الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
من مواقف عمر بن عبد العزيز
يرى كثير من العلماء أن عمر بن عبد العزيز (1) من المجددين على رأس المائة الأولى، لقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدّد لها دينها» (2) وعلى هذا كان رحمه الله أول المجددين (3) وله رحمه الله مواقف كثيرة حكيمة في دعوته إلى الله، منها ما يلي:
(أ) من
مواقفه الحكيمة قبل الخلافة:
له رحمه الله مواقف كثيرة قبل الخلافة مع الخلفاء منها:
1 -
أقبل سليمان بن عبد الملك (4) إلى جيشه ومعه عمر بن عبد العزيز، وفي ذلك المعسكر: الخيول والجمال والبغال والأثقال والرجال، فقال سليمان: ما تقول يا عمر في هذا؛ فقال: أرى دنيا يأكل بعضها بعضًا، وأنت المسئول عن ذلك كله، فلما اقتربا من المعسكر إذا غراب قد أخذ لقمة في فيه من فسطاط سليمان وهو طائر بها، ونعب نعبةً، فقال له سليمان: ما هذا يا عمر؛ فقال: لا أدري. فقال: ما ظنك أنه يقول؛ قال
(1) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، وأمه أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولد سنة 63 هـ، وقيل 61 هـ، أرسله والده إلى المدينة يتفقه في الدين، فلما توفي والده أخذه عمه عبد الملك بن مروان، وزوجه بنته فاطمة، وعندما ولي الوليد بن عبد الملك ولاه المدينة ومكة والطائف من سنة 86 هـ إلى 93 هـ، ثم قدم الشام، وبقي بها حتى ولي الخلافة في 10/ 2 / 99 هـ فأصلح الله به العباد والبلاد، ثم مات مسمومًا في 25/ 7 / 101 هـ. انظر: البداية والنهاية 9/ 92 - 96، وسير أعلام النبلاء 5/ 122.
(2)
رواه أبو داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة 4/ 109، والحاكم 4/ 522، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 150 برقم 599.
(3)
انظر: البداية والنهاية 9/ 207، وعون المعبود 11/ 387.
(4)
سليمان بن عبد الملك بن مروان، بويع بالخلافة بعد أخيه الوليد، له أعمال جليلة، وتوفي عاشر صفر، سنة 99 هـ. سير أعلام النبلاء 5/ 111.
عمر: كأنه يقول: من أين جاءت وأين يُذهَبُ بها؟ فقال له سليمان: ما أعجبك؟ فقال عمر: أعجب ممن عرف الله فعصاه، ومن عرف الشيطان فأطاعه، ومن عرف الدنيا فركن إليها (1) وهذه كلمات حكيمة في الدعوة إلى الله موجّهَة إلى خليفة المسلمين، استغل عمر توجيهها إليه في الفرصة المناسبة، ملتزمًا طريق الحكمة في ذلك كله.
2 -
وحجّ سليمان بن عبد الملك ومعه عمر بن عبد العزيز فأصابهم برق ورعد، حتى كادت تنخلع قلوبهم، فنظر سليمان إلى عمر وهو يضحك، فقال سليمان: يا أبا حفص، هل رأيت مثل هذه الليلة قط أو سمعت بها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هذا صوت رحمة الله، فكيف لو سمعت صوت عذاب الله؟ فقال: هذه المائة ألف درهم، فتصدق بها. فقال عمر: أو خير من ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: وما هو؟ قال: قوم صحبوك في مظالم لهم لم يصلوا إليك، فجلس سليمان فرد المظالم (2).
الله أكبر ما أحكم هذا الموقف وأعظمه! فقد استطاع عمر بن عبد العزيز بعون الله - تعالى - ثم بحكمته أن يؤثر على سليمان حتى جلس ورد المظالم.
3 -
ومن أعظم مواقفه الحكيمة مع سليمان بن عبد الملك أن سليمان قال له: يا أبا حفص، إنا ولينا ما قد ترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به، فكان من ذلك أن عمر أمر بعزل عمال الحجاج، وأقيمت الصلاة في أوقاتها بعد ما كانت أميتت عن وقتها، مع
(1) انظر: مناقب عمر، لابن الجوزي، ص 52، والبداية والنهاية 9/ 195.
(2)
انظر: مناقب عمر، لابن الجوزي، ص 52، 53، وسير أعلام النبلاء 5/ 121.