المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت - الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني

[صالح بن عبد السميع الأزهري]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب في المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية وزكاة الإبل والبقر والغنم

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاوب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت

ولا أذان فيها ولا إقامة.

ــ

السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} "و" كذا "لا أذان فيها" أي في صلاة الاستسقاء "ولا إقامة" وفي غالب النسخ فيهما أي في صلاة الاستسقاء وصلاة الخسوف وفيها تكرار بالنسبة لصلاة الخسوف لأنه قدمه هناك.

ص: 263

‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت

.

وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه.

ويستحب استقبال القبلة بالمحتضر.

ــ

"باب ما" أي في بيان الذي "يفعل بالمحتضر" بفتح الضاد سمي بذلك لأن أجله حضره والأجل له إطلاقان مدة الحياة وانتهاء تلك المدة فإن أريد الثاني فلا تقدير وإن أريد الأول فيحتاج إلى تقدير أي آخر أجله "وفي" بيان كيفية "غسل الميت" ومن يغسله ونحو ذلك أي مما يتعلق بالغسل ككونه يعصر بطنه برفق "و" في بيان "كفنه" بفتح الفاء وسكونها وفي بيان عدد ما يكفن فيه الميت ونحو ذلك أي مما أشار إليه بقوله ولا بأس أن يقمص أو يعمم "و" في بيان "تحنيطه" أي الميت وتحنيط كفنه "و" في بيان "حمله" ترجم له ولم يذكره في الباب ولعله سكت عنه لما أن الدفن يتضمنه "و" بيان كيفية "دفنه" أي وضعه في قبره وما يوضع فيه أي من اللبن وبدأ بما صدر به في الترجمة فقال: "ويستحب استقبال القبلة بالمحتضر" حين تظهر علامات الموت عليه ويوقن بموته وذلك إذا أشخص الرجل بصره أي فتح عينيه لا يطرف ولا يستقبل به قبل ذلك أي يكره

ص: 263

وإغماضه إذا قضى ويلقن لا إله إلا الله عند الموت وإن قدر على أن يكون طاهرا وما عليه طاهر فهو أحسن

ــ

والمطلوب في صفة الاستقبال أن يجعل على جنبه الأيمن وصدره إلى القبلة "و" يستحب "إغماضه" أي تغليق عينيه "إذا قضى" نحبه النحب النذر ولا يخفى أن كل حي لا بد أن يموت فكأنه نذر لازم فإذا مات قضى نحبه أي نذره والمراد أنه مات بالفعل ولذلك أتى المصنف بإذا المفيدة للتحقيق وإنما استحب ذلك لأن فتح عينيه بعد موته يقبح به منظره.

ويقال عند ذلك: "بسم الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} " أي الحال وهو الموت أي لهذا ومثله وعد غير مكذوب أي هذا الموت موعود غير مكذوب فيه ويستحب أيضا شد لحييه بعصابة وتليين مفاصله برفق ورفعه عن الأرض وستره بثوب ووضع شيء ثقيل على بطنه نحو سيف وتلقينه وإليه أشار بقوله: "ويلقن" أي المحتضر الذي لم يمت بالفعل وأما الأمور التي تقدمت فهي لمن مات بالفعل والتلقين أن يقول الجالس عنده بحيث يسمعه "لا إله إلا الله" محمد رسول الله "عند الموت" أي عند ظهور علامات الموت وإنما طلب التلقين ليتذكرهما بعقله فيموت وهو معترف بهما في ضميره وإذا قالها المحتضر لا تعاد عليه إلا أن يتكلم بكلام أجنبي فتعاد عليه لتكون آخر كلامه فيدخل الجنة لما ورد من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ولا يقال له عند الاحتضار قل لا إله إلا الله لأنه ربما كان في منازعة الشيطان عند قوله له مت على دين كذا اليهودية أو النصرانية فيقول لا فيساء به الظن "وإن قدر على أن يكون" جسده "طاهرا وما عليه طاهر فهو أحسن" والمعنى أنه يندب لنا أن نجعل ما فوقه وما تحته وجسده طاهرا

ص: 264

ويستحب أن لا يقربه حائض ولا جنب وأرخص بعض العلماء في القراءة عند رأسه بسورة يس ولم يكن ذلك عند مالك أمرا معمولا به ولا بأس بالبكاء بالدموع حينئذ وحسن التعزي والتصبر أجمل

ــ

إن أمكن ذلك وعلته حضور الملائكة عنده "ويستحب أن لا يقربه حائض ولا جنب" لما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: "أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه حائض أو جنب" وكذا يندب أن لا يقربه كلب ولا تمثال وكل شيء تكرهه الملائكة "وأرخص" بمعنى استحب "بعض العلماء" هو ابن حبيب "في القراءة عند رأسه" أو رجليه أو غير ذلك "بسورة {يس} " لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ميت يقرأ عند رأسه سورة يس إلا هون الله عليه""ولم يكن ذلك" أي ما ذكر من القراءة عند المحتضر "عند مالك" رحمه الله وإنما هو مكروه عنده لا خصوصية {يس} بل يكره عند قراءة {يس} أو غيرها عند موته أو بعده أو على قبره "أمرا معمولا به" وكذا يكره عنده تلقينه بعد وضعه في قبره "ولا بأس بالبكاء بالدموع حينئذ" أي حين يحتضر الميت أي وكذا بعد الموت "وحسن التعزي" وهو تقوية النفس على الصبر على ما نزل بها والمناسب حذف حسن ويقول والتعزي "والتصبر" أجمل أي أحسن لأنه على عبارته يلغو الإخبار بقوله أجمل أي أحسن والتصبر وهو حمل النفس على الصبر فعطفه على حسن التعزي من عطف المغاير لأن التعزي هو تقوية النفس على الصبر بحيث يرسخ فيها ولا كذلك التصبر وهو حمل النفس على الصبر ولا يلزم منه رسوخ "أجمل" أي أحسن من البكاء ولا يخفى أن البكاء لا حسن فيه فأفعل

ص: 265

لمن استطاع وينهى عن الصراخ والنياحة وليس في غسل الميت حد ولكن ينقى ويغسل وترا بماء وسدر

ــ

التفضيل ليس على بابه "لمن استطاع" ويستعان على ذلك بالنظر في الأدلة على أجر المصائب من الآيات والأحاديث الواردة في شأن ذلك فمنها قوله عز وجل: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} فصلوات الله ورحمته لا يوازيهما شيء من جميع متعلقات الدنيا وفي الحديث من قال ذلك وقال معه اللهم آجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها فعل الله به ذلك وينهى عن الصراخ والنياحة لقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" وفي رواية لمسلم "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب""وليس في غسل الميت" غير شهيد المعركة عند مالك "حد ولكن" المقصود عنده أنه "ينقى" اعترض ما ذكره من عدم التحديد بقوله: "ويغسل وترا" فإنه تحديد أجيب عنه بأن التحديد هو الذي لا يزاد عليه ولا ينقص منه والوتر يكون ثلاثا أو خمسا أو سبعا والحاصل أن المنفي التحديد المقيد بعدد مخصوص والمثبت ليس فيه تقييد بعدد مخصوص لما علمت أن الوتر يشمل الثلاثة والخمسة الخ وكون الغسل وترا مستحب أي ما عدا الواحد فلا ندب فيه فالاثنان أفضل وحكم الغسل السنية على ما شهر ولا يحتاج إلى نية وقيل واجب وصحح أي كفائي وهو الراجح وهو تعبدي لا للنظافة على المشهور وقيل للنظافة وتظهر ثمرة الخلاف إذا مات رجل مسلم وليس معه مسلم ومعه ذمي فعلى القول بأنه تعبدي لا يغسله الذمي لأنه ليس من أهل العبادة وعلى القول بأنه للنظافة فيغسله الذمي "بماء وسدر" متعلق بيغسل قال الفاكهاني

ص: 266

ويجعل في الأخيرة كافور وتستر عورته ولا تقلم أظفاره ولا يحلق شعره ويعصر بطنه عصرا رفيقا وإن وضئ وضوء الصلاة فحسن

ــ

معناه عند جميع العلماء أن يذاب السدر المسحوق بالماء ثم يعرك به بدن الميت ويدلك به وهكذا في كل غسلة ما عدا الغسلة الأولى فلا بد فيها من الماء القراح حتى يحصل الغسل الواجب "ويجعل في" الغسلة "الأخيرة" على جهة الاستحباب "كافورا" لأمره عليه الصلاة والسلام بذلك فإن لم يوجد قام غيره من الطيب مقامه ويقوم مقام السدر عند عدمه الأشنان ونحوه "و" إذا جرد الميت للغسل "تستر عورته" وهي على ما فهم اللخمي من المدونة السوأتان خاصة والمعتمد أنها ما بين السرة والركبة كما نقل عن ابن حبيب ونقل الباجي عن أشهب ستر صدره ووجهه خشية تغيره فيساء به الظن وبالجملة فالأقوال ثلاثة "وجوبا" ولو كان الغاسل زوجا وسيدا لما في الحديث لا تبن فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت ومعنى لا تبن بضم التاء وكسر الباء أي لا تظهره لغيرك وقوله ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت عام حتى في الزوجين فيخص بغير الزوجين وهذه الرواية مخالفة لما قاله في التحقيق من أن الحديث لا تبرز براء وزاي معجمة ونسبه لابن ماجه قال بعض العلماء راجعت ابن ماجه فوجدته كما قال والذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سيدنا علي رضي الله عنه "ولا تقلم أظفاره ولا يحلق شعره" فإن فعل به هذا كره وضم معه في كفنه "ويعصر بطنه" استحبابا قبل الغسل إن احتيج إلى ذلك "عصرا رفيقا" مخافة أن يخرج منه شيء يلطخ الكفن "وإن وضئ" الميت "وضوء الصلاة فـ" هو "حسن" أي

ص: 267

وليس بواجب ويقلب لجنبه في الغسل أحسن وإن أجلس فذلك واسع ولا بأس بغسل أحد الزوجين صاحبه من غير ضرورة والمرأة تموت في السفر لا نساء معها ولا محرم من الرجال

ــ

مستحب ولا يفتقر لنية لأنه فعل في الغير وقوله: "وليس بواجب" إشارة إلى أن في المسألة قولين بالاستحباب والوجوب فأشار للأول بقوله فحسن ولدفع الثاني بقوله وليس بواجب ولو خرجت منه نجاسة بعد الغسل أزيلت ولا يعاد غسله ولا وضوءه بل يغسل المحل فقط "ويقلب" الميت "لجنبه في الغسل أحسن" من جلوسه لأنه أبلغ في الإنقاء وأرفق بالميت فيجعل أولا على شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن تفاؤلا ثم يجعل على شقه الأيمن فيغسل شقه الأيسر وهذا على جهة الاستحباب فإن بدأ بأي جهة وأنقى أجزأ وإن أجلس في الغسل فذلك "الجلوس" واسع أي جائز وهو اختيار عبد الوهاب أي فعنده الإجلاس أحسن لأنه أمكن في تحصيل غسله "ولا بأس بغسل أحد الزوجين صاحبه من غير ضرورة" استعمل لا بأس هنا فيما هو خير من غيره فإن كل واحد من الزوجين مقدم في غسل من مات منهما على سائر الأولياء حتى أنه يقضى له به عند منازعة الأولياء له والأصل فيما ذكر أن عليا رضي الله عنه غسل السيدة فاطمة وأن أبا بكر غسلته زوجته وفي حكم الزوجين السيد وأمته ومدبرته وأم ولده ولا يقضى لهؤلاء اتفاقا عند المنازعة فلا يقضى لهن بالتقدم على أولياء سيدهن ولا يدخل في ذلك السيد فإنه يقضى له عند المنازعة "والمرأة" المسلمة "تموت في السفر لا نساء" مسلمات "معها ولا محرم" لها "من الرجال" وإنما معها

ص: 268

فلييمم رجل وجهها وكفيها ولو كان الميت رجلا يمم النساء وجهه ويديه إلى المرفقين إن لم يكن معهن رجل يغسله ولا امرأة من محارمه فإن كانت امرأة من محارمه غسلته وسترت عورته وإن كان مع الميتة ذو محرم غسلها من فوق ثوب يستر جميع جسدها

ــ

رجال أجانب "فلييمم رجل" منهم "وجهها وكفيها" إلى الكوعين فقط لأنهما ليسا بعورة فيباح له النظر إليهما بغير شهوة قال الزرقاني وإنما جاز مسهما للأجنبي دون الحياة لندور اللذة هنا ولا يتيمم المصلي إلا بعد فراغ تيمم الميت لأنه وقت دخول الصلاة عليه وظاهر كلام الشيخ آخر الكتاب أنه لا يباح النظر للوجه والكفين "ولو كان الميت رجلا يمم النساء" الأجانب "وجهه ويديه لمرفقيه إن لم يكن معهن رجل" مسلم "يغسله ولا امرأة من محارمه فإن كانت" مع الرجل الميت "امرأة من محارمه" نسبا أو صهرا "غسلته وسترت عورته" فقط على أحد التأويلين على المدونة وصحح لأن جسده عليهن غير ممنوع أي من حيث الرؤية فإنه يجوز لها النظر من محرمها ما عدا ما بين السرة والركبة وقيس المس على النظر للضرورة والتأويل الآخر تستر جميع جسده "وإن كان مع" المرأة "الميتة" في السفر "ذو محرم" من محارمها ولو صهرا ولم يكن معها امرأة "غسلها" محرمها على ما في المدونة وقال أشهب لا يغسلها بل ييممها "من فوق ثوب يستر جميع جسدها" وصورة غسلها أن يصب عليها الماء صبا ولا يباشر جسدها بيده من فوق الثوب ولا من تحته ولما أنهى الكلام

ص: 269

ويستحب أن يكفن الميت في وتر ثلاثة أثواب أو خمسة أو سبعة وما جعل له من وزرة وقميص وعمامة فذلك محسوب في عدد الأثواب الوتر وقد كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية أدرج فيها إدراجا صلى الله عليه وسلم ولا بأس أن يقمص الميت ويعمم

ــ

على الغسل انتقل يتكلم على التكفين فقال: "ويستحب أن يكفن الميت" غير شهيد المعركة "في وتر ثلاثة أثواب أو خمسة أو سبعة" تكلم على المستحب وسكت عن الواجب وهو ثوب ساتر لجميع جسده وظاهر كلامه أن استحباب السبعة عام للرجال والنساء والذي في المختصر وهو المعتمد اختصاص استحباب التسبيع بالمرأة وكراهة ما زاد على الخمسة للرجال ولما خشي أن يتوهم أن ذلك مقصور على ما يلف فيه دفع ذلك بقوله: "وما جعل له" أي للميت "من وزرة" صوابه من إزرة "وقميص وعمامة فذلك محسوب في عدد الأثواب الوتر" المستحب ثم استدل على استحباب الوتر بقوله: "وقد كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية" بفتح السين وضمها فالفتح منسوب إلى السحول وهو القصار لأنه يسحلها أي يغسلها أو إلى سحول وهي قرية باليمن والضم جمع سحل وهو الثوب الأبيض "أدرج" أي لف "فيها إدراجا" أي لفا "صلى الله عليه وسلم ولا بأس أن يقمص الميت ويعمم" استعمل لا بأس هنا فيما فعله خير من تركه فقد نص في المختصر على استحبابه أي كل واحد منهما مستحب لا أنهما مستحب واحد والعمامة إنما تستحب للرجل ويترك منها

ص: 270

وينبغي أن يحنط ويجعل الحنوط بين أكفانه وفي جسده ومواضع السجود منه ولا يغسل الشهيد في المعترك ولا يصلى عليه

ــ

قدر الذراع ذؤابة تطرح على وجهه وأما المرأة فلا تعمم وإنما يجعل على رأسها خمار يترك منه ذؤابة تطرح على وجهها أفضل الكفن الأبيض من القطن أو الكتان والقطن أفضل لأنه أستر وكفن فيه عليه الصلاة والسلام ويكره المعصفر ونحوه من الأخضر وكل لون يخالف البياض ومحل الكراهة عند إمكان الأبيض وإلا فلا والكفن والحنوط ومؤنة تجهيزه يقدم على الدين غير المرتهن والوصية وإلا بأن كان هناك رهن على الدين قد حازه المرتهن فإنه يقدم الدين المرهون على مؤن التجهيز "وينبغي" بمعنى ويستحب "أن يحنط" الميت إن كان غير محرم ومعتدة ويلي ذلك غير محرم ومعتدة ويستحب أن ينشف جسده بخرقة طاهرة قبل أن يحنط ويستحب أيضا أن تجمر ثيابه أي تبخر وترا ثلاثا أو خمسا أو سبعا بالعود ونحوه ويجعل "الحنوط" بفتح الحاء وهو ما يطيب به من مسك وعنبر وكافور "بين أكفانه" أي فوق كل لفافة ما عدا العليا "وفي جسده" كعينيه وأذنيه وأنفه وفمه ومخرجيه بأن يذر منه على قطن ويلصق على عينيه وفي أذنيه وأنفه ومخرجه من غير إدخال فيها "ومواضع السجود منه" الجبهة والأنف والركبتين واليدين وأطراف أصابع الرجلين "ولا يغسل الشهيد في المعترك" وهو من مات بسيف القتال مع الكفار في وقت قيام القتال ومثل الموت بالسيف لو داسته الخيل فمات أو سقط عن دابته أو حمل على العدو فتردى في بئر أو سقط من شاهق "و" كذلك "لا يصلى عليه" ظاهر كلامه ولو قتله العدو في

ص: 271

ويدفن بثيابه

ــ

بلاد الإسلام وهو المشهور ومقابله يقول إذا كان في بلاد الإسلام فإنه يغسل ويصلى عليه لأن درجته انحطت عن الشهيد الذي دخل بلاد العدو فإن رفع من المعترك حيا ثم مات فالمشهور أنه يغسل ويصلى عليه ولو كان حين الرفع منفوذ المقاتل إلا أن يكون لم يبق فيه إلا ما يكون من غمرة الموت ولم يأكل ولم يشرب هذا محصل ذلك القول على ما يستفاد من بعض شروح العلامة خليل ولكن المذهب أن منفوذها لا يغسل رفع مغمورا أم لا وكذا غير منفوذها وهو مغمور "و" كما أنه لا يغسل ولا يصلى عليه "يدفن بثيابه" مصحوبة بخف وقلنسوة ومنطقة قل ثمنها وأن تكون مباحة وخاتم قل ثمن فصه إلا الدرع والسلاح فيجردان عنه ولا يزاد عليها شيء فإن قصرت ثيابه عن الستر زيد عليها ما يستر وجوبا كما أنه يجب تكفينه إذا وجد عريانا وإنمالم يغسل الشهيد لقوله عليه الصلاة والسلام: "زملوهم بثيابهم اللون لون الدم والريح ريح المسك"، ومعنى زملوهم أي لفوهم وقوله:"والريح ريح المسك"، أي ورائحة دم الشهيد عند الله بمنزلة ريح المسك في الرضا فلأجل ذلك لا يغسل ولا يزال عنه الدم وإنما لم يصل عليه لما قيل لمالك أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة فكبر سبعين تكبيرة قال لا ولا أنه صلى على أحد من الشهداء قال في الموطأ:"إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد"

قال الحافظ جلال الدين رحمه الله: هذا أمر مجمع عليه واختلف في تعقيله فقيل هو من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه وعلى هذا فالصلاة عليه حقيقية وهو الصواب فقد قال عياض الصحيح الذي عليه الجمهور أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاة حقيقية لا مجرد الدعاء فقط وقيل المراد بالصلاة عليه مجرد الدعاء فقط قال الباجي ووجهه

ص: 272

ويصلى على قاتل نفسه ويصلى على من قتله الإمام في حد أو قود ولا يصلي عليه الإمام ولا يتبع الميت بمجمر والمشي أمام الجنازة أفضل ويجعل الميت في قبره على شقه الأيمن

ــ

أنه صلى الله عليه وسلم أفضل من كل شهيد والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه فهو صلى الله عليه وسلم أولى وإنما فارق الشهيد في الغسل لأن الشهيد منع من تغسيله إزالة الدم عنه وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ولأنه عنوان شهادته في الآخرة وليس على النبي صلى الله عليه وسلم ما تكره إزالته عنه فافترقا "ويصلى على قاتل نفسه" كان القتل عمدا أو خطأ وإثمه على نفسه في العمد ويصلي عليه أهل الفضل في الخطإ دون العمد "و" كذلك "يصلى على من قتله الإمام في حد" وجب عليه فيه القتل كتارك الصلاة كسلا والمحارب أي قاطع الطريق ومن وجب عليه الرجم كلائط وزان محصنين "أو" قتله الإمام "في قود" كمن قتل نفسا بغير نفس "ولا يصلى عليه" أي على من قتله في حد أو قود "الإمام" ولا أهل الفضل وإنما تركت الصلاة عليه من الإمام وأهل الفضل ليكون ذلك ردعا لغيره عن مثل فعله إذا رأوا الأئمة وأهل الفضل امتنعوا من الصلاة عليه "ولا يتبع الميت بمجمر" بفتح الميم الأولى وكسرها اسم للشيء الذي يجعل فيه الجمر والعود نفسه وكذا المجمر بالضم فيهما والمعنى أنه لا يتبع الميت بمجمر فيها نار لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك "والمشي أمام الجنازة" للرجال "أفضل" من المشي خلفها وإذا ركبوا فيستحب لهم أن يكونوا خلفها ودليل الأول: ما رواه أصحاب السنن من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة" ودليل الثاني: ما رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الراكب يسير خلف الجنازة"" ويجعل الميت في قبره" على جهة الاستحباب "على شقه الأيمن" إلى

ص: 273

وينصب عليه اللبن ويقول حينئذ اللهم إن صاحبنا قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره وافتقر إلى ما عندك اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله

ــ

القبلة لأنها أشرف المجالس وتمد يده اليمنى على جسده ويعدل رأسه بالتراب ويجعل التراب خلفه وأمامه لئلا ينقلب ويحل عقد كفنه فإن لم يتمكن من جعله على شقة الأيمن فعلى ظهره مستقبل القبلة بوجه فإن لم يمكن فعلى حسب الإمكان وإذا خولف به الوجه المطلوب في دفنه كما إذا جعل لغير القبلة أو على شقه الأيسر ولم يطل فإنه يتدارك ويحول عن حاله والطول يكون بالفراغ من دفنه "و" بعد الفراغ من وضع الميت في لحده "ينصب عليه اللبن" بفتح اللام وكسر الباء على الأصح جمع لبنة وهو ما يعمل من طين وتبن وهو أفضل ما يسد به لما روي أنه صلى الله عليه وسلم: "ألحد ابنه إبراهيم ونصب اللبن على لحده" ويستحب سد الخلل الذي بين اللبن لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك في ابنه إبراهيم عليه السلام "ويقول" واضع الميت في قبره أو من حضر دفنه "حينئذ" أي حين نصب اللبن عليه "اللهم إن صاحبنا" المراد به جنس الميت ليدخل فيه الذكر والأنثى صغيرا كان أو كبيرا أبا أو ابنا أو غيرهما "قد نزل بك" أي استضافك أي أنه نزل عندك ضيفا "وخلف" أي نبذ "الدنيا" المراد بها أهله وماله وولده "وراء ظهره" وأقبل على الآخرة "وافتقر إلى ما عندك" وهي رحمتك وهو الآن أشد افتقارا إليها "اللهم ثبت عند المسألة" أي سؤال الملكين "منطقه" أي كلامه فالمراد بالمنطق المنطوق به الذي هو الكلام بحيث يجيب حين السؤال بقوله ربي الله ونبيي محمد الخ "ولا تبتله" أي

ص: 274

في قبره بما لا طاقة له به وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويكره البناء على القبور وتجصيصها ولا يغسل المسلم أباه الكافر ولا يدخله قبره إلا أن يخاف أن يضيع فليواره واللحد

ــ

لا تختبره الاختبار الامتحان والوارد من ذلك إنما هو السؤال فحينئذ يكون دعاء بأن يلطف به في السؤال أي بحيث يسأل برفق "في قبره بما" أي بشيء "لا طاقة له به وألحقه بنبيه" أي اجعله في جوار نبيه أي في البرزخ بأن تكون روحه مجاورة لروحه وفي الجنة بأن يكون بجواره بذاته "محمد صلى الله عليه وسلم ويكره البناء على القبور" ظاهره مطلقا وليس كذلك بل فيه تفصيل خلاصته أن محل الكراهة إذا كان بأرض موات أو مملوكة حيث لا يأوي إليه أهل الفساد ولم يقصد به المباهاة ولم يقصد به التمييز وإلا حرم فيما عدا الأخير وجاز في الأخير كما يحرم في الأرض المحبسة مطلقا كالقرافة قال في التحقيق ويجب على ولي الأمر أن يأمر بهدمها "و" كذا يكره "تجصيصها" أي تبييضها بالجص وهو الجبس لما في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه "ولا يغسل المسلم أباه الكافر" لأنه لا يغسل إلا من يصلى عليه وهذا لا يصلى عليه فلا فائدة في غسله والنهي للتحريم وأولى غير أبيه "و" كما لا يغسله "لا يدخله قبره" لأن بالموت سقط بره اللهم "إلا أن يخاف أن يضيع" إذا تركه "فليواره" أي وجوبا ولا فرق بين الكافر الحربي وغيره ولا خصوصية للأب بل وجوب المواراة عند خوف الضيعة عام حتى في الأجنبي ولا يستقبل به قبلتنا لأنه ليس من أهلها ولا قبلتهم لأن في ذلك تعظيما لها "واللحد" بفتح اللام وضمها مع إسكان الحاء

ص: 275