الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
إن غلب على ظنه شيء: بنى عليه؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ» [البخاري: 401، ومسلم: 572].
- فرع: لا ينظر إلى الشك في ثلاثة مواضع:
1 -
أن يكون بعد انتهاء العبادة؛ لأن الأصل صحة العبادة.
2 -
أن يكون لا حقيقة له، وإنما هو مجرد وهم عارض؛ لأن الوهم لا عبرة به شرعاً.
3 -
أن يكثر الشك مع الإنسان؛ لأنه يولد الوسواس.
(والله أَعْلَمُ).
(فَصْلٌ)
في صلاة التطوع
التطوع لغة: فعل الطاعة، وشرعًا: طاعة غير واجبة.
- مسألة: (آكَدُ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ: كُسُوفٌ)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بها في حديث
عائشة رضي الله عنها وغيره [البخاري 1058، ومسلم 901]، ولم يتركها عند وجود سببها، بخلاف الاستسقاء، فإنه كان يستسقي تارة ويترك أخرى، (فَاسْتِسْقَاءٌ)؛ لأنه يشرع لها الجماعة مطلقًا، أشبهت الفرائض، (فَتَرَاوِيحُ)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليها خشية أن تفرض، لكنها أشبهت الفرائض من حيث مشروعيةُ الجماعة لها، (فَوَتْرٌ)؛ لأن الجماعة شرعت للتراويح مطلقًا، بخلاف الوتر، فإنه إنما تشرع له الجماعة تبعاً للتراويح، ثم السنن الرواتب؛ لأنها لا تفعل جماعة.
واختار ابن عثيمين: أن ما تنوزع في وجوبه فهو آكد، وعلى هذا فالأفضل: الكسوف؛ لأنه قيل بوجوبها، وتشرع لها الجماعة مطلقاً، ويأتي في صلاة الكسوف، ثم الوتر؛ لأنه قيل بوجوبه أيضاً، ثم الاستسقاء؛ لأنه لدفع حاجة، ثم التراويح.
أولاً: صلاة الوتر:
- مسألة: حكم الوتر: سنة مؤكدة؛ لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها حضراً وسفراً، قال الإمام أحمد:(من ترك الوتر فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل له شهادة)، وليس بواجب؛ لحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل من أهل نجد، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» ، فقال: هل علي غيرها؟ قال: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» [البخاري 36، ومسلم 11]، وعن علي رضي الله عنه قال:«الوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاتِكُمُ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَكِنْ سُنَّةٌ سَنَّها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم» [أحمد 1261، والترمذي 453،
والنسائي 1675، وابن ماجه 1169].
واختار شيخ الإسلام: أن الوتر واجب على من يتهجد من الليل؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً» [البخاري 998، ومسلم 751].
- مسألة: (وَوَقْتُهُ) أي: الوتر، لا يخلو من أمرين:
الأول: وقت الجواز: يبدأ (مِنْ صَلَاةِ العِشَاءِ)، ولو مجموعةً مع المغرب تقديماً (إِلَى) طلوع (الفَجْرِ)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» [مسلم 736]، ولحديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً:«أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» [مسلم 754].
الثاني: وقت الاستحباب: وهو آخِرُ الليل لمن يثق من نفسه أن يقوم فيه، وإلا أوتر قبل أن ينام؛ لحديث جابر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ، ثُمَّ لِيَرْقُدْ، وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ» [مسلم 755].
- مسألة: عدد ركعات الوتر:
أ- (وَأَقَلُّهُ) أي: الوتر: (رَكْعَةٌ)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» [البخاري 990، ومسلم
739]، ولا يكره الإيتار بها مفردة؛ لثبوته عن بعض الصحابة، كسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه [ابن أبي شيبة 6809].
ب (وَأَكْثَرُهُ) أي: أكثر الوتر: (إِحْدَى عَشْرَةَ) ركعةً، يصليها (مَثْنَى مَثْنَى)، فيسلم من كل ركعتين، (وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» [مسلم 736]، ولحديث ابن عمر السابق:«صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» .
وهذا هو الأفضل، وله أن يسرد عشراً، ثم يجلسَ فيتشهدَ ولا يسلمَ، ثم يأتيَ بالركعة الأخيرة، ويتشهدَ ويسلم؛ قياسًا على ما يأتي في وتره تسع ركعات وسبع.
ت (وَأَدْنَى الكَمَالِ: ثَلَاثُ) ركعات، ولها صفتان:
1 -
أن يصلِّيَها (بِسَلَامَيْنِ)، فيصلي ركعتين ويسلم، ثم الثالثة ويسلم؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالوَتْرِ بِتَسْلِيمٍ يُسْمِعُنَاهُ» [أحمد 5461، وابن حبان 2435].
2 -
بسلام واحد، فيصلي الثلاث سرداً، لا يجلس إلا في آخرهن؛ لحديث أُبي بن كعب رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ
هُوَ الله أَحَدٌ، وَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ» [النسائي 1701].
والصفة الأولى أفضل؛ لأنها أكثر عملاً، قال أحمد:(لأن الأحاديث فيه أقوى وأكثر).
وخَيّر شيخ الإسلام بين الصورتين؛ لورود السنة بهما جميعاً، والقاعدة:(أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة، الأفضل فيها أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة).
وأما إن صلى ثلاثاً بتشهدين وسلام كصلاة المغرب، فقطع في الإقناع بالصحة، وقال القاضي:(لا تكون وترًا)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ، أَوْ بِسَبْعٍ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِصَلَاةِ المَغْرِبِ» [ابن حبان 2429، والدارقطني 1650].
- فرع: في ذكر صفات الوتر الثابتة في السنة:
الصفة الأولى: أن يوتر بإحدى عشرة ركعة، وسبق أنها تصلى ركعتين ركعتين، ويوتر بواحدة، ويسرد عشرًا ولا يسلم، ثم يأتي بركعة.
الصفة الثانية: أن يوتر بتسع، فيسرد ثمان ركعات، ثم يتشهد التشهد الأول، ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم، وهو من المفردات؛ لحديث عائشة رضي الله عنها:«وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ الله وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ الله وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ» [مسلم 746].
الصفة الثالثة: أن يوتر بسبع، ولها صفتان:
1 -
يسردها ولا يجلس إلا في آخرها، وهو من المفردات؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنه:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِسَبْعٍ أَوْ بِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ» [أحمد 26486، والنسائي 1714، وابن ماجه 1192]، وهذه الصفة أفضل من التي تليها.
2 -
وفي وجه، واختاره ابن قدامة: له أن يسرد ستاً، ثم يتشهد التشهد الأول، ولا يسلم، ثم يصلي السابعة، ويتشهد ويسلم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها:«ثُمَّ يُصَلِّي سَبْعَ رَكَعَاتٍ، وَلَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إِلَّا عِنْدَ السَّادِسَةِ، فَيَجْلِسُ وَيَذْكُرُ الله وَيَدْعُو» [ابن حبان 2441]، فتكون من العبادات الواردة على وجوه متنوعة.
الصفة الرابعة: أن يوتر بخمس، فيسردها ولا يجلس إلا في آخرها، وهو من المفردات؛ لحديث أم سلمة السابق.
الصفة الخامسة: أن يوتر بثلاث، وسبق أن لها صفتين.
الصفة السادسة: أن يوتر بواحدة، وسبق.
- مسألة: (وَيَقْنُتُ) في الوتر (بَعْدَ الرُّكُوعِ نَدْباً)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» [البخاري 4560، ومسلم 675]، وعن أبي عثمان النَّهْدي أنه سئل عن القنوت، فقال:" بَعْدَ الرُّكُوعِ "، فقيل: عَمَّنْ؟ فقال: " عَنْ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمر وَعُثْمَانَ " [ابن أبي شيبة 7085].
فإن قنت قبل الركوع بعد القراءة جاز، ولم يسن.
وعنه، واختاره ابن عثيمين: يسن ذلك؛ لحديث أُبي بن كعب رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قَنَتَ فِي الوَتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ "[أبو داود 1427]؛ وعن علقمة: " أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الوَتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ "[ابن أبي شيبة 6983، قال الألباني: هذا سند جيد على شرط مسلم].
وعلى ذلك فيكون من السنن المتنوعة.
- فرع: يسن القنوت جميعَ السنة؛ لحديث علي رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في وتره: " اللهمَّ إنّا نعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفَوكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ "[أحمد 751، وأبو داود 1427، الترمذي 3566، والنسائي 1746، وابن ماجه 1179]، و (كان) للدوام غالبًا.
وخير شيخ الإسلام في دعاء القنوت بين فعله وتركه.
وقال ابن عثيمين: (الأحسن عدم المداومة عليه، وإنما يفعله أحياناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليه، ولكنه علّم الحسن بن علي الدعاء في الوتر، فدل على سنيته).
- مسألة: (فَيَقُولُ) في قنوته جهراً إن كان إماماً أو منفرداً، نصًّا، وقياس المذهب: يخير المنفرد بين الجهر بالقنوت وعدمه، وهو ظاهر كلام
جماعة من الأصحاب، فيقول:
1 -
ما رواه الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهن في الوتر: (اللهمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ)[أحمد 1718، وأبو داود 1425، والنسائي 1745، والترمذي 464، وابن ماجه 1178].
2 -
أن يقول: (اللهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)؛ لحديث علي رضي الله عنه المتقدم.
3 -
(ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لوروده في حديث الحسن في آخر دعاء القنوت [النسائي 1745، وضعفه الحافظ]، ولفظه:«وَصَلَّى الله عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ» ، وثبت في حديث إِمامةِ أُبي بن كعب الناسَ في قيام رمضان أنه كان
يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القنوت، وذلك في عهد عمر رضي الله عنه [ابن خزيمة 1100].
- مسألة: (وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ) إن سمعه؛ فيقول: آمين، قال ابن قدامة:(لا نعلم فيه خلافاً)؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في النوازل: «وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ» [أحمد 2746، وأبو داود 1443].
- مسألة: (وَيَجْمَعُ إِمَامٌ الضَّمِيرَ)؛ لأنه يُؤَمَّنُ على دعائه، ويُفرِدُ المنفرد الضمير؛ لأن المحفوظ من أدعيته صلى الله عليه وسلم في الصلاة أنها بلفظ الإفراد.
واختار شيخ الإسلام: أنه يدعو بلفظ الجمع وإن كان منفردًا؛ لأنه يدعو لنفسه وللمسلمين.
- مسألة: (وَيَمْسَحُ الدَّاعِي وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ مُطْلَقاً) خارجَ الصلاة وداخلَها؛ لما روى السائب عن أبيه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ، مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ» [أحمد 17943، وأبو داود 1492].
وعنه، واختاره شيخ الاسلام: لا يستحب المسح، وسئل الإمام أحمد عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ في الوتر، فقال:(لم أسمع فيه بشيء)، وقال شيخ الاسلام:(ليس فيه إلا حديث أو حديثان لا تقوم بهما حجة).
ثانياً: صلاة التراويح:
وهي: قيام رمضان جماعة في المسجد، وسميت بذلك لأنهم يصلون أربع ركعات، ويتروَّحون ساعة، أي: يستريحون.
- مسألة: (وَالتَّرَاوِيحُ) سنة مؤكدة، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال:«قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ» ، وذلك في رمضان [البخاري 1129، ومسلم 761]، وجمع عمر الناس على أُبي بن كعب رضي الله عنهم [البخاري 2010]، واتفق عليها الصحابة.
- مسألة: وعدد ركعاتها (عِشْرُونَ رَكْعَةً بِرَمَضَانَ)؛ لما روى السائب بن يزيد قال: " كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة "[البيهقي 4393]، ولا بأس بالزيادة عليها نصًّا.
وقال شيخ الاسلام: (لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها عددًا)؛ للإطلاق في حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» [البخاري 990، ومسلم 739].
- مسألة: (تُسَنُّ) التراويح مثنى مثنى؛ لحديث ابن عمر السابق: «صَلَاةُ
اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»، (وَالوَتْرُ مَعَهَا جَمَاعَةً) قال أحمد:(كان علي وجابر وعبد الله رضي الله عنهم يصلونها في الجماعة)، ويسن كونها في المسجد؛ لجمع عمر رضي الله عنه الناس عليها.
- مسألة: (وَوَقْتُهَا) أي: التراويح، على قسمين:
الأول: وقت الجواز: بأن تصلى (بَيْنَ) صلاة عشاء، - ولو صُليت جمعَ تقديم -، إلى طلوع الفجر؛ لما تقدم من أن الوتر يدخل وقته بالفراغ من صلاة العشاء، وينتهي بطلوع الفجر، والأفضل بعد (سُنَّةِ عِشَاءٍ)؛ لتأكد سنتها بعدها، (وَ) بين (وَتْرٍ)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم:«فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» .
وشنع شيخ الإسلام على من أفتى بصلاة التراويح قبل صلاة العشاء، ونسبه إلى البدعة.
الثاني: وقت الاستحباب: أول الليل بعد سنة العشاء؛ لما ورد أن الناس في زمن عمر رضي الله عنه كانوا يقومون أوله [البخاري 2010].
وقيل: آخِرَ الليل أفضل، وهو قول المالكية؛ لقول عمر رضي الله عنه لما اجتمع الناس للتراويح:«نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ» ، يريد آخِرَ اللَّيل، وكان الناس يقومون أوله.
ثالثاً: السنن الرواتب:
- مسألة: (ثُمَّ) يلي التراويحَ والوترَ في الأفضلية: السنةُ (الرَّاتِبَةُ) التي تفعل مع الفرائض، ويكره تركها في الحضر؛ لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها في الحضر، قال شيخ الإسلام:(من أصر على تركها - أي: السنن - دل ذلك على قلة دينه، وردت شهادته في مذهب أحمد والشافعي وغيرهما).
- مسألة: السنن الرواتب: عشر ركعات: (رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الفَجْرِ)؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: «حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ» [البخاري 1180، ومسلم 729].
واختار شيخ الإسلام: أنها ثنتا عشْرَةَ ركعةً، كالمذهب، لكن قبل الظهر أربعاً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها:«كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» [مسلم 730]، ولحديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ» [مسلم 728]، وزاد الترمذي:«أَرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ» [الترمذي 415].
- مسألة: (وَهُمَا) أي: ركعتا الفجر (آكَدُهَا) أي: أفضل الرواتب؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُداً عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ» [البخاري 1180، ومسلم 724].
- مسألة: صلاة التطوع نوعان:
الأول: تطوع مقيد: وهو أفضل من التطوع المطلق، سواء قيد في الوقت أم في الحال، فركعتا الفجر أفضل من ركعتين تطوعاً مطلقاً بالليل.
الثاني: تطوع مطلق، ففي الليل أفضل منه في النهار، وأشار إليه بقوله:(وَتُسَنُّ صَلَاةُ اللَّيْلِ) أي: النفل المطلق فيه (بِتَأَكُّدٍ)، ووقته: من الغروب إلى طلوع الفجر؛ لقول أنس رضي الله عنه فِي قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]، قال:«كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ مَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ يُصَلُّونَ» [أبو داود 1321]، (وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ» [مسلم 1163]، ولأن الليل محل الغفلة، ولأن عمل السر أفضل من عمل العلانية.
- فرع: صلاة الليل بعد النوم أفضل؛ لقوله تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)[المزمل: 6]، قال الإمام أحمد:(الناشئة لا تكون إلا بعد رقدة).