الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
خطواته الحكيمة في الرجوع بالناس إلى الكتاب والسنة:
علم الشيخ أن الناس لا يصلحهم ولا يردهم إلى الحق الواضح والتوحيد الخالص إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9](1) وتيقن أن الله سينصره إن هو قام بذلك: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51](2).
وعند ذلك سلك المسالك الآتية:
(أ) جعل القواعد الأربع التي قرر بها توحيد العبادة (توحيد الألوهية)، فبيَّن أن الله -تعالى- خلق الجن والإنس ليعبدوه وحده، والعبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة، ثم أوضح ذلك بهذه القواعد:
القاعدة الأولى: العلم بأن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بتوحيد الربوبية، وأن الله الخالق الرازق المدبر، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام، {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: 31] (3).
القاعدة الثانية: أنهم يقولون: ما دعوناهم إلا لطلب القربة والشفاعة، ومع ذلك حكم الله بكفرهم. . . {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3] (4)
(1) سورة الإسراء، الآية 9.
(2)
سورة غافر، الآية 51.
(3)
سورة يونس، الآية 31.
(4)
سورة الزمر، الآية 3.
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18](1).
القاعدة الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين في عباداتهم: فمنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم من يعبد الشمس والقمر، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفرق بينهم فدل ذلك على أن عبادة غير الله باطلة مهما تنوعت واختلفت.
القاعدة الرابعة: أن الشيخ حكم على مشركي زمانه أنهم أشد وأغلظ شركا من الأولين؟ لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زمانه شركهم في الرخاء والشدة {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] (2) وهذا من المواقف الحكيمة والاستنباطات السديدة (3).
(ب) بيَّن للناس وأرشدهم إلى ما به الفلاح والنجاح، وجعل ذلك في أربع مسائل تسهل على كل مسلم فيحفظها، ويفهم معانيها، وفهمها من مقتضى الإسلام، وهي كالتالي:
المسألة الأولى: العلم، ثم بيَّن المراد به بأنه معرفة الله، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
(1) سورة يونس، الآية 18.
(2)
سورة العنكبوت، الآية 65.
(3)
انظر: القواعد الأربع في القسم الأول من مؤلفات الشيخ في العقائد ص197، مطبوعات الجامعة، وانظر: بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1/ 331.
المسألة الثانية: العمل بالعلم.
المسألة الثالثة: الدعوة إليه.
المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه، وساق على ذلك أدلة من الكتاب الكريم (1)(ج) أرشد الناس، وبين لهم أنه يجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم ثلاث مسائل،! لعمل بهن:
المسألة الأولى: أن الله خلق العباد ورزقهم، ولم يتركهم هملًا؛ بل أرسل إليهم رسولًا، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.
المسألة الثانية: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته، لا ملَك مقرب، ولا نبي مرسل.
المسألة الثالثة: أن من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم ووحد الله لا تجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب.
وذكر لكل مسألة دليلًا صريحًا (2).
(د) بين الأصول الثلاثة التي يجب على كل مسلم معرفتها، وهي: معرفة الله، والنبي صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام، بالأدلة من الكتاب والسنة لكل جزئية من هذه الأصول.
وقد جعل الأصل الثالث -وهو معرفة الدين- ثلاث مراتب: الإسلام،
(1) انظر: هذه المسائل الأربع مع أدلتها في القسم الأول من مؤلفات الشيخ في العقيدة والآداب الإسلامية ص185، وبحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/ 317.
(2)
انظر: هذه المسائل الثلاث مع أدلتها في القسم الأول من مؤلفات الشيخ في العقيدة والآداب الإسلامية، ص386، وبحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب لجامعة الإمام محمد بن سعود 1/ 315.
والإيمان، والإحسان، وبين أركان كل مرتبة من هذه المراتب، ومعاني ذلك كله، واستدل بالأدلة من الكتاب والسنة (1).
ثم صاغ هذه الأصول الثلاثة عن طريق السؤال والجواب، لتلقين عامة الناس لكي يرسخ الإيمان الكامل والعقيدة الصحيحة في قلوبهم (2).
(هـ) لم يغفل الشيخ الفروع والاعتناء بالفقه، بل قد أدى له جملة من الاهتمام، وقد ألزم نفسه رحمه الله أن يسير في دعوته على هدي الكتاب والسنة واعتنى بالقواعد الجامعة للأحكام، فوضع أربع قواعد تدور عليها جميع الأحكام، فقال رحمه الله:
"هذه أربع قواعد من الدين التي تدور عليها الأحكام، وهي من أعظم ما أنعم الله -تعالى- به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، حيث جعل دينهم دينًا كاملًا وافيًا، أكمل وأكثر علمًا من جميع الأديان، ومع ذلك جمعه لهم سبحانه وتعالى في ألفاظ قليلة، وهذا مما ينبغي التفطن له قبل معرفة القواعد الأربع. . . "(3).
واستدل على أن الله جمع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم: «وأعطيت جوامع الكلم» (4) وهو أن الله- عز وجل جمع له المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة.
(1) انظر: الأصول الثلاثة مدعومة بالأدلة القطعية في القسم الأول من مؤلفات الشيخ في العقيدة والآداب الإسلامية ص187.
(2)
انظر تلقين العقيدة للعامة في القسم الأول من مؤلفات الشيخ في العقيدة والآداب الإسلامية ص370، وبحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1/ 346.
(3)
انظر: القواعد الأربع في القسم الثاني من مؤلفات الشيخ، الفقه، المجلد الثاني ص3، وبحوث أسبوع الشيخ 1/ 226، 1/ 272 - 274.
(4)
البخاري مع الفتح في كتاب التعبير، باب رؤيا الليل 12/ 390، برقم 6998، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة 1/ 371.
ثم ذكر القواعد التي تدور عليها جميع أحكام الدين:
القاعدة الأولى: تحريم القول على الله بلا علم، لقوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33](1).
القاعدة الثانية: أن كل شيء سكت عنه الشرع فهو عفو، لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه أو يستحبه أو يكرهه، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101](2).
وقال صلى الله عليه وسلم: «وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها» (3).
القاعدة الثالثة: أن ترك الدليل الواضح والاستدلال بلفظ متشابه هو طريق أهل الزيغ، كالرافضة والخوارج، قال تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7](4).
والواجب على المسلم اتباع المحكم، وإن عرف معنى المتشابه وجده لا يخالف المحكم بل يوافقه، وإلا فالواجب عليه اتباع الراسخين في قولهم:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]
(1) سورة الأعراف، الآية 33.
(2)
سورة المائدة، الآية 101.
(3)
أخرجه الدارقطني 4/ 297، 298، وقال النووي في الأربعين: حديث حسن.
(4)
سورة آل عمران، الآية 7.
القاعدة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن «الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات» (1) فمن لم يفطن لهذه القاعدة، وأراد أن يتكلم على مسألة مشتبهة بكلام فاصل فقد ضل وأضل.
فهذه ثلاث قواعد ذكرها الله في كتابه، والرابعة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الكلمات مع اختصارهن يدور عليها الدين، سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير، أو في علم الأصول، أو في علم أعمال القلوب الذي يسمى علم السلوك، أو في علم الحديث، أو في علم الحلال والحرام والأحكام، الذي يسمى علم الفقه، أو في علم الوعد والوعيد، أو في غير ذلك من أنواع علوم الدين (2).
ومما سبق يتضح للقارئ أن أهم الأصول التي أحياها الشيخ ودعا إليها واهتم بنشرها أكثر من غيرها كالتالي:
(أ) الرجوع بالإسلام وأهله إلى ما كان عليه الصدر الأول؟ لأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وهو التزام الكتاب والسنة لإجماع الأمة.
(ب) تخليص التوحيد مما شابه من الشرك، والوثنية (3).
(ج) إنكار التوسل الممنوع شرعًا؛ بالأنبياء والأولياء والصالحين، وتبيين التوسل المطلوب والمسنون، وهو التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته
(1) انظر: البخاري مع الفتح، كتاب الإيمان، باب من استبرأ لدينه، 1/ 126، وكتاب البيوع، باب الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما متشابهات، 4/ 290، ومسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، 3/ 1219، وانظر: شرح النووي 11/ 27.
(2)
انظر: هذه القواعد مع أدلتها بالتفصيل والأمثلة في القسم الثاني من مؤلفات الشيخ في الفقه، المجلد الثاني ص3، وبحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/ 226، 272.
(3)
والتوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. والشرك شركان: أكبر يخرج من الملة، وأصغر، وخفي.