الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجامع دمشق ودرس به الشيخ شهاب الدين بن قاضي الحصن أخو قاضي القضاة برهان الدين بن عبد الحق بالديار المصرية وحضر عنده القضاة والأعيان وانصرفوا من عنده إلى عند ابن أخيه صلاح الدين بالجوهرية فدرس بها عوضا عن حميه شمس الدين بن الزكي نزل له عنها انتهى وقال في سنة اثنتين وثلاثين القاضي فخر الدين كاتب المماليك وهو محمد بن فضل الله ناظر الجيوش بمصر أصله قبطي فأسلم وحسن إسلامه وكان له أوقاف كثيرة وإحسان وبر إلى أهل العلم وكان صدرا معظما حصل له من السلطان حظ وافر وقد جاوز السبعين واليه تنسب المدرسة الفخرية بالقدس الشريف توفي رحمه الله تعالى في نصف شهر رجب وأحيط على أمواله وأملاكه بعد وفاته انتهى
137 -
المدرسة النورية الكبرى
قال ابن شداد وهي بخط الخواصين أنشأها الملك العادل نور الدين محمود ابن زنكي بن آقسنقر رحمه الله تعالى في سنة ثلاث وستين وخمسمائة انتهى. وفيه نظر إنما أنشأها ولده الملك الصالح إسماعيل ثم نقله من القلعة بعد فراغها ودفنه بها وهي بعض دار هشان بن عبد الملك بن مروان وكانت قديما دار معاوية ابن أبي سفيان وكان لمعاوية رضي الله تعالى عنه دار أخرى بباب الفراديس تحت السقيفة يقال إنها الدار المعروفة الآن بابن المقدم انتهى. قال الذهبي في العبر في سنة خمس وعشرين ومائة: وفيها مات في ربيع الآخر الخليفة أبو الوليد هشام بن عبد الملك الأموي وكانت داره عند الخواصين بدمشق فعمل منها مدرسة السلطان نور الدين انتهى. وقال في المختصر: وكانت داره عند الخواصين وهي اليوم تربة الملك العادل نور الدين الشهيد ومدرسته رحمه الله تعالى انتهى. وقال الأسدي في سنة تسع وستين وخمسمائة: محمود بن أبي سعيد زنكي ابن آقسنقر التركي الملك العادل نور الدين أبو القاسم ولد بحلب
في شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة ودخل قلة حلب بعد قتل علي صغير1 في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وله ثلاثون سنة وكان أعدل ملوك زمانه بالإجماع وأكثرهم جهادا وأحرصهم على فعل الخير وأدينهم وأتقاهم لله تعالى قصده الإبرنس صاحب أنطاكية فواقعه فكسره نور الدين رحمه الله تعالى وقتله وقتل ثلاثة آلاف من الفرنج وأظهر السنة بحلب وغير البدعة التي كانت في التأدين وقمع الرافضة وبنى بها المساجد والمدارس ووسع في أسواقها ومنه من أخذ ما كان يؤخذ منهم من المغارم بدار البطيخ ودار الغنم وضمان الشهر والكيالة وأبطل الخمر وكان في الحرب رابط الجأش ثابت القدم حسن الرمي وكان يعرض نفسه للشهادة ويسألها ولقد أحسن إلى العلماء وأكرمهم وبنى دور العدل وحضرها بنفسه ووقف على المرضى وأدر على الضعفاء والأيتام وعلى المجاورين وأمر بإكمال سور المدينة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام واستخرج العين التي بأحد وكانت دفنتها السيول وفتح سبيل الحاج من الشام وعمر الربط والخوانق والبيمارستانات في بلاده وبنى الجسور والطرق والخانات ووقف كتبا كثيرة على أخذ العلم وكسر الفرنج وكسر الأرمن على حارم وكان العدو ثلاثين ألفا فلم يفلت منهم إلا القليل وقبلها كسر الفرنج على بانياس وأرسل جيوشه إلى مصر مرات إلى أت استولوا عليها وطهروها من الرفض وأعادوا الخطبة العباسية. قال ابن عساكر: وكان حسن الخط حريصا على تحصيل الكتب الصحاح والسنن كثير المطالعة للفقه والحديث مواظبا على الصلوات في جماعة كثير التلاوة والصيام والنسخ عفيفا متحريا في المطعم والمشرب عريا عن التكبر وكان ذا عقل متين ورأي رصين متقديا بسيرة السلف الصالح متشبها بالعلماء والصلحاء وروى الحديث وأسمعه بالإجازة وكان من رآه شاهد من جلالة السلطنة وهيبة الملك ما يبهره وإذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره. قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: ولي الشام سنين وجاهد الثغور وانتزع من أيدي الكفار نيفا وخمسين مدينة
1 شذرات الذهب 4: 209.
وحصنا وبنى مارستانا بالشام وبنى بالموصل جامعا غرم عليه سبعين ألف دينار ثم أثنى عليه. وقال ابن شداد: بل ابن الجوزي رحمهما الله تعالى ما شد عن طاعة الخلافة وكان يميل إلى التواضع ومحبة العلماء والصلحاء وعاهد صاحب طرابلس وقد كان في قبضته أسيرا على أن يطلقه على ثلاثمائة ألف دينار وخمسمائة حصان وخمسمائة زردية ومثلها أتراس أفرنجية ومثلها قنطاريات وخمسمائة أسير مسلم وبأن لا يغير على بلاد المسلمين سبع سنين وسبعة أشهر وأخذ منه في قبضته على الوفاء بذلك نيابة عن أولاد الفرنج وبطارقهم فإن نكث أراق دماءهم وعزم على فتح بيت المقدس فتوفي رحمه الله تعالى وقال الموفق عبد اللطيف كان نور الدين الدين له بمنزلة كسير من الجهاد وكان يأكل من عمل يده ينسج تارة ويعمل علابا تارة ويلبس الصوف ويلازم السجادة والمصحف وكان حنيفا ويراعي مذهب الشافعي ومالك رضي الله تعالى عنه عنهم وقال ابن خلكان كان زاهدا عابدا متمسكا بالشريعة مجاهدا كثير البر والأوقاف وبنى بالموصل الجامع النوري وله من المناقب ما يستغرق الوصف توفي رحمه الله تعالى بقلعة دمشق بالخوانيق وأشاروا عليه بالفصد فامتنع وكان مهيبا فما روجع وكان أسمر طويلا ليس له لحية إلا في حنكه وكان واسع الجبهة حسن الصورة حلو العينين وقد طالعت السير فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أحسن من سيريته ولا أكثر تحريا للعدل وكان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف في الذي يخصه إلا من ملك كان له قد اشتراه من سهمه في الغنيمة ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين ولقد طلبت منه زوجته فأعطاها ثلاثة دكاكين بحمص كراها نحو عشرين دينارا في السنة فاستقلتها فقال ليس لي إلا هذا وجميع ما أنا فيه خازن المسلمين وهو أول من بنى دار الحديث وكان رحمه الله تعالى يصلي كثيرا بالليل وكان عارفا بالفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ولم يترك في بلاده على سعته مكسا. إلى أن قال في أوقافه على أنواع البر سمعت أن حاصل وقفة في الشهر تسعة آلاف دينار صوري. وقال له القطب النيسابوري
مرة بالله لا تخاطر بنفسك فإن أصبت في معرك لم يبق للمسلمين أحد إلا أخذه الشر فقال له ومن محمود حتى يقال له ذلك من حفظ البلاد قبل ذلك غير الذي لا إله إلا هو ولأسامة بن منقذ فيه:
سلطاننا زاهد والناس قد زهدوا
…
له فكل عن الخيرات منكمش
أيامه مثل شهر الصوم طاهرة
…
من المعاصي وفيها الجوع والعطش
وقال مجد الدين بن الأثير في تاريخ الموصل: لم يلبس حريرا قط ولا ذهبا ولا فضة ومنع من بيع الخمر في بلاده وكان كثير الصيام وله أوراد في الليل والنهار وكان كثير اللعب بالكرة فكتب إليه بعض الصالحين ينكر عليه ويقول تتعب الخيل في غير فائدة فكتب إليه بخطه والله ما أقصد اللعب وإنما نحن في تعب فربما وقع والصوت لتكون الخيل قد أدمنت الكر والفر وكان رحمه الله تعالى عارفا بمذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه عنه ليس عنده تعصب والمذاهب عنده سواء. قال:وكان يلعب يوما في ميدان دمشق وجاءه رجل وطلبه إلى الشرع فجاء معه إلى مجلس القاضي كمال الدين بن الشهرزوري وتقدم الحاجب يقول للقاضي قد. قال: لك لا تزعج واسلك معه ما تسلكه مع آحاد الناس فلما حضر سوى بينه وبين خصمه فتحاكما فلم يثبت للرجل عليه حق وكان يدعي ملكا في يد نور الدين الدين فقال نور الدين هل ثبت له حق فقالوا لا. قال: فاشهدوا علي أني قد وهبت له الملك وإنما حضرت معه لئلا يقال عني دعيت إلى الشرع فأبيت. قال: ودخل يوما فرأى مالا كثيرا فقالوا بعث هذا القاضي كمال الدين من فائض الأوقاف فقال ردوه وقولوا إنما رقبتي رقيقة لا أقدر على حمله غدا وأنت رقبتك غليظة تقدر على حمله ولما قدم أمراؤه دمشق اقتنوا الأملاك واستطالوا على الناس خصوصا أسد الدين شيركوه ولم يقدر القاضي كمال الدين على الانتصار من شيركوه فأمر نور الدين ببناء دار العدل في الأسبوع فقال شيركوه: إن نور الدين الدين ما بنى هذه الدار إلا بسبي وإلا فمن يمتنع على القاضي كمال الدين؟ وقال لنوابه والله إن حضرت إلى دار العدل بسبب واحد منكم لأصلبنه فإن كان بينكم وبين أحد
منازعة فارضوه مهما أمكن ولو أتى على جميع مالي وكان نور الدين يقف عند دار العدل في الأسبوع أربع مرات ويحضر عنده العلماء والفقهاء ويأمر بإزالة الحجاب والبوابين وأنفق على عمارة جامع الموصل ستين ألف دينار وفوض أمر عمارته إلى الشيخ عمر المنلا الزاهد ويقال أنفق عليه ثلاثمائة ألف دينار فتم في ثلاث سنين وبنى جامع حماة على جانب العاصي ووقع في أسره ملك الفرنج فأشار الأمراء ببقائه في أسره خوفا من شره فبذل هو في نفسه مالا فبعث إليه نور الدين سرا يقول له أحضر المال فأحضر ثلاثمائة ألف دينار فأطلقه فعند وصوله إلى مأمنه مات فطلب الأمراء سهمهم من المال فقال كما تستحقون منه شيئا لأنكم نهيتم عن الفداء وقد جمع الله تعالى لي الحسنتين الفداء وموت اللعين وخلاص المسلمين منه فبنى بذلك المال المارستان والمدرسة بدمشق ودار الحديث وما كان أحد من الأمراء يتجاسر أن يجلس عنده من هببته فإذا دخل عليه فقير أو علم أو رث خرقة قام ومشى إليه وأجله إلى جانبه ويعطيهم الأموال فإن قيل له يقول هءلاء لهم حق في بيت المال فإذا قنعوا منا ببعضه فلهم المنة علينا وقال العماد الكاتب في البرق الشامي أكثر نور الدين في السنة التي توفي فيها من الصدقات والأوقاف وعمارة المساجد وأسقط كل ما فيه حرام فما أبقى سوى الجزية والخراج وما يحصل من الغلات على فويم المنهاج وأمرني بكتب مناشير لجميع أهل البلاد فكتبت أكثر من ألف منشور وحسبنا ما تصدق به في تلك الشهور فكان ثلاثين ألف دينار وكان له برسم نفقة الخاص في كل شهر من الجزية ما يبلغ الفي قرطاس يصرفها في كسوته وما حوله وأجرة خياطة وجامكية طباخه ويستفضل منها ما يتصدق في آخر الشهر وقيل إن استمر كل ستين قرطاسا بدينار وذكر العماد الكاتب جملة من فضائله ومبلغ ما أطلق من الرسل والضرائب في كل سنة خمس مائة ألف وستة وثمانون ألفا وأربع مائة وستون دينارا وقد ذكر الذهبي تفصيل ذلك بالنسبة إلى كل بلد من بلاده. ونقل ابن واصل وغيره أنه كان من أقوى الناس بدنا وقلبا وأنه لم ير على ظهر فرس أشد منه كأنما خلق عليه ولا
يتحرك وكان إذا حضر الحرب أخذ قوسين وتركاشين وباشر القتال بنفسه وكان يقول طالما تعرضت للشهادة فلم أدركها. قال الذهبي. قلت وقد أدركها على فراشه وبقي ذلك في أفواه المسلمين تراهم يقولون نور الدين الدين الشهيد وما شهادته إلا بالخوانيق رحمه الله تعالى ومن فضائله كما قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: أنه كان له عجائز بدمشق وحلب وكان يخيط الكوافي ويعمل السكاكر ويبيعها له العجائز سرا فكان يوم يصوم يفطر على أثمانها وحكى شرف الدين يعقوب بن المعتمد أن في دارهم سكرة على خرستان من عمل نور الدين يتبركون بها وهي باقية إلى سنة خمسين وستمائة. قال ابن كثير: كان يجلس يوم الثلاثاء في المسجد المعلق الذي بالكشك ليصل إليه كل أحد من المسلمين وأهل الذمة وأغلق باب كيسان وفتح باب الفرج ولم يكن هناك قبله باب بالكلية وفي أيامه فتحت المشاهد الأربعة بالجامع وقد كانت حواصل الجامع فيها من حين احترق سنة إحدى وستين وأربعمائة وأضاف إلى أوقاف الجامع المذكور الأوقاف التي لا يعرف واقفها ولا تعرف شروطهم فيها وجعلها قلما واحدا وتسمى مال المصالح ورتب عليه لذوي الحاجات من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام وما أشبه ذلك توفي رحمه الله تعالى في شوال في قلعة دمشق بالخوانيق ودفن بتربته بمدرسة باب الخواصين وعهد بالملك إلى ولده الصالح إسماعيل وهو ابن إحدى عشرة سنة وحلف الوزراء لولده أن يكون في السلطنة بعده وكان الصالح أحسن أهل زمانه صورة وللعماد الكاتب يرثيه ويقول: شعر:
يا ملكا أيامه لم تزل
…
بفضله باهية فاخرة
ملكت دنياك وخلفتها
…
وسرت حتى تملك الآخرة
وفي كتاب البرق الشامي وغيره من مؤلفات العماد الكاتب كثير من سيرة نور الدين واجتهاده وقد عني الإمام أبو شامة في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين بسيرته وترجمة السلطان نور الدين وكراماته ومناقبه ومآثره وما مدح به ورثي طويلة مشهور وهذا الكتاب مبني على الاختصار وفيما ذكرنا مقنع وبلاغ بل فيه تطويل بالنسبة إلى موضوع هذا الكتاب انتهى. قلت: وقد جمع شيخنا
ولده كتبابا اسماه الدر الثمين في مناقب نورا لدين ورأيت في الوضتين لأبي شامه أنه في سنة سبع وأربعين وخمسمائة ولد بحمص لنور الدين ابن سماه أحمد ثم توف بدمشق وقبره خلف قبر معاوية رضي الله تعالى عنه إذا دخلت الحظيرة في مقابر باب الصغيرة انتهى. وقال شيخنا بدرا دلين الأسدي في كتابه الكواكب الدرية في السيرة النورية: وسار نور الدين الدين إلى حارم فملكها وغنم ما كان فيها من الأموال والخيل والسلاح والخيام وغير ذلك وعاد إلى حلب بالأسارى والغنائم وامتلأت حلب منهم وبيع الأسير بدينار وفرقهم نور الدين الدين على العساكر واعطى أخاه وصاحب الحصن من الأموال العظيمة والتحف الكثيرة وعادوا إلى بلادهم. قال الكتبي وفادي نور الدين الملوك وكان قد استفتى الفقهاء فقال قوم يقتل الجميع وقال قوم يفاديهم فمال إلى الفداء فأخذ منهم ستمائة ألف دينار معجلة وخيلا وسلاحا وغير ذلك وكان نور الدين يحلف بالله تعلا لا ان جميع ما بناه من المدارس والأوقاف والربط وغيرها من هذه المفاداة وجميع وقفه منها وليس فيها من بيت المال الدرهم الفرد انتهى. قال صاحب الروضتين وبلغني أن نور الدين لما إلتقى الجمعان أو قبيله انفرد تحت تل حارم وسجد لربه عزوجل ومرغ وجهه وتضرع وقال يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولئك وهؤلاء عبيدك هم أعداؤك فانصر أولياءك على أعدائك إيش فضول محمود في الوسط يشير إلى أنك يا رب إن نصرت المسلمين فدينك نصرت فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر. قال وقد بلغني أنه قال: اللهم انصر دينك ولا تنصر محمود ومن هو محمود الكلب حتى ينصر انتهى. وكانت هذه الوقعة في سنة تسع وخمسين وخمسمائة وقال في مختصر تاريخ الإسلام في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وفيها سار صاحب حلب الملك نور الدين محمود بن زنكي فاستقبل أرباحا من الفرنج فجاءت معه فاخفته الفرنج ورعبت منه وتزوج بابنة نائب دمشق معين الدين أنر وأرسلت إليه إلى حل وقال في سنة أربع وأربعين وخمسمائة وفيها مات غازي صاحب الموصل أخو نور الدين وله أربع وأربعون سنة. وقال في سنة خمس وأربعين وخمسمائة: وفيها حاصر نور
الدين دمشق فخرج صاحبها ابق ووزيره وخضعا فرق إليهما وخلع عليهما ورد إلى حلب فأحبه الناس وقال في سنة خمسين وخمسمائة: وفيها غزا نور الدين الدين الفرنج وافتتح حصونا وسار إلى أن وصل إلى قونية وعظم شأنه وبعد صيته فلقبه المقتفي1 بالملك العادل وقال في سنة خمس وستين وخمسمائة: وصاحب الموصل قطب الدين مودود أخو نور الدين تملك بعد أخيه غازي انتهى. وقال شخينا في كواكبه في سنة تسع وستين وخمسمائة: فلما كان يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شوال من هذه السنة قبض الله روحه يعني نور الدين رحمه الله تعالى وقت طلوع الشمس عن ثمان وخمسين سنة مكث فيها في الملك ثمان وعشرين سنة وصلي عليه بجامع القلعة ودفن بالقلعة ثم نقل إلى تربة تجاور مدرسته التي بناها لأصحاب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه عنه جوار الخواصين وكانت دار سليمان بن عبد الملك بن مروان وقبره يزار وتخلق شبابيكه وتطيب ويتبرك به كل مار ويقول قبر نور الدين الشهيد لما حصل له من الخوانيق وكذا يقال لأبيه الشهيد لأنه قتل ظلما وفيها بويع بعد موت نور الدين لولده الملك الصالح إسماعيل وكان صغيرا لم يبلغ الحلم وجعل أتابكه الأمير شمس الدين بن المقدم وحلف له الأمراء والمقدمون بدمشق وأطاعه الناس في سائر بلاد الشام وأطاعه صلاح الدين وخطب له بها وضربت السكة باسمه فيها ومات الصالح سنة سبع وسبعين وخمسمائة وقد ذكر صلاح الدين الصفدي رحمه الله تعالى ترجمة زنكي والد نور الدين رحمهما الله تعالى فقال: زنكي بن آقسنقر بن عبد الله الملك المنصور عماد الدين أبو الجود المعروف والده بالحاجب كان والده صاحب الموصل وتقدم ذكر أبيه وكان من الأمراء المتقدمين وفوض إليه السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي2 ولاية بغداد سنة إحدى وعشرين وخمسمائة وكان لما قتل آقسنقر الرسقي ورد مرسوم السلطان من خراسان بتسليم الموصل إلى دبيس بن صدقة3
1 شذرات الذهب 4: 172.
2 شذرات الذهب 4: 76.
3 شذرات الذهب 4: 76.
الأسدي صاحب الحلة وقد تقدم فتجهز دبيس للمسي وكان بالموصل أمير كبير يعرف بالجاولي يستحفظ قلعة الموصل ويتولاها من جهة البرسقي فطمع في البلاد وحدثته نفسه يتملكها فأرسل إلى بغداد أبا الحسن علي بن القاسم السهروردي وصلاح الدين محمد البقيساني لتقرير قاعدته فلما وصلا إليها وجدا المسترشد قد أنكر تولية دبيس وقال: لا سبيل إلى هذا وترددت الرسائل بينه وبين السلطان محمود وآخر ما وقع الاختيار عليه زنكي المذكور باختيار المسترشد1 فاستدعى الرسولين الواصلين من الموصل وقرر معهما أن يكون الحديث في البلاد لزنكي ففعلا ذلك وبذلك المسترشد من ماله مائة ألف دينار فبطل دبيس وتوجه زنكي إلى الموصل وتسلمها ودخل في عاشر شهر رمضان سنة إحدى وعشرين وخمسمائة على ما ذكره ابن العقيمي ولما تسلم زنكي الموصل سلم إليه السلطان محمود ولديه ألب ارسلان وفروخشاه المعروف بالخفاجي ليربيها فلهذا قبل لزنكي أتابك ثم إن زنكي استولى على ما والي الموصل من البلاد وفتح الرها سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وكانت لجوسلين الأرمني وتوجه إلى قلعة جعبر ومالكها يومئذ سيف الدولة أبو الحسن علي بن مالك فحاصرها وأشرف على أخذها فاصبح يوم الأربعاء خامس شهر ربيع الآخر إحدى وأربعين وخمسمائة مقتولا وهو راقد على فراشه ليلا ودفن بصفين رحمه الله تعالى وسار ولده نور الدين الدين فاستولى على حلب واستولى ولده الآخر سيف الدين غازي أخو قطب الدين مودود على الموصل وكان زنكي قد استرد من الفرنج حصونا كثيرى مثل كفرطاب والمعرة وملك الموصل وحلب وحماة وحمص وبعلبك ومدائن كثيرة وأولاد زنكي غازي ومحمود ومودود أبو ملوك الموصل وامير ميران وبنت انتهى. ثم قال زنكي بن مودود بن زنكي: هو أبو الفتح أو أبو الجود عماد الدين بن قطب الدين بن عماد الدين2 المذكور قبله صاحب سنجار كان قد ملك حلب بعد ابن عمه الملك الصالح عمادالدين إسماعيل بن نور الدين الدين محمود بن زنكي. ثم إن السلطان صلاح الدين الدين يوسف بن
1 شذرات الذهب 4: 86.
2 شذرات الذهب 4: 316.
أيوب نزل على حلب وحاصرها سنة تسع وسبعين وخسمائة وآخر الأمر وقع الاتفاق على أنه عوض عماد الدين زنكي سنجار وتلك النواحي وأخذ منه حلب وذلك في صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة وانتقل إلى سنجار ولم يزل بها إلى أن توفي سنة أربع وتسعين وخمسمائة وكان شديد البخل لكنه عادل في الرعية عفيف عن أموالهم رحمه الله تعالى انتهى.
وقال الذهبي في مختصر تاريخ الإسلام في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة: وفيها حاصر زنكي بن آقسنقر جعبر فرتب عليه ثلاثة مماليك فقتلوه وتملك ابنه غازي الموصل وابنه نور الدين الدين محمود حلب كوان زنكي رجلا شجاعا مهيبا انتهى. وقال الذهبي فيه فيمن توفي سنة سبع وثمانين وأربعمائة: والأمير قسيم الدولة آقسنقر التركي مملوك السلطان ملكشاه وقيل هو لصيق به فحظي عنده وولاه حلب الشهباء واسمع منقوش على منارة جامع حلب المحروسة وكان محسنا إلى الرعية قتله تتش ودفن رحمه الله تعالى بالمدرسة الزجاجية بمدينة حلب المحروسة بعد كلب آمد ما بقي مدفونا بالمشهد نقله ولده الأتابك زنكي والد الملك نور الدين رحمه الله تعالى انتهى. وكان زنكي والد نور الدين رحمهما الله تعالى يشبه والد آقسنقر فإنه كان حسن الصورة أسمر مليح العينين طويل القامة وليس بالطويل بالباين وكانت سيرته من أحسن السير ومن أملح سير الملوك وكان من اكابرها حزما وضبطا للأمور وكانت رعيته في أمن شامل يعجز القوي عن التعدي على الضعيف فأشبه أباه ومن يشابه أباه فما ظلم انتهى. ثم قال ابن شداد: أول من درس بها بهاء الدين بن العقادة وكان شيخا فاضلا مشهورا إلى أن توفي. ثم درس بها بعده برهان الدين مسعود الدمشقي وكان شيخا عالما مشهورا فاضلا إلى أن توفي ثم درس بها بعده أولاد الصدر إبراهيم والمجد أخوه وكان ينوب عنهما الشرف داود الحنفي الدمشقي وبقي برهة من الزمان إلى أن قدم شيخ الإسلام جمال الدين محمود بن أحمد بن عبد السيد الحصيري المشهور بالدين والعلم وانتماء العلماء إليه وتلمذتهم له وليها سنة وثلاث وعشرين وستمائة واستمر بها متوليا إلى أن توفي بها في رابع صفر
سنة ست وثلاثين وستمائة وبقيت على ولده من بعده قوام الدين محمد. وكان ينوب عنه بها صدر الدين إبراهيم إلى أن كبر وذكر بها الدرس واستمر بها متوليا إلى حين توفي في رابع شوال سنة خمس وستين وستمائة ودفن بجنب والده بمقابر الصوفية وكان مولده في حادي عشر شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة وولي أخوه الشيخ نظام الدين أحمد ابن الشيخ جمال الدين 1 المذكور وهو مستمر بها إلى حين وضعنا هذا التاريخ في سنة أربع وسبعين وستمائة ومولده حادي عشر شعبان سنة تسع وعشرين وستمائة انتهى. قلت أما ابن العقادة فقال ابن كثير في سنة ست وتسعين وخمسمائة وفيها توفي الشيخ العلامة بدر الدين بن عسكر رئيس الحنفية بدمشق. قال أبو شامة: ويعرف بابن العقادة انتهى. قلت وأما البرهان مسعود فقد مرت ترجمته في المدرسة الخاتونية الجوانية وأما الشرف داود فقال الصفدي: داود بن أرسلان الشيخ شرف الدين نقلت من خط الشيخ شهاب الدين القوصي في معجمه. قال: أنشدني بدمشق لنفسه يخاطب الصاحب صفي الدين بن شكر رحمه الله تعالى وأموات المسلمين:
حوى ملك الإسلام ملكا وصالحا
…
ولا زال في الإقبال ما بقي الدهر
وجاءته أخبار الوزير لأمرنا
…
فتثقف أمر الناس إذ أسر الصقر
صفي بصفي الدين كل مكدر
…
من العيش والأيام ضاحكة زهر
علوت فأصحاب العمائم كلها
…
نجوم وأنت الشمس والقمر البدر
وأعاد شرف الدين هذا مدة طويلة للإمام برهان الدين مسعود بالمدرسة النورية وكان حنفي المذهب وتوفي سنة تسع وثلاثين وستمائة انتهى. وأما الشيخ العلامة شيخ الإسلام الحصيري فقال الأسدي في تاريخه في سنة إحدى عشرة وستمائة وفيها شرع في تبليط جامع دمشق وكانت أرضه في تكسر رخامها وتخفرت وفيها ولي تدريس النورية جمال الدين محمود الحصيري وحضر الملك المعظم درسه في شهر ربيع الأول انتهى.
1 شذرات الذهب 5: 440.
وقال الذهبي في تاريخه العبر في سنة ست وثلاثين وستمائة: وجمال الدين الحصيري شيخ الحنفية أبو المحامد محمود بن أحمد بن عبد السيد البخاري وله تسعون سنة توفي في صفر وروى صحيح مسلم عن أصحاب الفراوي ودرس بالنورية خمسا وعشرين سنة وكانت من العلماء العاملين انتهى. ومثله في مختصر تاريخ الإسلام له وزاد وازدحم الخلق على نعشه حمل على الأصابع. وقال تلميذه ابن كثير في هذه السنة: جمال الدين بن الحصيري الحنفي محمود بن أحمد العلامة جمال الدين شيخ الحنفية بدمشق ومدرس النورية أصله من قرية يقال لها حصير منىمعاملة بخارى وسمع الحديث الكثير وسار إلى دمشق فانتهت إليه رياشة الحنفية بها ولا سيما في أيام الملك المعظم كان يقرأ الجامع الكبير وله عليه شرح وكان يحترمه ويعظمه ويكرمه وكان رحمه الله تعال. غزير الدمعة كثير الصدقة عاقلا نزها عفيفا توفي رحمه الله تعالى يوم الأحد ثامن صفر ودفن بمقابر الصوفية وله تسعون سنة وأول درسه في النورية كان في سنة إحدى عشرة وستمائة بعد الشرف داود الذي تولاها بعد البرهان مسعود وهو أول مدرسها رحمه الله تعالى وأما ابنه النظام المذكور. فقال الذهبي في العبر في سنة ثمان وتسعين وستمائة: وفيها توفي ابن الحصيري نائب الحكم نظام الدين أحمد ابن العلامة جمال الدين محمود بن حمد البخاري الأديب الدمشقي الحنفي وله نحو من سبعين سنة انتهى. وقال تلميذه ابن كثير في سنة ثمان المذكورة: الشيخ نظام الدين أحمد ابن الشيخ جمال الدين محمود بن عبد السيد الحصيري الحنفي مدرس النورةي توفي ثاني المحرم ودفن في ثالثه يوم الجمعة في مقابر الصوفية وكان مفننا فاضلا ناب في الحكم في وقت ودرس بالنورية بعد أبيه ثم درس بها بعده الشيخ شمس الدين بن الصدر سليمان انتهى. وقال في سنة إحدى وسبعمائة: وفي نصف صفر ولي تدريس النورية الشيخ صدر الدين علي البصراوي الحنفي عوضا عن الشيخ ولي الدين السمرقندي وإنما كان وليها ستى أيام درس بها أربعة دروس بعد بني الصدر سليمان توفي وكان من كبر الصالحين يصلي كل يوم مائة ركعة انتهى.
وقال الذهبي في ذيل العبر في سنة سبع وعشرين وسبعمائة ومات في دمشق قاضي الحنفية صدر الدين علي البصراوي في شعبان ببستانه عن خمس وثمانين حدثنا عن ابن عبد الدائم وكان رأسا في المذهب مليح الشارة كثير النعمة حكم بدمشق عشرين سنة وأوصى بثلاثة صدقة وولي بعده ابن الطرسوسي انتهى. قلت وابن طرسوسي هذا هو كما قال الصفدي قاضي القضاة الحنفية بالشام بعد قاضي القضاة صدر الدين علي الحنفي وكان نائبه أولا وكان سيوسا حسن الشكل كامل القامة أنيق الصحة قال الحسيني رحمه الله تعالى في ذيله سنة ثمان وأربعين وسبعمائة والامام العلامة قاضي القضاة عماد الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم الطرسوسي الحنفي حدث عن ابن البخاري وغيره وولي قضاء الحنفية بدمشق في سنة سبع وعشرين بعد القاضي صدر الدين البصراوي فشكرت سيرته وأحكامه وكانرجلا جليلا مهيبا وقورا كثير التلاوة متعبدا توفي رحمه الله تعالى في ذي الحجة منها بالمزة وولي بعده ابنه القاضي نجم الدين إبراهيم انتهى وقال نجم الدين هذه هو قاضي القضاة عمادالدين أبو الحسن علي ابن الشيخ محيي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم ابن عبد الصمد الطرسوسي الحنفي ميلاده في يوم السبت ثاني شهر رجب سنة تسع بتقديم التاء وتسعين وستمائة بمنية ابن خصيب بالصيعد الأعلى بديار مصر تفقه بدمشق على قاضي القضاة شمس الدين بن الحريري وعلى الشيخ سراج الدين أحمد الرومي وعلى الشيخ أبي العلاء محمود الحنفي البخاري وقرأ الخلاف على الصاحب محيي الدين بن النحاس درس أولا بجامع قلعة دمشق يوم الخمس خامس عشرين جمادى الأولى سنة عشرين وسبعمائة وفي صفر سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة باشر نيابة الحكم عن القاضي صدر الدين علي بن صفي الدين البصراوي وولي القضاء استقلالا بعد مشيبه وباشر في النصف من شهر رمضان سنة سبع وعشرين وسبعمائة درس بالنورية والمقدمية والريحانية والقيمازية وله من الشعر كما أنشدته في قرية المزة ما عمله ارتجالا وهو في مجلس واحد قوله:
أهواك يا مزة الفيحاء أهواك
…
أهوى هواك وماك البارد الزاكي
قد طفت في البر والبحر المديد فلم
…
أر جمالا وحسنا مثل مغناك
نباتك الطيب والأزهار أجمعها
…
وام أذق قط طعما مثل مجناك
أنهارك كرحيق السلسبيل جرى
…
بين الرياض ونشر المسك رياك
فالحمد لله مولانا وسيدنا
…
إذ خصنا وحبانا طيب سكناك
ثم الصلاة على المختار من مضر
…
خير البرية من عرب وأتراك
ونزل عن القضاء في أول ذي الحجة سنة ست وأربعين وسبعمائة وتزهد عن الدنيا وانقطع رحمه الله تعالى في منزله بالمزة علىالعبادة والتلاوة إلى أن توفي رحمه الله تعالى يوم الإثنين سلخ ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وسلعمائة بمنزله بالمزة ودفن بالمزة بتربة الشيخ علاء الدين الصوابي انتهى. وابنه نجم الدين إبراهيم هذا هو العلامة قاضي القضاة الحنفية بالشام بعد والده كان فقيها بارعا في الفقه صنف عدة مجلدات وله نظم حسن ومذاكرات مفيدة وفهم وسياسية وتودد وملتقى حسن. قال السيد الحسيني في ذيله في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة: والامام العلامة قاضي القضاة نجم الدين إبراهيم ابن قاضي القضاة عماد الدين علي بن الطرسوسي الحنفي مولده بالمزة في ثاني المحرم سنة عشرين وسبعمائة وتفقه بوالده وغيره وبرع في الأصول والفقه ودرس وأفتى وناظر وافاد مع الديانة والصيانة والتعفف والمهابة ناب في الحكم عن والده ثم ولي الحكم استقلالا بعده وحدث عن ابن الشيرازي وغيره توفي رحمه الله تعالى في شعبان وولي بعده نائبه القاضي شرف الدين الكفري1 انتهى.
وقال الحسيني أيضا في ذيله في سنة تسع وخمسين وسبعمائة: وفي العشر الأخير من شعبان صرف قاضي القضاة شرف الدين الكفري وقاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي عن القضاء بدمشق وولي قاضي الشافعية قاضي القضاة بهاء الدين
1 شذرات الذهب 6: 239.
أبو البقاء السبكي وقاضي الحنفية قاضي القضاة جمال الدين محمود بن السراح فحكم نحوا من ثلاثين يوما ثم صرف في أول شوال وأعيد قاضي القضاة تاج الدين السبكي وقاضي القضاة شرف الدين الكفري وخلع عليها يوم الإثنين خامس شوال وفي يوم الأربعاء ثاني شهر رمضان قدم شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الحسين العراقي من القاهرة على قضاء المالكية بدمشق عوضا عن القاضي جمال الدين المسلاتي ثم من الغد أقدم القاضي أمين الدين بن عبد الحق على حسبة دمشق عوضا عن علاء الدين الأنصاري وكانت التنقلات بأسرها صادرة عن راي صرغتمش انتهى. وقال في سنة ثلاث وستين وسبعمائة: وفي تاسع جمادى الأولى ولي قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف ابن شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الحسين الكفري قضاء الحنفية عوضا عن والده واستناب القاضي بدر الدين الجواشيني والقاضي عزالدين منصور انتهى.
وقال الأسدي في صفر سنة سبع عشرة وثمانمائة: في قدوم الملك المؤيد إلى قتال نوروز وفي هذا اليوم يعني يوم الأربعاء خامس عشرينه سلمنا على قاضي القضاة نجم الدين بن حجي وقد استقر في قضاء القضاة والخطاة والمشيخة وما يتبع ذلك والقاضي شمس الدين التباني استقر في قضاء الحنفية انتهى. ثم قال في ثاني شهر ربيع الأول منها وفي هذا اليوم اصطلح القاضي شمس الدين بن التباني الحنفي والقاضي المنفصل شهاب الدين بن الكشك ونزل ابن التباني عن الوظائف التي كان أخذها من القاضي شهاب الدين المذكور وأخذ منه شيئا على ما بلغني انتهى. ثم قال في شهر رمضان سنة ثمان عشرة وثمانمائة: وممن توفي فيه قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ العالم جلال الدين الحنفي الشهير بابن التباني كان فاضلا له مشاركة في العلوم ويعرف بالتركي جيدا وعنده كرم الله تعالى وجهه نفس وحشمة وكان بينه وبين السلطان يعني الملك المؤيد شيخ من مصر صحبة قديمة فقيل إن السلطان قرأ على والده وقيل غير ذلك فقدم عليه أيام نيابته بدمشق أظنه سنة إحدى عشرة فأكرمه
وعظمه وولاه نظر الجامع وغيره ولم تكن سيرته إذ ذاك بمحمودة ثم إنه في سنة ثلاث عشرة جيء به من مدينة حلب المحروسة في الترسيم إلى الملك الناصر إلى دمشق فأهانهما وحبسهما في القلعة بسبب صحبتهما للملك المؤيد شيخ وصودر شمس الدين وباع ثيابه وسأل الناس بالأطراق وعاد هو وأخوه إلى مصر فلما تسلطن الملك المؤيد شيخ قربهما على العادة فلما خرج السلطان من مصر أول سنة سبع عشرة إلى دمشق إلى قتال نوروز وخرج معه فولاه قضاء الحنفية بدمشق فجاء وباشر مباشرة لا باس بها بالنسبة إلى العفة عن أموال الناس وكان قد فوض الحكم إلى نوابه وهو قليل جدا لا يدخل إلى مدرسة الحكم أبدا وإنما نوابه يسدون مسده وله وجاهى وجربه وولي بعض التداريس في القصاعين وغيرها وجلس مدة يسيرة في الجامع يشتغل ولما دخل فتنة قاتباي دخل إلى القلعة ودبر أمرها وكانت غالب الأمور إليه فلما وقع الحريق من القلعة انكر الناس ذلك منه وقيل إن ذلك برأيه وإن لم يكن برأيه فلو شاء لأنكره ولكن بلغني أنه حلف أن ذلك لم يكن برأيه ولا بعلمه وكان في ظنه وظن الناس أنه قد نال بما فعل عند السلطان مرتبة لا يصل إليها فلم يظهر من السلطان احتفال بما فعلوه بل ربما ذم على ما وقع من الحريق ولما توجه السلطان إلى حلب المحروسة في أول شهر رمضان توجه إليه السلطان فأراد السلطان أن يرسله إلى ابن قرمان في رسالته فساله الإقالة من ذلك فغضب السلطان عليه وأمره بالرجوع إلى دمشق فرجع ومرض في الطريق قيل إنه أطعم في حماة لوزينجا مسموما ووصل إلى دمشق مريضا يوم السبت عشرينه وتوفي عند الصبح يوم الإثنين تاسع عشريه جوار مدرسة بلبان وحضر جنازته خلق من الفقهاء والترك وغيرهم وصلي عليه بمسجد القصب وأم الناس الشيخ محمد بن قديدار ثم صلي عليه ثانيا بجامع يلبغا وحضر الصلاة هناك ملك الأمراء ثم صلي عليه ثالثا بباب الجبابية ودفن بمقبرة باب الصغير على يسار الذاهب إلى مسجد الذيان مقابل تربة الجيبغاي على حافة الطريق وتوفي رحمه الله تعالى في العشر الأخير ظنا وترك عليه ديونا كثيرة وتركة يسيرة لا
تفي بما عليه وكان لباسه ولفته تشبه أهل الدواوين لا القضاة انتهى.
ثم قال في شوال منها: وفي يوم الإثنين سابعه لبس القاضي شهاب الدين بن العز الحنفي المعروف بابن الكشك خلعة نظر الجيش بدمشق عوضا عن صدر الدين بن العجمي1. إلى أن قال: ثم بعد أيام ورد له مرسوم بأن يباشر القضاء عن ابن التباني وجمع بينه وبين نظر الجيش كما فعل القاضي جمال الدين العجمي2 بمصر أيام الملك الظاهر برقوق وأما بدمشق فلم يتفق ذلك انتهى. ثم قال في ذي القعدة منها: وفي يوم الخميس ثانية وصل إلى دمشق يعني من السلطان وهو بحلب توقيع القاضي شهاب الدين بن العز بوظيفة قضاء الحنفية عوضا عمن تقدم بدمشق وخلع عليه وقرئ التوقيع بالجامع وهو مؤرخ بخامس عشرين شوال انتهى. وقال في جمادى الأولى أو الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة: وفي يوم الإثنين خامس عشره آخر النهار وصل الخبر بعزل القاضي الحنفي هو ابن العز المذكور بالقاضي شمس الدين الصفدي قاضي طرابلس بدعما كتب خطه بألفي دينار وبعزل السيد ابن نقيب الأشراف من نظر الجيش بالقاضي جمال الدين بن الصفي3 وقيل إنه خلع عليه بذلك يوم الخميس رابع الشهر انتهى. وكان ابن العز المذكور المعروف بابن الشك قد زوج ولده بنت السيد المذكور واتفقا على القاضي نجم الدين بن حجي وحصل لهما بسببه شر كثير وغرما مالا كثيرا نحو عشرين ألف دينار على ما بلغنا مع كثرة الظنون فيهما لما قيل والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. ثم قال في شهر رجب منها: وفي سحر ليلة الثلاثاء سابعه وصل قاضي القضاة شمس الدين الصفدي على غفلة من طرابلس وجاء إلى دار السعادة فسلم على النائب ثم ذهب ومعه الدوادار الكبير وكاتب السر والحاجب الثاني وجماعة من الأمراء إلى منزله ونزل عن أخيه بمرج الدحداح وقد استقر ولده شهاب الدين أحمد وهو شاب صغير السن في قضاء طرابلس واخبر بأن له في طرابلس ثلاثين سنة إلا شهرا
1 شذرات الذهب 7: 202.
2 شذرات الذهب 6: 362.
3 شذرات الذهب 7: 290.
وأياما وكان مشكور السيرة بها مشهور الإسم مقصودا للطلبة وفي يوم الخميس تاسعه لبس في الاصطبل ومعه القاضي المالكي وكاتب السر والحجاب الصغار ودوادار السلطان وجاء إلى الجامع وقرئ تقليده قرأه عماد الدين بن السرميني نائب كاتب السر وليس فيه شيء من الوظائف بل فيه ويستقر في الوظائف التي تتعلق بالقضاء وتاريخ توقيعه مستهل الشهر واستتناب السيد ركن الدين1 فقط ويومئذ وصل الخبر أن كاتب السر بدر الدين بن مزهر توفي وكان ولده جلال الدين استقر في كتابة سر مصر عوضا عن والده بمائة ألف دينار وهو صبي صغير عمره نحو خمس عشرة سنة انتهى. ثم قال: في ذي القعدة منها وفي ثامنه عقد مجلس للقاضيين الحنفيين المتصل والمنفصل بسبب حاجب الحجاب وسبب ذلك أن السلطان كان قد رسم أن تكون الوظائف كلها وظائف القضاء وغيرها بينهما نصفين نصف للقاضي المتصل ونصف للمنفصل وولده فسعى القاضي في إحضار مرسوم بأن ينظر في مستندات القاضي شهاب الدين بن العز ويحرر وأنه ما منع من تحريرها في مصر إلا أنه لا يمكن ذلك هناك فيعمل بينهما بالحق مع غير حيف أو ميل من إحدى الجهتين على الأخرى وإن وقع حيف أو ميل من أحد من القضاة فتجمل القضاة الثلاثة إلى مصر وأن الأمير محمد بن منجك يحضر الصلح فحضر عند الحاجب القضاة ونوابهم وجماعة من العلماء ووقع كلام وانتشر ثم اصطلحوا على أن القاضي شهاب الدين بن العز ينزل للقضاي شمس الدين الصفدي عن تدريس القصاعين ونظرها وتدريس الصادرية ونظرها ففعل ذلك واستقر باسم ابن القاضي تدريس الخاتونيتين والمرشدية ونظرها وخطابة جامع دنكز وبيده والده نظر الجمالية ونظر الحافظية ونصف نظر الماردانية وانفصل الأمر انتهى. ط
ثم قال في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وثمانمائة: وفي يوم الأربعاء حادي عشره وصل الخبر إلى دمشق بعزل القاضي شمس الدين الصفدي الحنفي ورسم بعوده إلى قضاء طرابلس عوضا عن ولده ولبس قاضي الضاة شهاب الدين بن
1 شذرات الذهب 7: 231.
العز يوم الأحد رابع عشره وقرئ توقيعه بالجامع وفي التوقيع يستقر هو وولده فيما كان بيجهما من الوظائف ومن جملتها الخاتونية والصادرية وكان القاضي شمس الدين الصفدي قد أخدهما بنزول ابن قاضي القضاة له في ذلك المجلس الذي عقده ببيت الحاجب في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين واستمر بنيابة السيد ركن الدين واستناب بقية نوبة انتهى.
ثم قال في المحرم سنة سبع وثلاثين وثمانمائة: وفي يوم الجمعة خامس عشره استناب نواب القاضي الحنفي من المدرسة النورية إلى دار الحديث النورية وكان القاضي شمس الدين الصفدي لما عرض عليه القاضي شهاب الدين الحنفي النورية والصادرية اعتل الصفدي بأن نواب القاضي والشهود والرسل كذا بالنورة فكيف ندخل إليها فقال له القاضي الحنفي أنا أنتقل منها ثم إن اقاضي الصفدي لحق السلطان وأخذ منه مرسوما بالوظيفتين كتب معه القاضي زين الدين عبد الباسط إلى الحنفي أن يفي له بما شرطه فلم يسعه إلا الانتقال منها وحصل له بذلك ذل انتهى.
وقال في شهر ربيع الأول منها: وممن توفي فيه قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي القضاة محيي الدين محمود ابن قاضي القضاة نجم الدين أحمد ابن قاضي القضاة عماد الدين إسماعيل بن الشيخ شرف الدين أبي البركات محمد بن عز الدين أبي العز الأذرعي الأصل الدمشقي الحنفي المعروف بابن العز وبابن الكشك مولده على ما أخبرني به ليلة الجمعة سايع عشر شهر رمضان سنة ثمانين واشتغل بالعلم يسيرا ودرس بالمدرسة الظاهرية وناب عن والده وهو شاب فأنكر الناس ذلك ولما جاء التتار ورحل والده معهم كان هو أيضا معه في ذلك وأخذهما تمرلنك إلى مدينة تبريز ثم رجعا ولما مات والده في ذي الحجة سنة ست وثمانمائة أخذ ججهاته وناب في القضاء وظهر للناس جراته وإقدامه ثم ولي القضاة في صفر سنة اثنتي عشرة ثم عزل بعد نحو شهرين ثم أعيد ثانيا في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وعزل في آخر سنة أربع عشرة بابن القضامي الحموي ثم اعيد المذكور قبل مباشرة ابن
القضامي وكان قبل ذلك بأسبوع قدم من مصر على قضاء الحنفية رجل إسكندري يقال له ابن عطاء الله فأعقبه وصول توقيع ابن العز قبل أن يباشر ففي مدة عشرة أيام كان بدمشق ثلاثة قضاة حنفية وعزلوا وولي القاضي شهاب الدين فيها مرتين وهذا من عجيب الاتفاقات ثم عزل في أواخر سنة عشرة عند إرادة الملك المؤيد الخروج من مصر لقتال نوروز ثم ولي نظر الجيش في شوال سنة ثمان عشرة وثمانمائة ثم أعيد في الشهر المذكور إلى القضاء وجمع له بين الوظيفتين ثم عزل بعد مباشرته نظر الجيش ست سنين وأربعة أشهر في صفر سنة خمس وعشرين واستمر في القضاء إلى أن عزل في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين يعد مباشرته في هذه المرة ثلاث عشرة سنة وثمانية أشهر ثم أعيد إلى القضاء وهي الولاية السادسة في شعبان سنة أربع وثلاثين واستمر يباشر إلى حين وفاته ومباشرته في ولاياته الست محو تسع عشرة ونصف وبعد قتل القاضي نجم الدين بن حجي اطلب إلى مصر بسبب ذلك هو والسيد ابن النقيب أي نقيب الأشراف فقيل إنه ظهرت براءة ساحته من ذلك ومن ذلك غرم لهم جملة مستكثرة نحو أربعة آلاف دينار وكان جريئا مقداما سديد الرأي لا يبالي ما يقول ولا ما يفعل ولا يتأثر بما يغرم من الأموال.
حكي لي أنه غرم من سلطنة المؤيد إلى سلطنة الملك الظاهر ططر سبعين ألف دينار وغرم بعد ذلك أموالا كثيرة وكان يتهم بان ذلك مما أخذوه من أموال الناس في الفتنة وحصل أملاكا كثيرة وأخذ غالب مدارس الحنفية تدريسا وأنظار الخاتونيتين والقصاعين والنورية والصادرية وغير ذلك من عامر وخراب ثم إن الصفدي انتزع منه القصاعين والصادرية فلما عزل الصفدي استعادهما ولما جاء السلطان في هذه السنة سعى الصفدي في المدرستين المذكورتين فرسم له بهما فسعى المذكور إلى ان القاضي شمس الدين الصفدي يسكن النورية والصادرية وانتقل القاضي ونوابه من النورية وحصل له بذلك نكاية عظيمة.
وقال في مرض موته: ما ملك فقيه في زماني من النقد ما ملكت: ملكت مائتي مملوك ومائتين جارية. وكان كثير الإسراف على نفسه شديد التخليط والله
غفور رحيم غير أنه كان لا يأخذ في القضاء شيئا لا هو ولا نوابه وكان كثير المداراة للظلمة وأعدائه والوفود إلى أبوابهم واخضوع لهم وكان ينجبر على غيرهم وكان ذكيا يتكلم في العلم جيدا لكن من غير حاصل ويستحضر جملة من التارخ توفي يمسكنه بالصالحية آخر ليلة الخميس السابع منه وصلي عليه من الغد بجامع الخاتونية وحضر جنازته النائب والحجاب والقضاة وخلق من الناس ودفن بتربتهم غربي المدرسة المعظمية سامحه الله وإيانا وعامله وإيانا بفضه وكرمه لا بعدله انتهى. ثم قال في شهر ربيع الآخر منها: وفي يوم الأحد ثاني عشره آخر النهار وصل الخبر بولاية القاضي شمس الدين ابن القاضي شهاب الدين بن الكشك قضاء الحنفية عوضا عن والده وجاء كتابه إلى القاضي ركن الدين بالمباشرة قباشر من الغد انتهى. ثم قال في جمادى الأول منها: وفي يوم الإثنين مستهلة دخل القاضي شمس الدين ابن القاضي شهب الدين بن العز إلى دمشق لابسا خلعى القضاء وجاء إلى النائب فسلم عليه ثم ذهب إلى الجامع ومعه القضاة والحجاب وكاتب السر وغيرهم وقرئ توقيعه بالجامع على العادة المذكورة وقرأه عمادالدين بن السرميني وفيه استمراره لما كان بيده ويد والده من التداريس والأنظار انتهى.
ثم قال في صفر سن ثمان وثلاثين وثمانمائة وفي يوم الأربعاء سابع عشره وصل هجان ومعه توقيع بقضاء الحنفية أيضا للقاضي شمس الدين في القبول وأرسل النائب إليه من الغد ليلبس الخلعة فامتنع لأنه جاء في كتابه أنه يؤخذ منه ألف وخمسمائة دينار وخمسمائة للمستقر وذلك على القضاء بمجردة والمذكور لا يأخذ على القضاء شيئا فآل الحال به بعد أيام أنه سافر إلى مصر انتهى.
ثم قال في شهر ربيع الآخر منها: وفي ليلة الجمعة ثالثه وصل إلى دمشق القاضي شمس الدين الصفدي الحنفي من القاهرة وقد اجتمع بالسلطان واعتذر عن ولايته فأعفي من ذلك وذلك بعد أن نقص عنه من الألفين المذكورة خمسمائة فلم يقبل ورجع وحمده الناس على ذلك ولكن تأذى منه المباشرون انتهى.
ثم قال في جمادى الآخرة منها: وفي يوم الإثنين ثالثه لبس القاضي شمس الدين بن الكشك خلعة عوده إلى القضاء من بيته وجاء إلى دار السعادة فسلم على النائب وذهب إلى الجامع ومعه القضاة والحجاب وكاتب السر وناظر الجيش وجماعة من الفقهاء والأعيان فقرأ تقليده بدر الدين ابن قاضي أذرعات وكان قد ورد على يده وتاريخ ذلك عاشر جمادى الأولى ولم ينتظم ما جاء به الخبر أولا من اذخذ النورية والصادرية من القاضي شمس الدين الصفدي وكان قد جاءهم كتاب بذلك ثم انتقض انتهى. ثم قال في شعبان منها: وفي يوم الخميس سادس عشره جاءه الخبر بأن السيد ركن الدين بن زمام ولي قضاء الحنفية عوضا عن القاضي شمس الدين بن العز وسبب ذلك ان ابن العز كتب يسعى في النورية أو يعفى من القضاء والصفدي قبله كتب يسعى في القضاء والخاتونية ولم يقبل القضاء مجردا فغضب السلكان منهما وسأل عن شخص من أهل العلم يوليه فذكر له المذكور فولاه واستقر عوضه في إفتاء دار العدل قوم الدين بن قوام الدين انتهى. ثم قال فيه وفي يوم الإثنين: عشريه لبس السيد ركن الدين على العادة وحضر معه الحاجب والقضاة وغيرهم وتاريخ التوقيع في خامس شعبان واستناب السيد بدر الدين الخضيري والشمس بن اللبودي والشرف بن منصور الذي كان نقيب القاضي نجم الدين بن حجي ولم يستحسن الناس منه ذلك انتهى.
ثم قال فيه سنة تسع وثلاثين: وفي آخر يوم السبت سابع عشر المحرم توفي الإمام العالم المفيد شيخ الحنفية قاضي القضاة ركن الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن علاء الدين أبي الحسن علي بن شمس الدين بن محمد بن زمام الحسيني، مولده على ما أخبرني سنة تسع وستين أو سنة سبعين واشتغل وحفظ المنظومتين وغير ذلك وكان يستحضر في المجالس إلى آخر وقت ويحفظ منظومة في الوفيات وناب في القضاء بعد الفتنة إلى آخر وقت وولي إفتاء دار العدل عوضا عن الشيخ برهان الدين بن خضر وكان قد صحبه كثيرا وخدمه وأخذ وصاهره وخطب بجامع يلبغا وكان بيده نصف الخطابة يخطب به شهرا
وبالركنية شهرا ودرس بالركنية وكان بيده حصة من التدريس بالزنجيلية وغيره ذلك وكان بيده جهات كثيرة وكانت سيرته في القضاء جيدة من جهة الأخذ على القضاء لم يسمع ذلك عنه إلا أنه لا يتوفق في شيء ويحكم بما دب ودرج ويعسر على المشارع في ذلك المدح في حكمة لعلمه وعدم الأخذ على القضاء فهلك بذلك خلق كثير أقاله الله تعالى عثرته ورحمه بموته وكان لا يهتدي إلى معرفة الصواب بل الغالب سلامة الفطرة وعليه مأخذ في دينه ومباشرته الأوقاف وكان يشغل بالجامع ويفتي وهو عين مذهبه بدمشق من مدة وكان لا يحسن تعليم الطلبة ولا يتصرف في البحث وغيره وإنما ينقلل ما يحفظه ويستحضر فوائد غريبة ولقد بحثت معه مرة من مدة قريبة فسألته عن تحقيق شيء فقال أنتم تنقلون وتتصرفون ونحن ننقل ولا نتصرف وقال للي في ختم مسلم بالجامع الأموي وقد نقل شيئا فنازعته أنا وغيري فيه فقال لي خمسون سنة أبحث مع العلماء وهم يكذبوني ولا أغصب وكان عنده كرم الله تعالى وجهه نفس وتواضع وقدر في آخر عمره أنه ولي القضاء من غيره سؤال وكان السبب في ذلك أن القاضي شمس الدين بن العز استعفى والقاضي شمس الدين الصفدي لم يقبل الولاية بما وضع عليه فغضب السلطان الأشرف برسباي وأراد أن يولي ثالثا فذكر له فولاه القضاء وتدريس القصاعين لا غير وجاءته الولاية في أثناء شعبان من غيره سعي منه ولا طلب فباشر ذلك دون الخمسة أشهر ولم يسمع عنه ما يحمد به بل كان له حرمة لما كان نائبا أكثر منها لما كان مستقلا بالقضاء ودفن بسفخ قاسيون عند والدته بالقرب من زاوية اللشيخ عبد الرحمن ابن أبي بكر بن داود رحمه الله تعالى وكانت جنازته مشهودة حضرها النائب والحاجب والأمراء والقضاة والفقهاء وخلق من الناس وصلي عليه بالجامع المظفري فقدم في الصلاة عليه القاضي الشافعي السراج الحمصي وأرسل القاضي الشافعي المذكور ولاية للقاضي زين الدين عبد الباسط ناظر جيش مصر بوظائفه يتقرب إلى خاطره بذلك انتهى.
ثم قال في أول سنة أربعين: وقاضي القضاة الحنفي شمس الدين الصفدي
واستقر في ذي القعدة من السنة الحالية انتهى.
ثم قال في شعبان سنة أربع وأربعين: وفي يوم الخميس حادي عشرة توفي العماد إسماعيل ابن القاضي شهاب الدين بن الكشك وهو صغير وانقرض هذا البيت فسبحان الدائم الباقي انتهى.
ثم قال في سنة ست وأربعين في صفر: وفي يوم السبت الحادي والعشرين وصل الخبر بعزل القاضي شمس الدين الصفدي الحنفي من القضاء الحنفية بالقاضي تاج الدين بن قاضي بغداد وسر الناس بذلك ولقد باشر مباشرة قبيحة وسار قضاة الشر وكان لا يتوقف فيما يقوله ولا فيما يفعله ولا يتوقف في الحكم على مذهب معين ويصرح بذلك ويتبجح به انتهى.
ثم قال في شهر ربيع الأول منها: في ليلة مستهله سافر الصفدي المنفصل عن القضاء إلى مصر غير مصحوب بالسلامة انتهى.
ثم قال في شهر ربيع الآخر منها وفي يوم الخميس تاسعه دخل القاضي بهاء الدين بن حجي راجعا من مصر ودخل معه القاضي نجم الدين ابن القاضي بغداد متوليا قضاء الحنفية ووكالة بيت المال مضافا إلى الحسبة وخرج النائب إلى لقاهما فلم يصل إلى القبة بل وقف عند القبو فلما وصلا إليه نزلا وقبلا يده فاستنكر الناس ذلك وقريء تقليد الحنفي بالجامع على العادة. إلى أن قال: وفي يوم الخميس عاشرة استناب القاضي شهاب الدين ابن اللشيخ بدر الدين ابن قاضي أذرعات وهو شاب لا اشتغال له في الفقه أصلا انتهى. ثم قال في أول سنة سبع وأربعين: وقاضي القضاة نجم الدين ابن قاضي بغداد ولي في صفر من اشنة الحالية وبيده الحسبة. ثم عزل بالقاضي شمس الدين الصفدي في جمادى الأولى من هذه السنة انتهى.
ثم قال فيها جمادى الأولى: وفي يوم الإثنين حادى عشريه لبس القاضي شمس الدين الصفدي وعزل نجم الدين بن البغدادي وشكا عليه إلى مصر ولم
تكن سيرته محمودة وكان عنده جرأة وإقدام والناس يزدحمون عليه لأغراضهم انتهى.
ثم قال في أول سنة ثمان وأربعين: وقاضي القضاة شمس الدين الصفدي عزل في شهر رجب بالشيخ قوام الدين انتهى.
ثم قال في شهر رمضان منها وفي يوم اللخميس ثانيه طلب الشيخ قوام الدين الرومي الأصل الحنفي وقد وصل توقيعه بالقضاء مؤرخا من أربعين يوما وعرض عليه قبول ذلك فيه أشياء وأنه يشتم الخصمين شتما قبيحا انتهى.
ثم قال في شوال منها وفي يوم الخميس عشره جاء ساع ومعه كتاب بأن الشيخ قوام الدين يلزم بمباشرة القضاء فتعلل أياما ثم لبس الخلعة يوم الخميس ثاني عشريه انتهى.
ثم قال في ذي القعدة منها ويوم الخميس سابعة بلغني أن الشيخ قوام الدين استناب شخصا طالب علم يقال له ابن الحمراء وهو رجل خامل لكن قيل له فضل انتهى.
ثم قال في ذب الحجة منها في أوله جاء مرسوم للشيخ قوام الدين أن يرتي له على الجوالي كل يوم أربعين درهما عوضا عن الوظائف التي لم يقبلها ورسم أن يستمر في إفتاء دار العدل ويستنيب انتهى. ثم قال في أول سنة خمسين: وقاضي القضاة قوامالدين الرومي الأصل الدمشقي الحنفي باشر في شوال من السنة الحاللية بعدما كان ورد توقيعه في شعبان وروجع فيه فجاء الجواب بالزامه بذلك انتهى.
ثم قال: في سنة إحدى وخمسين في خامس عشر شهر ربيع الآخر تولى العلامة شيخنا حسام الدين محمد بن زين الدين عبد الرحمن بن العماد الكاتب قاضي صفد الشهر هناك بابن بريطع عوضا عن قوام الدين فسافر من صفد لى قضاء دمشق
ثم قال في سنة ثلاث وخمسين: في مستهل شهر رجب منها وصل حميد الدين وقد استقر قاضي الحنفي بدمشق من مصر عوضا عن حسام الدين ورسم لحسام الدين بقضاء طرابلس.
ثم قال في سنة أربع وخمسين: وفي أول جمادى الأولى منها أخرج أبو الفتح في مجيئه مرسوما بعزل حميد الدين فتوجه إلى مصر وقال في سنة أربع وخمسين وفي يوم الإثنين حادي عشرين في شعبان منها وصل حميد الدين ابن قاضي بغداد من مصر إلى دمشق وقد أعيد إلى قضاء الحنفية بها.
قال ابن الزملكاني رحمه الله تعالى: وفي يوم الإثنين خامس عشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وصل تشريف من مصر بإعادة شيخ الحنفية قوام الدين محمد بن قوام الدين لقضاء الحنفية بدمشق فأبى أن يلبسه وامتنع غاية الامتناع فلم يزل عليه أركان دولة دمشق حتى قبل بعد الجهد العظيم ورسم على المعزول شيخنا حميد الدين بالعادلية ليقوم بما التمسه من أموال أوقاف الحنفية ثم ضمن عليه وخرج ليعمل الحساب فسحب إلى مصر وفي أواخر شعبان سنة خمس وخمسين المذكورة عزل قوام الدين المذكور وأعيد حميد الدين المنسحب إلى مصر وفي يوم الإثنين ثاني عشرين جمادى الأولى سنة ست وخمسين وصل قاصد من مصر وعلى يده تشريف بقضاء الحنفية للشيخ قوام الدين محمد بن قوام الدين فامتنع أيضا من لبس التشريف وصمم على عدم قبول الولاية فلاطفه القاضي جمال الدين الباعوني ونائب الشام جلبان والحاجب والدوادار إلى أن وافق كرها وألبس التشريف عوضا عن حميد الدين ولم يحضر توقيعه حينئذ ثم ورد التوقيع من مصر في شهر رجب وفي يوم السبت ثالث عشرين جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وصل الشيخ العلامة حسام الدين بن العماد الحنفي إلى دمشق على أنظار أوقاف الحنفية بدمشق عوضا عن القاضي حميد الدين ابن قاضي بغداد وفي سابع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ورد الخبر من مصر بعزل قوام الدين وتولية حميد الدين المذكور وعوضه. ثم في ثالث عشرين ربيع الأول المذكور وصل القاضي حميد الدين إلى دمشق في وظيفة قضاء الحنفية عوضا عن
قوام الدين وكان قبل هذا الشهر أشيع بدمشق باستمرار قوام الدين في القضاء ثم أشيع ولاية حسام الدين ثم أسفر الحال عن ولاية حميد الدين وفي عاشر شوال من السنة ثمان وخمسين المذكورة ورد مرسوم السلطان إلى دمشق بأن الشيخ حسام الدين قد استقر في قضاء الحنفية بدمشق عوضا عن حميد الدين مضافا لما بيده من الوظائف والأنظار وأن توقيعه وتشريفه وأصلان إليه صحبة الحاجب الكبير بدمشق جانبك البرسباي وأن يجهز حميد الدين المشار إليه إلى بغداد بلدته من درك إلى درك من غير فترة ولا مراجعة ثم تجهز من فوره إلى بغداد فطلبه جلبان نائب الشام وأمره أن لا يقيم يوما واحدا بدمشق حسب المرسوم الشريف فجهز المذكور وصحبته شرف الدين موسى أحد الحجاب بدمشق وأمير آخر معهما ليوصلاه إلى نائب الرحبة ليرسله مع العماد من عنده إلى العراق ثم أعقبه مرسوم ثان بأن يجهز من الرحبة إلى حلب المحروسة ليقيم بها ملازما لبيته لا يخرج منه فتوجه من درب الرحبة إلى حلب المحروسة ثم أطلق ابن الزملكاني لسانه فيه لا حول ولا وقوة إلا بالله ثم في خامس ذي القعدة منها عاد جانبك إلى الحاجب الكبير المذكور مستمرا وعلى يده التوقيع والتشريف المذكوران وقرئ بالجامع على العادة ثم في يوم الخميس ثامن ذي القعدة المذكور توفي الشيخ قوام الدين محمد بن قوام الدين المذكور عن بنت صغيرة اسمها عائشة من زوجته آسية بنت التاجر عزالدين العيني وعن أخت لأبويه وزوجة وكان بيده أقطاع بالحلقة من جلمته قرية انخل من عمل نؤى فأراد جماعة أخذه بحكم وفاته فجعله النائب رزقه لابنته المذكورة وأسل اللا مصر فأحضر لها مرسوما بذلك توفي المذكور بعد مرض طويل بداره بالحراكين بصالحية دمشق وقد قارب الستين ودفن تجاه داره وكان قد وقف كتبه على الحنفية بدمشق وكان هو رأس الحنفية بدمشق عالما عاملا كثير المعروف للناس ولي قضاء الحنفية مرات مكرها وحضر له توقيع بوظائف الحنفية والأنظار فلم يقبل. وكانت جنازته حافلة حضرها النائب فمن دونه ورؤيت له منامات حسنة بعد موته تدل على خير فيه رحمه الله تعالى. ثم في أول جمادى
الآخرة سنة تسع وخمسين ورد مرسوم من مصر بعود القاضي حميد الدين من حلب المحروسة إلى دمشق بعد أن كان رسم له أن يتوجه إلى بغداد يقيم بها ورد مرسوم أن يقيم بحلب المحروسة ثم ورد في هذا التاريخ أن يعود إلى دمشق وفي يوم الإثنين سابع شهر ربيع الآخر سنة اثنين وستين وصل علاء الدين علي ابن شهاب الدين أحمد بن قاضي عجلون الزرعي إلى دمشق وقد استقر في قضاء الحنفية بها عوضا عن حسام الدين بن العماد وكان لعلاء الدين علي المذكور مدة مقيما بمصر لم ينقض له شغل حتى قام فيها بمال كثير واستقر حسام الدين المذكور في وظيفتين من وظائف الحنفية القصاعين والخاتونية بمال قام به فيها انتهى.
وفي يوم السبت سابع شعبان سنة اثنتين وثمانين توفي قاضي الحنفية بدمشق وهو علاء الدين علي بن شهاب الدين أحمد بن قاضي عجلون الزرعي بل دخول السلطان قايتباي إلى دمشق من البلاد الشمالية بستة أيام من هيبة السلطان وكثرة الشكاوي عليه بمرض الفواق ودفن غربي القلندرية بمقبرة باب الصغير وكان يوم تزيين دمشق لقدوم السلطان وفي يوم الأحد ثامن شهر رمضان سنة اثنتين وثمانين فوض السلطان وهو بقلعة دمشق قضاء الحنفية بها للشيخ شرف الدين موسى بن أحمد بن عيد بحكم وفاة علاء الدين علي ابن قاضي عجلون وفي تاسع شهر رجب سنة أربع وثمانين عزل شرف الدين موسى بن عيد بمصر عن قضاء الحنفية بدمشق وتولى مكانه فيها تاج الدين عبد الوهاب بن شهاب الدين أحمد ابن عربشاه ودخل دمشق في حادي عشرين ذي القعدة منها وقرأ توقيعه نقيبه بهاء الدين الحجيني بمشهد النائب بالجامع وفي سابع شهر رجب سنة خمس وثمانين فوض نيابة القضاء لأمين الدين ابن قاضي القضاة الحسباني وفي ثالث عشرين شوال منها عزل تاج الدين ابن عربشاه عن قضاء الحنفية بدمشق وتولاها عنه محب الدين محمد بن علاء الدين علي بن القصيف ودخل دمشق يوم الإثنين ثامن عشر المحرم سنة ست وثمانين وقد تزلزلت الأرض قبل دخوله بيوم وهو بقبة يلبغا وبها سقطت شرافة على قاضي الحنفية بمصر شرف الدين بن
عبد المنفصل عن قضاء الحنفية بدمشق فمات منها وفي سادس عشرين شهر رجب سنة ست وثمانين تولى بمصر قضاء الحنفية بدمشق العمادي إسماعيل الناصري وعزل المحب بن القصيف ثم في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين عزل العمادى الناصري وتولى الزيني عبد الرحمن بن أحمد الحسباني بمصر ودخل إلى دمشق في رابع عشرين ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وصحبته خصاكي قيل إنه من اقارب السلطان ليسلمه جميع الجهات التي كانت بيد علاء الدين بن قاض عجلون وتلقاهما نائب الغيبة أينال الخسيف والأمير الكبير بدمشق جاثم ومحمد بن شاهين نائب القلعة بدمشق ونزل الحسباني في بيت المستوفى جوار الحنبلية وكان قد تقدمه ولده أمين الدين معزولا من كتابة السر بدمشق ونزل بمنزل قاضي القضاة علاء الدين علي بن قاضي عجلون في جيرون ونائبا عن والده في العرض وغيره وتولى بعده كتابة السر بدر الدين بن الفرفور ثم في آخر شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين اعتقل القاضي زين الدين الحسباني بقلعة دمشق على دين كثير لأمير أخور ثم أطلق بعد أيام ثم في يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى بل الآخرة منها أعيد العمادي قاضي الحنفية بدمشق وعزل الزيني الحسباني عنها ثم دخل العمادي من مصر إلى دمشق بخلعة بيضاء يوم السبت ثامن عشر شهر رجب منها صحبة أمير أخور الكبير قانوصية خمسمائة وفي يوم الخميس ثامن عشر شوال منها ورد المرسوم الشريق بإعادة اليني الحسباني إلى قضاء الحنفية وبالترسيم على العمادي فطاش الحسباني وركب في المراكب وعرض واعتقل بمجرد ذلك من غير ليسن تشريف والذي في المرسوم إنا قد عزلنا العمادى واستقرينا الزيني الحسباني ثم قدم الأمير أخور قانصوه خمسمائة المفوض إليه التفويض إلى العمادي في ولايته المنفصل عنها والعمادي خلفه ولم يعلم العمادي بعزل الحسباني ثم أهين الحسباني بسبب الديون مرارا وفي يوم الإثنين رابع شوال سنة أربع وتسعين ورد المرسوم الشريف بعزل الحسباني من قضاء الحنفية وأن يختار الحنفية لهم قاضيا فيفوض إليه النائب فاختار بعضه تولية العمادى وفوض إليه النائب ثم بعد أيام سافر الحسباني إلى مصر فلما دخل إليها أهين
إهانة بالغة بسبب الديون، وفي يوم الإثنين خامس شهر ربيع الآخر سنة خمس وتسعين لبس العمادي تشريفا من السلطان لكون النائب فوض إليه بالإذن الشريف وقرئ توقيعه بالجامع وفيه إطراء كثير فلا حول ولا وقوة إلا بالله. وفي يوم الأحد عاشر شهر رجب منها وهو آخر آذار ورد مرسوم شريف بالقبض على قاضي الحنفية بدمشق العمادي إسماعيل وأن يطي المنفصل عنها الزيني الحسباني أربعة آلاف دينار وفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي القعدة قبل صلاتها منها ورد مرسوم تشريف إلى الحاجب يونس بأن يفوض وظيفة قضاء الحنفية عوضا عن العمادي لمن يختاره وكان النائب يومئذ بالمرج مغيبا عن جلبان السلطان مرجعهم من التجريدة فقام جماعة مع القاضي البرهان بن القطب وقام آخرون مع المحب بن القصيف وزاد في قدر المال وتأبى البرهان واعتذر بالعجز والضعف فاستكتب المحب جماعة بأنه لا بأس به وأحضر خطوطهم للحاجب المذكور ثم في يوم الثلاثاء سادس عشري الشهر المذكور فوض إليه الحاجب المذكور وألبسه التشريف والطرحة من الاصطبل إلى بيته قرب الجرن الأسود وفي يوم السبت حادي عشر شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين لبس المحب المشار إليه تشريفا جاء من مصر على حكم تفويض الحاجب المذكور وورد مرسوم شريف باعتقال البرهان بن القطب إلى أن يعطي المحب المذكور ألف دينار ويقبل الوظيفة عوضا عن المحب المذكور فاعتقل بقلعة دمشق ثم عزل المحب المذكور في ثاني عشر جمادى الآخرة منها وفي يوم الخميس عاشر شهر رجب منها وهو يوم موسم الحلاوة لبس البرهان بن القطب تشريف قضاء الحنفية بدمشق عوضا عن المحب المذكور على مبلغ الفي دينار وذلك بعد أن اعتقل بجامع قلعة دمشق نحو تسعة شهور وقرأ توقيعه بالجامع صاحبه الحلبي الشمسي على العادة وتاريخه ثاني عشر جمادى الآخرة المذكور وفي شهر رمضان من سنة ست المذكورة وصل الحسباني من مصر إلى غزة منفصلا فرفسه به فرس وهو راكب فانكسرت رجهل فحمل إلى دمشق ودخلها أيام العيد فاستمر في شدة منها ومن غيرها وفي يوم السبت تاسع عشر صفر سنة سبع وتسعين سافر
البرهان بن القطب إلى مصر ثم رجع إلى دمشق ووقع بينه وبين الجمال بن طولون1 وفي يوم الجمعة ثامن عشرين ذي القعدة سنة سبع المذكورة سافر أيضا البرهان ابن القطب وصحبته القاضي نور الدين بن منعة2 مطلوبين إلى مصر. وفي يوم الثلاثاء سابع شهر رجب سنة ثمان وتسعين وصل الخبر من مصر إلى دمشق بأن البرهان المذكور توفي بمصر في حادي عشرين جمادى الآخرة منها وأنه دفن بالصوفية بعد أن ضيق عليه بمال كثير بسبب شكاية جمال الدين ابن طولون ومولده سنة سبع وعشرين وثمانمائة وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي الحجة سنة ثمان المذكورة دخل العمادي إسماعيل من مصر إلى دمشق وقد ضرب قبل ذلك بالمقارع على ظهره وأزلم بنحو ألفي دينار وفي يوم الإثنين ثامن شهر رجب سنة تسع وتسعين وهو رابع عشر نيسان لبس المحب بن القصيف تشريف قضاء الحنفية وفي يوم الخميس تاسع عشري جمادى الآخرة سنة تسعمائة توفي بصالحية دمشق قاضي قضاة الحنفية وكان الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الشهاب أحمد الحسباني الدمشقي الصالحي بعد أن دخل في أمور سامحه الله تعالى وإيانا بعد أن أظهر الفاقة وترك ولدا رجلا وآخر صغيرا ودفن في مقبرة سوق القطن وفي أول شهر رجب سنة إحدى وتسعمائة تواتر الخبر بعزل قاضي الحنفية بدمشق المحب بن القصيف منها وتوليتها لنور الدين بن منعة الذي له مدة يصادر بالقلعة ثم لم يصح ذلك ثم في أول شعبان منها صلى الله عليه وآله وسلم بالجامع الأموي غائبة على تاج الدين عبد الوهاب بن شهاب الدين أحمد بن عربشاه الصالحي توفي بالمدرسة الصرغتمشية في مصر في خامس عشر منها ومولده سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وفي الخميس حادي العشرين المحرم سنة اثنتين وتسعمائة ورد التوقيع الشريف بعزل المحب بن القصيف وتولية البدري محمد بن الفرفور3 ثم في يوم الإثنين عاشر صفر منها دخل من مصر إلى دمشق الأمير أركماس وقد تولى نيابة حماة وصحبته الشريف عبد الرحيم العباسي4 وصحبتهما
1 شذرات الذهب 8: 227.
2 شذرات الذهب 8: 24.
3 شذرات الذهب 8: 147.
4 شذرات الذهب 888: 335.
تشريف البدري بقضاء الحنفية بدمشق ثم في يوم الخميس ثالث عشر لبس التشريف على العادة وقرأ توقيعه بالجامع وتاريخه خامش عشر المحرم منها وقرأه الشريف الجعبري الموقع وصحف فيه كثيرا وفي بكرة يوم الثلاثاء خامس عشري شعبان سنة ثلاث وتسعمائة سابع عشر نيسان لبس البدري المذكور تشريفه بقضاء الحنفية بدمشق. وفي أوائل شهر رجب سنة سبع وتسعمائة شاع بدمشق عزل البدري المذكور عن الوظيفة المذكورة وإعادة المحب بن القصيف وفي بكرة يوم الإثنين ثامن شهر رجب منها لبس المحب المذكور تشريفة بذلك وقرئ توقيعه على العادة وتريخه رابع عشر جمادى الآخرة منها وفي شهر رجب المذكور سقط المحب بن القصيف عن قبقابه وانفكت رجله وفي يوم الخميس رابع عشر ربيع الأول سنة ثمان وتسعمائة توفي العمادي إسماعيل النصاري الدمشقي بالمدرسة المعينية بعد أن ظلم نفسه بأمور وأهين وكان في آخر عمره قد خرج به الحب الفارسي وفي هذه الايام شاع بدمشق عزل المحب بن القصيف عن قضاء الحنفية بدمشق وإعادة البدري بن الفرفور ثم في سلخ المحرم سنة تسع وتسعمائة ورد من مصر ترشيفه بذلك على يد عبد القادر بن الشبق البغدادي العاتكي ثم سافر النائب ولم يلبث إلى أن يلبس البدري تشريفه ثم عاد النائب إلى دمشق وفي الخميس عاشر صفر منها لبس البدري تشريفه المذكور وكان المحب بن القصيف في شدة من وجعه بالحب الفارسي بعد انفكاك رجله وقد بني له حماما في بيته واجره وكان يظن أن عم خصمه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور الشافعي الذي هو بمصر معه على ابن أخيه فلما بلغه زاد طيشه وهمه وحنقه على الفرفورين وقرئ توقيع البدري بالجامع على العادة وتاريخه المحرم الماضي قبله وفي يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول منها توفي المحب محمد بن علي بن أحمد بن هلال بن عثمان الشهير بابن القصيف مولده سنة ثلاث وأربعين وكان يقول سنة أربعين وبالأول أخبرني أخوه من أبيه كمال الدين قد ظلم نفسه بأمور سامحه الله ودفن بمقبرة باب الفراديس. وفي أوائل شهر رجب سنة إحدى عشرة وتسعمائة اعتقل البدري
الفرفوري الحنفي بجامع القلعة على مال وجد عليه في دفتر عمه مكتوب بمرسوم شريف. وفي يوم الجمعة ثاني عشرين منها فرج عنه ثم في في يوم الأحد ثالث عشرين شعبان المذكور أعيد إلى جامع القلعة. ثم في يوم الثلاثاء خامس عشريه دخل من حلب المحروسة إلى دمشق محيي الدين عبد القادر بن يونس1 قاضي الحنفية بحلب وقد سعى في قضاء دمشق وسكن بالجرن الأسود ثم سافر إلى مصر بعد أن حكم وفوض لجماعة واستولى على الجهات ثم في يوم الأربعاء آخر أيام التشريق منها ورد الخبر من مصر بأن البدري لم يعزل عن القضاء ونودي له في دمشق بذلك واستمر هو بالقلعة لم يخرج وحينئذ قد آن وصول خصمه إلى القاهرة ثم تولى بمصر ودخل إلى دمشق في رابع عشر جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وتسعمائة والبدري مستمر بالقلعة وفي مستهل ذي القعدة منها أفرج عنه بعد سفر أمه إلى مصر وتعلقها بمن يشفع بولدها فشفع الأمير الكبير فيه على سبعة آلاف دينار وفي يوم الإثنين ثاني عشر المحرم سنة ثلاث عشرة لبس خلعة العود التي جاءته من مصر ودخل الجامع وجلس بمحراب الحنفية على العادة وبقية القضاة الأربعة وقرأ توقيعه أحد العدول وهو الحب بركات ابن سقط2 وتاريخه في مستهل ذي الحجة من الماضية وفي يوم الأحد حادي عشرين شعبان سنة ثلاث المذكورة أعيد البدري المذكور إلى القلعة على ثلاثة آلاف دينار وخصمه ابن يونس بمصر ثم في يوم الأربعاء حادي عشري ذي الحجة منها دخل إلى دمشق بعد عزل البدري وتاريخ تويعه سابع شوال منها وفي يوم الإثنين رابع عشر شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة سافر المحيوي بن يونس قاضي الحنفية بدمشق مطلوبا إلى مصر وفي يوم الخميس خامس عشرين ذي القعدة سنة خمس عشرة المذكورة رجع إلى دمشق على عادته بخلعة وفي يوم الجمعة سابع ذي الحجة ورد مرسوم شريف إلى نقيب القلعة باعتقاله على تسعة آلاف دينار قيل وخمسة مائة فوضع في جامع القلعة قبل صلاة الجمعة.
1 شذرات الذهب 8: 174
2 شذرات الذهب 8: 91.