الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالجملة فإن الشريعة الإسلامية مدارها على ثلاث مصالح:
المصلحة الأولى: درء المفاسد عن ستة أشياء: الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والغرض، والمال.
المصلحة الثانية: جلب المصالح: فقد فتح القرآن الأبواب لجلب المصالح في جميع الميادين وسد كل ذريعة تؤدي إلى الضرر.
المصلحة الثالثة: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، فالقرآن حل جميع المشاكل العالمية التي عجز عنها البشر ولم يترك جانبًا من الجوانب التي يحتاجها البشر في الدنيا والآخرة إلا وضع لها القواعد، وهدى إليها بأقوم الطرق وأعدلها (1).
فالداعية الحكيم هو الذي يدعو إلى ما تقدم من أركان الإِسلام، وأصول الإيمان، والإحسان، ويبين للناس جميع ما جاء في القرآن والسنة: من العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، بالتفصيل والشرح والتوضيح (2).
المسلك الثاني: الداعي:
لا بُدّ للداعية من معرفة هذا الأصل بشروطه، وما هي عدة الداعية وسلاحه، وما هي وظيفته، وأخلاقه. وفهم ذلك من أهم المهمات للداعية. وإليك التفصيل بإيجاز:
1 -
وظيفة الداعية: وظيفة الداعية إلى الله- تعالى- هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة
(1) انظر: أضواء البيان للشنقيطي، 3/ 409 - 457.
(2)
انظر: فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، 1/ 342، وأصول الدعوة، لعبد الكريم زيدان، ص 7 - 293، والدعوة إلى الله، للدكتور توفيق الواعي، ص81.
والسلام، والرسل هم قدوة الدعاة إلى الله، وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا - وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45 - 46] (1). {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} [الحج: 67](2) وقال سبحانه: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [القصص: 87](3) وقال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} [الرعد: 36](4).
الأمة شريكة لرسولها في وظيفة الدعوة إلى الله، فالآيات التي تأمره صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله يدخل فيها المسلمون جميعًا؛ لأن الأصل في خطاب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم دخول أمته فيه إلا ما استُثني، وليس من هذا المستثنى أمر الله تعالى بالدعوة إليه. قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110](5) وقد جعل الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين، كما قال سبحانه:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71](6) وبهذا يتضح أن المكلف بالدعوة إَلى الله هو كل مسلم ومَسلمة على قدر الطاقة، وعلى قدر العلم، ولا يختص العلماء بأصل هذا الواجب؛ لأنه واجب على الجميع كل بحسبه، وإنما يختص أهل العلم بتبليغ تفاصيل الإسلام، وأحكامه، ومعانيه الدقيقة، ومسائل الاجتهاد، نظرًا لسعة علمهم، ومعرفتهم بالمسائل، والجزئيات، والأصول، والفروع.
(1) سورة الأحزاب، الآية 45 - 46.
(2)
سورة الحج، الآية 67.
(3)
سورة القصص، الآية 87.
(4)
سورة الرعد، الآية 36.
(5)
سورة آل عمران، الآية 110.
(6)
سورة التوبة، الآية 71.
مما يزيد الأمر وضوحًا قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108](1) فبين سبحانه أن أتباعَ الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله، وهم أَهل البصائر كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله على بصيرة وعلم ويقين (2).
والدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة كلٌ بحسبه، وهي تؤدى على صورتين:
الصورة الأولى: فردية، يقوم بها المسلم على صفة فردية بحسب طاقته، وقدرته، وعلمه، كما قال صلى الله عليه وسلم:«من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإِيمان» (3).
الصورة الثانية: بصفة جماعية، فتكون فرقة متصدية لهذا الشأن، كما قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104](4).
2 -
عدة الداعية وسلاحه: يحتاج الداعية إلى الله- تعالى- في أداء مهمته ووظيفته إلى عُدة وسلاح قوي، منها:
1 -
الفهم الدقيق المبني على العلم قبل العمل، والقائم على تدبر معاني وأحكام القران الكريم، وفهم السنة النبوية الشريفة، ويرتكز هذا الفهم على عدة أمور من أهمها.
1 -
فهم الداعية العقيدة الإسلامية فهمًا صحيحًا متقنًا بالأدلة من
(1) سورة يوسف الآية 108.
(2)
انظر: أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان، ص295 - 356.
(3)
مسلم، كتاب اَلِإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإِيمان، 1/ 69.
(4)
سورة آل عمران الآية 104.
الكتاب، والسنة وإجماع علماء أهل السنة والجماعة.
ب- فهم الداعي غايته في الحياة ومركزه بين البشر.
جـ- تعلقه بالآخرة، وتجافيه عن دار الغرور.
2 -
الإيمان العميق المثمر: لمحبة الله، وخوفه، ورجائه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في كل أموره.
3 -
اتصال الداعية بالله- تعالى- في جميع أموره، وتعلقه به، وتوكله عليه، واستغاثته به، وإخلاصه له، والصدق معه في الأقوال والأفعال.
3 -
أخلاق الداعية وصفاته: يحتاج الداعية إلى الأخلاق الحسنة والصفات الكريمة: وهي أخلاق الإسلام التي بينها الله في كتابه وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
ومن أهم هذه الأخلاق والصفات التي ينبغي للداعية أن يلتزمها: الصدق، والإخلاص، والدعوة إلى الله على بصيرة، والحلم، والرفق، واللين، والصبر، والرحمة، والعفو، والصفح، والتواضع، والوفاء، والإيثار، والشجاعة، والذكاء، والأمانة، والحياء المحمود، والكرم، والتقوى، والإرادة القوية التي تشمل قوة العزيمة، والهمة العالية، والتفاؤل، والنظام والدقة والمحافظة على الوقت، والاعتزاز بالإسلام، والمحمل بما يدعو إليه؛ ليكون قدوةً صالحةً، والزهد، والورع، والاستقامة، وإدراك الداعية لما حوله، والقصد والاعتدال، والشعور بمعية الله، والثقة بالله تعالى، والتدرج في الدعوة، والبدء بالأهم فالمهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بذلك معاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن.
كما ينبغي للداعية أن يبتعد عن كل ما يضاد هذه الأخلاق من الأخلاق القبيحة.
ومن الأمور المهمة التي ينبغي للداعية أن يعتني بها، معرفة القواعد، والضوابط التي يجب مراعاتها والسير على ضوئها، حتى يكون الداعية مسددًا في دعوته. ومن ذلك: قول سفيان الثوري (1)(لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق فيما يأمر به رفيق فيما ينهى عنه، عدل فيما يأمر به عدل فيما ينهى عنه، عالم بما يأمر به عالم بما ينهى عنه)(2) وقال الإمام محمد المقدسي: قال بعض السلف: (لا يأمر بالمعروف إلا رفيق فيما يأمر به رفيق فيما ينهى عنه، حليم فيما يأمر به حليم فيما ينهى عنه، فقيه فيما يأمر به فقيه فيما ينهى عنه)(3).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فلا بد من هذه الثلاثة: العلم، والرفق، والصبر. العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان كل من الثلاثة لا بد أن يكون مستصحبًا في هذه الأحوال)(4).
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى-: (فإنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
(1) هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ المجتهد: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ولد سنة 97 هـ، ومات سنة 161هـ، انظر: سير أعلام النبلاء، 7/ 229 - 279.
(2)
انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأبي بكر الخلال، ص50.
(3)
مختصر منهاج القاصدين، ص 129، ونسب هذا القول إلى بعض السلف ابن تيمية أيضًا في الحسبة في الإسلام، ص84.
(4)
الحسبة في الإسلام، ص84.