الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم إن عثمان تخلى عن نصرة الشيخ بأمر من أمير الأحساء، فهاجر الشيخ إلى الدرعية، وعرض دعوته على محمد بن سعود فرحب به، وقبل دعوته، واستعدّ بنصره وما يدعو إليه، وذلك سنة 1158هـ (1).
4 -
غَرْس التوحيد في قلوب الناس وتصحيح عقيدتهم:
بعد أن حقق الشيخ أمنيته العظيمة من وجود ما يدعّمه من قوة السلطان ووجود الأعوان، لقول عثمان رضي الله عنه:"إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ".
وبعد أن رأى الأنصار والطلاب يفدون إليه في الدرعية، أخذ يغرس في نفوسهم أعظم سلاح، وأعظم قوة ينتصر بها على أعدائه: ألا وهي قوة التوحيد الخالص، والإيمان الكامل، لعلمه رحمه الله أن نصرة الحق تحتاج إلى إيمان قوي مبني على فَهْم الكتاب الكريم والسنة المطهّرة، كما تحتاج إلى دعم سلطان وسيف وسنان، يقمع به كل مارد شيطان (2).
وهذا من أعظم مواقف الحكمة، فإنه عندما دخل الدرعية وجد أهلها في غاية الجهل، وقد وقعوا في الشرك الأكبر والأصغر كغيرهم، والتهاون بالصلاة والزكاة ورفض شعائر الإسلام، فجعل يتخولهم بالتعليم والموعظة الحسنة، ويُفهمهم معنى لا إله إلا الله، ويشرح لهم معنى الألوهية، وأن الإله هو الذي تُأَلِّهه القلوب: محبةً وخوفًا ورجاءً، وأن الإسلام هو الاستسلام لأمر الله -تعالى-، والانقياد له، والإذعان بالعبادة، والخضوع، والذل والإنابة، والتوكل، والرغبة، والرهبة. ويعلمهم
(1) انظر: عنوان المجد 1/ 21 - 24، وتاريخ نجد لابن غنام 78 - 81، والشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته لأحمد بن حجر آل بو طامي ص22.
(2)
انظر بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1/ 218، 1/ 258.
أصول الدين والإسلام، وقواعده، ومعرفة نبيّهم، ونسبه، ومبعثه، وما دعا إليه، وهي لا إله إلا الله، وما تضمنته، وأنهم مبعوثون بعد الموت.
وأخذ على ذلك ما يقارب سنتين -بعد قدومه إلى الدرعية- وهو يغرس هذه الدعائم (1).
ومن أعظم ما غرس في نفوس المهاجرين إلى الدرعية من البلدان المجاورة والأنصار من أهل الدرعية: هو تدريسه لهم جميعًا كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وغرسه في أذهانهم، وكان آل سعود: الأمير محمد وأبناؤه يحضرون دروس الشيخ صباحًا ومساءً، في المسجد، وفي البيت، والمجامع الخاصة، فأثمر ذلك قوة الإيمان في نفوس الدولة الجديدة من الأمير إلى أصغر واحد من المهاجرين والأنصار (2).
وعندما قام الشيخ بهذا الموقف العظيم الحكيم، واستقر في قلوبهم معرفة التوحيد وضده من الشرك بعد الجهالة والضلالة والعمى والظلام الدامس، بعد ذلك أُشْرِب حب الشيخ وما جاء به من التوحيد في قلوبهم، والتحم رابط المحبة في الله بين أهل الدرعية والمهاجرين إليهم فآووهم، وأصبحت هذه القوة قوة ضاربة قد رُبِّيت على التوحيد، والرغبة فيما عند الله، والدار الآخرة، ودُعِّمَت بقوة السلطان والسيف، والسنان، والحجّة والبرهان، وقُوّة البيان.
وحينئذ أصبح صاحب الدعوة لا يخشى إلا الله وحده سبحانه.
(1) انظر: عنوان المجد في تاريخ نجد، لابن بشر 1/ 26، وتاريخ نجد "روضة الأفكار والأفهام. . . للعلامة المؤرخ حسين بن غنام 1/ 81.
(2)
انظر: إمام التوحيد؛ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الدعوة والدولة، لأحمد القطان ومحمد الزين ص45.