الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتثبت في الأفعال والأقوال فحسب، بل عليه أن يجري ذلك على القلب قي خواطره، وتصوراته، وفي مشاعره وأحكامه {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] (1).
فلا يقول اللسان كلمة، ولا يروي حادثة، ولا يحكم العقل حكمًا، ولا يبرم الداعية أمرًا إلا وقد تثبت من كل جزئية، ومن كل ملابسة، ومن كل نتيجة، حتى لا يبقى هنالك شك ولا شبهة في صحتها، وحينئذ يصل الداعية المسلم المتمسك بهذه الضوابط إلى أعلى درجات الأناة والحكمة والسداد - بإذن الله تعالى - (2).
أما العجلة فهي مذمومة، قال سبحانه عن فرعون:{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: 54](3) استخفهم وحملهم على الضلالة والجهل، واستخف عقولهم، يقال: استخفه عن رأيه: إذا حمله على الجهل وأزاله عما كان عليه من الصواب (4).
وقال سبحانه: {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60](5) ولا شك أن الإنسان قد خلق من عجل {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37](6)؛ ولكنه - بحمد الله - إذا امتثل أمر الله وترك نهيه حسنت أخلاقه وطَبائعه.
[أسباب العجلة وعلاجها]
والعجلة لها أسباب ينبغي اجتنابها، منها: عدم النظر في العواقب، وسنن الله في الكون، ومنها الشيطان عدو الإنسان، فإن أساس العجلة من
(1) سورة الإسراء، الآية 36.
(2)
انظر في ظلال القرآن 4/ 2227.
(3)
سورة الزخرف، الآية 54.
(4)
تفسير ابن كثير 4/ 130، وشرح السنة للبغوي 13/ 175.
(5)
سورة الروم، الآية 60.
(6)
سورة الأنبياء، الآية 37.
الشيطان؛ لأنه الحامل عليها بوسوسته، فيمنع من التثبت والنظر في العواقب، فيقع المستعجل في المعاطب والفشل (1) ولذلك قيل:
يا صاحبي تلوما لا تعجلا
…
إن النجاح رهين أن لا تعجلا
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: لا يزال الرجل يجني من ثمرة العجلة الندامة (2).
وينبغي أن يُعْلَم أن العجلة المذمومة ما كان في غير طاعة، ومع عدم التثبت وعدم خوف الفوت، ولهذا قيل لبعض السلف. لا تعجل، فالعجلة من الشيطان، فقال: لو كان كذلك لما قال موسى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84](3).
وقد قال بعض السلف: لا تعجل عجلة الأخرق وتحجم إحجام الواني.
والخلاصة: أنه يستثنى من العجلة ما لا شبهة في خيريته، قال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 90](4).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال الأعمش: ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم: " التُؤَدَةُ (5) في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة "(6).
(1) انظر: شرح السنة للبغوي 13/ 176، وفيض القدير شرح الجامع الصغير3/ 184.
(2)
انظر: تحفة الأحوذي شرح الترمذي6/ 153.
(3)
سورة طه، الآية 84.
(4)
سورة الأنبياء، الآية 90.
(5)
التؤَدَةُ. التأني. انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 3/ 277، وعون المعبود 3/ 165.
(6)
أبو داود، كتاب الأدب، باب الرفق 4/ 255، والحاكم بلفظه وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي1/ 64، وانظر. صحيح سنن أبي داود3/ 913.
وذلك لأن الحزم بذل الجهد في عمل الآخرة؛ لتكثير القربات ورفع الدرجات لأن في تأخير الخيرات آفات. انظر فيض القدير3/ 277، وعون المعبود3/ 165.
وعن عبد الله بن سرجس المزني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«السَّمْتُ (1) الحسن، والتؤَدَةُ، والاقتصاد (2) جزء من أربعةٍ وعشرين جزءًا من النبوة» (3).
وبهذا يعلم أن الأناة في كل شيء محمودة وخير إلا ما كان من أمر الآخرة، بشرط مراعاة الضوابط التي شرعها الله حتى تكون المسارعة مما يحبه الله تعالى (4).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه: «التأني من الله والعجلة من الشيطان» (5).
(1) السمت الحسن. هو حسن الهيئة والمنظر، انظر فيض القدير للمناوي 3/ 277.
(2)
الاقتصاد: هو التوسط في الأمور والتحرز عن طرفي الإفراط والتفريط. انظر: المرجع السابق3/ 277.
(3)
الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في التأني والعجلة4/ 366، وانظر: صحيح سنن الترمذي 2/ 195.
(4)
انظر: شرح السنة للبغوي13/ 177، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي6/ 153.
(5)
أخرجه أبو يعلى في مسنده 3/ 1054، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 1040 وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة4/ 404: هذا إسناد حسن رجاله ثقات.