المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الأول) مبطلات الصلاة - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٤

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(الأول) مبطلات الصلاة

- ‌(الثاني) قضاء الفوائت

- ‌(الثالث) صلاة المريض

- ‌(الرابع) الأعذار المسقطة للصلاة

- ‌(الخامس) صلاة المسافر

- ‌(السادس) صلاة الخوف

- ‌(السابع) الجمعة

- ‌(1) فضل يوم الجمعة

- ‌(2) مزايا يوم الجمعة

- ‌(3) ما يطلب ليلة الجمعة ويومها

- ‌(4) صلاة الجمعة

- ‌(5) شروط الجمعة

- ‌(1) مكان الجمعة

- ‌(2) وقت الجمعة

- ‌(3) خطبة الجمعة

- ‌(6) منهاج الخطابة

- ‌(7) إمام الجمعة

- ‌(8) كيفية صلاة الجمعة

- ‌(9) ما تدرك به الجمعة

- ‌(10) ما يقال بعد صلاة الجمعة

- ‌(11) متى يصلى الظهر من لم تلزمه الجمعة

- ‌(12) ترك الجمعة

- ‌(13) اجتماع العيد والجمعة

- ‌(14) كفارة ترك الجمعة لغير عذر

- ‌(15) راتبة الجمعة

- ‌(16) بدع الجمعة

- ‌(الثامن) صلاة العيدين

- ‌(1) مشروعية صلاة العيد

- ‌(2) حكم صلاة العيدين

- ‌(3) من تطلب منه صلاة العيد

- ‌(4) خروج النساء إلى العيد

- ‌(5) ما يطلب للعيد

- ‌(6) وقت صلاة العيد

- ‌(7) مكان صلاة العيد

- ‌(8) ليس لصلاة العيد نداء

- ‌(9) التكبير فى صلاة العيد

- ‌(10) القراءة فى صلاة العيد

- ‌(11) كيفية صلاة العيد

- ‌(12) خطبة العيد

- ‌(13) الجماعة فى صلاة العيد

- ‌(14) تأخير صلاة العيد لعذر

- ‌(15) التهنئة بالعيد

- ‌(16) الرجوع بعد صلاة العيد

- ‌(17) هل للعيد راتبة

- ‌(18) تكبير التشريق

- ‌(19) اللعب والغناء يوم العيد

- ‌(20) بدع العيد

الفصل: ‌(الأول) مبطلات الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الهادى للصواب، والصلاة والسلام على سيد الأحباب وآله والأصحاب. هذا والكلام هنا فى ثمانية أصول.

(الأول) مبطلات الصلاة

الفاسد والباطل فى العبادة غير الحج سواء، وهو ما خرج عن كونه عبادة بسبب فوات بعض الفرائض من الشروط والأركان.

وللصلاة مبطلات: المذكور منها هنا ثلاثة عشر:

(1)

الكلام: يحرم الكلام عمداً فى الصلاة، ويبطلها إذا كان لغير إصلاحها ولا لأمر يوجبه (لقول) زيد بن أرقم: كنا نتكلم فى الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه فى الصلاة حتى نزلت:"وقوموا لله قانتين"، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. أخرجه السبعة إلا ابن ماجه. وهذا لفظ مسلم. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (1). [1]

ولذا اتفق العلماء على بطلان من تكلم فيها لغير إصلاحها عامداً عالماً بتحريمه وبطلان صلاته. واختلفوا فى كلام الناسى والجاهل (فقال) الجمهور: تبطل صلاة المتكلم ولو ناسياً أو جاهلاً. ومنهم الثورى وابن المبارك والحنفيون، لعموم أحاديث النهى عن الكلام فى الصلاة.

(1) ص 72 ج 4 - الفتح الربانى وص 48 ج 3 فتح البارى (ما ينهى عنه من الكلام فى الصلاة) وص 26 ج 5 نووى مسلم (تحريم الكلام فى الصلاة)

وص 55 ج 6 - المنهل العذب (النهى عن الكلام فى الصلاة) وص 181 مجتبى (الكلام فى الصلاة) وص 312 ج 1 تحفة الأحوذى (نسخ الكلام فى

الصلاة).

ص: 2

(ومنها) ما تقدم عن ابن مسعود قال: كنا نسلم فى الصلاة ونأمر بحاجتنا (الحديث) وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله تعالى قد أحدث ألا تكلموا فى الصلاة، فرد علىّ السلام (1). [2]

(وقال) مالك والشافعى وأحمد وأبو ثور: لا يفسدها الكلام العمد، ولا تفسد بكلام الناسى والجاهل. وهو مروى عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم تكلم فى الصلاة ناسياً فبنى على ما صلى. أخرجه الطبرانى فى الأوسط وفى سنده معلى بن مهدى، قال أبو حاتم: يأتى أحياناً بالمناكير. وقال الذهبى: صدوق فى نفسه (2). [3]

(ولما يأتى) عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. أخرجه ابن ماجه والدارقطنى والطبرانى والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (3). [4]

(واستدلوا) على عدم بطلان صلاة الجاهل (بقول) معاوية بن الحكم السلمى: بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرمانى القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلى، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتوننى لكنى سكت. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبى وأمى ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرنى (4) ولا ضربنى ولا شتمنى قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هى التسبيح

(1) تقدم رقم 258 ص 185 ج 3 (الاشارة فى الصلاة).

(2)

ص 181 ج 2 مجمع الزوائد (الكلام فى الصلاة والاشارة).

(3)

يأتى رقم 211 ص 375 ج 8 (ما يفسد الصوم).

(4)

ما كهرنى، أى ما انتهرنى، وقيل الكهر: العبوس فى وجه من تلقاه.

ص: 3

والتكبير وقراءة القرآن (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى والبيهقى وابن حبان. وفى رواية أبى داود: لا يحل مكان لا يصلح (1). [5]

(وهذا) الحصر يدل بمفهومه على منع التكلم فى الصلاة بغير التسبيح والتكبير والقراءة. وقد تمسك به الحنفيون وأحمد فقالوا: يمنع الدعاء فى الصلاة بما يشبه كلام الناس، وهو ما لا يستحيل طلب مثله منهم نحو: اللهم اقض دينى. وتقدم بيانه، والجواب عنه فى بحث " الدعاء فى الصلاة بما يشبه كلام الناس "(2). وفى الحديث دليل على تحريم الكلام فى الصلاة، سواء أكان لحاجة أم لا، وسواء أكان لمصلحة الصلاة أو غيرها، فإن احتاج إلى تنبيه أو إلى إذن لداخل سبح الرجل وصفقت المرأة.

(وقالت) طائفة منهم الأوزاعى ومالك: يجوز الكلام لمصلحة الصلاة لحديث عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم سلم فى ثلاث ركعات

(1) ص 73 ج 4 - الفتح الربانى. وص 20 ج 5 نووى مسلم (تجريم الكلام والصلاة) وص 28 ج 6 - المنهل العذب (تشميت العاطس فى الصلاة) وص 179 ج 1 مجتبى (الكلام فى الصلاة). (فرمانى القوم بأبصارهم) أى نظروا إلى نظر منكر. ولذا استعير له الرمى (واثكل) بضم المثلثة وإسكان

الكاف. وبفتحها لغتان كالبخل والبخل: وهو فقدان المرأة ولدها وحزنها عليه لفقده. و (أماه) بتشديد الميم. وأصله أم زيدت عليه ألف الندبة

لمد الصوت، وأردفت بهاء السكت. وفى رواية أبى داود أمياه بزيادة المثناة التحتية وأصله أمه زيدت عليه ألف الندبة. و (يضربون على

أفخاذهم) هذا محمول على أنه وقع قبل أن يشرع التسبيح للرجال والتصفيق للنساء. و (لكنى سكت) فى استدراك على محذوف تقديره:

فلما رأيتهم يسكتوننى أردت أن أكلمهم فى ذلك لكنى .. إلخ. (فبأنى) متعلق بفعل محذوف تقديره: أفديه بابى وأمى. و (ما كهرنى) أى ما

انتهرنى وما عبس فى وجهى.

(2)

تقدم ص 260 ج 2 طبعة ثانية.

ص: 4

من العصر ثم دخل الحجرة، فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان طويل اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً يجر رداءه فقال: أصدق؟ قالوا: نعم. فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد ثم سلم. أخرجه الشافعى والسبعة إلا البخارى (1). [6]

وعند المالكية: يشترط لعدم بطلان الصلاة بالكلام لإصلاحها ألا يزيد الكلام عما به الحاجة، وألا يفهم المقصود بالتسبيح، فإن كثر كلام المصلى أو تكلم قبل التسبيح أو مع فهم المقصود بطلت صلاته. فلو قام الامام لخامسة ولم يفهم بالتسبيح، فللمأموم أن يقول له قمت لخامسة. ويزاد فى حق الامام ألا يحصل له شك فى صلاته من نفسه بأن لم يشك أصلا أو شك لكلام المأمومين. فإن شك من نفسه لزمه طرح ما شك والبناء على اليقين ولا يسأل أحداً، فإن سأل بطلت صلاته.

(وأجاب) القائلون بفساد الصلاة بالكلام مطلقاً ولو جهلاً أو سهواً أو لمصلحة الصلاة:

(أ) عن حديث بنائه صلى الله عليه وسلم على ما صلى وقد تكلم ناسياً، بأنه ضعيف كما تقدم.

(ب) وعن حديث: " إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان" بأنه لا ينتهض الاحتجاج به، فقد أنكره أحمد وقال أبو حاتم: هذه أحاديث منكرة موضوعة. وعلى فرض ثبوته فالمراد رفع الإثم لا الحكم فإن الله أوجب فى قتل الخطأ الكفارة.

(1) ص 100 ج 1 بدائع المنن. وص 148 ج 4 - الفتح الربانى. وص 70 ج 5 نووى مسلم (السهو فى الصلاة) وص 143 ج 6 - المنهل العذب (السهو فى السجدتين) وص 305 ج 3 تحفة الأحوذى (التشهد فى سجدتى السهو) وص 190 ج 1 سنن ابن ماجه (من سلم من ثنتين أو ثلاث ساهياً).

ص: 5

(حـ) وعن حديث معاوية بن الحكم بأن عدم حكاية الأمر بالإعادة لا يستلزم العدم وغايته أنه لم ينقل إلينا فيرجع إلى غيره من الأدلة. كذا قيل.

(د) وعن قصة ذى اليدين بأن حديثها منسوخ بحديث زيد بن أرقم (1) أو حديث ابن مسعود (2) لأن صاحب القصة قتل ببدر كما قاله الزهرى.

(ورد) بأن المقتول يوم بدر ذو الشمالين عمير بن عمرو الخزاعى، وهو غير ذى اليدين الخرباق بن عمرو العلمى، وقد عاش بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم زماناً وحدث بهذه القصة بعده صلى الله عليه وسلم، كما أخرجه الطبرانى وغيره. أفاده الحافظ (3) (ولا ينافيه) قول أبى هريرة: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فسلم فى ركعتين وانصرف، فقال له ذو الشمالين بن عمرو: أنقصت الصلاة أم نسيت؟ قال النبى صلى الله عليه وسلم: ما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: صدق يا نبى الله. فأتم بهم الركعتين اللتين نقص. أخرجه النسائى (4). [7]

(لاحتمال) أن كلا منهما كان يلقب بذى اليدين وذى الشمالين. وعلى تقدير أنهما واحد فالقول بأن ذا اليدين مات ببدر وهم يرده صريح الحديث المروى من عدة طرق عن أبى هريرة بلفظ: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشى الظهر أو العصر فسلم فى ركعتين (الحديث) وفيه: فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت .. إلخ.

وهذا لفظ مسلم وأبى داود. وعند أحمد: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فسلم من ركعتين

إلخ (5). [8]

(1) تقدم رقم 1 ص 2.

(2)

تقدم رقم 2 ص 3.

(3)

ص 62 ج 3 فتح البارى الشرح (إذا سلم فى ركعتين أو فى ثلاث).

(4)

ص 183 ج 1 مجتبى (ما يفعل من سلم من ركعتين ناسياً وتكلم).

(5)

ص 67 ج 5 نووى مسلم (السهو فى الصلاة) وص 127 ج 6 - المنهل العذب (السهو فى السجدتين) وص 145 ج 4 - الفتح الربانى.

ص: 6

(وأجاب) بعضهم بأن ذا اليدين إنما تكلم وهو يرى أن الصلاة قد قصرت. وتكلم النبى صلى الله عليه وسلم يرد عليه ظاناً أنه ليس فى صلاة ثم كلم القوم فأجابوه لوجوب إجابته عليهم. وهى لا تبطل الصلاة على المعتمد عند بعض الأئمة كما تقدم بيانه فى بحث " قطع الصلاة "(1).

هذا. ويلحق بالكلام فى الصلاة أمور منها:

(أ) التنحنح فيها. قال الحنفيون والشافعية: التنحنح لغير ضرورة وبلا غرض صحيح مبطلا للصلاة إن ظهر منه حرفان وإلا فلا. وهو مشهور مذهب الحنبلية. أما إن كان لعذر بأن غلبه أو كان مريضاً لا يملك نفسه عنه، فلا تفسد به، وكذا إن كان لغرض صحيح كتحسين صوته للقراءة أو للإغلام أنه فى الصلاة أو ليهتدى به إمامه عند خطئه، لا تفسد على الصحيح عند الحنفيين. وخرج بالتنحنح التثاؤب والعطاس فلا تفسد بهما اتفاقاً.

(وقالت) المالكية: التنحنح لا يبطل الصلاة إن كان لحاجة، وكذا إن كان لغيرها على المعتمد ما لم يكن كثيراً أو تلاعباً، وهو قول الشافعى وأحمد (لقول) علي رضى الله عنه: كان لى من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان: مدخل بالليل ومدخل بالنهار، فكنت إذا دخلت بالليل تنحنح لى. أخرجه النسائى (2). [9]

قال أبو محمد بن قدامة: واختلفت الرواية عن أحمد فى كراهة تلبية المصلى بالنحنحة فى صلاته، فقال فى موضع: لا تنحنح فى الصلاة، قال النبى صلى الله عليه وسلم:" إذا فاتكم شئ فى صلاتكم فلتسبح الرجال وليصفق النساء". [10]

وروى عنه المروذى أنه كان يتنحنح ليعلم أنه فى صلاة. وحديث علىّ

(1) تقدم ص 143 ج 3 طبعة ثانية.

(2)

ص 178 ج 1 مجتبى (التنحنح فى الصلاة).

ص: 7

يدل عليه. وهو خاص فيقدم على العام (1). وأجاب الجمهور بأن حديث علىّ فيه اضطراب لا ينهض معه الاحتجاج به.

(ب) تشميت عاطس بيرحمك الله (لحديث) معاوية بن الحكم السابق (2).

وهذا متفق عليه. وكذا لو شتمه بغير خطاب كيرحمه الله ويرحمنا الله فإنها تبطل عند الحنفيين ومالك، خلافاً للشافعية والحنبلية، ولو عطس وشمت نفسه لخطاب أو غيره لا تبطل، خلافاً للمالكية فقد قالوا: تبطل الصلاة بتشميت العاطس مطلقاً.

(حـ) فتح المصلى على غير إمامه ولو كان الغير فى الصلاة عند الحنفيين ومالك، لأنه تعليم، فكان من كلام الناس إلا أن ينوى التلاوة دون التعليم فلا تفسد كما لو فتح على إمامه. وتقدم تمامه (3).

(د) السلام بنية التحية، لأنه خطاب، وكذا لو سلم على ظن أنها ترويحة بأن كان يصلى العشاء فظن أنها التراويح فسلم من ركعتين، فإنها تبطل عند الحنفيين لتعمده السلام فى غير محله. ولا تبطل عند غيرهم لظنه تمام الصلاة، كما لو سلم للخروج من الصلاة قبل إتمامها ظاناً أنها تمت فلا تفسد اتفاقاً، لأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوه حال صلاتهم، ولأن جنسه مشروع فى الصلاة، فأشبه الزيادة فيها من جنسها.

(هـ) رد السلام باللسان عند الأئمة والجمهور، لأنه خطاب فأشبه تشميت العاطس (ولقول) ابن مسعود رضى الله عنه: كنا نسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشى سلمنا عليه فلم يرد علينا. فقلنا: يا رسول الله كنا نسلم عليك فى الصلاة فترد علينا. فقال: إن فى الصلاة لشغلا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (4). [11]

(1) ص 710 ج 1 مغنى ابن قدامة. وحديث: إذا نابكم شئ تقدم بلفظ آخر رقم 273 ص 271 ج 2 (ما يطلب من المصلى إذا نابه شئ).

(2)

تقدم رقم 3 ص 5.

(3)

تقدم ص 291 ج 2 (الفتح على غير الامام).

(4)

ص 73 ج 4 - الفتح الربانى. وص 47 ج 3 فتح البارى (ما ينهى من الكلام فى الصلاة) وص 26 ج 5 نووى مسلم (تحريم الكلام فى الصلاة) وص 20 ج 6 - المنهل العذب (رد السلام فى الصلاة).

ص: 8

وإن رد المصلى بعد سلامه فحسن، لما تقدم عن ابن مسعود من قوله: فردّ (النبى صلى الله عليه وسلم علىّ السلام (1).

(ومنه) يعلم مشروعية السلام على المصلى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أصحابه حين سلموا عليه، بل رد عليهم بالإشارة وهو يصلى، أو باللسان بعد أن فرغ، ولعموم قوله تعالى:" فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم"(2).

أى على أهل دينكم.

وبهذا قال أحمد ومالك، قال أبو محمد عبد الله بن قدامة: سئل أحمد عن الرجل يدخل على القوم وهم يصلون أيسلم عليهم؟ قال: نعم. وروى ابن المنذر عن أحمد أنه سلم على مصلّ. فعل ذلك ابن عمر. وكرهه عطاء وأبو مجلز والشعبى وإسحاق، لأنه ربما غلط المصلى فرد عليه كلاماً.

وقد روى مالك فى الموطأ أن ابن عمر سلم على رجل وهو يصلى فرد عليه السلام، فرجع إليه ابن عمر فنهاه عن ذلك (3)(1). وممن كره السلام على المصلى الحنفيون والشافعيون.

وعن أبى هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب وقتادة أن رد السلام فى الصلاة لا يبطلها. والحديث حجة عليهم.

(و) الأذان فى الصلاة إن قصد به الإعلام، وحكايته إن قصدها، يبطلها عند أبى حنيفة ومحمد بن الحسن، لأنه إن قصد الاعلام والحكاية صار ككلام الناس. وقال أبو يوسف وباقى الأئمة: لا تفسد ما لم يقل حى على الصلاة، حى على الفلاح، لأن غيرهما ذكر فلا (تفسد) به بخلاف الحيعلتين فإنهما خطاب فيفسدان الصلاة، ولو سمع المصلى اسم الله تعالى فقال جلّ

(1) تقدم رقم 2 ص 3.

(2)

سورة النور: من آية 61 وصدرها: " ليس على الأعمى حرج".

(3)

ص 716 ج 1 كغنى (إذا سلم على المصلى).

ص: 9

جلاله، أو سبحانه وتعالى. أو سمع اسم النبى صلى الله عليه وسلم فصلى عليه، فإن قصد إجابة الذاكر فسدت صلاته، وإن قصد مجرد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، لا تفسد؛ لأن هذا لا ينافى الصلاة، ولا يقطع ما ذكر حكم الموالاة عند الشافعية إلا إذا ذكر الاسم الظاهر كأن قال: صلى الله علي محمد وآله. ولو قرأ المصلى القرآن من مصحف ونحوه، فإن كان حافظاً لا تفسد صلاته اتفاقاً، لعدم التلقن، وكذا إن كان غير حافظ عند أبى يوسف ومحمد، لكنه يكره، لقول أبى حنيفة: بلغنى عن ابن عباس أنه قال فى الرجل يؤم القوم وهو ينظر فى المصحف: إنه يكره ذلك وقال كفعل أهل الكتاب. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (1)(2).

ولا يكره عند الشافعى (روى) ابن أبى مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاماً لها عن دبر فكان يؤمها فى رمضان فى المصحف. أخرجه ابن ابى شيبة (3).

وقال الحنفيون: تفسد لأن التلقن من المصحف تعلم ليس من أعمال الصلاة فيفسدها إذا قرأ ما تصح به الصلاة على الأظهر (وأجابوا) عن أثر عائشة بأن الذى فى الموطإ أن ذكوان، وكان عبداً لعائشة فأعتقته عن دبر منها، وكان يقوم يقرأ لها فى رمضان (2)(4)، فليس فيه أنه كان يقرأ فى المصحف، وإن صح ما روى ابن أبى شيبة يحمل على أنه كان يراجع المصحف قبل الصلاة ليكون قريب عهد بما يقرؤه.

(ز) النفخ: فيبطلها إن ظهر منه حرف مفهم أو حرفان وإن لم يفهما لعموم حديث النهى عن الكلام فى الصلاة ولقول زيد بن ثابت: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن النفخ فى السجود، وعن النفخ فى الشراب. أخرجه الطبرانى فى الكبير. وفى سنده خالد بن إياس، وهو متروك فلا تقام به حجة.

وضعف البيهقى رفعه (3). [12].

(1) رقم 171 ص 34 كتاب الآثار.

(2)

ص 216 ج 1 زرقانى الموطإ (ما جاء فى قيام رمضان).

(3)

ص 83 ج 2 مجمع الزوائد (النفخ فى الصلاة).

ص: 10

ولحديث بريدة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة من الجفاء: أن يبول الرجل قائماً، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ فى سجوده. أخرجه البزار والطبرانى فى الأوسط ورجال البزار رجال الصحيح. قاله الهيثمى (1). [13].

وهذه الأدلة وإن كان فى كل منها مقال لكن لكثرتها يقوى بعضها بعضاً.

ولذا قال يمقتضاها أبو حنيفة ومحمد والشافعى وجمهور السلف والخلف.

وهو مشهور مذهب الحنبلية. قال أحمد: النفخ عندى بمنزلة الكلام. وروى عنه أنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة، ليس هو كلاماً.

قال القاضى: الموضع الذى قال فيه أحمد: يقطع الصلاة إذا انتظم حرفين لأنه جعله كلاماً، ولا يكون كلاماً بأقل من حرفين، والموضع الذى قال فيه: لا يقطع الصلاة إذا لم ينتظم منه حرفان. أفاده ابن قدامة (2).

وقالت المالكية: النفخ بالفم مبطل للصلاة. وكذا بالأنف إن كان عبثاً وكثر.

وقال أبو يوسف وابن سيرين والنخعى وإسحاق: يكره النفخ للمصلى ولا يؤمر بالإعادة (لقول) عبد الله بن عمرو: انكسفت الشمس على عهد النبى صلى الله عليه وسلم (الحديث) وفيه: ثم نفخ فى آخر سجوده فقال: أُف أُف، ثم قال: رب ألم تعدنى ألا تعذبهم وأنا فيهم؟ ألم تعدنى ألا تعذبهم وهم يستغفرون؟ ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد انمحصت الشمس. أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود. وهذا لفظه (3). [14].

(وأجاب) الأولون بأنه إنما نفخ صلى الله عل يه وسلم غلبة حزناً على

(1) ص 83 ج 2 مجمع الزوائد (مسح الجبهة فى الصلاة).

(2)

ص 709 ج 1 مغنى.

(3)

ص 42 ج 7 - المنهل العذب (من قال يركع ركعتين) وص 185 ج 6 - الفتح الربانى. وص 127 ج 1 مجتبى (وانمحصت الشمس) أى انجلت وظهر ضوؤها.

ص: 11

ما وقع من المخالفات التي هي سبب في الانتقام وتخويف الله عباده بالآيات التي منها الكسوف.

(والجواب) عن هذا الحديث بأنه منسوخ بالأحاديث السابقة (مردود) بأنه لا دليل على النسخ (1).

(ح) الأنين كأن يقول: أه بالقصر كدع. والتأفف كأن يقول: أُف أُف. والتأوه بأن يقول: أوه أو آه. والبكاء فتفسد الصلاة بها- عند الحنفيين وأحمد- إذا كانت بصوت يحصل به حروف، وكانت لوجع أو مصيبة. وكان يملك نفسه عنها. أما إذا كانت لذكر جنة أو نار أو حصلت غلبة فلا تفسد الصلاة، وإن حصل بها حروف للضرورة فتكون حينئذ كالعطاس والسعال والجشاء والتثاؤب. قال أبو محمد عبد الله بن قدامة: فأما البكاء والتأوه والأنين الذي ينتظم منه حرفان، فما كان مغلوباً عليه لم يؤثر.

(1) وجملة القول فى هذا ما ذكره الحافظ العراقى فى شرح حديث البصاق فى المسجد قال: فى إباحة البصاق فى المسجد لمن غلبه ذلك، دليل على أن النفخ والتنحنح فى الصلاة إذا لم يقصد به صاحبه اللعب والعبث وكان يسيراً، لا يضر المصلى فى صلاته ولا يفسدها لأنه قل ما يكون بصاق إلا ومعه شئ من النفخ. والتنخم ضرب من التنحنح. ومعلوم أن للتنخم صوتاً كالتنحنح، وربما كان معه ضرب من النفخ عند القذف بالبصاق. فإذا قصد النافخ أو المتنحنح فى الصلاة بفعله ذلك اللعب أو شيئاً من العبث أفسد صلاته. وأما إذا كان نفخه تأوهاً من ذكر النار إذا مر به ذكرها فى القرآن وهو فى الصلاة فلا شئ عليه. هذا. وقد روى ابن القاسم عن مالك أنهه يقطع الصلاة النفخ والتنحنح. وروى ابن عبد الحكم وابن وهب أنه لا يقطع (وقال) أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: يقطع النفخ إن سمع (وقال) أحمد وإسحاق: لا يقطع (وقال) الشافعى: ما لا يفهم منه حروف الهجاء فليس بكلام (قال) ابن عبد البر وقول من راعى حروف الهجاء وما يفهم من الكلام أصح الأقاويل. ومذهب الشافعى فى النحنحة والضحك والبكاء والنفخ والأنين أنه إن بأن منه حرفان بطلت صلاته ما لم يكن معذوراً بغلبة أو تعذر قراءة الفاتحة ما لم يكثر الضحك وإن كان مغلوباً فإنه يضره. والله أعلم. ص 385 ج 2 طرح التثريب.

ص: 12

وما كان من غير غلبة، فإن كان لغير خوف الله أفسد الصلاة، وإن كان من خشية الله لم تبطل صلاته (1). وفى منية المصلى: المصلى إذا وسوسه الشيطان فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا تفسد صلاته إن كانت الوسوسة في أمر أُخروى، وتفسد إن كانت في أمر دنيوي (2).

(وقالت المالكية) الأنين والتأوه والبكاء ونحوها الناشئة من خشية الله، لا تبطل الصلاة، وكذا الأنين من وجع إن قل. وإن كانت لغير ما ذكر فحكمها حكم الكلام إن حصلت سهواً، لا تبطل الصلاة إلا إذا كثرت. وإن وقعت عمداً لغير إصلاح الصلاة تبطلها.

(وقالت الشافعية) الأنين والتأوه والتأفف والتثاؤب والعطاس والجشاء إن حصلت غلبة ولم يستطع دفعها يعفى عن قليلها عرفاً لاعن كثيرها ولو كان ناشئاً من خوف الآخرة، إلا إذا صارت مرضاً ملازماً فإنه يعفى عنها للضرورة. أو إن لم تغلب، بل أمكن دفعها، لا يعفى عنها ولو قلت وكانت ناشئة عن خوف الآخرة.

(ط) الضحك بصوت يسمعه المصلى أو من بجواره فتبطل به الصلاة عند غير الشافعية ولو قل، أو وقع سهواً أو غلبة ولم يشتمل على حروف وكان قبل القعود الأخير قدر التشهد، وكذا بعده وقبل السلام خلافاً لأبى يوسف ومحمد. وقالت الشافعية: والضحك لا يبطل الصلاة إلا إذا حصل اختياراً وظهر منه حرفان فأكثر أو حرف مفهم، وكذا إن حصل غلبة وكثر وإلا لا يبطل.

(2 و 3) وتبطل الصلاة بالأكل والشرب عمداً اتفاقاً. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامداً أن عليه الإعادة،

(1) ص 710 ج 7 مغنى.

(2)

ص 450 غنية المتملي.

ص: 13

وكذا في صلاة التطوع عند الجمهور، لأن كل ما أبطل الفرض يبطل التطوع (وعن) أحمد أنه يبطل. ويروى عن ابن الزبير وسعيد بن جبير أنهما شربا في التطوع. وعن طاوس وإسحاق أنه لا بأس به لأنه عمل يسير. أما إن كثر فلا خلاف في أنه يفسدها، لأن غير الأكل من الأعمال يفسدها إذا كثر، فالأكل والشرب أولى. وإن أكل أو شرب فيها ناسياً أو وقع في فمه قطرة ماء فابتلعها، بطلت صلاته عند الحنفيين والأوزاعي، لأنه فعل مبطل من غير جنس الصلاة فاستوى عمده وسهوه.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: لا تبطل بالأكل والشرب ناسياً أو جاهلاً، لعموم حديث: إن الله وضع عن أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.

وقد أنكره أحمد، وقال أبو حاتم. هذه أحاديث منكرة موضوعة كما تقدم (1).

(والراجح) عند المالكية أنها لا تبطل بالأكل أو الشرب ناسياً ويسجد له بعد السلام، أما إذا اجتمعا أو وجد أحدهما مع السلام ولو سهواً فإنها تبطل لكثرة المنافي (2).

(وإذا كان) بين اسنانه مأكول دون الحمصة فابتلعه، لا تفسد صلاته عند الحنفيين ومالك، وكذا عند الشافعية والحنبلية إذا جرى به الريق وعجز عن مجه لأنه لا يمكن الاحتراز عنه. أما إذا ترك في فمه ما يذوب كالسكر فذاب عنه شئ فابتلعه، فإن صلاته تبطل اتفاقاً، لأنه أكل.

(4)

وتبطل بالعمل الكثير وهو ما يكونه بحيث لو رآه إنسان من بعد تيقن أنه ليس في الصلاة، وإلا فهو قليل على المختار عند الحنفيين، فلو رفع العمامة من رأسه ووضعها على الأرض أو بالعكس بيد واحدة بلا تكرار متوال، لا تفسد صلاته، لأنه عمل قليل، لكنه يكره لغير عذر.

(1) تقدم الحديث رقم 3 ص 4 والجواب عنه ص 5.

(2)

ص 107 ج 1 صغير الدردير.

ص: 14

قالت المالكية والحنبلية: هو ما يخيل للناظر أن فاعله ليس في الصلاة (وقدرته) الشافعية بنحو ثلاث خطوات متواليات عرفاً وما في معناه كوثبة كبيرة. وهو مبطل للصلاة إذا لم يكن من أعمالها ولا لإصلاحها ولا لدفع الأذى، فلا تفسد بزيادة نحو ركوع سهواً اتفاقاً وكذا عمداً عند الحنفيين، ولا تبطل بالمشي والوضوء لسبق الحدث لأنهما لإصلاحها ولا لقتل نحو حية خاف أذاها على ما تقدم بيانه (1). وكذا لا تبطل بزيادة قولية كتكرير الفاتحة ولو عمداً اتفاقاً.

(5)

وتبطل بالتحول عن القبلة إذا تحول بصدره عنها ولو مضطراً إذا مكث قدر أداء ركن لفقد شرط من شروط الصلاة. وكذا إن تحول مختاراً لغير عذر عند الحنفيين وإلا فلا تبطل ولو كثر التحول.

(وقالت) الشافعية: إذا تحول بصدره عن القبلة أو حول غيره قهراً بطلت صلاته ولو عاد عن قرب، أما لو انحرف جاهلا أو ناسياً وعاد من قرب فلا تبطل.

(وقالت) المالكية والحنبلية: التحول عن القبلة لا يبطل الصلاة ما لم تتحول قدماه عن القبلة.

(6)

وتبطل بترك شرط من شروط الصلاة، أو ركن من أركانها بلا عذر اتفاقاً.

(7)

وتبطل بحصول مبطل للطهارة غير سبق الحدث قبل القعود الأخير قدر التشهد اتفاقاً، وكذا بعده وقبل السلام عند الأئمة الأربعة لفقد شرط من شروط الصلاة. ولا تبطل عند أبى يوسف ومحمد، لأن الخروج بالصنع واجب عندهما، وفرض عند أبى حنيفة".

(8)

وتبطل بسبق المأموم إمامه بركن عمداً كما لو ركع ورفع رأسه قبل إمامه عمداً ولم يعده معه أو بعده، وإن سبقه سهواً، فإن عاد وركع

(1) تقدم ص 153 ج 3 (قتل الحية ونحوها فى الصلاة).

ص: 15

مع إمامه أو بعده وسلم صحت صلاته، وإلا فلا على ما تقدم تفصيله في "بحث المتابعة"(1).

(9)

وتبطل بزوال مسقط الركن أو الشرط وتحته صور:

(أ) من صلى بالإيماء ثم قدر على الركوع والسجود تبطل صلاته ويستأنفها بركوع وسجود عند الحنفيين، لأنه لا يصح بناء القوى على الضعيف. وقال غيرهم: يتمها بما قدر عليه ولا يستأنفها لأنه دخلها بوجه مشروع.

(ب) من صلى متيمماً ثم قدر على استعمال الماء قبل القعود الأخير قدر التشهد تبطل صلاته عند الحنفيين وأحمد والشافعي. وكذا إن قدر على استعماله بعده وقبل السلام عند أبى حنيفة والشافعي وأحمد (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا تبطل، لأن الصلاة قد تمت عندهما كما تقدم.

(وقالت المالكية) إن قدر المتيمم على استعمال الماء في أثناء الصلاة لا تبطل إلا إذا كان ناسياً له واتسع الوقت لإدراك ركعة منها بعد استعماله.

(حـ) من صلى عرياناً ثم قدر على الساتر الطاهر ولو ربعه فسدت صلاته واستأنفها عند الحنفيين. أما إذا كان كله نجساً فلا تبطل بل يخير بين إتمام الصلاة عارياً واستئنافها لابساً له.

(وقالت المالكية) إذا كان الساتر قريباً بأن كان بينه وبينه نحو صفين من صفوف الصلاة، لزمه أخذه والستر به، فإن لم يفعل أعاد الصلاة في الوقت.

وإن كان بعيداً كمل الصلاة عارياً ثم أعادها مستوراً في الوقت.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا أمكنه الاستتار بدون عمل كثير استتر به وأتم صلاته، وإلا بطلت صلاته واستأنفها مستوراً.

(د) من صلى عاجزاً عن القراءة ثم قدر عليها في أثناء الصلاة، فسدت واستأنفها بقراءة ما لم يكن مقتدياً بقارئ عند الحنفيين وأحمد.

(1) تقدم ص 69 و 73 ج 3.

ص: 16

(وقالت) المالكية والشافعية: الأمي إذا تعلم شيئاً من القراءة في أثناء الصلاة، بنى على ما تقدم بقراءة ما تعلم، ولا تبطل لدخوله فيها بوجه جائز.

(10)

وتبطل بفقد شرط من شروط الجماعة على ما تقدم بيانه (1).

(11)

وتبطل بالاقتداء في موضع الانفراد كما لو تابع المسبوق الأمام في سجود السهو بعد تأكد انفراده، بأن قام بعد قعود الإمام قدر التشهد وقيد ركعته بسجدة ثم تذكر الإمام سجود سهو فتابعه.

وهذا مذهب الحنفيين (وقالت) المالكية تبطل صلاة من لم يدرك ركعة بسجوده السهو مع الإمام، وكذا من أدرك ركعة فأكثر إذا سجد مع إمامه السجود البعدي، بخلاف السجود القبلي.

(وقالت) الشافعية: إذا عاد الإمام إلى سجود السهو بعد سلامه ناسياً موجب السجود، فعلى المسبوق العود للسجود معه ولو تلبس بالقيام، لتبين أن إمامه لم يخرج من الصلاة. فإن لم يعد بطلت صلاته ولا تنفعه نية المفارقة في القيام.

(وقالت) الحنبلية: لو قام مسبوق بعدم سلام إمامه ظاناً عدم سهوه فسجد الإمام رجع المسبوق وجوباً إن لم يستتم قائماً فسجد معه. وإن استتم قائماً كره رجوعه. وإن شرع في القراءة حرم رجوعه وبطلت صلاته، لأنه تلبس بركن مقصود فلا يرجع إلى واجب.

(12)

وتبطل الصلاة بقطعها بنية الانتقال إلى غيرها، كما لو نوى المنفرد الاقتداء بغيره، أو نوى المقتدى الانفراد، أو انتقل بالتكبير من فرض لفرض، أو من فرض إلى نفل وبالعكس. ويستثنى من ذلك عند الشافعية الانتقال من فرض إلى نفل لمنفرد رأى جماعة يريد الدخول معهم في الفرض.

(1) تقدم ص 53 - 84/ 3.

ص: 17

(13)

وتبطل باستخلاف من لا يصلح إماماً كأمي ومعذور على ما تقدم بيانه في شروط الجماعة (1).

(فائدة) لا تبطل الصلاة بأفعال القلب وتفكيره في غير أعمالها ما لم يصحبها فعل الجوارح، فمن رتب في فكره كلاماً أو عملا ولم يتكلم ولم يفعل، لا تفسد صلاته، لكنه خلاف الأولى، إن فكر في أمر أُخروى غير الصلاة، لما فيه من الإعراض عن الصلاة المقصودة بالمناجاة، ومكروه تحريماً إن فكر في أمر دنيوي لمنافاته الخشوع الذي هو للصلاة كالروح للجسد، ولما فيه من الإعراض بالقلب عن مناجاة الرب سبحانه وتعالى، وفيه من سوء الأدب مع الله تعالى ما لا يخفى، كيف ومن وقف بين يدي كبير من أكابر الدنيا يحذر كل الحذر من أن يحصل منه التفات إلى شئ آخر مع أنه عبد مثله، ولو التفت مناجيه حال مناجاته إلى غيره لاشتد سخطه عليه وعظم غضبه منه. وما أحسن ما قاله الشيخ شرف الدين إسماعيل بن المقري في تائيته:

تصلى بلا قلب صلاة بمثلها

يكون الفتى مستوجباً للعقوبة

تظل وقد أتممتها غير عالم

تزيد احتياطاً ركعة بعد ركعة

فويلك، تدرى من تناجيه معرضاً

وبين يدي من تنحني غير مخبت (2)

تخاطبه إياك نعبد مقبلا

على غيره فيها بغير ضرورة

ولو رد من ناجاك للغير طرفه

تميزت (3) من غيظ عليه وغيرة

أما تستحي من مالك الملك أن يرى

صدودك عنه يا قليل المروءة

ذكره الحلبي (4). ثم قال: قال الإمام الغزالى: لا تسجد ولا تركع إلا وقلبك خاشع متواضع على موافقة ظاهرك، فإن المراد خشوع القلب

(1) ص 57، 58 ج 3 ..

(2)

مخبت، من الإخبات وهو الخشوع والخضوع.

(3)

تميز، أى تقطع.

(4)

ص 444 غنية المتملى فى شرح منية المصلى.

ص: 18