المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل)في أحكام سجود السهو - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ١

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌(فَصْلٌ) في أحكام الآنية

- ‌(فَصْلٌ) في آداب دخول الخلاء وأحكام الاستنجاء

- ‌فصل في أحكام الاستنجاء

- ‌(فَصْلٌ) في السواك وما ألحق به من الادهان وسنن الفطرة

- ‌(فَصْلٌ) في فروض الوضوء

- ‌(فَصْلٌ) في المسح على الخفين وغيرهما من الحوائل

- ‌(فَصْلٌ) في نواقض الوضوء

- ‌(فَصْلٌ) في الغسل

- ‌(فَصْلٌ) في التيمم

- ‌(فَصْلٌ) في النجاسات وكيفية تطهيرها

- ‌(فَصْلٌ فِي الحَيْضِ) والاستحاضة، والنفاس

- ‌فصل في أحكام النفاس

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌(فَصْلٌ)في الأذان والإقامة

- ‌(فَصْلٌ)في شروط صحة الصلاة

- ‌فصل في مكروهات الصلاة

- ‌(فَصْلٌ) في أركان الصلاة وواجباتها وسننها

- ‌(فَصْلٌ)في أحكام سجود السهو

- ‌(فَصْلٌ)في صلاة التطوع

- ‌فصلفي سجود التلاوة والشكر

- ‌فصلفي أوقات النهي

- ‌(فَصْلٌ)في صلاة الجماعة

- ‌(فَصْلٌ)في الأولى بالإمامة، ومن لا تصح إمامته

- ‌فصلٌفي موقف الإمام والمأمومين

- ‌فصلٌفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلٌفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌(فَصْلٌ) في صلاة أهل الأعذار

- ‌(فَصْلٌ)في قصر الصلاة

- ‌فصل في الجمع

- ‌فصل في صلاة الخوف

- ‌(فَصْلٌ) في صلاة الجمعة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في صلاة العيدين

- ‌(فَصْلٌ)في صلاة الكسوف

- ‌فصلفي صلاة الاستسقاء

- ‌(كِتَابُ الجَنَائِزِ)

- ‌(فَصْلٌ)في غُسْلِ الميت

- ‌فصلفي الكفن

- ‌(فَصْلٌ)في الصلاة على الميت

- ‌فصل في حمل الميت ودفنه

- ‌فصلفي زيارة القبور، وأحكام المصاب والتعزية

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاةِ)

- ‌فصلفي زكاة بهيمة الأنعام

- ‌فصلفي زكاة البقر

- ‌فصلفي زكاة الغنم، وتشمل المعز والضأن

- ‌(فَصْلٌ)في زكاة الخارج من الأرض

- ‌(فَصْلٌ)في زكاة الذهب والفضة وحكم التحلي بهما

- ‌فصلفي أحكام التحلي

- ‌(فَصْلٌ) في زكاة الفِطْر

- ‌(فَصْلٌ) في إخراج الزكاة، وما يتعلق به

- ‌فصل في أهل الزكاة

- ‌فصل في موانع الزكاة

- ‌(كِتَابُ الصِّيَامِ)

- ‌(فَصْلٌ)في المفطرات

- ‌فصل في الجماع في نهار رمضان

- ‌فصلفي ما يكره وما يستحب في الصوم، وأحكام القضاء

- ‌(فَصْلٌ)في صوم التطوع وما يُكره منه

- ‌(فَصْلٌ) في الاعتكاف

الفصل: ‌(فصل)في أحكام سجود السهو

(فَصْلٌ)

في أحكام سجود السهو

السهو في الصلاة: النسيان فيها. والمراد: السجود الذي سببه السهو.

- مسألة: (وَيُشْرَعُ) أي: يجب تارة، ويسن أخرى، على ما يأتي تفصيله، (سُجُودُ السَّهْو لِـ) ثلاثة أسباب:(زِيَادَةٍ، وَنَقْصٍ، وَشَكٍّ).

- مسألة: (لَا) يشرع سجود السهو (فِي) ثمانية مواضع:

1 -

في (عَمْدٍ) سواء كان في زيادة أم نقص؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: «فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» [مسلم: 572]، فعلَّق السجود على النسيان.

2 -

في صلاة جنازة؛ لأنه لا سجود في صلبها، ففي جبرها أولى.

3 -

في سجود تلاوة وشكر؛ لئلا يلزم منه زيادة الجبر على الأصل.

4 -

في حديث النفس؛ لعدم إمكان الاحتراز منه، وهو معفو عنه.

5 -

في نظر إلى شيء ولو طال؛ لمشقة التحرز منه.

6 -

في سهو في سجدتي السهو، إجماعاً، حكاه إسحاق؛ لأنه يفضي

ص: 251

إلى التسلسل.

7 -

في كثرة السهو حتى يصير كوسواس؛ لأن الوسواس يخرج به إلى نوع من المكابرة، فيفضي إلى زيادة في الصلاة مع تيقن إتمامها، فوجب اطراحها واللهو عنه لذلك.

8 -

في صلاة الخوف، قاله في الفائق، خلافاً لظاهر ما في المقنع وغيره.

- مسألة: (وَهُوَ) أي: سجود السهو، بالنسبة إلى حكمه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: (وَاجِبٌ): وذلك (لِمَا) كان فعله أو تركه (تَبْطُلُ) الصلاة (بِتَعَمُّدِهِ)، إن كان من جنس الصلاة، سواء كان نقصاً كترك واجب، أم زيادةً كزيادة ركعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في حديث ابن مسعود السابق، فقال:«فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» ، ولأنه جبران يقوم مقام ما يجب فعله أو تركه، فكان واجباً.

- فرع: يستثنى من ذلك: سجود السهو الواجب كما تقدم، فإن تركه عمداً بطلت الصلاة، وإن تركه سهواً صحت الصلاة؛ كسائر الواجبات، ولا يسجد كما تقدم.

(وَ) الثاني: (سُنَّةٌ): وذلك (لِإِتْيَانِ) المصلي (بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ) كالتسبيح

ص: 252

ونحوه (فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ)، كقراءة قرآن في ركوع أو سجود، أو تسبيح في قيام، إذا كان ذلك (سَهْواً)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» .

- فرع: يستثنى من ذلك السلام، فإنه إذا أتى به سهواً في غير محله وجب له سجود السهو؛ لأن عمده يبطل الصلاة فكان سهوه يوجب سجود السهو.

- فرع: (وَلَا تَبْطُلُ) الصلاة (بِتَعَمُّدِهِ) أي: بتعمد المصلي إتيانه قولاً مشروعاً في غير محله، كأن يكبر في الركوع، أو يسبح في محل التحميد، ونحو ذلك؛ لأنه مشروع في الصلاة في الجملة.

ويستثنى من ذلك: السلام، وسيأتي.

(وَ) الثالث: (مُبَاحٌ): وذلك (لِتَرْكِ سُنَّةٍ)، سواء كانت سننَ أقوال: كالاستفتاح والتعوذ، أم سننَ أفعال: كرفع اليدين في مواضعه، ووضع اليمنى على اليسرى، فإن سجد فلا بأس؛ لعموم حديث ثوبانَ رضي الله عنه مرفوعاً:«لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ» [أحمد: 22417، وأبو داود: 1038، وابن ماجه: 1219]. وإنما لم يستحب لها سجود السهو؛ لعدم إمكان التحرز من تركه، ولأن السجود زيادة في الصلاة، فلا يشرع إلا بتوقيف.

وعنه: يشرع السجود لترك السنة؛ لعموم حديث ثوبان السابق.

واختار ابن عثيمين: أنه إن كان من عادته فعل المسنون فإنه يشرع له

ص: 253

السجود، وإلا فلا.

- مسألة: (وَمَحَلُّهُ) أي: محل سجود السهو (قَبْلَ السَّلَامِ) في جميع الأحوال التي يشرع لها سجود السهو؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله ابن بُحينةَ رضي الله عنه لمَّا ترك التشهد الأول ناسياً [البخاري: 1224، ومسلم: 570]، ولأنه من تمامها، فكان قبل السلام كسجود صلبها، (نَدْباً) أي: كون سجود السهو قبل السلام، أو بعده، على سبيل الاستحباب، لا الوجوب، وسيأتي، (إِلَّا) في حالة واحدة، وهي (إِذَا سَلَّمَ عَنْ نَقْصِ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ، فَـ) ـيستحب أن يكون السجود (بَعْدَهُ) أي: بعد السلام؛ لما روى عمران بن حصين رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، وفيه:«فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ» [مسلم: 574]، (نَدْباً) أيضاً، لا وجوباً؛ لورود الأحاديث بكل من الأمرين.

وعنه، واختارها شيخ الإسلام: أن سجود السهو لا يخلو من أمرين:

1 -

يجب قبل السلام في موضعين:

أ) إذا نقص في الصلاة. ب) إذا شك في الصلاة ثم بنى على اليقين.

2 -

يجب بعد السلام في موضعين:

ص: 254

أ) إذا زاد في الصلاة. ب) إذا شك في الصلاة ثم عمل بغلبة الظن.

جمعاً بين الأدلة الواردة في الباب، ولأن الأحاديث وردت بصيغة الأمر الدالة على الوجوب.

- مسألة: السبب الأول من أسباب سجود السهو: الزيادة؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: «إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» [مسلم: 572]، وهي على قسمين:

القسم الأول: زيادة الأقوال، ولا تخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن تكون من جنس الصلاة، وهي على قسمين:

1 -

غير السلام، كما لو أتى بذكر مشروع في غير محله، وتقدم حكمه.

2 -

السلام، وأشار إليه بقوله:(وَإِنْ سَلَّمَ) المصلي (قَبْلَ إِتْمَامِهَا) أي: إتمام صلاته، لم يخل من حالتين:

الأولى: أن يكون ذلك (عَمْداً: بَطَلَتْ) صلاته؛ لأنه تكلم فيها قبل إتمامها.

(وَ) الثانية: أن يكون ذلك (سَهْواً: فَإِنْ ذَكَرَ) أنه سلم قبل إتمام صلاته (قَرِيباً) عرفاً: (أَتَمَّهَا) أي: أتى بما بقي من صلاته، (وَسَجَدَ) سجود السهو،

ص: 255

ولم تبطل صلاته؛ لقصة ذي اليدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم قبل إتمام الصلاة، ثم بنى ولم يستأنف.

وتبطل في أحوال:

1 -

إذا ذكر بعد طول الفصل: فيستأنف الصلاة؛ لإخلاله بالموالاة بين أركان الصلاة.

2 -

(وَإِنْ أَحْدَثَ) بعد أن سلَّم قبل إتمام الصلاة.

3 -

(أَوْ قَهْقَهَ) أي: ضحك، ولو لم يَبِنْ حرفان، (بَطَلَتْ) الصلاة ولزمه استئنافها؛ لأنه في حكم المصلي وقد فعل ما يبطلها، وذلك (كَفِعْلِهِمَا) أي: الحدث والقهقهة (فِي صُلْبِهَا) أي: في صلب الصلاة؛ فإنهما يبطلان الصلاة.

أما الحدث فتقدم أنه مبطل للصلاة إجماعاً، وأما الضحك؛ فلِما فيه من الاستخفاف والتلاعب المناقض لمقصود الصلاة، وقد حُكي الإجماع على ذلك.

4 -

إذا تكلم مطلقًا، أي: إمامًا كان أو غيره، عمدًا أو سهوًا أو جهلًا، طائعًا أو مكرهًا، فرضًا أو نفلًا، لمصلحتها أو لغير مصلحتها، في صلبها أو بعد سلامه سهوًا واجبًا، نص عليه في المنتهى.

وعنه - ومشى عليه في الإقناع وغيره -: لا تبطل الصلاة بيسير كلام

ص: 256

لمصلحة الصلاة؛ لقصة ذي اليدين، ويأتي.

الأمر الثاني من زيادة الأقوال: ما كان من غير جنس الصلاة: ويدخل فيه:

أولاً: الكلام، ولا يخلو من أمرين:

1 -

أن يكون عن عمد: فتبطل الصلاة به إجماعاً؛ لحديث معاوية بن الحَكَم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» [مسلم: 537] وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: " كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} (البقرة: 238) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ"[مسلم: 539].

2 -

أن يكون عن سهو أو جهل، أو يظن أن صلاته تمت: فتبطل به أيضاً؛ لعموم الأدلة السابقة.

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: لا تبطل؛ لقصة ذي اليدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم ولم يُعِدِ الصلاة، ولأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر معاوية بن الحَكَم حين شمَّتَ العاطسَ جهلاً بتحريم الكلام في الصلاة بالإعادة. [مسلم: 537]، والساهي مثله؛ لأن ما عُذِرَ فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان، ولأنه يعذر بالجهل والنسيان والإكراه في باب النواهي.

ثانياً: (وَإِنْ نَفَخَ) في الصلاة فبان حرفان بطلت؛ لأنه كلام، قال ابن

ص: 257

عباس رضي الله عنهما: «مَنْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ تَكَلَّمَ» [عبد الرزاق: 3017]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه [عبد الرزاق: 3019].

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: لا تبطل؛ لأن النفخ لا يسمى كلاماً في اللغة، ولما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الكسوف قال:«فَجَعَلَ يَنْفُخُ فِي آخِرِ سُجُودِهِ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَبْكِي» [أحمد: 6483، وأبو داود: 1194، والنسائي: 1482]. وما ورد عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم، قال ابن المنذر:(لا تثبت).

ثالثاً: (أَوِ انْتَحَبَ) بأن رفع صوته بالبكاء (لَا مِنْ خَشْيَةِ الله)، فبان حرفان بطلت الصلاة؛ لأنه يدل بنفسه على المعنى، فكان من جنس كلام الآدميين، وأما إن انتحب من خشية الله فلا تبطل؛ لحديث مُطَرِّفِ بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنه قال:«أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ» يعني: من البكاء [أحمد: 16312، والنسائي: 1214].

واختار شيخ الإسلام: أنه لا تبطل الصلاة بالنحيب؛ لأنه ليس بكلام، ودلالته على المعنى إنما هي بالطبع، لا بالوضع، ففارق الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال في حديث معاوية بن الحَكَم رضي الله عنه:«إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» [مسلم: 537].

رابعاً: (أَوْ تَنَحْنَحَ) في الصلاة (بِلَا حَاجَةٍ) إلى النحنحة (فَبَانَ حَرْفَانِ)

ص: 258

منها: (بَطَلَتْ) صلاته؛ لأنه من جنس كلام الآدميين، فإن كانت لحاجة لم تبطل؛ لقول علي رضي الله عنه:«كَانَ لِي مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَدْخَلانِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ» [أحمد: 608، والنسائي: 1212].

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: لا تبطل الصلاة بالنحنحة ولو من غير حاجة؛ لأنها ليست كلاماً.

- ضابط: ذكر شيخ الإسلام أن الألفاظ على ثلاثة أقسام:

الأول: ما دل على معنًى بالوضع، إما بنفسه أو مع لفظٍ غيره: فهذا كلام، وهو الذي يُبطل الصلاة، مثل: في، ويد.

الثاني: ما دل على معنًى بالطبع؛ كالتأوه والأنين والبكاء: فلا يبطل الصلاة ولو بان حرفان؛ لأنه ليس كلاماً.

الثالث: ما لم يدل على معنًى لا بالطبع ولا بالوضع؛ كالنحنحة: فلا تبطل؛ لأنها ليست كلاماً.

القسم الثاني من الزيادة: زيادة الأفعال، ولا تخلو من أمرين:

الأول: أن تكون من جنس الصلاة، كزيادة ركوع أو سجود، أو قيام أو قعود، أو ركعة، وهذه على قسمين:

1 -

أن يكوه عن عمد: فتبطل الصلاة به إجماعاً؛ لأنه يُخِلُّ بنظم الصلاة، فلا تكون مع هذه الزيادة صلاة.

2 -

أن يكون عن سهو: فيسجد للسهو؛ لحديث ابن مسعود المتقدم.

ص: 259

الثاني: أن تكون من غير جنس الصلاة، كالحركة والمشي، وهي على قسمين:

1 -

أن يكون عن عمد: فتبطل الصلاة به إجماعاً؛ لقطعه الموالاة بين الأركان، وإنما تبطل بثلاثة قيود:

أأن يكون كثيراً عرفاً، ولا يتقيد بالثلاث؛ لقول عائشة رضي الله عنها:«جِئْتُ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي البَيْتِ، وَالبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ، فَمَشَى حَتَّى فَتَحَ لِي، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ» [أحمد: 24027، وأبو داود: 922، والترمذي: 601]، ولحديث أبي قتادة رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا، وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا» [البخاري: 516، ومسلم: 543].

ب أن يكون متوالياً، فإن كان متفرقاً فلا تبطل صلاته وإن طال المجموع؛ لما تقدم من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن العمل وإن كان كثيراً في بعضها إلا أنه متفرق، فلم تبطل.

ج- أن يكون لغير ضرورة؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات.

2 -

أن يكون عن سهو أو جهل: فتبطل الصلاة به أيضاً بالقيود الثلاثة السابقة؛ لوجود المبطل.

وعنه، واختاره المجد: لا تبطل بالسهو والجهل؛ لقصة ذي اليدين، وفيه أنه قام إلى خشبة واتكأ عليها [البخاري: 482، ومسلم: 573]، ولأنه يعذر

ص: 260

بالجهل والنسيان والإكراه في باب النواهي.

- فرع: لا يشرع السجود للحركة اليسيرة، ولا الكثيرة سهوًا على القول بعدم البطلان؛ لأنه لم يَرِدِ السجود له، ولا يصح قياسه على ما ورد السجود له؛ لمفارقته إياه.

- ضابط على ما تقدم: إذا كانت الزيادة من غير جنس الصلاة -قولاً أو فعلاً- فلا يشرع لها سجود سهو.

- مسألة: (وَ) السبب الثاني من أسباب سجود السهو: النقص؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: «إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» [مسلم: 572]، وهو على ثلاثة أقسام: نقص أركان، ونقص واجبات، ونقص سنن، وكل قسم منها إما أن يكون عن عمد أو عن سهو.

القسم الأول: (مَنْ تَرَكَ رُكْناً) من أركان الصلاة، فلا يخلو من حالين:

الحالة الأولى: أن يكون الركن المتروك تكبيرة الإحرام: لم تصح الصلاة اتفاقاً؛ لعدم انعقادها سواء كان عمدًا أو سهوًا.

الحالة الثانية: أن يكون الركن المتروك (غَيْرَ التَّحْرِيمَةِ: فَـ) ـعلى قسمين:

الأول: إن كان عمداً: بطلت الصلاة به.

الثاني: إن كان سهواً، فهو على ثلاثة أقسام:

1 -

إن (ذَكَرَهُ) أي: ذكر الركن المتروك (بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ

ص: 261

أُخْرَى) لا بمجرد شروعه في الركعة الأخرى؛ لأن القيام غير مقصود في نفسه بل للقراءة، فإذا شرع في القراءة (بَطَلَتِ) الركعة (المَتْرُوكُ مِنْهَا) ذلك الركن (وَصَارَتِ الَّتِي شَرَعَ فِي قِرَاءَتِهَا مَكَانَهَا)؛ لأنه ترك ركناً، ولم يمكنه استدراكه؛ لتلبسه بالركعة التي بعدها، فَلَغَتْ ركعته، وصارت التي شرع فيها عوضاً عنها.

2 -

(وَ) إن ذكر الركن المتروك (قَبْلَهُ) أي: قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى، فإنه (يَعُودُ فَيَأْتِي بِهِ) أي: بالركن المتروك؛ لأن الركن لا يسقط بالسهو، (وَ) يأتي (بِمَا بَعْدَهُ)؛ لأنه قد أتى به في غير محله، والترتيب بين أركان الصلاة واجب.

واختار ابن عثيمين: يرجع إلى الركن المتروك حتى لو شرع في قراءة الركعة التي تليها، ما لم يصل إلى موضعه من الركعة التي تليها؛ لأن الترتيب بين أركان الصلاة واجب، فوجب الرجوع إلى الركن المتروك أينما كان، ولا دليل على التفريق بين شروعه في ركعة أخرى أو عدم شروعه.

3 -

(وَ) من ترك الركن سهواً ثم تذكر (بَعْدَ) الـ (سَلَامِ)، فلا يخلو من حالين:

الأولى: أن يكون الركن المتروك تشهداً أخيراً أو سلاماً: فيأتي به ويسجد ويسلم؛ لأن ما قبل المتروك وقع في محله صحيحاً.

ص: 262

الثانية: أن يكون الركن ما عدا ذلك، كما لو كان في الركعة الأولى:(فَـ) الحكم (كَـ) ـما لو (تَرَكَ رَكْعَةً) كاملة، فيأتي بركعة كاملة مع قرب الفصل عرفاً، ويسجد للسهو؛ لأن الركعة التي لَغَتْ بتركه ركنها غيرُ مُعْتَدٍّ بها.

القسم الثاني من أقسام النقص في الصلاة: من ترك واجباً من واجبات الصلاة: وهذا لا يخلو من حالين:

الأولى: أن يتركها عمداً، فلا تصح الصلاة، وتقدم.

الثانية: أن يتركها سهواً، وهذا على قسمين:

الأول: أن يكون المتروك غيرَ التشهد الأول، فلا يخلو من ثلاث حالات:

1 -

أن يذكر الواجب قبل مفارقة الركن، كما لو سجد ونسي أن يسبح، ثم ذكر قبل أن ينهض: فإنه يأتي به ولا شيء عليه؛ لأنه لم يترك الواجب.

2 -

أن يذكر الواجب بعد مفارقة الركن وقبل التلبس بالركن الذي يليه: فإنه يرجع وجوباً ويأتي به، ويسجد للسهو.

3 -

أن يذكره بعد تلبسه بالركن الذي يليه: فيسقط الواجب ويحرم الرجوع، ويجبره بسجود السهو.

ص: 263

(وَ) الثاني: أن يكون المتروك التشهدَ الأول، فلا يخلو من أربع حالات:

1 -

أن يذكر التشهد الأول قبل أن ينهض من مكانه: فإنه يأتي به ولا سجود عليه، ولم يذكرها المؤلف؛ لأنها لا تسمى سهواً عن الواجب.

2 -

(إِنْ نَهَضَ عَنْ) الـ (تَّشَهُّدِ) الـ (أَوَّلِ) وحده، أو مع الجلوس له، حال كونه (نَاسِياً) لا عامداً؛ (لَزِمَ رُجُوعُهُ) إلى التشهد ليأتي به؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مرفوعاً:«إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِماً فَلْيَجْلِسْ، فَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِماً فَلَا يَجْلِسْ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ» [أحمد: 18223، وأبو داود: 1036، وابن ماجه: 1208].

3 -

أن يتذكر التشهد بعد أن يستتم قائماً وقبل الشروع في القراءة: كره له الرجوع ولم يحرم، وهو من المفردات، وأشار إليه بقوله:(وَكُرِهَ إِنْ اسْتَتَمَّ قَائِماً)، وإنما جاز رجوعه قبل الشروع في القراءة مع الكراهة؛ لأنه لم يَتَلبَّسْ بركن مقصود؛ والقيام ليس بمقصود في نفسه، ولهذا جاز تركه عند العجز، بخلاف غيره من الأركان، ووجه الكراهة: الخروج من خلاف من حرم الرجوع.

4 -

أن يتذكر التشهد بعد الشروع في القراءة: فيحرم؛ لحديث المغيرة السابق، وأشار إليه بقوله:(وَحَرُمَ وَبَطَلَتْ إِنْ) رجع إلى التشهد بعد أن (شَرَعَ

ص: 264

فِي القِرَاءَةِ) عالماً عمداً؛ لأن القراءة ركن مقصود في نفسه بخلاف القيام، (لَا إِنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ)؛ للعذر.

وعنه، واختاره ابن قدامة: إذا استتم قائماً حرم رجوعه، سواء شرع في القراءة أم لم يَشْرَعْ؛ لظاهر حديث المغيرة السابق، ولا فرق بين ركن القيام وركن القراءة، فكلاهما ركن مقصود في نفسه.

وعلى هذه الرواية: لا فرق بين التشهد الأول وبين غيره من الواجبات.

- فرع: (وَ) يجب أن (يَتْبَعَ مَأْمُومٌ) إمامَه في الرجوع إلى التشهد أو في الترك؛ لعموم حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» [البخاري: 378، ومسلم: 411].

- فرع: (وَيَجِبُ السُّجُودُ) للسهو (لِذَلِكَ مُطْلَقاً) أي: للحالات المتقدمة كلها؛ لعموم قوله: «فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» ، غيرَ الحالة الأولى؛ لأنه في الحقيقة لم يقع منه زيادة أو نقص.

والقسم الثالث من أقسام النقص: من ترك سنة من سنن الصلاة: فإن كان عن عمد فلا شيء عليه ولا سجود، وإن كان عن سهو فيباح له السجود ولا يشرع، كما تقدم.

- مسألة: السبب الثالث من أسباب سجود السهو: الشك؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثاً أَمْ

ص: 265

أَرْبَعاً، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْساً شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيماً لِلشَّيْطَانِ» [مسلم: 571].

- مسألة: (وَ) من شك في الصلاة هل زاد فيها أو نقص؟ فإنه (يَبْنِي عَلَى اليَقِينِ، وَهُوَ الأَقَلُّ) ولا يعمل بغلبة الظن؛ لحديث أبي سعيد المتقدم.

- فرع: الشك في الصلاة لا يخلو من ثلاث حالات:

الأولى: أن يشك في كونه ترك شيئاً من الصلاة، وهذا على قسمين:

1 -

(مَنْ شَكَّ فِي) ترك (رُكْنٍ)، فلم يدر هل أتى به أو لا: فهو كمن تركه؛ لأن الأصل عدمه، فيأتي به وبما بعده على ما تقدم، ويسجد للسهو.

2 -

من شك في ترك واجب: لم يسجد له؛ لأنه شك في سبب وجوب السجود، والأصل عدمه.

والوجه الثاني: يلزمه السجود؛ لأن الأصل عدم فعل الواجب، ولعدم الفرق بينه وبين الشك في ترك ركن.

الثانية: أن يشك في كونه زاد شيئاً في الصلاة، فهو على قسمين أيضاً:

1 -

أن يشك بالزيادة أثناء فعلها، كإنسان ركع، ثم شك في هذا الركوع هل هو ركوع أصلي أو زائد: فيسجد؛ لأنه أدى جزءاً من صلاته وهو متردد فيه، وذلك يضعف النية.

ص: 266

2 -

أن يشك بالزيادة بعد الانتهاء من فعلها: فلا يسجد؛ لأنه شك في سبب وجوب السجود والأصل عدمه.

وعنه، واختاره القاضي: يسجد؛ لوقوع الشك منه في الصلاة، فيدخل في عموم حديث أبي سعيد رضي الله عنه السابق.

الثالث: من شك في عدد الركعات: بنى على اليقين وهو الأقل، وأشار إليه بقوله:(أَوْ عَدَدٍ)، بأن تردد أصلى اثنتين أم ثلاثاً؟ وهو لا يخلو من حالين:

1 -

أن يزول شكه ويعلم أنه مصيب فيما فعل: فلا يسجد للسهو؛ لزوال موجب السجود.

2 -

ألا يزول شكه: فيبني على الأقل، ويسجد للسهو؛ لوقوع موجب السجود، وهو الشك.

- فرع: لا فرق بين من غلب على ظنه شيء أو لم يغلب على ظنه، فيبني على اليقين مطلقاً، وذلك في جميع حالات الشك.

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أن الشك في جميع أقسامه لا يخلو من أمرين:

1 -

إن لم يغلب على ظنه شيء: بنى على الأقل؛ لحديث أبي سعيد السابق، وفيه:«فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ» .

ص: 267