الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كفاك بائقة يزيد بن عبد الملك، وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله وكلك الله إليه، فبكى عمر بن هبيرة وقام بعبرته (1).
وهذا يدل على حكمة الحسن رحمه الله وما له في النفوس من مكانة وتقدير، فقد جهر بالحق في هذا الموقف ولم تأخذه في الله لومة لائم. وهكذا ينبغي للدعاة إلى الله - تعالى -، ولكن لا بد من الحكمة، وبالتي هي أحسن، فإن ذلك أدعى لقبول الدعوة، والله المستعان.
3 -
موقفه مع القراء:
خرج الحسن من عند ابن هبيرة يومًا فإذا هو بالقراء على الباب (2) فقال: ما يجلسكم ها هنا؟ تريدون الدخول على هؤلاء الخبثاء؟ أما والله ما مجالستهم مجالسة الأبرار، تفرقوا فرق الله بين أرواحكم وأجسادكم، قد فرطحتم (3) نعالكم، وشمرتم ثيابكم، وجزرتم شعوركم، فضحتم القراء فضحكم الله (4) والله لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم
(1) انظر: حلية الأولياء 2/ 149.
(2)
لسائل أن يسأل: كيف يخرج الحسن من عند ابن هبيرة ويلوم القراء على وقوفهم ببابه رغبة في الدخول عليه؟
ويجاب على ذلك أن الحسن لم يدخل على ابن هبيرة ليسأله مالًا أو شيئًا من أمور الدنيا، إنما ذلك لله ومن أجل الله والدعوة إليه، والذي قبحه الحسن هو الرغبة في الدنيا والطمع في أموال الأمراء والسلاطين، أما من دخل عليهم ليأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويخوفهم بالله، فإن هذا من أعظم الجهاد وأفضله.
(3)
كل شيء عرضته فقد فرطحته. وفرطح الشيء: بسطه ووسعه. ورأس مفرطح: عريض. انظر: المعجم الوسيط، مادة (فرطح) 2/ 684.
(4)
لعل الحسن استخدم أسلوب الشدة مع القراء لأنهم أقدموا على شيء لا ينبغي لهم الإقدام عليه على الرغم من معرفتهم حقيقته وأنه لا ينبغي لطلاب العلم والدعاة إلى الله فعله.
والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، ومن ذلك استخدام أسلوب القوة والشدة والغلظة في مواضعها.
رغبتم فيما عندهم فزهدوا فيكم، أبعد الله من أبعد (1).
وهذا الموقف حكيم عظيم؛ لأن الداعية إلى الله ينبغي أن يستغني عن الناس وعن أموالهم وصدقاتهم، وخاصة الأكابر والسلاطين، فلا يقف على أبوابهم ولا يسألهم، حتى يكون لدعوته ولعلمه الأثر في نفوسهم وفي نفوس غيرهم، ولهذا وجه الحسن القراء لذلك؛ لأن من استغنى بالله افتقر الناس إليه (2).
(1) انظر: حلية الأولياء 2/ 150، وسير أعلام النبلاء 4/ 586.
(2)
انظر: حلية الأولياء 2/ 173، والبداية والنهاية 9/ 100.