الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقلبه، ولعموم أدلة وجوب الصلاة.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أن من عَجَزَ عن الإيماء برأسه سقطت عنه الصلاة؛ لظاهر حديث عمران السابق؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشده إلى مرتبة بعدها.
- مسألة: (فَإِنْ طَرَأَ عَجْزٌ) لقادر، (أَوْ قُدْرَةٌ) لعاجز (فِي أَثْنَائِهَا) أي: الصلاة، (انْتَقَلَ) إلى المرتبة التي يستطيعها؛ لتعينها عليه، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فينتقل إلى القيام من قَدَرَ عليه، وإلى الجلوس من عَجَزَ عن القيام، (وَبَنَى) الصلاة ولم يستأنف؛ لأن الأول وقع صحيحًا للعذر، وما ترتب على المأذون غير مضمون.
(فَصْلٌ)
في قصر الصلاة
- مسألة: قصر الصلاة الرباعية في السفر جائز إجماعاً؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ
…
خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101]، قال يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب: فقد أمن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك،
فقال: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ الله بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» [مسلم: 686].
- مسألة: (وَيُسَنُّ قَصْرُ) الصلاة (الرُّبَاعِيَّةِ) وهي الظهر والعصر والعشاء، بخلاف المغرب والصبح فلا يقصران إجماعًا، (فِي سَفَرٍ)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه، قال ابن عمر رضي الله عنهما:«صَحِبْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَصَحِبْتُ عُمَرَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله» [مسلم: 689].
- فرع: لو أتم المسافر صلاته جاز ولم يكره؛ لقوله تعالى: {فَلَيْسَ عليكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} ، ونفي الجناح يدل على الرخصة، ولحديث يعلى قال: قالت عائشة رضي الله عنها «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ» [الدارقطني وصححه: 2298]، وصح عن عائشة رضي الله عنها:«أَنَّها كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ الْمَكْتُوبَةَ أَرْبَعاً» [البيهقي: 5426].
واختار شيخ الإسلام: أنه يكره الإتمام في السفر؛ لأن القصر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أسفاره، وللأمر في حديث يعلى بن أمية السابق:«فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» ، وأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتم في السفر، فقد نقل ابن القيم عن شيخ الإسلام قوله: (هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ورد عن عائشة فيدل على الجواز ولا يدل على عدم كراهية الإتمام.
- فرع: يشترط للقصر في السفر أربعة شروط:
الشرط الأول: أن يكون السفر (طَوِيلـ) ـاً: وهو ما بلغ أربعة برد تقريباً لا تحديداً؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ، لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ» [الدارقطني: 1447، والبيهقي: 5404 قال في التلخيص: والصحيح عن ابن عباس من قوله]، وقد روي نحوه موقوفًا على ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم [البخاري معلقاً 2/ 43، ووصله البيهقي 5397].
واختار شيخ الإسلام: يترخص في طويل السفر وقصيره، ولا يحدد بمسافة بل بالعرف، فما عَدَّه العرف سفراً جاز القصر فيه؛ لأن السفر جاء في النصوص مطلقاً دون تحديد بمسافة، والقاعدة:(ما ورد مطلقاً ولم يحدده الشرع ولا اللغة، فإن المرجع في تحديده هو العرف)، وأما حديث ابن عباسٍ المرفوعُ فضعيف، وأما الآثار المذكورة فقد قال ابن قدامة:(أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف).
- فرع: البريد الواحد يساوي أربعة فراسخ، والفرسخ يساوي ثلاثة أميال، فتكون المسافة بالأميال 48 ميلاً، والميل يساوي 1.60 كيلاً، وعليه فـ (48) ميلاً تساوي (76.8) كيلومتر.
الشرط الثاني: أن يكون السفر (مُبَاحـ) ـاً، فيدخل فيه السفر الواجب والمندوب والمباح ولو نزهة أو تجارة، فإن كان السفر محرماً، أو مكروهاً، لم يجز له القصر؛ ، لقول تعالى:(فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)، قال مجاهد: (لا قاطعاً للسبيل، ولا مفارقاً للأئمة، ولا
خارجاً في معصية الله، فله الرخصة، ومن خرج باغياً، أو عادياً في معصية الله، فلا رخصة له وإن اضطر إليه) [تفسير ابن جرير 3/ 59]، فإذا ثبت أن الميتة لا تحل لهم فسائر الرخص من باب أولى، ولأن الرخص لا تناط بالمعاصي. (1)
واختار شيخ الإسلام: أنه يجوز الترخص في السفر المحرم والمكروه؛ لأن الكتاب والسنة أطلقا السفر، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص سفراً من سفر، مع علمه أن السفر يكون حراماً وحلالاً، وأما الآية فالصحيح - وهو قول الأكثر - أن معناها: غير باغ للميتة ولا عاد في أكله [تفسير ابن جرير 3/ 61].
الشرط الثالث: أن يفارق عامِرَ قريته وما ينسب إليها عرفاً؛ كسكان قصور وبساتين ولو كان أهلها يسكنونها فصل النزهة فقط، فلا يقصر وهو داخل البلد حتى يفارق جميع ذلك؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ» [البخاري: 1111، ومسلم: 704]، ولأن الله تعالى إنما أباح القصر لمن ضرب في الأرض، قال تعالى: (وإذا
(1) فإن قَصَد في سفره مباحاً ومعصيةً، فلا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: إن كان المباح أكثرَ قصده بالسفر: ترخص، كالتاجر الذي يقصد أن يشرب من خمر البلد الذي يتجر إليه.
الثانية: إن كانت المعصية أكثرَ قصده: لم يترخص.
الثالثة: إن استويا في القصد: لم يترخص؛ تغليباً لجانب الحظر.
ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة)، وقبل مفارقته ما ذُكِرَ لا يكون ضارباً فيها ولا مسافراً.
الشرط الرابع: أن يكون قاصداً لمحلٍّ مُعيَّنٍ في ابتداء السفر، فلا قصر ولا فطر لتائه ضال الطريق، ولا لسائح لا يقصد مكانًا معينًا؛ لأن السفر إذن ليس بمباح، والسياحة لغير موضع معين مكروهة، قال شيخ الإسلام:(السياحة في البلاد لغير قصد شرعي، كما يفعله بعض النساك أمر منهي عنه).
- مسألة: يستثنى من جواز القصر بعد وجود الشروط السابقة صورٌ، منها:
1 -
(وَيَقْضِي صَلَاةَ سَفَرٍ) إذا ذكرها (فِي حَضَرٍ)، تامَّةً بلا قصر؛ لأن القصر من رخص السفر، فبَطَلَ بزواله.
وقيل، واختاره ابن عثيمين: يصليها قصراً؛ لحديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا» [مسلم: 684]، وهذا ذَكَرَ صلاةً مقصورة، فتلزمه مقصورة، لأن القضاء معتبر بالأداء، وقد وجب عليه أداؤها قصراً.
2 -
إذا ذكر صلاة حضر في سفر: وأشار إليه بقوله: (وَعَكْسِهِ) أي: عكس الصورة السابقة، فإنه يقضيها (تَامَّةً)؛ لأن القضاء معتبر بالأداء، فيصليها تامة.
3 -
(وَمَنْ نَوَى إِقَامَةً مُطْلَقَةً بِمَوْضِعٍ) معين، دون تحديد مدة: فإنه يتم؛ للدليل الآتي.
4 -
(أَوْ) نوى إقامةً (أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) وهي عشرون صلاة، بموقع معين: فإنه يتم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ» [البخاري: 1564، ومسلم: 1240]، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم بها الرابع من ذي الحجة، والخامسَ والسادس والسابع، وصلى الصبح في اليوم الثامن، ثم خرج إلى مِنًى، وكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها.
واختار شيخ الإسلام: جواز القصر في كل ما يُسمى سفراً، سواء قل أم كثر، ما لم ينو الإقامة المطلقة أو الاستيطان بالبلد؛ لأن الأدلة الدالة على جواز القصر مطلقة، فتقييدها بزمن معين يحتاج إلى دليل، وللقاعدة السابقة:(ما ورد مطلقاً ولم يحدده الشرع ولا اللغة، فإن المرجع في تحديده هو العرف)، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قصر في السفر في مدة أكثرَ مما ذُكر، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:«خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ» ، قُلْتُ: كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: «عَشْراً» [البخاري: 1081، ومسلم: 693]، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:«أَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْماً يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» [أحمد: 14139، وأبو داود: 1235]، وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقام بأذربيجان ستة شهور يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول [البيهقي: 5476، وصححه ابن حجر]، وأقام
أنس رضي الله عنه بالشام شهرين يقصر الصلاة [البيهقي: 5479]، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: إنا نطيل القيام - أي: المكث والإقامة - بالغزو بخراسان، فكيف ترى؟ فقال:«صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ أَقَمْتَ عَشْرَ سِنِينَ» [ابن أبي شيبة: 8202].
5 -
(أَوْ ائْتَمَّ) مسافر (بِمُقِيمٍ: أَتَمَّ)؛ لما روى موسى بن سلمة، قال: كنا مع ابن عباس رضي الله عنهما بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعاً، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال:«تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم» [أحمد: 1862]، ولحديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً:«إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» ، وقد ثبت من فعل ابن عمر رضي الله عنهما [مسلم: 694].
وقيل: إذا ائتم مسافر بمقيم لم يخل من حالتين:
أ) أن يصلي رباعية خلف من يصلي ثنائية، كمسافر يصلي الظهر خلف من يصلي الفجر: فإنه يقصر؛ لعدم مخالفة الإمام.
ب) أن يصلي رباعية خلف من يصلي ثلاثية أو رباعية، كمسافر يصلي الظهر خلف من يصلي المغرب أو العشاء: لا يلزمه الإتمام إلا إذا أدرك معه ركعةً فأكثر، وهذه رواية عن أحمد؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» [البخاري: 580، ومسلم: 607].
- مسألة: (وَإِنْ حُبِسَ) المسافر في مكان (ظُلْماً) أو بسبب مرض أو