الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني تعريف الحكمة في الاصطلاح الشرعي
ذكر العلماء مفهوم الحكمة في القرآن الكريم والسنة النبوية (1) واختلفوا على أقوال كثيرة، فقيل: الحكمة؛ النبوة، وقيل: القرآن والفقه به: ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله. وقيل: الإصابة في القول والفعل، وقيل: معرفة الحق والعمل به، وقيل: العلم النافع والعمل الصالح، وقيل: الخشية لله، وقيل: السنة، وقيل: الورع في دين الله، وقيل: العلم والعمل به، ولا يسمى الرجل حكيماً إلا إذا جمع بينهما، وقيل: وضع كل شيء في موضعه. وقيل: سرعة الجواب مع الإصابة (2).
(1) جاء لفظ: الحكمة في كتاب الله - تعالى - في أكثر من تسعة عشر موضعًا، انظر: سورة البقرة، آيات: 129، 151، 231، 251، 269، وآل عمران: 48، 81، 164، والنساء: 54، 113، والمائدة: 110، والنحل: 125، والإسراء: 39، ولقمان: 12، والأحزاب: 34، وص: 20، والزخرف: 63، والقمر: 5، والجمعة:2.
وجاء لفظ الحكمة في السنة النبوية في عدة مواضع، انظر معظمها: في البخاري مع الفتح، كتاب العلم، باب الإغتباط في العلم والحكمة، 1/ 165، برقم 73، وكتاب فضائل الصحابة، باب ذكر ابن عباس رضي الله عنهما، 7 برقم 3756، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، برقم 7270، وكتاب المغازي، باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، 8/ 98، 99 برقم 4388، 4390، وكتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجَز والحداءِ وما يكره منه، 10/ 573، برقم 6145، وباب الحياء، 10/ 521 برقم 6117. ومسلم، كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه، 1/ 71 - 73 برقم 51، وباب عدد شعب الإيمان، 1/ 64، برقم 37، وكتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه وفضل من تعلم حكمة من فقه وغيره فعمل بها وعلمها، 1/ 559 برقم 816 والترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في فضل العلم على العبادة / 51، برقم 2687، وكتاب البر والصلة، باب ما جاء في التجارب، 4/ 379 برقم2033، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب الحكمة، 2/ 1395 برقم 4169، والدارمي، في المقدمة، باب من هاب الفتيا مخافة السقط، 1/ 75 برقم 293، وباب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله، 1/ 90 برقم395، وباب فضل العلم والعالم، 1/ 84، برقم 357، وكتاب فضائل القرآن، باب فضل من قرأ القرآن، 2/ 312 برقم 3330.
(2)
انظر: تفسير مفهوم الحكمة في القرآن الكريم والسنة النبوية في المصادر التالية: جامع البيان في تفسير القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، 1/ 436، 3/ 60، 61 وتفسير غرائب القرآن للنيسابوري المطبوع بهامش تفسير الطبري 1/ 413، وتفسير البغوي1/ 256، 1/ 116، وزاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 1/ 324، 1/ 146، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/ 131، 3/ 60، 61، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 184، 1/ 323، وروح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي 1/ 387، 3/ 41، وفتح القدير للشوكاني 1/ 289، 1/ 144، وتفسير المنار لمحمد رشيد رضا 1/ 472، 2/ 29، 3/ 75، 3/ 263، وتفسير المراغي 1/ 214، 2/ 19 3/ 41، وتفسير السعدي 1/ 173، 1/ 290، 6/ 154، وفي ظلال القرآن لسيد قطب 1/ 312، 1/ 139، 399، 2/ 997، وصفوة المفاهيم والآثار لعبد الرحمن الدوسري 2/ 360، 416 3/ 498، 499 ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 6/ 66، 67، 9، 23، ومجموع فتاوى شيخ الِإسلام ابن تيمية 19/ 170، ومدارج السالكين لابن القيم 2/ 478، 479، والتفسير القيم لابن القيم ص 227، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي 1/ 67، 70، 6/ 531، 7/ 100، 10/ 522، 529/ 540، وشرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 7، 33، 6/ 98، 15/ 12، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 6/ 182، 7/ 58، 10/ 327، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، 13/ 354، 355.
وقد ذكر بعضهم تسعة وعشرين قولًا في تعريف الحكمة (1).
" وهذه الأقوال كلها قريب بعضها من بعض؛ لأن الحكمة مصدر من الِإحكام، وهو الإتقان في قول أو فعل، فكل ما ذكر فهو نوع من الحكمة التي هي الجنس، فكتاب الله حكمة، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حكمة، وكل ما ذكر من التفصيل فهو حكمة. وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه. فقيل للعلم حكمة؛ لأنه يمتنع به من السفه، وبه يعلم الامتناع من السفه الذي هو كل فعل قبيح. . "(2).
وعند التأمل والنظر نجد أن التعريف الشامل الذي يجمع ويضم جميع هذه الأقوال في تعريف الحكمة هو: " الِإصابة في الأقوال والأفعال، ووضع كل شيء في موضعه ".
(1) انظر: تفسير البحر المحيط، لمحمد بن يوسف، أبو حيان الأندلسي 2/ 320.
(2)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/ 330، وانظر: البحر المحيط 2/ 320، قال الإمام النووي رحمه الله وأما الحكمة ففيها أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائليها على بعض صفات الحكمة، وقد صفا لنا منها: أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام، المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك. قال أبو بكر بن دريد:" كل كلمة وعظتك وزجرتك أودعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم "، شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 33.
فجميع الأقوال تدخل في هذا التعريف؛ لأن الحكمة مأخوذة من الحكم وفصل القضاء الذي هو بمعنى الفصل بين الحق والباطل، يقال: إن فلاناً لحكيم بيِّن الحكمة، يعني: أنه لبين الِإصابة في القول والفعل، فجميع التعاريف داخلة في هذا القول، لأن الِإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها، وعلم، ومعرفة، والمصيب عن فهمِ منه بموِاضع الصواب يكون في جميع أموره: فهمًا، خاشيًا لله، فقيهًا عالما، عاملا بعلمه، ورعًا في دينه. . . والحكمة أعم من النبوة، والنبوة بعض معانيها وأعلى أقسامها؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مسددون، مفهمون، وموفقون لِإصابة الصواب في الأقوال، والأفعال، والاعتقادات، وفي جميع الأمور (1).
والحكمة في كتاب الله نوعان (2) مفردة، ومقرونة بالكتاب.
فالمفردة كقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](3). وقوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269](4). وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: 12](5).
وهذه الحكمة فسرت بما تقدم من أقوال العلماء في تعريف الحكمة، وهذا النوع كثير في كتاب الله تعالى.
(1) انظر: تفسير الطبري 1/ 436، 3/ 61.
(2)
انظر: مدارج السالكين، لابن القيم 2/ 478، والتفسير القيم لابن القيم، ص227.
(3)
سورة النحل، الآية 125.
(4)
سورة البقرة، الآية 269.
(5)
سورة لقمان، الآية 12.
أما الحكمة المقرونة بالكتاب، فهي السنة من: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وتقريراته، وسيرته، كقوله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 129](1) وقوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 231](2){لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164](3){هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2](4). وغير ذلك من الآيات.
وممن فسر الحكمة المقرونة بالكتاب بالسنة: الِإمام الشافعي والِإمام ابن القيم، وغيرهما من الأئمة (5).
(1) سورة البقرة، الآية 129.
(2)
سورة البقرة، الآية 231.
(3)
سورة آل عمران، الآية 164.
(4)
سورة الجمعة، الآية 2.
(5)
انظر: مدارج السالكين لابن القيم 2/ 478، والتفسير القيم ص 227.