المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب جامع في الصلاة - الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني

[صالح بن عبد السميع الأزهري]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب في المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية وزكاة الإبل والبقر والغنم

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاوب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب جامع في الصلاة

.......................................................................

ــ

قلبه ويعصي ربه في هذه الحالة أكثر مما يطيعه وروي أن بعض الأئمة استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدعو لقومه بدعوات بعد الصلاة فقال لا لأني أخاف عليك أن تشمخ نفسك حتى تصل الثريا أي ترتفع نفسك وهذا كناية عن الكبر ويجري مجرى هذا كل من نصب نفسه للدعاء لغيره وهذا آخر الكلام على الربع الأول من الرسالة ثم شرع يتكلم على الربع الثاني فقال:

ص: 162

‌باب جامع في الصلاة

وأقل ما يجزىء المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الحصيف

ــ

"باب جامع" بالتنوين ويروى بالإضافة وهذه الترجمة من تراجم الموطأ ومعناها هذا باب أذكر فيه مسائل مختلفة "في الصلاة" واعترض على الشيخ بأنه ذكر في الباب مسائل ليست منه كقوله ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث ابتدأ الوضوء ومن لم يقدر على مس الماء لضرر به أو لا يجد من يناوله إياه يتيمم وأجيب بأن أكثر ما ذكره في الصلاة أي فقوله باب جامع الخ أي بحسب الأغلب وبأنه وعد بمسألة التيمم أي فكأنها مستثناة وبأن مسألة الوضوء لها تعلق بالصلاة فكأنه قال باب جامع في الصلاة حقيقة أو حكما فما يتعلق بالصلاة صلاة حقيقة وما يتعلق بالوضوء صلاة حكما وهذا الجواب جار أيضا في مسألة التيمم وابتدأ الباب بمسألة تقدمت في باب طهارة الماء أي للمناسبة لأن الستر يطلب حين إرادة الدخول في الصلاة قال التتائي وكرر هذه المسألة مع تقدمها في باب طهارة الماء والثوب وأجيب بأنه إنما كررها لزيادة صفة الخمار أو لأن هذا محلها قال المصنف "وأقل ما يجزىء المرأة من اللباس في الصلاة" شيئان الشيء الأول "الدرع" بدال مهملة "الحصيف"

ص: 162

السابغ الذي يستر ظهور قدميها وهو القميص والخمار الحصيف ويجزئ الرجل في الصلاة ثوب واحد ولا يغطي أنفه أو وجهه في الصلاة أو يضم ثيابه

ــ

قال في التحقيق روي بالحاء المهملة وبالخاء المعجمة ومعنى الأولى الكثيف بالثاء المثلثة وهو المتين ومعنى الثانية الساتر اه فعلى الثانية يكون قوله السابغ تفسيرا للخصيف بالخاء المعجمة "السابغ" أي الكامل "الذي يستر ظهور قدميها" تفسير للسابغ وقوله ظهور قدميها بل لا بد أيضا من ستر بطون قدميها وإن كان لا إعادة عند ترك ستر بطن القدم "وهو" أي الدرع "القميص" وهو ما يسلك في العنق "و" الشيء الثاني "الخمار" بكسر الخاء المعجمة وهو ثوب تجعله المرأة على رأسها "الحصيف" فشرطه شرط القميص من كونه كثيفا لا يشف فإن صلت بالخفيف النسج الذي يشف فإن كان ممن تبدو منه العورة بدون تأمل فإنها تعيد أبدا وإن كان يصف العورة فقط أي يحددها فيكره وتعيد في الوقت والرجل كالمرأة في ذلك فيجب على المرأة أن تستر ظهور قدميها وبطونهما وعنقها ودلاليها ويجوز أن تظهر وجهها وكفيها في الصلاة خاصة والأصل فيما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" يعني بالغ وفي رواية سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال: "إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها""ويجزئ الرجل في الصلاة ثوب واحد" من غير كراهة إن كان كثيفا ساترا لجميع جسده فإن لم يستر إلا عورته فقط أجزأته صلاته مع الكراهة وإنما كرر هذه المسألة ليرتب عليها قوله: "ولا يغطي" المصلي ذكرا كان أو أنثى "أنفه أو وجهه في الصلاة أو يضم ثيابه

ص: 163

أو يكفت شعره وكل سهو في الصلاة بزيادة

ــ

أو يكفت" أي يضم "شعره" والنهي عن هذه الأمور كلها نهي كراهة أما تغطية الأنف بالنسبة إلى المرأة فلأنه من التعمق في الدين أي التشديد في الدين وأما بالنسبة للرجل فللكبر إلا من كانت عادتهم ذلك كأهل مسوقة بلد بالمغرب فيباح له في الصلاة بمعنى أنه لا يكره فلا ينافي أنه خلاف الأولى ويجوز في غيرها جوازا مستوي الطرفين والحاصل أن تغطية الأنف مكروهة في الصلاة وغيرها إذا لم تكن عادتهم ذلك وإلا فخلاف الأولى في الصلاة ومستوي الطرفين في غيرها وأما تغطية الوجه فمكروهة مطلقا في الصلاة للرجل والمرأة لما فيها من التعمق في الدين وأما ضم الثياب فإنما يكره إذا فعل ذلك لأجل الصلاة أو خوفا على ثيابه أن تتغير بالتراب لأن في ذلك نوعا من ترك الخشوع أما إذا كان في صنعة أو عمل فحضرته الصلاة وهو بهذه الحالة فيجوز له أن يصلي على ما هو عليه من غير كراهة وأما كفت الشعر فإنما يكره إذا قصد بذلك عزة شعره من أن يتلوث بنحو تراب أو فعل ذلك لأجل الصلاة أي كفت شعره لأجل الصلاة "وكل سهو" سهاه الإمام أو الفذ أو المأموم في بعض الصور وهو فيما إذا شرع يقضي ما عليه "في الصلاة" المفروضة أو النافلة على ما في المدونة خلافا لمن قال إنه لا سجود في النافلة دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل سهو سجدتان" والحاصل أن النافلة كالفريضة إلا في خمس مسائل السر والجهر والسورة تغتفر في النافلة دون الفريضة الرابعة إذا عقد ثالثة برفع رأسه من ركوعها كملها رابعة في النافلة بخلاف الفريضة الخامسة إذا نسي ركنا من النافلة وطال أو شرع في صلاة مفروضة مطلقا أو نافلة وركع فلا شيء عليه بخلاف الفريضة فإنه يعيدها "بزيادة" يسيرة سواء كانت من غير أقوال الصلاة كالتكلم ساهيا أو كانت من جنس أفعال الصلاة كالركوع

ص: 164

فليسجد له سجدتين بعد السلام يتشهد لهما

ــ

والسجود "فليسجد له" أي للسهو على جهة السنية على ما في المختصر وفي الطراز وجوب البعدي قاله التتائي "سجدتين بعد السلام" ولو تكرر سهوه ما لم تكثر الزيادة وإلا بطلت لالصلاة سواء كانت من غير أقوال الصلاة كالكلام نسيانا ويطول فإن كانت من أقوال الصلاة فلا سجود في سهوها كما لا يبطل تعمدها كما لو كرر السورة أو زاد سورة في أخرييه إلا أن يكون القول فرضا فإنه يسجد لسهوه كما لو كرر الفاتحة سهوا ولو في ركعة وجرى الخلاف في بطلان الصلاة بتعمد تكرارها والمعتمد عدم البطلان أو كانت من غير جنس أفعال الصلاة مثل أن ينسى أنه في الصلاة فيأكل ويشرب واختلف في ذلك فقيل إن جمعهما مبطل كثر أم لا وقيل إن كثر بطل وإلا فلا ويجبر بالسجود أو كانت من جنس أفعال الصلاة والكثير منه في الرباعية مثلها أربع ركعات محققات على ما شهره ابن الحاجب ومن تبعه وتعتبر الركعة برفع الرأس من الركوع فإذا رفع رأسه من ثانية في رباعية أو سابقة في ثلاثية أو رابعة في ثنائية فقد بطلت الصلاة وفي بطلانها بنصفها قولان فقيل تبطل وقيل لا تبطل وهو المعتمد ويسجد للسهو والكثير في الثنائية مثلها ركعتان ولا تبطل بزيادة ركعة على المشهور مثال الثنائية الصبح والجمعة بناء على أنها فرض يومها وعلى مقابله فلا يبطلها إلا زيادة أربع ركعات وكالرباعية السفرية فلا يبطلها إلا زيادة أربع ركعات والكثير في المغرب أربع ركعات على المعتمد أن الثلاثية كالرباعية لا تبطل إلا بزيادة أربع ركعات محققات وظاهر قوله: "يتشهد لهما" أي لسجدتي السهو البعدي أنه لا يحرم للسجود البعدي والمشهور افتقاره إلى الإحرام ويكتفي بتكبيرة الإحرام عن تكبيرة الهوي

ص: 165

ويسلم منهما وكل سهو بنقص فليسجد له قبل السلام إذا تم تشهده ثم يتشهد ويسلم وقيل لا يعيد التشهد

ــ

وعلى القول بافتقاره إلى الإحرام فهل يحرم من قيام وهو لبعض المتقدمين أو من جلوس وهو قول ابن شبلون نقله في الجواهر انتهى "ويسلم منهما" أي بعد فراغه من التشهد "وكل سهو" في الصلاة سهاه الإمام أو الفذ أو المأموم في بعض صوره "بنقص" يعني بنقص سنة مؤكدة ومثلها السنتان الخفيفتان وسواء كان النقص محققا أو مشكوكا فيه والسنن المؤكدة التي يسجد لها ثمانية الأولى قراءة ما زاد على أم القرآن في الفريضة فيسجد لترك ذلك فيها لا في النافلة الثانية الجهر بالقراءة في الفريضة الجهرية فيسجد لتركه فيها لا في النافلة بأن يأتي بالسر بدله فيها الثالثة الإسرار في محله فإذا قرأ جهرا في محل السر فإنه يسجد قبل السلام وهذا وارد على رأي ابن القاسم وهو ضعيف والمعتمد أنه بعد السلام فعلى المعتمد ليس من هذا الباب أي باب السجود قبل السلام الرابعة التكبير سوى تكبيرة الإحرام وهذا بناء على أنه كله سنة واحدة وأما على القول بأن كل تكبيرة سنة وهو ما عليه صاحب المختصر ومنصوص عليه في شرح المدونة أيضا فإنه يسجد لترك تكبيرتين الخامسة قول سمع الله لمن حمده يجري فيه ما جرى في الذي قبله السادسة والسابعة التشهد الأول والجلوس له فذاته سنة وكونه باللفظ الخاص سنة أخرى والجلوس له سنة أخرى أيضا فهو مركب من ثلاث سنن الثامنة التشهد الأخير ولا سجود لغير هذه الثمانية والسجود الذي قبل السلام إنما يكون "إذا تم تشهده ثم" بعد أن يفرغ من السجدتين "يتشهد" ثانيا على المشهور "ويسلم" وهو مختار ابن القاسم ووجهه أن من سنة السلام أن يعقب تشهدا وأشعر كلامه أنه لا يعيد

ص: 166

ومن نقص وزاد سجد قبل السلام ومن نسي أن يسجد بعد السلام فليسجد متى ما ذكره وإن طال ذلك

ــ

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك "وقيل لا يعيد التشهد" وهو مروي عن مالك أيضا واختاره عبد الملك لأن طريقة الجلوس الواحد لا يتكرر فيه التشهد مرتين "ومن نقص في" صلاته شيئا من السنن المؤكدة "و" مع ذلك "زاد" فيها شيئا يسيرا مما تقدم بيانه "سجد" له "قبل السلام" أيضا مثل أن يترك التشهد والجلوس له ويزيد سجدة وما ذكره الشيخ من التفصيل من أنه يسجد للنقص فقط أوله مع الزيادة قبل السلام ويسجد للزيادة فقط بعد السلام هو قول مالك وعن الشافعي يسجد قبل السلام مطلقا وعن أبي حنيفة بعده مطلقا ودليلنا على الزيادة ما صح أنه عليه الصلاة والسلام صلى العصر فسلم من ركعتين فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ إلى أن قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين بعد السلام وهو جالس، ودليل النقص ما صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فقام من الركعتين الأوليين ولم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم ،قال ابن عبد السلام: ثم غلب النقصان على الزيادة إذا اجتمعا وفي الحديث دلالة على مشروعية السجود للسهو وأنه سجدتان وأن التسليم سهوا لا يبطل الصلاة وأن الفصل اليسير بعده غير مبطل وأن الكلام لإصلاحها من الإمام والمأموم لا يبطل الصلاة "ومن نسي أن يسجد" سجود السهو البعدي الذي يفعله "بعد السلام" ثم تذكره "فليسجد متى ما ذكره وإن طال ذلك" أي ما بين تذكره

ص: 167

وإن كان قبل السلام سجد إن كان قريبا

ــ

والسلام من الصلاة ولو بعد شهر ولا مفهوم للنسيان بل مثله الترك عمدا لأن السجود البعدي ترغيم للشيطان فناسب أن يسجد وإن بعد وأما القبلي فإنه جابر لنقص الصلاة فلذا طلب وقوعه فيها أو عقبها مع القرب وظاهر كلامه في المدونة أنه يأتي به ولو كان في وقت نهي وهو كذلك في القبلي لأنه من جملة الصلاة وتابع لها وكذا البعدي إن كان متعلقا بصلاة مفروضة وأما لو تذكره من صلاة غير مفروضة في وقت النهي فإنه يؤخره لحل النافلة وظاهره أيضا أنه إن ترتب من صلاة الجمعة لا يرجع إلى الجامع والمذهب على ما قاله التادلي بالدال المهملة المفتوحة نسبة إلى تادلة محلة بالمغرب الرجوع إلى الجامع وظاهر المختصر اختصاص الرجوع إلى الجامع بالقبلي دون البعدي وهو المعتمد وإنما كان هذا ظاهر المختصر لأنه قال وبالجامع في الجمعة في سياق الكلام في السجود القبلي ثم اعلم أن السجود القبلي لا بد أن يفعل في الجامع الذي أديت فيه الجمعة كما لو فاتته الركعة الأولى من الجمعة وقام لقضائها فنسي السورة وخرج من المسجد ولم يطل الأمر فإنه يرجع إلى الجامع الذي صلى فيه الجمعة وأما البعدي كما لو تكلم ساهيا أو زاد ركعة سهوا ونسي السجود حتى خرج من المسجد فإنه يسجد في أي جامع كان تنبيه ظاهر المتن سواء ذكره في صلاة أم لا ولا يخلو هذا من أربعة أوجه لأنه إما أن يكون من فرض فيذكره في فرض أو من فرض فيذكره في نفل أو من نفل فيذكره في نفل أو من نفل فيذكره في فرض والحكم في ذلك كله أن يتم ما هو فيه ويسجد بعد فراغه مما هو فيه "وإن كان" سجود السهو الذي نسيه قبليا أي يفعل "قبل السلام سجد" إذا تذكره "إن كان" تذكره له "قريبا" من انصرافه من الصلاة

ص: 168

وإن بعد ابتدأ صلاته إلا أن يكون ذلك من نقص شيء خفيف كالسورة مع أم القرآن أو تكبيرتين أو التشهدين وشبه ذلك

ــ

والقرب غير محدود على المذهب وهو مذهب ابن القاسم وكذلك الطول بل مرجعهما إلى العرف فما قاله العرف يعمل به فيهما ويحد بعدم الخروج من المسجد عند الإمام أشهب "و" أما "إن بعد" تذكره له "ابتدأ" بمعنى أعاد "الصلاة" وجوبا لبطلانه حيث كان مترتبا عن نقص ثلاث سنن قال التتائي كالتحقيق كنسيان الجلوس الوسط أو ثلاث تكبيرات أو تحميدات وهذا إن كان تركه على جهة السهو وأما لو تركه عمدا لبطلت الصلاة بمجرد الترك على رأي الأجهوري وقال السنهوري لا تبطل إلا بالطول ولو كان الترك عمدا وفي كلام العدوي لعل الأوجه كلام السنهوري لما تقدم من أن تأخير القبلي لا يبطل الصلاة ولو كان عمدا "إلا أن يكون ذلك" السجود القبلي ترتب "من نقص شيء خفيف كالسورة" التي تقرأ "مع أم القرآن" أي فإنها مركبة من سنتين خفيفتين ذاتها وكونها سرا أو جهرا أي فيسجد لهما ولكن إذا ترك وطال لا تبطل صلاته وهذا إذا أتى بالقيام لها وإلا فتبطل في هذه الحالة لأنه ترك ثلاث سنن وقيل لا تبطل ولو لم يأت بالقيام لها وكلام الجزولي يفيد ترجيح الأول ويتفق على البطلان حيث ترك السورة في أكثر من ركعة وقول المصنف كالسورة مع أم القرآن لو قال بعد أم القرآن لكان أوضح لئلا يتوهم أن أم القرآن متروكة أيضا وإن كان ذلك مدفوعا بأن موضوع كلام المصنف في نقصان شيء خفيف "أو تكبيرتين أو التشهدين وشبه ذلك" كتحميدتين وهذا مرور منه رحمه

ص: 169

فلا شيء عليه ولا يجزىء سجود السهو لنقص ركعة

ــ

الله على غير الراجح بناء على أن خصوص اللفظ مندوب وأنه ترك التشهدين وأتى بالجلوس لهما لأنه في تلك الحالة ليس سجوده إلا عن سنتين خفيفتين وقد علمت أن المذهب كما يفيده كلام المواق أنه يسجد لترك تشهد واحد وحينئذ فمن ترك تشهدا واحدا مع الجلوس له ولم يسجد حتى طال الأمر بطلت صلاته لتركه السجود المترتب عن ثلاث سنن الجلوس ومطلق التشهد وخصوص اللفظ فأولى من ذلك لو ترك تشهدين واعترض القرافي على هذه المسألة قائلا لا يتصور أن ينسى التشهدين ويكون السجود لهما قبل السلام لأنه لا يتحقق سهوه عن التشهد الأخير إلا بالسلام لأن كل ما قبله ظرف للتشهد والجواب أن هذا يتصور في الراعف المسبوق بركعة خلف الإمام ويدرك الثانية وتفوته الركعة الثالثة والرابعة فإنه يطالب بتشهدين بعد مفارقته لإمامه غير تشهد السلام فإذا ترك هذين التشهدين فإنه يسجد قبل السلام "فلا شيء عليه" أي لا إعادة ولا سجود أي مع الطول إذ هو موضوع مسألة المصنف وإلا فمن المعلوم أن السنتين الخفيفتين يسجد لهما لكن إذا طال الأمر ولم يسجد لا يخاطب بسجود ولا يعيد صلاته لكونه عن سنتين خفيفتين وقد علمت مما تقدم أن السجود شرع لجبر الخلل الواقع في الصلاة كما لو زاد ركوعا أو سجودا سهوا أو ترك ركوعا أو سجودا كذلك أي سهوا وتلافى ذلك المتروك قبل السلام أو ترك سنة مؤكدة أو سنتين خفيفتين فإنه يطالب بالسجود على حسب أحواله من كونه قبل أو بعد لجبر هذا الخلل وكان من جملة الخلل الواقع في الصلاة ما لا يجبر بالسجود أي لا يكون السجود بدلا عنه أي بحيث يقال إن هذا السجود متمم لصلاة من ترك منها ركنا وإنه قائم مقام ذلك الركن نبه على ذلك المصنف بقوله: "ولا يجزئ سجود السهو لنقص ركعة" أي

ص: 170

ولا سجدة ولا لترك القراءة في الصلاة كلها أو في ركعتين منها وكذلك في ترك القراءة في ركعة من الصبح

ــ

كاملة تيقن تركها أو شك فيه حال تشهده وقبل سلامه ولا بد من الإتيان بتلك الركعة وكيفية الإتيان بها أنه يأتي بها بانيا على ما سبق من الركعات ولو كانت تلك الركعة إحدى الأوليين ويسجد بعد ذلك قبل السلام لانقلاب ركعاته حيث كان إماما أو فذا فإن لم تكن من إحدى الأوليين فإنه يسجد بعد الإتيان بتلك الركعة بعد السلام لتمحض الزيادة "ولا" لنقص "سجدة" أي أو ركوع أو رفع منهما وذكر ذلك في حال قيامه مثلا أو تشهده قبل سلامه تحقق نقصها أو شك فيه والفرض أنه لم يمكنه تلافيه في محله فإنه يأتي ببدل المشكوك فيه ويسجد قبل السلام لأن الفرض في السجود قبل والمراد بالشك مطلق التردد فيشمل الظن والشك والوهم هذا في الفرائض لأن الشك في النقص فيها كتحققه في وجوب الإتيان ببدل المشكوك فيه بخلاف السنن فلا يسجد لنقصها إلا عند تيقن النقص أو التردد فيه على السواء لا عند توهمه " ولا لترك القراءة في الصلاة كلها أو في ركعتين منها وكذلك في ترك القراءة في ركعة من الصبح" لو قال لنقص فريضة أو ركن لكان أخصر وما ذكره من عدم الجبر بالسجود لنقص ركعة أو سجدة مجمع عليه وما ذكره من عدم الجبر في ترك القراءة يعني قراءة أم القرآن في الصلاة كلها هو قول الأكثر وهو الراجح ومقابله ما رواه الواقدي عن مالك أنه إذا ترك القراءة في الصلاة كلها أن صلاته تجزئه وما ذكره من عدم الجبر في ترك القراءة في الركعتين قال ابن ناجي هو مؤثر في البطلان ونص عبارته وأما ترك القراءة في ركعتين منها أو ثلاث فإنه مؤثر في البطلان انتهى وظاهر عبارته بطلان الصلاة وأنه لا يأتي

ص: 171

واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غيرها فقيل يجزىء فيه سجود السهو قبل السلام وقيل يلغيها ويأتي بركعة وقيل يسجد قبل السلام ولا يأتي بركعة ويعيد الصلاة احتياطا

ــ

ببدل ما ترك فيه القراءة وهو لا يتم فليحمل على أن المراد لا يجبر بالسجود فلا ينافي أنه يلغي ما ترك فيه القراءة ويأتي ببدله وتصح صلاته وقال الفاكهاني في ترك القراءة في نصف الصلاة كركعة من الثنائية أو ركعتين من الرباعية ثلاثة أقوال أشهرها أنه يتمادى ويسجد قبل السلام ويعيد صلاته احتياطا على جهة الندب ثانيها يسجد قبل السلام وتجزئه ثالثها يلغي ما ترك فيه القراءة ويأتي بمثله ويسجد بعد السلام وهو الجاري على المعتمد من أنها واجبة في كل ركعة فيكون هو المعتمد ولما بين ترك حكم قراءة الفاتحة في الصلاة كلها أو في نصفها انتقل يتكلم على تركها في أقل الصلاة فقال: "واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غيرها" أي من غير الصبح كركعة من الثلاثية أو الرباعية على ثلاثة أقوال كلها في المدونة "فقيل يجزىء فيه" أي في السهو عن القراءة في ركعة من غير الصبح "سجود السهو قبل السلام" ولا يلغيها وتجزئه واختار هذا القول عبد الملك بناء على أنها فرض في الجل أو بناء على عدم وجوبها أو على أنها واجبة في ركعة أو النصف "وقيل يلغيها" أي الركعة التي ترك منها قراءة الفاتحة "ويأتي بركعة" بدلها واختار هذا القول ابن القاسم وهذا يقتضي وجوبها في كل ركعة وهو المعتمد وصححه ابن الحاجب وقال ابن شاس هي الرواية المشهورة "وقيل يسجد قبل السلام ولا يأتي بركعة" بدلها "ويعيد الصلاة احتياطا" لبراءة

ص: 172

وهذا أحسن ذلك إن شاء الله تعالى

ــ

ذمته مراعاة لمن يقول بوجوبها في كل ركعة وبالإعادة افترقت الرواية الثالثة من الأولى وظاهر المصنف أن إتمام الأولى واجب وأن إعادة الثانية مستحب لأن الاحتياط لا يكون إلا مستحبا "وهذا" القول الثالث "أحسن ذلك" أي الأقوال المذكورة لأن فيه مراعاة القولين السابقين فسجوده قبل السلام وعدم بطلانها رعي للقول بأنها فرض في الجل مثلا وإعادة الصلاة رعي للقول الثاني "إن شاء الله تعالى" قال ذلك مع كونه أحسن الروايات عنده إما لعدم جزمه بما قاله من الأحسنية أو للتبرك.

"تنبيهان من الفاكهاني" الأول لم يذكر الشيخ حكم ما إذا ترك القراءة من أكثر الصلاة كثلاث من الرباعية وركعتين من المغرب وفي ذلك قولان مشهورهما أنه يسجد قبل السلام ويعيد احتياطا أي ندبا فمحصله أن ترك الجل والنصف لا يبطل ويسجد قبل السلام ويعيد احتياطا الثاني محل الخلاف المتقدم كله في ترك قراءة الفاتحة إذا فات موضع الإتيان بها أما إذا لم يفت بأن تذكرها قبل أن يرفع رأسه من الركوع فإنه يرجع لقراءتها وفي إعادة السورة قولان استحسن اللخمي الإعادة وهو المشهور كما في التوضيح إما لكونها بعد الفاتحة سنة أو لكون السنة لا تحصل إلا إذا وقعت بعد الفاتحة والظاهر أن القول الثاني أي القائل بعدم الإعادة وهو لمالك في المجموعات لا يرى ذلك بل يرى أن السنة تحصل بقراءتها وقعت قبل الفاتحة أو بعدها والله أعلم وعلى ما استحسنه اللخمي من الإعادة قال سحنون يسجد بعد السلام أي لتلك الزيادة القولية وقال ابن حبيب لا سجود عليه أي فلا يرى ترتب السجود على تلك الزيادة القولية وهذا هو الراجح قال صاحب التوضيح وقول ابن حبيب أصح لأن زيادة القراءة

ص: 173

ومن سها عن تكبيرة أو عن سمع الله لمن حمده مرة أو القنوت فلا سجود عليه ومن انصرف من الصلاة ثم ذكر أنه بقي عليه شيء منها فليرجع إن كان بقرب ذلك

ــ

لا يسجد لها بدليل لو قرأ سورتين أو قرأ السورة في الأخيرتين كما أفاده في التحقيق ثم انتقل يبين ما لا يسجد له من نقص سنة خفيفة أو نقص فضيلة فقال: "ومن سها عن تكبيرة" سوى تكبيرة الإحرام "أو عن سمع الله لمن حمده مرة" واحدة "أو" عن "القنوت فلا سجود عليه" أما ترك السجود عن التكبيرة الواحدة فهو المشهور وعليه فإن سجد قبل السلام بطلت صلاته إلا أن يكون مقتديا بمن يرى السجود لترك ذلك فلا تبطل صلاته كما لا تبطل إن ترك السجود خلفه وعن ابن القاسم يسجد لها وما ذكره من ترك السجود لترك التحميدة الواحدة هو المذهب ولا سجود على من ترك القنوت فإن سجد له قبل السلام بطلت صلاته "ومن انصرف" أي خرج "من الصلاة" بسلام سهوا مع اعتقاد الإتمام المراد سها عن كونها ناقصة فلا ينافي أنه أوقع السلام عمدا وأما إن سلم ساهيا عن كونه في الصلاة أو عن كونه متكلما بالسلام فإنه بمنزلة من لم يسلم فيتدارك ما تركه "ثم" بعد خروجه منها "ذكر" أي تذكر يقينا أو شك والمراد مطلق التردد ظنا أو شكا أو وهما أنه بقي عليه شيء منها أي من أركان الصلاة المفروضة فيها كالركوع أو السجود أو الجلوس بقدر السلام فإذا سلم ساهيا في حال رفعه من السجود فإنه يجلس بقدر السلام ويسلم "فليرجع" أي للصلاة أي ينوي تكميلها "إن كان" تذكره "بقرب ذلك" الانصراف قال التتائي ظاهر المذهب يقتضي

ص: 174

فيكبر تكبيرة يحرم بها ثم يصلي ما بقي عليه

ــ

يصلي بمكانه فورا فإن لم يفعل وصلى بمكان آخر بطلت صلاته "فـ" إذا رجع أي فإذا نوى الرجوع أي نوى تكميل الصلاة "يكبر تكبيرة يحرم بها" أي معها يعني ينوي الرجوع مصاحبا للتكبير ظاهر كلامه وإن قرب جدا وهي رواية ابن القاسم عن مالك وهذا هو المعتمد ومقابله أنه إن قرب جدا لا يحرم وجعله ابن ناجي ظاهر كلام الشيخ حيث أتى بثم والخلاف إنما هو في التكبير وأما النية فمتفق عليها وحيث قلنا يرجع بإحرام فإن ذكر وهو جالس أحرم على حالته ولا يطالب بقيام هذا حيث فارق الصلاة من محل الجلوس وأما إن فارقها في غير محله كأن انصرف بعد ما صلى ركعة أو صلى ثلاثا من غير المغرب فإنه يرجع للرفع من السجود ويحرم منه ولا يجلس وإن ذكر وهو قائم ففي إحرامه وهو قائم قولان حاصله أن القدماء من أصحاب مالك ذهبوا إلى أنه يحرم من قيام لأجل الفور وعليه فهل يجلس عقيبه ثم ينهض أو لا قولان وذهب ابن شبلون إلى أنه يجلس لأنه الحالة التي فارق الصلاة عليها وهو المعتمد ولا يكبر لذلك الجلوس وإنما يجلس بغير تكبير فإذا جلس كبر للإحرام ثم يقوم بالتكبير الذي يفعله من فارق الصلاة من اثنتين ومحل كونه يجلس للإحرام إذا سلم من اثنتين وأما إن سلم من واحدة أو من ثلاث فإنه يرجع إلى حال رفعه من السجود ويحرم ولا يجلس إذ لم يكن ذلك موضعا لجلوسه ويندب له رفع يديه حين يحرم وإن ترك الإحرام ورجع بنية فقط ففي التوضيح عن مصنفنا وهو ابن أبي زيد لا تبطل وهو المعتمد "ثم" بعد أن يكبر التكبيرة التي أحرم بها "يصلي ما بقي عليه" من صلاته إذا سلم على يقين أن صلاته تامة أما إن سلم عالما بأن صلاته لم تتم

ص: 175

وإن تباعد ذلك أو خرج من المسجد ابتدأ صلاته وكذلك من نسي السلام

ــ

أو شك المراد مطلق التردد سواء ظهر الكمال أو النقصان أو لم يظهر شيء فالصلاة باطلة وقد عرفت ما إذا تذكر بعد أن سلم وأما إن كان تذكره قبل أن يسلم فإن كان من الأخيرة فلا يخلو إما أن يكون ركوعا أو لا فإن كان ركوعا أتى به قائما وإن كان رفعا من ركوع أتى به محدودبا أو سجدة أتى بها من جلوس أو اثنتين أتى بهما من قيام فإن أتى بهما من جلوس سهوا سجد قبل السلام لنقص الانحطاط لهما فهو غير واجب وإلا لم يجبر بسجود السهو ويكره تعمد ذلك كما قال زروق وإن كان المتروك من غير الأخيرة فإنه يأتي به على ما قررنا فيما إذا كان من الأخيرة من جلوس أو قيام أو احديداب ما لم يعقد الركعة التي تلي ركعة النقص فإذا عقدها فقد فاتت وقامت التي عقدها مقامها حيث كان فذا أو إماما وما ذكرنا من أنه يأتي بالفرض المتروك إن أمكن تداركه وأما إن كان المتروك هو النية وتكبيرة الإحرام فلا يتداركان لأنهما إذا نسيا لم توجد صلاة فإذا سها عن واحدة منهما فإنه يبتدىء الصلاة من أولها واعلم أن النقص المشكوك كالمحقق والمراد بالشك مطلق التردد وأما في السنن فلا يعتبر إلا تيقن النقص أو التردد فيه على السواء لا عند التوهم "وإن تباعد ذلك" التذكر عن الانصراف من الصلاة وهو محدود بالعرف عند مالك وابن القاسم أو خرج من المسجد عند أشهب "أو خرج من المسجد ابتدأ صلاته" لأن من شروط الصلاة أن تكون كلها في فور واحد وظاهر قوله: "وكذلك من نسي السلام" أن فيه التفصيل المتقدم فيرجع إلى الجلوس إن كان بقرب ذلك فيكبر تكبيرة

ص: 176

ومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا بنى على اليقين وصلى ما شك فيه وأتى برابعة وسجد بعد سلامه ومن تكلم ساهيا

ــ

يحرم بها وهو جالس ويتشهد ويأتي بالسلام ويسجد بعد السلام وإن تباعد ذلك أو خرج من المسجد ابتدأ صلاته ومحل كونه يأتي بتكبيرة يجزم بها وهو جالس ويتشهد ويأتي بالسلام إذا تذكر السلام بعد أن فارق مكانه أما إن تذكر بالقرب وهو جالس مستقبل القبلة سلم مكانه ولا يطالب بتكبيرة يحرم بها ولا تشهد فإن انحرف عنها انحرافا لا تبطل به الصلاة استقبلها وسلم ولا شيء عليه من تكبيرة إحرام أو تشهد وإنما عليه أن يسجد بعد السلام للسهو "ومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا بنى على اليقين" أي الاعتقاد الجازم "وصلى ما شك فيه" أي في تركه فالثلاثة محققة والذي وقع فيه الشك هو الرابعة فلا يتحقق الكمال الذي تبرأ به الذمة إلا برابعة وهو معنى قول المصنف وصلى ما شك فيه فقوله: "وأتى برابعة" تفسير لقوله ما شك فيه "وسجد بعد سلامه" على المشهور وقال ابن لبابة يسجد قبل السلام وهو ظاهر ما في الموطأ ومسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم" وسند المشهور أن السجود بعد السلام بحمل الحديث على ما إذا لم يتقين سلامة الأولتين "ومن" كان إماما أو فذا "وتكلم" في صلاته كلاما يسيرا "ساهيا" أي عن كونه في الصلاة أو عن كونه متكلما به وأما لو تكلم عامدا فتبطل صلاته إلا أن يكون لإصلاحها فلا تبطل إلا أن يكثر في نفسه والكثرة

ص: 177

سجد بعد السلام ومن لم يدر أسلم أم لم يسلم سلم ولا سجود عليه ومن استنكحه الشك في السهو فليله عنه ولا إصلاح عليه

ــ

بالعرف "سجد بعد السلام" لأنه زيادة فينجبر سهوه بالسجود واحترز بالساهي من العامد والجاهل والمكره ومن وجب عليه الكلام لإنقاذ أعمى مثلا فإن صلاتهم باطلة وأما من وجب عليه الكلام لإجابة النبي صلى الله عليه وسلم فلا تبطل صلاته وسواء كان ذلك في حياته أو بعد موته إذا تيقن أو ظن أنه النبي صلى الله عليه وسلم لا إن شك فلا يجيب فإن أجاب بطلت صلاته "ومن لم يدر أسلم أو لم يسلم" ولم يقم من مقامه وكان بقرب تشهده "سلم ولا سجود" سهو "عليه" لأنه إن كان سلم فصلاته تامة والسلام الثاني واقع في غير الصلاة فلا وجه للسجود وإن كان لم يسلم فقد سلم الآن ولم يقع منه سهو يسجد له وأما إذا قرب ولكن تحول عن مقامه أي ولم ينحرف عن القبلة فإنه يرجع بتكبيرة ويتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام للزيادة فلولم يتحول إلا أنه انحرف عن القبلة فإنه يستقبل ويسلم ولا يتشهد ولا إحرام عليه ويسجد بعد السلام "ومن استنكحه" أي داخله "السهو" في الصلاة "فليله عنه" وجوبا بمعنى أنه يضرب عنه صفحا ولا يعول على ما يجده في نفسه من ذلك لأنه بلية من الشيطان إذا تمكنت من القلب لا ينتج معها عمل أبدا فالدواء النافع من هذا الداء الذي يورث خبل العقل هو الإعراض وأنفع دواء هو ذكر الله {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} فإذا قال له مثلا ما صليت إلا ثلاثا فيقول له ما صليت إلا أربعا وإن صلاتي صحيحة "ولا إصلاح عليه" فلو أصلح

ص: 178

ولكن عليه أن يسجد بعد السلام وهو الذي يكثر ذلك منه يشك كثيرا أن يكون سها زاد أو نقص ولا يوقن فليسجد بعد السلام

ــ

وبنى على اليقين لم تبطل صلاته كما قال الخطابي ولعل وجهه أن الأصل البناء على اليقين وإنما سقط عن المستنكح تخفيفا عليه فإذا أصلح فقد وافق الأصل "ولكن عليه أن يسجد بعد السلام" عند ابن القاسم على جهة الاستحباب لأنه إلى الزيادة أقرب وجهه أن من هذه صفته على تقدير أن يكون شك هل صلى ثلاثا أو أربعا يقرب أن يكون صلى خمسا "وهو الذي يكثر ذلك منه" أي يعتريه الشك في زمن كثير "يشك كثيرا أن يكون سها ونقص" أي سها فنقص وفي رواية سها زاد أو نقص وتحته صورتان الأولى يشك هل صليت أربعا أو خمسا والثانية يشك هل صليت أربعا أو ثلاثا ولكن مفاد قوله فليله عنه ولا إصلاح عليه لا يعقل إلا فيما إذا كان سها بنقص لا إن كان سها بزيادة وغاية الاعتذار عنه أن يقال الإلهاء بحيث إنه لا يطالب بالسجود على جهة السنية فلا ينافي أنه يسجد ندبا واعلم أن الكثرة تعتبر إذا كان يأتيه في كل صلاة أو في كل وضوء أو كل يوم مرة أو مرتين أو يأتيه يوما وينقطع عنه يوما أو يأتيه يومين وينقطع عند الثالث فذا هو المستنكح وأما لو أتاه يومين وانقطع عنه ثلاثة فليس بمستنكح كما لو أتاه يوما في الوضوء ويوما في الصلاة فليس بمستنكح لأن الشك في الوسائل كالوضوء لا يضم للشك في المقاصد كالصلاة بل كل عبادة تقرر على حدتها والمراد بزمن إتيانه اليوم الذي يحصل فيه ولو مرة وقوله: "ولا يوقن" تكرار مع قوله: يشك وكذا قوله: "فليسجد بعد السلام" تكرار مع قوله ولكن عليه أن يسجد بعد

ص: 179

فقط وإذا أيقن بالسهو سجد بعد إصلاح صلاته فإن كثر ذلك منه فهو يعتريه كثيرا أصلح صلاته ولم يسجد لسهوه

ــ

السلام وقوله: "فقط" إشارة لمن يقول عليه الإ صلاح "وإذا أيقن" المصلي "بالسهو سجد بعد إصلاح صلاته" يعني أن من أيقن بأنه ترك ما أفسد له ركعة أي أيقن بأنه سها عن سجدة أو ركوع وفات التدارك كأن ذكر وهو في التشهد الأخير مثلا فإنه يأتي بركعة مكان التي حصل فيها الفساد ثم يسجد فإن كانت الركعة التي سها فيها إحدى الأولتين سجد قبل السلام لأنه اجتمع عليه الزيادة والنقصان أما الزيادة فهي الركعة التي ألغاها والجلوس في غير محله وأما النقصان فلترك السورة لأنه إنما يأتي بالركعة متلبسة بالبناء أي بالفاتحة فقط وإن كانت من الأخيرتين لم يكن معه إلا الزيادة خاصة فيسجد بعد السلام "وإن كثر ذلك" السهو "منه فهو يعتريه" أي يصيبه "كثيرا" مثل أن تكون عادته السهو أبدا عن الجلوس الأول أو تكون عادته نسيان السجود "أصلح صلاته ولم يسجد لسهوه" اعلم أن إصلاح ذلك يقع على وجهين أحدهما أن يفوت محل التدارك الثاني أن لا يفوت مثال الأول من عادته السهو عن السجدة الثانية من الركعة الثانية مثلا من غير الثنائية ولم يتذكر إلا بعد السلام أو بعد أن عقد الثالثة فإنه يأتي بركعة في الأول ولا يسجد وتنقلب الثالثة ثانية في الثاني ولا يسجد ومثال الثاني ما إذا تذكر في الفرض المذكور قبل أن يعقد الثالثة وهذان الوجهان يدخلان في قوله أصلح ولم يسجد لسهوه فلو سجد في هذه الحالة وكان سجوده قبل السلام فهل تبطل صلاته إن فعله عمدا أو جهلا أم لا مراعاة لمن يقول إنه يسجد استظهر بعضهم

ص: 180

ومن قام من اثنتين رجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه فإذا فارقها تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام

ــ

عدم البطلان "ومن قام" يريد تزحزح للقيام ولم تبقه على ظاهره لئلا يتناقض مع قوله بعد رجع لأن ظاهره أنه لم يقم من اثنتين من صلاة الفريضة تاركا للجلوس ومن لازمه ترك التشهد وأما لو جلس وقام ناسيا للتشهد فلا يرجع ولا سجود عليه "رجع" اتفاقا "مالم يفارق الأرض بيديه وركبتيه" وأحرى إذا لم يفارق الأرض إلا بيديه فقط أو بركبتيه خاصة ثم يتشهد ويتم صلاته ولا سجود عليه لخفة الأمر في ذلك فإن تمادى على القيام عامدا بطلت صلاته على المشهور لأنه ترك ثلاث سنن عامدا وإن تمادى ناسيا سجد قبل السلام "فإذا فارقها" أي الأرض بيديه وركبتيه "تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام" فإن طال زمن الترك ولم يسجد بطلت صلاته اه وهذا صادق بصورتين الأولى أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه ولم يعتدل قائما ثم تذكر بعد أن فارق الأرض والثانية أن يفارق الأرض ويعتدل قائما والحكم فيها واحد وهو أنه يتمادى ولا يرجع ويسجد قبل السلام لكن لو خالف ورجع في الصورة الأولى إلى الجلوس عمدا أو سهوا أو جهلا لا تبطل صلاته ويسجد بعد السلام لتحقق الزيادة وفي الصورة الثانية إن رجع إلى الجلوس عامدا ففي التوضيح المشهور الصحة وعليه يسجد بعد السلام لتحقق الزيادة وإن رجع جاهلا ففي النوادر عن سحنون تفسد صلاته والمعتمد ما رواه ابن القاسم في المجموعة يتمادى على صلاته ويسجد وإذا رجع فلا ينهض حتى يتشهد لأن رجوعه معتد به عند ابن القاسم وينقلب سجوده القبلي بعديا فلو ترك التشهد عمدا بعد رجوعه بطلت صلاته على كلام ابن القاسم لا على كلام أشهب ولعل كلام

ص: 181

ومن ذكر صلاة صلاها متى ما ذكرها على نحو ما فاتته

ــ

ابن القاسم بناء على بطلانها بتعمد ترك سنة خلافا لأشهب كذا في بعض شروح خليل وإن رجع ناسيا فلا تبطل صلاته اتفاقا ويسجد بعد السلام ثم انتقل يتكلم على ما إذا نسي صلاة أو أكثر من الصلوات المفروضات ولا يخلو إما أن يتذكرها بعد أن صلى صلاة حاضرة لم يخرج وقتها أو قبل أن يصليها أو فيها وقد أشار إلى الحالة الأولى بقوله: "ومن ذكر صلاة" نسيها أو نام عنها أو تعمد تركها على المعروف من المذهب "صلاها" أي يجب عليه قضاؤها بلا خلاف في المنسية وعلى المعروف من المذهب في المتروكة عمدا فكان الأولى للمصنف أن يذكر العمد والأصل في ذلك ما رواه مسلم من قوله عليه الصلاة والسلام: "من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" وإذا امتنع من قضاء المنسيات فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل واختلف في المتعمد فقيل إنه يقتل بعد الاستتابة وقيل لا يقتل مراعاة لمن يقول بعدم وجوب القضاء إذ هو محل خلاف وإذا ثبت وجوب قضاء المنسيات فليصلها "متى ما ذكرها" في ليل أو نهار عند طلوع الشمس وعند غروبها أي حيث تحقق تركها أو ظنه وأما المشكوك في تركها وعدمه على السواء فيجب عليه القضاء ولكن يتوقى أوقات النهي وجوبا في نهي الحرمة وندبا في نهي الكراهة وأما توهم الترك أو التجويز العقلي فلا يجب بهما قضاء ولا يندب وظاهر كلام المصنف أن قضاء الفوائت يجب على الفور ولا يجوز التأخير إلا لعذر وهو كذلك في نقل الأكثر أي أكثر أهل المذهب وإذا أراد قضاء المنسية فإنه يفعلها "على نحو ما فاتته" من إعداد الركوع والسجود وهيئاتها من إسرار وجهر ويقنت إن كان صبحا ويقيم لكل صلاة وإن

ص: 182

ثم أعاد ما كان في وقته مما صلى بعدها ومن عليه صلوات كثيرة صلاها في كل وقت من ليل أو نهار وعند طلوع الشمس وعند غروبها

ــ

نسيها سفرية قضاها كذلك سفرية وإن نسيها حضرية قضاها كذلك حضرية وإذا اختلف وقت القضاء ووقت الفوات بالصحة والمرض فإنه يعتبر وقت القضاء فإذا فاتته في الصحة وكان في وقت القضاء مريضا لا يقدر إلا على النية فقط أو مع الإيماء بالطرف فإنه يقضيها بالنية أو النية والطرف ولا يؤخرها لاحتمال موته وإذا كفى هذا في الأداء فيكفي في القضاء بالأولى "ثم" بعد قضاء ما فاته من الصلوات المنسية "أعاد ما" أي الصلاة الحاضرة التي "كان" أوقعها "في وقته" الضمير عائد على ما وذكره باعتبار اللفظ وسواء في ذلك الإمام والفذ والمأموم فكل منهم مطالب على جهة الندب بأنه لو ذكر يسير الفوائت وهي خمس أو أربع بعد أن صلى الحاضرة وقد بقي وقتها أن يعيد الحاضرة بعد قضاء ما نسيه من يسير الفوائت مثال ذلك أن ينسى مغرب أمسه مثلا فيذكره بعد أن صلى الصبح من غده وقبل أن تطلع المشمس فإنه يصلي المغرب ويعيد الصبح ولا يعيد العشاء لفوات وقتها وإن ذكر المغرب بعد طلوع الشمس فإنه يأتي بها ولا يعيد شيئا أصلا وأما لو صلى حاضرة ثم ذكر فائتة كثيرة وهي ست أو خمس فلا يتأتى إعادة الحاضرة بعد قضاء ما فاتته لأنه لو ذكرها قبل الحاضرة لقدمت الحاضرة عليها فكيف يتأتى إعادة الحاضرة بعد قضائها وقوله: "مما صلى" بيان لما والضمير في "بعدها" عائد على المنسية وقوله: "ومن عليه صلوات كثيرة" سواء نسيها أو نام عنها أو تعمد تركها "صلاها" أي قضاها "في كل وقت من ليل أو نهار وعند طلوع الشمس وعند غروبها" وسوغ

ص: 183

وكيفما تيسر له وإن كانت يسيرة أقل من صلاة يوم وليلة بدأ بهن وإن فات وقت ما هو في وقته

ــ

التكرار أنه تكلم أولا على الصلوات اليسيرة وتكلم هنا على الكثيرة وكرر قوله عند طلوع الشمس وعند غروبها إشارة إلى أبي حنيفة القائل بأنه لا يصلي عند طلوع الشمس إلا صبح يومه وعند الغروب إلا عصر يومه دليلنا الحديث المتقدم وقوله "وكيفما تيسر له" إشارة إلى دفع المشقة في قضائها من غير تفريط ثم أشار إلى القسم الثاني بقوله: "وإن كانت" أي الصلوات التي عليه "يسيرة أقل من صلاة يوم وليلة" وهي أربع صلوات "بدأ بهن" أي قدمهن على الصلاة الحاضرة وجوبا ويدخل في الفائتة اليسيرة ما لو كان عليه الظهر والعصر أو المغرب والعشاء ولم يبق من الوقت إلا ما يسع الأخيرة فيجب تقديم الأولى فإن خالف وقدم الحاضرة صحت مع الإثم في العمد دون النسيان ولا يتأتى هنا إعادة لخروج الوقت "وإن فات وقت ما هو في وقته" يعني أن من عليه يسير الفوائت يجب عليه أن يقدمها على الحاضرة وإن لزم على ذلك أنه يفعل الحاضرة بعد خروج وقتها وما ذكر من تقديم اليسيرة على الحاضرة إذا ضاق الوقت عن إدراك الحاضرة هو المشهور وقال ابن وهب يبدأ بالحاضرة وما ذكره من الترتيب بين اليسيرة والحاضرة هل هو واجب شرط أو واجب غير شرط والثاني هو المشهور والأول رواه مطرف وابن الماجشون عن مالك وهو ظاهر المدونة عند سند وتظهر ثمرة الخلاف فيما إذا خالف ما أمر به بأن قدم الحاضرة على الفائتة اليسيرة فعلى الشرطية يعيد الحاضرة أبدا وعلى مقابله يعيدها ما دام الوقت الضروري باقيا ففي الظهرين إلى الغروب وفي العشاءين إلى طلوع الفجر وفي الصبح إلى طلوع الشمس ثم شرع يبين حكم ترتيب

ص: 184

وإن كثرت بدأ بما يخاف فوات وقته ومن ذكر صلاة في صلاة فسدت هذه عليه

ــ

الفوائت الكثيرة مع الحاضرة فقال: "وإن كثرت" أي الفوائت التي عليه وهي على ما قال الشيخ خمس فما فوق وعلى ما شهره المازري ست فما فوق "بدأ بما يخاف فوات وقته" مفهوم كلامه أنه إذا لم يخف فوات وقت الحاضرة أنه يبدأ بالمنسيات وهذا القول لابن حبيب والمعتمد ما رواه ابن القاسم أنه يبدأ بالحاضرة مطلقا ضاق الوقت أو اتسع لكن وجوبا عند ضيق الوقت وندبا عند اتساعه ثم انتقل يتكلم على القسم الثالث فقال: "ومن ذكر صلاة" أي ذكر يسير الفوائت وهي ما يجب ترتيبها مع الحاضرة "في" حال تلبسه بـ "صلاة" مفروضة "فسدت هذه" أي الصلاة التي هو فيها بمعنى أنه يقطعها لا أنها فسدت بالفعل "عليه" قال ابن ناجي ظاهر كلام الشيخ أن القطع واجب وهذا القول ظاهر المذهب كما قاله في التوضيح وقيل مستحب واستشكله ابن عبد السلام بأن الترتيب إما أن يكون واجبا فيلزم القطع أو مستحبا فيلزم التمادي وظاهره أيضا أن المأموم يقطع كغيره وهو قول في المذهب والمشهور ما في المدونة يتمادى مع الإمام ويعيد وفي وجوب الإعادة خلاف أي بناء على أن الترتيب بين اليسيرة والحاضرة واجب شرط وشهر في المختصر الإعادة في الوقت أي فلا تكون الإعادة واجبة بل مستحبة وحاصل ما في المسألة أنه إذا ذكر الإمام أو الفذ يسير الفوائت قبل عقد ركعة بسجدتيها فإنه يجب القطع وقيل يندب فلو عقد ركعة بسجدتيها شفع استحبابا وقيل وجوبا ويتبع المأموم إمامه في ذلك ولا فرق بين الرباعية والثنائية كالصبح والجمعة والمقصورة وظاهر المدونة أن المغرب كغيرها أي يشفعها إن عقد ركعة وهو غير معول

ص: 185

ومن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد الوضوء وإن كان مع إمام تمادى

ــ

عليه بل يتمها مغربا وهو ما رجحه ابن عرفة فلو تذكر بعد أن كمل من المغرب ركعتين تامتين بسجدتيهما فإنه يكملها بنية الفريضة كما أنه إذا كمل ثلاثا من غيرها فإنه يكملها بنية الفريضة وبعد تكميل المغرب أو غيرها يعيد ندبا في الوقت أي بعد إتيانه بيسير الفوائت وإن كان الذاكر ليسير الفوائت المأموم فإنه يتمادى مع إمامه ثم تندب له الإعادة في الوقت ولا فرق بين أن تكون المعادة جمعة أو غيرها ويعيدها جمعة إن أمكن وإلا ظهرا

"ومن ضحك" أي قهقه وهو الضحك بصوت وهو "في الصلاة أعادها" وجوبا أبدا لأنها بطلت اتفاقا إن كان عمدا سواء كان إماما أو مأموما أو فذا وعلى المشهور إن كان سهوا أو غلبة ومقابله لا يضر قياسا على الكلام قال ابن ناجي وظاهر كلامه وإن كان ضحكه سرورا بما أعده الله للمؤمنين كما إذا قرأ آية فيها صفة أهل الجنة فيضحك سرورا وبه أفتى غير واحد ممن لقيته من القرويين والتونسيين وعلى المشهور في السهو والغلبة يستخلف الإمام فيهما ويرجع مأموما ثم يعيد بعد ذلك وجوبا في الوقت وبعده والمراد بالسهو نسيان كونه في الصلاة وأما نسيان الحكم أو نسيان كون ما يفعل ضحكا فمقتضى كلام التوضيح أنه كالعمد "ولم يعد الوضوء" خلافا لأبي حنيفة القائل بأن القهقهة تنقض الوضوء أيضا كما أبطلت الصلاة إلا أن يكون في صلاة الجنازة فتبطل الصلاة فقط ولما كان المأموم يخالف الفذ والإمام في حالة نبه على ذلك بقوله: "وإن كان" الذي ضحك في صلاته "مع إمام تمادى" معه استحبابا مراعاة لحقه وقيل وجوبا وتمادي المأموم مقيد بقيود الأول

ص: 186

وأعاد ولا شيء عليه في التبسم والنفخ في الصلاة كالكلام والعامد لذلك مفسد لصلاته

ــ

أن لا يقدر على الترك في أثناء الضحك بل غلبة وكذا فعله نسيانا فإن قدر على الترك لم يتماد الثاني أن لا يكون ضحكه ابتداء عمدا وإلا لم يتماد في الغلبة والنسيان بعد الثالث أن لا يخاف بتماديه خروج الوقت وإلا قطع الرابع أن لا يلزم على بقائه ضحك المأمومين كلا أو بعضا وإلا قطع ولو بظن ذلك الخامس أن لا يكون جمعة وإلا فيقطع ولو اتسع الوقت "ولا شيء عليه" أي المصلي فذا كان أو إماما أو مأموما "في التبسم" حال تلبسه بالصلاة أي ولا سجود في السهو ولا بطلان في العمد أو الجهل غير أن العمد مكروه وإن كثر أبطلها ولو سهوا لأن التبسم إنما هو تحريك الشفتين فهو كحركة الأجفان أو القدمين "والنفخ في الصلاة كالكلام" فتبطل بعمده وجهله ولا تبطل بسهوه اليسير ويسجد بعد السلام فقوله: "والعامد لذلك" أي للنفخ في الصلاة "مفسد لصلاته" حشو إلا أن يحمل الأول على السهو ولا يشترط في الإبطال بالنفخ أن يظهر منه حرفان بل ولا حرف واحد فظهر من ذلك أن المراد النفخ بالفم وأما بالأنف فلا يبطل عمده ولا سجود في سهوه قال الأجهوري وينبغي أن يقيد بأن لا يكون عبثا وإلا جرى على الأفعال الكثيرة ودليل الإبطال ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: النفخ في الصلاة كلام يعني فيبطل ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي بل عن سماع من النبي صلى الله عليه وسلم والتنحنح لضرورة لا يبطل الصلاة ولا سجود فيه اتفاقا ولغير ضرورة قولان لمالك يفرق بين العمد والسهو والقول الآخر لا يبطل مطلقا وبه أخد ابن القاسم واختاره الأبهري واللخمي لخفة الأمر والمذهب أن الأنين لمرض لا يبطل الصلاة

ص: 187

ومن أخطأ القبلة أعاد في الوقت وكذلك من صلى بثوب نجس أو على مكان نجس وكذلك من توضأ بماء نجس

ــ

وإن كان من الأصوات الملحقة بالكلام لأنه محل ضرورة قاله بهرام والتتائي وكذلك البكاء إذا كان لتخشع أي بشرط أن يكون غلبة وحاصل ما يتعلق بالبكاء أنه إذا كان بغير صوت لا يبطل اختيارا أو غلبة تخشعا أو لا إلا أن يكثر الاختياري وما بصوت يبطل إن كان لتخشع أو مصيبة إن كان اختيارا فإن كان غلبة لا يبطل إن كان لتخشع وإن كان لغيره أبطل "ومن" كان من أهل الاجتهاد بالأدلة المنصوبة على الكعبة ومثله من كان مقلدا غيره عدلا عارفا أو محرابا وكان بغير مكة والمدينة واجتهد في جهة غلبت على ظنه لما قام عنده من الأمارات فصلى إليها ثم تبين له بعد الفراغ منها أنه "أخطأ القبلة" أي جهة الكعبة باستدبارها أو الانحراف عنها انحرافا شديدا في غير قتال جائز "أعاد" ما صلى ما دام في الوقت المختار استحبابا هذا حكم من كان بغير مكة والمدينة وكان عنده الأدلة المنصوبة على القبلة واجتهد وأخطأ فلو لم يجتهد وصلى بغير اجتهاد أعاد أبدا وإن أصاب القبلة كما أن من كان بمكة أو المدينة أو المساجد التي صلى فيها النبي عليه الصلاة والسلام واجتهد وصلى أعاد أبدا وإن كشف الغيب أنه صلى إلى القبلة لأنه خالف الواجب عليه من مسامتة عين الكعبة وعدم الاجتهاد "أو" صلى "على مكان نجس" أو ثوب كذلك أي نجس أو كان على بدنه نجاسة ثم تذكر بعد الفراغ من الصلاة نجاسة ذلك أعاد في الوقت والوقت في الظهرين للاصفرار وفي العشاءين الليل كله "وكذلك من توضأ" ناسيا "بماء نجس" أي متنجس أي محكوم بنجاسته عند

ص: 188

مختلف في نجاسته وأما من توضأ بماء قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه أعاد صلاته أبدا ووضوءه ورخص في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر وكذلك في طين وظلمة

ــ

المصنف "مختلف في نجاسته" كماء قليل حلته نجاسة ولم تغيره ولم يتذكر حتى فرغ من صلاته وأما فيها فتبطل بمجرد الذكر فالإعادة في الوقت استحبابا منوطة بالتذكر بعد الفراغ ولا يخفى أن كلام المصنف مبني على مذهبه وهو أن الماء القليل الذي حلته نجاسة ولم تغيره متنجس والمعتمد أنه ليس بمتنجس وعليه فلا إعادة أصلا وعلى مذهب المصنف يعيد الوضوء أيضا أي استحبابا لأنه وسيلة لمستحب فيكون مستحبا ويغسل ما أصاب جسده وثوبه من ذلك الماء أي استحبابا "وأما من توضأ بماء قد تغير لونه أو طعمه" يعني أو ريحه بشيء طاهر أو نجس "أعاد صلاته أبدا ووضوءه" سواء توضأ به عامدا أو ناسيا لأنه أوقعها بوضوء لم يجز ويعيد الاستنجاء أيضا إن كان استنجى من هذا الماء فلا مفهوم لقول المصنف وأما من توضأ ثم انتقل يتكلم على الجمع بين الصلاتين وذكره في خمسة مواضع أولها: أشار إليه بقوله: "ورخص في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر وكذلك في طين وظلمة" ما ذكر من كون الجمع ليلة المطر رخصة هو الذي مشى عليه صاحب المختصر ولم يبين حكمها وهل هو الإباحة وهو ظاهر كلامهم أو خلاف الأولى إذ الأولى إيقاع الصلاة في وقتها وهو ما مشى عليه ابن عبد البر مراعاة لمن يقول لا جمع ليلة المطر أو الأولى لما في السنن من قول أبي سلمة من السنة إذا كان يوم مطر الجمع بين المغرب والعشاء وهذا القول هو المعتمد إلا أنه محتمل للسنية والندب ولكن جزم الأجهوري

ص: 189

يؤذن للمغرب أول الوقت خارج المسجد ثم يؤخر قليلا في قول مالك

ــ

بالندب أي فقول أبي سلمة من السنة مراده الطريقة والرخصة لغة التيسير وشرعا إباحة الشيء الممنوع مع قيام السبب المانع أي لولا وجود تلك المشقة والسبب المانع هنا كونها يمكن فعلها في وقتها وما ذكره المصنف في سبب الجمع فمنه ما هو على المشهور وهو المطر فالمطر سبب للجمع بين المغرب والعشاء على القول المشهور بشرط أن يكون وابلا أي كثيرا وهو الذي يحمل أواسط الناس على تغطية الرأس وسواء كان واقعا أو متوقعا ويمكن علم ذلك بالقرينة ومثل المطر الثلج والبرد ومنه ما هو متفق على أنه سبب للجمع وهو الطين والظلمة والمراد بالطين الوحل وبالظلمة ظلمة الليل من غير قمر فلو غطى السحاب القمر فليس بظلمة فلا يجمع لذلك وظاهر كلام المصنف أنه لا يجمع للظلمة وحدها ولا للطين وحده وهو كذلك أما الظلمة فاتفق أهل المذهب على أنه لا يجمع لها وحدها وأما الطين فقد صرح القرافي بمشهورية القول بعدم الجمع وعليه اقتصر صاحب المختصر وهو المعتمد وظاهر قصره الرخصة بين المغرب والعشاء أنه لا يجمع بين غيرهما وهو كذلك قال ابن الحاجب والمنصوص اختصاصه بالمغرب والعشاء ثم بين صفة الجمع بينهما بقوله: "يؤذن للمغرب أول الوقت خارج المسجد" على المنارة "ثم يؤخر" صلاة المغرب شيئا "قليلا في" مشهور "قول مالك" الإضافة للبيان أي في مشهور هو قول مالك لأن القول لمالك وقد خالفه ابن عبد الحكم وابن وهب لا أن القولين لمالك وهذا هو المشهور وإنما طلب تأخير المغرب شيئا قليلا ليأتي المسجد من بعدت داره قال ابن ناجي تردد شيخنا هل تأخير المغرب على المشهور أمر واجب لا بد منه أم ذلك

ص: 190

ثم يقيم في داخل المسجد ويصليها ثم يؤذن للعشاء في داخل المسجد ويقيم ثم يصليها ثم

ــ

على طريق الندب قولان والراجح أن ذلك على طريق الندب والتأخير بقدر ما يدخل وقت الاشتراك لاختصاص الأولى بثلاث بعد الغروب "ثم" بعد أن يؤخر المغرب قليلا "يقيم" لها الصلاة أي على طريق السنية "داخل المسجد ويصليها" ولا يطول على المشهور لأن تقصيرها مطلوب في غير هذا فهذا أولى قال ابن الحاجب وينوي الجمع عند الأولى فإن أخره إلى الثانية فقولان أي بالإجزاء وعدمه والقولان متفقان على أن النية عند الأولى والنزاع إنما هو في الإجزاء عند الثانية على فرض أن يكون إنما نوى عندها والحاصل أن محلها الصلاة الأولى وتطلب من الإمام والمأموم فلو تركت فلا بطلان فهي واجب غير شرط وأما نية الإمامة فلا بد منها فلو ترك الإمام نية الإمامة بطلتا حيث تركها فيهما وأما لو تركها في الثانية وأتى بها في الأولى فالظاهر صحتها وتبطل الثانية ولا يصليها إلا عند مغيب الشفق وأما لو تركها عند الأولى ونيته الجمع فإنها تبطل لأن صحتها مشروطة بنية الإمامة كذا في شرح الشيخ "ثم" بعد الفراغ من صلاة المغرب أي من غير مهلة ولا تسبيح ولا تحميد ولا تنفل فيمنع التنفل بين المغرب والعشاء على المشهور "يؤذن للعشاء" إثر المغرب أذانا ليس بالعالي والظاهر أن هذا الأذان مستحب لأنه ليس جماعة تطلب غيرها ولا يسقط طلب الأذان لها في وقتها فيؤذن لها عند دخول وقتها "في داخل المسجد" وإنما كان داخل المسجد لئلا يظن الناس أن وقت العشاء قد دخل "و" إذا فرغ من الأذان "يقيم" الصلاة "ثم يصليها" الإمام بالناس بلا مهلة هذا شرط في كل جمع وليس خاصا بالجمع ليلة المطر "ثم"

ص: 191

ينصرفون وعليهم إسفار قبل مغيب الشفق والجمع بعرفة بين الظهر والعصر عند الزوال سنة واجبة بأذان وإقامة لكل صلاة وكذلك في جمع المغرب والعشاء بالمزدلفة إذا

ــ

بعد أن يفرغوا من الصلاة "ينصرفون" إثر الصلاة بلا مهلة فلو جمعوا ولم ينصرفوا حتى غاب الشفق أعادوا العشاء وقيل لا إعادة عليهم "وعليهم إسفار" أي شيء من بقية بياض النهار "قبل مغيب الشفق" فلا يتنفل أحد في المسجد بعد الجمع ولا يوتر بإثر صلاة العشاء أي يحرم لأنه دخل في عبادة باطلة إذ وقتها بعد مغيب الشفق ففعلها قبل مغيب الشفق فعل لها قبل وقتها وهو باطل والموضع الثاني أشار إليه بقوله: "والجمع بعرفة" يوم وقوف الحاج بها "بين الظهر والعصر عند" بمعنى بعد "الزوال سنة واجبة" أي مؤكدة وقد كرر هذه المسألة في باب الحج وفي باب جمل وصفة الجمع أن يخطب الخطيب بعد الزوال خطبة يعلم الناس فيها صلاتهم بعرفة ووقوفهم بها ومبيتهم بمزدلفة إلى غير ذلك ثم يؤذن للظهر بعد الفراغ من الخطبة ثم يقيم الصلاة فإذا صلى الظهر أذن للعصر وأقام لها وصلاها وما ذكر في صفة الجمع من أن لكل صلاة من الظهر والعصر أذانا وإقامة هو المشهور وإليه أشار الشيخ بقوله: "بأذان وإقامة لكل صلاة" ومقابله ما نقل عن ابن الماجشون بأذان واحد لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك وانظره مع المشهور فما وجهه أي إذا كان كذلك فما وجه المشهور والموضع الثالث أشار إليه بقوله: "وكذلك في جمع المغرب والعشاء بالمزدلفة" أي مثل ذلك الحكم في السنية والأذان للمغرب والعشاء بالمزدلفة وقد عده صاحب المختصر في المستحبات والمعتمد ما ذكرت لك من أنه سنة "إذا

ص: 192

وصل إليها وإذا جد السير بالمسافر فله أن يجمع بين الصلاتين في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وكذلك المغرب

ــ

وصل إليها" أي إذا أمكن أن يصل إليها أما من لا يمكنه ذلك لمرض به أو بدابته فإنه يجمع حيث غاب عليه الشفق إذا كان وقف مع الإمام وفقه المسألة أن الذاهب إلى المزدلفة إما أن يقف مع الأمام أم لا فإن كان وقف مع الإمام وكان يمكنه السير بسير الناس بأن لم يكن هناك مانع من مرض به أو بدابته سار معهم أو تأخر فالسنة في حقه أن لا يجمع إلا في المزدلفة فإن كان لا يمكنه السير وتأخر لعجز جمع حيث شاء عند مغيب الشفق والفرض أنه وقف مع الإمام وأما إن لم يكن وقف مع الإمام بأن وقف وحده أو لم يقف أصلا صلى كل صلاة لوقتها والموضع الرابع أشار إليه بقوله: "وإذا جد السير بالمسافر" سفرا واجبا كسفر الحج الواجب أو مندوبا كسفر حج التطوع أو مباحا كسفر التجارة سواء كانت تقصر فيه الصلاة أم لا "فله" أي فيباح له "أن يجمع بين الصلاتين" المشتركتي الوقت وهما الظهر والعصر والمغرب والعشاء فإذا أدركه الزوال سائرا ونوى النزول بعد الغروب فله أن يجمع بين الظهر والعصر "في آخر وقت الظهر" وهو آخر القامة الأولى "وأول وقت العصر" وهو أول القامة الثانية وهذا جمع صوري لا حقيقي إذ الحقيقي هو الذي تقدم فيه إحدى الصلاتين عن وقتها المعروف أو تؤخر عنه وهذا تؤدى فيه كل صلاة في وقتها ولا يحتاج لنية الجمع ولا يشترط فيه أن يجد السير وإن كان ظاهر المصنف مع أن ذلك لا يعقل إذ هو جمع صوري وحكمه أنه خلاف الأولى إذ الأولى إيقاع الصلاة في أول وقتها فلا معنى لاشتراط الجد فيه "وكذلك المغرب

ص: 193

والعشاء وإذا ارتحل في أول وقت الصلاة الأولى جمع حينئذ وللمريض أن يجمع إذا خاف أن يغلب على عقله عند الزوال

ــ

والعشاء" أي أن صفة الجمع بين المغرب والعشاء مثل صفته بين الظهر والعصر في أنه إذا أدركه الغروب سائرا ونوى النزول بعد طلوع الفجر فله أن يجمع بين المغرب والعشاء جمعا صوريا بأن يصلي المغرب قرب مغيب الشفق ويصلي العشاء في أول وقتها لأنه ينزل طلوع الفجر هنا منزلة الغروب في الظهرين "وإذا ارتحل" أي أراد الارتحال لأن فرض المسألة أنه نازل بالمهل وزالت أو غربت الشمس وهو به "في أول وقت الصلاة الأولى" ونوى النزول بعد الغروب "جمع حينئذ" أي قبل ارتحاله على المشهور ليوقع أولاهما في أول وقتها المختار والأخرى في وقتها الضروري وهذا هو الجمع الحقيقي ومن هنا يعلم أن ضروري العصر كائن قبلها وبعدها وأن الجمع الحقيقي ما كان على هذا الأسلوب ولا يفعله إلا ذو عذر من سفر أو غيره وأما الجمع الصوري فجائز لذي العذر وغيره وأما إذا نوى النزول قبل اصفرار الشمس فإنه لا يجمع بل يصلي الظهر قبل أن يرتحل ويؤخر العصر لنزوله أي وجوبا لتمكنه من إيقاع كل صلاة في وقتها المقدر لها شرعا ويخير في صلاة العصر إن شاء أخرها إلى نزوله وإن شاء قدمها إن نوى النزول عند الاصفرار والموضع الخامس قسمه قسمين أشار إلى أولهما بقوله: "وللمريض" أي رخص له "أن يجمع" بين الصلاتين المشتركتي الوقت على المشهور أي أن يجمع على المشهور وقال ابن نافع يصلي كل صلاة لوقتها "إذا خاف أن يغلب على عقله" في وقت الصلاة الثانية والجمع المذكور يكون في أول وقت الصلاة الأولى على المشهور وقيل الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها وعلى المشهور فيجمع بين الظهر والعصر "عند الزوال

ص: 194

وعند الغروب وإن كان الجمع أرفق به لبطن ونحوه جمع وسط وقت الظهر وعند غيبوبة الشفق

ــ

وبين المغرب والعشاء "عند الغروب" وإنما كان يجمع في أول الوقت لأن الإغماء سبب يبيح الجمع ومثله الحمى النافضة أي المرعدة أو الدوخة التي تحصل له وقت الثانية إذا تقرر هذا فقول المصنف وللمريض أي من سيصير مريضا ففي عبارته مجاز الأول وبقي عليه ما إذا خاف الغلبة على عقله في أول وقت الثانية وقد نص ابن الجلاب على المسألتين فقال وكذلك حكم المريض إذا خاف الغلبة على عقله في أول وقت الصلاة الأولى أخرها إلى وقت الصلاة الأخيرة وإن خاف ذلك في وقت الصلاة الأخيرة قدمها إلى الصلاة الأولى.

تنبيه: إذا جمع من خاف الغلبة على عقله وقت الثانية ثم كشف الغيب بالسلامة من ذلك فقال عيسى يعيد الثانية قال سند يريد في الوقت والأرجح أنه الضروري وقال ابن شعبان لا يعيد وهو ضعيف والمعتمد الأول ثم أشار إلى القسم الثاني بقوله: "وإن كان الجمع أرفق به لـ" أجل إسهال "بطن به ونحوه" مما يشق عليه من سائر الأمراض القيام معه لكل صلاة "جمع" بين الصلاتين المشتركتي الوقت فالظهر والعصر يجمع بينهما "وسط وقت الظهر و" المغرب والعشاء يجمع بينهما "عند غيبوبة الشفق" فيوقع المغرب في آخر وقتها الاختياري بناء على امتداده للشفق والعشاء في أول اختياريها وللصحيح فعل هذا الجمع لأنه ليس جمعا حقيقيا واختلف في المراد بوسط وقت الظهر فقيل أراد به نصف القامة لأن حقيقة الوسط النصف وقيل أراد به آخر القامة وهو قول سحنون وغيره فيجمع جمعا صوريا واستظهر لأنه لا ضرورة له تدعو إلى قيام الصلاة الثانية قبل وقتها والضرورة إنما هي من أجل تكرار الحركة

ص: 195

والمغمى عليه لا يقضي ما خرج وقته في إغمائه ويقضي ما أفاق في وقته مما يدرك منه ركعة فأكثر من الصلوات

ــ

ثم انتقل يتكلم على عذرين من الأعذار المسقطة لقضاء الصلاة أشار إلى أحدهما بقوله: "والمغمى" أي الذي أغمي "عليه لا يقضي ما خرج وقته" من الصلوات المفروضة ومثله السكران بحلال كمن شرب خمرا يظنه لبنا أو عسلا وأولى المجنون "في" حال "إغمائه" أو في حال سكره الحلال أو في حال جنونه وسواء كان الذي فاته في حال إغمائه الخ قليلا أو كثيرا خلافا لابن عمر في أنه يقضي ما قل كخمس صلوات فدون وإلا فلا "ويقتضي" بمعنى ويؤدي "ما أفاق في وقته" من الصلوات المفروضة والمراد بالوقت هنا الضروري وهو في الظهرين الغروب أي نهايته في الظهرين الغروب وفي العشاءين طلوع الفجر أي نهايته طلوع الفجر وفي الصبح طلوع الشمس أي نهايته طلوع الشمس "مما يدرك منه ركعة فأكثر من الصلوات" بيان للقدر من الوقت الذي يلزمه فيه أداء ما أفاق فيه وسقوط ما أغمي عليه في وقته ولا بد أن تكون الركعة كاملة بسجدتيها بعد تحصيل ما يكون به أداء الصلاة وهو الطهارة من الحدث فقط على المعتمد فإذا أغمي عليه ولم يكن صلى الظهر والعصر وقد بقي من النهار ما يدرك فيه خمس ركعات بعد الطهارة من الحدث لم يقضهما لأنه أغمي عليه في وقتهما ولو أفاق وقد بقي من النهار مقدار ما يدرك فيه خمس ركعات بعد الطهارة أيضا قضاهما لأنه أفاق في وقتهما وإذا أغمي عليه ولم يكن صلى المغرب والعشاء وقد بقي من وقتهما مقدار خمس ركعات لم يقضهما ولو أفاق في هذا المقدار قضاهما وكذلك الحكم في السقوط والأداء إذا بقي للفجر أربع ركعات لأنه يعتبر فضل ركعة عن الأولى وإن بقي للفجر مقدار ثلاث ركعات

ص: 196

وكذلك الحائض تطهر فإذا بقي من النهار بعد طهرها بغير توان خمس ركعات صلت الظهر والعصر وإن كان الباقي من الليل أربع

ــ

سقطت العشاء وتخلدت المغرب في ذمته والعذر الآخر أشار إليه بقوله "وكذلك الحائض تطهر" بمعنى انقطع حيضها ومثلها النفساء فما خرج وقته في حال حيضها لا تقضيه وتؤدي ما بقي من وقته مقدار ما يسع ركعة فأكثر بعد تطهرها والوقت الذي تطهر فيه إما أن يكون نهارا أو ليلا "فإذا" تطهرت نهارا و "بقي من النهار بعد طهرها" بالماء حيث لم يكن فرضها التيمم وإلا فمقدار الطهارة الترابية والحاصل أنه يقدر لها الطهر زيادة على ما تدرك فيه ركعة كاملة بسجدتيها ومثلها سائر أرباب الأعذار غير عذر الكفر "بغير توان" أي بغير تأخير لطهرها زاد عبد الوهاب ولبس ثيابها ولكن المعتمد أنه لا يقدر لها إلا الطهر الحدثي وأما الخبثي كالاستبراء الواجب على تقدير أن هناك حاجة فلا يقدر لها وكذلك ستر العورة والاستقبال فلا تقدير لشيء من هذه على المعتمد وكما يعتبر الطهر في جانب الإدراك يعتبر أيضا في جانب السقوط ثم لو شرعت في الظهر لظن إدراك الصلاتين وغربت الشمس صلت العصر وسقطت الظهر وتتم ما تشرع فيه نافلة فتسلم من ركعتين لأنه غير مدخول عليه "خمس ركعات صلت الظهر والعصر" بلا خلاف لأنها تقدر للعصر أربع ركعات وتدرك الظهر بركعة فإن ذكرت منسيتين قبل حيضها صلتهما أولا للترتيب ثم تقضي الظهر والعصر لأنها طهرت في وقتهما وهذا الترتيب في حق الحاضرة وأما المسافرة فإنها تقدر للظهر والعصر بثلاث ركعات لأنها تجعل للظهر ركعتين وللعصر ركعة "وإن" طهرت ليلا و "كان الباقي من الليل" بعد طهرها "أربع

ص: 197

ركعات صلت المغرب والعشاء وإن كان من النهار أو من الليل أقل من ذلك صلت الصلاة الأخيرة وإن حاضت لهذا التقدير لم تقض ما حاضت في وقته وإن حاضت لأربع ركعات من النهار فأقل إلى ركعة أو لثلاث ركعات من الليل

ــ

ركعات صلت المغرب والعشاء" على قول ابن القاسم بناء على التقدير بالمغرب فيكون لها ثلاث ركعات وتبقى ركعة للعشاء وهذا التقدير في حق الحاضرة والمسافرة من غير فرق إذ لا فرق في الليليتين بين الحاضرة والمسافرة وحينئذ يكون قول المصنف وكان من الليل أربع ركعات أي ولو في السفر "و" أما "إن كان" الباقي "من النهار أو الليل أقل من ذلك" أي أقل من خمس ركعات في المثال الأول وأقل من أربع ركعات في المثال الثاني "صلت الصلاة الأخيرة" فقط وهي العصر في الأول والعشاء في الثاني لأنها لم تدرك وهي طاهرة إلا وقتها ولما أنهى الكلام على ما إذا طهرت نهارا أو ليلا انتقل يتكلم على ما إذا حاضت كذلك فقال "وإن حاضت لهذا التقدير" يعني تقدير خمس ركعات للنهار وأربع ركعات لليل "لم تقض ما حاضت في وقته" أخرت ذلك ناسية أو عامدة وإن كانت عاصية في العمد فإن حاضت وقد بقي من النهار ما يسع خمس ركعات ولم تكن صلت الظهر والعصر لم تقضهما لأنها حاضت في وقتهما "وإن حاضت لأربع ركعات من النهار فأقل إلى ركعة" ولم تكن صلت الظهر والعصر "أو" حاضت "لثلاث ركعات من الليل" أي بقي منه مقدار ما يسع

ص: 198

إلى ركعة قضت الصلاة الأولى فقط واختلف في حيضها لأربع ركعات من الليل فقيل مثل ذلك وقيل إنها حاضت في وقتهما فلا تقضيهما ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث ابتدأ الوضوء

ــ

أن توقع فيه ثلاث ركعات فأقل "إلى ركعة" ولم تكن صلت المغرب والعشاء "قضت الأولى فقط" أي الصلاة الأولى وهي الظهر في المثال الأول والمغرب في المثال الثاني لأنها أدركتها وهي طاهرة وتسقط الثانية لحيضها في وقتها والوقت إذا ضاق يختص بالأخيرة إدراكا وسقوطا "واختلف في حيضها" يعني إذا حاضت "لأربع ركعات من الليل" يعني والباقي منه مقدار ما يسع أن توقع فيه أربع ركعات "فقيل" الحكم فيه "مثل ذلك" أي مثل ما إذا حاضت لثلاث ركعات من الليل تقضي الصلاة الأولى فقط وهو لابن عبد الحكم وغيره بناء على أن التقدير بالثانية ووجهه أن الوقت إذا ضاق حتى لا يسع إلا إحدى الصلاتين فالواجب إنما هو الأخيرة "وقيل" الحكم فيه أنها "حاضت في وقتهما فلا تقضيهما" وهو قول مالك وابن القاسم وغيرهما وهو المذهب إذ التقدير عندهم في مشتركتي الوقت بالأولى ووجهه أن أول الصلاتين لما وجب تقديمها على الأخرى فعلا وجب التقدير بها ثم انتقل يتكلم على مسألة حقها أن تذكر في موجبات الوضوء فقال: "ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث" وكان غير مستنكح "ابتدأ الوضوء" وجوبا على المشهور وظاهر عبارة المصنف مصاحبة الشك لليقين في زمن واحد وهو مستحيل فكان الأولى أن يعبر بثم بدل الواو ليعلم منه أن الشك متأخر عن اليقين والمراد بالحدث مطلق الناقض وسواء

ص: 199

ومن ذكر من وضوئه شيئا مما هو فريضة منه فإن كان بالقرب أعاد ذلك وما يليه

ــ

كان ذلك الشك في الصلاة أو خارجها إلا أنه إذا كان فيها بعد دخوله متيقن الطهارة فيجب عليه التمادي فيها وبعد تمامها إن بان له البقاء على الطهارة لم يعدها وإن بان حدثه أو بقي على شكه أعادها وجوبا وكما يجب الوضوء في صورة المصنف يجب في عكسها بالأولى وهو ما إذا تيقن الحدث وشك في الوضوء وكذا إذا تيقنهما وشك في السابق منهما أو شك فيهما وشك في السابق منهما أو لا أو تيقن الوضوء وشك في الحدث وشك مع ذلك هل كان قبله أو بعده أو تيقن الحدث وشك في الوضوء وشك مع ذلك هل كان قبله أو بعده من باب أولى ثم انتقل يتكلم على حكم من ترك شيئا من فرائض الوضوء أو من سننه والأول على أربعة أقسام لأنه إما أن يتركه عمدا أو نسيانا وكل منهما إما أن يذكر بالقرب أو بعد الطول والثاني كذلك فالأقسام ثمانية أشار إلى الأول بقوله: "وإن ذكر من وضوئه شيئا مما هو فريضة منه" مغسولا كان كالوجه واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الكعبين أو ممسوحا وهو الرأس أي كلا أو بعضا "فإن كان" ذكره له "بالقرب أعاد ذلك" أي فعل ذلك المتروك بنية إتمام الوضوء وجوبا لأن الفرض لا يسقط بالنسيان ولا بد أن ينوي إتمام الوضوء على المشهور وإلا لم يجزه كما صرح به التتائي خلافا لابن عمر من قوله المشهور بغير نية لانسحاب النية الأولى عليه وضعف هذا القول "و" إذا فرغ من فعل المتروك أعاد "ما يليه" يعني ما بعده إلى آخر الوضوء استحبابا لأجل الترتيب كذا في بعض الشروح وفي بعضها استنانا واختلف في حد القرب فعن ابن القاسم وهو راجع للعرف في كل ما لم يرد عن الشارع فيه تحديد

ص: 200

وإن تطاول ذلك أعاده فقط وإن تعمد ذلك ابتدأ الوضوء إن طال ذلك وإن كان

ــ

وقيل حده ما لم تجف الأعضاء في الزمان المعتدل والعضو المعتدل والمكان المعتدل وهو المشهور والظاهر كما قاله بعضهم إن المعتبر جفاف الغسلة الأخيرة من العضو الأخير والقسم الثاني أشار إليه بقوله: "وإن تطاول ذلك" يعني ذكر المنسي بأن لم يتذكره إلا بعد جفاف المغسول آخرا "أعاده فقط" يعني فعله أي ثلاثا بنية على الفور من زمن التذكر فلو تأخر عن زمن التذكر حتى طال فسد وضوءه ولو كان ناسيا لأن لا يعذر بالنسيان الثاني على المعتمد وقال ابن حبيب يعيده وما بعد كالقرب واختاره ابن عبد السلام والمشهور الأول والقسم الثالث أشار إليه بقوله: "وإن تعمد ذلك" أي تعمد ترك شيء من فرائض وضوئه "ابتدأ الوضوء" وجوبا "إن طال ذلك" أي ترك الغسل في العضو المغسول والمسح في العضو الممسوح وهذا مبني على أن الفور واجب وهو الإتيان بالوضوء في زمن واحد من غير تفريق متفاحش مع الذكر والقدرة وهو المشهور ومفهوم كلامه وهو القسم الرابع أنه إن تعمد ترك ذلك ولم يطل أعاده وما بعده لأجل الترتيب فالعمد والنسيان لا فرق بينهما في القرب ويفترقان في الطول فالناسي يبني وإن طال بخلاف العامد فإنه لو طال ابتدأ الوضوء ومثله العاجز في بعض صوره وهي أن يعد من الماء ما يظن أنه يكفيه فيغصب منه أو يراق أو يتبين عدم كفايته فهو في هذه الحال كالعامد يبني مالم يطل لأن عنده نوع تقصير بعدم احتياطه بتكثير الماء وأما إن أعد من الماء ما يقطع بكفايته فأريق منه مثلا فهو كالناسي ومثله المكره بمطلق مؤلم من ضرب أو غيره "وإن كان" الذي ترك شيئا مما هو فريضة من وضوئه

ص: 201

قد صلى في جميع ذلك أعاد صلاته أبدا ووضوءه وإن ذكر مثل المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين فإن كان قريبا فعل ذلك ولم يعد ما بعده وإن تطاول فعل ذلك لما يستقبل

ــ

"قد صلى" بهذا الوضوء "في" جميع صور ذلك العمد والنسيان والقرب والبعد "أعاد صلاته أبدا" لأنه قد صلى بغير وضوء وفي نسخة "ووضوءه" لكن إعادة الوضوء إنما هي في قسم واحد وهو ما إذا تركه عمدا وطال ولو حذف المصنف قوله ووضوءه لكان أحسن لفهمه من قوله أولا وإن تعمد ذلك ابتدأ الوضوء إن طال بل الأول أحسن وغيره أوهم العموم لكنه اتكل على ما تقدمه قريبا والقسم الخامس أشار إليه بقوله: "وإن ذكر مثل المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين" أي مما هو سنة ولم ينب عنه غيره ولم يكن فعله موقعا في مكروه احترازا من ترك فضيلة كشفع غسله وتثليثه فحكمه أنه لا يطالب إعادتها أصلا وقولنا ولم ينب عنه غيره احترازا عن رد مسح الرأس وغسل اليدين للكوعين لأنه ناب عنهما غيرهما وقولنا ولم يكن فعله موقعا في مكروه احترازا عن الاستنثار فإنه يؤدي لإعادة الاستنشاق وعن تجديد الماء للأذنين لأنه يؤدي لتكرير المسح فالحكم في غير هذه "إن كان" التذكر للمنسي "قريبا فعل ذلك" المنسي فقط "ولم يعد ما بعده" على المذهب لأن الترتيب فيما بين المسنون والمفروض غير واجب والقسم السادس أشار إليه بقوله: "وإن تطاول" ذكر ما نسيه من سنن وضوئه "فعل ذلك" المنسي فقط دون ما بعده "لما يستقبل" من الصلوات مثال التطاول أن يذكره بعد ما صلى الظهر فإنه يفعله للعصر إن كان باقيا على وضوئه أي فإن أراد أن يصلي به العصر فإنه يسن

ص: 202

ولم يعد ما صلى قبل أن يفعل ذلك ومن صلى على موضع طاهر من حصير وبموضع آخر منه نجاسة فلا شيء عليه.

ــ

في حقه فعل السنة المتروكة ومثل الصلاة الطواف والحاصل أنه مع القرب يفعل المتروك من السنن حيث أراد البقاء على طهارة ولو لم يرد الصلاة ولا غيرها ومع الطول فإنما يسن فعله إذا أراد الصلاة أو الطواف ومفاد المصنف أن الطول هو أن يصلي بذلك الوضوء وعدمه أن لا يصلي به وهو ما صرح به ابن الجلاب "و" إذا صلى بالوضوء الذي نسي منه سنة "لم يعد ما صلى به قبل أن يفعل ذلك" المتروك نسيانا لأنه على يقين من الطهارة ولأن الصلاة لا تبطل بترك شيء من سنن الوضوء ولو كان الترك لجميعها وكذلك سنن الغسل والفرق بين الوضوء والغسل وبين الصلاة حيث جرى الخلاف القوي في سنن الصلاة من أنه إذا ترك سنة عمدا من سننها فقيل بالبطلان وقيل بعدمه لعله احتمال وجوب سننها أي الصلاة لقوله عليه الصلاة والسلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وضعف ذلك في الوضوء لقوله: "توضأ كما أمرك الله" أي ولم يأمر إلا بأربعة وترك المصنف الكلام على ما إذا نكس بأن قدم اليدين مثلا على غسل الوجه وحاصل الكلام عليه أن المنكس يعاد وحده إن بعد الأمر والبعد مقدر بجفاف الأعضاء المعتدلة في الزمان والمكان المعتدلين إن نكس سهوا وإلا أعاد الوضوء والصلاة أبدا أي ندبا في الوقت وغيره وأما مع القرب ولا فرق بين كونه عمدا أو نسيانا فإنه يعيد المنكس ثلاثا استنانا مع تابعه شرعا لا فعلا مرة مرة ندبا "ومن صلى على موضع طاهر من حصير" أو غيره "وبموضع آخر منه" ويروى منها "نجاسة" سواء كانت رطبة أو يابسة تحركت بحركته أو لا "فلا شيء عليه" أي لا إعادة عليه لأن صلاته لم تبطل حتى تستوجب الإعادة لأنه إنما خوطب بطهارة

ص: 203

والمريض إذا كان على فراش نجس فلا بأس أن يبسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا ويصلي عليه وصلاة المريض إن لم يقدر على القيام

ــ

بقعته التي تماسها أعضاؤه وهذا بخلاف العمامة يكون بطرفها المسدول على الأرض نجاسة فإن صلاته باطلة باتفاق إن تحركت النجاسة بحركته وعلى المشهور إن لم تتحرك لأنه حامل للنجاسة بخلاف الحصير فإنه ليس حاملا للنجاسة "والمريض إذا كان" مقيما "على فراش نجس فلا بأس أن يبسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا ويصلي عليه" ويشترط في الثوب الذي يفرش أن يكون منفصلا عن المصلي وإلا بطلت الصلاة ويشترط فيه أيضا أن يكون كثيفا لا إن كان خفيفا يشف بحيث تبدو منه النجاسة بدون تأمل قياسا على ما قيل في ستر العورة وظاهر كلامه أن الصحيح لا يغتفر له ذلك وهو ظاهر المدونة وقيل إن ذلك عام للمريض والصحيح وصوبه ابن يونس وإنما خص المريض بالذكر للغالب أو ليرتب عليه قوله: "وصلاة المريض" الصلاة المفروضة "إن لم يقدر على القيام" فيها لقراءة جميع الفاتحة لا مستقلا ولا مستندا لغير جنب أو حائض بأن عجز عنه جملة أو تلحقه مشقة شديدة إذا كان مريضا وفقه المسألة أن من لا يقدر على القيام جملة أو يخاف به مرضا أو زيادته أو تلحقه المشقة الشديدة بشرط كونه مريضا لا إن كان صحيحا فلا تكون المشقة المذكورة مبيحة له ترك القيام تجوز له الصلاة جالسا واعلم أن وجوب القيام استقلالا إنما هو في حال فعل الفرض كالركوع والإحرام وقراءة الفاتحة على غير المأموم وأما المأموم فلا فإذا استند المأموم في حال قراءتها لعماد بحيث لو أزيل العماد لسقط فصلاته صحيحة كحال

ص: 204

صلى جالسا إن قدر على التربع وإلا فبقدر طاقته وإن لم يقدر على السجود فليومىء بالركوع والسجود ويكون سجوده

ــ

قراءة السورة مطلقا أي فذا أو إماما أو مأموما كما قرره من يدري ولا تلتفت لمن قال غير ذلك واغتر بظاهر عبارة بعض الشراح والاستناد في نحو الركوع مبطل حيث كان على وجه العمد لا على وجه السهو فتبطل الركعة فقط "صلى جالسا" فذا على المشهور أي ولا يصح أن يكون إماما لا لأصحاء ولا لمرضى ولو لمثله هكذا قرره بعضهم وهو ضعيف والمعتمد صحة إمامته لمثله والأفضل أن يجلس متربعا في موضع القيام "إن قدر على التربع" لينبىء جلوسه على هذا الوجه عن البدلية عن القيام وقيل يجلس كما يجلس للتشهد واختاره المتأخرون وعلى الأول يغير جلسته بين السجدتين كما في التشهد وكذا الأفضل في حق المتنفل جالسا التربع لفعله عليه الصلاة والسلام ذلك "وإلا" أي وإن لم يقدر المريض الذي فرضه الجلوس على التربع "فـ" إنه يجلس "بقدر طاقته" من الجلوس والترتيب بينه وبين التربع مندوب لا واجب "وإن لم يقدر" المريض الذي فرضه الجلوس "على" الركوع و "السجود" أيضا بأن عجز عنه جملة أو تلحقه المشقة الشديدة "فليومىء بالركوع والسجود" برأسه وظهره أي لا بد من الإيماء بهما فإن لم يقدر بظهره أومأ برأسه أي إن لم يقدر على الإيماء بهما أومأ برأسه فإن لم يقدر برأسه ويلزم منه عدم القدرة بظهره أومأ بما يستطيع ويضع يديه على ركبتيه إذا أومأ للركوع وإذا رفع رفعهما عنهما وإذا أومأ للسجود وضع يديه على الأرض وإذا رفع منه وضعهما على ركبتيه "ويكون سجوده

ص: 205

أخفض من ركوعه وإن لم يقدر صلى على جنبه الأيمن إيماء وإن لم يقدر إلا على ظهره فعل ذلك ولا يؤخر

ــ

أخفض من ركوعه" استحبابا وقال بعضهم وجوبا وهو المفهوم من كلام المصنف والمدونة ومفهوم أيضا من بعض شراح خليل إذا علمت ذلك فالحكم بالاستحباب ضعيف ويكره للمومىء أن يرفع شيئا يسجد عليه فإن فعل ذلك لم يعد صلاته سواء فعل ذلك عمدا أو جهلا وهذا إذا نوى بإيمائه الأرض فإن نوى به ما رفع دون الأرض لم يجزه كما قاله اللخمي "وإن لم يقدر" المريض أن يصلي جالسا استقلالا ولا مستندا ولا متربعا ولا غير متربع "صلى على جنبه الأيمن إيماء" ويجعل وجهه إلى القبلة كما يوضع في لحده فإن لم يقدر على جنبه الأيمن فعلى جنبه الأيسر ووجهه للقبلة أيضا "وإن لم يقدر" أن يصلي "إلا" مستلقيا "على ظهره فعل ذلك" أي صلى مستلقيا على ظهره إيماء ورجلاه إلى القبلة فإن عجز عن الصلاة مستلقيا على ظهره صلى مضطجعا على بطنه ووجهه إلى القبلة ورجلاه إلى دبرها وحكم الاستقبال في تلك الحالات الوجوب مع القدرة فلو صلى لغيرها مع القدرة بطلت والقدرة تكون بوجود من يحوله فلو وجد من يحوله بعد الصلاة يندب له الإعادة في الوقت واعلم أن الترتيب بين القيام استقلالا واستنادا واجب وبين القيام استنادا مع الجلوس استقلالا مندوب وبين الجلوسين واجب كالترتيب بين الجلوس مستندا والاضطجاع بحالتيه والظهر وحكم الترتيب في هذه الأحوال الثلاثة الندب وبينها وبين الاضطجاع على البطن الوجوب والمصلي من اضطجاع يومىء أيضا وكيفيته أنه يومىء برأسه فإن عجز عن الإيماء برأسه أومأ بعينه وحاجبه فإن لم يستطع فبأصبعه والظاهر كما قال الأجهوري إن ترتيب الإيماء بهذه الثلاثة واجب "ولا يؤخر"

ص: 206

الصلاة إذا كان في عقله وليصلها بقدر ما يطيق وإن لم يقدر على مس الماء لضرر به أو لأنه لا يجد من يناوله إياه تيمم فإن لم يجد من يناوله ترابا تيمم بالحائط إلى جانبه إن كان طينا أو عليه طين فإن كان عليه جص أو جير فلا يتيمم به

ــ

المكلف بمعنى لا يترك "الصلاة إذا كان في عقله وليصلها بقدر ما يطيق" من قيام وجلوس وإيماء واضطجاع ويصلي المريض بقدر ما يستطيع أي ولو بنية أفعالها إن كان لا يقدر على الإيماء بطرف أو غيره وصفة الإتيان بها أن يقصد أركانها بقلبه بأن ينوي الإحرام والقراءة والركوع والرفع والسجود وهكذا إلى آخر أفعال الصلاة ثم شرع يبين ما ذكر في باب التيمم أن في باب جامع الصلاة شيئا من مسائل التيمم وهو قوله: "وإن لم يقدر" المخاطب بأداء الصلاة "على مس الماء لضرر به أو لأنه لا يجد" المريض "من يناوله إياه" أي الماء "تيمم" أي ففرضه التيمم "فإن لم يجد" المريض "من يناوله ترابا تيمم بالحائط إلى جانبه إن كان طينا" أي بني بالطين "أو" بني بغير طين ولكن ركب "عليه طين" وفهم من كلامه أنه يتيمم بالتراب المنقول أي حيث قال فإن لم يجد من يناوله ترابا وفهم منه أيضا أنه لا يتيمم بالحائط إلا مع عدم التراب وهو خلاف المذهب والمذهب جواز التيمم بالحائط مع وجود التراب لكن يندب له أن لا يتيمم به إلا مع عدم التراب قال صاحب المختصر كتراب وهو الأفضل والحاصل أنه يجوز التيمم على الحائط اللبن والحائط الحجر للمريض والصحيح ولو مع وجود التراب حيث لم يكن به حائل يمنع من مباشرته "فإن كان عليه" أي الحائط التي بجنبه "جص أو جير فلا يتيمم به" أي عليه

ص: 207

والمسافر يأخذه الوقت في طين خضخاض لا يجد أين يصلي فلينزل عن دابته ويصلي فيه قائما يومىء بالسجود أخفض من الركوع فإن لم يقدر أن ينزل فيه

ــ

لدخول الصنعة في ذلك وقوله جير صوابه جيار ذكره الزبيدي بفتح الزاي في لحن العوام "والمسافر" الراكب "يأخذه" أي يضيق عليه "الوقت" المختار حالة كونه سائرا كذا في بعض شراح خليل وشرح التتائي أيضا والأحسن الوقت الذي فيه اختياريا أو ضروريا "في طين خضخاض" وهو الطين الرقيق وييأس أن يخرج منه في الوقت الذي هو فيه اختياريا أو ضروريا وهو يستطيع النزول به ولكنه "لا يجد أين يصلي" لأجل تلطخ ثيابه أو لأجل الغرق بالطريق الأولى "فلينزل عن دابته ويصلي فيه قائما يومىء" بالركوع والسجود أي للركوع الخ لكن محل إيمائه للركوع إذا كان الخضخاض آخذا له لصدره بحيث لا يتمكن منه وأما لو كان آخذا لركبتيه مثلا بحيث يتمكن من الركوع فإنه يركع بالفعل ويكون إيماؤه "بالسجود أخفض من الركوع" وإذا أومأ للركوع وضع يديه على ركبتيه وإذا رفع رفعهما عنهما وإذا أومأ للسجود أومأ بيديه إلى الأرض وينوي الجلوس بين السجدتين قائما وكذلك جلوس التشهد إنما يكون قائما أي يفرق بين القيام والجلوس بالنية واحترز بالخضخاض عن اليابس فإنه ينزل ويصلي فيه بالركوع والسجود والجلوس وهكذا حكم من أخذه الوقت في طين خضخاض وغلب على ظنه أنه لا يخرج منه في الوقت الذي هو فيه ضروريا أو اختياريا وأما من غلب على ظنه أنه يخرج منه قبل خروج الوقت فإنه يؤخر إلى آخر الوقت "فإن لم يقدر أن ينزل فيه"

ص: 208

صلى على دابته إلى القبلة وللمسافر أن يتنفل على دابته في سفره حيثما توجهت به

ــ

أي إن محل كونه ينزل عن دابته ويصلي إيماء إن أمكن أن ينزل في الخضخاض فإن لم يمكن أن ينزل فيه لخوف الغرق "صلى على دابته إلى القبلة" فلا يبيح الصلاة على الدابة إلا خوف الغرق وأما خشية تلطخ الثياب لا يوجب صحة الصلاة على الدابة وإنما يبيح الصلاة إيماء بالأرض وكذلك أي ومثل الصلاة على الدابة إلى القبلة إن لم يكن طين وخاف أن ينزل عن دابته من اللصوص أو السباع فإنه يصلي على دابته يومىء بالركوع والسجود إلى الأرض ويرفع عمامته عن جبهته إذا أومأ للسجود ولا يسجد على سرج الدابة ولا غيره ويكون جلوسه متربعا إن أمكنه ذلك وحكم الحاضر حكم المسافر إذا أخذه الوقت في طين خضخاض وإنما اقتصر على المسافر لأن الخضخاض غالبا إنما يكون في السفر "و" يجوز المراد به خلاف الأولى "للمسافر أن يتنفل على دابته في سفره حيثما توجهت به" دابته ظاهره كان راكبا على ظهرها أو في شقدف أو غيره ولكن لا بد أن يكون الركوب معتادا فيخرج الراكب مقلوبا أو بجنبه ومفاد المصنف بحسب الظاهر سواء أحرم إلى القبلة في أول الأمر أم لا خلافا لما نص عليه ابن حبيب من أنه يوجه الدابة إلى القبلة أولا ثم يحرم ثم يصلي حيثما توجهت ومذهب مالك جواز ذلك ليلا ونهارا خلافا لابن عمر لا يتنفل المسافر نهارا ويكون في جلوسه متربعا إن أمكنه ويرفع العمامة عن وجهه في السجود وله ضرب الدابة وركضها إلا أنه لا يتكلم ولا يلتفت واحترز بالمسافر عن الحاضر فإنه لا يتنفل على الدابة وكذلك الماشي لا يتنفل في سفره ماشيا وقوله حيثما توجهت به احتراز من راكب السفينة فإنه لا يتنفل

ص: 209

إن كان سفرا تقصر فيه الصلاة وليوتر على دابته إن شاء ولا يصلي الفريضة وإن كان مريضا إلا بالأرض إلا أن يكون إن نزل صلى جالسا إيماء لمرضه فليصل على الدابة بعد أن توقف له ويستقبل بها القبلة ومن رعف

ــ

فيها إلا إلى القبلة فيدور معها حيثما دارت إن تمكن من ذلك والأصل فيما ذكر ما صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يسبح على الراحلة قبل أي جهة توجهت ويوتر عليها أي يصلي النافلة ولا يصلي المكتوبة والراحلة هي الناقة التي تصلح لأن ترحل "إن كان سفرا تقصر فيه الصلاة" أي إن شرط جواز تنفل المسافر على الدابة حيثما توجهت أن يكون سفره سفرا تقصر فيه الصلاة فلو كان دون مسافة القصر أو سفر معصية فلا "وليوتر" المسافر "على دابته إن شاء" بالشرط المتقدم وإن شاء أوتر على الأرض وهو الأفضل "ولا يصلي" أي المسافر "الفريضة وإن كان مريضا إلا بالأرض" دليله الحديث المتقدم "إلا أن يكون إن نزل" عن دابته "صلى جالسا إيماء" بالركوع والسجود "لـ" أجل "مرضه فليصل" الفريضة "على الدابة بعد أن توقف له ويستقبل بها القبلة" ظاهره كالمختصر الجواز من غير كراهة والذي في المدونة الكراهة وقيدت بما إذا صلى حيثما توجهت به راحلته وأما إذا أوقفت له واستقبل وصلى فلا كراهة وهذا التقييد نقله الفاكهاني عن الشيخ ثم قال فالذي في الرسالة تقييد لما في المدونة "ومن رعف" قد ذكر في الصحاح فيه ثلاث لغات وهي فتح العين في الماضي وضمها وفتحها في المستقبل والشاذ ضمها فيهما وعبر صاحب المصباح بالقلة فيما عبر فيه الصحاح بالشذوذ والمعنى

ص: 210

مع الإمام خرج فغسل الدم ثم بنى ما لم يتكلم أو يمش على نجاسة

ــ

أن من خرج من أنفه دم حالة كونه في الصلاة "مع الإمام خرج فغسل الدم" أي يخرج لغسل الدم الذي خرج من أنفه ممسكا لأنفه من أعلاه ولم يظن دوامه لآخر الوقت المختار وأما إذا ظن دوامه لآخر الوقت المختار فإنه يتمها ولا يخرج ولو كان الدم سائلا حيث كان في غير مسجد أو فيه وفرش شيئا يلاقي به الدم أو كان محصبا أو متربا لا حصير عليه لأن ذلك ضرورة ويغسل الدم بعد فراغه فإن كان في مسجد مفروش أو مبلط يخشى تلويثه ولو بأقل من درهم فإنه يقطع وجوبا ومحل كونه يتم صلاته بالركوع والسجود ما لم يخش ضررا بالركوع والسجود أو تلطخ ثيابه التي يفسدها الغسل وإلا أتمها ولو بالإيماء لا إن خشي تلطخ جسده أو ثيابه التي لا يفسدها الغسل فلا يجوز له الإيماء "ثم" بعد أن يفرغ من غسل الدم "بنى" بمعني يبني لأن الفقيه إنما يتكلم على أحكام مستقبلة ولا يقطع الصلاة على المشهور وقال ابن القاسم الأفضل القطع قال زروق وهو أولى بالعامي ومن لا يحسن التصرف في العلم لجهله وسند المشهور عمل جمهور الصحابة والتابعين وقال أبو حنيفة تبطل الصلاة بناء على أن الخارج النجس ينقض الوضوء وحيث قلنا بالبناء فله ستة شروط أشار إلى اثنين منها بقوله: "ما لم يتكلم أو يمش على نجاسة" أما الأول فظاهره البطلان إن تكلم مطلقا عمدا أو جهلا أو نسيانا ولا فرق بين أن يكون الكلام في ذهابه أو عوده ما لم يكن لإصلاحها وإنما بطلت بالكلام نسيانا لكثرة المنافيات قاله الأجهوري وأما الثاني فظاهره البطلان إن مشى على نجاسة مطلقا سواء كانت النجاسة رطبة أو يابسة أما إذا كانت رطبة فمتفق على

ص: 211

...................................................................................

ــ

البطلان وأما إن كانت يابسة كالقشب فكذلك عند سحنون قال بهرام وهذا كله في العذرة وأما أرواث الدواب وأبوالها فإنه يبني إذا مشى عليها اتفاقا لأن الطرقات لا تخلو عن ذلك غالبا وظاهر عبارته ولو رطبة ولو عامدا وليس كذلك قال الحطاب قلت وينبغي أن يقيد بما إذا وطئها ناسيا أو مضطرا لذلك لعمومها وانتشارها في الطريق وأما إن وطئها عامدا من غير عذر لسعة الطريق وعدم عمومها وإمكان عدوله فينبغي أن تبطل صلاته لانتفاء العلة التي هي الضرورة وفقه المسألة أن المرور على النجاسة مع العمد والاختيار مبطل مطلقا ولو يابسة ولو أرواث داوب وأما مع الاضطرار فلا بطلان ولا إعادة أيضا في المرور على أن أرواث الدواب ولو رطبة وكذا في المرور على غيرها لا بطلان لكن يستحب الإعادة في الوقت هذا كله مع العلم وأما مع النسيان ففي نحو العذرة إن لم يتذكر إلا بعد الصلاة فلا بطلان وتندب الإعادة في الوقت وإذا تذكر وهو في الصلاة وقد تعلق به شيء بطلت صلاته وإن لم يتعلق به شيء فيتحول وتصح صلاته على الراجح وأما أرواث الدواب فإن لم يتذكر إلا بعد الفراغ فلا إعادة عليه لا في الوقت ولا في غيره وإن تذكر فيها فلا بطلان أيضا ولا إعادة وإنما يدلكها.

الشرط الثالث: أن لا يتجاوز ماء قريبا إلى آخر ولا بد أن يكون الماء القريب قريبا في نفسه لا قريبا بالنسبة إلى ما هو أبعد منه.

الرابع: أن لا يستدبر القبلة لغير طلب الماء وأما لطلب الماء فلا بطلان.

الخامس: أن يقطر الدم أو يسيل ولا يتلطخ به أما إن رشح فقط من غير أن يسيل أو يقطر فلا يخرج لغسله.

السادس: أن يكون الراعف في جماعة إماما كان أو مأموما أما الفذ ففي بنائه قولان مشهوران منشؤهما هل رخصة البناء لحرمة الصلاة وهي المنع من إبطالها أو لتحصيل فضل الجماعة فيبني على الأول دون الثاني فإذا استكملت الشروط

ص: 212

ولا يبني على ركعة لم تتم بسجدتيها وليلغها ولا ينصرف لدم خفيف وليفتله بأصابعه إلا أن يسيل أو يقطر

ــ

"و" بنى فـ "لا يبني على ركعة" يعني لا يعتد بركعة "لم تتم بسجدتيها" وإنما يعتد بركعة تمت بسجدتيها على ما نقل عن ابن القاسم وقال ابن مسلمة يبني على القليل والكثير كان ذلك في الركعة الأولى أو في غيرها واستظهره ابن عبد السلام فعلى رواية ابن القاسم لو رعف بعد الركوع وقبل السجود أو بعد أن سجد سجدة واحدة ألغى ذلك وابتدأ القراءة "وليلغها" تكرار زيادة في البيان وهذا الذي تقدم إذا كان الدم كثيرا يدل عليه قوله: "ولا ينصرف لـ" غسل "دم خفيف وليفتله بأصابعه" يعني برؤوس أصابع يده اليسرى وصفة الفتل أن يلقاه أولا برأس الخنصر ويفتله برأس الإبهام ثم بعد الخنصر البنصر ثم الوسطى ثم السبابة وانظر قول المصنف "إلا أن يسيل أو يقطر" هل أراد ابتداء فيكون تقدير كلامه وليفتله بأصابعه إلا أن يسيل أو يقطر فلا يبتدىء فتله ولينصرف إلى الماء وإنما أراد إذا سال أو قطر بعد أن فتله فيكون تقدير الكلام أنه يفتله بأصبعه إلا أن يغلب عليه بالسيل أو القطر فلا يفتله وهذا هو المناسب وأما الاحتمال الأول فهو عين قوله ومن رعف الخ وحينئذ فقوله إلا أن يسيل أو يقطر أي فلا يفتله وهذا إذا كان القاطر لا يمكن فتله وإلا فتله وهل أراد بقوله أيضا إلا أن يسيل أو يقطر على الأرض أو على ثوبه أما إذا سال أو قطر على الأرض فإنه ينصرف ويغسله ويبني استحبابا وله القطع وهذا إذا لم يخش تلويث مسجد ولو بأقل من درهم وإلا قطع ولو ضاق الوقت وإن سال على ثوبه أو على أصابعه وتجاوز الأنملة العليا إلى الوسطى بقدر لا يعفى عنه بأن زاد على درهم فإنه يقطع وأما ما كان في العليا فلا بطلان به ولو زاد على

ص: 213

ولا يبني في قيء ولا حدث ومن رعف بعد سلام الإمام سلم وانصرف وإن رعف قبل سلامه انصرف وغسل الدم ثم رجع فجلس

ــ

درهم وإن سال على ثوبه فإنه يبني أيضا إن سلمت ثيابه من القذر الذي لا يعفى عنه ولما كان البناء للرعاف تعبديا لا يقاس عليه وخشي أن يتوهم القياس عليه رفع ذلك التوهم بقوله: "ولا يبني" ويروى ولا يبن فعلى الأولى لا نافية وعلى الثانية ناهية والفعل مجزوم بحذف الياء "في قيء" مطلقا عمدا أو سهوا أي قيء متنجس خرج منه حال صلاته ولو قليلا ومثله الطاهر الكثير والحاصل أن الصلاة لا تبطل بالطاهر بشرط كونه يسيرا وخرج غلبة فإذا كان نجسا ولو يسيرا أو طاهرا كثيرا أو تعمد إخراجه بطلت صلاته وكذا لو تعمد ابتلاعه والموضوع أنه خرج غلبة وأما لو ابتلعه غلبة في ذلك الموضوع ففي بطلان صلاته قولان متساويان لا أرجحية لأحدهما على الآخر وأما سهوا فلا "ولا" يبني أيضا في "حدث" ولا غيرهما على المشهور ومقابله ما لأشهب من أنه يبني في الحدث ويبني أيضا من رأى في ثوبه أو جسده نجاسة أو أصابه ذلك وهو في الصلاة وسند القول المشهور أن الأصل عند البناء في الجميع فجاءت الرخصة في الرعاف وبقي ما سواه على الأصل "ومن رعف بعد سلام الإمام سلم وانصرف" وإنما أبيح له السلام وهو حامل النجاسة لأنه أخف من ذهابه إلى الماء "وإن رعف قبل سلامه" أي قبل سلام الإمام "انصرف" إلى الماء "وغسل الدم" لأنه إن لم يخرج فقد تعمد حمل النجاسة في صلاته وقد بقي بعضها "ثم رجع" ليسلم "فجلس" وأعاد التشهد إن كان قد تشهد على المشهور

ص: 214

وسلم وللراعف أن يبني في منزله إذا يئس أن يدرك بقية صلاة الإمام إلا في الجمع فلا يبني إلا في الجامع

ــ

فإن لم يكن تشهد تشهد من غير خلاف "وسلم" وظاهر كلامه أنه يخرج لغسل الدم ولو كان سلام الإمام عقيب رعافه وليس كذلك بل إن كان سلام الإمام قريبا من رعافة فإنه يسلم وينصرف وتجزئه صلاته كالمسألة التي قبلها لأنه لم يبق عليه شيء من فعل الصلاة يحتاج معه إلى البناء عليه ثم انتقل يبين أين يتم الراعف صلاته بعد غسل الدم بالشروط المتقدمة فقال "وللراعف" إذا كان في جماعة "أن يبني في منزله" أي في مكانه الذي غسل فيه الدم إن أمكنه أو في أقرب الأماكن التي يمكنه فيها الصلاة "إذا يئس أن يدرك بقية صلاة الإمام" المراد باليأس هنا غلبة الظن قال ابن ناجي ظاهر كلامه أنه إذا طمع أن يدرك شيئا من صلاة الإمام ولو السلام فإنه يرجع إليه وهو كذلك على ظاهر المدونة وغيرها وقال ابن شعبان إن لم يرج إدراك ركعة أتم مكانه وإنما لزم الرجوع مع الشك لأن الأصل لزوم متابعته للإمام فلا يخرج منها إلا بعلم أو ظن وما تقدم من أن للراعف أن يبني في أي مكان يمكنه الصلاة فيه عام في كل صلاة جماعة "إلا في" صلاة "الجمعة" إذا أدرك مع الإمام ركعة بسجدتيها وكذلك يجب الرجوع على من ظن إدراك ركعة مع الإمام بعد رجوعه وإن لم يدرك معه ركعة قبل الرعاف وأما إذا لم يدرك ركعة قبل الرعاف ولا ظن إدراك ركعة بعد رجوعه مع الإمام فإنه لا يرجع بل يقطع ويبتدىء ظهرا بإحرام ولو بنى على إحرامه وصلى أربعا فالظاهر الصحة كما قال الحطاب ومحل ابتدائها ظهرا حيث لم يتمكن من صلاة الجمعة وإلا فلا بأن كان البلد مصرا تتعدد فيه الجمعة "فـ" إنه "لا يبني" فيها "إلا في الجامع" أي الذي

ص: 215

ويغسل قليل الدم من الثوب ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره

ــ

ابتدأها فيه ولو ظن فراغ إمامه لأن الجامع شرط في صحة الجمعة ولا يتمها برحابه ولو كان ابتدأها به لضيق أو اتصال صفوف كما استظهره الحطاب وقال ابن عبد السلام يصح إتمامها في الرحاب ومن كلف بالبناء في الجامع الذي ابتدأها فيه لا يكلف بموضعه الذي صلى فيه مع الإمام بل يكفي أي موضع منه لأن ذلك يؤدي إلى كثرة الفعل وكثرته تبطل ولو صلى في جامع غير الذي صلى فيه لبطلت صلاته وإن كان أقرب منه تت وعج وظاهر قوله لا يبني إلا في الجامع سواء حال بينه وبين عوده إليه حائل أم لا وهو المشهور وعليه فإن حال بينه وبين الجامع الذي ابتدأها فيه حائل قبل إتمام صلاته بطلت جمعته ولما تكلم على الرعاف شرع يتكلم على مسألة تقدمت في باب الطهارة لمناسبة تلك المسألة لذلك المقام من حيث الحكم على الغسل المذكور بالاستحباب الذي هو المعتمد إذ هو يؤذن بأن هذا الدم معفو عنه فقال: "ويغسل قليل الدم من الثوب" يعني والجسد والبقعة قال ابن عمر يريد المصنف على جهة الاستحباب فيكون مفاد المصنف ويغسل قليل الدم الخ أي ندبا لا وجوبا وهذا هو مذهب المدونة أي إن غسل الدم القليل لا الكثير مستحب على مذهب المدونة إذا تقرر هذا تعلم أن مذهب المدونة واستحباب غسل القليل لا الكثير وتعلم أيضا أنه مخالف لقول زروق أن مذهب المدونة وجوب غسل قليل الدم "ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره" وفي حده وحد اليسير مشهور الخلاف فقيل الكثرة معتبرة بالعرف وقيل لا وهو المشهور أي إن المشهور اعتبار الكثير بالدرهم البغلي فيما كانت مساحته قدر مساحة الدرهم البغلي أي الذي في ذراع البغل فهو كثير وإليه أشار مالك في العتبية وقال ابن

ص: 216