المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة - الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني

[صالح بن عبد السميع الأزهري]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب في المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية وزكاة الإبل والبقر والغنم

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاوب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

.

والأضحية سنة واجبة على من استطاعها وأقل ما يجزىء فيها من الأسنان الجذع من الضأن وهو ابن سنة وقيل

ــ

"باب في الضحايا" حكما وصفة "و" في "الذبائح" أي بيان ما يذبح وما ينحر وصفة الذكاة "والعقيقة" أي صفة وحكما "و" في حكم "الصيد" أي الاصطياد وتقسيمه "و" في بيان حكم "الختان" وفي بيان "ما يحرم من الأطعمة والأشربة" وما لا يحرم منها وبدأ بما صدر به فقال: "والأضحية" بضم الهمزة وكسرها وسكون الضاد وكسر الحاء وتشديد الياء والجمع أضاحي بتشديد الياء وهي ما تقرب بذكاته من الأنعام يوم الأضحى وتالييه سميت بذلك لأنها تذبح يوم الأضحى وقت الضحى وسمي يوم الأضحى من أجل الصلاة فيه في ذلك الوقت وحكمها أنها "سنة واجبة" أي مؤكدة على المشهور "على من استطاعها" إذا كان حرا مسلما كبيرا كان أو صغيرا ذكرا كان أو أنثى مقيما كان أو مسافرا حالة كونه غير حاج لأن سنته الهدي عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من أقاربه كالوالد والأولاد الفقراء واحترز بالمستطيع عن غيره كالفقير قال ابن الحاجب والمستطيع من لا تجحف بماله أي من لا يحتاج إلى ثمنها في عامه والشركة فيها في الأجر جائزة دون الشركة في ثمنها "وأقل ما يجزىء فيها" أي الأضحية "من الأسنان الجذع من الضأن وهو" على المشهور "ابن سنة وقيل" هو

ص: 390

ابن ثمانية أشهر وقيل ابن عشرة أشهر والثني من المعز وهو ما أوفى سنة ودخل في الثانية ولا يجزىء في الضحايا من المعز والبقر والإبل إلا الثني والثني من البقر ما دخل في السنة الرابعة والثني من الإبل ابن ست سنين وفحول الضأن في الضحايا أفضل من خصيانها وخصيانها أفضل من إناثها وإناثها أفضل من ذكور المعز ومن إناثها

ــ

"ابن ثمانية أشهر وقيل" هو "ابن عشرة أشهر والثني من المعز ما أوفى سنة ودخل في الثانية" ما ذكره في سن الثني من المعز هو المشهور وعليه يظهر الفرق بين سن الجذع من الضأن والثني من المعز "ولا يجزىء في الضحايا من المعز والبقر والإبل إلا الثني والثني من البقر ما دخل في السنة الرابعة" هذا مفسر لقوله في الزكاة وهي بنت أربع سنين "والثني من الإبل ابن ست سنين" أي ما دخل في السنة السادسة قال الفاكهاني انظر كيف قال في ثني البقر ما دخل في السنة الرابعة ولم يقل في ثني الإبل ما دخل في السادسة ولا فرق بينهما عند أهل اللغة وهو أن الثني من البقر ما أوفى ثلاث سنين ودخل في الرابعة والثني من الإبل ما أوفى خمس سنين ودخل في السادسة فما وجه التغاير بينهما والمعنى واحد "وفحول الضأن في الضحايا أفضل من خصيانها وخصيانها أفضل من إناثها" وفي بعض النسخ وفحول الضأن في الضحايا وخصيانها أفضل من إناثها والنسخة الأولى موافقة للمشهور وهو أن الفحل أفضل من الخصي وعلل بأنه أكمل منه في الخلقة وإناثها أي إناث الضأن "أفضل من ذكور المعز ومن إناثها"

ص: 391

وفحول المعز أفضل من إناثها وإناث المعز أفضل من الإبل والبقر في الضحايا وأما في الهدايا فالإبل أفضل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ولا يجوز في شيء من ذلك عوراء ولا مريضة

ــ

أي وفحول المعز أفضل من خصيانها "وفحول المعز" أي وخصيانها "أفضل من إناثها وإناث المعز أفضل من الإبل والبقر في الضحايا" أي وذكورهما أفضل من إناثهما فالمراتب اثنا عشر أعلاها فحل الضأن وأدناها أنثى الإبل والبقر وهذا آخر الكلام على التفضيل في الضحايا "وأما في الهدايا فالإبل أفضل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز" هذا هو المشهور لأن المقصود من الهدايا تكثير اللحم للمساكين والمقصود من الضحايا طيب اللحم أي لإدخال المسرة على الأهل قال بهرام والحجة لنا في الموضعين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر هداياه الإبل وضحى عليه الصلاة والسلام بكبشين كما ورد في الصحيح ثم شرع يبين الصفات التي تتقى في الضحايا والهدايا لأنها إذا وجدت منعت من الإجزاء فقال: "ولا يجوز" بمعنى لا يجزىء "في شيء من ذلك" أي من الضحايا والهدايا "عوراء" هي من ذهب نور إحدى عينيها وإن بقيت صورتها أما إن كان على الناظر بياض يسير لا يمنع الإبصار فلا يمنع الإجزاء وإذا لم تجز العوراء فالعمياء أولى "و" كذلك "لا" تجزىء فيهما "مريضة" مرضا بينا أما إن كان خفيفا لا يمنعها التصرف فلا ومن المرض البين التخمة من الأكل غير المعتاد أو الكثير قال في المصباح التخمة وزان رطبة والجمع بحذف الهاء والتخمة بالسكون لغة والتاء مبدلة من واو لأنها من الوخامة ومنه الجرب الكثير وسقوط الأسنان كلها أو بعضها ما عدا الواحدة إذا كان السقوط لغير إثغار أو كبر

ص: 392

ولا العرجاء البين ضلعها ولا العجفاء التي لا شحم فيها ويتقى فيها العيب كله ولا المشقوقة الأذن إلا أن يكون يسيرا وكذلك القطع ومكسورة القرن إن كان

ــ

وإلا فتجزىء ولو الجميع "و" كذلك "لا" يجزىء فيهما "العرجاء البين ضلعها" بفتح الضاد المعجمة واللام وروي بالظاء المشالة أي المرتفعة أي البين عرجها وهي التي لا تلحق الغنم أما إن كان العرج لا يمنعها أن تسير بسيرهم فلا يمنع الإجزاء "و" كذلك "لا" يجزىء فيهما "العجفاء" بالمد هي التي لا مخ في عظامها وهذه العيوب الأربعة مجمع عليها وبها ورد الحديث واختلف هل يقاس عليها غيرها من العيوب أم لا المشهور القياس وعليه مشى الشيخ فقال: "ويتقى فيهما" أي في الهدايا والضحايا "العيب كله" إذا كان كثيرا ويغتفر اليسير ويعني بذلك الخرقاء وهي التي في أذنها خرق مستدير والمقابلة وهي التي قطع من أذنها من قبل وجهها وترك معلقا والمدابرة وهي التي قطع من أذنها من جهة قفاها والشرقاء وهي المشقوقة الأذن وإليها أشار بقوله: "ولا المشقوقة الأذن إلا أن يكون الشق يسيرا" وهو الثلث فما دونه "وكذلك القطع" أي قطع الأذن لا يجوز إلا أن يكون يسيرا واختلف في حده فالذي صححه الباجي ومشى عليه صاحب المختصر وهو الراجح أن ذهاب ثلث الأذن يسير وذهاب ثلث الذنب كثير لأن الذنب لحم وعصب ولا كذلك الأذن وهذا في ذنب الغنم التي لها ألية كبيرة وأما نحو الثور والجمل والغنم في بعض البلدان مما لا لحم في ذنبه فالذي يمنع الإجزاء منه ما ينقص الجمال ولا يتقيد بالثلث "ومكسورة القرن إن كان

ص: 393

يدمي فلا يجوز وإن لم يدم فذلك جائز وليل الرجل ذبح أضحيته بيده بعد ذبح الإمام أو نحره يوم النحر ضحوة ومن ذبح قبل أن يذبح الإمام أو ينحر أعاد أضحيته ومن لا إمام لهم فليتحروا صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه ومن ضحى بليل

ــ

يدمي" يعني لم يبرأ "فلا يجوز وإن لم" يكن "يدمي" بأن برىء "فذلك جائز" ومن لازم الجواز الإجزاء "وليل الرجل ذبح أضحيته" أو نحرها وكذلك هديه "بيده" على جهة الاستحباب إن أمكنه ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يمكنه ذلك لعذر وكل مسلما ويستحب أن يكون من أهل الفضل والصلاح فإن وكل تارك الصلاة كره وتجزىء على المشهور وإن وكل كافرا كتابيا أو غيره لم تجزه وابتداء زمن الذبح في الأضحية "بعد ذبح الإمام" ما يذبح "أو نحره" ما ينحر "يوم النحر" أي في يوم النحر وهو العاشر من ذي الحجة وذبح الإمام يوم النحر يكون "ضحوة" وهو وقت حل النافلة فمن ذبح قبل يوم النحر أو يوم النحر بعد الفجر وقبل طلوع الشمس لم يجزه وأعاد أضحيته "و" كذا "من ذبح قبل أن يذبح الإمام أو ينحر" لم يجزه "وأعاد أضحيته" لقوله تعالى: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال الحسن البصري نزلت في قوم ذبحوا قبل الإمام هذا حكم من لهم إمام "و" أما "من لا إمام لهم فليتحروا صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه" فيذبحون حينئذ فلو نحروا ثم تبين خطؤهم أجزأهم على المشهور والمعتبر إمام الصلاة على المشهور "ومن ضحى بليل" في ليلة اليوم الثاني أو الثالث

ص: 394

أو أهدى لم يجزه وأيام النحر ثلاثة يذبح فيها أو ينحر إلى غروب الشمس من آخرها وأفضل أيام النحر أولها ومن فاته الذبح في اليوم الأول إلى الزوال فقد قال بعض أهل العلم: يستحب له أن يصبر إلى ضحى اليوم الثاني

ــ

"أو أهدى لم يجزه" لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} فذكر الأيام دون الليالي والمراد بالليالي هنا من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ومن ضحى في اليوم الثاني أو الثالث بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس أجزأه ويكون تاركا للمستحب بخلاف من ضحى في اليوم الأول بعد الفجر وقبل طلوع الشمس فإنه لا يجزئه "وأيام النحر" عند مالك تبعا لجماعة من الصحابة "ثلاثة" أي ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده "يذبح فيها" ما يذبح "أو ينحر" ما ينحر وقد قدم أن ابتداء زمن النحر والذبح من ضحوة يوم النحر بعد صلاة الإمام وذبحه وأما آخره فـ "إلى غروب الشمس من آخرها" أي من آخر الأيام الثلاثة وهي متفاوتة في الفضيلة وقد بين ذلك بقوله: "وأفضل أيام النحر" للأضحية "أولها" لفعله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده "ومن فاته الذبح" أو النحر "في اليوم الأول إلى الزوال فقد قال بعض أهل العلم" وهو ابن حبيب ونقله بهرام من روايته عن مالك "يستحب له أن يصبر إلى ضحى اليوم الثاني" قال بهرام لا خلاف أن ما قبل الزوال من أول يوم أفضل مما بعده واختلف هل ما بعد الزوال منه أفضل مما قبل الزوال من اليوم الثاني وهو ظاهر لفظ المختصر وهو مذهب الرسالة وغيرها وإليه ذهب ابن المواز أو ما قبل الزوال من الثاني أفضل مما بعده من الأول وهو قول مالك في كتاب ابن حبيب وهو ضعيف فالمعتمد أن جميع اليوم الأول

ص: 395

ولا يباع شيء من الأضحية جلد ولا غيره وتوجه الذبيحة عند الذبح إلى القبلة وليقل الذابح بسم الله والله أكبر وإن زاد في الأضحية ربنا تقبل منا فلا بأس بذلك ومن نسي التسمية في ذبح أضحية أو غيرها فإنها تؤكل وإن تعمد ترك التسمية لم تؤكل وكذلك عند إرسال الجوارح

ــ

أفضل مما بعده حتى أن القابسي أنكر رواية ابن حبيب "ولا يباع" على جهة المنع "شيء من الأضحية" التي تجزىء بعد الذبح وكذا كل ما هو قربة كالهدي والعقيقة وقوله: "جلد ولا غيره" صرح به وإن كان داخلا فيما قبله إشارة للرد على من يقول يجوز بيع الجلد "وتوجه الذبيحة" في الأضحية وغيرها "عند الذبح إلى القبلة" استحبابا فإن تركه لعذر أو نسيانا أكلت اتفاقا "وليقل الذابح" عند الذبح "باسم الله والله أكبر" والجمع بين التسمية والتكبير هو الذي مضى عليه عمل الناس أما التكبير فسنة أي مستحب وأما التسمية فيؤخذ من كلامه بعد وهو مذهب المدونة أنها واجبة مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان وإن اقتصر عليها أجزأه لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} فلم يشترط سوى مجرد اسم الله تعالى "وإن زاد الذابح" على التسمية والتكبير "في" ذبح "الأضحية" والهدي أو النسك والعقيقة "ربنا تقبل منا فلا بأس بذلك" قيل لا بأس هنا بمعنى الاستحباب وقيل بمعنى الإباحة "ومن نسي التسمية في ذبح أضحية أو غيرها فإنها تؤكل فإن تعمد ترك التسمية لم تؤكل" هذا على مذهب المدونة أنها فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان "وكذلك" من نسي التسمية "عند إرسال الجوارح" أو رمي السهم وغيره مما يصاد به

ص: 396

على الصيد ولا يباع من الأضحية والعقيقة والنسك لحم ولا جلد ولا ودك ولا عصب ولا غير ذلك ويأكل الرجل من أضحيته ويتصدق منها أفضل له وليس بواجب عليه ولا يأكل من فدية الأذى

ــ

"على الصيد" فإنه يؤكل وإن تعمد ترك التسمية لم يؤكل لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} ولو قدم هذه المسألة على التي قبلها لكان أولى لأن النص إنما جاء في إرسال الجوارح على الصيد ولم يأت في الذبيحة نص وفي قوله: "ولا يباع من الأضحية والعقيقة والنسك لحم ولا جلد ولا ودك" أي دهن "ولا عصب" أي عروق "ولا غير ذلك" مثل القرن والشعر والصوف تكرار مع قوله ولا يباع شيء من الأضحية قال ابن عمر يحتمل تكراره ليرتب عليه قوله: "ويأكل الرجل" يريد أو غيره "من أضحيته ويتصدق منها أفضل له" يحتمل عود الفضل على التصدق خاصة ويحتمل عوده على الجمع بين الأكل والتصدق وهو الظاهر لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} وقوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} القانع الفقير أي سواء كان يسأل أم لا وقيل الفقير الذي لا يسأل والمعتر الزائر المتعرض لما يناله من غير سؤال ويكره التصدق بالجميع وليس لما يؤكل أو يطعم حد والجمهور على منع إطعام الكافر منها مطلقا كتابيا كان أو مجوسيا وقوله: "وليس بواجب عليه" تكرار مع قوله أفضل له "ولا يأكل" الرجل أو غيره ممن وجب عليه هدي "من فدية الأذى" المترتبة في ذمته إذا بلغت محلها هذا

ص: 397

وجزاء الصيد ونذر المساكين وما عطب من هدي التطوع قبل محله ويأكل مما سوى ذلك إن شاء والذكاة قطع الحلقوم والأوداج ولا

ــ

إذا جعلها هديا بأن قلدها أو أشعرها فإن لم يجعلها فإنه لا يأكل منها بلغت محلها أم لا "و" كذلك لا يأكل من "جزاء الصيد" الذي ترتب في ذمته بعد بلوغ محله "و" كذا لا يأكل من "نذر المساكين" غير المعين بعد محله "و" كذلك لا يأكل "مما عطب من هدي التطوع قبل محله" أي لاتهامه على عطبه "ويأكل مما سوى ذلك" كفدية الأذى قبل بلوغ محلها وجزاء الصيد قبل محله ونذر المساكين قبل محله وما عطب من هدي التطوع بعد محله وهدي القران والتمتع وهدي الفساد وكل هدي لنقص شعيرة من شعائر الحج وقوله: "إن شاء" إشارة إلى أن الأصل في الهدي عدم الأكل بخلاف الأضحية ثم اعلم أن المحل هو منى إن وقف بها بعرفة وكان في أيام النحر ومكة إن لم يقف بها أو خرجت أيام النحر وإنما حرم الأكل من المذكورات الثلاثة بعد بلوغ محلها لأن الله سبحانه وتعالى سمى الفدية والجزاء كفارة والإنسان لا يأكل من كفارته وأخرج نفسه في الثالث لجعله للمساكين وإنما جاز له الأكل قبل المحل لأن عليه البدل وإنما جاز له الأكل من هدي التطوع إذا عطب بعد المحل لعدم الاتهام وإنما جاز له الأكل من هدي القران والتمتع وهدي الفساد وكل هدي لزم لنقص شعيرة من شعائر الحج مطلقا قبل المحل وبعده لعدم الاتهام إذا لم يبلغ المحل لأن عليه البدل وبعده الأمر ظاهر "والذكاة قطع الحلقوم" جميعه "و" قطع جميع "الأوداج" أي الودجين عبر بالجمع عن المثنى "ولا

ص: 398

يجزىء أقل من ذلك وإن رفع يده بعد قطع بعض ذلك ثم أعاد يده فأجهز فلا تؤكل وإن تمادى حتى قطع الرأس أساء ولتؤكل ومن ذبح من القفا لم تؤكل

ــ

يجزىء أقل من ذلك" أي من قطع الحلقوم بتمامه والأوداج هذا قول سحنون وشهر وقيل يكتفى بقطع تمام الودجين ونصف الحلقوم وظاهر كلام الشيخ أنه لا يشترط قطع المريء قال عياض المريء بفتح الميم وكسر الراء وهمز آخره وقد يشدد آخره ولا يهمز مبلع الطعام والشراب وهو البلعوم وفسره الجوهري بالحلق "وإن رفع" الذابح "يده" عن الذبيحة "بعد قطع بعض ذلك" الحلقوم والأوداج "ثم أعاد يده فأجهز فلا تؤكل" ظاهره سواء طال الرفع أولم يطل وهو كذلك باتفاق في الطول واختلف إذا رجع بالقرب فقال سحنون تحرم وقال ابن حبيب تؤكل لأن كل ما طلب فيه الفور يغتفر فيه التفريق اليسير وهو المعتمد وفقه المسألة أنه لو رفع يده بعد إنفاذ مقاتلها وعاد عن بعد فلا تؤكل ولو كان رفع يده اضطرارا وأما لو رفع يده قبل إنفاذ شيء من مقاتلها فإنها تؤكل ولو عاد عن بعد لأن الثانية ذكاة مستقلة وكذلك تؤكل إذا أنفذ مقاتلها وعاد عن قرب كما ذهب إليه ابن حبيب "وإن تمادى الذابح" عمدا "حتى قطع الرأس" من الذبيحة "أساء ولتؤكل" يعني وتؤكل ولم يرد الأمر وإذا أكلت مع العمد فأحرى مع النسيان أو غلبة السكين "ومن ذبح من القفا" أو من صفحة العنق "لم تؤكل" لأنه لم يأت بالذكاة المشروعة ولأنه قد أنفذ المقتل بقطع النخاع وإذا أنفذت المقاتل قبل الذبح لم تؤكل ولو قطع الحلقوم عسرت السكين على الودجين لعدم حد السكين فقلبها وقطع بها الأوداج من داخل لم تؤكل

ص: 399

والبقر تذبح فإن نحرت أكلت والإبل تنحر فإن ذبحت لم تؤكل وقد اختلف في أكلها والغنم تذبح فإن نحرت لم تؤكل وقد اختلف أيضا في ذلك وذكاة ما في البطن ذكاة أمه إذا تم خلقه ونبت شعره

ــ

على المذهب "والبقر تذبح فإن نحرت أكلت والإبل تنحر فإن ذبحت لم تؤكل" فالبقر يجوز فيها الأمران لأن لها موضع النحر وموضع الذبح ومحل النحر اللبة وهو موضع القلادة من الصدر من كل شيء ولا يشترط في النحر قطع شيء من الحلقوم والودجين لأن محله اللبة وهو محل تصل منه الآلة إلى القلب فيموت بسرعة ويستحب في نحر الإبل أن تكون قائمة "وقد اختلف في أكلها" أي المذبوحة من الإبل فقوله إنها لا تؤكل إذا ذبحت مثله في المدونة وحمله ابن حبيب على التحريم وشهره ابن الحاجب وهو الراجح وحمله غيره على الكراهة ومحل الخلاف إذا وقع الذبح لغير ضرورة وأما إن كان لضرورة كما لو وقع بعير في مهواة ولم يصل إلى لبته فذبح فأكله جائز اتفاقا والغنم تذبح "فإن نحرت لم تؤكل وقد اختلف أيضا في ذلك" أي في أكلها وهو مقيد أيضا بما إذا لم تكن ضرورة والمشهور التحريم وإن كان لضرورة كما لو وقع في مهواة ونحر أكل اتفاقا "وذكاة ما في البطن ذكاة أمه" معناه أن البهيمة من ذوات الأنعام إذا ذكيت فخرج من بطنها جنين ليس فيه روح فإنه يؤكل بشروط "إذا تم خلقه ونبت شعره" يريد بتمام خلقه تناهي خلقته ووصولها إلى الحد الذي ينزل عليه من بطن أمه لا كمال أطرافه فيؤكل ناقص يد أو رجل ثم انتقل يبين ما لا تعمل فيه الذكاة من الأنعام "وهو" أشياء

ص: 400

والمنخنقة بحبل ونحوه والموقوذة بعصا وشبهها والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إن بلغ ذلك منها في هذه الوجوه مبلغا لا تعيش معه لم تؤكل بذكاة ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة

ــ

منها "المنخنقة بحبل ونحوه والموقوذة" وهي المضروبة "بعصا وشبهها" كالرمح والحجر "والمتردية" وهي الساقطة من علو إلى أسفل "والنطيحة" أي المنطوحة "وأكيلة السبع" وهي التي ضربها السبع وهو كل ما يتسبع "إن بلغ ذلك" الفعل المذكور "منها" أي من الخمسة المذكورة في هذه الوجوه من ترد ونحوه "مبلغا لا تعيش معه لم تؤكل بذكاة" لأن سبيلها سبيل الميتة والمقاتل خمسة انقطاع النخاع وهو المخ الذي في عظام الرقبة والصلب وقطع الأوداج وخرق المصران وانتشار الحشوة ونثر دماغ وأما إذا لم تنفذ مقاتلها فإن كانت مرجوة الحياة فلا خلاف في أعمال الذكاة فيها وإن كانت غير مرجوة فعن مالك من رواية أشهب أنها لا تذكى ولا تؤكل وهو الذي مشى عليه الشيخ ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك أنها تذكى وتؤكل وهو الراجح "ولا بأس للمضطر" وهو من خاف الهلاك على نفسه ولا يعني بذلك أن يكون قد أشرف على الموت إذ الأكل حينئذ لا ينفع "أن يأكل الميتة" من كل حيوان غير الآدمي ولو كافرا ولو مما لا حرمة له كالمرتد والحربي إما لأنه يؤذي أكله أو لمحض التعبد ولو وجد المحرم الصيد والميتة أكل الميتة وإذا وجد ميتة وخنزيرا أكل الميتة وإن لم يجد إلا خنزيرا أكل منه ويستحب له تذكيته وذكاته العقر قال التتائي والظاهر أنه لا يحتاج إلى تذكيته لأن الذكاة

ص: 401

ويشبع ويتزود فإن استغنى عنها طرحها ولا بأس بالانتفاع بجلدها إذا دبغ ولا يصلى عليه ولا يباع ولا بأس بالصلاة

ــ

لا تفيد في محرم الأكل "و" كذلك لا بأس للمضطر أن "يشبع ويتزود" من الميتة إذا خاف العدم فيما يستقبل ومحل جواز أكل الميتة للمضطر حيث لم يجد طعام الغير وإلا قدمه حيث لم يكن ضالة الإبل ولم يخف القطع أو الضرب الشديد فيما لا يقطع فيه فإذا أكل من طعام الغير عند عدم خوف القطع أو الضرب الشديد فقيل يقتصر على سد الرمق من غير شبع وتزود وعليه المواق وقيل يشبع ولا يتزود وعليه الحطاب وكما يباح له أكل الميتة عند الاضطرار يباح له أيضا شرب كل ما يرد عطشا كالمياه النجسة وغيرها من المائعات النجسة كماء الورد النجس إلا الخمر فإنها لا تحل لإساغة الغصة وأما العطش فلا إذ لا تفيد في ذلك بل ربما زادت العطش "ولا بأس بالانتفاع بجلدها" أي الميتة ويباح الانتفاع به "إذا دبغ" بما يزيل ريحه ورطوبته ومفهوم الشرط أنه لا ينتفع به قبل الدبغ وهو كذلك وظاهر كلامه أن الدبغ يفيد في جلد كل ميتة وبه قال سحنون وابن عبد الحكم والمشهور أن الدبغ لا يعمل في جلد الخنزير وظاهره أيضا أن طهارته عامة في المائعات وغيرها وهو كذلك عند سحنون وغيره والمشهور أن طهارته مقيدة باليابسات والماء وحده من بين المائعات لأن له قوة يدفع بها عن نفسه "ولا يصلى عليه" أي ولا فيه على المشهور "ولا يباع" على إحدى الروايتين وهي المشهورة في المذهب وطهارته طهارة مخصوصة بجواز استعماله في اليابسات وفي الماء وحده من بين سائر المائعات وليست عامة حتى في جواز بيعه والصلاة فيه وعليه "ولا بأس بالصلاة" استعمل لا بأس هنا

ص: 402

على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها وينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في حال الحياة وأحب إلينا أن يغسل ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها وكره الانتفاع بأنياب الفيل

ــ

بمعنى الجواز أي وتجوز الصلاة "على جلود السباع إذا ذكيت" أي ونحوها من كل حيوان مكروه الأكل ليشمل الفيل والذئب والثعلب والضبع بشرط أن تذكى "و" كذلك لا بأس بـ "بيعها" أي بيع جلود السباع إذا ذكيت "وينتفع بصوف الميتة وشعرها" بعد الجز انتفاعا عاما من البيع والصلاة عليه والصدقة به وغير ذلك إلا أنه إذا باع بين وظاهر قوله وشعرها دخول شعر الخنزير وهو كذلك عند مالك وابن القاسم وغيرهما يقول باستثناء شعر الخنزير والكلب فقول الشيخ آخر الكتاب وكل شيء من الخنزير حرام أراد به إلا شعره "و" كذلك "ما ينتزع منها" أي الميتة "في" حال "الحياة" أي على تقدير لو انتزع منها في حال الحياة لم يؤلمها إلا اللبن فإنه نجس وهو مما ينتزع منها في حال الحياة ولا يؤلمها "وأحب إلينا" أي المالكية "أن يغسل" ما ذكر من الصوف وما بعده إذا لم تتيقن طهارته ولا نجاسته أما إن تيقنت طهارته فلا يستحب غسله وإن تيقنت نجاسته وجب غسله "ولا ينتفع بريشها" أي الميتة ظاهره معارض لقوله أولا وما ينتزع منها في حال الحياة وقد تقدم ما يزيل الاعتراض وهو تخصيص ما تقدم بقوله ولا يؤلمها "و" كذلك "لا" ينتفع "بقرنها" أي الميتة "وأظلافها وأنيابها" ظاهره على جهة التحريم لأن الحياة تحله "وكره الانتفاع بأنياب الفيل" وكذا عبر في المدونة

ص: 403

وقد اختلف في ذلك وما ماتت فيه فأرة من سمن أو زيت أو عسل ذائب طرح ولم يؤكل ولا بأس أن يستصبح بالزيت وشبهه في غير المساجد وليتحفظ منه وإن كان جامدا طرحت وما حولها وأكل ما بقي

ــ

"وقد اختلف في ذلك" أي في أنياب الفيل وكذا القرن والظلف وهو للبقر والشاة والظبي والظفر وهو للبعير والإوز والنعامة وحمر الوحش والعظم على أربعة أقوال مشهورها أن ذلك كله نجس بناء على أنه تحله الحياة قال ابن وهب طاهر أي بناء على أنه لا تحله الحياة وما تقرر من كون ناب الفيل نجسا إذا كان من ميتة مثله المنفصل من الفيل حال الحياة وحيث كان المنفصل من الميتة نجسا فالكراهة في قول المدونة وأكره الأدهان في أنياب الفيل والمشط بها والتجارة فيها لأنها ميتة محمولة على التحريم وأما أنياب الفيل المذكى ولو بالعقر فإنه مكروه والكراهة على التنزيه "وما مات فيه فأرة" بالهمز "من سمن أو زيت أوعسل" أو ودك "ذائب" راجع للجميع "طرح ولم يؤكل" ولا يباع ومثل الفأرة كل ما له نفس سائلة ولما ذكر أنه يطرح ولا يؤكل وخشي أن يتوهم أنه لا ينتفع به أصلا رفع ذلك الإيهام بقوله: "ولا بأس" بمعنى ويباح "أن يستصبح بالزيت المتنجس وشبهه" كالودك والسمن "في غير المساجد" كالبيوت والحوانيت "و" أما المساجد فـ "ليتحفظ منه" لأنه نجس فلا يستصبح به فيها لتنزيهها عن النجاسات ثم صرح بمفهوم ذائب فقال: "وإن كان" ما ذكر من السمن وما عطف عليه "جامدا طرحت" الفأرة التي ماتت فيه هي "وما حولها وأكل ما بقي" وله بيعه إلا أنه يبين لأن النفس تكرهه ولا تحديد فيما يطرح

ص: 404

قال سحنون إلا أن يطول مقامها فيه فإنه يطرح كله ولا بأس بطعام أهل الكتاب وذبائحهم وكره أكل شحوم اليهود منهم من غير تحريم ولا يؤكل ما ذكاه المجوسي

ــ

منه وإنما ذلك على حب غلبة الظن "قال سحنون إلا أن يطول مقامها" بضم الميم أي إقامتها "فيه فإنه يطرح كله" لأن النجاسة إذا طال مقامها في الجامد نفذت في جميع أجزائه "ولا بأس بطعام أهل الكتاب وذبائحهم" لا بأس هنا للإباحة قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} الآية الجمهور من المفسرين على أن المراد بالطعام الذبيحة كلها ما حل ذلك منها وما حرم عليه كالطريفة وهي أن توجد الذبيحة فاسدة الرئة ولابد لجواز الأكل أن يكون ممن لا يستحل الميتة وأما من يستحلها فقال الباجي إن ذبح بحضرتك وأصاب وجه الذكاة جاز أكلها وأما إن غاب عنها فلا يجوز "وكره أكل شحوم اليهود منهم من غير تحريم" أي مما هو محرم عليهم بشرعنا كشحم البقر والغنم الخالص كالشحم الرقيق الذي يغشى الكرش والأمعاء فإن قيل شحم اليهود مما ثبت تحريمه بشرعنا فلم لم يكن حراما فالجواب أنه جزء مذكى والمذكى حل له فهو لم يذبح غير حل له لكن لحرمته عليه كره أكله لنا "ولا يؤكل ما ذكاه المجوسي" مطلقا وثنيا كان وهو ما يعبد الوثن أي الصنم قال في المصباح الوثن الصنم سواء كان من خشب أو حجر أو غير وثني ذكاه لنفسه أو لمسلم إلا أن يأمره المسلم بالذبح ويقول له قل باسم الله عليها فإنها تؤكل من غير خلاف وكذلك لا تؤكل ذبيحة السكران والمجنون ولو أصابا الذكاة لفقدان عقلهما قال ابن الحاجب وتصح من الصبي المميز والمرأة من غير ضرورة على الأصح

ص: 405

وما كان مما ليس فيه ذكاة من طعامهم فليس بحرام والصيد للهو مكروه والصيد لغير اللهو مباح وكل ما قتله كلبك المعلم أو بازك المعلم فجائز أكله إذا أرسلته عليه

ــ

"وما كان مما ليس فيه ذكاة من طعامهم" يجوز أكله اتفاقا إن تيقنت طهارته أما إن تيقنت نجاسته فيحرم أكله وما شك فيه يحمل على التنجيس "والصيد للهو مكروه" قال في التنبيه اللهو مصدر لهوت بالشيء بالفتح لهوا إذا لعبت به "والصيد لغير اللهو مباح" وقد يكون واجبا إذا كان لا يمكنه الإنفاق على عياله إلا منه "وكل ما قتله كلبك المعلم أو بازك المعلم فجائز أكله" لا خصوصية لهذين بل كل ما علم بالفعل من الكلاب والسباع والطيور وهو أن يكون بحيث إذا أرسل أطاع وإذا زجر انزجر إلا أن يكون طيرا فيكفي فيه الإطاعة عند إرادة الإرسال ولا يشترط فيه قبول الانزجار بعد الإرسال "إذا أرسلته عليه" فقتله فإنه يجوز أكله فيشترط في المصاد به إذا كان حيوانا أن يكون علم بالفعل ولو كان من نوع ما لا يقبل التعليم كالأسد والنمر والنمس وأولى ما يقبله من كلب وباز وسنور ولو كان طبع المعلم بالفعل الغدر كدب فإنه لا يمسك إلا لنفسه وأن يكون مرسلا من يد الصائد ويشترط في المصيد أن يكون مرئيا أي أو يكون في مكان محصور كغار أو غيضة علم به أو لم يعلم به أبصره أو لا ويشترط أن لا يكون لهما منفذ آخر وإلا لم يؤكل ما كان بواحد منهما وأن يكون مما يؤكل لحمه ولو ظن خلافه كما لو ظنه أرنبا مثلا فأرسل عليه كلبه فإذا هو ظبي وأن يكون غير مقدور عليه أي جملة أو في القدرة عليه مشقة ككونه في شاهق جبل أو على شجرة ولا يتوصل إليه إلا بأمر يخاف منه

ص: 406

وكذلك ما أنفذت الجوارح مقاتله قبل قدرتك على ذكاته وما أدركته قبل إنفاذها لمقاتله لم يؤكل إلا بذكاة وكل ما صدته بسهمك أو رمحك فكله فإن أدركت ذكاته فذكه وإن فات بنفسه فكله إذا قتله سهمك ما لم يبت عنك

ــ

العطب أو كان في جزيرة كبيرة وأما الصائد فيشترط فيه أن ينوي وأن يسمي حال الإرسال فإن ترك التسمية عامدا لم يؤكل مصيده بخلاف النسيان وأن يكون مسلما وهذا خاص بصيد البر وأما صيد البحر فإنه جائز لكل أحد وأن يكون عاقلا فالمجنون والسكران لا يصح منهما "وكذلك" جائز "أكل كل ما أنفذت الجوارح مقاتله قبل قدرتك على ذكاته" إذا تبعته ولم تفرط في طلبه "و" أما "ما أدركته قبل إنفاذها" لمقاتله "لم يؤكل إلا بذكاة" ولا يجوز أكله بدون ذكاة قال ابن عمر يريد إذا فرط لم تكن عنده السكين وأخذ يطلبها من غيره حتى مات أما إن لم يفرط فإنه يؤكل وإن لم تنفذ مقاتله إذا نيبه أي لا بد من الإدماء ولو في الأذن مع شق جلد أم لا لا شق جلد بدون إدماء في وحشي صحيح فلا يكفي بخلافه في مريض فيكفي "وكل ما صدته بسهمك ورمحك" يعني وبكل ما له حد ولو غير حديد وقتله السهم أو الرمح أو جرحه ومات قبل قدرتك على ذكاته "فكله" حيث نويت وسميت عند رمي السهم أو الرمح فلو أدركته حيا بعد إنفاذ شيء من مقاتله ندب تذكيته "فإن أدركت ذكاته فذكه وإن فات بنفسه فكله إذا قتله سهمك ما لم يبت عنك" لا خصوصية للسهم بذلك الشرط الذي هو قوله ما لم يبت عنك فقد قال في المدونة إذا بات عنه الصيد ثم وجده منفود المقاتل فإنه لا يؤكل وسواء في ذلك الكلب والباز والسهم وحينئذ

ص: 407

وقيل إنما ذلك فيما بات عنك مما قتلته الجوارح وأما السهم يوجد في مقاتله فلا بأس بأكله ولا تؤكل الإنسية بما يؤكل به الصيد والعقيقة سنة مستحبة ويعق عن المولود يوم سابعه بشاة مثل ما ذكرنا من سن الأضحية وصفتها ولا يحسب

ــ

فالأولى للمصنف أن يحذف قوله إذا قتله سهمك "وقيل إنما ذلك" أي عدم أكل ما فات بنفسه "فيما بات عنك فيما قتله الجوارح وأما السهم يوجد في مقاتله فلا بأس بأكله" لا بأس هنا بمعنى الجواز وهذه التفرقة لابن المواز وهي تفرقة ضعيفة "ولا تؤكل الإنسية بما يؤكل به الصيد" ظاهره ولو ندت والتحقت بالوحش وكذلك الحيوان الوحشي إذا تأنس وصار مقدورا عليه فلا يؤكل إلا بالذبح "والعقيقة" أطلقت شرعا على الشاة المذبوحة يوم سابع المولود منقولة من معناها لغة وهو شعر رأس المولود لأنها تذبح عند حلقه وهي في الأصل فعيلة بمعنى مفعولة من العق وهو القطع ولا يخفى وجوده في كل من الشعر والذبيحة لقطع أوداجها وحلقها "سنة مستحبة" فيه نظر لأن الشيء الواحد لا يجتمع فيه حكمان وأجيب عنه بأنه عنى بقوله مستحبة أي غير مؤكدة والأصل في مشروعيتها ما رواه أحمد بسند جيد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كل غلام مرهون بعقيقته""ويعق عن المولود" ذكرا كان أو أنثى "يوم سابعه" أي سابع ولادته بشرط حياته إليه "بشاة" من الضأن أو المعز يشترط فيها أن تكون "مثل ما ذكرنا" فيما تقدم "من سن الأضحية" وهو الجذع من الضأن والثني من المعز "وصفتها" بأن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء في الأضحية "ولا يحسب

ص: 408

في السبعة الأيام اليوم الذي ولد فيه وتذبح ضحوة ولا يمس الصبي بشيء من دمها ويؤكل منها ويتصدق وتكسر عظامها وإن حلق شعر رأس المولود وتصدق بوزنه من ذهب أو فضة فذلك مستحب حسن

ــ

في السبعة الأيام اليوم الذي ولد فيه" من بعد الفجر فإن ولد مع الفجر حسب "وتذبح ضحوة" على جهة الاستحباب ويكره من بعد الزوال إلى الغروب فلا يجزىء ذبحها ليلا ولا قبل طلوع الشمس "ولا يمس الصبي بشيء من دمها" حذرا مما كان يفعله أهل الجاهلية من تلطيخ رأسه بدمها تفاؤلا بأن يكون شجاعا سفاكا للدماء "ويؤكل منها ويتصدق" أي يستحب أن يطعم منها أهل بيته وجيرانه قال الفاكهاني والإطعام فيها كهو في الأضحية ولا حد للإطعام فيها بل يأكل ما شاء ويتصدق بما شاء ولو قدم الصدقة لكان أولى لما قيل إنها لا تكون عقيقة حتى يتصدق بها كلها أو بعضها فالمقصود من العقيقة الصدقة والصدقة تكون منها طريا ومطبوخا "وتكسر عظامها" استحبابا مخالفة للجاهلية فإنهم كانوا لا يكسرون عظامها مخافة ما يصيب الولد "وإن حلق شعر رأس المولود" ذكرا كان أو أنثى "وتصدق بوزنه من ذهب أو فضة فذلك مستحب" لما في الترمذي من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن بكبش وقال: "يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة" فوزناه فكان درهما أو بعض درهم وقوله: "حسن" تأكيد فإن المستحب هو الحسن ويستحب

ص: 409

وإن خلق رأسه بخلوق بدلا من الدم الذي كانت تفعله الجاهلية فلا بأس بذلك والختان سنة في الذكور واجبة والخفاض في النساء مكرمة.

ــ

أن يسمى يوم سابعه إن عق عنه وإن لم يعق عنه سمي قبل ذلك ويستحب أن يسبق إلى جوف المولود الحلاوة لأنه صلى الله عليه وسلم حنك عبد الله بن أبي طلحة بتمرة "وإن خلق رأسه بخلوق" بفتح الخاء كالطيب والزعفران ابن العربي ولا يسمى خلوقا حتى يعجن بماء الورد "بدلا من الدم الذي كانت تفعله الجاهلية فلا بأس بذلك" لما رواه أبو داود عن بريدة الصحابي قال كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران "والختان سنة في الذكور" وكذا عبر في آخر الكتاب وزاد هنا "واجبة" أي مؤكدة ويكره أن يختن يوم يولد أو يوم سابعه لأنه فعل اليهود وحد الختان حين يؤمر بالصلاة من سبع سنين إلى عشر واختلف في الكبير إذا أسلم وخاف على نفسه هل يختن أم لا قال سحنون يلزمه الختان قائلا أرأيت إن وجب قطع سرقة أيترك للخوف على نفسه ومن ترك الختان لغير عذر لم تجز إمامته ولا شهادته "والخفاض في النساء" وهو إزالة ما بفرج المرأة من الزيادة "مكرمة" بفتح الميم وضم الراء أي كرامة بمعنى مستحب قاله التتائي وإنما كان مكرمة لأنه يرد ماء الوجه ويطيب الجماع المراد برد ماء الوجه أنه يتسبب عنه رونق الوجه وبريقه ولمعانه وهنا انتهى الكلام على النصف الأول من الرسالة ولله الحمد ثم انتقل يتكلم على النصف الثاني

ص: 410