الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأول أحب إلينا.
ــ
"والأول أحب إلينا" للوجوب أي وجوب ترك الغسل ولما أنهى الكلام على الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام انتقل يتكلم على ركن من أركانه أيضا وهو الصوم فقال:
باب في الصيام
.
وصوم شهر رمضان فريضة يصام لرؤية الهلال
ــ
"باب في" بيان حكم "الصيام" وما يتعلق به أي بالصيام أي يرتبط به كصلاة التراويح وهو لغة الإمساك والترك فمن أمسك عن شيء ما قيل له صائم قال تعالى حكاية عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} أي صمتا وهو الإمساك عن الكلام وشرعا الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية قبل الفجر أو معه في غير أيام الحيض والنفاس وأيام الأعياد والصوم باعتبار حكمه ينقسم إلى واجب وغيره ومن الواجب صوم رمضان وإليه أشار بقوله: "وصوم شهر رمضان فريضة" أخبر بالمؤنث عن المذكر باعتبار كونه عبادة لا باعتبار كونه مصدرا دل على وجوبه الكتاب والسنة والإجماع فمن جحد وجوب صوم رمضان فهو كافر إجماعا يستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل ومن أقر بوجوبه وامتنع من صومه فهو عاص يجبر على فعله فإن لم يفعل قتل حدا كالصلاة أي بعد أن يؤخر إلى أن يبقى من وقت نيته قدر ما يسعها ويثبت صوم رمضان بأحد شيئين إما بإتمام شعبان ثلاثين يوما وإما برؤية الهلال وإليه أشار بقوله: "يصام لرؤية الهلال" يعني هلال رمضان ظاهر كلامه سواء كانت الرؤية مستفيضة بأن وقعت من جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب لأن خبرهم يفيد العلم
ويفطر لرؤيته كان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما فإن غم الهلال فيعد ثلاثين يوما من غرة الشهر الذي قبله ثم يصام وكذلك في الفطر ويبيت الصيام في أوله
ــ
أو بشاهدي عدل فقط مع غيم أو صحو أي ولا فرق بين البلد الكبير والصغير ومثل العدلين العدل الواحد الموثوق بخبره ولو عبدا أو امرأة إذا كان المحل لا يعتنى فيه بأمر الهلال في حق أهل الرائي وغيرهم وأما إذا كان المحل يعتنى فيه بأمر الهلال فلا يثبت برؤية الواحد ولو في حق أهله ولو صدقوه ولكن يجب عليه أن يرفع أمره إلى الحاكم ولا يجوز له الفطر فإن أفطر كفر ولو متأولا لأن تأويله بعيد "و" كما يصام لرؤيته "يفطر لرؤيته" أي لرؤية هلال شوال سواء "كان" الشهر الذي قبل الشهر تثبت رؤيته "ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما" أي لأن الشهر يأتي ناقصا وكاملا "فإن غم" بضم الغين وتشديد الميم "الهلال" يعني هلال رمضان بأن حال بينه وبين الناس غيم "فيعد ثلاثين يوما من غرة" يعني من أول "الشهر الذي قبله" وهو شعبان "ثم يصام وكذلك في الفطر" يفعل فيه كذلك فإن غم هلال شوال فإنه يعد ثلاثين يوما من أول الشهر الذي قبله وهو رمضان ثم يفطر وأصل هذا ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة".
وشروط الصوم سبعة: أولها: النية وأشار إليه بقوله: "ويبيت الصيام في أوله" أي ينوي بقلبه أول ليلة من رمضان بعد غروب الشمس وقبل طلوع الفجر أو مع طلوعه القربة إلى الله تعالى بأداء ما افترض عليه من استغراق
وليس عليه البيات في بقيته ويتم الصيام إلى الليل ومن السنة تعجيل الفطر
ــ
طرفي النهار بالإمساك عن الأكل والشرب والجماع "و" بعد أن يبيت الصيام أول ليلة فـ "ليس عليه" وجوبا "البيات في بقيته" أي بقية شهر رمضان وعن مالك يجب التبييت كل ليلة وبه قال الإمامان الشافعي وأبو حنيفة لأن أيام الشهر عبادات ينفرد بعضها عن بعض ولا يفسد بعضها بفساد بعض ويتخللها ما ينافيها كالأكل والشرب والجماع ليلا فصارت الأيام كالصلوات الخمس في اليوم فيجب أن ينفرد صوم كل يوم بنية كما تنفرد كل صلاة بنية ووجه المذهب قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فتناول هذا الأمر صوما واحدا وهو صوم الشهر وإنما كانت مبيتة لما رواه أصحاب السنن من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" وإنما اغتفر تقديمها في الصوم للمشقة قال ابن ناجي ظاهر كلام الشيخ أنه لا يلزم تجديد النية لمن انقطع صومه كالحائض وهو كذلك عند أشهب وغيره بقي المريض والمسافر إذا تماديا على الصوم فإنه يجب عليهما النية في كل ليلة لعدم وجوب التتابع في حقهما وعند صحة المريض وقدوم المسافر يكفيهما نية لما بقي كالحائض تطهر والصبي يبلغ في أثناء الصوم والكافر يسلم في أثناء الشهر ثانيها الإسلام ثالثها العقل رابعها النقاء من الحيض والنفاس خامسها الإمساك عن المفطرات سادسها القدرة على الصوم سابعها البلوغ ثم بين غايته بقوله: "ويتم الصيام إلى الليل" للآية ولقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح: "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" أي انقضى صومه وتم "ومن السنة تعجيل الفطر" بعد تحقق دخول الليل واختلف في الإمساك بعد الغروب
وتأخير السحور وإن شك في الفجر فلا يأكل ولا يصام يوم الشك ليحتاط به من رمضان ومن صامه كذلك لم يجزه وإن وافقه من رمضان
ــ
فقال بعضهم: يحرم كما يحرم يوم العيد وقال بعضهم: هو جائز وله أجر الصائم وفقه المسألة أن القول بأن له أجر الصائم ضعيف والقول بالحرمة لا وجه له إلا أن يكون قصده أنه واجب عليه وإلا فالوجه الكراهة إذا كان لغير ضرورة "و" من السنة أيضا "تأخير السحور" بفتح السين وضمها فالفتح اسم للمأكول والضم اسم للفعل وقدر التأخير الأفضل أن يبقى بعد الفراغ من الأكل والشرب إلى الفجر قدر ما يقرأ القارىء خمسين آية والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور رواه الإمام أحمد "وإن شك" صائم رمضان "في" طلوع "الفجر فلا يأكل" ولا يشرب ولا يجامع وهذا النهي يحتمل الكراهة والتحريم والمشهور التحريم وإن شك في الغروب فيحرم الأكل ونحوه اتفاقا "ولا يصام يوم الشك ليحتاط به من رمضان" وهذا النهي للكراهة على ظاهر المدونة وقال ابن عبد السلام: الظاهر أنه للتحريم لما رواه الترمذي وقال حسن صحيح أن عمار بن ياسر قال: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم" والأول يقول إن العصيان كناية عن التشديد ويوم الشك المنهي عن صيامه عندنا أن تكون السماء مغيمة ليلة ثلاثين ولم تثبت الرؤية فصبيحة تلك الليلة هو يوم الشك "ولمن صامه" يعني يوم الشك "كذلك" يعني احتياطا ثم ثبت أنه من رمضان "لم يجزه وإن وافقه من رمضان" لعدم جزم النية قال زروق قوله وإن وافقه كذا بالواو وهي تفهم
ولمن شاء صومه تطوعا أن يفعل ومن أصبح فلم يأكل ولم يشرب ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان لم يجزه وليمسك عن الأكل في بقيته ويقضيه وإذا قدم المسافر مفطرا أو طهرت الحائض نهارا فلهما الأكل في بقية يومهما ومن أفطر في تطوعه عامدا أو سافر فيه فأفطر لسفره
ــ
المبالغة والصواب إن وافقه إذ لا محل لغيره ولمن شاء صومه تطوعا أن يفعل أي بدون أن تكون عادته سرد الصوم أو صوم يوم بعينه "ومن أصبح" يوم الشك "فلم يأكل ولم يشرب ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان لم يجزه" لفقد النية "وليمسك" وجوبا "عن الأكل" والشرب وعن كل ما يبطل الصوم في بقيته وكذلك يجب عليه الصوم إن أكل أو شرب أو نحو ذلك وقوله: "ويقضيه" أي ولا كفارة إذا كان ناسيا أو عامدا متأولا وأما غيره فتجب عليه الكفارة "وإذا قدم المسافر" من سفره نهارا حالة كونه "مفطرا أو طهرت الحائض نهارا فـ" يباح "لهما الأكل في بقية يومهما" ولا يستحب لهما الإمساك وكذا الصبي يبلغ والمجنون يفيق والمريض يصبح مفطرا ثم يصح وكذا المغمى عليه ثم يفيق والمضطر لضرورة جوع أو عطش والمرضع يموت ولدها نهارا وكذا الكافر يسلم إلا أن هذا يستحب له الإمساك دون غيره وأما من أفطر ناسيا أو لكون اليوم يوم شك أو أفطر مكرها فإذا زال عذرهم فيجب عليهم الإمساك وإذا أفطر المكره بعد زوال الإكراه وجب القضاء كالكفارة إلا أن يتأول "ومن أفطر في تطوعه عامدا" من غير ضرورة ولا عذر "أو سافر فيه" أي أحدث سفرا حالة كونه متلبسا بصوم التطوع "فأفطرا" أجل "سفره
فعليه القضاء وإن أفطر ساهيا فلا قضاء عليه بخلاف الفريضة ولا بأس بالسواك للصائم في جميع نهاره ولا تكره له الحجامة إلا خيفة التغرير
ــ
فعليه القضاء" في الصورتين وجوبا قال ابن عمر واختلف إذا أفطر عامدا هل يستحب إمساك بقيته أم لا الراجح لا يستحب كما أفاده الأجهوري وسكت عن الجاهل والمشهور أنه كالعامد "وإن أفطر" في تطوعه "ساهيا فلا قضاء عليه" وجوبا بلا خلاف واختلف في قضائه استحبابا على قولين سماع ابن القاسم منهما الاستحباب وهذا "بخلاف الفريضة" إذا أفطر فيها ساهيا فإنه يجب عليه القضاء قال زروق وظاهر كلامه كانت الفريضة من رمضان أو من غيره "ولا بأس بالسواك للصائم" وكذا عبر في المدونة والجلاب بلا بأس وهي في كلامهم بمعنى الإباحة كما صرح به ابن الحاجب حيث قال: والسواك مباح كل النهار بما لا يتحلل منه شيء وكره بالرطب وفي كلام بعضهم ما يفيد أن محل الإباحة بعد الزوال لغير مقتض شرعي وأما لمقتض شرعي كالوضوء والصلاة والقراءة والذكر فهو مندوب وهو الصواب كما يفيده الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" فعم الصائم وغيره وأشار بقوله: "في جميع نهاره" إلى قول الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى أنه يجوز قبل الزوال ويكره بعده لما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" والخلوف بضم الخاء ريح متغير كريه الشم يحدث من خلو المعدة والمراد بطيبه عند الله رضاه به وثناؤه على الصائم بسببه "ولا تكره له" أي للصائم "الحجامة إلا خيفة التغرير" أي المرض قال في القاموس
ومن ذرعه القيء في رمضان فلا قضاء عليه وإن استقاء فقاء فعليه القضاء وإذا خافت الحامل على ما في
ــ
غرر بنفسه تغريرا أي عرضها للهلكة فيكون تفسيره بالمرض من تفسير الشيء بمتعلقه أو يراد بالهلاك ما يشمل المرض فلا تكره الحجامة إلا إذا خاف المرض بأن شك في السلامة وعدمها وأما إذا علمت السلامة فلا كراهة "ومن ذرعه" بذال معجمة وراء وعين مهملتين مفتوحتين سبقه وغلبه "القيء في" صوم شهر "رمضان" وغيره "فلا قضاء عليه" لا وجوبا ولا استحبابا سواء كان لعلة أو امتلاء وسواء تغير عن حالة الطعام أم لا هذا إذا علم أنه لم يرجع منه شيء بعد وصوله إلى فمه أما إن علم برجوع شيء منه بعد وصوله إلى فمه فعليه القضاء إذا لم يتعمد وإلا كفر وكذا يجب القضاء إذا شك في الوصول والقلس كالقيء وهو ما يخرج من المعدة عند امتلائها وأما البلغم يصل إلى طرف اللسان وتعمد ابتلاعه فلا قضاء عليه وكذا الريق يتعمد جمعه في فيه ثم يبتلعه فلا قضاء عليه "وإن استقاء" الصائم أي طلب القيء "فقاء فعليه القضاء" وهل وجوبا أو استحبابا قولان شهر ابن الحاجب الأول وهو الراجح واختار ابن الجلاب الثاني وظاهر كلام الشيخ أنه لا كفارة على من استقاء في رمضان والمسألة ذات خلاف في الكفارة وعدمها قال عبد الملك عليه القضاء والكفارة وقال ابن الماجشون من استقاء من غير مرض متعمدا فعليه القضاء والكفارة وقال أبو الفرج: لو سئل مالك عن مثل هذا لألزمه الكفارة وروي عن ابن القاسم أنه يقضي خاصة واعلم أن الفطر في رمضان يجب في مسائل ويباح في بعضها فمن الأول المرأة تحيض نهارا فيجب عليها الفطر بقية يومها "و" منه "إذا خافت" المرأة "الحامل" وهي صائمة في شهر رمضان "على ما في
بطنها أفطرت ولم تطعم وقد قيل تطعم وللمرضع إن خافت على ولدها ولم تجد من تستأجر له أو لم يقبل غيرها أن تفطر وتطعم
ــ
بطنها" أو نفسها هلاكا أو حدوث علة "أفطرت" وجوبا "ولم تطعم" على المشهور وتقضي "وقد قيل تطعم" رواه ابن وهب ومفهوم كلامه أنها إذا لم تخف لا تفطر ولو جهدها الصوم وليس كذلك بل إذا جهدها الصوم تخير في الفطر والذي يفيده كلام ابن عرفة أن الحامل ومثلها المرضع والمريض يباح لهم الفطر حيث كان يشق عليهم الصوم وإن لم يخافوا حدوث مرض ولا زيادته وأما الصحيح فليس له الفطر لحصول مشقة الصوم وهل له الفطر لخوف المرض أو لا قولان ومن الثاني أي الفطر المباح المرض في بعض صوره وهو ما إذا خاف زيادة المرض أو تماديه وأما إذا خاف هلاكا أو شديد أذى فيجب والخوف المجوز للفطر هو المستند صاحبه إلى قول طبيب حاذق أو تجربة في نفسه أو خبر من هو موافق له في المزاج والسفر بشرطه وسيأتي الكلام عليهما ومنه ما أشار إليه بقوله: "وللمرضع" بناء على أن اللام للإباحة أي أن محل كونه من الثاني إذا جعلت اللام للإباحة أي ويباح للمرأة المرضع "إن خافت على ولدها" أو على نفسها من الصوم "ولم تجد ما" ويروى من "تستأجره له أو" وجدت ولكنه أي الولد "لم يقبل غيرها أن تفطر و" يجب عليها حينئذ أن "تطعم" وقيل اللام في كلامه بمعنى على أي وعلى المرضع وجوبا إذا خافت على ولدها أو نفسها أن تفطر وظاهر كلامه أن الإجارة عليها وهو كذلك إذا لم يكن له ولا لأبيه مال ولا ترجع به بعد ذلك على أحد ومنه ما أشار إليه بقوله
ويستحب للشيخ الكبير إذا أفطر أن يطعم والإطعام في هذا كله مد عن كل يوم يقضيه وكذلك يطعم من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر
ــ
"ويستحب للشيخ الكبير" الذي لا يقدر على الصوم في زمن من الأزمنة "إذا أفطر أن يطعم" وإنما أبيح له الفطر لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وما ذكره من استحباب الإطعام ظاهر المدونة خلافه ونصها لا فدية إلا أن المدونة حملت على أنه لا يجب الإطعام فلا ينافي ندبه "والإطعام" المتقدم ذكره "في هذا كله" أي في فطر الحامل الخائفة على ما في بطنها والمرضع الخائفة على ولدها والشيخ الكبير الذي لا يقدر على الصوم "مد" بمده عليه الصلاة والسلام وهو رطل وثلث "عن كل يوم يقضيه" أي إن كان يجب عليه القضاء فلا يرد الشيخ الهرم وغيره فإنهما يطعمان ولا يقضيان والتشبيه في قوله: "وكذلك يطعم من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر" راجع إلى القدر لا إلى الحكم فإن الحكم مختلف لأن إطعام الشيخ كما تقدم مستحب وإطعام المرضع واجب وظاهر كلامه أن قضاء رمضان على التراخي وهو الذي يدل عليه حديث عائشة في الموطأ أي فإنها قالت إن كان ليكون علي الصيام من رمضان فما أستطيع أن أصومه حتى يأتي شعبان للشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم فظاهره لو كان يجوز تأخيره عن شعبان لأخرته ولو كان واجبا على الفور لما أخرته فلزم من ذلك أن يكون واجبا موسعا وعن مالك إنما هو على الفور وهو ضعيف وعلى الأول إنما يراعى تفريطه في شعبان إذا كان فيه صحيحا مقيما فيجب عليه الإطعام فإذا كان عليه خمسة
ولا صيام على الصبيان حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية وبالبلوغ لزمتهم أعمال الأبدان فريضة قال الله سبحانه: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} ومن أصبح
ــ
عشر يوما فتعتبر الإقامة والصحة في النصف الأخير من شعبان فيجب الإطعام إن كان فيه صحيحا مقيما وإن مرض فيه أو سافر فلا إطعام وعلى الثاني الضعيف إنما يراعى تفريطه في شوال بقدر ما عليه من الصيام على قياس ما قلنا في شعبان ولو كان رمضان ثلاثين وصام شهرا قضاه عنه فكان تسعة وعشرين كمل ثلاثين ويجوز القضاء في كل وقت يجوز فيه التطوع بالصوم ولا يقضي في الأيام الممنوع فيها الصوم ثم أشار إلى الشرط الموعود بمجيئه وهو البلوغ بقوله: "ولا صيام على الصبيان" لا وجوبا ولا استحبابا "حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية" لو قال حتى يبلغوا لكان أولى فإن البلوغ يكون بالاحتلام أي الإنزال أو السن وهو ثمان عشرة على المشهور بخلاف الصلاة فإنهم يؤمرون بها استحبابا "وبالبلوغ" هو قوة تحدث في الصغير يخرج بها من حال الطفولية إلى حال الرجولية والعقل ولو قال بالتكليف إلخ لكان أولى من قوله: وبالبلوغ "لزمتهم أعمال الأبدان" من صلاة وصيام وحج وغزو "فريضة" بالنصب على الحال المؤكدة لعاملها لأن اللزوم والفرض مترادفان وكذلك بالبلوغ لزمتهم أعمال القلوب كوجوب النيات أي النيات الواجبة لأن الذي من عمل القلب النية لا وجوبها والاعتقادات كاعتقاد أن الله واحد مثلا واستدل على لزوم الصبيان الفرائض بالبلوغ بقوله "قال الله سبحانه" وتعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} لأن الاستئذان واجب وقد علقه بالبلوغ "ومن أصبح"
جنبا ولم يتطهر أو امرأة حائض طهرت قبل الفجر فلم يغتسلا إلا بعد الفجر أجزأهما صوم ذلك اليوم ولا يجوز صيام يوم الفطر ولا يوم النحر ولا يصوم اليومين اللذين بعد يوم النحر إلا المتمتع الذي لا يجد هديا
ــ
بمعنى طلع عليه الفجر "جنبا" كانت الجنابة من وطء أو احتلام عمدا أو نسيانا في فرض أو تطوع "ولم يتطهر" بالماء "أو امرأة حائض طهرت" بمعنى انقطع عنها دم الحيض ورأت علامة الطهر "قبل" طلوع "الفجر" الصادق "فلم يغتسلا" أي الجنب والحائض المذكوران "إلا بعد الفجر" سواء أمكنهما الغسل قبل طلوع الفجر أم لا "أجزأهما صوم ذلك اليوم" ولا شيء عليهما أما صحة صوم الجنب فلما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر في رمضان وهو جنب فيغتسل ويصوم وأما صحة صوم الحائض إذا طهرت قبل الفجر في رمضان فمتفق عليه إذا كان طهرها قبل الفجر بقدر ما تغتسل فيه وعلى المشهور إن كان قبله بمقدار لا يسع غسلها وأما إذا طهرت بعد الفجر فلا يصح صومها "ولا يجوز صيام يوم الفطر ولا" صيام "يوم النحر" أي ولا يصح إذ لا يلزم من عدم الجواز عدم الصحة لنهيه عليه الصلاة والسلام عن صيامهما وهل النهي تعبد أو معلل بضيافة الله "ولا يصام اليومان اللذان بعد يوم النحر إلا المتمتع الذي لا يجد هديا" كذا الرواية يصام بالبناء لما لم يسم فاعله والمتمتع بالرفع والصواب أن يقول ولا يصوم اليومين الخ وجهه أن المتمتع فاعل ففعله يكون بصيغة المبني للفاعل لا بصيغة المبني للمفعول مع أنه هنا بتلك الصيغة وأيضا فقد استوفى عمدته الذي هو نائب الفاعل ووجهت الرواية بأن المتمتع فاعل
واليوم الرابع لا يصومه متطوع ويصومه من نذره أو من كان في صيام متتابع قبل ذلك ومن أفطر في نهار رمضان ناسيا فعليه القضاء فقط وكذلك من أفطر فيه لضرورة من مرض
ــ
بفعل مضمر تقديره إلا أن يصومهما المتمتع ومثل المتمتع القارن والمفتدي ومن وجب عليه الدم لنقص في الحج غير ما ذكر والنهي في قوله ولا يصام الخ للتحريم على الراجح "واليوم الرابع" من يوم النحر "لا يصومه متطوع ويصومه من نذره أو من كان في صيام متتابع قبل ذلك" كمن صام شوالا وذا القعدة عن كفارة ظهار أو قتل ثم مرض ثم صح في ليلة الرابع فإنه يصومه "ومن أفطر" بأكل أو شرب أو جماع "في نهار رمضان" حال كونه "ناسيا فعليه القضاء فقط" وجوبا ويجب عليه الإمساك احترز بنهار رمضان عما إذا أفطر ناسيا في التطوع فإنه لا قضاء عليه أي ويجب عليه الإمساك وعما إذا أفطر ناسيا في واجب غير رمضان فإنه لا قضاء عليه على المشهور واحترز بناسيا عما إذا كان فطره عمدا فإن عليه مع القضاء الكفارة واحترز بقوله فقط عن الكفارة لأنه لا كفارة عليه خلافا لابن الماجشون وأحمد أن عليه الكفارة إذا كان فطره بجماع لحديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب صدره وينتف شعره ويقول: هلكت وأهلكت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"وما ذاك؟ " أي شيء سبب ذاك، قال: جامعت أهلي في رمضان فأمره بالكفارة أجاب عنه السادة المالكية بأن قرينة الحال من الضرب والنتف تدل على أن الجماع كان عمدا "وكذلك" يجب على "من أفطر فيه" أي في نهار رمضان "لـ" أجل "ضرورة من مرض" يشق معه الصوم أو لا يشق
ومن سافر سفرا تقصر فيه الصلاة فله أن يفطر وإن لم تنله ضرورة وعليه القضاء والصوم أحب إلينا ومن سافر أقل من أربعة برد فظن أن الفطر مباح له فأفطر فلا كفارة عليه وعليه القضاء وكل من أفطر متأولا فلا كفارة عليه
ــ
لكن يخاف معه طول المرض أو زيادته أو تأخر برء القضاء فقط من غير كفارة أما إذا كان المرض لا يشق معه الصوم ولا يخاف زيادة المرض ولا تأخر البرء وأفطر فعليه القضاء والكفارة "ومن سافر سفرا" أي تلبس بسفر وقت انعقاد النية بأن وصل إلى محل بدء القصر قبل طلوع الفجر "تقصر فيه الصلاة" بأن كان أربعة برد فأكثر ذاهبا أو راجعا ولم يكن سفر معصية وبات على الفطر "فـ" يباح "له أن يفطر" بأكل أو شرب أو جماع وبالغ على ذلك بقوله: "وإن لم تنله ضرورة" غير ضرورة السفر فمع الضرورة أحرى "و" مع إباحة الفطر للمسافر يجب "عليه القضاء" إذا أفطر من غير خلاف لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . "والصوم" في السفر "أحب إلينا" أي إلى المالكية لمن قوي عليه لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ويبيت الصيام في السفر كل ليلة "ومن سافر أقل من أربعة برد فظن" أي اعتقد "أن الفطر مباح له فأفطر" لذلك "فلا كفارة عليه" لأنه متأول وإنما يجب عليه القضاء فقط من غير خلاف ولو ذكر هذه المسألة بعد قوله وكل من أفطر متأولا فلا كفارة عليه لكان أولى لأنها جزئية من هذه الكلية وظاهر كلامه أن المتأول لا كفارة عليه مطلقا وهو خلاف المشهور إذ المشهور التفصيل وهو إن كان التأويل قريبا وهو ما قوي سببه فلا
وإنما الكفارة على من أفطر متعمدا بأكل أو شرب أو جماع
ــ
كفارة عليه لأنه معذور باستناده إلى سبب قوي وإن كان التأويل بعيدا وهو ما لم يقو سببه فالكفارة فمن الصور التي قوي سببها الصورة التي ذكرها الشيخ ومنها من أفطر ناسيا ثم أفطر متعمدا ظانا الإباحة فهذا لا كفارة عليه ومنها من كان جنبا أو حائضا قبل الفجر ولم يغتسل من ذلك إلا بعد الفجر فظن أن صوم ذلك اليوم لا يلزم فأفطر عامدا فلا كفارة عليه ومنها من تسحر في الفجر فظن أن صوم ذلك اليوم لا يلزمه فأفطر بعد ذلك عامدا فلا كفارة عليه ومنها من قدم من سفره ليلا في رمضان فاعتقد أن صبيحة تلك الليلة لا يلزم فيها صوم وأن من شروط لزوم الصوم أن يقدم من سفره قبل غروب الشمس فأفطر فلا كفارة عليه ومن صور التأويل البعيد وهو ما ضعف فيه السبب أن يرى هلال رمضان ولم تقبل شهادته فظن أن الصوم لا يلزمه فأصبح مفطرا فهذا عليه الكفارة ومنها من عادته أن تأتيه الحمى في كل ثلاثة أيام فأصبح في اليوم الذي تأتي فيه مفطرا ثم إن الحمى أتته في ذلك اليوم فإنه يلزمه الكفارة وأولى إن لم تأته ومنها من عادتها الحيض في يوم معين فأصبحت ذلك اليوم مفطرة ثم جاءها الحيض في بقية ذلك اليوم ومنها من اغتاب شخصا في رمضان فظن أن ذلك أبطل صومه لأنه أكل لحم صاحبه فأفطر عامدا فعليه الكفارة وأولى القضاء "وإنما الكفارة على من أفطر متعمدا بأكل أو شرب" بالفعل فلو عزم على الأكل أو الشرب أو الجماع ولم يفعل فلا شيء عليه لا قضاء ولا كفارة كمن عزم على أن ينقض وضوءه بريح مثلا ولم يفعل فلا وضوء عليه "أو جماع" من غير خلاف إن كان على سبيل الانتهاك وعلى المشهور إن كان بتأويل بعيد واحترز بالمتعمد من الناسي والجاهل أي
مع القضاء والكفارة في ذلك إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فذلك أحب إلينا
ــ
ناسي الحرمة وجاهلها وهو من لم يستند لشيء كحديث عهد بالإسلام يعتقد أن الصوم لا يحرم الجماع مثلا وجامع فلا كفارة عليه وأشار بقوله: "مع القضاء" إلى أن القضاء لازم للكفارة ففي كل موضع تلزم فيه الكفارة يلزم فيه القضاء ولما تقدم له ذكر الكفارة استشعر سؤال سائل قال له وما هي فقال: "والكفارة في ذلك" أي في الأكل والشرب والجماع عمدا في رمضان على وجه الانتهاك أو التأويل البعيد تكون بأحد أمور ثلاثة على وجه التخيير أحدها "إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم" وهو وزن رطل وثلث بالبغدادي ابن بشير وهل يكون من عيش المكفر أو من غالب عيش الناس إن اختلف ذلك قال اللخمي يجري ذلك على الخلاف في الكفارة أي كفارة اليمين وفي زكاة الفطر والراجح فيها قوت أهل البلد ومفهوم قوله كالمدونة ستين الخ أنه لا يجزىء إعطاء ثلاثين مسكينا مدين مدين فإن أعطى لدون ستين استرجع من كل واحد منهم ما زاد على المد إن كان بيده وكمل الستين فإن ذهب ذلك فلا رجوع له لأنه هو الذي سلطهم على ذلك وليس المراد بالمسكين هنا ما يراد به في الزكاة أي من أنه الذي لا يملك شيئا بل المراد به المحتاج الشامل له وللفقير الذي لا يملك قوت عامه وكون كفارة رمضان واجبة على التخيير هو المشهور وعليه انبنى الخلاف في أي أنواعها الثلاثة أفضل والمشهور أنه الإطعام وإليه أشار الشيخ بقوله: "فذلك" أي الإطعام المذكور "أحب إلينا" أي إلى بعض أصحاب مالك وهو منهم لأنه أعم نفعا وثانيها العتق
وله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين وليس على من أفطر في قضاء رمضان متعمدا كفارة ومن أغمي عليه ليلا فأفاق بعد طلوع الفجر فعليه قضاء الصوم
ــ
وإليه أشار بقوله: "وله أن يكفر بعتق رقبة" ويشترط فيها أن تكون كاملة غير ملفقة مؤمنة سليمة من العيوب كالعمى والبكم والجنون الخ محررة وتحريرها أن يبتدىء إعتاقها من غير أن تكون مستحقته بوجه وثالثها الصوم وإليه أشار بقوله: "أو صيام شهرين متتابعين" وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام ولا تتعدد بتكررها في اليوم الواحد قبل إخراجها اتفاقا ولا بعد التكفير على المذهب "وليس على من أفطر في قضاء رمضان متعمدا كفارة" لأن الكفارة من خصائص رمضان وما ذكره لا خلاف فيه على ما قال ابن ناجي وإنما الخلاف هل يقضي يوما واحدا أو يومين الراجح أنه يقضي يومين كما قاله ابن عرفة.
"تنبيه": يصح قضاء رمضان متفرقا ومتتابعا والتتابع أحسن "ومن أغمي عليه" أي ذهب عقله "ليلا فأفاق بعد طلوع الفجر فعليه قضاء الصوم" قال ابن حبيب ولا يؤمر بالكف عن الأكل بقية النهار والإغماء زوال العقل بمرض يصيبه كما في التحقيق والذي عول عليه شراح خليل وهو المعتمد أنه إن أغمي عليه كل النهار أو جله فلا بد من القضاء سلم أوله أو لا وإن أغمي عليه أقل من الجل الشامل للنصف فإن سلم أوله أجزأ وإلا فلا وقولنا سلم أوله أي سلم من الإغماء وقت النية ولو كان قبلها أغمي عليه حيث سلم قبل الفجر بمقدار إيقاعها وإن لم يوقعها على المعتمد حيث تقدمت له نية في تلك الليلة قبله باندراجها في نية الشهر وإلا فلا بد منها لعدم صحته بدون نية والسكران بحلال
ولا يقضي من الصلوات إلا ما أفاق في وقته وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه ويعظم من شهر رمضان ما عظم الله
ــ
كالمغمى عليه في التفصيل المذكور والسكران بحرام ليلا واستمر على سكره عليه القضاء من باب أولى ولم يجز له استعمال المفطر بقية يومه والنائم ينوي أول الشهر ثم ينام جميع الشهر صح صومه وبرئت ذمته "ولايقضي" من أغمي عليه ليلا وأفاق بعد طلوع الفجر "من الصلوات" المفروضة "إلا ما أفاق في وقته" وقد تقدم هذا في باب جامع الصلاة وإنما أعاده لينبه على أن الصوم يخالف الصلاة ألا ترى أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة لمشقة التكرار "وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه" قيل ينبغي في كلامه بمعنى الاستحباب وقيل بمعنى الوجوب ولا معارضة بين القولين فيحمل من قال بالوجوب على الكف عن المحرم ومن قال بالندب على الكف عن غير المحرم كالإكثار من الكلام المباح "وجوارحه" من عطف العام على الخاص وجوارحه سبعة السمع والبصر واللسان واليدان والرجلان والبطن والفرج وإنما صرح باللسان وإن كان داخلا فيها لأنه أعظمها آفة قيل ما من صباح إلا والجوارح تشكو اللسان ناشدناك الله إن استقمت استقمنا وإن انعوجت انعوجنا ودخل عمر على أبي بكر رضي الله عنه فوجده يجذب لسانه فقال له مه يا أبا بكر فقال له رضي الله عنه دعني فإنه أوردني الموارد فإذا كان أبو بكر يقول هذا فما ظنك بغيره وخص الشيخ الصائم بالذكر تأكيدا له فينبغي لأهل الفضل والصلاح أن يقلوا من الكلام فيما لا يعني "و" ينبغي للصائم أيضا أن "يعظم من شهر رمضان ما عظم الله" من زائدة المعنى ويعظم شهر رمضان الذي عظمه
سبحانه ولا يقرب الصائم النساء بوطء ولا مباشرة ولا قبلة للذة في نهار رمضان ولا يحرم ذلك عليه في ليله ولا بأس أن يصبح جنبا من الوطء
ــ
الله سبحانه وتعالى بقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} الآية بقراءة القرآن والذكر والصيام والقيام والصدقة وسائر العبادات ويكره تعظيمه بالتزويق والوقود ونحو ذلك "ولا يقرب" بضم الراء وفتحها وهو الأفصح أي لكونها لغة القرآن كما قال التتائي "الصائم" فاعله و "النساء" مفعوله "بوطء ولا مباشرة ولا قبلة للذة" أما الوطء فحرام إجماعا وأما ما بعده فقيل حرام وقيل مكروه ويمكن أن يقال لا تنافي فتحمل الحرمة إذا لم تعلم السلامة والكراهة حيث علمت ومحصله أنه يكره للشيخ والشاب رجلا أو امرأة أن يقبل زوجته أو أمته وهو صائم أو يباشر أو يلاعب وكذلك أن ينظر أو يذكر إذا علم من نفسه السلامة من مني ومذي وإن علم عدم السلامة أو شك فيها حرمت ولا يحرم ذلك عليه في ليله إلا أن يكون معتكفا أو صائما في كفارة ظهار فيستوي عنده الليل والنهار فإن فعل شيئا من ذلك وهو صائم وسلم فلا شيء عليه وإن أنزل فعليه القضاء والكفارة "في نهار رمضان" ثم صرح بمفهوم هذا زيادة في الإيضاح فقال: "ولا يحرم ذلك" أي ما ذكر من الوطء والمباشرة والقبلة "عليه" أي على الصائم "في ليله" أي ليل رمضان لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} الآية وإنما يستوي الليل والنهار في حق المعتكف وصائم كفارة الظهار "ولا بأس أن يصبح" الصائم "جنبا من الوطء" لا يقال إنه مكرر مع ما تقدم لأن ما قدمه لبيان كون الصوم صحيحا وما هنا لبيان
ومن التذ في نهار رمضان بمباشرة أو قبلة فأمذى لذلك فعليه القضاء وإن تعمد ذلك حتى أمنى فعليه الكفارة ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وإن قمت فيه
ــ
جواز الإصباح بالجنابة "ومن التذ في نهار رمضان بمباشرة أو قبلة فأمذى لذلك" أي للمباشرة أو القبلة ومثلهما الفكر والنظر فيجب القضاء بالمذي الناشىء عنهما أدام أو لا فليس في المذي إلا القضاء فقط نشأ عن مباشرة أو قبلة أو فكر أو نظر استدام ما ذكر أو لا "فعليه القضاء" وجوبا مفهومه أنه إذا لم يمذ لا قضاء عليه وإن أنعظ وهو ما رواه ابن وهب وأشهب عن مالك في المدونة وهو الراجح وقال ابن القاسم إذا حرك ذلك منه لذة وأنعظ كان عليه القضاء "وإن تعمد ذلك" أي المباشرة والقبلة "حتى أمنى فعليه" مع القضاء "الكفارة" على المشهور وسكت عن النظر والتذكر قال الفاكهاني إن تابع النظر حتى أنزل فعليه القضاء والكفارة وإن لم يتابعه فعليه القضاء فقط على المشهور وقال القابسي إذا نظر نظرة واحدة متعمدا فعليه القضاء والكفارة وصححه الباجي وحكم التذكر حكم النظر فإن تابع التذكر حتى أنزل فعليه القضاء والكفارة وإن لم يتابعه فعليه القضاء بلا كفارة.
"ومن قام رمضان إيمانا" أي تصديقا بالأجر الموعود عليه "واحتسابا" أي محتسبا أجره على الله تعالى يدخره له في الآخرة لا يفعل ذلك رياء ولا سمعة "غفر له ما تقدم من ذنبه" والمراد بالذنوب التي يكفرها القيام الصغائر التي بينه وبين ربه وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو عفو الله وحكم قيام رمضان الاستحباب ثم إن ثواب القيام لا يتقيد بالليل كله بل يحصل لكل من قام منه شيئا على قدر حاله من غير تحديد وإلى ذلك أشار بقوله: "وإن قمت فيه" أي في رمضان
بما تيسر فذلك مرجو فضله وتكفير الذنوب به والقيام فيه في مساجد الجماعات بإمام ومن شاء قام في بيته وهو أحسن لمن قويت نيته وحده وكان السلف الصالح يقومون فيه في المساجد بعشرين ركعة ثم يوترون بثلاث ويفصلون
ــ
"بما تيسر فذلك" القيام "مرجو فضله و" مرجو "تكفير الذنوب به" ظاهره كل الذنوب أي الصغائر فحينئذ يستوي القليل والكثير في تكفير كل الذنوب ولا يستبعد هذا على فضل الله واهب المنن "والقيام فيه" أي في رمضان يجوز فعله "في مسجد الجماعات" وفي كل ما يجتمعون فيه ويكون "بإمام" وجواز فعل التراويح بإمام مستثنى من كراهة صلاة النافلة جماعة المشار إليه بقول الشيخ خليل عطفا على المكروه وجمع كثير بنفل أو بمكان مشتهر لاستمرار العمل على الجمع فيها من زمن عمر بن الخطاب ومن سنته القيام أي من طريقته أي إن وقت القيام بعد عشاء صحيحة وشفق للفجر فوقته وقت الوتر "ومن شاء قام في بيته وهو أحسن" أي أفضل "لمن قويت نيته" يعني نشطت نفسه "وحده" ولم يكسل قال في المصباح كسل كسلا فهو كسل من باب تعب وكسلان أيضا وقيد بعضهم هذا بأن لا تعطل المساجد ولما فرغ من بيان المحل الذي يفعل فيه شرع يبين عدده فقال: "وكان السلف الصالح" وهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين "يقومون فيه" أي في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "في المساجد بعشرين ركعة" وهو اختيار جماعة منهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد والعمل الآن عليه "ثم" بعد قيامهم بالعشرين ركعة "يوترون بثلاث" أي ثلاث ركعات "ويفصلون
بين الشفع والوتر بسلام ثم صلوا بعد ذلك ستا وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر وكل ذلك واسع ويسلم من كل ركعتين قالت عائشة رضي الله عنها ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على اثنتي عشرة ركعة بعدها الوتر
ــ
بين الشفع والوتر بسلام" وقال أبو حنيفة لا يفصل وخير الشافعي بين الوصل والفصل "ثم صلوا" أي السلف غير السلف الأول أي فهم سلف بالنسبة إلينا وقد تقدم أن السلف الأول الصحابة فيكون المراد بهذا السلف التابعين "بعد ذلك" أي بعد القيام بعشرين ركعة غير الشفع والوتر "ستا وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر" وكان الآمر لهم بذلك عمر بن عبد العزيز لما في ذلك من المصلحة لأنهم كانوا يطيلون القراءة الموجبة للملل والسآمة فأمرهم بتقصير القراءة وزيادة الركعات والسلطان إذا نهج منهجا لا تجوز مخالفته والذي نحاه عمر بن عبد العزيز هو الذي اختاره مالك في المدونة وعنه أي مالك في غير المدونة فيما يظهر الذي يأخذ بنفسي في ذلك أي القيام والمعنى الحقيقي لهذا اللفظ الذي يأخذ نفسي ويتناولها فالباء زيادة لتأكيد ذلك ومن لازم ذلك التمكن فأطلق اللفظ وأراد لازمه أي الذي يتمكن في نفسي أن الذي جمع عليه عمر الناس إحدى عشرة ركعة منها الوتر وهي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم "وكل ذلك" أي القيام بعشرين ركعة أو بست وثلاثين ركعة "واسع" أي جائز "ويسلم من كل ركعتين" ولما بين قيام السلف استشعر سؤال سائل قال له هذا قيام السلف فما قيام النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب بقوله: "وقالت عائشة رضي الله عنها: ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على اثنتي عشرة ركعة بعدها الوتر" ما ذكره