الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(جـ) وعند إقرار عمرو بما عاهد اتخذ علي ذلك مدخلًا، فقال: إني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإِسلام.
(د) وعندما " امتنع من قبول هذه الدعوة دعاه إلى النزال، فلم ينزل فاستفزه ليغضبه، فلما نزل قتله رضي الله عنه، فانهزم المشركون بفضل الله، ثم بدخول الرعب في قلوبهم بهذا الموقف الحكيم.
4 -
موقف علي رضي الله عنه في غزوة خيبر:
في السنة السابعة للهجرة سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وكان إذا أتى قومًا بليل لم يقربهم حتى يُصبح، فلما أصبح صبح خيبر بكرة، فخرج أهلها بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والله، محمد والخميس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» (1).
وعندما رأى أهل خيبر الجيش رجعوا هاربين إلى حصونهم، وخرج ملكهم مَرْحَب يرفع سيفه مرة ويضعه أخرى، ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز له عامر بن الأكوع، فقال:
قد علمت خيبر أني عامر
…
شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يضربه من أسفله، فرجع سيفه على نفسه فمات شهيدًا (2).
(1) البخاري مع الفتح، المغازي، باب غزوة خيبر 7/ 467، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة خيبر 3/ 1427، وانظر: زاد المعاد لابن القيم 3/ 316.
(2)
انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها، من حديث سلمة بن الأكوع 3/ 1440، 1441، وزاد المعاد لابن القيم 3/ 319.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله» ، فبات الناس يدوكون (1) ليلتهم أيهم يُعطاها، فلما أصبحَ الناسُ غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال:«أين علي بن أبي طالب؟ " قيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: " فأرسلوا إليه "، فأُتِي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: " انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإِسلامِ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» (2).
وبدأ علي رضي الله عنه وأخذ الراية، وخرج مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدره (3)
…
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره (4)
(1) يدوكون: أي يخوضون ويتحدثون في ذلك. انظر: يشرح النووي 12/ 178.
(2)
البخاري مع الفتح، في كتاب المغازي، باب غزوة خيبر 7/ 476، وكتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي 7/ 70، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل علي 4/ 1871، 3/ 1441.
(3)
حيدرة: اسم للأسد، وكان علي رضي الله عنه قد سمي أسدًا في أول ولادته، وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسدًا يقتله، فذكره علي بذلك ليخيفه ويضعف نفسه. شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 185.
(4)
معناه: أفتل الأعداء قتلًا واسعًا ذريعًا، وقيل: السندرة: مكيال واسع. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 185.
فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه (1).
فرضي الله عن علي وأرضاه، فقد قام بهذه البطولة النادرة بعد حصار النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر قريبًا من عشرين يومًا، ثم يسّر الله فتحها على يد علي رضي الله عنه، فخرج الناس من حصونهم يسعون في السكك، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة، وسبى الذّرية، وكان في السبي صفية، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها، وجعل عتقها صداقها، فأصبحت أُمًّا للمؤمنين (2) وعلي رضي الله عنه له مواقف أخرى كثيرة، تظهر فيها الحكمة العظيمة، ولكن المقامَ لا يتّسع إلا لما ذكر من المواقف السابقة، وهكذا يفعل من يرجو الله واليوم والآخر، فإن الإِنسان إذا كان همّه لله، وقلبه معلّق بالله، عمل كل ما يحبّه مولاه تبارك وتعالى.
وقد ظهرت حكمة علي رضي الله عنه في هذا الموقف من عدّة وجوه، منها:
(أ) قوله: " أُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ "؛ فإنه رضي الله عنه استفسر من النبي صلى الله عليه وسلم قبل القتال، إلى أي مدى يستمر القتال، وهذا من أعظم الحكمة؛ لأن الداعية لا بد له من وضوح الهدف والغاية، وأن يكون على بصيرة من أمره.
(ب) وقوله: " أنا الذي سمتني أمي حيدرة "، وهذا فيه تذكير لمرحب؛ لأنه قد رأى في المنام أن أسدًا يقتله، فذكّره علي رضي الله عنه بذلك
(1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها مطولا 3/ 1441، وانظر: زاد المعاد 3/ 321، وحياة الصحابة 1/ 544.
(2)
انظر: البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر 7/ 469، وانظر: البداية والنهاية 4/ 181، 191، وابن هشام 3/ 378 - 388، وانظر: ترجمة علي بن أب طالب رضي الله عنه كاملة في الإصابة في تمييز الصحابة 2/ 507 - 510، والبداية والنهاية 7/ 222 - 224، وانظر: شجاعة علي أيضًا في حياة الصحابة للكاندهلوي 1/ 541 - 546.
ليخيفه ويضعف نفسه، حتى يستولي على قتله.
(ج) وقوله: " أوفيهم بالصاع كيل السندرة "، هذا فيه إرهاب وإخبار لمرحب أن علي بن أبي طالب يقتل الأعداء قتلًا واسعًا ذريعًا.
(د) ثم ختم هذه الحكم بقتل مرحب، فهزم الله به الأعداء، ونصر المسلمين عليهم نصرًا مُؤزّرًا، فله الحمد أولًا وآخرًا.