الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
في شروط صحة الصلاة
الشرط في لغة: العلامة، وفي الاصطلاح: ما يلزم من عَدَمِه العَدَمُ، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عَدَمٌ لذاته.
- مسألة: الفرق بين الشروط والأركان ثلاثة:
1 -
الشروط يجب أن تسبق الصلاة، إلا النية فيستحب أن تقارن التحريمة، بخلاف الأركان.
2 -
الشروط يجب أن تستمر في جميع الصلاة، بخلاف الأركان.
3 -
الأركان تتركب منها ماهِيَّةُ الصلاة وأجزاؤها، بخلاف الشروط.
- مسألة: (شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ):
الشرط الأول: الـ (طَهَارَةُ) من (الحَدَثِ) الأكبر والأصغر؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «لَا يَقْبَلُ الله صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» [البخاري: 6954، ومسلم: 225]، (وَتَقَدَّمْتْ) في كتاب الطهارة.
(وَ) الشرط الثاني: (دُخُولُ الوَقْتِ): وهو شرط بالإجماع؛ لقوله تعالى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]، وقال عمر رضي الله عنه:" الصلاة لها وقت شرطه الله لها، لا تصح إلا به "[المحلى 2/ 239].
- مسألة: كل صلاة من الصلوات الخمس لها وقت ابتداء، ووقت انتهاء:
1 -
(فَوَقْتُ) صلاة (الظُّهْرِ):
- بدايته: (مِنَ الزَّوَالِ) أي: من ميل الشمس إلى المغرب، إجماعاً؛ لحديث عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما مرفوعاً:«وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ» [مسلم: 612]، وهذا الحديث أصل في أوقات الصلوات الخمس.
- نهايته: (حَتَّى يَتَسَاوَىَ) شاخصٌ (مُنْتَصِبٌ وَفَيْئُهُ) أي: مع ظله، (سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ) أي: بعد الظل الذي زالت عليه الشمس، فإذا ضُبط الظلُّ الذي زالت عليه الشمس، وبلغت الزيادة عليه قدر الشاخص؛ فقد انتهى وقت الظهر؛ لحديث عبد الله بن عمرو السابق:«وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ» .
2 -
وقت صلاة العصر:
- بدايته: قال المؤلف: (وَيَلِيهِ) أي: يلي وقتَ الظهر مباشرةً من غير فصل ولا اشتراك؛ لحديث عبد الله بن عمرٍو السابق.
- نهايته: له وقتان:
الأول: نهاية الوقت (المُخْتَارِ لِلْعَصْرِ): (حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ) أي: بعد الظل الذي زالت عليه الشمس؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم، حيث صلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم حين صار ظل كل شيء مثله في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه، وقال:«وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» [أحمد: 3081، وأبو داود: 393، والترمذي: 149].
وعنه، واختاره الموفق والمجد: إلى اصفرار الشمس، قال الموفق:(وهي أصح عنه، حكاه عنه جماعة)؛ لحديث عبد الله بن عمرٍو السابق، وفيه:«وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» ، وهذا يتضمن زيادةً على حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو قول، والقول مقدم على الفعل.
(وَ) الثاني: وقت (الضَّرُورَةِ): ويستمر (إِلَى الغُرُوبِ) أي: غروب الشمس؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» [البخاري: 556، ومسلم: 608].
- فرع: يترتب على وقت الضرورة فائدتان:
الأولى: أن الصلاة فيه أداء لا قضاء، ولكن يأثم بالتأخير إليه لغير عذر.
الثانية: أن من وُجد فيه شرط الوجوب، أو زال عنه المانع في وقت الضرورة؛ وجب عليه أن يصلي.
3 -
وقت صلاة المغرب:
- بدايته: قال المؤلف: (وَيَلِيهِ) أي: يلي وقتَ العصر، وقتُ (المَغْرِبِ)، فيدخل بغروب الشمس إجماعاً؛ لحديث جابر رضي الله عنه في إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:«ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ جَاءَهُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ المَغْرِبَ، فَقَامَ فَصَلَّاهَا حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ سَوَاءً» . [أحمد: 14538، والنسائي: 526].
- نهايته: يستمر وقت المغرب (حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ)؛ لحديث عبد الله بن عمرٍو السابق، وفي بعض ألفاظه:«وَوَقْتُ المَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ» [مسلم: 612]، وثور الشفق حُمرتُه، قاله في القاموس، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:«الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ» . [البيهقي: 1741].
- فرع: المغرب لها وقتان على الصحيح من المذهب:
1) وقت اختيار: وهو إلى ظهور النجوم.
2) ووقت كراهة: وهو ما بعد ظهور النجوم إلى آخر وقتها، وهو مغيب الشفق الأحمر.
4 -
وقت صلاة العشاء:
- بدايته: قال المؤلف: (وَيَلِيهِ) أي: يلي وقتَ المغرب، وقتُ صلاة العشاء، فيبدأ من مغيب الشفق الأحمر باتفاق الأئمة؛ لحديث ابن عباس المتقدم في إمامة جبريل، وفيه:«وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» .
- نهايته: له وقتان:
الأول: نهاية الوقت (المُخْتَارِ لِلعِشَاءِ): ويستمر (إِلَى) نهاية (ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ)؛ لحديث جابر رضي الله عنه في إمامة جبريل، وفيه:«ثُمَّ جَاءَهُ لِلْعِشَاءِ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ» [النسائي: 526].
وعنه، واختاره ابن قدامة والمجد: يمتد وقت العشاء المختار إلى نصف الليل؛ لحديث عبد الله بن عمرِو بن العاص السابق، وفيه:«وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ» ، وهذا يتضمن زيادة على حديث جبريل، وهو قول، وذلك فعل، والقول مقدم على الفعل.
(وَ) الثاني: وقت (الضَّرُورَةِ): ويستمر (إِلَى طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ) وهو الفجر الصادق؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه مرفوعاً: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» [مسلم: 681].
وقيل: يخرج الوقت مطلقاً بخروج الوقت المختار، وهو ظاهر كلام الخرقي وغيره، واختاره ابن عثيمين؛ لظاهر قوله تعالى:{أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرءان الفجر} [سورة الإسراء: 78]، ووجه الشاهد: أنه فَصَل بين صلاة العشاء وصلاة الفجر، فدل على عدم امتداد صلاة العشاء إلى الفجر.
5 -
وقت صلاة الفجر:
- بدايته: قال المؤلف: (وَيَلِيهِ) أي: يلي وقتَ العشاء، وقتُ صلاة (الفَجْرِ)، فيبدأ من طلوع الفجر الثاني إجماعاً؛ لحديث جابر في إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:«ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ سَطَعَ الْفَجْرُ فِي الصُّبْحِ فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الصُّبْحَ» .
- نهايته: يستمر وقت صلاة الفجر (إِلَى الشُّرُوقِ) أي: شروق الشمس، وحُكي إجماعاً؛ لحديث عبد الله بن عمرٍو السابق، وفيه:«وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ» .
- فرع: الفرق بين الفجر الكاذب (الأول)، والفجر الصادق (الثاني):
1 -
الفجر الصادق معترض في الأفق من الشمال إلى الجنوب، والفجر الكاذب مستطيل من المشرق والمغرب.
2 -
الفجر الصادق متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر
الكاذب بينه وبين الأفق ظلمة.
3 -
إذا مضى شيء من الوقت يزداد نوره، والفجر الكاذب كلما مضى شيء من الوقت يضمحِل ويتلاشى.
- مسألة: يسن تعجيل الصلاة أول وقتها؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ، وَالعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالعِشَاءَ أَحْيَاناً وَأَحْيَاناً، إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَؤُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ» [البخاري: 560، ومسلم: 646].
إلا في حالات يستحب فيها التأخير:
1 -
صلاة الظهر عند شدة الحر: فيستحب تأخيرها إلى أن ينكسر الحر؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» [البخاري: 533، ومسلم: 615].
2 -
صلاة الظهر عند وجود الغيم لمن يصلي جماعة: فيستحب تأخيرها إلى قرب وقت العصر؛ لقول عمر رضي الله عنه: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْغَيْمِ، فَعَجِّلُوا الْعَصْرَ، وَأَخِّرُوا الظُّهْرَ» [ابن أبي شيبة: 6287]، ولأنه وقت يخاف منه العوارض من المطر، فيخرج لهما مرة واحدة، طلبًا للأسهل.
وعنه: لا يستحب تأخيرها، وإليه ميل ابن قدامة؛ لعموم الأدلة بالمبادرة.
- فرع: يسن تعجيل الجمعة مطلقاً، لقول سَلَمة بن الأكوع رضي الله عنه:«كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ» [البخاري: 4168، ومسلم: 860].
3 -
صلاة المغرب عند وجود الغيم لمن يصلي جماعة: فيستحب تأخيرها إلى قرب وقت العشاء؛ لما تقدم.
وعنه: لا يستحب تأخيرها، قال في الإنصاف:(وهو الأولى).
4 -
صلاة المغرب ليلة المزدلفة لمن قصدها محرماً: لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أفاض من عرفة مال إلى الشِّعْب، فقضى حاجته فتوضأ، فقلت: يا رسول الله، أتصلي؟ فقال:«الصَّلاةُ أَمَامَكَ» [البخاري: 1667، ومسلم: 1280]، وفي رواية لمسلم:«ثم سار حتى بلغ جَمْعًا، فصلى المغرب والعشاء» .
ومحل ذلك: إذا لم يُوافِ مزدلفة وقت الغروب، فإن وصل قبل العشاء لم يؤخرها؛ لأنه لا عذر له.
5 -
صلاة العشاء ما لم يشق على المصلين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال:«إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» [مسلم: 638، والبخاري بمعناه: 7239].
- مسألة: (وَتُدْرَكُ) صلاةٌ (مَكْتُوبَةٌ) أداءً (بِـ) إدراك تكبيرة (إِحْرَامٍ فِي وَقْتِهَا)، سواء لعذر أم لغير عذر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً:«مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أَوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا» [مسلم: 608]، ولأنه إدراك جزء من الصلاة، فاستوى فيه الركعة وما دونها، و (لَكِنْ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا) أي: تأخير الصلاة، (إِلَى وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا) أي: لا يسع فعل الصلاة كلها في الوقت؛ للخلاف في وقوعه أداء.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: تدرك الصلاة بإدراك ركعة؛ لتخصيص الشارع الإدراك بالركعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ» [البخاري: 579، ومسلم: 608]، وأما حديث عائشة فقال الراوي:(والسجدة إنما هي الركعة).
كما في قوله {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [النساء: 154] قال ابن عباس: " رُكَّعاً ". [تفسير الطبري 1/ 714].
- فرع: (وَلَا يُصَلِّي) من جهل الوقت إلا بأمور:
1 -
(حَتَّى يَتَيَقَّنَهُ) أي: حتى يتيقن دخول الوقت بمشاهدة ما يُعرف به الوقت ونحوها.
2 -
أن يخبره ثقة بيقين، فلو أخبره بغلبة ظنه لم يعمل بقوله؛ لأنه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه، وتحصيل مثل ظنه أشبه حال اشتباه القبلة.
وقيل، واختاره ابن عثيمين: يقبل قول الثقة مطلقاً، سواء أخبره بيقين أم بغلبة ظن؛ لأنه خبر ديني فيقبل كالرواية.
3 -
(أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ) أي: دخول الوقت، بدليلٍ من اجتهاد، أو تقدير الزمن بصنعة، أو نحو ذلك؛ لأنه أمر اجتهادي، فاكتُفي فيه بغلبة الظن كغيره، وشَرْط ذلك:(إِنْ عَجَزَ عَنْ) معرفة دخول الوقت بـ (اليَقِينِ) كمشاهدة الزوال ونحوه، وخبر ثقة عن يقين، ويستحب تأخيرها قليلًا احتياطًا؛ حتى يتيقن دخول الوقت، فإن أمكنه المشاهدة ونحوها، أو مخبر عن يقين؛ لم يَجُزْ له أن يصلي بغلبة الظن.
- فرع: من صلى وغلب على ظنه أن الوقت قد دخل؛ لم يخل من أربع حالات:
1 -
أن يتبين أن الوقت لم يدخل: وأشار إليه بقوله: (وَيُعِيدُ إِنْ أَخْطَأَ)، فينقلب فرضه نفلاً، ويعيد الفرض؛ لفقدان شرط الوقت.
2 -
أن يتبين أنه صلى في الوقت: فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه؛ لأن الأصل براءة الذمة، وقد أدى ما خوطب به.
3 -
ألا يتبين شيء: فصلاته صحيحة؛ لأن ما ترتب على المأذون غير مضمون.
4 -
أن يتبين أنه صلى الفرض بعد وقته: فصلاته صحيحة؛ لأنه صلاها بعد دخول وقتها، ويعذر في التأخير لعمله باجتهاده.
- مسألة: (وَمَنْ صَارَ أَهْلاً لِوُجُوبِهَا) بأن بلغ صبي، أو أسلم كافر، أو أفاق مجنون، أو طهرت حائض أو نفساء (قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا) أي: وقت الصلاة، بأن وُجِد ذلك قبل الغروب مثلاً، ولو (بِـ) قدر (تَكْبِيرَةٍ؛ لَزِمَتْهُ) أي: العصر؛ لما تقدم.
واختار شيخ الإسلام: أنها تلزمه إن أدرك من وقتها مقدار ركعة، وإن أدرك أقل من ركعة لم يلزمه شيء؛ لحديث أبي هريرة السابق.
فتلزمه التي أدرك من وقتها، (وَمَا يُجْمَعُ إِلَيْهَا قَبْلَهَا) وهي الظهر، وكذا لو كان ذلك قبل الفجر لزمته المغرب والعشاء، بلا نزاع في المذهب؛ لقول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:«إِذَا طَهُرَتِ الحَائِضُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ صَلَّتِ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الفَجْرِ؛ صَلَّتِ المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ» [ابن أبي شيبة: 7205]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما مثله [ابن أبي شيبة: 7207]، ولأن وقت الثانية وقتٌ للأولى حال العذر، فإذا أدرك المعذور وقت الثانية فكأنه أدرك وقت الأولى.
واختار ابن عثيمين: يقضي الصلاة التي أدرك وقتها فقط؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لَا تُؤْمَرُ
بِقَضَاءٍ» [البخاري: 321، ومسلم: 335]، فإذا مرَّ الوقت على صلاة الظهر أو المغرب وهي حائض فلا تؤمر بقضائها. وأما أثر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فالراوي عنه مجهول، وأثر ابن عباس رضي الله عنهما فيه يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، والأثران ضعفهما ابن التركماني.
- مسألة: (وَيَجِبُ فَوْراً قَضَاءُ) صلواتٍ (فَوَائِتَ) ولو كثرت؛ لحديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» [البخاري: 597، ومسلم: 684]، ولأن الأصل في الأوامر المجردة عن القرائن أنها على الفور.
- مسألة: يجب قضاء الفوائت (مُرَتَّباً)، وهو من المفردات؛ لحديث جابر رضي الله عنه، لما فاتتهم الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق قال:«فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ» [البخاري: 596، ومسلم: 631]، ولأن القضاء يحكي الأداء.
- مسألة: الأصل وجوب قضاء الفوائت على الفور، ويستثنى من ذلك ثلاث حالات:
1 -
ما ذكره المؤلف بقوله: (مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ) في بدنه أو معيشة يحتاجها؛ لقول تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78].
2 -
إذا حضر صلاة عيد وعليه فائتة، فيؤخر الفائتة حتى ينصرف من
مصلاه؛ لئلا يقتدى به.
3 -
لغرض صحيح كانتظار رفقة أو جماعة للصلاة؛ لتأخيره صلى الله عليه وسلم قضاء الفجر لما نام عنها حتى تحول؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه:«لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» [مسلم: 680].
- مسألة: يسقط وجوب الترتيب بين الفوائت في مواطن:
1 -
النسيان، وأشار إليه بقوله:(أَوْ يَنْسَ) الترتيب، فإن نسي الترتيب بين الفوائت، أو بين حاضرة وفائتة حتى فرغ من الحاضرة؛ سقط وجوب الترتيب؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ
…
نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
2 -
الجهل بوجوب الترتيب، وهو قول لبعض الأصحاب؛ لعدم الفرق بين الجهل والنسيان.
والمذهب: لا يسقط الترتيب بالجهل؛ لقدرته على التعلم، فلا يعذر بالجهل لتقصيره، بخلاف النسيان.
3 -
(أَوْ يَخْشَ) المصلي (فَوْتَ) وقت صلاة (حَاضِرَةٍ، أَوْ) فوت وقت (اخْتِيَارِهَا)، قدم الحاضرة؛ لأنها آكد والوقت وقتها.
4 -
أن يخشى فوت صلاة الجماعة إن التزم الترتيب، فيسقط الترتيب في رواية عن الإمام أحمد وفاقاً للثلاثة واختارها شيخ الإسلام؛ لأنه تعارض واجب الترتيب وواجب الجماعة، فقُدِّم واجب الجماعة لأنه يفوت، أما
الصلاة الفائتة فلا تفوت بالتأخير أكثر.
والمذهب: لا يسقط الترتيب لخشية فوت الجماعة؛ لأن الجماعة تسقط حينئذ للعذر.
5 -
أن يخشى فوت صلاة الجمعة إن التزم الترتيب: فيسقط الترتيب؛ لأنه لا يمكن تداركها، بخلاف غيرها من الصلوات، قال في المنتهى:(وتترك فجر فائتة لخوف فوت الجمعة).
وفي رواية: لا يسقط الترتيب لخشية فوت الجمعة، لكن يصلي الجمعة ثم يصلي الفائتة ثم يقضي الجمعة ظهراً.
6 -
إذا اعتقد حال قضائها أن لا صلاة عليه، ثم بان بخلاف اعتقاده؛ فلا يلزمه إعادتها، فلو صلى الظهر، ثم صلى الفجر جاهلًا وجوب الترتيب، ثم صلى العصر في وقتها؛ صحت عصره مع عدم صحة ظهره؛ لاعتقاده حال صلاة العصر ألاّ صلاة عليه، كمن صلى العصر ثم تبين أنه صلى الظهر بلا وضوء، أو أنه كان ترك منه ركنا أو شرطًا آخر؛ لأنه في معنى الناسي.
والشرط (الثَّالِثُ) من شروط الصلاة: (سَتْرُ العَوْرَةِ)؛ لقوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31]، ولحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً:«لَا يَقْبَلُ الله صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» [أحمد: 25167، وأبو داود: 641، والترمذي: 377، وابن ماجه: 655]. قال ابن عبد البر: (أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه، وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانًا)، والسَّتر:
التغطية، والعورة هنا: ما يجب ستره في الصلاة، وتطلق أيضاً على ما يحرم النظر إليه وموضعه في كتاب النكاح.
- مسألة: (وَيَجِبُ) ستر العورة في الصلاة ولو صلى في خلوة أو ظلمة، ويجب سترها (حَتَّى خَارِجَهَا) أي: خارج الصلاة، لحديث بَهْزِ بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جده، قال: قلت يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال:«احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال:«إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا» قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال:«الله أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» [أحمد: 20034، وأبو داود: 4017، والترمذي: 2769، وابن ماجه: 1920].
- مسألة: كشف العورة خارج الصلاة لا يخلو من أحوال:
1 -
إن كان مع زوجته أو سريته: جاز له ذلك؛ لقوله تعالى: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 6].
2 -
إن كان مع غير زوجته وسريته: فيحرم كشفها إلا لضرورة، كالتداوي والختان ونحو ذلك؛ لحديث بهز السابق.
3 -
(وَ) إن كان (فِي خَلْوَةٍ وَ) كان في (ظُلْمَةٍ): فلا يخلو من حالين:
أ) إن كان ثَمَّ حاجة؛ كالتخلي ونحوه: جاز.
ب) إن لم تكن حاجة: فيحرم؛ لحديث بهز السابق.
وعنه، واختاره القاضي: يكره؛ لأن هذا من باب المروءات، والمقصود حفظ العورة عن الناظرين.
- مسألة: يشترط في الساتر أربعة شروط:
الأول: أن يستر عورته (بِمَا لَا يَصِفُ البَشَرَةَ) أي: لون بشرة العورة من بياض أو سواد؛ لأن الستر إنما يحصل بذلك، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا» ثم قال: «وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ» [مسلم: 2128]، ومن معاني الكاسيات العاريات: أن تَلْبَسَ ثوباً تكتسي به لكنه يصف البشرة.
فإن ستر اللون ووصف حجم الأعضاء فلا بأس، لأن البشرة مستورة وهذا لا يمكن التحرز منه.
الثاني: أن يكون الساتر مباحاً: فإن ستر عورته بمحرم، كمغصوب أو حرير لرجل؛ لم تصح الصلاة، ويأتي.
الثالث: أن يكون الساتر طاهراً: فإن كان نجساً لم تصح، ويأتي.
الرابع: أن يكون الساتر غير مضر: فإن كان مضرًّا صح الستر به ولم يجب؛ دفعاً للحرج والضرر.
- مسألة: العورة في الصلاة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: العورة المتوسطة: وهي ما بين السرة والركبة، وليستا من العورة؛ لحديث عمرِو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً:«مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ» [أحمد: 6756، وأبو داود: 496]، (وَ) يدخل فيها:
1 -
(عَوْرَةُ) الـ (رَجُلِ) البالغ، حرًّا كان أم عبدًا، اتفاقًا؛ لحديث عمرِو بن شعيب السابق.
2 -
من بلغ عشر سنين.
3 -
(وَ) عورة الحرة المميِّزة، والـ (حُرَّةِ) الـ (مُرَاهِقَةِ)، وهي التي قاربت البلوغ ولمّا تبلغ؛ لمفهوم حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً:«لَا يَقْبَلُ الله صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» .
وقال بعض الأصحاب: عورتها كالحرة إلا في كشف الرأس؛ لعدم الفرق بين عورة البالغة وغير البالغة إلا في ستر الرأس بالخمار، كما في حديث عائشة المذكور.
4 -
(وَ) عورة (أَمَةٍ مُطْلَقاً) أي: سواء كانت مدبرة، أم مكاتبة، أَمْ أُمَّ ولد، أَمْ مبعّضة، أَمْ معلقاً عتقها على صفة:(مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ)؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِهَا» [أبو داود: 4113]، وفي رواية:«فَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ» [الدارقطني: 887]، فيشمل الصلاة وخارجها، ولأن عمر رضي الله عنه كان يأمر الإماء بكشف رؤوسهن [عبد الرزاق: 5064].
واختار ابن حزم وابن عثيمين: أن عورة الأمة كعورة الحرة على ما يأتي؛ للعمومات للقاعدة: (الأصل تَساوي الأرقاء والأحرار في العبادات البدنية المحضة إلا لدليل)، وأما الحديث فهو خاص بالسيد إذا زوج جاريته فقط، وليس الحكم بالنسبة إلى عورتها مطلقاً، مع أن الرواية الأرجح جاءت بلفظ:«إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلَا تَنْظُرِ الْأَمَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ، فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إِلَى رُكْبَتِهِ مِنَ الْعَوْرَةِ» [البيهقي: 13537]، وأما ما ورد عن عمر رضي الله عنه فهو في الرأس خاصة، ويحمل على خارج الصلاة.
- فرع: أم الولد والمكاتبة والمُعتَقُ بعضُها في حكم الأمة؛ لبقاء الرق عليهن.
وعنه: أنها كالحرة؛ لما فيها من الحرية.
(وَ) القسم الثاني: العورة المخففة: وهي عورة (ابْنِ سَبْعِ) سنين (إِلَى عَشْرِ) سنين من الذكور، وهي (الفَرْجَانِ) فقط؛ لأنه دون البالغ، ومَنْ دون سبع سنين لا تصح صلاته لعدم التمييز.
وقيل: عورة المميِّز كعورة الرجل، من السرة إلى الركبة، لعدم الدليل على التفريق.
- ضابط: يشترط لصحة صلاة الصغير ما يشترط لصحة صلاة الكبير إلا في سترة العورة.
(وَ) القسم الثالث: العورة المغلظة: فـ (كُلُّ الحُرَّةِ) البالغة (عَوْرَةٌ)، حتى كفيها وقدميها؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«المرْأَةُ عَوْرَةٌ» [الترمذي: 1173] وهذا عام إلا ما خصه الدليل، ولذلك قال:(إِلَّا وَجْهَهَا) ليس بعورة (فِي الصَّلَاةِ) بلا خلاف في المذهب على جواز كشفه في الصلاة؛ لما في تغطيته من المشقة.
واختار شيخ الإسلام: أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين، وهي رواية عن أحمد في الكفين؛ لأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كُن يُصلين في أثوابهن كما في حديث أسماء رضي الله عنها قالت: جاءت امرأةٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب، كيف تصنع؟ قال:«تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالماءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ» [البخاري: 227، ومسلم: 291]، فدل على أنهن يصلين في أثوابهن المعتادة في البيوت، وهي ثياب لا تغطي الكفين والقدمين والوجه، كما دلت على ذلك الآثار، وإنما جاء الأمر بستر الرأس فقط كما في حديث عائشة رضي الله عنها، وأما حديث:«المرْأَةُ عَوْرَةٌ» فهذا في النظر؛ لتمام الحديث: «فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» .
فعلى هذا يمكن أن يقال: إن العورة في الصلاة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 -
عورة الذكر -البالغ وغير البالغ-: من السرة إلى الركبة، وليستا من العورة.
2 -
عورة الأنثى البالغة -حرة أو أمة-: كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين.
3 -
عورة الأنثى غير البالغة: كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين والرأس.
- مسألة: (وَمَنِ انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ) في الصلاة فلا يخلو من قسمين:
القسم الأول: أن يكون عن عمد: فتبطل الصلاة به مطلقًا، سواء كان الذي ظهر قليلًا أم كان كثيراً، وسواء كان الزمن طويلاً أم قصيراً؛ لأن التحرز منه ممكن من غير مشقة؛ أشبه سائر العورة.
القسم الثاني: أن يكون عن غير عمد: فلا تبطل إلا إذا كان فاحشاً وطال عرفاً، وعليه فلا يخلو من أربع حالات:
الحالة الأولى: إن طال زمن الانكشاف (وَفَحُشَ) المنكشف عرفاً: بطلت الصلاة؛ لأن التحرز ممكن من غير مشقة، أشبه سائر العورة.
الحالة الثانية: إن طال الزمن ولم يفحش المنكشف: لا تبطل الصلاة؛ لحديث عمرِو بن سَلِمةَ رضي الله عنهما في ذكر صلاته بقومه إماماً، وفيه:«وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ » [البخاري: 4302].
الحالة الثالثة: إن قصر الزمن وفحش المنكشف: لا تبطل الصلاة؛ لأن قصر المدة أشبه اليسير في الزمن الطويل.
الحالة الرابعة: إن قصر الزمن ولم يفحش المنكشف: لم تبطل من باب أولى.
- فرع: يعتبر الفحش في كل عضو بحسبه، إذ يفحش من المغلظة ما لا يفحش من غيرها.
- مسألة: حكم الصلاة في الثوب النجس: وأشار إليه بقوله: (أَوْ صَلَّى فِي) ثوب (نَجِسٍ) فلا يخلو من ثلاث حالات:
1 -
أن يكون عن عمد وعنده غيره: فلا يصلي فيه فإن صلى فيه أعاد الصلاة؛ لأن الطهارة من النجاسة شرط، وقد فات.
2 -
أن يكون عن عمد وليس عنده غيره: فيصلي فيه وجوباً؛ لأن ستر العورة آكد من إزالة النجاسة لوجوب الستر في الصلاة وغيرها، ويعيد الصلاة؛ لاستدراك ما حصل من الخلل.
وقيل: لا يعيد، اختاره الموفق وشيخ الإسلام، وذكره بعضهم رواية، لأن التحرز من النجاسة شرط عجز عنه فسقط.
3 -
أن يكون ناسياً أو جاهلاً: لم تصح صلاته ويعيد؛ لأنه ترك شرطاً من شروط الصلاة، وهي لا تسقط بالجهل والنسيان.
وعنه وفاقاً للثلاثة واختاره ابن قدامة وشيخ الإسلام: لا يعيد؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى وفي نعليه أذىً، فأخبره جبريل، فخلعهما النبي صلى الله عليه وسلم وبنى على ما سلف من صلاته. [أحمد: 11153، وأبو داود: 650]
- مسألة: حكم الصلاة في المغصوب: لا يخلو من ثلاث حالات:
1 -
أن يكون عن عمد وعنده غيره، وأشار إليه بقوله:(أَوْ) صلى في (غَصْبٍ) أي: مغصوب؛ (ثَوْباً) كان المغصوب (أَوْ بُقْعَةً) فصلى فيه؛ (أَعَادَ) الصلاة، وهو من المفردات؛ لأن قيامه وقعوده ولُبْثه فيه محرم منهي عنه، فلم يقع عبادة؛ كالصلاة في زمن الحيض.
وعنه، وفاقاً للثلاثة، واختاره الخلال وابن عقيل: تصح مع التحريم؛ لأن النهي عاد إلى شرط غير مختص بالعبادة فلم يقتض فسادها.
2 -
أن يكون عن عمد وليس عنده غيره: فيصلي عريانًا؛ لأنه يحرم استعماله بكل حال، لعدم إذن الشارع في التصرف في المطلق، ولو صلى فيه لم تصح؛ لارتكاب النهي.
3 -
أن يكون عن جهل بكونه مغصوباً أو نسيان: فصلاته صحيحة؛ لأنه غير آثم.
- مسألة: (لَا) يعيد الصلاة (مَنْ حُبِسَ فِي مَحَلٍّ نَجِسٍ أَوْ) حبس في محل (غَصْبٍ) بشرط أن (لَا يُمْكِنَهُ الخُرُوجُ مِنْهُ)، ذكره المجد إجماعاً؛ لأنه عاجز عن الانتقال عن الحالة التي هو عليها من كل وجه، كمن عدم السترة بكل حال.
- فرع: الفرق بين إعادة الصلاة على من صلى في الثوب النجس لعدم غيره، وبين إعادتها على من حبس في محل نجس: أن الأول كان قادراً
على ترك الصلاة في الثوب النجس وذلك بالصلاة عريانًا، لكن لما تزاحم ستر العورة بالثوب النجس وترك النجاسة والصلاة عريانًا؛ قُدّمت الصلاة بالثوب النجس لستر العورة؛ لأنها آكد من إزالة النجاسة، فهو قادر على الشرط من وجه، بخلاف من جلس بالمكان النجس؛ لأنه عاجز عن الانتقال عن الحالة التي هو فيها من كل وجه.
الشرط (الرَّابِعُ) من شروط الصلاة: (اجْتِنَابُ نَجَاسَةٍ) كبول وغائط ونحوهما، وتقدم بيان أفرادها، (غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا)، فإن كان معفوًّا عنها صحت صلاته، وسبق بيانها.
فإذا كانت النجاسة غيرَ معفو عنها وكانت (فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَبُقْعَةٍ مَعَ القُدْرَةِ) على اجتنابها؛ لم تصح صلاته؛ لقَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] قال الطبري: (اغسلها بالماء، وطهرها من النجاسة)، ولحديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً:«تَنَزَّهُوا مِنَ البَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» [الدارقطني: 459]، ولا يجب ذلك في غير الصلاة، فتعين أن يكون شرطاً فيها، والأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي إذا عاد إلى شرط العبادة على وجه يختص؛ يقتضي الفساد.
- فرع: إن لم يقدر على اجتناب النجاسة في بدنه أو ثوبه أو بقعته، فإنه يصلي فيه لقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وتقدم
الكلام عن الصلاة في الثوب النجس.
- مسألة: (وَمَنْ جَبَرَ عَظْمَهَ) بعظم نجس (أَوْ خَاطَهُ) أي: خيَّط جرحه (بِـ) خيط (نَجِسٍ)، فصح العظم أو الجرح بسببه، فلا يخلو من حالين:
الأولى: إن لم يَخَف الضرر بقلع العظم النجس أو الخيط النجس: وجب القلع؛ لأنه قادر على إزالة النجاسة من غير ضرر، فلو صلى معه لم تصح؛ لحمله النجاسة.
(وَ) الثانية: إذا (تَضَرَّر بِقَلْعِهِ) أي: بقلع العظم النجس أو الخيط النجس، وذلك بفوات نَفْس أو عضو أو مرض:(لَمْ يَجِبْ) قلعه؛ لأن حراسة النفس وأطرافها من الضرر واجب، وهو أهم من رعاية شرط الصلاة.
- مسألة: التيمم عن العظم النجس أو الخيط النجس حيث لم تجب إزالته لا يخلو من حالين:
1 -
إن غطى اللحمُ العظمَ أو الخيطَ: فلا يتيمم؛ لإمكان غسل المحل بالماء.
2 -
(وَتَيَمَّمَ) عن العظم النجس أو الخيط النجس (إِنْ لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ)؛ لعدم إمكان غسله، وهذا مبني على مشروعية التيمم للنجاسة على البدن، وسبق في باب التيمم عدم مشروعيته، فلا يشرع هنا.
- مسألة: (وَلَا تَصِحُّ) الصلاة، فرضاً كانت أم نفلاً، (بِلَا عُذْرٍ فِي) مواضع، وهي من المفردات:
الموضع الأول: في (مَقْبَرَةٍ) قديمة أو حديثة، وهي مدفن الموتى؛ لحديث جندب رضي الله عنه مرفوعاً:«أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» [مسلم: 532]، ولحديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً:«الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا المَقْبَرَةَ وَالحَمَّامَ» [أحمد: 11788، وأبو داود: 492، والترمذي: 317، وابن ماجه: 745].
- فرع: ضابط المقبرة: ما كان فيها ثلاثة قبور فأكثرُ، وعليه فلا يضر قبر ولا قبران؛ لأنه لا يتناولها اسم المقبرة.
واختار شيخ الإسلام: أنه لا تصح الصلاة ولو فيها قبر واحد، وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق؛ لأن المقبرة اسم لكل ما قُبر فيه لا أنه جمع قبر، ولأن العلة الموجبة للمنع موجودة في القبر الواحد، وهي كونها ذريعة إلى الشرك.
- فرع: يستثنى من ذلك صلاة الجنازة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا أسودَ - أو امرأةً سوداء - كان يَقُمُّ المسجد فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: مات، قال:«أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ! دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ - أَوْ قَالَ قَبْرِهَا - فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا» [البخاري: 458، ومسلم: 956].
(وَ) الموضع الثاني: في (خَلَاءٍ)، وهو ما أُعد لقضاء الحاجة، ولو مع
طهارته؛ لحديث أبي سعيد السابق، والنهي عن الصلاة فيها أولى من النهي عن الصلاة في الحمام؛ لأنها مأوىً للشيطان، كما في حديث زيد بن أرقمَ رضي الله عنه مرفوعاً:«إِنَّ هَذِهِ الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ» [أحمد: 19331، وأبو داود: 6، وابن ماجه: 296].
(وَ) الموضع الثالث: في (حَمَّامٍ)، وهو المغتَسَل، فلا تصح الصلاة فيه؛ لحديث أبي سعيد السابق، ويدخل في ذلك جميع ما يتبع الحمام في البيع؛ لتناوله اسمَه، فلا فرق بين مكان نزع الثياب ومَوْقِدِ النار، وكل ما يغلق عليه باب الحمام.
(وَ) الموضع الرابع: في (أَعْطَانِ إِبِلٍ) واحدها عَطَن، والمعاطن جمع مَعْطِن: هي ما تقيم فيها وتأوي إليها؛ لحديث جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نَعَمْ» قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لَا» [مسلم: 360].
واختار شيخ الإسلام: أن أعطان الإبل تشمل أيضاً المواضع التي تصدر إليها بعد أن تَرِدَ الماء؛ لأن معنى العطن في اللغة ذلك، وإن كان المكان الذي تأوي إليه أولى بالمنع.
(وَ) الموضع الخامس: في (مَجْزَرَةٍ): وهو ما أعد للذبح فيه.
(و) الموضع السادس: في (مَزْبَلَةٍ): وهو مرمى الزبالة. (وَ) الموضع السابع: في (قَارِعَةِ طَرِيقٍ): وهو ما كثر سلوكه، سواء كان فيه سالك أم لا؛
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي المَزْبَلَةِ، وَالمَجْزَرَةِ، وَالمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ الله» [الترمذي: 346، وابن ماجه: 746]، ولأن هذه المواطن الثلاث مأوى للشياطين، فهي كالحمام وأولى، واختاره شيخ الإسلام.
وعنه، وفاقاً للثلاثة، واختاره ابن قدامة: تصح الصلاة في هذه المواضع الثلاثة إذا لم يكن فيها نجاسة؛ لضعف الحديث المذكور، قال الترمذي:(إسناده ليس بذاك القوي)، والأصل صحة الصلاة في كل أرض، كما في حديث أبي سعيد السابق.
والموضع الثامن: المكان المغصوب؛ لأنها عبادة أُتِي بها على الوجه المنهي عنه فلم تصح، كصلاة الحائض.
وعنه وفاقاً واختاره ابن عقيل: تصح؛ لعموم حديث أبي سعيد السابق، ولأن النهي عن الغصب عائد إلى شرط العبادة على وجه لا يختص؛ فلم يقتض الفساد.
والموضع التاسع: أسطحة المواضع السبعة السابقة، وأشار إليه بقوله:(وَلَا فِي أَسْطِحَتِهَا)؛ لأن الهواء تابع للقرار، فأخذ حكمه.
وعنه، واختاره ابن قدامة: تصح على أسطحتها وإن لم تصح فيها؛ لأن النهي يقتصر على ما تناوله النص فقط، والنص تناول النهي عن الصلاة فيها
لا في أسطحتها.
ولكن يستثنى من ذلك: سطح المقبرة، فلا تصح الصلاة فيه؛ لأن علة النهي كونها ذريعة إلى الشرك، وهذا موجود في الصلاة على سطحها، بل هو أبلغ.
- فرع: من تعذر عليه فعل الصلاة في غير هذه الأمكنة، كمن حبس في حمام أو حُشٍّ: صلى فيها ولا يعيد؛ لصحة صلاته إذن، وأشار إليه المؤلف قبلُ بقوله:(بلا عذر). (1)
- ضابط على المختار: تصح الصلاة في كل موضع إلا في سبعة مواضع: المكان النجس، والمقبرة، والحمام، والحش، وأعطان الإبل، وسطح المقبرة، وإلىها.
الشرط (الخَامِسُ) من شروط الصلاة: (اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ) أي: الكعبة أو جهتِها لمن بَعُدَ؛ لقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في حديث المسيء في صلاته قال صلى الله عليه وسلم:«إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ» [البخاري: 6251، ومسلم: 397]، وحكى ابن حزم وغيره الإجماع عليه.
(1) قال في الإنصاف (1/ 494): (قواعد المذهب: تقتضي أنه يعيد؛ لأن النهي عنها لا يعقل معناه).
- مسألة: (وَلَا تَصِحُّ) الصلاة (بِدُونِهِ) أي: بدون الاستقبال، (إِلَّا) في أحوال يسقط فيها استقبال القبلة، وهي:
1 -
(لِعَاجِزٍ) عن الاستقبال، كالمربوط لغير القبلة؛ لأنه شرط عجز عنه فسقط، كستر العورة؛ وللقاعدة:«لا واجب مع العجز» .
2 -
للمعذور، كالخوف في الحرب، والهروب من سيل أو سَبُع؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما ورفعه:«فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ، صَلَّوْا رِجَالاً قِيَاماً عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَاناً، مُسْتَقْبِلي القِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» [البخاري: 4535].
3 -
(وَمُتَنَفِّلٍ) ويسقط عنه شرط استقبال القبلة بشروط أربعة:
الشرط الأول: أن يكون (فِي سَفَرٍ)، طويلاً كان أم قصيراً، قال ابن عبد البر:(أجمعوا على أنه جائز لكل من سافر سفراً تقصر فيه الصلاة)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ» [البخاري: 1000، ومسلم: 700].
فإن كان في الحضر وجب الاستقبال؛ لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم، ولقول ابن عمر رضي الله عنهما:«إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله} أَنْ تُصَلِّيَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ فِي السَّفَرِ تَطَوُّعاً» [تفسير الطبري 2/ 453].
الشرط الثاني: أن يكون سائراً، فإن كان نازلاً وجب الاستقبال؛ لأنه انتقل إلى حالة إقامة كالخائف إذا أمن.
ولا فرق بين الراكب والماشي؛ إلحاقاً للماشي بالراكب، لأنه يجوز أن يصلي ماشياً طالباً للعدو في المكتوبة، كما فعل عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه[أبو داود: 1249]، فكذلك في النافلة في السفر، ولأن الصلاة أبيحت للراكب، لئلا ينقطع عن النافلة في السفر، وهو موجود في الماشي.
الشرط الثالث: أن يكون السفر (مُبَاحـ) ـاً، فإن كان سفر معصية أو كان مكروهاً؛ لم يسقط الاستقبال؛ لأن الرخص لا تستباح بالمحرم ولا المكروه.
واختار شيخ الإسلام: أنه يترخص في السفر المحرم والمكروه؛ لأن الشارع علق هذه الرخص بجنس السفر، ولم يخص سفراً دون سفر.
الشرط الرابع: أن يفتتح الصلاة إلى القبلة؛ لحديث أنس رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ» [أبو داود: 1225].
وعنه، واختاره ابن القيم: لا يلزمه الافتتاح إليها؛ لأن أكثر من وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره، كعامر بن ربيعة، وابن عمر، وجابر رضي الله عنهم، وحديثهم أصح، ثم هو مجرد فعل فلا يدل على الوجوب.
- فرع: يلزم الماشيَ افتتاحُ الصلاة إلى القبلة؛ لما تقدم في الراكب، ويلزمه الركوع والسجود إليها أيضاً؛ لأنه يمكنه ذلك فلزمه.
وفي وجه اختاره شيخ الإسلام: له الركوع والسجود بالإيماء إلى جهته؛ قياساً على الراكب، ولأنه يتكرر، ففي الوقوف له قطع لسيره.
- مسألة: (وَفرْضُ قَرِيبٍ مِنْهَا) أي: من الكعبة، وهو من أمكنه معاينتُها أو الخبرُ بيقين:(إِصَابَةُ عَيْنِهَا) باتفاق الأئمة، ببدنه كله، بحيث لا يخرج شيء منه عن الكعبة، فلو خرج ببعض بدنه عن مسامتتها لم تصح؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت، دعا في نواحيه كلها، ولم يصل حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة، وقال:«هَذِهِ القِبْلَةُ» [البخاري: 398، ومسلم: 1330].
- مسألة: (وَ) فرض مصلٍّ (بَعِيدٍ) عن الكعبة، وهو من لم يقدر على معاينة الكعبة، ولا على من يخبره عن علم: التوجه إلى (جِهَتِهَا)، فلا يضر التيامن والتياسر اليسيران عُرفاً؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» [الترمذي: 342، وابن ماجه: 1011]، وصح ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم [ابن أبي شيبة: 7431 وما بعده].
- مسألة: (وَيَعْمَلُ) في معرفة اتجاه القبلة (وُجُوباً) بالطرق الآتية:
1 -
(بِخَبَرِ) غيره له، رجلاً كان أم امرأة، حرًّا كان أم عبداً، إذا توفر في المخبِر ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون المخبر مكلفاً؛ لأن غير المكلف لا يقبل خبره.
الشرط الثاني: أن يكون المخبر (ثِقَةً) أي: عدلًا باطناً وظاهراً، فلا يعمل بخبر:
1) - الكافر؛ لأنه ليس بعدل في الباطن والظاهر.
2) - الفاسق؛ لأنه ليس بعدل في الباطن والظاهر.
3) - مستور الحال؛ لأنه لا تُعرف عدالته في الباطن.
وقال بعض أهل العلم: لا تشترط العدالة، وإنما تشترط القوة والأمانة؛ لقوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ
…
(26)} [القصص: 26]، فإذا كان قويًّا فيما يتعلق بمعرفته بالقبلة، أمينًا لا يكذب وليس عنده تساهل وتسرع قُبِل قوله.
الشرط الثالث: أن يكون خبر الثقة (بِيَقِينٍ)، فإن أخبره عن اجتهاد فلا يخلو المخبَرُ من حالين:
أ) أن يكون عارفاً بأدلة القبلة: فلا يعمل بقوله وفاقاً؛ لأنه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه، وتحصيل مثل ظنه، فلم يجُز له تقليد غيره؛ أشبه حال اشتباه القبلة.
واختار شيخ الإسلام: أنه يعمل بقوله مع ضيق الوقت.
ب) أن يكون جاهلاً بأدلة القبلة ولا يمكنه تعلمها في الوقت: فيجوز له تقليد المخبِر عن اجتهاد؛ لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}
[البقرة: 286].
2 -
(وَ) يعمل (بِمَحَارِيبِ المُسْلِمِينَ) إجماعاً؛ لأن اتفاقهم عليها مع تكرار الأعصار إجماع عليها، فلا تجوز مخالفتها.
وعلم منه: أنه لا يعمل بمحاريب غير المسلمين ولو علم جهة قبلتهم؛ لأن قولهم لا يرجع إليه، فمحاريبهم أولى.
واختار ابن قدامة: أنه إذا علم قبلتهم كالنصارى، وأنها تتجه إلى الشرق، فإنه يستدل بها على القبلة؛ وتقدم أنه لا يشترط عدالة المخبِر على قول.
3 -
بالعلامات العلوية؛ كالنجوم ومنازل الشمس والقمر؛ لقوله تعالى: {وعلمات وبالنجم هم يهتدون} [النحل: 16].
4 -
بالآلات الحديثة.
- مسألة: (وَإِنِ اشْتَبَهَتِ) القبلة على المصلي، لم يَخْلُ من حالين:
1 -
أن يكون في الحضر: فلا يجوز له الاجتهاد، لأن الحضر ليس بمحل للاجتهاد، لقدرةِ مَن فيه على الاستدلال بالمحاريب ونحوها، ولوجود المخبِر عن يقين غالباً، فإن اجتهد وصلى أعاد ولو أصاب؛ لأنه مفرط.
وفي رواية اختارها ابن عثيمين: يجتهد ولو في الحضر ولا إعادة عليه؛
لأنه أتى بما أُمر به، فخرج عن العهدة كالمصيب.
2 -
أن يكون (فِي السَّفَرِ): قال المؤلف: (اجْتَهَدَ) في التعرف على القبلة مصلٍّ (عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهَا) أي: أدلة القبلة؛ لأن ما وجب اتباعه عند وجوده؛ وجب الاستدلال عليه عند خفائه، كالحكم في الحادثة.
(وَقلَّدَ غَيْرُهُ) أي: غيرُ العارف بأدلة القبلة، كالجاهل ومن تعذر عليه معرفة القبلة لعذر، فإنه يقلد غيره في اجتهاده كما تقدم.
- مسألة: (وإِنْ صَلَّى) من اشتبهت عليه القبلة (بِلَا أَحَدِهِمَا) أي: بلا اجتهاد إن كان من أهل الاجتهاد، ولا تقليد إن لم يحسن الاجتهاد، (مَعَ القُدْرَةِ) على الاجتهاد أو التقليد، (قَضَى) تلك الصلاة (مُطْلَقاً) سواء أصاب أم أخطأ أم لم يعلم أنه أصاب أو أخطأ؛ لتفريطه بترك ما وجب عليه.
وقيل: إن أصاب القبلة صحت صلاته؛ لأن ميله إلى هذه الجهة يوجب غلبة الظن، والظن معمول به في العبادات.
- فرع: خلاصة ما سبق على المختار: أن المصلي إلى القبلة لا يخلو من أمرين:
1 -
أن يصلي باجتهاد أو تقليد: فلا إعادة عليه مطلقاً ولو أخطأ حتى في الحضر.
2 -
أن يصلي بغير اجتهاد ولا تقليد: فيعيد إلا إن أصاب الجهة.
الشرط (السَّادِسُ) من شروط الصلاة: (النِّيَّةُ) وهي لغةً: القصد، وهو عزم القلب على الشيء. وشرعاً: العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى، ومحلها القلب.
فلا تصح الصلاة بدون النية لحديث عمر رضي الله عنه مرفوعاً: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» [البخاري: 1، ومسلم: 1907].
- مسألة: (فَيَجِبُ) في النية (تَعْيِينُ) صلاة (مُعَيَّنَةٍ)، فرضاً كانت كالظهر والعصر أم نفلاً كالوتر والسنة الراتبة؛ لحديث عمر رضي الله عنه مرفوعاً:«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، ولتتميز تلك الصلاة عن غيرها.
وعنه: لا تشترط نية التعيين، قال بعض الأصحاب: ينوي فرض الوقت ويكفيه؛ لما في نية تعيين الصلاة من المشقة.
- فرع: لا يشترط تعيين نية الأداء والقضاء، والفرض والنفل، والإعادة؛ لأن نية التعيين تغني عنها.
- مسألة: وقت النية على أقسام:
القسم الأول: أن تقارن التكبير، وأشار إليه بقوله:(وَسُنَّ مُقَارَنَتُهَا) أي: النية (لِتَكْبِيرَةِ إِحْرَامٍ) بأن يأتي بالتكبير عقب النية؛ لتكون النية مقارِنَةً للعبادة،
وخروجاً من خلاف من أوجبه.
القسم الثاني: أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بزمن يسير في الوقت: فقال المؤلف: (وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهَا) أي: النية (عَلَيْهَا) أي: على الصلاة، (بِـ) زمن (يَسِيرٍ) عرفاً في الوقت (1)؛ لأن تقدم النية على التكبير بالزمن اليسير لا يخرج الصلاة عن كونها منوية، ولأن في اعتبار المقارنة حَرَجًا ومشقة فوجب سقوطه.
وقيل: يُعتد بالنية ولو قبل الوقت؛ لأن النية شرط، والشرط يجوز تقديمه على الوقت كالطهارة.
القسم الثالث: أن تتقدم بزمن طويل عرفاً: لم تصح الصلاة؛ لأنه يُخرِج الصلاة عن كونها منوية.
وفي وجه اختاره شيخ الإسلام: أنه يجوز بزمن طويل ما لم يفسخها؛ قياساً على الصوم، فإن النية تصح من غروب الشمس.
- مسألة: (وَشُرِطَ) في صلاة الجماعة (نِيَّةُ إِمَامَةٍ) للإمام، وهو من
(1) قال المرداوي: (أول من اشترط لتقدم النية كونه في وقت المنوية: الخرقي، ثم تبعه جماعة، ولم يذكر هذا الشرط أكثر الأصحاب، وظاهر كلام غير الخرقي ومن تبعه: الجواز، لكن لم أر الجواز صريحاً)[الإنصاف 2/ 23].
المفردات، (وَ) شُرط نية (ائْتِمَامٍ) للمأموم؛ لأن الجماعة تتعلق بها أحكام، كوجوب الاتباع، وسقوط السهو عن المأموم، وغير ذلك، وإنما يتميز الإمام عن المأموم بالنية، فكانت شرطًا لصحة انعقاد الجماعة.
وعنه، وفاقاً للثلاثة: لا تشترط نية الإمامة؛ فلو نوى الانفراد، ونوى من خلفه الائتمام؛ صح وحصلت فضيلة الجماعة للمأموم فقط؛ لحديث عائشة رضي الله عنها:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاتِهِ» [البخاري: 924، ومسلم: 761]. ولم يَعْلَمْ بهم.
وعلى هذا فالمسألة لا تخلو من خمسة أقسام:
1 -
أن ينويَ الإمامُ الإمامةَ، وينويَ المأموم الائتمام: فتصح الصلاة والجماعة.
2 -
أن ينويَ كلٌّ منهما أنه إمام للآخر: فسدت صلاتهما؛ لأن كلًّا منهما أمَّ مَن لم يأتم به، لأنه لا يمكن أن يكون الإمام في نفس الوقت مأموماً.
3 -
أن ينويَ كلٌّ منهما أنه مأموم للآخر: فسدت صلاتهما؛ لأن كلًّا منهما ائتم بمن ليس بإمام، ولأنه إذا نوى كل منهما أنه مأموم للآخر فأين الإمام!
وفي قول: تصح فرادى في المسألتين، وهو من المفردات.
4 -
أن ينويَ الإمامُ الإمامة، ولا ينوي المأموم الائتمام: فسدت صلاة الإمام فقط؛ لأنه أمَّ من لم يأتم به.
وقيل: تصح صلاة الإمام. (1)
5 -
أن ينويَ المأموم الائتمام، ولا ينوي الإمام الإمامة: فتفسد صلاة المأموم وحده؛ لأنه ائتم بمن ليس إماماً. وتقدم الخلاف فيه.
- فرع: (وَ) يجوز (لِمُؤْتَمٍّ) نوى الانفراد (انْفِرَادٌ) عن الإمام (لِعُذْرٍ)؛ كمرض وتطويل إمام، واختاره شيخ الإسلام؛ لقصة الرجل الذي صلى مع معاذ رضي الله عنه، فقرأ بهم البقرة، قال جابر رضي الله عنه في الحديث:«فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً» [البخاري: 705، ومسلم: 465]، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم انفراده.
أما إذا انفرد عن الإمام لغير عذر فلا تصح صلاته؛ لتركه متابعة الإمام، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» [البخاري: 722، ومسلم: 414].
- تنبيه: محل جواز مفارقة الإمام: أن يستفيد من تلك المفارقة، فإن
(1) قال ابن عثيمين: (ولو قال قائل بحصول الثواب للإمام في هذه الصورة لم يكن بعيدًا؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»)[الشرح الممتع 2/ 306].
كان الإمام يعجل ولا يتميز انفراده عنه بنوع تعجيل؛ لم يجُز له الانفراد؛ لعدم الفائدة فيه.
- مسألة: (وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ) أي: المأموم (بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إِمَامِهِ)، لعذر أو لغير عذر؛ لارتباط صلاته بصلاة إمامه، وللقاعدة:(التابع تابع).
وعنه: لا تبطل صلاة مأموم، ولهم الاستخلاف، أو يُتِمُّونها فرادى، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَؤُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» [البخاري: 694]، وأثرِ عثمان رضي الله عنه: أنه صلى بالناس وهو جنب، فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا [الدارقطني: 1372]، فإذا صحت كلها للمأموم صح بعضها من باب أولى.
- ضابط على المختار: ليس هناك ما تبطل به صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه إلا فيما يقوم به الإمام مقام المأموم كالسترة.
- مسألة: لا تبطل صلاة الإمام ببطلان صلاة المأموم؛ لأنها ليست منها ولا متعلقة بها، وأشار إليه بقوله:(لَا عَكْسُهُ إِنْ نَوَى إِمَامٌ الانْفِرَادَ)، قال البهوتي:(أو لم ينوه، ويتمها منفرداً)، (والله أَعْلَمُ).
(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ)
- مسألة: (يُسَنُّ خُرُوجُهُ إِلَيْهَا) أي: الصلاة:
1 -
(مُتَطَهِّراً)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الله، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً» [مسلم 666].
2 -
(بِسَكِينَةٍ) وهي التأني في الحركات، واجتناب العبث، (وَوَقَارٍ) وتكون في الهيئة كغض الطرف؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» [البخاري 636، ومسلم 666].
- فرع: استثنى شيخ الإسلام الإسراع اليسير في حالتين:
الأولى: لإدراك تكبيرة الإحرام، فلا يكره، وذكره الإمام أحمد عن الصحابة رضي الله عنهم.
الثانية: لإدراك الجمعة أو الجماعة: فلا يكره؛ لأنه لا ينجبر إذا فات، وقد علل صلى الله عليه وسلم الأمر بالسكينة بقوله:«فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» ،
فمن لا يرجو إدراك شيء إذا مشى وعليه السكينة؛ فلا يدخل في الحديث.
3 -
ويستحب (مَعَ) ما سبق (قَولُ مَا وَرَدَ) عند خروجه للصلاة، ومن ذلك: ما ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة، وهو يقول:«اللهمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي لِسَانِي نُوراً، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُوراً، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُوراً، وَمِنْ أَمَامِي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً، اللهمَّ أَعْطِنِي نُوراً» [مسلم 763].
- مسألة: وقت قيام الإمام والمأموم -غير المقيم- للصلاة، لا يخلو من حالين:
الأولى: إن رأى المأمومُ الإمامَ، وأشار إليه بقوله:(وَ) يستحب (قِيَامُ إِمَامٍ، فَـ) قيام مأموم (غَيرِ مُقِيمٍ) الصلاةَ (إِلَيْهَا) أي: إلى الصلاة (عِنْدَ قَوْلِ مُقِيمٍ: «قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ»)، وهو من المفردات؛ لقول عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه:«كَانَ إِذَا قَالَ بِلَالٌ: (قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)، نَهَضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَكَبَّرَ» [البيهقي 2/ 22، وضعفه]، وورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه:«أنه إذا قيل: (قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ) وثب فقام» [الأوسط 1958].
الثانية: إن لم ير المأموم الإمام: فإنه لا يقوم إلا عند رؤيته؛ لقول أبي قتادة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» [البخاري 637، ومسلم 604]، ولأنه دعاء إلى الصلاة فاستحبت المبادرة إليها.
- فرع: يستثنى من ذلك المقيم للصلاة؛ لأنه يأتي بالإقامة كلها قائماً كالأذان.
- مسألة: (فَيَقُولُ) الإمام ثم المأموم، والمنفرد:(اللهُ أَكْبَرْ)، وهي ركن من أركان الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته:«إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ» [البخاري 757، ومسلم 397]، ويجب أن يكون التكبير:
1 -
بلفظ: الله أكبر، فلا يجزئ غيرها، واختاره شيخ الاسلام؛ لحديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه قال:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: الله أَكْبَرُ» [أبو داود 61، وابن ماجه 803]، ولم ينقل أنه كان يستفتحها بغير ذلك، فلا تنعقد بقول: الله الأكبر، أو الكبير، أو الجليل.
2 -
أن يقول ذلك (وَهُوَ قَائِمٌ فِي فَرْضٍ) مع القدرة على القيام وعدم ما يسقطه كما سيأتي، وإلا صحت نفلًا إن اتسع الوقت.
- مسألة: يستحب للمصلي عند تكبيرة الإحرام: أن يكون (رَافِعاً يَدَيْهِ) باتفاق الأئمة، وهذا هو الموضع الأول من المواضع الثلاثة في رفع اليدين على المذهب، (إِلَى حَذْوِ) أي: مقابل (مَنْكِبَيْهِ)؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ» [البخاري 735، ومسلم 390].
وعنه: أنه مخير بين الرفع إلى حذو الأذنين أو حذو المنكبين؛ جمعاً بين حديث ابن عمر السابق، وحديث مالك بن الحُويرث رضي الله عنه قال:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ» [مسلم 391]، والقاعدة:(أن العبادات الواردة على وجوه متعددة، الأفضل فيها أن يأتي بهذا تارةً، وبهذا تارةً).
- مسألة: (ثُمَّ) إذا فرغ من التكبير (يَقْبِضُ بِـ) كف (يُمْنَاهُ كُوعَ يُسْرَاهُ) وهو مَفْصِلُ الكف من الذراع؛ لحديث وائل بن حُجْرٍ رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ قَائِماً فِي الصَّلَاةِ قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ» [النسائي 887].
والصفة الثانية الواردة في السنة: وضع اليد اليمنى على ذراع اليسرى؛ لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اليَدَ اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ اليُسْرَى فِي الصَّلاةِ» [البخاري 740].
والصفة الثالثة: وضع اليد اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد؛ لحديث وائل بن حُجْر رضي الله عنه قال: «ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى، عَلَى كَفِّهِ اليُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ» [أحمد 18870، وأبو داود 727، والنسائي 888].
والقاعدة: (أن العبادات الواردة على وجوه متعددة، الأفضل فيها أن يأتي بهذا تارة، وبهذا تارة).
- مسألة: (وَيَجْعَلُهُمَا) أي: اليدين (تَحْتَ سُرَّتِهِ)؛ لقول علي رضي الله عنه:
«مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ» [أحمد 857، وأبو داود 756].
وقيل: يضعهما على صدره، واختاره ابن باز وابن عثيمين؛ لحديث وائل بن حُجْرٍ رضي الله عنه:«صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ» [ابن خزيمة 479، 753]، وأما حديث علي فقال النووي:(متفق على ضعفه).
- مسألة: (وَيَنْظُرُ) المصلي (مَسْجِدَهُ) أي: موضع سجوده (فِي كُلِّ صَلَاتِهِ)؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْكَعْبَةَ، مَا خَلفَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا» [ابن خزيمة 3012، والحاكم 1761 وصححه ووافقه الذهبي]، ولأنه أخشع لقلبه، إلا في ثلاثة مواضع:
الأول: في صلاة الخوف للحاجة؛ لما روى سهل بن الحنظلية رضي الله عنه: «ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ» [أبو داود 916]، وكان أرسل فارسًا إلى الشِّعب من الليل يحرس.
الثاني: حال إشارته في التشهد، فإنه ينظر إلى سبابته، عند القاضي وجماعة؛ لحديث ابن الزبير رضي الله عنهما في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ» [أبو داود 990].
الثالث: صلاته تجاه الكعبة، فإنه ينظر إليها، قاله في المبدع؛ لأنها قبلة المصلي.
واختار ابن عثيمين: أن الكعبة كغيرها؛ لحديث عائشة السابق.
- مسألة: (ثُمَّ) يستفتح ندبًا فـ (يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ»)، كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه [أحمد 11657، وأبو داود 775، والترمذي 242، ابن ماجه 804]، واختار الإمام أحمد هذا الاستفتاح؛ لعمل عمر رضي الله عنه به بين يدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [مسلم 399]، وجوز غيرَه من الاستفتاحات.
وقال شيخ الاسلام: الأفضل أن يأتي بكل نوع من الاستفتاحات أحياناً، لقاعدة:(العبادات الواردة على وجوه متنوعة الأفضل فيها أن يأتي بهذا تارةً وبهذا تارةً).
- مسألة: (ثُمَّ يَسْتَعِيذُ) ندباً، سراً، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لقوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)} [النحل: 98] أي: إذا أردت القراءة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها قبل القراءة، كما في حديث جُبَيْر بن مُطْعِمٍ رضي الله عنه [أبو داود 764، وابن ماجه 704]، وكيفما تعوذ به من الوارد فحسن.
- مسألة: (ثُمَّ يُبَسْمِلُ) ندبًا فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم، لخبر نُعَيْمٍ المُجْمِرِ قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} ، ثم قرأ بأم القرآن، وقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً
بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم» [أحمد 10449، والنسائي 905]، (سِرًّا)؛ لحديث أنس رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسِرُّ بِـ (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي الصَّلَاةِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» [ابن خزيمة 498].
واختار شيخ الإسلام: أنه يجهر بالبسملة والتعوذ أحياناً، لمصلحة التعليم أو التأليف؛ لحديث أبي هريرة السابق.
- مسألة: (ثُمَّ يَقْرَأُ الفَاتِحَةَ) وهي ركن في كل ركعة للإمام والمنفرد؛ لحديث عبادة رضي الله عنه مرفوعاً: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» [البخاري 756، ومسلم 394]، ويتحملها الإمام عن المأموم، ويأتي في صلاة الجماعة.
ويشترط في قراءة الفاتحة أن تكون:
1 -
(مُرَتَّبَةً)، فإن أخل بترتيبها، بأن قدم بعض الآيات على بعض؛ لزم إعادتها؛ لاختلال نظمها.
2 -
(مُتَوَالِيَةً)، فلو قطع المصلي الفاتحة لم يَخْلُ من أمرين:
الأول: أن يقطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين: فيلزمه إعادتها إن كان ذلك:
أ- عمدًا: فلو كان كثيرًا سهوًا لم يؤثر؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً: «إِنَّ الله قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» [ابن ماجه 2043].
ب وطال عرفاً؛ للإخلال بنظمها.
الثاني: أن يقطعها بذكر أو سكوت مشروعين، كسؤال الرحمة عند تلاوة آية رحمة، وكسكوت المأموم للاستماع لقراءة إمامه: لم يبطل ما مضى من قراءتها ولو طال؛ لأن ذلك مشروع، فلا أثر للتقطيع، وما ترتب على المأذون غير مضمون.
3 -
أن يقرأها كاملة، فإن ترك منها حرفاً أو تشديدة، (وَفِيهَا إِحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً)؛ لزم إعادتها؛ لأنه لم يقرأها كاملة، والتشديدة بمنزلة حرف.
- مسألة: (وَإِذَا فَرَغَ) من الفاتحة (قَالَ: «آمِينْ»)، ندباً، اتفاقاً، ومعناه: اللهم استجب، (يَجْهَرُ بِهَا: إِمَامٌ وَمَأْمُومٌ مَعاً) يتوافق تأمين الإمام وتأمين المأموم (فِي) صلاة (جَهْرِيَّةٍ)، ويكون التأمين معاً؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: (غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ المَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، وَإِنَّ الإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [أحمد 7187، والنسائي 927]، وجهراً في الجهرية؛ لحديث وائل بن حُجْرٍ رضي الله عنه:«أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَجَهَرَ بِآمِينَ» [أبو داود 933، والترمذي 249].
(وَغَيرُهمَا) أي: غير الإمام والمأموم، وهو المنفرد، فيؤمِّن (فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ) من الصلوات تبعاً لها.
- مسألة: الجهر والإسرار بالقراءة في الصلاة لا يخلو من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: بالنسبة للإمام، وأشار إليه بقوله:(وَيُسَنُّ جَهْرُ إِمَامٍ بِقِرَاءَةِ) صلاة (صُبْحٍ) إجماعاً، (وَجُمُعَةٍ، وَعِيدٍ، وَكُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ) ويأتي في بابه، (وَأُولَيَيْ مَغْرِبٍ)، إجماعاً، (وَ) أوليي (عِشَاءٍ) إجماعاً.
القسم الثاني: بالنسبة للمأموم، وأشار إليه بقوله:(وَيُكْرَهُ) الجهر بالقراءة (لِمَأْمُومٍ)؛ لأنه مأمور بالإنصات، والأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، قال شيخ الإسلام:(وأما المأموم فالسنة المخافتة باتفاق المسلمين).
القسم الثالث: بالنسبة للمنفرد، وأشار إليه بقوله:(وَيُخَيَّرُ مُنْفَرِدٌ وَنَحْوُهُ) كمسبوق، بين الجهر بالقراءة والإسرار بها؛ لقول عائشة رضي الله عنها، لما سئلت عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم:«كُلَّ ذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا أَسَرَّ، وَرُبَّمَا جَهَرَ» [أحمد 24453، وأبو داود 1437، والترمذي 2924]، ولأنه لا يراد منه إسماع غيره ولا استماعه.
- مسألة: يستحب سكوت الإمام في ثلاثة مواضع:
1 -
قبل القراءة وبعد التكبير؛ للاستفتاح، وقد سبق.
2 -
بعد قراءة الفاتحة بقدر قراءة المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية؛ لحديث سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم سَكْتَتَيْنِ: سَكْتَةً
إِذَا كَبَّرَ، وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ:(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)» [أحمد 20266، وأبو داود 779].
والمنصوص عن أحمد، واختاره شيخ الاسلام: عدم استحباب هذه السكتة، للرواية الأخرى في حديث سمرة رضي الله عنه، وهي أصح من الأولى:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَتَيْنِ: إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنَ القِرَاءَةِ» [أحمد 20243، وأبو داود 778، والنسائي 845]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم يَنقُل هذا أحدٌ عُلم أنه لم يكن.
3 -
بعد القراءة وقبل الركوع؛ لحديث سمرة السابق، وتأتي المسألة.
- مسألة: (ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَهَا) أي: بعد الفاتحة (سُورَةً) ندباً، كاملة؛ لأنه غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويكره الاقتصار على الفاتحة؛ لأنه خلاف السنة، وتكون السورة:
1 -
(فِي) صلاة (الصُّبْحِ: مِنْ طِوَالِ المُفَصَّل)، وأولُه (ق) إلى النبأ؛ لما روى أوس بن حذيفة رضي الله عنه قال:«سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ القُرْآنَ؟ قَالُوا: ثَلَاثٌ، وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ المُفَصَّلِ» [أحمد: 16166، وابن ماجه: 1345]، وهذا يقتضي أن المفصل السورة التاسعة والأربعون من سورة البقرة، وهي سورة (ق).
وكره بقصاره لغير عذر كسفر أو مرض؛ لأنه خلاف السنة.
واختار الشارح: عدم الكراهة؛ لقول عمرو بن حريث رضي الله عنه: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الفَجْرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ)» أي: سورة التكوير [مسلم 475]، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم «قرَأُ فِي الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ
…
(1)} " فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا "[أبو داود 816].
2 -
(وَ) تكون في صلاة (المَغْرِبِ: مِنْ قِصَارِهِ)، وأوله الضحى إلى الناس، ولا يكره بطواله؛ لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه:" أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالأعراف، فرَّقها في ركعتين "[النسائي 990].
3 -
(وَ) تكون في (البَاقِي) أي: في صلاة الظهر والعصر والعشاء، (مِنْ أَوْسَاطِهِ)، وأوله النبأ إلى الضحى.
والدليل على ما سبق: ما روى سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ فُلَانٍ» ، لإمام كان بالمدينة، قال سليمان بن يسار:«فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَكَانَ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ العَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ المَغْرِبِ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ مِنْ وَسَطِ المُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْغَدَاةِ بِطِوَالِ المُفَصَّلِ» [أحمد 8366، والنسائي 981]، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ السُّوَرِ» [أبو داود 805، الترمذي 307، والنسائي 979].
- مسألة: بعد فراغه من قراءة السورة يسكت بقدر ما يرجع إليه النَّفَس؛ لحديث سمرة السابق: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَتَيْنِ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ» [أحمد 20243، وأبو داود 778، والنسائي 845]، واختاره شيخ الإسلام.
- مسألة: (ثمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّراً)؛ لقول أبي هريرة رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ» [البخاري 789، ومسلم 392]، (رَافِعاً يَدَيْهِ) مع ابتداء الركوع، إلى حذو مَنْكِبَيه أو إلى فروع أذنيه، كرفعه الأول، وهذا هو الموضع الثاني من مواضع رفع اليدين؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوع» [البخاري 789، ومسلم 392].
- مسألة: الركوع له صفتان:
الأولى: صفة مجزئة، وهي: أن ينحنيَ بحيث يمكنه مسُّ ركبتيه إن كان وسطاً في الخِلْقَة، أو قَدْرُه من غيره.
وقال المجد: أن يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل.
وقيل: هما بمعنًى واحد، والخلاف لفظي.
الثانية: صفة مستحبة، وأشار إليها بقوله:
1 -
(ثُمَّ يَضَعُهُمَا) أي: اليدين (عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُفَرَّجَتَيِ الأَصَابِعِ)؛ لحديث عقبة بن عمرٍو رضي الله عنه: «أنه رَكَعَ، فَجَافَى يَدَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي» [أحمد 17081، والنسائي 1037].
2 -
(وَيُسَوِّي ظَهْرَهُ)؛ لحديث أبي حُميدٍ الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كان إِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ» [البخاري 828].
3 -
ويجعل رأسه حياله، فلا يرفعه ولا يخفضه؛ لقول عائشة رضي الله عنها:«وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ» [مسلم 498].
4 -
ويجافي مِرْفَقَيْهِ عن جنبيه؛ لحديث عقبة بن عمرٍو السابق.
- مسألة: (وَيَقُولُ) في ركوعه: (سُبْحَانَ رَبِّي العَظِيمِ) وجوبًا، وهو من المفردات؛ لما روى حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» [مسلم 772]، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لما نزلت: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)[الواقعة: 74]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» [أحمد 17414، وأبو داواد 869، وابن ماجه 887]، والواجب مرة، والسنة أن يقول ذلك (ثَلَاثاً، وَهُوَ أَدْنَى الكَمَالِ)، لحديث ابن
مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثاً، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» [أبو داود 886، والترمذي 261، وابن ماجه 890]، قال الترمذي:(والعمل على هذا عند أهل العلم، يستحبون أن لا يَنْقُصَ الرجلُ في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات).
- فرع: الكمال في عدد تسبيح الركوع والسجود:
1 -
بالنسبة للإمام: عشر تسبيحات في ركوعه، وعشر في سجوده؛ لقول أنس رضي الله عنه:«مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْفَتَى» - يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - قال سعيد بن جبير: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات [أحمد 12661، وأبو داود 888، والنسائي 1134].
2 -
بالنسبة للمنفرد: يرجع فيه إلى العرف، وقيل: لا حد لغايته، ما لم يخف سهواً، قاله في الإنصاف؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» [البخاري 703، ومسلم 467].
3 -
بالنسبة للمأموم: فإنه يتابع إمامه في ذلك.
- مسألة: (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ مَعَهُ) أي: مع رأسه، كرفعه الأول في افتتاح الصلاة، إلى حذو منكبيه، وهذا هو الموضع الثالث من مواضع رفع
اليدين؛ لحديث ابن عمر السابق وفيه: «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوع» ، (قَائِلاً) إمامٌ ومنفردٌ:(سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ) مرتَّباً وجوباً، (وَ) يقولان (بَعْدَ انْتِصَابِهـ) ـما:(رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ» [البخاري 789، ومسلم 392]، (مِلْءَ السَّمَاءِ (1) وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ)؛ لقول عبد الله بن أبي أَوْفَى رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع، قال:«اللهمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» [مسلم 478]، وإن شاء زاد:«أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ» ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما [مسلم 478].
- فرع: التحميد ورد على وجوه متنوعة، والأفضل التنويع بينها، ومن ذلك:
1 -
(اللهم ربنا ولك الحمد)، ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه [البخاري 795].
2 -
(اللهم ربنا لك الحمد)، ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه [البخاري 796، ومسلم 409].
(1)(ملء السماء) رواية أحمد (2440)، ورواية مسلم:(ملء السماوات).
3 -
(ربنا ولك الحمد)، ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها [البخاري 732، ومسلم 411].
4 -
(ربنا لك الحمد)، ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه [البخاري 789].
والقاعدة عند شيخ الإسلام: (أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة، الأفضل فيها أن يفعل بهذا تارة، وبهذا تارة).
- مسألة: (وَ) يقول (مَأْمُومٌ: «رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ» فَقَطْ فِي) حال (رَفْعِهِ)، ولا يزيد:(مِلْءَ السَّمَاءِ) وما بعده؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللهمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ» [البخاري 769، ومسلم 409].
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: يزيد (مِلْءَ السَّمَاءِ) وما بعده؛ لأنه ذِكْرٌ مشروع في الصلاة أشبه سائر الأذكار، ولما روى رِفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: كنا يوماً نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال:«سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ» ، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال:«مَنِ المُتَكَلِّمُ» قال: أنا، قال:«رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاثِينَ مَلَكاً يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ» [البخاري 799].
- فرع: قال الإمام أحمد: إذا رفع رأسه من الركوع، إن شاء أرسل يديه، وإن شاء وضع يمينه على شماله؛ لعدم الدليل الصريح في الوضع أو عدمه.
وقيل، واختاره ابن باز: إنه يضع يمينه على شماله على صدره؛ لحديث سهل بن سعد قال: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اليَدَ اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ اليُسْرَى فِي الصَّلَاةِ» [البخاري 740]، وهذا لا يكون إلا في حال القيام، فيشمل ما قبل الركوع وما بعده.
مسألة: (ثُمَّ يُكَبِّرُ) وهو خارٌّ إلى السجود؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «أَنَّهُ كان يُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ، وَرَفَعَ» [البخاري 785، ومسلم 392]، ولا يرفع يديه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:" وَكَانَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ"[البخاري 735، ومسلم 390]، (وَيَسْجُدُ عَلَى الأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ) ومنها الأنف، وجوباً، وهو من المفردات؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ، وَاليَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ» [البخاري 812، ومسلم 490].
(فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ)؛ لحديث وائل بن حُجْرٍ رضي الله عنه: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» [أبو داود 838، والترمذي 268، والنسائي 93، وابن ماجه 882]، وورد وضع الركبتين قبل اليدين عن عمر وابنه [ابن أبي شيبة 2719 - 2720]، وعن ابن مسعود رضي الله عنهم [معاني الآثار 1529].
وعنه: أنه يقدم اليدين على الركبتين؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:
«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» [أحمد 8955، وأبو داود 840، والنسائي 1090]، ولوروده عن ابن عمر رضي الله عنهما [البخاري معلقًا مجزوماً 1/ 159].
(ثُمَّ) يضع (جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ)، قال في المبدع:(بغير خلاف).
- مسألة: السجود له صفتان:
الأولى: صفة مجزئة، وهي: أن يسجدَ على الأعضاء السبعة، ويجزئُ بعضُ كل عضو منها؛ لأنه لم يقيد في الحديث بوضعه كله.
الثانية: صفة مستحبة: وأشار إليها بقوله: (وَسُنَّ):
1 -
(كَوْنُهُ) أي: السجود (عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ) أي: أصابع رجليه، ويوجهها إلى القبلة، باتفاق الأئمة؛ لحديث أبي حُميد رضي الله عنه:«وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ» [البخاري 828].
2 -
(وَ) سن (مُجَافَاةُ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ) باتفاق الأئمة؛ لحديث عبد الله ابن بُحَينةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ يَدَيْهِ عَنْ إِبْطَيْهِ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ إِبْطَيْهِ» [البخاري 390، ومسلم 495].
3 -
(وَ) سن مجافاة (بَطْنِهِ عَنْ فَخِذَيْهِ)، ومجافاة فخذيه عن ساقيه، (وَتَفْرِقَةُ رُكْبَتَيْهِ) باتفاق الأئمة؛ لحديث أبي حُميد رضي الله عنه: «وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ
فَخِذَيْهِ، غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ» [أبو داود 735].
4 -
ويفرج رجليه، لما تقدم في حديث أبي حُميد رضي الله عنه، وفيه:«وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ» ، والقدمان تابعتان للركبتين والفخذين.
وذكر ابن تميم: أنه يجمع بين عَقِبَيْه ويضم قدميه، لحديث عائشة رضي الله عنها حين فَقَدَتِ النبي صلى الله عليه وسلم، قالت:«وَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ» [مسلم 486]، وعند ابن خزيمة [1933]:«فَوَجَدْتُهُ سَاجِداً رَاصًّا عَقِبَيْهِ» .
5 -
ويضم أصابع يديه، باتفاق الأئمة؛ لحديث وائل بن حُجْرٍ رضي الله عنه:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ» [ابن خزيمة 642]، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما [الأوسط 3/ 169].
6 -
ويضع يديه حذو مَنْكِبَيْه؛ لحديث أبي حُميد رضي الله عنه، وفيه:«وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» [أبو داود 734، والترمذي 270].
وورد أيضًا: وضع يديه حذو أُذُنيه، كما في حديث وائل بن حُجْر رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:«فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ» [مسلم 401].
7 -
ويُمْكِنُ جبهته؛ لحديث أبي حُميد رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنَ الأَرْضِ» [الترمذي: 270].
- فرع: تسن المجافاة المتقدمة ما لم يُؤْذِ جاره فيحرم؛ لقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
- مسألة: (وَيَقُولُ) في سجوده: (سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى) وجوباً، وهو من المفردات؛ لما روى حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول في سجوده:«سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» [مسلم 772]، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» [أحمد 17414، أبو داود 869، وابن ماجه 887]، والواجب مرة، والسنة أن يقول ذلك (ثَلَاثاً، وَهُوَ أَدْنَى الكَمَالِ)، على ما سبق في الركوع.
- مسألة: (ثُمَّ يَرْفَعُ) رأسه (مُكَبِّراً)؛ لحديث أبي هريرة المتقدم، ولا يرفع يديه؛ لحديث ابن عمر السابق، (وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشاً) استحبابًا، فيفرُشُ رِجْلَه اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى، ويستقبل بأطراف أصابع اليمنى القبلة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها:«وَكَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى» [مسلم 498]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ القَدَمَ اليُمْنَى، وَاسْتِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهَا القِبْلَةَ، وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى» [النسائي 1158]، ويكون باسطاً يديه على فخذيه، مضمومة الأصابع؛ قياساً على جلوس التشهد، ولأن هذا مما توارثه الخلف عن السلف.
- مسألة: (وَيَقُولُ) بين السجدتين: (رَبِّ اغْفِرْ لِي)، والواجب مرة، ووجوبه من المفردات؛ لما روى حذيفة رضي الله عنه:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي» [أبو داود 151، والنسائي 1144، وابن ماجه 897]، والسنة أن يقول ذلك (ثَلَاثاً، وَهُوَ أَكْمَلُهُ)، على ما سبق في الركوع، لرواية النسائي في الكبرى [660] قال حذيفة:(وَكَانَ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَسُجُودُهُ، وَمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ).
- مسألة: (وَيَسْجُدُ) السجدة (الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ)، أي: كالأولى فيما تقدم من التكبير والتسبيح والهيئة والدعاء بالوارد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
- مسألة: (ثُمَّ يَنْهَضُ) من السجود (مُكَبِّراً)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يرفع رأسه» [البخاري 789، ومسلم 392].
(مُعْتَمِداً) في قيامه (عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ)؛ لما روى وائل بن حُجْرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذِهِ» [أبوداود 736]، وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه [مصنف ابن أبي شيبة 4019 - 4020]، (فَإِنْ شَقَّ) الاعتماد على ركبتيه، لِكِبَرٍ، أو ضعف، أو مرض، أو نحوه، (فَبِالأَرْضِ)؛
لحديث مالك بن الحُويرث الآتي، فإنه يحمل على المشقة، ولما روي عن علي رضي الله عنه:«مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إذَا نَهَضَ أَلَّا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ» [ابن أبي شيبة 4019 - 4020].
واختار الآجري من الأصحاب: أنه يعتمد على الأرض؛ لحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه: «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ قَامَ» [البخاري 824].
- فرع: ظاهر كلام المصنف أنه لا يجلس للاستراحة، وهو المذهب؛ لأن أكثر الذين وصفوا صلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكروا هذه الجلسة، وهو الوارد عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر [ابن أبي شيبة 1/ 394] وابن عباس رضي الله عنهم [عبد الرزاق 2968]، قال أحمد:(أكثر الأحاديث على هذا).
وعنه: أنه يجلس للاستراحة، قال الخلال: رجع إليها أحمد؛ لحديث مالك بن الحويرث السابق: «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ قَامَ» ، وفي حديث أبي حُميد رضي الله عنه:«ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ وَقَعَدَ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ نَهَضَ» وقد حدَّث به في محضرِ عَشَرةٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [أبو داود 730، والترمذي 304، وابن ماجه 1061].
واختار ابن قدامة: أنه يجلس للاستراحة عند الحاجة، كمرض وكِبَرٍ، جمعاً بين الأخبار.
- مسألة: إذا قام من الركعة الأولى (فَـ) ـإنه (يَأْتِي بِـ) ـركعة ثانية (مِثْلِهَا) أي: مثل الركعة الأولى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» [البخاري 757، ومسلم 397]، (غَيْرَ):
1 -
تجديد (النِّيَّةِ)؛ للاكتفاء باستصحابها، ولم يستثنه أكثرهم، لأنها شرط لا ركن.
2 -
(وَ) غير (التَّحْرِيمَةِ) أي: تكبيرة الإحرام، فلا تعاد؛ لأنها وضعت للدخول في الصلاة.
3 -
(وَ) غير دعاء (الاسْتِفْتَاحِ) ولو لم يأت به في الركعة الأولى؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا نَهَضَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَمْ يَسْكُتْ» [مسلم 599 معلقًا]، ولفوات محله.
4 -
(وَ) غير (التَّعَوُّذِ) فلا يأتي به (إِنْ كَانَ تَعَوَّذَ) في الركعة الأولى؛ لظاهر حديث أبي هريرة السابق، ولأن الصلاة جملة واحدة، فاكتُفي بالاستعاذة في أولها، فإن لم يكن استعاذ في الأولى استعاذ في الثانية؛ لقوله تعالى:(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[النحل: 98].
وعنه واختاره شيخ الإسلام: أنه يستعيذ في كل ركعة؛ لأنها مشروعة للقراءة، فتتكرر بتكريرها، كما لو كانت في صلاتين.
- مسألة: (ثُمَّ) بعد فراغه من الركعة الثانية (يَجْلِسُ مُفْتَرِشاً) كجلوسه بين السجدتين؛ لحديث أبي حُميد رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَنَصَبَ اليُمْنَى» [البخاري 828]
- مسألة: (وَسُنَّ) في هذا الجلوس:
1 -
(وَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ)، اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:«كَانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى» [مسلم 580].
والأقرب: أن ذلك من السنن المتنوعة، فمن الصفات الواردة أيضاً:
أأن يضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ الْيُمْنَى الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، فَدَعَا بِهَا وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطَهَا عَلَيْهَا» [مسلم 580].
ب- عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَعَدَ يَدْعُو، وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى إِصْبَعِهِ الْوُسْطَى، وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ» [مسلم 579].
2 -
(وَ) سن (قَبْضُ الخِنْصِرِ وَالبِنْصِرِ مِنْ يُمْنَاهُ، وَتَحْلِيقُ إِبْهَامِهَا مَعَ الوُسْطَى)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في صفة التشهد: «وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ» [مسلم 580]، وصفتها عند أهل الحساب قديمًا ما ذكره المصنف.
وعنه: يقبض الخِنْصِرَ والبِنْصِرَ والوسطى ويضع الإبهام على الوسطى؛ لظاهر حديث ابن الزبير السابق.
والقاعدة عند شيخ الإسلام: (أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة الأفضل أن يأتي بهذا تارة، وبهذا تارة).
3 -
(وَ) سن (إِشَارَتُهُ بِسَبَّابَتِهَا) أي: سبابة اليمنى دون تحريك، فيشير (فِي: تَشَهُّدٍ وَدُعَاءٍ عِنْدَ ذِكْرِ) لفظ (الله) فقط، (مُطْلَقًا) في صلاة وغيرها؛ لحديث عبد الله بن الزبير السابق:«وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ» ، وفي رواية:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُشِيرُ بِإِصْبُعِهِ إِذَا دَعَا، وَلَا يُحَرِّكُهَا» [أبو داود 989، والنسائي 1269].
وعنه: يشير بها في جميع تشهده؛ لحديث ابن الزبير السابق.
4 -
(وَ) سن (بَسْطُ) يده (اليُسْرَى) قال ابن قدامة: أو يُلْقِمُها ركبتَه. وقد سبق.
- مسألة: (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ) التشهد الأول وجوباً، وهو من المفردات؛ (فَيَقُولُ) ما ورد في حديث ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: (التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ والطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)» [مسلم 580].
وعلى قاعدة شيخ الإسلام: فإن التشهد قد ورد على صيغ متنوعة، فالأفضل أن يأتي بهذا تارة، وبهذا تارة، ومما ورد من صيغ التشهد:
- تشهد ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: (التحياتُ المباركاتُ الصلواتُ الطيباتُ للهِ، السلامُ عليك
…
) [مسلم 403].
- وتشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " التَّحِيَّاتُ لِلهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلهِ، الصَّلَوَاتُ لِلهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ
…
" [الموطأ 31، والبيهقي 2831].
- مسألة: (ثُمَّ) إن كانت الصلاة أكثرَ من ركعتين، فإنه (يَنْهَضُ) قائمًا (فِي) صلاة (مَغْرِبٍ وَرُبَاعِيَّةٍ) كظهر وعصر وعشاء، (مُكَبِّراً)، كنهوضه من السجود على ما تقدم، ولا يرفع يديه للتكبير؛ لأنه لم يذكر في حديث ابن عمر السابق المتفق عليه.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: يرفع يديه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ» [البخاري 739].
(وَيُصَلِّي البَاقِيَ) من صلاته، (كَذَلِكَ)، أي: كالركعتين الأُولَيَيْنِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» ، ويختلفان في أمور:
1 -
أن قراءته هنا تكون (سِرًّا)، قال في المبدع:(بغير خلاف نعلمه).
2 -
أنه هنا يكون (مُقْتَصِراً عَلَى الفَاتِحَةِ)، فلا يقرأ شيئًا بعدها؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَاناً، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» [البخاري 776، ومسلم 451]، وثبت ذلك عن عمر وعلي وعائشة رضي الله عنهم [ابن أبي شيبة 1/ 370].
إلا الإمامَ في صلاة الخوف إذا قلنا: ينتظر الطائفة الثانية في الركعة الثالثة، فإنه يقرأ سورة معها.
وعنه: يسن أن يقرأ في الثالثة والرابعة؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه: " أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ، وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ"[مسلم 452]، وهذا يقتضي أنه يقرأ في الأخريين من الظهر بفاتحة الكتاب
وثمان آيات، وثبت عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قرأ في الثالثة من المغرب بعد الفاتحة قوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} الآية " آل عمران: 8 "[الموطأ 25]، وعن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:«كان إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ، يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ جَمِيعاً، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ» [الموطأ 1/ 79].
وعلى قاعدة شيخ الإسلام في العبادات الواردة على وجوه متنوعة: فإن الأفضل أن يقرأ فيهما أحيانًا؛ جمعاً بين الأدلة.
- مسألة: (ثُمَّ يَجْلِسُ) في تشهده الثاني (مُتَوَرِّكاً) بأن يفرُشَ رِجْلَه اليسرى وينصِبَ اليمنى، ويُخْرِجَهما عن يمينه، ويجعَلَ أَلْيَتَيْه على الأرض؛ لحديث أبي حُميد رضي الله عنه:«وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَنَصَبَ الأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» [البخاري 828].
وقال الخرقي: ينصب رجله اليمنى، ويجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى، ويجعل أَلْيَتَيْه على الأرض؛ لحديث ابن الزبير رضي الله عنهما:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ، جَعَلَ قَدَمَهُ اليُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى» [مسلم 579]، وفي رواية لأبي داود:«جَعَلَ قَدَمَهُ اليُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَسَاقِهِ» (1)[أبو داود 988]، وهي بمعنى رواية مسلم، لأن مَخْرَجَ الحديث متحد.
(1) قال ابن القيم: (ومعنى حديث ابن الزبير رضي الله عنهما أنه فرش قدمه اليمنى: أنه كان يجلس في هذا الجلوس على مقعدته، فتكون قدمه اليمنى مفروشة، وقدمه اليسرى بين فخذه وساقه، ومقعدته على الأرض، فوقع الاختلاف في قدمه اليمنى في هذا الجلوس، هل كانت مفروشة أو منصوبة؟ وهذا - والله أعلم - ليس اختلافاً في الحقيقة، فإنه كان لا يجلس على قدمه، بل يخرجها عن يمينه فتكون بين المنصوبة والمفروشة، فإنها تكون على باطنها الأيمن، فهي مفروشة بمعنى أنه ليس ناصباً لها جالساً على عقبه، ومنصوبة بمعنى أنه ليس جالساً على باطنها، وظهرها إلى الأرض، فصح قول أبي حميد ومن معه، وقول عبد الله بن الزبير.
أو يقال: إنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا وهذا، فكان ينصب قدمه وربما فرشها أحياناً، وهذا أروح لها) [زاد المعاد 1/ 236].
وعلى قاعدة شيخ الإسلام في العبادات الواردة على وجوه متنوعة: فإن الأفضل أن يأتي بهذا تارة، وبهذا تارة؛ جمعاً بين الأدلة.
- مسألة: (فَيَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ) كما تقدم، (ثُمَّ يَقُولُ) في التشهد الذي يَعقُبُه سلامٌ ما ثبت في حديث كعب بن عُجْرَةَ رضي الله عنه: أنهم قالوا: يا رسول الله، قد عرفنا كيف نُسلِّم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال:«قُولُوا: (اللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)» [البخاري 4797، ومسلم 406]، أو بغيرها من الصيغ الواردة.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن في التشهد الثاني؛ للأمر بها في الحديث،
ولقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)[الأحزاب: 56] والأمر للوجوب، ولا موضع تجب فيه الصلاة أولى من الصلاة.
وعنه: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة، لحديث فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته، لم يُمَجِّدِ الله تعالى، ولم يُصَلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي:«عَجِلَ هَذَا» ، ثم دعاه فقال:«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ» [أحمد 23937، وأبو داود 1481، والترمذي 3477، والنسائي 1284] ولو كانت ركناً لأمره بالإعادة، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِالله مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ
…
» [مسلم 588]، فلم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما حديث كعب بن عجرة، فهو جواب سؤال، فلا يدل على الوجوب، وأما الآية فعلى الاستحباب؛ للأدلة السابقة.
- مسألة: (وَسُنَّ أَنْ يَتَعَوَّذَ) بعد ذلك (فَيَقُولُ: «أَعُوذُ بِالله مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ)؛ لثبوت ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها [البخاري 832، ومسلم 589]، وغيرَه مما ورد.
- فرع: (وَتَبْطُلُ) الصلاة (بِدُعَاءٍ بِأَمْرِ الدُّنْيَا)، نحو: اللهم إني أسألك داراً واسعة، وطعاماً طيباً؛ لأنه من كلام الآدميين، وفي حديث معاوية بن الحَكَم رضي الله عنه مرفوعاً:«إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» [مسلم 537].
وعنه، واختاره ابن قدامة: يجوز الدعاء بحوائج الدنيا وملذاتها؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو» [البخاري 538، ومسلم 402].
- مسألة: (ثُمَّ يَقُولُ) وهو جالس (عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ عَنْ يَسَارِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله») فقط، والأولى ألَّا يزيد «وَبَرَكَاتُهُ»؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه:" رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ، وَيُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما يَفْعَلَانِ ذَلِكَ"[أحمد 3360، والنسائي 1319].
وقال ابن قدامة: إن زاد: (وبركاته) فحسن؛ لوروده في حديث وائل بن حُجْرٍ رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يسلم عن يمينه:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ» ، وعن شماله:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله» [أبو داود 997]، وفي بعض نسخ أبي داود زيادة:«وَبَرَكَاتُهُ» في التسليمتين.
ومما ورد في صيغ السلام: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله عَنْ يَمِينِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عَنْ يَسَارِهِ» [أحمد 5402، والنسائي 1321].
وعلى قاعدة شيخ الإسلام: فإن هذا من السنن المتنوعة، فيأتي بهذا تارة، وبهذا تارة.
- فرع: لا يجزئ إن لم يقل: (ورحمةُ الله) في غير صلاة الجنازة؛ لحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه مرفوعاً: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» [البخاري 631]، وهو من المفردات.
وعنه: يجزئه، كالجنازة، ويأتي في الجنائز.
- فرع: يجب أن يكون السلام (مُرَتَّباً) فلا يجزئ: عليكم السلام، و (مُعَرَّفاً) بـ (أل)(وُجُوباً)، فلا يجزئ: سلام عليكم، اقتصاراً على الوارد.
- مسألة: (وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ) في جميع ما تقدم؛ لدخولها في قوله صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، والقاعدة: أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا لدليل، (لَكِنْ) تفارق الرجلَ في ثلاثة أمور:
1 -
(تَجْمَعُ نَفْسَهَا) في الركوع والسجود وجميع أحوال الصلاة، فتُلْصِقُ مِرْفَقَيها بجنبيها، وبطنَها بفخذيها؛ لحديث يزيدَ بن أبي حبيبٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان فقال: «إِذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ
اللَّحْمِ إِلَى الْأَرْضِ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ» [البيهقي 3325، وقال: منقطع]، وروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم:" إذَا سَجَدَتِ الْمَرْأَةُ فَلْتَحْتَفِز، وَلْتَضُمَّ فَخِذَيْهَا"[ابن أبي شيبة 2793، 2794]، ولأنها عورة، فكان الأليقُ بها الانضمامَ.
2 -
(وَتَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً)؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما: " كَانَ يَأْمر نِسَاءَهُ يتربعن فِي الصَّلَاة "[مسائل أحمد برواية ابنه عبدالله 282، وفيه عبد الله بن عمر العُمَري، وهو ضعيف]، وعن صفية رضي الله عنها: أنها كانت تجلس متربعة [ابن أبي شيبة 2800]، (أَوْ) تجلس (مُسْدِلَةً رِجْلَيْهَا عَنْ يَمِينِهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ) من تربعها؛ لوروده عن عائشة رضي الله عنها [ذكره في المبدع، ولم نقف عليه]، ولأنه أبلغ في الانضمام.
وقيل: تجلس كجِلْسة الرجل، لما روي عن أم الدرداء الصغرى:«كانت تَجْلِسُ فِي صَلاتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ» ، قال البخاري: وكانت فقيهةً [البخاري معلقاً بصيغة الجزم 1/ 165]، ولأن الأصل التساوي بين الرجل والمرأة في الأحكام إلا لدليل.
3 -
وتُسِرُّ المرأة بالقراءة وجوباً إن سمعها أجنبي؛ خشية الفتنة بها، ولا بأس بجهرها في الجهرية إذا لم يسمعها أجنبي، بأن كانت تصلي وحدها، أو مع مَحْرَمِها، أو مع نساء.