبحه بقوله: "يذبحه" أي الهدي إن كان مما يذبح "أو ينحره" إن كان مما ينحر "بمنى" أي في منى نهارا بعد الفجر فلا يجزىء فعله ليلا والأصل في هذا كله أي فيما ذكر من كونه في منى ونهارا وبعد الفجر فعله عليه الصلاة والسلام ولصحة النحر بها شروط أحدها "إن أوقفه" من وجب عليه الهدي أو نائبه
بعرفة وإن لم يوقفه بعرفة فلينحر بمكة بالمروة بعد أن يدخل به من الحل فإن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج يعني من وقت يحرم إلى يوم عرفة
ــ
"بعرفة" ليلا قال ابن هارون أما اشتراط كون الوقوف ليلا فلا أعلم فيه خلافا لأن كل من اشترط الوقوف بعرفة ليلا كمالك جعل حكمه حكم ربه فيما يجزئه من الوقوف
ثانيها: أن يكون النحر في أيام منى وهي يوم النحر واليومان بعده فلا يدخل اليوم الرابع
ثالثها: أن يكون النحر في حجة أي كان الهدي سيق في إحرام حج سواء وجب لنقص فيه أو في عمرة أو تطوعا أو جزاء صيد فإذا اجتمعت هذه الشروط فلا يجوز النحر بمكة ولا بغيرها أي فالنحر بمنى واجب وإن فقد بعضها جاز وإليه أشار بقوله: "وإن لم يوقفه" بعرفة يعني أو فاتته أيام منى ولو وقف به بعرفة "فلينحره" أو يذبحه "بمكة" أو ما يليه من البيوت وجوبا ولا يجزئه الذبح بذي طوى ونحوها مما كان خارجا عن بيوتها ولو كان من لواحقها وحيث تعين الهدي وذبحه بمكة فلا يفعل ذلك إلا "بعد أن يدخل به من الحل" أي من أي جهة كانت لأن كل هدي لا بد فيه من الجمع بين الحل والحرام والهدي يكون من الغنم والبقر والإبل لكن الأفضل الإبل ولا يجزىء في الجميع إلا السليم كالأضحية والهدي من هذه الثلاثة إنما يتعين على المتمتع والقارن إذا وجده "فإن لم يجد هديا" بأن يئس من وجوده "فـ" الواجب عليه "صيام ثلاثة أيام في الحج" وفاعل "يعني" ضمير يعود على الله سبحانه وتعالى والتلاوة: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} ولم يذكر فيها إلا التمتع دون القران "من وقت يحرم" أي ابتداء الأيام الثلاثة التي في الحج من وقت يحرم "إلى" آخر "يوم عرفة" يعني أن النقص الموجب للهدي إن كان سابقا على الوقوف
فإن فاته ذلك صام أيام منى وسبعة إذا رجع وصفة التمتع أن يحرم بعمرة ثم يحل منها في أشهر الحج ثم يحج من عامه قبل الرجوع إلى أفقه أو إلى مثل أفقه في البعد
ــ
بعرفة فإنه يدخل زمن صوم الثلاثة من إحرامه ويمتد إلى يوم عرفة لأن له صومه وذلك كتعدي الميقات وتمتع وقران وترك طواف قدوم ومفهوم قولنا سابقا على الوقوف أن النقص إن تأخر عن الوقوف كترك النزول بالمزدلفة أو ترك رمي أو حلق أو أخر الثلاثة حتى فاتت أيام التشريق فإنه يصومها مع السبعة متى شاء "فإن فاته ذلك" أي صوم ثلاثة أيام في الحج "صام أيام منى" ولا إثم عليه إن تأخر الصوم إليها لعذر "و" بعد فراغه من صيام الأيام الثلاثة سواء صامها في الحج أو في منى فإنه "يصوم سبعة" أي سبعة أيام "إذا رجع" من منى إلى مكة سواء أقام بمكة أو لا فإن أخرها صام متى شاء ويندب التتابع في الثلاثة أيام وليس بلازم وكذا في العشرة وإنما هو مستحب على المشهور "وصفة التمتع أن يحرم بعمرة" أولا "ثم يحل منها في أشهر الحج" ولا يشترط إيقاع جميعها في أشهر الحج بل لو أحرم بها في رمضان وأكملها في ليلة شوال كان متمتعا إن كان ما أوقعه في أشهر الحج ركنا فلو لم يبق عليه إلا الحلق وأوقعه في أشهر الحج لا يكون متمتعا "ثم يحج من عامه" لأنهما إن لم يكونا في عام واحد لم يحصل التمتع كما أنه لا يكون متمتعا إذا رجع بعد عمرته في أشهر الحج وقبل إحرامه بالحج إلى بلده فالتمتع صادق في صورة ما إذا فرغ من العمرة في أشهر الحج وأحرم بالحج قبل رجوعه إلى بلده وإليه يشير قول المصنف "قبل الرجوع إلى أفقه" بضم الفاء وسكونها "أو" إلى "مثل أفقه في العبد" ظاهره ولو كان من أهل الحجاز وهو المشهور خلافا لابن المواز
ولهذا أن يحرم من مكة إن كان بها ولا يحرم منها من أراد أن يعتمر حتى يخرج إلى الحل وصفة القران أن يحرم بحجة وعمرة معا ويبدأ بالعمرة في نيته وإذا أردف الحج على العمرة قبل أن يطوف ويركع فهو قارن وليس على أهل مكة هدي في تمتع ولا قران ومن حل من عمرته قبل أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع
ــ
القائل بعدم سقوط الدم عمن أفقه بالحجاز إلا بالعودة إلى نفس أفقه لا إلى مثله إلا أن يخرج عن أرض الحجاز بالكلية "ولهذا" اللام للإباحة والإشارة عائدة على المحرم بعمرة في أشهر الحج الدال عليه السياق أي ويباح للمحرم إذا حل من عمرته "أن يحرم من مكة إن كان بها" ويستحب أن يكون إحرامه من باب المسجد "ولا يحرم منها" أي من مكة "من أراد أن يعتمر حتى يخرج إلى الحل" لأن من شروط العمرة أن يجمع فيها بين الحل والحرم "وصفة القران أن يحرم بحج وعمرة معا" ويبدأ بالعمرة "في نيته وإذا أردف الحج على العمرة قبل أن يطوف ويركع فهو قارن" ظاهر كلامه أنه لا يردف في الطواف والمشهور جوازه ويصح بعد كماله وقبل الركوع لكنه مكروه فإن ركع فات الإرداف فإن أردف بعد السعي لم يكن قارنا اتفاقا "وليس على أهل مكة" تقدم إنهم الحاضرون بها أو بذي طوى وقت فعل النسكين "هدي في تمتع" اتفاقا "ولا" في "قران" على المشهور أي قياسا على التمتع وأوجبه ابن الماجشون واختاره اللخمي "ومن حل من عمرته قبل أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع"
ومن أصاب صيدا فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من فقهاء المسلمين
ــ
ولو تأخر حلاقه إلى أشهر الحج "ومن أصاب" أي قتل "صيدا" بريا مأكول اللحم أو غير مأكوله غير ما نص عليه الشارع سواء كان القاتل محرما بأحد النسكين أو كان بالحرم ولو لم يكن محرما وسواء كان حرا أو عبدا ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا كان القتل عمدا أو خطأ أو نسيانا مباشرة أو تسببا تكرر ذلك منه أو لم يتكرر "فعليه" وجوبا "جزاء مثل ما قتل من النعم" والمثلية تكون في الصورة والمساواة في القدر أو القرب فعلى من قتل فيلا بدنة خراسانية ذات سنامين وعلى من قتل بقرة وحشية أو حمارا وحشيا أو ظبية بقرة إنسية وعلى من قتل نعامة بدنة لأنها تقاربها في القدر والصورة وعلى من قتل ضبعا أو ثعلبا أو حماما من حمام مكة والحرم ويمامهما شاة وفي غير حمام مكة والحرم حكومة أي فمن قتل حماما في الحل فإنه يلزمه قيمته طعاما أي حين الإتلاف وأدنى ما يجزىء في جزاء الصيد الجذع من الضأن والثني مما سواه لأن الله تعالى سماه هديا فيشترط فيه ما يشترط في الهدي ولما كان وجوب جزاء المثل لا يكتفى فيه بمعرفة نفسه قال: "يحكم به ذوا عدل" كما قال الله تعالى فإن أخرج قبل حكمهما عليه أعاد ولو كان المقوم غير مأكول واشتراط العدالة يستلزم الحرية والبلوغ ولا بد من لفظ الحكم ولا يكفي الفتوى "من فقهاء المسلمين" ومن شرط حكمهما أن لا يجتهدا بحكمهما في غير ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فإن حكما بما لم يتقدم فيه حكم من مضى فإنه يرد ولا ينفذ ولا يخرج أحد جزاء من غير حكم فإن أخرجه من غير الحكم أعاده ولو وافق فيه حكم من مضى وخرج عن ذلك حمام مكة والحرم ويمامه فإنه لا يحتاج
ومحله منى إن وقف به بعرفة وإلا فمكة ويدخل به من الحل وله أن يختار ذلك أو كفارة طعام مساكين أن ينظر إلى قيمة الصيد طعاما فيتصدق به أو عدل ذلك صياما أن يصوم عن كل مد يوما ولكسر المد يوما كاملا
ــ
في لزوم الشاة لحكم لخروجه عن الاجتهاد بالدليل فكان حكما مقررا كغيره "ومحله" أي محل نحره أي جزاء الصيد إن كان مما ينحر وذبحه إن كان مما يذبح "منى إن وقف به" هو أو نائبه "بعرفة وإلا فمكة" أي وإلا يقف به هو أو نائبه فمحل ذبحه أو نحره مكة وهذا التفصيل في أحق الحاج وأما المعتمر أو الحلال فمحله مكة لا غير "و" حيث كان محله مكة فإنه "يدخل به من الحل" لأن من شرط الهدي أن يجمع فيه بين الحل والحرام فإن ملكه في الحرم فلا بد أن يخرج به إلى الحل ثم أشار إلى وجوب مثل ما قتل على التخيير بقوله: "وله" أي لمن قتل صيدا "أن يختار ذلك" أي مثل ما قتل من النعم "أو" يختار أحد شيئين أحدهما "كفارة طعام مساكين" وصفة الإطعام "أن ينظر إلى قيمة الصيد طعاما" من غالب طعام الموضع الذي قتل فيه الصيد بالغا ما بلغت فإن لم يكن له قيمة هنالك اعتبرت قيمة أقرب المواضع إليه "فيتصدق به" عليهم وإذا أطعم فلكل مسكين مد ولو أعطى ثمنا أو عرضا لم يجزه والشيء الآخر أشار إليه بقوله: "أو عدل ذلك" أي أو يختار عدل طعام المساكين "صياما" وصفة ذلك "أن يصوم عن كل مد يوما ولكسر المد يوما كاملا" وإنما وجب في كسر المد يوم لأنه لا يمكن إلغاؤه ولا يتبعض الصوم فلم يبق إلا جبره بالكمال كالأيمان في القسامة واختلف في العدل في الآية فقيل ما عدل الشيء من غير جنسه كالعشرة
والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر ويستحب لمن انصرف من مكة من حج أو عمرة أن يقول آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
ــ
الأيام فإنها عدلت العشرة الأمداد وليست من جنسها وقيل عدل الشيء بالفتح مثله وليس بالنظير المساوي كما في المصباح أي أن صيام العشرة الأيام ليس مساويا للعشرة الأمداد لاختلاف الجنس والمساواة تقتضي اتحاد الجنس "والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر" ولها ميقاتان مكاني وهو ميقات الحج وزماني وهو جميع السنة ولها أركان ثلاثة الإحرام والطواف والسعي وليس الحلاق ركنا فيها وصفة الإحرام بها في استحباب الغسل وما يجوز من اللباس وما يحرم عليه والطيب الخ كالحج ويكره تكرارها في العام الواحد على المشهور "ويستحب لمن انصرف من مكة من حج أو عمرة أن يقول آيبون تائبون" هما بمعنى واحد وهو الرجوع عن أفعال مذمومة إلى أفعال محمودة "عابدون لربنا" بما افترض علينا "حامدون" له على ذلك "صدق الله وعده" لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من النصر وإنجاز الوعد بدخول مكة بقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} "ونصر عبده" محمدا صلى الله عليه وسلم "وهزم الأحزاب وحده" سبحانه وتعالى وذلك أن المشركين تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم ونزلوا بالمدينة فأرسل الله عليهم ريح الصبا وهو الريح الشرقي قال صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور" وهو الريح الغربي وإنما استحب قول هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا