الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصلوا المدينة بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وأقام الأشج عند رحالهم، فجمعها، وعقل ناقته، ولبس أحسن ثيابه، ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقربه النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:«تبايعونِ على أنفسكم وقومكم؟ " فقال القوم: نعم، فقال الأشج: يا رسول الله، إنك لم تزاول الرجل على شيء أشد عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا، ونرسل من يدعوهم، فمن اتبعنا كان منا، ومن أبى قاتلناه، قال: " صدقت، إن فيك خصلتين. . .» . الحديث.
فالأناة: تربصه حتى نظر في مصالحه، ولم يعجل، والحلم؛ هذا القول الذي قاله، الدال على صحة عقله، وجودة نظره للعواقب (1).
[الحلم خلق عظيم من أخلاق النبوة والرسالة]
ومما يؤكد أن الحلم من أعظم أركان الحكمة ودعائمها العظام أنه خلق عظيم من أخلاق النبوة والرسالة، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم عظماء البشر، وقدوة أتباعهم من الدعاة إلى الله والصالحين في الأخلاق المحمودة كافة.
وقد واجه كل واحد منهم من قومه ما يثير الغضب، ويغضب منه عظماء الرجال، ولكن حلموا عليهم، ورفقوا بهم، ولانوا لهم حتى جاءهم نصر الله المؤزر، وعلى رأسهم إمامهم، وسيدهم، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن غريباً أن يوجهه الله تعالى إلى قمة هذه السيادة حين يقول له:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ - وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 199 - 200](2). {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34](3)
(1) شرح النووي على مسلم 1/ 189، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 6/ 152.
(2)
سورة الأعراف، الآيتان 199، 200.
(3)
سورة فصلت، الآية 34.