الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
في صلاة الجماعة
شرعت لأجل التواصل والتَّوَادِّ وعدم التقاطع.
- مسألة: (تَجِبُ الجَمَاعَةُ لِلـ) ـصلوات الـ (ـخَمْسِ) المكتوبة وجوباً عينَّياً، سواء في حضر أم في سفر؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} الآية [النساء: 102]، فأمر بالجماعة حال الخوف ففي غيره أولى، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» [البخاري: 644، ومسلم: 651].
- فرع: لا تشترط الجماعة لصحة الصلاة، فتصح بدونها بلا عذر مع الإثم؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً:«صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» [البخاري: 645، ومسلم: 650]، فدلت المفاضلة على صحة صلاة المنفرد.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أن صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة،
وهي من المفردات (1)؛ لخبر ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ» [أبو داود: 551، وابن ماجه: 793، ولا يصح مرفوعاً]، وورد عن علي رضي الله عنه قال:«لَا صَلَاةَ لِجَارِ المَسْجِدِ إِلَّا فِي المَسْجِدِ» [عبد الرزاق: 1915]، ولأنها إذا كانت واجبة فمن ترك واجباً في الصلاة لم تصح صلاته.
- فرع: يستثنى على المذهب: صلاة الجمعة وصلاة العيد، فالجماعة شرط فيهما على ما يأتي.
- مسألة: فعل الجماعة في المسجد سنة؛ لما فيه من إظهار الشعائر، وكثرة الجماعة، وله فعلها في بيته؛ لعموم حديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً:«وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً» [البخاري: 438، ومسلم: 521].
وعنه، واختاره ابن القيم وابن عثيمين: يجب فعلها في المسجد؛ لظاهر حديث أبي هريرة المتقدم، وأما حديث: «وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِداً
(1) بين شيخ الإسلام مراد من قال إنها شرط بقوله: (من فوت الجماعة الواجبة التي يجب عليه شهودها، وليس هناك جماعة أخرى؛ فإنه يصلي منفرداً، وتصح صلاته هنا؛ لعدم إمكان صلاته جماعة، كما تصح الظهر ممن تفوته الجمعة، وليس وجوب الجماعة بأعظمَ من وجوب الجمعة، وإنما الكلام فيمن صلى في بيته منفرداً لغير عذر، ثم أقيمت الجماعة، فهذا عندهم عليه أن يشهد الجماعة، كمن صلى الظهر قبل الجمعة عليه أن يشهد الجمعة)[مجموع الفتاوى 23/ 233].
وَطَهُوراً» فالمراد بيان أن الأرض كلها مكان للصلاة، لا أن الجماعة تجوز في كل مكان.
- فرع: يشترط لوجوب الجماعة شروط:
1 -
أن تكون الصلاة من الفروض الخمس، فلا تجب للمنذورة والكسوف والوتر وغيرها.
2 -
أن تكون الجماعة للصلاة (المُؤَدَّاةِ): فلا تجب الجماعة للصلاة المقضية؛ لأن من فاتته الحاضرة لا يجب أن يطلبها في مسجد آخر، ففي الفائتة من باب أولى.
وعنه، واختاره ابن عثيمين: تجب للمقضية؛ لعموم الأدلة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن الصلاة في حديث أبي قَتادة رضي الله عنه قضاها جماعة [البخاري: 344، ومسلم: 472].
3 -
تجب صلاة الجماعة (عَلَى الرِّجَالِ): فلا تجب على المميزين، لعدم تكليفهم، ولا على النساء؛ لأنهن لسن من أهل الاجتماع، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» [أحمد: 5468، وأبو داود: 567].
- فرع: تسن الجماعة للنساء منفردات عن الرجال؛ لحديث أم ورقة رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَزُورُهَا فِي بَيْتِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا،
وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا» [أحمد: 27283، وأبو داود: 592]، ولفعل عائشة [عبد الرزاق: 5086]، وأم سلمة رضي الله عنهما [عبد الرزاق: 5082].
4 -
أن يكون الرجال من (الأَحْرَارِ): فلا تجب على العبيد؛ لأن العبد مشغول بخدمة سيده.
وعنه: تجب على العبيد؛ لعموم الأدلة، وللقاعدة:(أن العبادات البدنية المحضة يستوي فيها الأحرار والأرقاء إلا لدليل).
واختار ابن عثيمين: أنها تجب بإذن سيده.
5 -
أن يكونوا من (القَادِرِينَ): فلا تجب على غير القادر؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا} [البقرة: 286].
- مسألة: (وَحَرُمَ أَنْ يَؤُمَّ) في مسجد (قَبْلَ) إمامِه الـ (ـرَّاتِبِ) أي: المعيَّنِ من الجهة المسؤولة أو مَنِ اتفق عليه جماعة المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» [مسلم: 673]، وإمام المسجد سلطان في مسجده، وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أتى أرضاً وعندها مسجد يصلي فيه مولًى لابن عمر، فقال له المولى صاحب المسجد: تقدَّمْ فصَلِّ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما:«أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِكَ» فصلى المولى [عبد الرزاق: 3850]، ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه.
- فرع: إن صلت الجماعة قبل إمامهم الراتب لم تصح صلاتهم؛ لأن النهي في الحديث السابق يقتضي الفساد.
وقيل: تصح الصلاة؛ لأن النهي يعود إلى أمر خارج، وهو الافتئات على الإمام.
- فرع: يحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب (إِلَّا) في ثلاث حالات:
1 -
(بِإِذْنِهِ) أي: إذن الإمام الراتب؛ لما تقدم من الحديث، وفيه:«إلا بإذنه» ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في مرض موته في حديث عائشة رضي الله عنها:«مُروا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاس» [البخاري: 664، ومسلم: 418].
2 -
(أَوْ عُذْرِهِ) أي: عذر الإمام الراتب في التأخر؛ ولا يخلو ذلك من ثلاث حالات:
أ) أن يضيق وقت الصلاة: فيصلون؛ لوجوب فعل الصلاة في وقتها.
ب) أن لا يضيق الوقت ولكن يتأخر عن وقته المعتاد: فيُراسل مع قرب محله وعدم المشقة؛ لأن الائتمام به سنة وفضيلة، فلا تترك مع الإمكان، فإن بَعُدَ محله أو كان هناك مشقة في مراسلته فلهم أن يصلوا.
ت) إذا ظُنَّ أنه لا يحضر، أو ظُنَّ أنه يحضر ولكن تأخر عن الوقت المعتاد وهو لا يكره ذلك: فإنهم يصلون؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما غاب قدّم الصحابة رضي الله عنهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فصلى بالناس، فقال صلى الله عليه وسلم:«أَحْسَنْتُمْ» [مسلم: 274].
3 -
(أَوْ عَدَمِ كَرَاهَتِهِ) لإمامة غيره مكانه؛ لأن الحق له فاعتبر رضاه.
- مسألة: (وَمَنْ كَبَّرَ) مأموماً (قَبْلَ تَسْلِيمَةِ الإِمَامِ) التسليمةَ (الأُولَى؛ أَدْرَكَ الجَمَاعَةَ) ولو لم يجلس؛ لحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أَوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا» [مسلم: 608]، ولأنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام، فأشبه ما لو أدرك ركعة.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: تدرك الجماعة بإدراك ركعة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» [البخاري: 580، ومسلم: 607].
- مسألة: (وَمَنْ أَدْرَكَهُ) أي: أدرك الإمامَ حال كونه (رَاكِعاً) فقد (أَدْرَكَ الرَكْعَةً) اتفاقاً؛ لحديث أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«زَادَكَ الله حِرْصاً وَلَا تَعُدْ» [البخاري: 783]، وإنما فعل ذلك ليدرك الركعة، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الركعة، ولثبوته عن ابن مسعود [البيهقي: 2578]، وابن عمر [ابن أبي
شيبة: 2520]، وزيد بن ثابت [البيهقي: 2582]، وابن الزبير رضي الله عنهم [ابن أبي شيبة: 2631].
- فرع: يكون مدركاً لركوع إمامه (بِشَرْطِ):
1 -
(إِدْرَاكِهِ) الإمامَ حال كونه (رَاكِعاً)، بحيث يأتي المأموم بالقدر المجزئ من الركوع قبل أن يزول الإمام عنه، ولو لم يدرك الطمأنينة مع الإمام، فيطمئن ويتابع إمامه؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:«إِذَا جِئْتَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ ، فَوَضَعْتَ يَدَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ؛ فَقَدْ أَدْرَكْتَ» [ابن أبي شيبة: 2520].
2 -
(وَ) بشرط (عَدَمِ شَكِّهِ فِيه) أي: شكه في إدراكه الركوعَ المجزئَ مع الإمام، فإن شك لم يعتد بها؛ لأن الأصل عدم الإدراك.
3 -
(وَ) بشرط (تَحْرِيمَتِهِ) أي: المأمومِ حال كونه (قَائِماً) إن كانت الصلاة فريضةً؛ لأن تكبيرة الإحرام يشترط أن تكون حال القيام في الفرض، فإن أتم التكبيرة في انحنائه انقلبت نفلاً إن اتسع الوقت؛ لصحة النافلة من القاعد بغير عذر.
- فرع: تكبير المسبوق إذا أدرك إمامه راكعاً لا يخلو من أربع حالات:
1 -
أن يكبر تكبيرتين، وأشار إليه بقوله:(وَتُسَنُّ) تكبيرة (ثَانِيَةٌ)، وهي تكبيرة الانتقال (لِلرُّكُوعِ) بعد تكبيرة الإحرام، فيأتي بتكبيرة الإحرام قائماً، ثم
يأتي بتكبيرة الانتقال حال انتقاله؛ خروجاً من خلاف من أوجبه.
2 -
أن يأتي بتكبيرة واحدة ينوي بها تكبيرةَ الإحرام فقط: فتجزئه اتفاقاً، وتسقط عنه تكبيرة الانتقال؛ لفعل زيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم [البيهقي: 2588، واحتج به أحمد]، ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة، ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد، فأجزأ الركن عن الواجب، كطواف الزيارة والوداع.
3 -
أن يأتي بتكبيرة واحدة ينوي بها تكبيرةَ الانتقال دون تكبيرة الإحرام: فلا تنعقد صلاته؛ لأن تكبيرة الإحرام ركن، ولم يأت بها.
4 -
أن يأتي بتكبيرة واحدة ينوي بها التكبيرتين معاً: لم تنعقد صلاته؛ لأنه شرَّك بين الواجب وغيره في النية، أشبه ما لو عطس عند رفع رأسه، فقال:(ربنا ولك الحمد) عنهما.
وعنه، واختاره الموفق والشارح: أنها تنعقد؛ لأن نية الركوع لا تنافي نية الافتتاح؛ لأنهما من جملة العبادة.
- مسألة: (وَمَا أَدْرَكَ) المسبوقُ (مَعَهُ) أي: مع إمامه فهو (آخِرُهَا) أي: آخر صلاته، (وَمَا يَقْضِيهِ) بعد سلام إمامه هو (أَوَّلُهَا) أي: أول صلاته، فلو أدرك ركعة من الصبح مثلاً، فيطيل القراءة في الركعة التي يصليها لنفسه على التي أدركها مع الإمام، وراعى ترتيب السور؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» [أحمد: 7664]،
والمقضي هو الفائت، فيكون على صفته.
لكن لو أدرك من رباعية أو مغرب ركعة؛ تشهد التشهد الأول عقب قضاء ركعة أخرى - كالرواية الأخرى، أن ما أدرك أول صلاته، وما يقضيه آخرها -، وإنما قلنا: يتشهد من أدرك ركعة عقب أخرى؛ لئلا يلزم تغيير هيئة الصلاة؛ لأنه لو تشهد عقب ركعتين لزم عليه قطع الرباعية على وتر والثلاثية شفعًا، ومراعاة هيئة الصلاة ممكنة، ولا ضرورة إلى تركها، فلزم الإتيان بها.
وعنه: أن ما أدركه المسبوق أولُ صلاته، وما يقضيه آخِرُها؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«مَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» [البخاري: 636، ومسلم: 602]، وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد انقضاء أوله، وأما القضاء الوارد في الأحاديث السابقة فالمراد به الإتمام كقوله تعالى:{فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله} [فصلت: 12]، ولإجماعهم أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى.
- مسألة: (وَيَتَحَمَّلُ) إمام (عَنْ مَأْمُومٍ) ثمانية أشياء، بحيث تسقط عن المأموم لاتيان الإمام بها:
1 -
(قِرَاءَةَ) الفاتحة، فلا تجب قراءة الفاتحة على المأموم في سرية ولا جهرية؛ لقوله تعالى:{وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: 204] قال أحمد في رواية أبي داود: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة،
ولحديث جابر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ، فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ» [أحمد: 14643، وابن ماجه: 850]، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامَ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ» . [الموطأ: 283]، وهو اختيار شيخ الإسلام (1).
وعنه، واختاره ابن عثيمين: أنها تجب على المأموم في السرية والجهرية؛ لعموم حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» [البخاري: 756، ومسلم: 394]، وفي لفظ:«إِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَؤُونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، إِي وَالله، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» [أحمد: 22745، والترمذي: 311]، وهذا نص صريح في الصلاة الجهرية.
وعنه: تجب في السرية دون الجهرية، جمعاً بين الأحاديث السابقة.
2 -
(وَسُجُودَ سَهْوٍ) إذا دخل معه أول الصلاة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما
(1) نسب الشَّيخ ابن عثيمينَ إلى شيخ الإسلام ابن تيميَّةَ القول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصَّلاة السِّرِّيَّة دون الجهرية [الشرح الممتع 4/ 175].
وظاهر كلام شيخ الإسلام أنَّ قراءة الفاتحة في السِّرِّيَّة مُسْتَحَبٌّ، فقد قال رحمه الله:(أعدل الأقوال في القراءة خلف الإمام: أنَّ المأموم إذا سمع قراءة الإمام يستمع لها وينصت لا يقرأ بالفاتحة ولا غيرها، وإذا لم يسمع قراءته بها يقرأ الفاتحة وما زاد، وهذا قول جمهور السَّلف والخلف، وهو مذهب مالكٍ وأصحابه، وأحمدَ بن حنبل وجمهورِ أصحابه، وهو أحد قولي الشَّافعي، واختاره طائفةٌ من محقِّقي أصحابه، وهو قول محمَّد بن الحسن وغيره من أصحاب أبي حنيفةَ)[مجموع الفتاوى 18/ 20]، وقال في موطنٍ آخر:(والجمهور على أنَّها لا تجب ولا تُكْرَهُ مطلقًا، بل تُسْتَحَبُّ القراءة في صلاة السِّرِّ، وفي سكتات الإمام، بالفاتحة وغيرها، كما هو مذهب مالكٍ وأحمدَ وغيرِهما)[مجموع الفتاوى 23/ 309]، وقال:(والَّذي عليه جمهور العلماء هو الفرق بين حال الجهر وحال المخافتة؛ فيقرأ في حال السِّرِّ، ولا يقرأ في حال الجهر، وهذا أعدل الأقوال)[مجموع الفتاوى 23/ 330]، وذكر أدلَّة عدم وجوب قراءة الفاتحة على المأموم حتى في السِّرِّيَّة في مجموع الفتاوى 23/ 319.
يرفعه: «لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَهْوٌ ، فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ السَّهْوُ» [الدارقطني: 1413 وفيه ضعف]، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» [البخاري: 378، ومسلم: 411].
أما المسبوق فلا يتحمل عنه الإمام سجود السهو، فيسجد آخر صلاته، سواء سهى مع إمامه أو فيما انفرد به.
- فرع: إذا سهى الإمام سهواً يجب السجود له، ولم يسجد؛ سجد مسبوق بعد قضاء ما فاته، وسجد مأموم بعد إياسه من سجود إمامه؛ لأنه ربما ذَكَر إمامُه قريباً فسجد، وربما يكون ممن يرى السجود بعد السلام، فلا يسقط السجود للسهو عن المأموم بترك إمامه له؛ لأن صلاته نقصت بنقصان صلاة إمامه فلزمه جبرها.
3 -
(وَ) سجودَ (تِلَاوَةٍ)، إذا لم يسجد الإمام؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه
مرفوعاً: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» .
4 -
(وَسُتْرَةً)؛ لأن سترة الإمام سترةٌ لمن خلفه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ» [البخاري: 76، ومسلم: 504].
5 -
(وَدُعَاءَ قُنُوتٍ)، حيث يسمعه مأموم، فيؤمِّنُ فقط، قال في المغني:(لا نعلم فيه خلافاً)، فإن لم يسمع قنت مأموم؛ لعدم سماعه.
6 -
(وَتَشَهُّداً أَوَّلَ إِذَا سُبِقَ) المأموم (بِرَكْعَةٍ)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» .
7 -
وقولُ (سمع الله لمن حمده) وتقدم في صفة الصلاة.
8 -
وقولُ: (مِلْءَ السماوات، ومِلْءَ الأرض، وملء ما شئتَ من شيء بعدُ)، وتقدم في صفة الصلاة.
- فرع: لا تجب الفاتحة على المأموم في سرية ولا جهرية، و (لَكِنْ يُسَنُّ) للمأموم (أَنْ يَقْرَأَ فِي) مواضع:
1 -
في (سَكَتَاتِهِ) أي: سَكَتاتِ إمامه، وتقدم بيانها في صفة الصلاة.
2 -
(وَ) في صلاةٍ (سِرِّيَّةٍ) كظهر وعصر؛ لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ خَلْفَ الإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَفِي الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» [ابن ماجه: 843].
3 -
(وَ) يسن للمأموم أن يقرأ (إِذَا لَمْ يَسْمَعْهُ) أي: لم يسمع الإمام (لِبُعْدٍ)؛ لأنه غير سامع لقراءته؛ أشبه حال سكتاته، (لَا) إذا لم يسمع إمامه لـ (ـطَرَشٍ)؛ حتى لا يَشْغَلَ غيرَه، فإن لم يَشْغَلْ أحداً قرأ؛ لأنه لا يحصل له مقصود القراءة؛ أشبه البعيد.
- مسألة: (وَسُنَّ لَهُ) أي: الإمام (التَّخْفِيفُ) في الصلاة (مَعَ الإِتْمَامِ)، لحديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنْ أَخَفِّ النَّاسِ صَلَاةً فِي تَمَامٍ» [مسلم: 469]، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» [البخاري: 703، ومسلم: 467]، قال في المبدع:(ومعناه: أن يقتصر على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة، إلا أن يُؤْثِرَ المأموم التطويل وعددهم ينحصر).
- فرع: التخفيف على قسمين:
1 -
تخفيف لازم -واجب-: بأن لا يتجاوزَ سنة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في القيام والقراءة والركوع وغير ذلك؛ لغضب النبي صلى الله عليه وسلم لما أطال معاذ
صلاته في قومه [البخاري: 705، ومسلم: 465]، ولأن الإنسان إذا اختار لغيره فإن خياره خيار مصلحة.
2 -
تخفيف عارض: وهو أن يخفف تخفيفاً زائداً عن سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم لأمر يطرأ عليه أو على بعض المأمومين؛ لحديث أبي قَتادة رضي الله عنه مرفوعاً: «إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» [البخاري: 707].
- فرع: إسراع الإمام في الصلاة على ثلاثة أقسام:
1 -
مكروه: إن كان يمنع المأموم من فعل المستحبات.
2 -
محرم: إن كان يمنع المأموم من فعل الواجبات، وحينئذ يفارقه المأموم ويصلي منفرداً؛ ليأتيَ بالواجب، وإنما جاز له أن يفارق الإمام؛ لقصة الرجل الذي صلى مع معاذ رضي الله عنه فقرأ بهم البقرة، قال جابر رضي الله عنه في الحديث:«فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً» [البخاري: 705، ومسلم: 465].
3 -
مستحب: إذا كان لعارض؛ كما سبق.
- مسألة: (وَ) سن للإمام (تَطْوِيلُ) الركعة (الأُولَى عَلَى) الركعة (الثَّانِيَةِ)؛ لقول أبي قَتادة رضي الله عنه: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ» [البخاري: 759، ومسلم: 451]، ويستثنى من ذلك:
1 -
صلاة الخوف في بعض صورها؛ حين ينتظر الإمام في الركعة الثانية فراغَ الطائفة الأولى ودخولَ الطائفة الثانية [البخاري: 4129، ومسلم: 842].
2 -
أن تكون الثانية أطولَ بمقدار يسير، كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ، وَفِي الْجُمُعَةِ بِـ"سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى"، وَ"هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ"» [مسلم: 878].
- مسألة: (وَ) سن للإمام (انْتِظَارُ دَاخِلٍ) في ركوع وغيره؛ لأن الانتظار ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف لإدراك الجماعة [البخاري: 4129، ومسلم: 842]، وذلك موجود هنا، ولأن في ذلك تحصيلَ مصلحة بلا مضرة؛ فكان مستحبًّا، كرفع الصوت بتكبيرة الإحرام، (مَا لَمْ يَشُقَّ) على المأمومين فيكره، ولو كان من ذوي الهيئات؛ لأن حرمة الذي معه أعظم من حرمة الذي لم يدخل معه.