الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث الأدلة الحسية المشاهدة
من الأدلة التي تدل على وجود الله -تعالى- وربوبيته وأنه الخالق لكل شيء المستحق للعبادة، الأدلة التي يسمعها الناس ويشاهدونها ويلمسونها، وهي على نوعين:
النوع الأول: إجابة الله -تعالى- للدعوات في جميع الأوقات، فلا يُحصي الخلق ما يُعطيه الله للسائلين، وما يُجيب به أدعية الداعين، ويرفع، كرب المكروبين، فتحصل المطالب الكثيرة بأسباب دعاء بعض العباد لربهم، والطمع في فضله والرجاء لرحمته، وهذا برهان مشاهد محسوس، لا ينكره إلا مكابر (1).
فكم خرج المؤمنون يطلبون -بقلوب وَجِلة تائبة- من ربهم أن يسقيهم الغيث، فكانت الإجابة على الفور في كثير من الأحيان، فيأتي الغيث إلى المدينة أو القرية التي خرجت تدعو ربها، والقرى أو المدن التي بجوارها لا يأتيها شيء، وكم رأى المضطرون تفريجا لحالة الكرب بدعائهم (2) {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62] (3) وعلى هذا يشهد مئات الملايين من المسلمين، ومن رأى هذه الإجابات من المنصفين في مشارق الأرض ومغاربها.
فمن الذي سمع دعاء المستغيثين فأجابهم فأنشأ السحاب وأنزل المطر؟! هل هو وثن لا يقدر على فعل شيء؟! أم طبيعة صماء لا تملك إرادةً ولا تدبيرًا، أم أن العدم الذي أنشأ وصمم، وأوجد وكوَّن، وقدّر وأتقن، وسمع فأجاب، وهو العدم الذي لا وجود له؟!!
(1) انظر: الرياض الناضرة ص253: وشرح أصول الإيمان للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص17.
(2)
انظر: الإيمان، لعبد المجيد الزنداني مع مجموعة من العلماء ص40، والرياض الناضرة ص251.
(3)
سورة النمل، الآية 62.
والحقيقة أن ذلك كله شاهد يتحدث إلى العقول البشرية أن لها ربًّا حكيمًا قادرًا سميعًا بصيرًا مجيبًا (1) فعن أنس رضي الله عنه «أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السُّبُل، فادع الله أن يُغيثنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا". قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبتًا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنَّا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِّراب وبطون الأودية ومنابت الشجر"، فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس» (2).
وهذا الحديث الآية من آيات الله تدل على وجوده، وأنه القادر على كل شيء، وقد حصل هذا للمسلمين كثيرًا، ولهذا قال الشاعر:
وكم أصاب المسلمين من جفاف
…
فنفروا ثقالهم مع الخفاف
وطلبوا من الإله الفرجا
…
فحققوا الفوز ونالوا المخرجا
فهل طبيعة أجابت أم وثن
…
أم أنه السميع كشاف المحن (3)
(1) انظر: كتاب التوحيد، لعبد المجيد الزنداني 1/ 43.
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة 2/ 507، وانظر: البخاري مع الفتح 2/ 501، 2/ 508، وأخرجه مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء 2/ 612.
(3)
هذه الأبيات لعبد الرحمن قاضي، انظر: الإيمان لعبد المجيد الزنداني ص40.
وما زالت إجابة الداعين أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا لمن صدق مع الله، وأتى بشروط الإجابة.
النوع الثاني: معجزات الأنبياء الحسّية، وهي آيات يشاهدها الناس أو يسمعون بها، وهي من أعظم البراهين القاطعة على وجود مرسلهم؛ لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله -تعالى- تأييدًا لرسله، ونصرًا لهم.
ومن أمثلة ذلك: الآية موسى صلى الله عليه وسلم حين أمره الله -تعالى- أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فانفلق اثني عشر طريقًا يابسًا، والماء بينها كالجبال، قال تعالى:{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63](1).
ومن آيات عيسى صلى الله عليه وسلم أنه كان يحيي الموتى ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، قال تعالى:{وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 49](2){وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي} [المائدة: 110](3).
ومن آيات محمد صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر، فقد طلبت منه قريش آيةً، فأشار إلى القمر، فانفلق فرقتين، فرآه الناس حقيقة في عهده صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ - وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1 - 2](4).
وهذه الآيات المحسوسة تدل دلالة قاطعة على وجود الله -تعالى- (5).
(1) سورة الشعراء، الآية 63.
(2)
سورة آل عمران، الآية 49.
(3)
سورة المائدة، الآية 110.
(4)
سورة القمر، الآيتان 1، 2.
(5)
انظر: شرح أصول الإيمان، للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص18.