الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نعمة وعافية وراحة، والمسلمون في إيذاء وتعذيب، فعندما أعلن إسلامه، وبدأت قريش تقاتله وثب على عتبة بن ربيعة فبرك عليه، وأدخل أصبعه في عينيه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عن عمر، وقام عمر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ شريف من دنا منه، حتى تراجع الناس عنه (1) وعندما اشتد أذى المشركين على المسلمين، وأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة، وابتدأت وفود المسلمين متجهة إلى المدينة وكلها مختفية في هجرتها وانتقالها، إلا هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد رُوِي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ما علمت أن أحدًا من المهاجرين هاجر إلا مختفيًا، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهمًا، وأتى الكعبة، وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعًا متمكنًا، ثم أتى المقام فصلى ركعتين، ثم أتى حلقهم، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، فقال: شاهت الوجوه، من أراد أن تَثْكَله أمه وييتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، فما تبعه منهم أحد (2).
2 -
موقفه الحكيم في تثبيته الناس على بيعة أبى بكر رضي الله عنه:
عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلّم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلامًا قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر، فتكلم أبلغ الناس، فقال
(1) انظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 3/ 125، وأعلام المسلمين لخالد البيطار 2/ 22، 23.
(2)
انظر: تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي ص 115، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 3/ 125، وأعلام المسلمين 2/ 25.
في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر. لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء، وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب دارًا، وأعربهم أحسابًا، فبايعوا عمر، أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنتَ، فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس (1).
فرضي الله عن عمر وأرضاه، فإنه عندما ارتفعت الأصوات في السقيفة وكثر اللَّغَطُ، وخشي عمر الاختلاف، ومن أخطر الأمور التي خشيها عمر أن يُبْدَأ بالبيعة لأحد الأنصار فتحدث الفتنة العظيمة؛ لأنه ليس من اليسير أن يبايع أحد بعد البدء بالبيعة لأحد الأنصار، فأسرع عمر رضي الله عنه إخمادًا للفتنة، فقال لأبي بكر: ابسط يدك، فبسط يده فبايعه، وبايعه المهاجرون، ثم الأنصار (2).
وعندما كان يوم الثلاثاء جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس، إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت، وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدًا عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني قد كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيُدَبّر أمرنا، يقول: يكون آخرنا، وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بيعته العامة بعد بيعة السقيفة (3).
(1) البخاري مع الفتح، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذًا خليلًا 7/ 20.
(2)
انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 7/ 32، وسيرة ابن هشام 4/ 339، والبداية والنهاية 5/ 246، 6/ 301، وحياة الصحابة 2/ 11، وتاريخ الخلفاء ص51.
(3)
انظر: سيرة ابن هشام 4/ 340، والبداية والنهاية 5/ 248، 6/ 301، والتاريخ الإِسلامي لمحمود شاكر 3/ 57.