الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا ازداد المسلمون شجاعةً وإقدامًا، فأنزل الله النصر، وهزم أعداء المسلمين.
9 -
مشاركته الفعلية في الدفاع عن المسلمين بلسانه ويده وسيفه.
10 -
قوله لسلطان المسلمين حينما قال له عند اشتداد المعركة: "يا خالد بن الوليد "، فقال ابن تيمية: قل: يا {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ - إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4 - 5]
فرحم الله ابن تيمية وغفر له.
وهكذا ينبغي لكل داعية إلى الله أن يظهر من عمله ما يصدق قوله، رغبة فيما عند الله والدار الآخرة، وبذلك يفتح الله له قلوب العباد وأسماعهم، وتظهر دعوته إلى الله، ويظهر أثرها، وأثر إخلاص صاحبها مع الله عز وجل.
4 -
مناظراته الحكيمة:
من مواقفه الحكيمة مناظراته التي غلب فيها أخصامه وأعجزهم، وانقادوا له طوعًا أو كرهًا، فقد كان شيخ الإسلام على عقيدة السلف الصالح، ويعض على هذه العقيدة بالنواجذ، ويبذل جهده ووقته، وفكره في إرجاع جميع الطوائف المنحرفة إلى هذه العقيدة، ويرى رأي إمام دار الهجرة مالك بن أنس من أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو رأي كل حكيم عليم بداء الأمة ودوائها قديمًا وحديثًا.
وكان الشيخ رحمه الله شديد الانتصار لمذهب السلف والدفاع عنه بالحجج النقليّة والعقليّة، وقد عقدت له مناظرات في مصر والشام، كان معظمها يحوم حول هذه القضية (1) ومن هذه المناظرات على سبيل المثال لا الحصر، ما يأتي:
(1) انظر: حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، لمحمد بهجة البيطار ص27.
(أ) المناظرة الأولى: في العقيدة الواسطية التي كتبها لرضي الدين الواسطي، من أصحاب الشافعي، حينما طلب منه بإلحاح أن يكتب له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته في مدينة واسط، فكتبها الشيخ، وانتشرت بين الناس، مما أدى إلى ثورة كثير من علماء الجهمية والاتحادية والرافضة، وغيرهم من ذوي الأحقاد، فسعى هؤلاء إلى السلطان في البلاد المصرية، فكتب السلطان إلى نائبه على بلاد الشام يأمره بجمع قُضاة المذاهب الأربعة، وغيرهم من نوابهم، والمفتين، والمشايخ، وعندما وصل الكتاب إلى أمير الشام جمع قضاة المذاهب الأربعة والعلماء، والشيخ تقي الدين في قصر الولاية بدمشق، وذلك يوم الاثنين الثامن من رجب سنة 705هـ، ثم بدأ المجلس وقراءة العقيدة الواسطية من أولها، ومناقشة الشيخ ومناظرته بحضور الأمير، فناظرهم الشيخ، ورد عليهم، وبيّن لهم مذهب السلف الصالح، وأن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي التي يدل عليها الكتاب والسنة وإجماع السلف، وصار يناظر أصحاب المذاهب، فكان أعلم بمذاهبهم منهم، وأعجزهم أمام الأمير، ثم انتهى المجلس الأول.
واجتمعوا للمجلس الثاني يوم الجمعة بعد الصلاة الثاني عشر من رجب سنة 705هـ، وقد أحضر قضاة المذاهب الأربعة، معهم صفي الدين الهندي، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلامًا كثيرًا، ولكن ساقيته لاطمت بحرًا عميقًا، ثم استلم من ناظره عقبه، فكان كالبحر الزاخر، حتى إن هؤلاء القضاة والعلماء عجزوا عن مناظرته؟ لأنه كان يرد عليهم بالكتاب والسنة والآثار عن السلف الصالح، وكان يلزمهم بالكتاب والسنة، ويدعوهم إلى التمسك بمذهب السلف الصالح، ويبين لهم أنه لم يضع هذه العقيدة من ذات نفسه، وليس لأحد أن يشرِّع للناس ما لم يأذن به الله، وإنما العقيدة تؤخذ من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع سلف
هذه الأمة، فما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم وجب على كل مسلم أن يُثبته لله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف، وما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم وجب نفيه عنه، لأنه تعالى أعلم بنفسه.
وانتهى هذا المجلس بعجز المجلس أمام الأمير عن ابن تيمية، فخرج الشيخ والناس يحملون له الشمع إلى منزله على عادتهم في ذلك.
ثم عُقِد المجلس الثالث في اليوم السابع من شعبان سنة 705هـ في القصر، واجتمع الجماعة كلهم على الرضى بالعقيدة الواسطية، وأخذ بعضهم يمدح الشيخ ويُثْنِي عليه، وكان هذا كله أمام رئيس المجلس نائب السلطان (1).
فأظهر الله الحق، وأبطل الباطل، وظهرت حكمة ابن تيمية أمام الجميع، فجزاه الله خير الجزاء.
(ب) المناظرة الثانية التي أعز الله بها أهل السنة وخذل بها أهل البدع والخرافات، وذلك أن الطائفة الأحمدية البطائحية (2) كانوا يخالفون الشيخ تقي الدين في عقيدة السلف الصالح، وكان يأمرهم باتِّباع الكتاب والسنة، وينكر عليهم فعلهم وأحوالهم الشيطانية.
وفي يوم السبت تاسع جمادى الأولى سنة 705هـ حضر هؤلاء المبتدعة في جموع هائلة إلى قصر نائب دمشق، يسألون نائب السلطان أن يكفَّ
(1) انظر المناظرة مطولة بالتفصيل في مجموع فتاوى شيخ الإسلام 3/ 160 - 201، وحياة ابن تيمية، لمحمد بهجة البيطار ص27، والبداية والنهاية -بألفاظ مختصرة ومفيدة- 14/ 36، 37.
(2)
البطائحية: الطائفة المعروفة بالرفاعية، نسبة إلى البطائح التي سكنها الشيخ أحمد الرفاعي، ويقال لها أيضا: الرفاعية والأحمدية، نسبة إلى لقبه أو اسمه: أحمد بن أبي الحسن علي بن أبي العباس أحمد، المعروف بابن الرفاعي وكان رجلًا صالحًا فقيهًا شافعيًا، ولأتباعه أحوال عجيبة من أكل الحيات وهي حية، والنزول في التنانير وهي نشتعل فيطفئونها. . . انظر: وفيات الأعيان 1/ 71.
عنهم الشيخ ابن تيمية ومذهبه السلفي، وعندما رآهم الناس اجتمع عليهم جمٌّ غفير، ولكن الأمير لم يقبل منهم إلا بحضور الشيخ ومناظرته، فأرسل إليه ووصل، وسأله الأمير، فأخبره ابن تيمية أن هؤلاء من أهل البدع، وقد أفسدوا من دين المسلمين ما الله به عليم، وذكر له جميع ما يعرف عنهم، وأنه ينهاهم عن البدع وهم يأتون بأحوال شيطانية، ومنها دخولهم النار، واستعد الشيخ أنهم إن دخلوا النار في هذا اليوم فسيدخل معهم، ومن احترق فعليه لعنة الله، ولكن بعد غسل الأجسام بالخل والماء الحار؟ لأنهم يطلون أجسامهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع وباطن قشر النارنج، فإذا غسلت الأجسام بطلت الحيلة، وحضر شيوخهم الأكابر يطلبون من الأمير الإصلاح، والعفو عن الماضي والتوبة، واتباع الكتاب والسنة، فقبل منهم ابن تيمية، ولكن عارض شيخ آخر من الصوفية، فناظره ابن تيمية فغلبه أمام الجموع الغفيرة.
وتحداهم ابن تيمية في مشارق الأرض ومغاربها بأي شيء يصنعونه في النار من حيلهم فسيصنع مثلهم بشرط الغسل.
ولحكمة ابن تيمية قال: يكفي في ذلك قنديل يوقد داخل أصبع المناظر منهم وابن تيمية بعد الغسل، وعندما سمع الصوفية ذلك انهزموا أمام الجموع، وأقروا بالتزام الكتاب والسنة، وطلب ابن تيمية من الأمير أن يضرب عنق من خالف منهم الكتاب والسنة، فأعلن الأمير ذلك للناس، وأن من خالف الكتاب والسنة ضَرِب عنقه، وطلب الصوفية من الشيخ الكتب الصحيحة، فبذلت لهم، وتفرق الجميع على التوبة (1) وسُمِعَ
(1) انظر: هذه المناظرة مطولة في مجموع فتاوى ابن تيمية 11/ 445 - 475، وقد سقتها بالمعنى، وانظر مناظرات أخرى في مواقف حكيمة أخرى مفيدة جدًّا، في مجموع الفتاوى 11/ 135 - 156، ومناظرة في العقيدة الحموية التي كتبها الشيخ سنة 698هـ لأهل حماة في البداية والنهاية 14/ 4.