المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في الحيض) والاستحاضة، والنفاس - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ١

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌(فَصْلٌ) في أحكام الآنية

- ‌(فَصْلٌ) في آداب دخول الخلاء وأحكام الاستنجاء

- ‌فصل في أحكام الاستنجاء

- ‌(فَصْلٌ) في السواك وما ألحق به من الادهان وسنن الفطرة

- ‌(فَصْلٌ) في فروض الوضوء

- ‌(فَصْلٌ) في المسح على الخفين وغيرهما من الحوائل

- ‌(فَصْلٌ) في نواقض الوضوء

- ‌(فَصْلٌ) في الغسل

- ‌(فَصْلٌ) في التيمم

- ‌(فَصْلٌ) في النجاسات وكيفية تطهيرها

- ‌(فَصْلٌ فِي الحَيْضِ) والاستحاضة، والنفاس

- ‌فصل في أحكام النفاس

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌(فَصْلٌ)في الأذان والإقامة

- ‌(فَصْلٌ)في شروط صحة الصلاة

- ‌فصل في مكروهات الصلاة

- ‌(فَصْلٌ) في أركان الصلاة وواجباتها وسننها

- ‌(فَصْلٌ)في أحكام سجود السهو

- ‌(فَصْلٌ)في صلاة التطوع

- ‌فصلفي سجود التلاوة والشكر

- ‌فصلفي أوقات النهي

- ‌(فَصْلٌ)في صلاة الجماعة

- ‌(فَصْلٌ)في الأولى بالإمامة، ومن لا تصح إمامته

- ‌فصلٌفي موقف الإمام والمأمومين

- ‌فصلٌفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلٌفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌(فَصْلٌ) في صلاة أهل الأعذار

- ‌(فَصْلٌ)في قصر الصلاة

- ‌فصل في الجمع

- ‌فصل في صلاة الخوف

- ‌(فَصْلٌ) في صلاة الجمعة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في صلاة العيدين

- ‌(فَصْلٌ)في صلاة الكسوف

- ‌فصلفي صلاة الاستسقاء

- ‌(كِتَابُ الجَنَائِزِ)

- ‌(فَصْلٌ)في غُسْلِ الميت

- ‌فصلفي الكفن

- ‌(فَصْلٌ)في الصلاة على الميت

- ‌فصل في حمل الميت ودفنه

- ‌فصلفي زيارة القبور، وأحكام المصاب والتعزية

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاةِ)

- ‌فصلفي زكاة بهيمة الأنعام

- ‌فصلفي زكاة البقر

- ‌فصلفي زكاة الغنم، وتشمل المعز والضأن

- ‌(فَصْلٌ)في زكاة الخارج من الأرض

- ‌(فَصْلٌ)في زكاة الذهب والفضة وحكم التحلي بهما

- ‌فصلفي أحكام التحلي

- ‌(فَصْلٌ) في زكاة الفِطْر

- ‌(فَصْلٌ) في إخراج الزكاة، وما يتعلق به

- ‌فصل في أهل الزكاة

- ‌فصل في موانع الزكاة

- ‌(كِتَابُ الصِّيَامِ)

- ‌(فَصْلٌ)في المفطرات

- ‌فصل في الجماع في نهار رمضان

- ‌فصلفي ما يكره وما يستحب في الصوم، وأحكام القضاء

- ‌(فَصْلٌ)في صوم التطوع وما يُكره منه

- ‌(فَصْلٌ) في الاعتكاف

الفصل: ‌(فصل في الحيض) والاستحاضة، والنفاس

(فَصْلٌ فِي الحَيْضِ) والاستحاضة، والنفاس

الحيض لغة: السيلان، من قولهم: حاض الوادي، إذا سال.

وشرعاً: دم طبيعة وجِبِلَّة، يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة، خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته.

- مسألة: (لَا حَيْضَ مَعَ حَمْلٍ)، فإذا رأت الحامل دماً فهو دم فساد، تغتسل عند انقطاعه استحباباً، إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة مع أمارة فنفاس؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبايَا أوطاس: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» [أحمد 11596، وأبو داود 2157]، فجعل الحيض علَماً على براءة الرحم، فدل على أنه لا يجتمع معه.

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أن الحامل تحيض؛ لقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)[البقرة: 222]، فعلَّق الحيض على مجرد وجود الأذى، وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:" إِذَا رَأَتِ الْحُبْلَى الدَّمَ، فَلْتُمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ حَيْضٌ"[الدارمي 968].

- مسألة: (وَلَا) حيض (بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةً)؛ لقول عائشة رضي الله عنها: " إِذَا

ص: 134

بَلَغَتِ المرَأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الحَيْضِ " [ذكره أحمد، ولم نجد من خرجه (1)]، (وَلَا قَبْلَ تَمَامِ تِسْعِ) سِنين؛ لأنه لم يثبت في الوجود والعادة لأنثى حيضٌ قبل استكمالها.

واختار شيخ الإسلام: أنه لا حد لأكثر سن الحيض، ولا لأقله؛ لإطلاق الآية:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى)[البقرة: 222]، فعَلَّق الحيض على مجرد وجود الأذى، وما أطلقه الشارع عُمِل بمطلق مسماه ووجوده، ولأن الله تعالى علَّق انقطاع الدم بالإياس، قال تعالى:(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)[الطلاق: 4]، ولو كان مقدراً بسنٍ لبيَّنَه، وأما حديث عائشة رضي الله عنها فلم يُرو مسنداً، ولو صح لحُمِل على الغالب.

- مسألة: (وَأَقَلُّهُ) أي: أقل الحيض: (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ)؛ لقول علي رضي الله عنه: " مَا زَادَ عَلَى الخَمْسَةَ عَشَر اسْتِحَاضَةٌ، وأَقَلُّ الحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"[ذكره الأصحاب، ولم نجده مسنداً، قال ابن حجر: " كأنه يشير إلى ما ذكره البخاري تعليقاً عن علي وشريح "، وسيأتي قريبًا]، ولأن الشرع علَّق على الحيض أحكاماً ولم يبينه، فعُلِم أنه ردَّه إلى العرف، كالقبض والحرز، وقد وُجِد حيض معتاد يوماً، ولم

(1) أسند حرب الكرماني عن عائشة أنها قالت: " ما أتى على امرأة خمسون سنة قط فخرج من بطنها ولد"، ولا بأس بإسناده. [مسائل حرب الكرماني ص 68].

ص: 135

يوجد أقل منه، (وَأَكْثَرُهُ: خَمْسَةَ عَشَرَ)؛ لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ» ، قيل: وما نقصان دينهن؟ قال: «تَمْكُثُ إِحْداهُنَّ شَطْرَ عُمُرِهَا لَا تُصُلي» [ذكره الأصحاب، ولم نجده مسنداً].

واختار شيخ الإسلام: أنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره؛ لإطلاق الآية: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى)، فعلّق الحيض على مجرد وجود الأذى، قال ابن القيم:(ولم يأت عن الله ولا عن رسوله، ولا عن الصحابة، تحديد أقل الحيض بحد أبدًا، ولا في القياس ما يقتضيه)، وأما أثر علي رضي الله عنه فلم يُرو مسنداً، وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فقال البيهقي:(لم أجده في شيء من كتب أصحاب الحديث، ولم أجد له إسناداً بحال)، وأقره عليه ابن الجوزي.

- مسألة: (وَغَالِبُهُ) أي: غالب الحيض: (سِتٌّ أَوْ سَبْعُ) ليال بأيامها، اتفاقاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحَمْنَةَ بنتِ جحشٍ رضي الله عنها لما سألته:«فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ الله، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعاً وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلاثاً وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي وَصَلِّي، فَإِنَّ ذَلِكِ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ» [أحمد 27474، وأبوداود 287، والترمذي 128، وابن ماجه 627].

- مسألة: (وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ) يوماً؛ لما روى أحمد

ص: 136

واحتج به، عن علي رضي الله عنه: أن امرأة جاءته وقد طلقها زوجها، فزعمت أنها حاضت في شهرٍ ثلاثَ حِيَضٍ، فقال علي لشريح:«قُلْ فِيها» ، فقال شريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرجى دينه وأمانته فشهدت بذلك، وإلا فهي كاذبة، فقال علي:«قَالُونْ» أي: جيد بالرومية. [ابن أبي شيبة 19641]، وهذا لا يقوله إلا توقيفاً، وهو قول صحابي اشتَهَر، ولم يعلم خلافه، ووجود ثلاثِ حِيَضٍ في شهر، دليل على أن الثلاثةَ عشَرَ طهرٌ صحيح يقيناً.

واختار شيخ الإسلام: أنه لا حد لأقله، لإطلاق الأدلة كما سبق، وأما أثر علي رضي الله عنه فلا يدل على التحديد.

- مسألة: (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أي: أكثر الطهر بين الحيضتين، اتفاقاً؛ لأن المرأة قد لا تحيض أصلاً، وقد تحيض في السنة مرة واحدة.

- ضابط عند شيخ الإسلام: (لا حد لأقل سن الحيض، ولا لأكثره، ولا لأقل الحيض، ولا لأكثره، ولا لأقل الطهر، ولا لأكثره).

- مسألة: (وَحَرُمَ عَلَيْهَا) أي: الحائض، وكذا النفساء:(فِعْلُ: صَلَاةٍ، وَصَوْمٍ) إجماعاً، لحديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً:«أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» [البخاري 304]، (وَيَلْزَمُهَا قَضَاؤُهُ) أي: الصوم دون الصلاة، إجماعاً؛ لقول عائشة رضي الله عنها:«كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» [البخاري 321، ومسلم 335].

ص: 137

- تنبيه: تقضي الحائض الصلاة في موضعين:

1 -

إذا أدركت من أول الوقت مقدار تكبيرة ثم حاضت، فتقضيها بعد طهرها.

2 -

إذا طهرت وأدركت من آخر الوقت مقدار تكبيرة فأكثر، فيجب عليها قضاء هذه الصلاة، ويأتي في باب شروط الصلاة.

- مسألة: الاستمتاع بالحائض لا يخلو من ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الوطء في الفرج، فيحرم إجماعاً، إلا لمن به شَبَقٌ بشرطه (1)؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» [مسلم 302].

- فرع: (وَيَجِبُ بِوَطْئِهَا) أي: الحائض (فِي الفَرْجِ) قبل انقطاع الدم: (دِينَارٌ) أي: مثقال من الذهب، مضروباً كان أو غير مضروب، وزِنَةُ المثقال: ثنتان وسبعون حبة من الشعير المعتدل الذي عليه قشره وقد قطع من طرفيه ما دق وطال، وهذه الثنتان والسبعون حبة زنتها بالغرامات = أربعة غرامات وربع غرام، (أَوْ نِصْفُهُ) على التخيير (كَفَّارَةً)، وهو من المفردات؛ لما روى

(1) قال البهوتي في الكشاف 1/ 198: «هو:

1 -

أن لا تندفع شهوته بدون الوطء في الفرج.

2 -

ويخاف تشقق أنثييه إن لم يطأ.

3 -

ولا يجد غير الحائض، بأن لا يقدر على مهر حرة ولا ثمن أمة».

ص: 138

ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال:«يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» [أحمد 2032، وأبو داود 106، والترمذي 136].

وقال شيخ الإسلام: لا يجزئ إلا المضروب؛ لأن الدينار اسم للمضروب خاصة.

فإن جامع بعد انقطاع الدم وقبل الغسل؛ حرم، ولم تجب الكفارة؛ لقوله في حديث ابن عباس السابق:(وهي حائض).

القسم الثاني: الاستمتاع بها بما فوق السرة وتحت الركبة: جائز بالإجماع؛ لحديث حرام بن حكيم، عن عمه، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: «لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» [أبو داود 212].

القسم الثالث: الاستمتاع بها بما تحت السرة وفوق الركبة بغير الجماع: جائز؛ لحديث أنس السابق، وأما حديث:«لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» ، فيحمل على الاستحباب جمعاً بين الأدلة، ثم هو مفهوم، وحديث أنس منطوق فيقدم.

وأشار إلى هذين القسمين بقوله: (وَتُبَاحُ المُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَهُ) أي: دون الفرج.

- مسألة: (وَالمُبْتَدَأَةُ) وهي التي رأت الدم ولم تكن حاضت، في زمن

ص: 139

يمكن أن يكون حيضاً، (تَجْلِسُ) أي: تدع الصلاة والصيام ونحوَهما بمجرد رؤيته، ولو أحمرَ أو صفرةً أو كدرةً، (أَقَلَّهُ) أي: أقل الحيض: وهو يوم وليلة، وهو من المفردات، (ثُمَّ تَغْتَسِلُ) بعد ذلك، انقطع الدم أم لا؛ لأنه آخر حيضها حكماً، (وَتُصَلِّي) وتصوم ولا تُوطأ؛ لأن العبادة واجبة في ذمتها بيقين، وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه، فلا نسقطها بالشك، (فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ دَمُهَا أَكْثَرَهُ) أي: أكثر الحيض: وهو خمسة عشر يوماً؛ (اغْتَسَلَتْ أَيْضاً) أي: مرة ثانية (إِذَا انْقَطَعَ) وجوباً؛ لصلاحيته أن يكون حيضاً، وتفعل كذلك في الشهر الثاني والثالث، (فَإِنْ تَكَرَّرَ) الدم (ثَلَاثًا) أي: في ثلاثة أشهر ولم يختلف، (فَهُوَ) كله (حَيْضٌ)، وتثبت عادتها، فتجلسه في الشهر الرابع، ولا تثبت العادة بدون ثلاث، وهو من المفردات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها:«دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ» [الدارقطني 822، وأصله في الصحيحين]، وهي صيغة جمع، وأقله ثلاث، ولأن ما اعتبر له التكرار اعتبر فيه الثلاث، كالأقراء والشهور في عدة الحرة، وخيار المُصَرَّاة، ومهلة المرتد، (تَقْضِي مَا وَجَبَ فِيهِ) أي: ما صامت فيه من واجب، وكذا ما طافته أو اعتكفته فيه، (وَإِنْ أَيِسَتْ قَبْلَهُ) أي: قبل التكرار ثلاثاً، (أَوْ لَمْ يَعُدِ) الدم إليها (فَلَا) تقضي؛ لأنا لم نتحقق كونه حيضاً، والأصل براءة ذمتها.

ص: 140

واختار شيخ الاسلام: أنه لا يلزم التكرار لثبوت العادة، بل تجلس في الشهر الأول والثاني وما بعده ما تراه من الدم، وقال:(إن كلام أحمد يقتضيه)؛ لأن الله تعالى علَّق الحكم بوجود الأذى، وقد وُجد.

- مسألة: الاستحاضة: سيلان الدم في غير وقته من العرق العاذل من أدنى الرحم دون قعره.

- مسألة: المستحاضة - وهي التي تجاوز دمها أكثر الحيض - على قسمين:

القسم الأول: أن تكون مبتدأة: وأشار إليه بقوله: (وَإِنْ جَاوَزَهُ) أي: جاوز دمُ المبتدأة أكثرَ الحيض، (فَـ) هي (مُسْتَحَاضَةٌ)؛ لأنه لا يصلح أن يكون حيضاً، ولا تخلو من حالين:

1 -

أن يكون لها تمييز، فـ (تَجْلِسُ) أي: تدع نحو صوم وصلاة، زمن الدم (المُتَمَيِّزِ إِنْ كَانَ) أي: إن وجد التمييز، بأن كان بعضُ دمها أحمرَ وبعضُه أسودَ، أو بعضُه ثخينًا وبعضُه رقيقًا، أو بعضُه منتِنًا وبعضُه غيرَ منتنٍ، (وَصَلُحَ) الأسود أو الثخين أو المنتن أن يكون حيضاً، بألَّا يتجاوز أكثر الحيض، ولا ينقص عن أقله، فتجلس ذلك (فِي الشَّهْرِ الثَّانِي) ولو لم يتكرر، والأحمر والرقيق وغير المنتن استحاضة؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حُبيشٍ فقالت: يا رسول الله إني أستحاض فلا

ص: 141

أطهر، أفأَدَعُ الصلاة؟ فقال:«إنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» [البخاري 306، ومسلم 333]، وفي رواية:«إذَا كَانَ الحَيْضُ، فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي، فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ» [أبو داود 286، والنسائي 216].

2 -

(وَإِلَّا) يكنْ هناك تمييز صالح، فتجلس عن الصلاة ونحوها (أَقَلَّ الحَيْضِ) من كل شهر، (حَتَّى تَتَكَرَّرَ اسْتِحَاضتُهَا) ثلاثة أشهر؛ لأن العادة لا تثبت بدونه كما سبق، (ثُمَّ) إذا تكرر تجلس (غَالِبَهُ) أي: غالب الحيض ستًّا أو سبعاً بتحرٍّ فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها أو عادة نسائها، من كل شهر، من أول وقت ابتدائها إن علمته، وإلا فمن أول كل شهر هلالي؛ لحديث حَمْنَةَ رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إني امرأة أُستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ الله، ثُمَّ اغْتَسِلِي» [أحمد 27474، أبو داود 278، والترمذي 128، ابن ماجه 627].

واختار شيخ الإسلام: أن المبتدأة تجلس ما تراه من الدم ما لم يطبق عليها الدم، فتكون مستحاضة؛ لأن الأصل:(أن كل ما خرج من رحم المرأة أنه حيض حتى يقوم الدليل عل أنه استحاضة)، ولأن الله تعالى علق

ص: 142

حكم الحيض بوجود الأذى وهو الدم، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.

(وَ) القسم الثاني: أن تكون (مُسْتَحَاضَةً مُعْتَادَةً): وهي التي تَعرف شهرَها ووقتَ حيضِها وطُهْرِها منه، ولا تخلو من أمرين:

1 -

أن تكون غير مميزة: فتعمل بعادتها، بلا خلاف في المذهب.

2 -

أن تكون مميزة: فـ (تُقَدِّمُ عَادَتَهَا) على التمييز إن وُجد، واختاره شيخ الإسلام، فتجلس عادتها، ثم تغتسل بعدها وتصلي وتتوضأ لوقت كل صلاة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» [البخاري 325، ومسلم 334]، ولم يستفصل هل هي مميزة أو غير مميزة؟ والقاعدة:(أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال، ينزل منزلة العموم في المقال).

وأما حديث فاطمة بنت أبي حُبيشٍ رضي الله عنها: «إذَا كَانَ الحَيْضُ، فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي، فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ» ، فيحمل على أنه لا تمييز لها؛ جمعاً بين الأدلة.

- ضابط: (المستحاضة تُرَدُّ إلى عادتها، ثم إلى تمييزها الصالح، ثم إلى غالب عادة النساء).

ص: 143

- مسألة: (وَيَلْزَمُهَا) أي: المستحاضةَ، (وَنَحْوَهَا) ممن به سَلَسُ بول أو مَذْيٍ أو رِيحٍ، أو جُرْحٌ لا يرقأ دمه، أو رعاف دائم:

1 -

(غَسْلُ المَحَلِّ)؛ لإزالة ما عليه من الخبث؛ لحديث عائشة السابق: «فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» .

2 -

(وَعَصْبُهُ) بحيث يمنع الخارج حسب الإمكان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحَمْنَةَ حين شَكَتْ إليه كثرة الدم: «إِنِّي أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ» ، قالت: هو أَكثر من ذلك، فقال:«فَتَلَجَّمِي» [أبو داود 287، والترمذي 128، وابن ماجه 627]، ولا يلزمها إعادة الغسل والعصب لكل صلاة إن لم تفرط؛ للمشقة.

3 -

(وَالوُضُوءُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إِنْ خَرَجَ شَيْءٌ)، فإن لم يخرج لم يجب الوضوء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حُبيش:«تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكِ الْوَقْتُ» [البخاري 228].

4 -

(وَنِيَّةُ الاسْتِبَاحَةِ)، بأن تنوي بوضوئها الاستباحة للصلاة ونحوها؛ لأن الحدث دائم فلا تنوي رفعه، وتقدم الخلاف في نقض الوضوء بالحدث الدائم.

- مسألة: (وَحَرُمَ وَطْؤُهَا) أي: المستحاضة (إِلَّا مَعَ خَوْفِ زِنىً) منه أو منها، وهو من المفردات؛ لقول عائشة رضي الله عنها:" المُسْتَحَاضَةُ لا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا "

ص: 144