الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على انقطاع عمل الإنسان نفسه، لا على عدم انتفاعه بعمل غيره.
- فرع: يستحب إهداء القرب للميت؛ لما تقدم.
وقال شيخ الإسلام: (لم يكن من عادة السلف إهداء ذلك إلى موتى المسلمين، بل كانوا يدعون لهم، فلا ينبغي الخروج عنهم).
فصل
في زيارة القبور، وأحكام المصاب والتعزية
- مسألة: (وَسُنَّ لِرِجَالٍ) لا نساء (زِيَارَةُ قَبْرِ مُسْلِمٍ)، وحكاه النووي إجماعاً؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا» [مسلم: 977]، وفي رواية:«فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ» [أبو داود: 3235، والترمذي: 1054، وابن ماجه: 1571].
- فرع: لا يسن للنساء زيارة القبور، بل يكره؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها:«نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» [البخاري: 1278، ومسلم: 938]، فإن علم أنه يقع منهن محرم؛ حرمت، وعليه يحمل حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَوَّارَاتِ القُبُورِ» [الترمذي: 1056، وابن ماجه: 1575]، غيرَ قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فيسن.
وعنه واختارها شيخ الإسلام: يحرم مطلقاً؛ لظاهر الحديث السابق،
وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً: «لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَائِرَاتِ القُبُورِ، وَالمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا المَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» [أحمد: 2030، وأبو داود: 3236، والترمذي: 320، والنسائي: 2043]، وأما قول أم عطية رضي الله عنها:«وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» فهذا فهمها للنهي، والحجة فيما روى الراوي لا فيما رأى.
- فرع: تباح زيارة قبر الكافر، واختاره شيخ الإسلام؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي» [مسلم: 976].
- مسألة: (وَ) سُن (القِرَاءَةُ عِنْدَهُ) أي: عند القبر، لما ورد عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللَّجْلاج، عن أبيه قال:«إِذَا أَدْخَلْتُمُونِي قَبْرِي اقْرَؤُوا عِنْدَ رَأْسِي أَوَّلَ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا، فَإِنِّي رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ» [البيهقي: 7068، واحتج به أحمد].
وعنه، واختارها شيخ الإسلام: أن القراءة عند الدفن لا بأس بها؛ لأثر ابن عمر السابق، وأما بعد الدفن - مثل الذين ينتابون القبر للقراءة عنده - فذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك (1).
- مسألة: (وَ) سُن لزائرِ ميت فعلُ (مَا يُخَفِّفُ عَنْهُ) أي: عن الميت بعد
(1) قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم [2/ 264]: (القراءة عنده وقت الدفن لا بأس بها، كما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما، وبعض المهاجرين، وأما القراءة بعد ذلك - مثل الذين ينتابون القبر للقراءة عنده - فهذا مكروه، فإنه لم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلًا، وهذه الرواية لعلها أقوى من غيرها، لما فيها من التوفيق بين الدلائل)، ومراده بقوله:(فهذا مكروه) أي: بدعة، كما قال في مجموع الفتاوى [24/ 317]:(ولهذا فرق في القول الثالث بين القراءة حين الدفن، والقراءة الراتبة بعد الدفن، فإن هذا بدعة لا يعرف لها أصل).
وصريح كلام شيخ الإسلام أن القراءة الراتبة بعد الدفن بدعة، وأما القراءة غير الراتبة فلم نقف على كلامه فيها.
وضعه في القبر (وَلَوْ بِجَعْلِ جَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ) ونحوها (فِي القَبْرِ)؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، وفيه: ثم أخذ جريدة رطبة، فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال:«لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» [البخاري: 218، ومسلم: 292].
واختار ابن باز وابن عثيمين: أنه لا يشرع ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغرز الجريدة إلا على قبور عَلِمَ تعذيب أهلها، ولم يفعل ذلك لسائر القبور، ولو كان سنةً لفعله بالجميع، ولأن الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة لم يفعلوا ذلك.
- مسألة: (وَ) سُن (قَوْلُ زَائِرٍ) القبرَ (وَمَارٍّ بِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ الله بِكُمْ لَاحِقُونَ)، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه [مسلم: 249]، والاستثناء المذكور إما للتبرك، أو لِلُّحوق على صفة الإيمان، أو إلى البقاع، ويقول:(يَرْحَمُ الله المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالمُسْتَأْخِرِينَ)، كما في
حديث عائشة رضي الله عنها [مسلم: 974]، وفيه بدل (مِنْكُمْ):(مِنَّا)، ويقول:(نَسْأَلُ الله لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ)، كما في حديث بريدة رضي الله عنه [مسلم: 975]، ويقول:(اللهمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ) كما في حديث عائشة رضي الله عنها [أحمد: 24425، وابن ماجه: 1546]، ويقول:(وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ) كما في حديث عائشة مرفوعاً، وفيه:«وَإِنَّا إِنْ شَاءَ الله بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللهمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» [مسلم: 974].
- مسألة: (وَتَعْزِيَةُ) المسلم (المُصَابِ بِالمَيِّتِ) ولو كان المعزى صغيراً أو جاراً أو صديقاً؛ (سُنَّةٌ) اتفاقاً، قبل الدفن وبعده، وسواء كان الميت مسلماً أو كافراً؛ لحديث عمرو بن حزم رضي الله عنه مرفوعاً:«مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ، إِلَّا كَسَاهُ الله سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [ابن ماجه: 1601]، ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين عزَّى ابنته بفقد ابنها، فقال لها:«إِنَّ لله مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ» [البخاري: 1284، ومسلم: 923].
- فرع: تحرم تعزية الكافر بالمصاب؛ لأن الدعاء والاستغفار له منهي عنه.
واختار شيخ الإسلام: أنه يجوز تعزية الذمي للمصلحة الراجحة؛ كرجاء
الإسلام، وتقدَّم حكم عيادتهم أولَ كتاب الجنائز.
- مسألة: (وَيَجُوزُ البُكَاءُ عَلَيْهِ) أي: على الميت؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أتَى سعد بن عبادة يوم مات، فبكى، وقال:«إِنَّ الله لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ» [البخاري: 1304، ومسلم: 924].
واختار شيخ الإسلام: استحباب البكاء على الميت رحمة له؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وحاله أكمل الأحوال، حيث جمع بين الرضا بالقدر، والرحمة بالميت.
قال رحمه الله: (البكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب، وذلك لا ينافي الرضا، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه).
ويمكن أن يقال: البكاء على الميت ينقسم إلى قسمين:
الأول: بكاء محمود: وهو البكاء الطبيعي الذي تمليه الطبيعة، وهو على الخلاف السابق.
الثاني: بكاء مذموم: وهو البكاء المتكلَّف الذي يتضمن محظورًا شرعيًّا من التسخط أو النياحة ونحو ذلك.
- مسألة: (وَحَرُمَ نَدْبٌ)، وهو البكاء مع تعداد محاسن الميت بلفظ النداء، كقوله: واسَيِّداهْ؛ لأنه من النياحة المنهي عنها.
وعنه واختاره المجد: يباح يسير الندب الصدق؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: «لَمَّا مَاتَ - أي: النبي صلى الله عليه وسلم قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَبَتَاهْ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهْ، إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ» [البخاري: 4462].
- مسألة: (وَ) حرم (نِيَاحَةٌ) وهي رفع الصوت بالندب؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: «أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ البَيْعَةِ أَلَّا نَنُوحَ» [البخاري: 1306، ومسلم: 936].
- مسألة: (وَ) حرم (شَقُّ ثَوْبٍ، وَلَطْمُ خَدٍّ، وَنَحْوُهُ)؛ كصراخ ونتف شعر؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» [البخاري: 1294، ومسلم: 103].