الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الجَنَائِزِ)
بفتح الجيم: جَمْعُ جِنازة، -بالكسر، والفتح لغةٌ-، وقيل: بالفتح للميت، وبالكسر للنعش عليه ميت، فإن لم يكن عليه ميت فلا يقال: نَعْش ولا جنازة، وإنما يقال: سرير، وذَكَره هنا -وكان حقه أن يُذكر بين الوصايا والفرائض- لأن أهم ما يُفعل بالميت الصلاة.
- مسألة: (تَرْكُ الدَّوَاءِ) للمريض (أَفْضَلُ) من التداوي؛ لأنه أقرب إلى التوكُّل، ويجوز اتفاقاً؛ لحديث أسامة بن شَريك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ» [أحمد 18455، وأبو داود 3855، وابن ماجه 3436].
ولا يجب ولو ظُنَّ نفعُه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في المرأة التي تُصْرَع وتتكشف، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها، فقال:«إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله أَنْ يُعَافِيَكِ» ، قالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها. [البخاري 5652، ومسلم 2576].
وقال ابن عثيمين: التداوي لا يخلو من أحوال:
1 -
ما عُلِم أو غَلَب على الظنِّ نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه؛ فهذا واجب، كالسرطان الموضعي، فإنه إذا قُطِعَ شُفِي المريض بإذن الله؛ لقوله تعالى:(ولا تقتلوا أنفسكم).
2 -
ما عُلم أو غَلب على الظن نفعه، وليس هناك هلاك محقق بتركه؛ فالتداوي أفضل؛ للأمر به في حديث أسامة بن شريك السابق.
3 -
أن يحتمل نفعه وعدمه؛ فتركه أفضل؛ لأنه أقرب إلى التوكل.
- مسألة: (وَسُنَّ اسْتِعَدَادٌ للْمَوْتِ) بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم، لقوله تعالى:(فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا)[الكهف: 110].
- مسألة: (وَ) سن (إِكْثَارٌ مِنْ ذِكْرِهِ) أي: الموت؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ» ، يعْنِي: المَوْتَ، وفي رواية:«هَاذمِ اللَّذَّاتِ» [أحمد 4258، والترمذي 2307، وابن ماجه 4258].
- مسألة: (وَ) تسن (عِيَادَةُ) كلِّ مريض (مُسْلِمٍ)، ولو من وجع ضرس ونحوه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ» [البخاري 1240، ومسلم 2162].
واختار شيخ الإسلام: أن عيادة المريض فرض كفاية؛ لظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق، فإنه لا يكون حقًّا إلا إذا كان واجباً.
- فرع: تسن عيادة كل مريض مسلم (غَيْرِ):
1 -
(مُبْتَدِعٍ)، داعية أو لا، فتحرم عيادته؛ لوجوب هجره؛ ليرتدع ويتوب.
2 -
مجاهرٍ بالمعصية، فيسن عدم عيادته؛ لأنه يُسن هجره أيضاً.
واختار شيخ الإسلام: أن الهجر يرجع فيه للمصلحة؛ لأن الحكمة مِن الهجر الزجر واتِّعاظ العامة، فإن تحققت المصلحة هُجِر وإلا فلا.
- فرع: تحرم عيادة الذِّمي؛ لما فيه من تعظيمه (1).
وعنه واختاره شيخ الإسلام: تجوز عيادة الذمي إن رُجِي إسلامه؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له:«أَسْلِمْ» ، فأسلم. [البخاري 5657].
- مسألة: (وَ) سُنَّ (تَذْكِيرُهُ) أي: المريض، - سواء كان مرضه مخوفًا أم لا - بأمور:
(1) كذا في الإقناع وشرح المنتهى للبهوتي، وقال في الإنصاف (6/ 10):(تكره عيادة الذمي، وعنه: تباح).
1 -
(التَّوْبَةِ)؛ لأنها واجبة على كل حال، وهو أحوج إليها من غيره؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله عز وجل لَيَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» [أحمد 6160، والترمذي 3537، وابن ماجه 4253]، ولحديث أنس السابق.
2 -
(وَالوَصِيَّةِ)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» [البخاري 2738، ومسلم 1627].
- مسألة: آداب المحتضر، وأشار إليها بقوله:(فَإِذَا نُزِلَ بِهِ)، أي: نَزَل المَلك بالمريض لقبض روحه، (سُنَّ تَعَاهُدُ) أرفقِ أهله وأتقاهم لربه:
1 -
بـ (بَلِّ حَلْقِهِ بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ، وَ) سُنَّ (تَنْدِيَةُ شَفَتَيْهِ) بقطنة؛ لأن ذلك يُسهِّل عليه النطق بالشهادة، ويُطفئ ما نزل به من الشدة، كما في حديث عائشة رضي الله عنها في مرض النبي صلى الله عليه وسلم: فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بهما وجهه، يقول:«لا إِلَهَ إِلَّا الله، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ» ، ثم نصب يده، فجعل يقول:«فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» حتى قُبض ومالت يده [البخاري 4449].
2 -
(وَ) سن (تَلْقِينُهُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا الله»)؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله» [مسلم 916]، ويلقنه (مَرَّةً (1) نص عليه، فإن لم يُجِب كرر التلقين، (وَلَا يُزَادُ عَلَى ثَلَاثِ) مرات؛ لئلا يضجره، (إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ) بعد لا إله إلا الله، (فَيُعَادُ) عليه التلقين (بِرِفْقٍ)؛ ليكون آخر كلامه ذلك، وذكره النووي إجماعاً.
3 -
(وَ) يسن (قِرَاءَةُ الفَاتِحَةِ) عند المحتضر؛ لفضلها.
والأقرب: أنه لا يشرع؛ إذ العبادات توقيفية، ولم يرد ما يدل على ذلك.
4 -
(وَ) يسن أيضا قراءة سورة («يس» عِنْدَهُ)، أي: المحتضر؛ لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقْرَؤوا {يس} عَلَى مَوْتَاكُمْ» [أحمد 20301، وأبو داود 3121، وابن ماجه 1448، وضعفه الدارقطني]، والمراد بالحديث: من كان في سياق الموت، وسُمي ميتاً باعتبار ما يؤول إليه، قال شيخ الإسلام:(والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضَر، فإنها تستحب بـ «يس»).
واختار ابن باز: عدم مشروعية ذلك؛ لضعف حديث معقل السابق.
(1) كذا في الإقناع والمنتهى، خلافاً لما في الإنصاف (6/ 13) فإنه قال:(الصحيح من المذهب: أنه يلقن ثلاثاً، ويجزئ مرة، ما لم يتكلم).
5 -
(وَ) سن (تَوْجِيهُهُ إِلَى القِبْلَةِ)، نقله النووي إجماعاً (1)؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور رضي الله عنه، فقالوا: توفي، وأوصى بثلثه لك يا رسول الله، وأوصى أن يوجَّه إلى القبلة لما احتُضِر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أَصَابَ الفِطْرَةَ، وَقَدْ رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ» [الحاكم 1305، والبيهقي 6604].
- مسألة: (وَ) يسن (إِذَا مَاتَ) المحتضر سننٌ، منها:
1 -
(تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) اتفاقاً؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة رضي الله عنه وقد شَقَّ بصرُه، فأغمضه، ثم قال:«إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» [مسلم 920]، ولئلا يقبح منظره ويُساء به الظن.
2 -
(وَ) يسن (شَدُّ لَحْيَيْهِ)(2) بعصابة ونحوها تربط فوق رأسه، اتفاقاً؛ لئلا يدخله الهوام، أو الماء في وقت غسله، وروي أن عمر رضي الله عنه قال لابنه حين حضرته الوفاة: " اُدْنُ مِنِّي، فَإِذَا رَأَيْت رُوحِي قَدْ بَلَغَتْ لَهَاتِي، فَضَعْ
(1) قال ابن المنذر في الأوسط 5/ 321: (وهذا قول عطاء والنخعي، ومالك وأهل المدينة، والأوزاعي وأهل الشام، وبه قال أحمد وإسحاق، وعليه عوام أهل العلم من علماء الأمصار، وقد روينا عن سعيد بن المسيب: أنه كان في مرضه حُوِّل فراشه إلى القبلة، فأمر أن يعاد كما كان).
(2)
اللَّحْيان: مثنى لَحْي، وهو عظم الحنك الذي عليه الأسنان، الأعلى والأسفل.
كَفَّك الْيُمْنَى عَلَى جَبْهَتِي، وَالْيُسْرَى تَحْتَ ذَقَنِي، وَأَغْمِضْنِي " [ذكره ابن قدامة في المغني ولم يسنده 3/ 365].
3 -
(وَ) سن (تَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ) اتفاقاً؛ ليسهل تغسيله، فيرد ذراعيه إلى عضديه، ثم يردهما إلى جنبه، ثم يردهما، ويرد ساقيه إلى فخذيه، وهما إلى بطنه، ثم يردهما، ويكون ذلك عقب موته قبل قسوتهما، فإن شق ذلك تركه.
4 -
(وَ) سن (خَلْعُ ثِيَابِهِ) اتفاقاً؛ لئلا يُحمى جسده فيَسرع إليه الفساد، وربما خرجت منه نجاسة فلوثتها.
5 -
(وَ) سن (سَتْرُهُ) كله (بِثَوْبٍ) اتفاقاً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ» [البخاري 5814، ومسلم 942].
6 -
(وَ) سن (وَضْعُ حَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا) كمِرآة أو طين، (عَلَى بَطْنِهِ) اتفاقاً؛ لقول أنس رضي الله عنه لما مات مولًى له:«ضَعُوا عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدَةً» [البيهقي 6610]، ولئلا ينتفخ بطنه.
7 -
(وَ) سن (جَعْلُهُ عَلَى سَرِيرِ غَسْلِهِ) اتفاقاً؛ ليبعد عن الهوام، ويرتفع عن نداوة الأرض.
8 -
وسن كونه (مُتَوَجِّهاً) إلى القبلة؛ لعموم حديث عبيد بن عمير عن أبيه مرفوعاً: «البَيْتُ الحَرَامُ قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» [أبو داود 2875]، ولقول عمر
لابنه رضي الله عنهما حين حضرته الوفاة: «إِذَا حَضَرَتِ الوَفَاةُ، فَاصْرِفْنِي» [مصنف ابن أبي شيبة 10870].
9 -
وسن كونه (مُنْحَدِراً نَحْوَ رِجْلَيْهِ)، بأن يكون رأسه أعلى من رجليه؛ لينحدر عنه الماء وما يخرج منه.
10 -
(وَ) سن (إِسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ) اتفاقاً؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» [البخاري 1315، ومسلم 944]، ولأنه أصون له، وأحفظ من التغيير.
- فرع: يستثنى من الإسراع في تجهيزه:
1 -
إن مات فجأة، أو شُكَّ في موته، حتى يُتيقن موته؛ لاحتمال عدمه.
2 -
إن كان لانتظار من يحضره من ولي أو غيره، أو كثرة جَمع إن كان قريباً، ما لم يُخش عليه أو يَشق على الحاضرين؛ لما يؤمل من الدعاء له إذا صُلي عليه.
- مسألة: (وَيَجِبُ) الإسراع (فِي نَحْوِ):
1 -
(تَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ)؛ لما فيه من تعجيل الأجر، والمذهب: يسن، كما في الإقناع والمنتهى.