المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) في التيمم - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ١

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌(فَصْلٌ) في أحكام الآنية

- ‌(فَصْلٌ) في آداب دخول الخلاء وأحكام الاستنجاء

- ‌فصل في أحكام الاستنجاء

- ‌(فَصْلٌ) في السواك وما ألحق به من الادهان وسنن الفطرة

- ‌(فَصْلٌ) في فروض الوضوء

- ‌(فَصْلٌ) في المسح على الخفين وغيرهما من الحوائل

- ‌(فَصْلٌ) في نواقض الوضوء

- ‌(فَصْلٌ) في الغسل

- ‌(فَصْلٌ) في التيمم

- ‌(فَصْلٌ) في النجاسات وكيفية تطهيرها

- ‌(فَصْلٌ فِي الحَيْضِ) والاستحاضة، والنفاس

- ‌فصل في أحكام النفاس

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌(فَصْلٌ)في الأذان والإقامة

- ‌(فَصْلٌ)في شروط صحة الصلاة

- ‌فصل في مكروهات الصلاة

- ‌(فَصْلٌ) في أركان الصلاة وواجباتها وسننها

- ‌(فَصْلٌ)في أحكام سجود السهو

- ‌(فَصْلٌ)في صلاة التطوع

- ‌فصلفي سجود التلاوة والشكر

- ‌فصلفي أوقات النهي

- ‌(فَصْلٌ)في صلاة الجماعة

- ‌(فَصْلٌ)في الأولى بالإمامة، ومن لا تصح إمامته

- ‌فصلٌفي موقف الإمام والمأمومين

- ‌فصلٌفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلٌفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌(فَصْلٌ) في صلاة أهل الأعذار

- ‌(فَصْلٌ)في قصر الصلاة

- ‌فصل في الجمع

- ‌فصل في صلاة الخوف

- ‌(فَصْلٌ) في صلاة الجمعة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في صلاة العيدين

- ‌(فَصْلٌ)في صلاة الكسوف

- ‌فصلفي صلاة الاستسقاء

- ‌(كِتَابُ الجَنَائِزِ)

- ‌(فَصْلٌ)في غُسْلِ الميت

- ‌فصلفي الكفن

- ‌(فَصْلٌ)في الصلاة على الميت

- ‌فصل في حمل الميت ودفنه

- ‌فصلفي زيارة القبور، وأحكام المصاب والتعزية

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاةِ)

- ‌فصلفي زكاة بهيمة الأنعام

- ‌فصلفي زكاة البقر

- ‌فصلفي زكاة الغنم، وتشمل المعز والضأن

- ‌(فَصْلٌ)في زكاة الخارج من الأرض

- ‌(فَصْلٌ)في زكاة الذهب والفضة وحكم التحلي بهما

- ‌فصلفي أحكام التحلي

- ‌(فَصْلٌ) في زكاة الفِطْر

- ‌(فَصْلٌ) في إخراج الزكاة، وما يتعلق به

- ‌فصل في أهل الزكاة

- ‌فصل في موانع الزكاة

- ‌(كِتَابُ الصِّيَامِ)

- ‌(فَصْلٌ)في المفطرات

- ‌فصل في الجماع في نهار رمضان

- ‌فصلفي ما يكره وما يستحب في الصوم، وأحكام القضاء

- ‌(فَصْلٌ)في صوم التطوع وما يُكره منه

- ‌(فَصْلٌ) في الاعتكاف

الفصل: ‌(فصل) في التيمم

(وَالغُسْلُ لَهَا) أي: لمعاودة الوطء (أَفْضَلُ) من الوضوء؛ لحديث أبي رافع رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذه وعند هذه، فقلت له: يا رسول الله، ألا تجعله غسلاً واحداً، قال:«هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ» [أحمد: 23862، وأبو داود: 219، وابن ماجه: 590].

- فرع: (وَكُرِهَ نَومٌ) فقط لـ (جُنُبٍ بِلَا وُضُوءٍ)؛ لظاهر حديث عمر رضي الله عنه السابق، ولا يكره للجنب أكل وشرب ومعاودة وطء بلا وضوء.

(فَصْلٌ) في التيمم

وهو لغة: القصد.

وشرعاً: التعبد لله تعالى بمسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص.

وهو ثابت بالإجماع، وهو من خصائص هذه الأمة؛ توسعة عليها وإحساناً.

- مسألة: (يَصِحُّ التَّيَمُّمُ) بستة شروط زائدة على شروط مبدله وهو الوضوء:

ص: 102

الشرط الأول: أن يكون التيمم (بِتُرَابٍ)، لا بغيره من رمل وجص ومحترق؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلي

وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُوراً»، ولمسلم:«وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُوراً» [البخاري 335، ومسلم 521]، فعمّ الأرض بحكم المسجد، وخص ترابها بحكم الطهارة، وذلك يقتضي نفيَ الحكم عما عداها.

وعنه واختاره شيخ الإسلام: يجوز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض إذا لم يجد تراباً.

وذهب أبو حنيفة ومالك واختاره ابن عثيمين: إلى جواز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض؛ كالجص والصخرة الملساء، لقوله تعالى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} النساء: 43، والصعيد: هو الصاعد على وجه الأرض، وهذا يعم كل صاعد، والجواب عن الاستدلال برواية مسلم:«وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» : أن التربة فرد من أفراد الصعيد، وذكرُ بعض أفراد العام بحكمٍ يوافق حكم العام لا يكون تخصيصاً.

الشرط الثاني: أن يكون بتراب (طَهُورٍ)، فلا يجوز بتراب تُيمم به؛ لزوال طهوريته باستعماله، أشبه الماء المستعمل في الطهارة.

والوجه الثاني: يجوز، بناء على أن الماء قسمين فقط كما سبق.

الشرط الثالث: أن يكون بتراب (مُبَاحٍ)، فلا يصح بمغصوب، وهو من

ص: 103

المفردات؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [مسلم 1718].

وعنه، وفاقاً للثلاثة: يصح بمغصوب مع الإثم؛ لأن النهي يعود إلى شرط العبادة على وجه لا يختص، فلا يفسدها.

الشرط الرابع: أن يكون التراب (لَهُ غُبَارٌ)؛ لقوله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)[المائدة: 6]، و (مِنْ) في الآية تبعيضية، وما لا غبار له كالصخر لا يمسح بشيء منه.

وذهب أبو حنيفة ومالك واختاره ابن عثيمين: إلى جواز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض وإن لم يعلق بيده، كالجص والصخرة الملساء؛ لقوله تعالى:(فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا)، و (مِنْ) في الآية لابتداء الغاية، وفي الآية إشارة لذلك، قال تعالى في آخرها:(مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ)، فدلت على نفي جميع أنواع الحرج، والتكليف بخصوص ما فيه غبار يعلق باليد لا يخلو من حرج في الجملة.

- ضابط: ما يُتيمم عليه ينقسم إلى قسمين على المختار:

1 -

أن يكون من جنس الأرض؛ كالصخرة الملساء: فيصح التيمم عليه مطلقاً، سواء كان عليه غبار أم لا.

2 -

أن يكون من غير جنس الأرض؛ كالسِّجَّادِ ونحوه: فلا يصح التيمم عليه إلا بشرط أن يكون عليه غبار، لكي يكون التيمم على الغبار الذي من

ص: 104

جنس الأرض.

الشرط الخامس: تعذر الماء، وذلك في حالين:

الأولى: (إِذَا عَدِمَ المَاء)، حضراً كان أو سفراً، مباحاً كان السفر أو غير مباح، فإنه يشرع له التيمم؛ لقوله تعالى:(وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا)، وسواء كان العدم (لِحَبْسِ) الماء عنه أو حبسه عن الماء، (أَوْ غَيْرِهِ) أي: غير الحبس، كقطع عدوٍّ ماء بلده، أو عجزه عن تناوله من بئر؛ لعموم حديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءُ المسلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، وَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ خَيْرٌ» [أحمد 21371، وأبوداود 332، والنسائي 321، والترمذي 124].

الثانية: إذا كان يلحقه باستعمال الماء ضرر أو مشقة ظاهرة، وأشار إليه بقوله:(أَوْ خِيفَ بِاسْتِعْمَالِهِ) أي: الماء، (أَوْ) خيف بـ (طَلَبِهِ) أي: طلب الماء (ضَرَرٌ بِبَدَنٍ، أَوْ) ضرر بـ (ـمَالٍ، أَوْ) ضرر بـ (ـغَيْرِهِمَا)، كضرر آدمي أو بهيمة محترمين، بعطش أو مرض أو هلاك ونحوه، شُرع له التيمم.

- ضابط: (وَيُفْعَلُ) أي: التيمم (عَنْ كُلِّ مَا يُفْعَلُ بِالمَاءِ)، فيقوم التيمم مقام استعمال الماء في ثلاثة أمور:

ص: 105

1 -

رفع الحدث الأكبر.

2 -

رفع الحدث الأصغر.

ودل عليهما قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا).

3 -

لإزالة نجاسة على بدنه فقط تضرُّه إزالتُها، أو عَدِم ما يُزيلها، بعد تخفيفها ما أمكن، وهو من المفردات؛ لعموم حديث:«إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءُ المسلِمِ» ، وهذا يعم طهارتي الحدث والخبث المتعلقة بالبدن دون الثوب؛ لقوله «فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» ، ولأنه محل من البدن يجب تطهيره بالماء مع القدرة عليه؛ فوجب بالتراب عند العجز كمواضع الحدث وبدن الميت.

- فرع: التيمم بدل طهارة الماء في كل ما يفعل بالماء (سِوَى):

1 -

(نَجَاسَةٍ عَلَى غَيْرِ بَدَنٍ)، فلا يتيمم لنجاسة على ثوبه أو بقعته؛ لأن البدن له مدخل في التيمم لأجل الحدث، فدخل فيه التيمم لأجل النجس، وذلك معدوم في الثوب والمكان.

وعنه وفاقاً للثلاثة، واختاره شيخ الإسلام: لا يجوز التيمم عن النجاسة مطلقاً؛ لأن الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث، وغسل النجاسة ليس في معناه؛ لأن المقصود إزالة النجاسة، ولا يحصل ذلك بالتيمم.

2 -

وسوى لبث بمسجد للجنب إن كان لحاجةٍ مع تعذر الماء، فإنه يجوز

ص: 106

له اللبث بلا تيمم، والأولى أن يتيمم.

واختار ابن قدامة: يتيمم ويمكث في المسجد؛ لأن البدل يقوم مقام المبدل منه.

الشرط السادس: دخول الوقت لما يتيمم له، وأشار إليه بقوله:(إِذَا دَخَلَ وَقْتُ فَرْضٍ، وَأُبِيحَ غَيْرُهُ) أي: غير الفرض وهو النفل، فلا يصح التيمم لفرض قبل وقته، ولا لنفل في وقت نهي؛ لأن القائم إلى الصلاة أُمر بالوضوء؛ فإن لم يجده تيمم، وهذا يقتضي ألَّا يفعله إلا بعد قيامه إليها وإعوازه الماء، والوضوء إنما جاز قبل الوقت لكونه رافعاً للحدث، بخلاف التيمم فإنه طهارة ضرورة، فلم يجز قبل الوقت، كطهارة المستحاضة.

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: لا يشترط دخول الوقت؛ كالوضوء، بناء على أنه رافع للحدث، ويأتي (1).

- مسألة: (وَإِنْ وَجَدَ مَاءً) يكفي لبعض طهره، من حدثٍ أكبرَ أو

(1) وقال شيخ الاسلام في الفتاوى (20/ 370): (ومن ذلك التيمم؛ منهم من يقول: لا يجب أن يتيمم لكل صلاة؛ كقول أبي حنيفة، ومنهم من يقول: بل يتيمم لكل صلاة كقول الشافعي، ومذهب مالك يتيمم لوقت كل صلاة، وهذا أعدل الأقوال وهو يشبه الآثار المأثورة عن الصحابة والمأثورة في المستحاضة ولهذا كان ذلك هو المشهور فيهما عند فقهاء الحديث).

ص: 107

أصغرَ، و (لَا يَكْفِي طَهَارَتَهُ) كاملة، (اسْتَعْمَلَهُ) فيما يقدر عليه (ثُمَّ تَيَمَّمَ) للباقي؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [البخاري 7288، ومسلم 1330]، ويكون التيمم بعد استعمال الماء، ليتحقق الشرط الذي هو عدمُ الماء.

- مسألة: من به جرح على بدنه وأراد الطهارة، فلا يخلو من أربعة أقسام:

1 -

أن يتمكن من غَسْل الجرح بالماء: فيجب عليه أن يغسله.

2 -

أن لا يتمكن من غَسْله بالماء، لكن يتمكن من مسحه: فيمسحه بالماء ويجزئه ذلك؛ لأن الغسل مأمور به، والمسح بعضه فوجب، كمن عَجَزَ عن الركوع والسجود وقَدَرَ على الإيماء، ولأن المسح خيرٌ من التيمم.

3 -

أن يكون الجرح مغطًّى بجبيرة ونحوها: فإنه يمسح الجبيرة بالماء، ويجزئه ذلك؛ لما تقدم من جواز المسح على الجبيرة.

4 -

أن يكون الجرح مكشوفاً، ولا يتمكن من غسله ولا مسحه: فيغسل الصحيح، ويتيمم عن الجرح وما قرب منه مما يتضرر بغسله.

- فرع: التيمم للجرح لا يخلو من أمرين:

1 -

أن يكون ذلك في الوضوء، ويكون الجرح في بعض أعضاء وضوئه: فيلزمه مراعاة الترتيب والموالاة، لأن البدل له حكم المبدل منه، وأشار إلى

ص: 108

ذلك بقوله: (وَيَتَيَمَّمُ لِلْجُرْحِ عِنْدَ غَسْلِهِ) لو كان صحيحاً (إِنْ لَمْ يُمْكِنْ مَسْحُهُ بِالمَاءِ، وَيَغْسِلُ الصَّحِيحَ)، وهذا هو المذهب عند المتأخرين، كما في المنتهى والإقناع.

والوجه الثاني، واختاره الموفق والمجد وشيخ الإسلام: لا يلزمه مراعاة الترتيب، فيصح أن يتيمم بعد كمال الوضوء، قال شيخ الإسلام:(هذا هو السنة، والفصل بين أبعاض الوضوء بتيممٍ بدعة)، قال في تصحيح الفروع:(وهذا المذهب على ما اصطلحناه، والصواب)(1).

2 -

أن يكون ذلك في الغسل: فلا يلزمه مراعاة الترتيب والموالاة، لأنه لا يلزمه ذلك في الغسل، والبدل له حكم المبدل منه.

وعنه: تشترط المولاة في الغسل؛ لأن الغسل المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم كان متوالياً، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه فرَّق غسله، وهذا الفعل كان بياناً لقوله تعالى:(وإن كنتم جنبًا فاطهروا)، فتلزمه الموالاة هنا، والقاعدة:(أن كل عبادة مركبة من أجزاء؛ يشترط فيها الترتيب والموالاة إلا لدليل).

(1) وقال في الإنصاف: (لزمه الترتيب والموالاة على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب)، ومشى عليه في التنقيح ثم قال:(وقيل: لا يلزمه، وهو أظهر).

ص: 109

- مسألة: (وَطَلَبُ المَاءِ فَرْضٌ)؛ لقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء)، ولا يقال لم يجد إلا لمن طلب، فيلزمه طلبه في رحله وما قرب منه عرفاً.

- مسألة: (فَإِنْ) كان قادراً على الماء، لكن (نَسِيَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ وَتَيَمَّمَ) وصلى، (أَعَادَ)؛ لأن الأوامر لا يعذر فيها بالنسيان، فلا يخرجه النسيان عن كونه واجداً.

- مسألة: (وَفُرُوضُهُ) أي: فروض التيمم أربعة:

الفرض الأول: (مَسْحُ) جميع (وَجْهِهِ)؛ لقوله تعالى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ)[المائدة: 6]، ومنه اللحية؛ لأنها من الوجه، سوى ما تحت الشعر ولو خفيفاً، وسوى داخل فم وأنف.

(وَ) الفرض الثاني: مسح (يَدَيْهِ إِلَى كُوعَيهِ)، والكوع: مَفْصِلُ الكف؛ لقوله تعالى: (وَأَيْدِيَكُمْ)[المائدة: 6]، وإذا علق حكم بمطلق اليد لم يدخل فيه الذراع، كقطع السارق ومس الفرج، ولحديث عمار رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا» ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى اليَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ. [البخاري 347، ومسلم 368]، قال ابن القيم:(ولم يصح عنه أنه تيمم إلى المرفقين).

(وَ) الفرض الثالث (فِي) الحدث الـ (أَصْغَرِ) خاصة: الـ (تَرْتِيبُ)، فيبدأ

ص: 110

بمسح الوجه ثم اليدين؛ لأن الترتيب فرض في الوضوء، والتيمم بدل عنه.

والوجه الثاني، واختاره شيخ الإسلام: لا يجب الترتيب؛ لرواية البخاري في حديث عمار رضي الله عنه [347]: «ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» ، فعطف الوجه على الكفين بـ (ثم) الدالة على الترتيب، وسائر الروايات مجملة، وفيها عطف الكفين على الوجه بـ (الواو)، فدل على عدم وجوب الترتيب.

(وَ) الفرض الرابع: (مُوَالَاةٌ أَيْضاً) في الحدث الأصغر خاصة، دون الحدث الأكبر، بأن لا يؤخر مسح اليدين بحيث يجف الوجه لو كان مغسولاً؛ لأن الموالاة فرض في الوضوء دون الغسل، والتيمم بدل عنهما.

والقول الثاني في المذهب: اشتراط الموالاة في الحدث الأكبر كذلك؛ بناء على الرواية الثانية في المذهب من اشتراط الموالاة في الغسل، فتشترط هنا؛ لأن البدل له حكم المبدل منه.

- مسألة: (وَنِيَّةُ الاسْتِبَاحَةِ شَرْطٌ لِمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ) من حدثٍ أصغرَ أو أكبرَ أو نجاسةٍ على بدنه -على المذهب -، فإن نوى أحدها لم يجزئه عن الآخر؛ لأنها أسباب مختلفة، وإن نوى جميعها ارتفعت، ولا يخلو ذلك من أحوال:

1 -

إن نوى بتيممه رفع جميعها، فنوى رفع الحدث الأكبر والأصغر

ص: 111

والنجاسة على بدنه: جاز.

2 -

إن نوى رفع الحدث الأصغر فقط: لم يرتفع الأكبر.

3 -

إن نوى رفع الحدث الأكبر فقط: لم يرتفع الأصغر، وعند شيخ الإسلام: يرتفع، وسبق.

4 -

إن نوى إزالة النجاسة عن بدنه - على المذهب-: لم يرتفع حدثه الأكبر ولا الأصغر.

- مسألة: التيمم مبيح لا رافع؛ لحديث أبي ذر المتقدم: «إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءُ المُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، وَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ خَيْرٌ» ، ولو رفع الحدث لم يحتج إلى الماء إذا وجده، ولحديث عمرِو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أَهْلِكَ، فتيممت، ثم صليت بأصحابي، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ!

» الحديث [أحمد 17812، وأبو داود 334]، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم جنباً، فدل ذلك: أن الحدث لا يزال باقياً، وإنما أبيحت الصلاة بالتيمم للضرورة.

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: التيمم رافع للحدث رفعاً مؤقتاً إلى حين القدرة على استعمال الماء؛ لقوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ

ص: 112

وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) [المائدة: 6]، فأخبر تعالى أنه يريد أن يطهرنا بالتراب كما يطهرنا بالماء، ولحديث أبي ذر السابق حيث سماه وَضوءاً، فدل على أنه بمنزلته ما دام عادماً للماء، وأما الجواب عن حديث عمرو بن العاص، فيقال: سأله استعلاماً، فلما أخبره بعذره أقرَّه.

ويترتب على الخلاف السابق مسائل، منها:

1 -

اشتراط دخول الوقت للتيمم، فعلى القول بأنه مبيح: فيشترط ذلك، وعلى القول بأنه رافع: لا يشترط، وسبق.

2 -

اشتراط نية ما يتيمم له: فعلى القول بأنه مبيح: إن نوى شيئاً استباحه، وما مثلُه، وما دونَه، لا ما هو أعلى منه، وأشار إليه بقوله:(وَلَا يُصَلِّي بِهِ) أي: بالتيمم (فَرْضاً إِنْ نَوَى) بتيممه (نَفْلاً)؛ لأن الفرض ليس بمنوي، (أَوْ) تيمم و (أَطْلَقَ) النية فلم يعين فرضاً ولا نفلاً؛ لم يصل به فرضاً -ولو على الكفاية- ولا نذراً؛ لأنه لم ينوه.

وأعلاه: فرض عين، فنذر، ففرض كفاية، فصلاة نافلة، فطواف نفل، فمس مصحف، فقراءة قرآن، فلبث بمسجد، فوطء حائض ونفساء.

وعلى القول بأنه رافع: لا يشترط ذلك، بل يستبيحه، ومثلَه، ودونَه، وأعلى منه.

3 -

على القول بأنه مبيح: يبطل التيمم بخروج الوقت، وعلى القول بأنه

ص: 113

رافع: لا يبطل، ويأتي قريباً.

- مسألة: (وَيَبْطُلُ) التيمم بخمسة أمور:

الأول: (بِخُرُوجِ الوَقْتِ)؛ لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أَنَّهُ كَانَ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» [البيهقي 709]، ولأنه طهارة ضرورة، فتقيد بالوقت.

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: لا يبطل بخروج الوقت؛ لأن البدل يقوم مقام المبدل منه، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. [رواه حرب الكرماني، ذكره ابن عبدالهادي في التنقيح (1/ 382)]، قال ابن القيم:(لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم التيمم لكل صلاة، ولا أمر به).

- فرع: يستثنى من خروج الوقت -على المذهب- أمران:

1 -

لو نوى جمع التأخير ثم تيمم في وقت الأولى للمجموعة؛ لم يبطل التيمم بخروج وقت الأولى؛ لأن نية الجمع صيَّرت الوقتين كالوقت الواحد.

ومفهومه: أنه لو كان الجمع تقديماً أنه يبطل بخروج وقت الأولى.

2 -

إذا تيمم لصلاة الجمعة ثم خرج الوقت، فيتمها؛ لأنها لا تقضى.

(وَ) الثاني: يبطل التيمم عن حدثٍ أصغرَ بـ (مُبْطِلَاتِ الوُضُوءِ)؛ لأنه بدل عن الوضوء، فحكمه حكمه، ويبطل عن حدث أكبرَ بموجباته، إلا غسل حيض ونفاس إذا تيممتْ له، فلا يبطل بمبطلات غسل ووضوء، بل بوجود حيض ونفاس.

ص: 114

(وَ) الثالث: يبطل التيمم (بِوُجُودِ مَاءٍ) مقدور على استعماله بلا ضرر، إجماعاً (إِنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِهِ)؛ لحديث أبي ذر السابق:«وَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» ، ولأنه طهارة ضرورة، فيزول بزوالها.

والرابع: زوالُ المبيح للتيمم؛ كبرء مرض أو جرح تيمم له، لأنه طهارة ضرورة، فيزول بزوالها.

والخامس: خلعُ ما يمسحُ عليه؛ كخف وعمامة وجبيرة لبست على طهارة ماء إن تيمم بعد حدثه وهو عليه، سواء مسحه قبل ذلك أو لا، لقيام تيممه مقام وضوئه وهو يبطل بخلع ذلك فكذا ما قام مقامه، والتيمم وإن اختص بعضوين صورة فهو متعلق بالأربعة حكمًا، وكذا لو انقضت مدة مسح.

واختار شيخ الإسلام: لا يبطل تيممه؛ بناء على عدم بطلان الطهارة بخلع الخف وانقضاء المدة، وتقدم في المسح على الخفين.

- مسألة: لا يخلو فاقد الماء من ثلاث حالات:

1 -

أن يعلم أو يغلب على ظنه وجود الماء في الوقت المختار، بحيث يدرك الصلاة كلها قبل خروجه: فالتأخير أولى، وأشار إليه بقوله:(وَسُنَّ لِرَاجِيهِ) أي: راجي وجودِ الماء (تَأْخِيرٌ لِآخِرِ وَقْتٍ مُخْتَارٍ)؛ لوروده عن عمر رضي الله عنه [مصنف عبد الرزاق 932]؛ ولأن الطهارة بالماء فريضة، والصلاة في أوَّل الوقت فضيلة، وانتظار الفريضة أولى.

ص: 115

2 -

أن يتساوى عنده احتمال وجود الماء واحتمالُ عدمه: فالتأخير آخِرَ الوقت المختار أفضل، لما تقدم، وعن علي رضي الله عنه:" يَتَلَوَّمُ الجُنُبُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ الوَقْتِ، فَإِنْ وَجَدَ المَاءَ تَوَضَّأَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى"[ابن أبي شيبة 8117].

وفي وجه، واختاره شيخ الإسلام: أن التقديم أفضل؛ لفضيلة أول الوقت.

3 -

أن يعلم أو يغلب على الظن عدمُ وجود الماء حتى يخرج الوقت: فالتقديم أول الوقت أفضل؛ لإدراك فضيلة أول الوقت.

وعند شيخ الإسلام: التقديم أفضل مطلقاً، إلا إن تيقن وجود الماء في الوقت.

- مسألة: (وَمَنْ عَدِمَ المَاءَ وَالتُّرَابَ)؛ كمَن حُبس بمحل لا ماء فيه ولا تراب، وكالمصلوب، (أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِعْمَالُهُمَا)، كمَن به جراحات لا يمكن مسها، (صَلَّى الفَرْضَ فَقَطْ) دون النوافل (عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) ولا يؤخرُها؛ لأن الطهارة شرط، فلم تؤخر الصلاة عند عدمها كالسترة، (وَلَا إِعَادَةَ) عليه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: " أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلادَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَاساً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ

ص: 116