المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في صلاة الجمعة - الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني

[صالح بن عبد السميع الأزهري]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب في المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية وزكاة الإبل والبقر والغنم

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاوب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب في صلاة الجمعة

يكن صلى المغرب والعشاء صلى المغرب ثلاثا والعشاء حضرية ولو خرج وقد بقي من الليل ركعة فأكثر صلى المغرب ثم صلى العشاء سفرية.

ــ

يكن صلى المغرب والعشاء" ناسيا أو عامدا "صلى المغرب ثلاثا والعشاء حضرية" لأنه قد بقي من الوقت ما يدرك به العشاء فوجب أن يصليها حضرية وأما المغرب فلم يختلف حكمها في السفر والحضر فلا معنى لذكرها ثم عقب بالخروج فقال: "ولو خرج وقد بقي عليه من الليل ركعة فأكثر صلى المغرب ثلاثا ثم صلى العشاء سفرية" لأنه مدرك لوقتها في السفر وقاعدة هذا الباب بالنسبة لليليتين أنه يقدر بركعة دخولا وخروجا وبالنسبة للنهاريتين أو إحداهما أنه في الخروج إذا بقي ما يسع ثلاثا فإنه يصليهما سفريتين واثنتين أو واحدة فالثانية سفرية وبالنسبة للنهاريتين أنه في الدخول إذا بقي من النهار ما يصلي فيه خمس ركعات صلاهما حضريتين وبقدر أربع ركعات فأقل إلى ركعة صلى الظهر سفرية والله أعلم.

ص: 229

‌باب في صلاة الجمعة

.

والسعي إلى الجمعة فريضة

ــ

"باب في" بيان حكم السعي إلى "صلاة الجمعة" أي من أنه واجب وفي بيان وقت وجوبها والمحل الذي تجب فيه ومن تجب عليه وغير ذلك مما له تعلق بها وهي مشتقة من الجمع لاجتماع الناس فيها وأول من سماها جمعة قصي فإنه جمع قريشا في يومها وقال هذا يوم الجمعة وابتدأ بحكم السعي فقال: "والسعي إلى الجمعة واجب" وإذا وجب السعي وهو وسيلة فأحرى ما سعى

ص: 229

وذلك عند جلوس الإمام على المنبر وأخذ المؤذنون في الأذان

ــ

إليه وقد صرح بوجوب ما سعى إليه في باب جمل فقال وصلاة الجمعة والسعي إليها فريضة دل على وجوبه الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} قال الفاكهاني قال مالك السعي في كتاب الله العمل والفعل عطف مرادف أي فالمراد بالسعي إلى الذكر مطلق الذهاب سواء كان بالمشي على الأرجل أم لا واستدل الفاكهاني على ذلك بقراءة فامضوا إلى ذكر الله والمراد بالذكر الخطبة أو الصلاة أو هما معا أفاده شارح الموطأ.

وأما السنة فما في مسلم من قوله عليه الصلاة والسلام لقوم يتخلفون عن الجمعة: "لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم" وأما الإجماع فقال الفاكهاني لا خلاف بين الأئمة أن الجمعة واجبة على الأعيان والسعي إليها إنما يجب حيث لا مانع فإن كان ثم أي هناك مانع سقطت والمانع عدة أشياء منها المرض الذي يشق معه السعي إليها ومنها أن يكون قد اشتد بأحد والديه المرض أو احتضر أو خشي عليه الضيعة ومثل أحد والديه كل قريب خاص كولد وزوج ومنها أن يخاف على ماله من سلطان أو سارق أو حريق ومنها المطر الشديد والوحل الكثير إلى غير ذلك "وذلك" أي وجوب السعي إلى صلاة الجمعة على من قربت داره يكون "عند جلوس الإمام على المنبر" بكسر الميم وفتح الموحدة "وأخذ" بصيغة الفعل بفتح الخاء والذال المعجمتين بمعنى شرع "المؤذنون في الأذان" وفي بعض النسخ وأخذ بصيغة الاسم وجر المؤذنين على الإضافة وحينئذ تكون جملة وأخذ المؤذنين حالية ووجوب السعي إذ ذاك أي عند جلوس الإمام على المنبر إنما هو في حق من قربت داره من المسجد وأما

ص: 230

والسنة المتقدمة أن يصعدوا حينئذ على المنار فيؤذنون

ــ

السعي في حق من بعدت داره فبمقدار ما يصل فيه عند الزوال أي بمقدار زمن يصل فيه إلى الموضع الذي تقام فيه الجمعة عند الزوال وهذا التفصيل في غير من تنعقد به الجمعة

وأما من تنعقد به الجمعة فيجب عليه السعي بحيث يسمع الخطبة من أولها كما هو المعول عليه ولا يتقيد حضوره بالزوال ولا بجلوس الإمام على المنبر ويجب السعي إليها على من في المصر ومن على ثلاثة أميال منه فأقل ولما تقدم ذكر الأذان وكان للجمعة أذانان أحدهما لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر في زمنه أراد أن يبين ذا من ذا فقال "والسنة المتقدمة" أي الطريقة المندوبة "أن يصعدوا" بمعنى يرتفعوا أي المؤذنون "حينئذ" أي حين جلوس الإمام على المنبر "على المنار فيؤذنون" أراد بالسنة المتقدمة سنة الصحابة إذ لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم منار وإنما كانوا يؤذنون عند باب المسجد قاله زروق وحاصل كلامه أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أذان واحد يفعل عند باب المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم جالس على المنبر ثم أحدث سيدنا عثمان رضي الله عنه أذانا آخر يفعل قبل هذا على المنار ويكون الإمام جالسا على المنبر حينئذ أيضا

وقال الفاكهاني: قال ابن حبيب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد رقي المنبر فجلس ثم يؤذن المؤذنون وكانوا ثلاثة يؤذنون على المنار واحدا بعد واحد فإذا فرغ الثالث قام النبي صلى الله عليه وسلم للخطبة وكذا في زمن أبي بكر وعمر ثم لما كثر الناس أمر عثمان بإحداث أذان سابق على الذي يفعل على المنار وأمرهم بفعله عند الزوال عند الزوراء وهو موضع بالسوق ليجتمع الناس ويرتفعوا من السوق فإذا خرج وجلس على المنبر أذن المؤذنون على المنار ثم إن هشام بن عبد الملك في زمن إمارته نقل الأذان الذي كان بالزوراء فجعله على المنار عند الزوال

ص: 231

ويحرم حينئذ البيع وكل ما يشغل عن السعي إليها وهذا الأذان الثاني أحدثه بنو أمية

ــ

فإذا جلس على المنبر أذن بين يديه فإذا فرغ المؤذن خطب فالأذان الذي أحدثه عثمان أول في الفعل وثان في المشروعية وهو الواقع الآن على المنار والواقع بين يدي الخطيب ثان في الفعل وأول في المشروعية لأن الذي يفعل بين يدي الخطيب الآن هو ما كان يفعل عند باب المسجد زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحوله هشام والمراد بالمنار في كلام ابن حبيب موضع التأذين لأنه لم يكن منار في زمنه صلى الله عليه وسلم وموضع التأذين هو باب المسجد "ويحرم حينئذ" أي حين الأذان بين يدي الإمام "البيع" أي والشراء على كل من تجب عليه الجمعة إلا من اضطر إليه كمن أحدث وقت نداء الجمعة ولا يجد ماء يتطهر به إلا بالثمن فيجوز كل من البيع والشراء لأن هذا من باب التعاون على العبادة فإن وقع ما حظر من البيع بين من تلزمهما الجمعة فسخ فإن فات فالقيمة حين قبضه أي فالقيمة معتبرة حين قبضه ويكون مستثنى من قاعدة أن المختلف فيه يمضي بالثمن وهذا قد مضى بالقيمة "و" كذلك يحرم "كل ما يشغل" بفتح الياء والغين "عن السعي إليها" كالأكل والخياطة والسفر وأدخلت الكاف الشركة والهبة والصدقة والأخذ بالشفعة "وهذا الأذان الثاني" في الأحداث هو الأول في الفعل "أحدثه بنو أمية" يعني عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أول أمراء بني أمية واعلم أن الجمعة لها شرائط وجوب وشرائط أداء والفرق بينهما أن شرائط الوجوب ما تعمر بها الذمة ولا يجب على المكلف تحصيلها وشرائط الأداء ما تبرأ بها الذمة ويجب على المكلف تحصيلها والأولى عشرة الإعلام بدخول وقتها والإسلام والبلوغ والعقل والذكورية والحرية والإقامة والصحة والقرب

ص: 232

والجمعة تجب بالمصر والجماعة والخطبة فيها واجبة قبل الصلاة

ــ

بحيث لا يكون على أكثر من ثلاثة أميال ويلحق بالثلاثة أميال ربع ميل أو ثلثه والاستيطان والثانية أربعة الإمام والجماعة والجامع والخطبة وقد ذكر الشيخ بعض هذه الشروط ولم يميز بعضها من بعض فقال: "والجمعة تجب بالمصر والجماعة" أما الأول فظاهر على مذهب أبي حنيفة أن الجمعة لا تكون إلا في المصر وزاد بعض أصحابه وأن يكون بالمصر الإمام الذي يقيم الحدود ومذهب الإمام مالك أنها تكون في المصر وفي القرى المتصلة البنيان بل ولو لم يكن اتصال إلا أن هناك ارتفاقا بأن كان يعاون بعضهم بعضا ولو لم يكن بها ما يقيم الحدود فعلى هذا لا بد من التأويل في كلام الشيخ بأن يقال إنه أراد بقوله تجب بالمصر وبالقرى المتصلة البنيان أي جنس القرى فيصدق بالقرية الواحدة وأما الثاني فشرط صحة أي من شروط إقامة الجمعة أن يكون هناك جماعة ولا يحصرون بعدد عند الإمام مالك بل المطلوب وجود من يستقل بحيث يدفع من يقصده ويساعد بعضهم بعضا في المعاش الحاجي وغيره ومتى كان يمكنهم الإقامة على التأبيد مع الأمن والقدرة على الدفع عن أنفسهم صحت الجمعة ولو لم يحضر منهم إلا اثنا عشر رجلا باقين لتمام الصلاة مع الإمام لا فرق بين أول جمعة وغيرها "والخطبة فيها" أي الجمعة "واجبة" على المشهور وقيل إنها سنة حكاهما في المقدمات فهي شرط صحة لأنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بلا خطبة فإذا صلوا بغير خطبة أعادوا في الوقت فإن لم يعيدوا حتى خرج الوقت فإنهم يعيدونها ظهرا ولصحة الخطبة شروط منها ما أشار إليه بقوله: "قبل الصلاة" لقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} والفاء للترتيب

ص: 233

ويتوكأ الإمام على قوس أو عصا ويجلس في أولها وفي وسطها

ــ

والتعقيب فمن كونه للتعقيب لا يرد أن يقال إن كون الانتشار بعد الصلاة لا ينافي أن يكون بعد الخطبة بأن تكون الخطبة بعد الصلاة فإن البعدية ظرف متسع ولفعله عليه الصلاة والسلام وفعل الخلفاء الراشدين بعده فمن جهل وصلى بهم قبل الخطبة أعاد الصلاة فقط ومنها أن تكون بعد الزوال ومنها أن تكون بحضور الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة ومنها أن تكون اثنتين فإن خطب واحدة وصلى أعاد الجمعة بعد الإتيان بالخطبة الثانية والفصل بين الخطبتين بالصلاة يسير فلا يكون موجبا لبطلان الخطبة الأولى وأقل ما يجزىء من الخطبة على المشهور ما يقع عليه اسم الخطبة عند العرب وهو نوع من الكلام مسجع مخالف النظم والنثر ووقوعها بغير اللغة العربية لغو فإن لم يوجد من يعرف اللغة العربية سقطت وقيل إن أقله الحمد لله والصلاة على رسول الله وتحذير وتبشير وهو ضعيف إذ المعتمد أنهما يستحبان في الخطبتين ويشترط في الخطبة أن تكون جهرا وسرها لغو وهل يشترط في صحتهما الطهارة قولان مشهوران المشهور منهما أنه لا يشترط فيها الطهارة غايته الكراهة "ويتوكأ" أي يعتمد الإمام في قيامه لخطبته "على قوس أو عصا" على جهة الاستحباب ويكون ما يتوكأ عليه بيده اليمنى قال ابن العربي ولا يقال عصاة وهو أول لحن سمع بالبصرة ولكن المسموع من الفراء أول لحن سمع هذه عصاتي فجعل أول اللحن هذه عصاتي لا عصاة كما هو عن ابن العربي ولم يقيد بالبصرة كما قيده ابن العربي "ويجلس في أولها" أي الخطبة "وفي وسطها" واختلف في هذا وفي القيام لها قال المازري إن القيام لها واجب شرطا وقيل سنة فإن خطب جالسا صحت وأساء وحاصل الكلام أن كلا من

ص: 234

وتقام الصلاة عند فراغها ويصلي الإمام ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ في الأولى بالجمعة ونحوها

ــ

الجلوسين الأول والثاني سنة على المشهور ومقدار الجلوس الوسط مقدار الجلوس بين السجدتين والأصل فيما ذكر استمرار العمل على ذلك في جميع الأمصار والأعصار منذ زمانه صلى الله عليه وسلم إلى هلم جرا وأخذ من قوله: "وتقام الصلاة عند فراغها" اشتراط اتصال الصلاة بالخطبة ويسير الفصل عفو بخلاف كثيره ويجب على سبيل الشرطية أن يكون إمام الصلاة هو الخطيب فإن طرأ ما يمنع إمامته كحدث أو رعاف فإن كان الماء قريبا يجب انتظاره وإن كان بعيدا فإنه يستخلف اتفاقا وكذلك عند مالك في القريب وحيث يستخلف فإنه يندب استخلاف من حضر الخطبة ثم انتقل يتكلم على صفة صلاة الجمعة فقال: "ويصلي الإمام ركعتين" اتفاقا فإن زاد عمدا بطلت وإن زاد سهوا فتجري على حكم الزيادة في الصلاة ولا بد أن ينوي الإمام الإمامة وإلا لم تجز ويستحب تعجيلها في أول الوقت قال بهرام لم يختلف أحد أن أوله زوال الشمس والمشهور امتداده إلى الغروب وصفة القراءة في ركعتي الجمعة أنه "يجهر فيهما بالقراءة" إجماعا "يقرأ في" الركعة "الأولى" بعد الفاتحة "بـ" سورة "الجمعة" واعترض ابن عمر على قوله: "ونحوها" بأن القراءة فيها بسورة الجمعة مستحبة لما تضمنته من أحكام الجمعة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها في أول ركعة ويجاب عن المصنف بأن غرضه الرد على من قال إنه عليه الصلاة والسلام لم يقرأ في الجمعة إلا بها ففي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فلا اعتراض على

ص: 235

وفي الثانية بـ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ونحوها ويجب السعي إليها على من في المصر ومن على ثلاثة أميال منه فأقل ولا تجب على مسافر ولا على أهل منى ولا على عبد ولا امرأة ولا صبي

ــ

المصنف "و" يقرأ "في" الركعة "الثانية بـ" سورة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ونحوها أي أن المندوب في الركعة الأولى الجمعة وفي الثانية: إما بـ {هَلْ أَتَاكَ} أو {سَبِّحِ} أو {الْمُنَافِقُونَ} "و" يجب "السعي إليها على من في المصر" اتفاقا إذا وجدت فيه شروط الجمعة ولم يمنعه مانع شرعي "و" كذا يجب على "من" هو خارج عن المصر إذا كان "على ثلاثة أميال منه" أي من المصر ظاهره أن مبدأ الثلاثة من المصر وهو قول ابن عبد الحكم وصدر به ابن الحاجب وقال عبد الوهاب وغيره مبدؤها من المسجد وصدر به صاحب العمدة استظهره لأن التحديد بالثلاثة أميال للسماع والسماع إنما هو من المنار وظاهر قوله: "فأقل" أن الثلاثة أميال تحديد فلا يجب على من زاد عليها ولو قلت الزيادة وهو مذهب أشهب والمعتمد رواية ابن القاسم أن الثلاثة تقريب فيجب على من زاد عليها زيادة يسيرة بنحو الربع أو الثلث ثم أشار إلى بعض شروط الجمعة فقال: "ولا تجب على مسافر" اتفاقا "ولا على أهل منى" غير ساكنيها وأما ساكنوها فتجب عليهم إذا كان فيهم عدد تنعقد بهم الجمعة كانوا حجاجا أو لا "و" كذلك "لا" تجب الجمعة "على عبد" على المشهور ومقابله أنها واجبة على العبد إذا أسقط السيد حقه "ولا على امرأة ولا" على "صبي" اتفاقا فيهما والأصل فيما ذكر ما رواه الطبراني في الكبير من قوله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة واجبة إلا على امرأة أو صبي أو مريض أو عبد أو مسافر" ولما كان بعض

ص: 236

وإن حضرها عبد أو امرأة فليصلها وتكون النساء خلف صفوف الرجال ولا تخرج إليها الشابة وينصت للإمام في خطبته

ــ

ما تقدم ممن لا يجب عليه إذا حضرها وصلاها أجزأته عن الظهر نبه عليه بقوله: "وإن حضرها عبد أو امرأة أو مسافر فليصلها" يعني وتجزئه عن الظهر أما العبد فباتفاق ويستحب له حضورها إن أذن له سيده ليشهد الخير ودعوة المسلمين أي دعاء المسلمين لأن الإنسان حين يدعو يعمم الدعاء له وللحاضرين وأما المرأة فكذلك يجزئها اتفاقا وصلاتها في بيتها أفضل لها وأما المسافر فتجزئه عند مالك وقال ابن الماجشون لا تجزئه لأنه غير مخاطب بها والنفل لا يجزىء عن الفرض ورد بالاتفاق في المرأة والعبد على الإجزاء ولما ذكر أن المرأة إذا حضرتها تصليها بين موقفها بقوله: "وتكون النساء خلف صفوف الرجال" ولما أوهم كلامه أن المرأة تخرج إلى الجمعة مطلقا شابة أو غيرها رفع ذلك التوهم بقوله: "ولا تخرج إليها" أي إلى صلاة الجمعة "الشابة" وهذا النهي على جهة الكراهة إلا أن تكون فائقة في الجمال فيحرم خروجها وفهم من كلامه أن المتجالة تخرج إليها أي جوازا بمعنى خلاف الأولى والأولى لها صلاتها في بيتها ثم انتقل يتكلم على شيئين واجبين كان المناسب ذكرهما عند الكلام على الخطبة لأنهما يتعلقان بها أحدهما أشار إليه بقوله: "وينصت" بالبناء للمفعول أي يجب الإنصات وهو السكوت على كل من شهد الجمعة "لـ" أجل سماع "الإمام" وهو "في" حال "خطبته" الأولى والثانية وفي الجلوس بينهما سمع الخطبة أو لم يسمعها سب الإمام من لا يجوز سبه أو

ص: 237

ويستقبله الناس والغسل لها واجب والتهجير حسن

ــ

مدح من لا يجوز مدحه وقال ابن حبيب يجوز الكلام إذا تكلم الإمام بما لا يجوز وصوبه اللخمي واقتصر عليه صاحب المختصر ولا يشمت عاطسا وإذا عطس هو حمد الله سرا في نفسه ولا يسلم ولا يرد سلاما ولو بالإشارة ولا يشرب الماء والحاصل أنه يحرم كل ما ينافي وجوب الإنصات ولو على غير السامع والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: "إذا قلت لصاحبك: أنصت، والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت" سمي الأمر بالمعروف لغوا فغيره أولى واللغو الكلام الذي لا خير فيه وظاهر كلام الشيخ أن الكلام بعد الفراغ من الخطبة جائز وهو كذلك ويستمر الجواز إلى أن يشرع في الإقامة فيكره إذا إلى أن يحرم الإمام فيحرم ومن أوقات الجواز الوقت الذي فيه الترضي على الصحب والدعاء للسلطان ويجوز الكلام حال الخطبة في مسائل منها الذكر القليل عند سببه والتأمين عند سماع المغفرة أو النجاة من النار والتعوذ عند سماع ذكر النار أو الشيطان والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره كل ذلك سرا ويكره جهرا "ويستقبله الناس" يعني أن الناس يستقبلون الإمام في حال خطبته أي يستقبلون جهته وذاته وظاهر كلامه أن الصف الأول وغيره سواء وهو ظاهر المدونة عند بعضهم وهو الراجح وضعف ما حكاه الباجي أن الصف الأول لا يلزمه ذلك "والغسل لها" أي لصلاة الجمعة لا لليوم فهو من آداب الصلاة "واجب" وجوب السنن يعني أنه سنة مؤكدة ووقته قبل صلاة الجمعة ولا بد من اتصاله بالرواح إلى الجمعة على المشهور وقال ابن وهب إن اغتسل بعد الفجر أجزأه وإن لم يتصل رواحه بغسله وصفته كصفة غسل الجنابة "والتهجير" أي ومن آداب الجمعة التهجير وحكمه أنه "حسن" أي مستحب لأن النبي

ص: 238

وليس ذلك في أول النهار وليتطيب لها ويلبس أحسن ثيابه وأحب إلينا أن ينصرف بعد فراغها ولا يتنفل في المسجد

ــ

صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفعلون ذلك أي يأتون المسجد في هذا الوقت وأول أجزائه الساعة السادسة المعنية في قوله عليه الصلاة والسلام: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة" الحديث، "وليس ذلك في أول النهار" وأما في أول النهار فمكروه لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفعله ولا فعله أحد من أصحابه "وليتطيب لها" أي للجمعة استحبابا فمن آداب الجمعة استعمال الطيب لمن يحضرها من الرجال دون النساء ويكون مما خفي لونه وظهرت رائحته كالمسك ويقصد به امتثال السنة ولا يقصد به الفخر والرياء "ويلبس أحسن ثيابه" أي أن من الآداب التزين باللباس الحسن يوم الجمعة فالتجمل بجميل الثياب من آداب اليوم ويعتبر في الحسن الحسن الشرعي وهو ما يعده أهل الشرع حسنا في هذا اليوم أي يوم الجمعة وهو الأبيض والأصل فيما ذكر ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من الطيب إن كان عنده ثم يأتي الجمعة ولم يتخط أعناق الناس ثم يصلي ما كتب الله تعالى عليه ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته كانت له كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها" قال ويقول أبو هريرة وزيادة "ثلاثة أيام" ويقول: إن الحسنة بعشر أمثالها "وأحب إلينا" أي المالكية "أن ينصرف" مصلي الجمعة "بعد فراغها" أي وبعد الفراغ مما يتصل بها من تسبيح وغير ذلك "ولا يتنفل في المسجد" ظاهره إماما كان أو مأموما وهو كذلك اتفاقا في الأول وعلى أحد قولين في الثاني أي من الآداب أن مصلي

ص: 239

وليتنفل إن شاء قبلها ولا يفعل ذلك الإمام وليرق المنبر كما يدخل

ــ

الجمعة ينصرف بعد الصلاة ولا يتنفل في المسجد لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا صلى الجمعة انصرف فصلى ركعتين في بيته ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك هذا حكم التنفل بعدها وأما قبلها فيباح للمأموم دون الإمام أي يندب وإلى الأول أشار بقوله: "وليتنفل" يعني المأموم في المسجد "إن شاء قبلها" أي قبل صلاة الجمعة ما لم يجلس الإمام على المنبر فإذا جلس فإنه لا يتنفل بل إذا خرج للخطبة فإنه لا يتنفل وإذا دخل عليه وهو في أثناء التنفل خفف "ولا يفعل ذلك الإمام" أي التنفل قبل صلاة الجمعة في المسجد أي يكره ذلك للإمام لما صح أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي قبل الجمعة شيئا قال ابن عمر: وظاهر كلام الشيخ أن ذلك عام اتسع الوقت أم لا وليس هو على ظاهره وإنما يعني به عند دخوله للخطبة دل عليه قوله: "وليرق" أي يصعد "المنبر كما يدخل" أي وقت دخوله فما مصدرية والكاف زائدة والتقدير وليرق المنبر وقت دخوله ولكن لا بد من حذف في العبارة أيضا والمعنى وليرق المنبر إذا جاء وقت دخوله مريدا الخطبة وهو بعد الزوال وأما إذا جاء قبل الزوال أو بعده ولم يرد أن يخطب بأن لم تحضر الجماعة فقال ابن حبيب يجوز له أن يتنفل ويسلم على الناس حين دخوله ولا يسلم إذا صعد على المنبر أي يكره ومن الآداب المستحبة قص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد إن احتاج والسواك والمشي لما ورد في ذلك من الأخبار

ص: 240