الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا رئيس وهذا مرؤوس، وهذا غني وهذا فقير، وهذا صحيح وهذا مريض، وهذا عربي وهذا أعجمي. . . فينبغي للداعية أن يكون كالطبيب الحاذق الحكيم الذي يشخص المرض، ويعرف الداء ويحدده، ثم يعطي الدواء المناسب على حسب حال المريض ومرضه، مراعيًا في ذلك قوة المريض وضعفه، وتحمله للعلاج، وقد يحتاج المريض إلى عملية جراحية فيشق بطنه، أو يقطع شيئًا من أعضائه من أجل استئصال المرض طلبًا لصحة المريض (1).
والداعية ينبغي له أن يبدأ مع المدعوِّين بخطوات محسوسة (2) منها ما يأتي:
1 -
يبدأ بنفسه فيصلحها حتى يكون القدوة الصالحة.
2 -
ثم يمضي إلى تكوين بيته وإصلاح أسرته، ليُكوِّن البيت المسلم، واللبنة المؤمنة.
3 -
ثم يتوجه إلى المجتمع وينشر دعوة الخير فيه، ويحارب الرذائل والمنكرات بالحكمة، ويشجع الفضائل ومكارم الأخلاق.
4 -
ثم دعوة غير المسلمين إلى منهج الحق وإلى شريعة الإِسلام {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39](3).
المسلك الرابع: أساليب الدعوة ووسائل تبليغها:
الداعية يحتاج إلى فهم أساليب الدعوة ووسائل تبليغها، حتى يكون على قدر من الكفاءة لتبليغ الدعوة إلى الله تعالى بإحكام وإتقان وبصيرة. وذلك كالتالي:
(1) انظر: أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان، ص 365 - 394.
(2)
وقد أوضحت كيفية دعوة المدعوين على اختلاف أصنافهم في الفصل الثالث والفصل الرابع من هذا الكتاب، انظر: صفحة333 و513.
(3)
انظر. الدعوة إلى الله، للدكتور توفيق الواعي، ص84.
أولًا: أساليب الدعوة: الأسلوب: الطريق والفن: يقال: هو على أسلوب من أساليب القوم: أي على طريق من طرقهم. ويقال: أخذنا في أساليب من القول: فنون متنوعة (1).
وأساليب الدعوة: هي العلم الذي يتصل بكيفية مباشرة التبليغ، وإزالة العوائق عنه.
والمصادر الأساسية التي يستمد الداعية ويتعلم أساليب دعوته الحكيمة منها هي: كتاب الله- تعالى-، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيرة السلف الصالح: من الصحابة الكرام، والتابعين لهم بإحسان من أهل العلم والإيمان.
وتقوم أساليب الدعوة الحكيمة الناجحة المؤثرة على الأساليب الآتية:
1 -
تشخيص وتحديد الداء في المدعوين، ومعرفة الدواء: فإن طبيب الأبدان الحاذق الحكيم يشخص ويعرف الداء أولًا، ثم يصف ويعين العلاج ثانيًا على حسب الداء. والداعية إلى الله- تعالى- هو طبيب الأرواح والقلوب فعليه أن يسلك هذا الأسلوب في معالجة الأرواح. والداء عند الناس قد يكون كفرًا، وقد يكون معصية، فعلى الداعية أن يعطي الدواء على حسب الداء؛ فإن دواء الكفر الإيمان بالله، وبما جاء عنه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. ودواء المعاصي كبائرها وصغائرها التوبة إلى الله- تعالى-، والإقبال إليه، والإكثار من الطاعات المكفرة للسيئات، وهكذا لكل داء دواء.
(1) انظر: القاموس المحيط، فصل السين، باب الباء، ص 125، والمصباح المنير، مادة "سلب "، 1/ 248، والمعجم الوسيط، مادة "سلب "، 1/ 441.
2 -
إزالة الشبهات التي تمنع المدعوين من رؤية الداء والإِحساس به: ولا شك أن الشبهات: هي ما يثير الشك والارتياب في صدق الداعية وحقيقة ما يدعو إليه، فيمنع ذلك من رؤية الحق والاستجابة له، أو تأخير هذه الاستجابة.
3 -
ترغيب المدعوين وتشويقهم: إلى استعمال الدواء، والاستجابة وقبول الحق، والثبات عليه. وترهيبهم من ترك الدواء بكل ما يخوف ويحذر من عدم الاستجابة، أو عدم الثبات على الحق بعد قبوله.
4 -
تعهد المستجيبين من المدعوين: بالتربية والتعليم، والتوجيه؛ لتحصل لهم المناعة ضد دائهم القديم. ومن أعظم وسائل التربية المؤثرة: الاتصال بكتاب الله- تعالى- تلاوة، وتدبرًا، وفهمًا، والاتصال الدائم بالسنة النبوية، وسيرة السلف الصحابة- رضي الله عنهم. فعلى الداعية أن يعين المستجيبين على هذه الأمور العظيمة.
5 -
تقوم جميع الأساليب على: أسلوب الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، ثم استخدام القوة للمعاندين الظالمين.
ثانياً: وسائل تبليغ الدعوة إلى الله تعالى: الوسيلة في الأصل: ما يتوصل به إلى الشيء (1) ووسائل الدعوة: هي ما يستعين به الداعية على تبليغ الدعوة من أشياء وأمور.
ولا شك أن وسائل الدعوة على نوعين:
النوع الأول: وسائل خارجية تتعلق باتخاذ الأسباب لتهيئة المجال المناسب. ومنها على سبيل المثال ما يأتي:
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الواو مع السين، 5/ 185.
1 -
الحذر المبني على التوكل على الله- تعالى- مع الأخذ بالأسباب. ومعلوم أن الحذر أنواع من جهة ما يحذره الداعي المسلم، فهناك: حذره من الوقوع في المعاصي، والحذر من الأهل والولد، والحذر من اتباع الهوى، والحذر من المنافقين والكفار.
ب- الاستعانة بعد الله- تعالى- بالغير في تبليغ الدعوة، فالداعية يحرص على إيصال الدعوة إلى الناس؛ فيستعين بكل وسيلة مشروعة لتحقيق ما يحرص عليه.
جـ- المحافظة على النظام المشروع: كحفظ الداعية تنظيم وقته وعدم إضاعته، وإذا كان الدعاة جماعة فعليهم أن يراعوا قواعد النظام التي أمر بها الإسلام، حتى تثمر جهودهم ولا تضيع، فإن القليل من العمل بنظام والدوام عليه خير من الكثير مع الفوضى والانقطاع.
النوع الثاني: وسائل تبليغ الدعوة بصورة مباشرة.
وهذه الوسائل تكون: بالقول، وبالعمل، وبسيرة الداعية التي تجعله قدوة حسنة لغيره فتجذبهم إلى الإسلام. ومن هذه الوسائل ما يأتي:
1 -
التبليغ بالقول: القول في مجال التبليغ أنواع متعددة منها: الخطبة، والدرس، والمحاضرة، والندوة، والمناقشة والجدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكلمة الوعظية، والدعوة الفردية، والنصيحة الأخوية، والفتوى الشرعية، والكتابة: كالرسالة، والمقال، والكتاب، والكُتيِّب، والنشرة. والداعية يستعين في تبليغ دعوته بجميع الوسائل المختلفة، المشروعة، المفيدة، وقد تكون بعض الوسائل نافعة في زمن دون زمن، وفي مجتمع دون آخر، والداعية الحكيم هو الذي يختار الوسائل المناسبة لكل عصر ومصر.
ووسيلة التبليغ بالقول تُبلَّغ عن طريق الوسائل الآتية:
1 -
اللقاءات العامة: كإقامة المحاضرات، والندوات، والمناقشات، والدروس في المساجد، والجامعات، والمعاهد، والمدارس، والمؤتمرات، وفي المناسبات التي يحضرها الناس بصورة جماعية كبيرة.
2 -
اللقاءات الخاصة: كالدروس الخاصة بطلاب العلم، ولا يمنع حضور غيرهم.
3 -
الدعوة الفردية: بالنصيحة الأخوية، والهدية الرمزية.
4 -
الكتابة: الرسالة، والمقال، والكتاب، والكُتيِّب، والنشرة.
5 -
وسائل الإعلام الحديثة. المسموعة، والمرئية، والمقروءة، والشخصية.
6 -
الوسائل الشخصية كالمسجلات، وشرائط التسجيل، والهاتف. . . فينبغي للداعية الحكيم أن يستغل هذه الوسائل ويشغلها بالحق؛ لأنه بذلك يخاطب ملايين البشر في مشارق الأرض ومغاربها، وعن طريقها تصل الدعوة إلى أقطار بعيدة وتعم أماكن كثيرة.
وينبغيِ أن يكون قول الداعية واضحًا بيِّنًا، خاليًا من الألفاظ التي تحمل حقًّا وباطلًا وخطأً وصوابًا، وأن يستعمل الألفاظ الشرعية المستعملة في القرآن والسنة وعند علماء المسلمين.
كما ينبغي للداعية أن يتأنى في كلامه حتى يستوعب السامع كلامه ويفهمه، وأن يبتعد عن التفاصح والتعاظم، والتكلف في النطق، ويبتعد عن روح الاستعلاء على المدعو واحتقاره وإظهار فضله عليه، وأن يتلطف بالقول للمدعوين، ويكون موضع الثقة بين الناس (1).
(1) انظر: أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان، ص453 و454، والدعوة إلى الله تعالى للدكتور / توفيق الواعي، ص262 و264.
ب- التبليغ بالعمل: والتبليغ بالعمل هو كل فعل يؤدي إلى إزالة المنكر ونصرة الحق وإظهاره، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإِيمان» (1) والتبليغ بالعمل كما يكون بإزالة المنكر يكون بإقامة المعروف: كبناء المساجد، وبناء الجامعات والمعاهد والمدارس الإسلامية، وإقامة المكتبات فيها وتزويدها بالكتب النافعة، وبناء المستشفيات الإسلامية، ودور الرعاية الاجتماعية، وطبع الكتب الإسلامية وتوزيعها، واختيار الرجل الصالح للعمل في هذه المجالات وفي المجالات المهمة. وهذا- كله- في الحقيقة دعوة صامتة إلى الله تعالى.
جـ - التبليغ بالسيرة الحسنة: من وسائل التبليِغ المهمة في تبليغ الدعوة إلى الله وجذب الناس إلى الإسلام التبليغ بالسيرة الطيبة للداعي، وأفعاله الحميدة، وصفاته العالية، وأخلاقه الكريمة والتزامه بالإسلام ظاهرًا وباطنًا مما يجعله قدوةً طيبةً وأُسوةً حسنةً لغيره؛ لأن التأثير بالأفعال والسلوك أبلغ من التأثير بالكلام وحده.
وأصول السيرة الحسنة التي يكون بها الداعية قدوةً طيبةً لغيره ترجع إلى أصلين عظيمين: حسن الخلق، وموافقة العمل للقول.
فحسن الخلق كلمة يندرج تحتها كثير من الصفات: كالتواضع، والوفاء بالعهد، والأمانة، وقوة العزيمة، والشجاعة، والصبر، والشكر، والحلم، والرفق، والتقوى، والحياء، والعفو والصفح، والجود والكرم، والصدق والعدل، وحفظ اللسان، والرحمة.
(1) مسلم، كتاب الإيمان، باب كون النهى عن المنكر من الإيمان، 1/ 69.
وموافقة القول للعمل هي أن يكون فعل الداعية موافقاً للطريق المستقيم، وسيرته تطبيقًا عمليًا لقوله، ولا يخالف ظاهره باطنه، فإن أمر بشيء التزمه، وإن نهى عن شيء كان أول تاركٍ له؛ ليفيد وعظه، وينفع إرشاده، ويثمر، ويقتدي به، فإن كان يأمر بالخير ولا يفعله وينهى عن الشر وهو واقع فيه فهو بحاله هذه عقبة في سبيل الدعوة إلى الله تعالى (1)
(1) انظر أساليب الدعوة ووسائل تبليغها بالتفصيل في: أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان، ص 395 - 469 والدعوة إلى الله لتوفيق الواعي، ص 1 24 - 372.