المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الخامس) صلاة المسافر - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٤

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(الأول) مبطلات الصلاة

- ‌(الثاني) قضاء الفوائت

- ‌(الثالث) صلاة المريض

- ‌(الرابع) الأعذار المسقطة للصلاة

- ‌(الخامس) صلاة المسافر

- ‌(السادس) صلاة الخوف

- ‌(السابع) الجمعة

- ‌(1) فضل يوم الجمعة

- ‌(2) مزايا يوم الجمعة

- ‌(3) ما يطلب ليلة الجمعة ويومها

- ‌(4) صلاة الجمعة

- ‌(5) شروط الجمعة

- ‌(1) مكان الجمعة

- ‌(2) وقت الجمعة

- ‌(3) خطبة الجمعة

- ‌(6) منهاج الخطابة

- ‌(7) إمام الجمعة

- ‌(8) كيفية صلاة الجمعة

- ‌(9) ما تدرك به الجمعة

- ‌(10) ما يقال بعد صلاة الجمعة

- ‌(11) متى يصلى الظهر من لم تلزمه الجمعة

- ‌(12) ترك الجمعة

- ‌(13) اجتماع العيد والجمعة

- ‌(14) كفارة ترك الجمعة لغير عذر

- ‌(15) راتبة الجمعة

- ‌(16) بدع الجمعة

- ‌(الثامن) صلاة العيدين

- ‌(1) مشروعية صلاة العيد

- ‌(2) حكم صلاة العيدين

- ‌(3) من تطلب منه صلاة العيد

- ‌(4) خروج النساء إلى العيد

- ‌(5) ما يطلب للعيد

- ‌(6) وقت صلاة العيد

- ‌(7) مكان صلاة العيد

- ‌(8) ليس لصلاة العيد نداء

- ‌(9) التكبير فى صلاة العيد

- ‌(10) القراءة فى صلاة العيد

- ‌(11) كيفية صلاة العيد

- ‌(12) خطبة العيد

- ‌(13) الجماعة فى صلاة العيد

- ‌(14) تأخير صلاة العيد لعذر

- ‌(15) التهنئة بالعيد

- ‌(16) الرجوع بعد صلاة العيد

- ‌(17) هل للعيد راتبة

- ‌(18) تكبير التشريق

- ‌(19) اللعب والغناء يوم العيد

- ‌(20) بدع العيد

الفصل: ‌(الخامس) صلاة المسافر

(الخامس) صلاة المسافر

السفر لغة: قطع المسافة مطلقاً. وشرعاً: قطع مسافة تتغير بها الأحكام من قصر الصلاة، وإباحة الفطر فى رمضان، وامتداد مدة المسح على الخفين، وسقوط الجمعة والعيدين والأضحية، وحرمة الخروج على المرأة الحرة بلا محرم أو زوج. والكلام هنا ينحصر فى ثلاثة عشر فرعاً:

(1)

مسافة السفر:

المسافة التى تقصر فيها الصلاة عند الحنفيين ثلاثة أيام أو ليال من أقصر ايام السنة بالسير الوسط، وهو سير الإبل ومشى الأقدام فى السهل، ولا يشترط سفر كل يوم إلى الليل بل إلى الزوال لأنه أكثر النهار الشرعى الذى هو من الفجر إلى الغروب. والمدة من الفجر إلى الزوال فى أقصر ايام السنة فى القطر المصرى سبع ساعات إلا ثلثاً. فزمن السير فى الثلاثة الأيام عشرون ساعة.

وأصل تقدير المدة بما ذكر حديث خزيمة بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة " أخرجه أحمد وابو داود والبيهقى والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح (1). [40].

قالوا فى الحديث إشارة إلى أن السفر التام الذى تتغير به الأحكام - لكونه مظنة المشقة المقتضية للتخفيف- هو الثلاثة والأخذ بها هو الأحوط. وقد اتبر الشرع هذا العدد فى أحكام كثيرة.

(هذا) ويعتبر فى كل شئ السير المعتاد فيه مع الاستراحة المعتادة حتى لو ركب قطاراً أو طائرة فقطع مسيرة الثلاثة الأيام فى زمن يسير، قصر الصلاة.

(1) ص 66 ج 2 الفتح الربانى. ولفظه: يمسح المسافر. وص 125 ج 2 المنهل العذب (التوقيت فى المسح) وص 276 ج 1 سنن البيهقى. وص 97 ج 1 تحفة الأحوذى (المسح)(على الخفين للمسافر والمقيم).

ص: 46

(ولو) كان لموضع طريقان أحدهما يقطع فى مدة سفر والآخر فى أقل، فإن سلك الأول قصر، وإن سلك الثانى لا يقصر. ولا عبرة عندهم بالفراسخ على الصحيح (1)، لأن الطريق لو كان وعراً بحيث يقطع فى ثلاثة أيام اقل من خمسة عشر فرسخاً، قصر بالنص، وعلى التقدير بها لا يقصر فيعارض النص فلا يعتبر سوى سير الثلاثة.

(وقالت) الشافعية والمالكية والحنبلية والليث وإسحاق والجمهور: مسافة القصر مرحلتان وهى أربعة برد. والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، لما روى عطاء بن أبى رباح أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان الرباعية ركعتين ويفطران فى أربعة برد فما فوق ذلك. أخرجه البيهقى بسند صحيح وعلقه البخارى (2)(13).

(ولقول) عطاء بن أبى رباح: قلت لابن عباس: اقصر الصلاة إلى عرفة؟ فقال: لا ولكن إلى جدة وعسفان والطائف، وإن قدمت إلى أهل أو ماشية فأتم. أخرجه الشافعى والبيهقى بسند صحيح (3)(14).

(1) الفرسخ ثلاثة أميال. والميل أربعة آلاف ذراع فلكى. وهو ثلاثة أثمان وستة واربعون سنتيمتراً. فيكون الميل 1855 خمساً وخمسين وثمانمائة وألف متر. والفرسخ 5565 خمسة وستين وخمسمائة وخمسة آلاف من الأمتار. والخمسة عشر فرسخاً 83475 خمسة وسبعين وأربعمائة وثلاثة وثمانين ألفاً من الأمتار، أى نحو نصف كيلو وثلاثة وثمانين كيلو متراً.

(2)

ص 137 ج 3 سنن البيهقى (السفر الذى تقص 2 ر فى مثله الصلاة) وص 383 ج 2 فتح البارى (فى كم يقصر الصلاة) و (برد) بضمتين: جمع بريد. فتكون المسافة بالميل ثمانية وأربعين ميلا، وبالكيلو متر نحواً من تسعة وثمانين كيلو متراً.

(3)

ص 115 ج 1 بدائع المنن. وص 137 ج 3 سنن البيهقى (السفر الذى لا تقصر فى مثله الصلاة) و (جدة) بضم فشد: ثغر مكة على ساحل البحر الأحمر، و (عسفان) كعثمان: موضع بين مكة والمدينة على ثلاث مراحل من مكة.

ص: 47

(وقال) ابن عباس: تقصر الصلاة إلى عسفان والطائف وإلى جدة. وهذا كله من مكة على أربعة برد ونحو من ذلك. أخرجه الشافعى (1)(15) مسيرة يومين معتدلين أو يوم وليلة يسير الإبل المثقلة بالأحمال على المعتاد من سير وحط وترحال وأكل وشرب وصلاة معتبرة.

(وأما حديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فى أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان. أخرجه الطبرانى فى الكبير والدار قطنى والبيهقى (فلا يحتج به) لأن فى سنده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبير وهو متروك، وقد نسبه النووى إلى الكذب، وقال البيهقى: هذا حديث ضعيف فى سنده إسماعيل بن عياش لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة، والصحيح أنه منقول ابن عباس (2). [41].

(وقالت) الظاهرية: اقل مسافة القصر ثلاثة أميال (لقول) يحيي ابن يزيد الهنائى: سألت انس بن مالك عن قصر الصلاة، فقال أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال او فراسخ يصلى ركعتين. اخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (3). [42]

(1) ص 115 ج 3 بدائع المنن.

(2)

(ما تقصر فيه الصلاة) وص 148 سنن الدارقطنى. وص 137 ج 3 سنن البيهقى (السفر الذى لا تقصر فى مثله الصلاة).

(3)

ص 103 ج 5 الفتح الربانى. وص 200 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين وقصرها) وص 52 ج 7 - المنهل العذب (متى يقصر المسافر؟ ) و (الهنائى) بضم الهاء وتخفيف النون نسبة إلى هناءة بن عمرو بن مالك بطن من الأسد.

ص: 48

قال الحافظ: وهو أصح حديث ورد فى بيان ذلك (1) وأصرحه. وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التى يبتدأ منها القصر لا غاية السفر، ولا يخفى بعد هذا الحمل، مع أن البيهقى ذكر فى روايته أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: سألت أنساً عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة - يعنى من البصرة - فأصلى ركعتين ركعتين حتى أرجع. فقال أنس .. فذكر الحديث.

فظهر أنه سأله عن جواز القصر فى السفر لا عن الموضع الذى يبتدأ القصر منه. ورده القرطبى بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به، فإن كان المراد به أنه لا يحتج به فى التحديد بثلاثة أميال فمسلم، لكن لا يمتنع ان يحتج به فى التحديد بثلاثة فراسخ. فإن الثلاثة أميال مدرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطاً (2).

(لكن) قال أبو سعيد الخدرى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخاً يقصر الصلاة. أخرجه سعيد بن منصور. وذكره الحافظ فى التلخيص ولم يتكلم عليه (3). [43].

فإن صح كان الفرسخ هو المتيقن ولا يقصر فيما دونه إلا إذا كان يسمى سفراً لغة أو شرعاً.

(وقال) ابن حزم: اقل مسافة القصر ميل لإطلاق السفر فى قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} (4)، قال: فلم يخص الله ولا رسوله ولا المسلمون سفراً من سفر. واحتج على ترك القصر فيما دون الميل بأنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع لدفن الموتى وخرج إلى الفضاء لقضاء الحاجة ولم يقصر.

(1) ولا وجه لمن قال إن يحيى بن يزيد لا يوثق به فى الضبط، فقد قال البخارى وغيره: إنه سمع منأنس بن مالك ولم يطعنوا فيه.

(2)

ص 384 ج 2 فتح البارى (فى كم تقصر الصلاة؟ ).

(3)

انظر هامش 2 ص 454 ج 4 شرح المهذب ..

(4)

سورة النساء: 101، والضرب فى الأرض السفر.

ص: 49

(ورده) الجمهور بأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم القصر صريحاً فى اقل من مرحلتين أو فرسخ، فهو مقيد لإطلاق الآية والأحاديث.

(وعلى الجملة) فلم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم دليل صحيح صريح يفيد تحديد مسافة القصر. قال أبو محمد عبد الله بن قدامة: قال المصنف (يعنى الإمام أبا القاسم الخرقى): ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة، لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف. وقد روى عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا. ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن فى قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذى ذكروه لوجهين:

(أحدهما) أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التى رويناها، ولظاهر القرآن، لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب فى الأرض، لقوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} .

وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أُمية (1) فبقى ظاهر الآية متناولا كل ضرب فى الأرض.

(وقول) النبى صلى الله عليه وسلم: يمسح المسافر ثلاثة ايام (2)(جاء) لبيان مدة المسح فلا يصح الاحتجاج به ههنا، وعلى أنه يمكنه قطع المسافة القصيرة فى ثلاثة ايام، وقد سماه النبى صلى الله عليه وسلم سفراً فقال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذى محرم (3).

(1) سورة يأتى رقم 48 ص 52 (قصر الصلاة فى السفر).

(2)

هذا لفظ أحمد. وهو بعض حديث خزيمة بن ثابت المتقدم رقم 40 ص 46.

(3)

يأتى رقم 45 ص 51.

ص: 50

(والثانى) أنالتقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأى مجرد سيما وليس له أصل يرد إليه ولا نظير يقاس عليه. والحجة مع منأباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه (1).

(ويؤيده) أن الأحاديث وردت مصرحة بالسفر مطلقاً، وبالسفر يوماً وليلة ويومين وثلاثة ايام فصاعداً، وأن كل ذلك يسمى سفراً ،

(روى) ابن عباس أن النبى صلى الله عليهوسلم قال: لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم (الحديث) أخرجه الشافعى وأحمد والشيخان (2). [44]

(وعن أبى هريرة) أنالنبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذى محرم. أخرجه الشافعى وأحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه (3). [45].

(وعن أبى سعيد) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها. أخرجه البخارى (4). [46].

(وعن ابن عمر) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث إلا ومعها ذو محرم. اخرجه أحمد ومسلم. وهذا لفظه (5). [47].

(1) ص 94 ج 2 مغنى (نفى تحديد مسافة القصر).

(2)

يأتى رقم 48 ص 31 ج 9 (إرشاد الناسك).

(3)

ص 291 ج 1 بدائع المنن. وص 86 ج 5 - الفتح الربانى. وص 107 ج 9 نووى مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره) وص 261 ج 10 - المنهل العذب (المرأة تحج بغير محرم) وص 110 ج 2 سنن ابن ماجه (المرأة تحج بغير ولى).

(4)

ص 55 ج 4 فتح البارى (حج النساء).

(5)

ص 86 ج 5 الفتح الربانى وص 102 ج 9 نووى مسلم (سفر المرأة مع محرم) ..

ص: 51

وسيأتى الجمع بين هذه الروايات ومزيد كلام عليها فى بحث (سفر المرأة) إن شاء الله تعالى.

(2)

قصر الصلاة فى السفر:

هو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (1)، والتقييد بالخوف ليس للاحتراز. قال يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب: ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، وقد أمن الناس. فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته. أخرجه الشافعى والسبعة إلا البخارى (2). [48].

(وقد) تواترت الأخبار على القصر فى السفر (قال) يحيى بن أبى إسحاق: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: سافرنا مع النبى صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى بنا ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والبيهقى (3). [49].

(1) سورة النساء: 101.

(2)

ص 131 ج 1 بدائع المنن. وص 94 ج 5 الفتح الربانى: وص 211 ج 1 مجتبى (تقصير الصلاة فى السفر). وص 196 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين). وص 111 ج 1 تيسير الوصول (سورة النساء). وص 170 ج 1 سنن ابن ماجه (تقصير الصلاة فى السفر).

(3)

ص 104 ج 5 الفتح الربانى. وص 380 ج 2 فتح البارى (ما جاء فى التقصير). وص 201، 202 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين) وص 212 ج 1 مجتبى (المقام الذى يقصر بمثله الصلاة) وص 136 ج 3 سنن البيهقى (السفر الذى تقصر فى مثله الصلاة) وعند غير أحمد: خرجنا مع النبى.

ص: 52

(وعن ابن عباس) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة لا يخاف إلا الله عز وجل فصلى ركعتين حتى رجع. أخرجه الشافعة وأحمد والنسائى والبيهقى (1). [50].

(وقال) ابن عمر: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان ست سنين بمنى، فصلوا صلاة المسافر. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (2). [51].

(وعلى هذا) أجمع العلماء. واختلفوا فى حكم القصر (قال) الحنفيون وعمر وعلى وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وجابر: فرض المسافر فى الرباعية ركعتان. فالقصر واجب، لأن الصلاة فرضت أولا ركعتين فزيدت فى الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر. أخرجه الأئمة والشيخان والنسائي وأبو داود (3). [52].

(والزيادة) فى غير الصبح والمغرب (لقول) عائشة: قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع

(1) ص 114 ج 1 بدائع المنن. وص 101 ج 5 الفتح الربانى. وص 211 ج 1 مجتبى (تقصير الصلاة) وص 135 ج 3 سننالبيهقى (رخصة القصر فى كل سفر لا يكون معصية .. ).

(2)

ص 102 ج 5 الفتح الربانى. وص 203 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين). ولفظه: صلى النبى .. ثمانى سنين أو ست سنين. وص 212 ج 1 مجتبى (الصلاة بمنى) ولم يذكر المدة.

(3)

ص 265 ج 3 زرقانى الموطأ (قصر الصلاة فى السفر) وص 112 ج 1 بدائع المنن. وص 92 ج 5 الفتح الربانى. وص 386 ج 2 فتح البارى (يقصر إذا خرج من موضعه) ولفظهما: أول ما فرضت الصلاة. وص 194 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين). وص 47 ج 7 المنهل العذب.

ص: 53

كل ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها وتر النهار، وصلاة الفجر لطول قراءتها وكان إذا سافر صلى الصلاة الأولى. أخرجه أحمد والبيهقى بسند رجاله ثقات (1). [53].

(وقال) عمر بن الخطاب: صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم. اخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه وابن حبان بسند رجاله ثقات (2). [54]

(وعليه) فالقصر عزيمة لا رخصة، فإن صلى الفرض الرباعى أربعاً وقعد فى الثانية قدر التشهد صحت صلاته مع الكراهة التحريمية عند الحنفيين لتأخيره السلام، وما زاد على الركعتين نفل، وإن لم يقعد فى الثانية لا يصح فرضه، لأنه خلط النفل بالفرض قبل إكماله وينقلب الكل نفلا.

(وقالت) المالكية: القصر سنة مؤكدة آكد من الجماعة، فإذا لم يجد المسافر مسافراً يقتدى به، صلى منفرداً حرصاً على القصر، ويكره اقتداؤه بالمقيم كما تقدم بيانه فى بحث " اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه "(3).

(وقالت) الحنبلية: القصر جائز وهو أفضل من الإتمام. وكذا قالت الشافعية: إن بلغ السفر أقل من مسافة قصر ولم يختلف فى جواز قصره، ف، كان السفر اقل من مسافة القصر أو كان المسافر ملاحاً وهو من له دخل فى

(1) ص 92 ج 5 الفتح الربانى. وص 145 ج 3 سنن البيهقى (إتمام المغرب فى السفر). و (زاد) أى بوحى ففى رواية لأحمد والشيخين: ثم أتم الله الظهر والعصر والعشاء. و (صلى الصلاة الأولى) أى صلاها مقصورة كما فرضت أولا.

(2)

ص 93 ج 5 الفتحالربانى، وص 211 ج 1 مجتبى (تقصير الصلاة). وص 170 ج 1 سنن ابن ماجه.

(3)

تقدم ص 75 ج 3 ..

ص: 54

تسيير السفينة فإن الإتمام له أفضل، لأن الإمام أحمد يقول: لا يباح القصر لملاح ليس له بيت سوى سفينته فيها أهله وحاجته.

(ويجب) القصر إذا لم يبق من الوقت فى السفر إلا ما يسعها مقصورة.

(فالقصر) فى غير هذه رخصة عند الشافعى وأحمد لا عزيمة، وهو مشهور مذهب مالك. وبه قال عثمان وسعد بن أبى وقاص وأكثر العلماء، مستدلين:

(أ) بقول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (1)، لأن نفى الجناح لا يستعمل إلا فى المباح.

(ب) وبحديث عائشة: أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت: يا رسول الله بأبى أنت وأمى أفطرت وصمت، وقصرت وأتممت، فقال: أحسنت يا عائشة وما عاب علىّ. أخرجه النسائى والدار قطنى والبيهقى وقالا إسناده حسن (2). [55].

(حـ) وبقول ابن عمر: صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وابو بكر بعده وعمر بعد أبى بكر وعثمان صدراً من خلافته. ثم إن عثمان صلى بعد أربعاً. فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً، وإذا صلى وحده صلى ركعتين. أخرجه مسلم والطحاوى (3). [56].

(فلو كان) القصر عزيمة ما تركه عثمان ولما وافقه الصحابة على تركه.

(وأجاب) الأولون:

(أ) عن الآية (أولا) بأنها وردت فى قصر الصفة فى صلاة الخوف

(1) سورة النساء: 101 ..

(2)

ص 213 ج 1 مجتبى (المقام الذى يقصر بمثله الصلاة) وص 242 سنن الدارقطنى. وص 142 ج 3 سنن البيهقى (من ترك القصر فى السفر غير رغبة عن السنة) ..

(3)

ص 203 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين) وص 242 ج 1 شرح معانى الآثار.

ص: 55

لا فى قصر العدد (قال) ابن القيم: عمر هو الذى سأل النبى صلى الله عليه وسلم: ما بالنا نقصر وقد أمنا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته (1)، ولا تناقض بين حديثيه، فإن النبى صلى الله عليه وسلم (لما أجابه) بأن هذه صدقة الله عليكم ودينه اليسر السمح (علم) عمر أنه ليس المراد منالآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس، فقال (أى عمر): صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر. وعلى هذا فلا دلالة فى الآية على أن قصر العدد مباح منفى عنه الجناح، فإن شاء المصلى فعله وإن شاء اتم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب فى أسفاره على ركعتين ركعتين، لم يربع قط إلا شيئاً فعله فى بعض صلاة الخوف (2).

(ثانياً) أن قول من يرى أن القصر رخصة: إن نفى الجناح لا يستعمل إلا فى المباح (أجاب) عنه الطحاوى بأنه قد يكون كذلك وقد يكون على غير ذلك، قال الله تعالى:{فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (3). وهذا واجب عند جميع العلماء لأنه ليس لأحد حج أو اعتمر ألا يطوف بهما، فلما كان نفى الجناح قد يكون على التخيير وقد يكون على الإيجاب، لم يكن لأحد أن يحمله على أحد المعنيين دون الآخر إلا بدليل يدل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع (4).

(ب) وعن حديث عائشة (5) بأنه ضعيف عند أكثر الحفاظ (قال) الحافظ فى التلخيص: واختلف قول الدار قطنى فيه. فقال فى السنن: إسناده

(1) تقدم رقم 48 ص 52.

(2)

ص 129 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم فى سفره) ز" ولا تناقض بين حديثيه" أى حديث عمر هذا، وهو قوله: ما بالنا نقصر وقد أمنا

إلخ. وقوله السابق: صلاة السفر ركعتان

إلخ.

(3)

سورة البقرة: أية 158 وصدرها: " إن الصفا

".

(4)

ص 242 ج 1 شرح معانى الآثار (صلاة المسافر).

(5)

تقدم رقم 55 ص 55.

ص: 56

حسن. وقال فى العلل: المرسل أشبه (1)، فلو كان صحيحاً لكان حجة لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: أحسنت. ولكنه مطعون فيه فلا يصلح للاحتجاج به لا سيما وقد عارضه ما فى الصحيحين وغيرهما من الأحاديث الدالة على أن القصر عزيمة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا الحديث كذب على عائشة ولم تكن تصلى بخلاف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة، وهى تشاهدهم يقصرون ثم تتم وحدها بلا موجب، كيف وهى القائلة: فرضت الصلاة ركعتين فى الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر (2)، فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله وتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

قال الزهرى لعروة لما حدثه عن أبيه عنها بذلك: فما شأنها كانت تتم الصلاة؟ فقال: تأولت كما تأول عثمان، فإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد حسن فعلها وأقرها عليه، فما للتأويل حينئذ وجه، ولا يصح ان يضاف إتمامها إلى التأويل مع هذا التقدير. قاله ابن القيم (3).

(جـ) وعن إتمام عثمان بمنى بأن كثيراً من الصحابة أنكروا عليه ذلك وتأولوا له تأويلات، أحسنها أنه كان قد تأهل بمنى. والمسافر إذا أقام بموضع وتزوج به أو كان له به زوجة أتم (روى) عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبى ذباب عن أبيه ان عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات فأنكره الناس عليه، فقال: يا أيها الناس إنى تأهلت بمكة منذ قدمت، وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تأهل فى بلد فليصل صلاة المقيم. أخرجه أحمد وابن أبى شيبة (4). [57].

(1) انظر هامش 1 ص 430 ج 4 شرح المهذب (القصر).

(2)

تقدم رقم 52 ص 53.

(3)

ص 130 ج 1 زاد المعاد (صلاته صلى الله عليه وسلم فى السفر) ..

(4)

ص 115 ج 5 الفتح الربانى. وص 156 ج 2 مجمع الزوائد (من سافر فتأهل فى بلد).

ص: 57

(قال) الشوكانى: وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القول بوجوب القصر، وأما دعوى أن التمام افضل فمدفوعه بملازمته صلى الله عليه وسلم القصر فى جميع أسفاره وعدم صدور التمام عنه كما تقدم، ويبعد أن يلازم صلى الله عليه وسلم طول عمره المفضول ويدع الأفضل (1).

(3)

أقسام السفر:

السفر ثلاثة أقسام: سفر طاعة كالحج والجهاد، وسفر مباح كالتجارة، وسفر معصية كقطع الطريق. وفى الكل تصلى الرباعية ركعتين. والعاصى بالسفر او فيه والمطيع سواء فى الأحكام من قصر وغيره عند من قال إن القصر عزيمة، لإطلاق الأدلة السابقة.

(وقالت) المالكية والشافعية والحنبلية وأكثر العلماء: لا يجوز القصر فى سفر معصية، لأن القصر رخصة والعاصى ليس من أهلها (قال) ابو محمد عبد الله بن قدامة: والنصوص وردت فى حق الصحابة رضى الله عنهم وكانت أسفارهم مباحة فلا يثبت الحكم فيمن سفره مخالف لسفرهم، ويتعين حمله على ذلك، جمعاً بين النصين. وقياس المعصية على الطاعة بعيد لتضادهما (2).

(وقال) ابن رشد: اختلف العلماء فى نوع السفر الذى تقصر فيه الصلاة، فرأى بعضهم أن ذلك مقصور على السفر المتقرب به كالحج والعمرة والجهاد.

وممن قال بهذا أحمد (ومنهم) من أجازه فى كل سفر، قربة كان أو مباحاً أو معصية. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثورى.

والسبب فى اختلافهم معارضة المعنى المعقول أو ظاهر اللفظ لدليل الفعل، وذلك أن من اعتبر المشقة أو ظاهر لفظ السفر لم يفرق بين سفر

(1) ص 248 ج 3 نيل الأوطار (اختيار القصر وجواز الإتمام).

(2)

ص 101 ج 2 مغنى (منع القصر فى سفر المعصية).

ص: 58

وسفر. وأما من اعتبر الفعل فقال: إنه لا يجوز إلا فى السفر المتقرب به، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقصر قط إلا فى سفر متقرب به. وأما من فرق بين المباح والمعصية فعلى جهة التغليظ. والأصل فيه: هل تجوز الرخص للعصاة أولا؟ وهذه مسألة عارض فيها اللفظ المعنى فاختلف الناس فيها لذلك (1).

ولذا قال الحنفيون: يجب القصر فى كل سفر ولو محرماً.

(وقالت) المالكية: يسن القصر فى السفر المباح، ويكره فى المكروه، ويحرم فى المحرم.

(وقالت) الشافعية: يحرم القصر فى السفر الحرام، ويجوز فى السفر المكروه.

(وقالت) الحنبلية: يحرم القصر فى السفر المحرم، ويكره فى المكروه، ولا تنعقد الصلاة فيهما.

(قال) الشيخ منصور بن إدريس: ولا يترخص فى سفر معصية بقصر ولا فطر ولا أكل ميتة، لأنها رخص، والرخص لا تناط بالمعاصى، فإن خاف المسافر سفر معصية على نفسه، لإن لم يأكل الميتة، قيل له تب وكل لتمكنه من التوبة كل وقت. ولا يترخص فى سفر مكروه كالسفر لفعل مكروه للنهى عنه. ويترخص إن قصد مشهداً أو قصد مسجداً ولو غير المساجد الثلاثة، أو قصد قبر نبى أو غيره كولى. وحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (2)، أى لا يطلب ذلك، فليس نهياً (3) عن شدها لغيرها خلافاً لبعضهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يأتى قباء راكباً وماشياً، ويزور

(1) ص 132 ج 1 بداية المجتهد (القصر).

(2)

(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) صدر حديث تقدم رقم 348 ص 240 ج 3 (افضل المساجد).

(3)

(لا يطلب ذلك) أى الشد لغير المساجد الثلاثة (فليس نهياً .. إلخ) فيه أنه وإن لم يكن نهياً لفظاً فهو نفى أريد به النهى (قال) القاضى عياض والقاضى حسين: النهى للتحريم فيحرم شد الرحال لغيرها، ولا ينافيه إتيانه صلى الله عليه وسلم مسجد قباء راكباً، إما لأن النهى خاص بغير النبى صلى الله عليه وسلم، وإما لأنه إذا ورد نهى عام، وفعل صلى الله عليه وسلم فرداً منأفراد ذلك المنهى عنه، دل على أنه خارج عن ذلك المنهى فهو كالمخصص له. وأما زيارة القبور الزيارة الشرعية فالسنة الصحيحة آمرة بها، فهى إذن خارجة من حديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.

ص: 59

القبور، وقال: زرزرها فإنها تذكركم الآخرة. ويقصر من ابتدأ سفراً جائزاً ولو عصى فى سفره، كأن شرب فيه مسكراً أو زنى أو قذف أو اغتاب، لنه لم يقصد السفر لذلك (1).

(4)

شروط القصر:

لا يصح للمسافر قصر الرباعية إلا بشروط سبعة ذكرها الفقهاء:

(1)

أن يكون السفر مسافة قصر على ما تقدم بيانه، ولا يضر نقصانها نحو ميل أو ميلين عند غير المالكية (وقالت): لا يضر نقصانها نحو ثمانية أميال. واستثنوا من اشتراط المسافة اهل مكة ومنى ومزدلفة إذا خرجوا فى موسم الحج للوقوف بعرفة، فإنه يسن لهم القصر ذهاباً وإياباً إذا بقى عليهم عمل من أعمال الحج التى تؤدى فى غير وطنهم، وإلا أتموا. وقد تقدم أنه لا دليل صريح صحيح فى تحديد المسافة.

(2 و 3) ويشترط كون المسافر مستقلا قاصداً قطع مسافة القصر، فلا يقصر التابع كالمرأة مع زوجها إذا أوفاها معجل صداقها، والجندى مع أميره إذا كان يرتزق منه أو من بيت المال إلا إذا نوى المتبوع السفر وعلم التابع فيكون تبعاً له فى القصر، ومن خرج هائماً لا يدرى اين يتوجه لا يقصر، لأنه لو طاف الدنيا بلا قصد قطع المسافة لا يقصر، أما فى الرجوع فإن كان بينه وبين وطنه مسافة قصر قصر وإلا فلا.

(4)

ويشترط كون المسافر بالغاً، فلا يقصر الصبى عند الحنفيين.

وقال غيرهم: لا يشترط البلوغ، فلو نوى الصبى مسافة القصر قصر. وهذا هو الظاهر.

(5)

ويشترط فيه القصر فى كل رباعية عند الشافعية والحنبلية.

(1) ص 130 ج 1 زاد المعاد (صلاته صلى الله عليه وسلم فى السفر) ..

ص: 60

(وقالت) المالكية: تكفى نية القصر فى أول صلاة يقصرها ولا يلزم تجديدها فيما بعد.

(وقال) الحنفيون: متى نوى السفر كان فرضه فى الرباعية ركعتين فلا يلزمه نية القصر، لأنه لا يلزم فى النية تعيين عدد الركعات كما تقدم فى بحث " النية" من أركان الصلاة.

(6)

ويشترط للقصر عدم الاقتداء بمقيم أو مسافر يتم الصلاة، فإن اقتدى المسافر بمن ذكر لزمه الإتمام على ما تقدم بيانه فى بحث" اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه".

(7)

ويشترط- عند الأربعة وإسحاق - مجاوزته محل إقامته من الجانب الذى خرج منه، فلا يقصر قبل أن يفارق بيوت القرية أو المصر من الجانب الذى خرج منه حتى لو كان ثمة محلة منفصلة عن المصر وقد كانت متصلة به، لا يقصر ما لم يجاوزها. ولو جاوز للعمران من جهة خروجه وكان بحذائه أبنية من الجانب الآخر يقصر، غذ المعتبر جانب خروجه. ويدخل فى محل الإقامة ربضه (وهو ما حوله من المساكن) وكذا يشترط مجاوزة القرية المتصلة بربض المصر، بخلاف المتصلة بفنائه، فإنه لا يشترط مجاوزتها على الصحيح. أما فناء المصر أو القرية فإن كان بينه وبينها أقل من غلوة (1).

(ودليل) هذا قول أنس: صليت الظهر مع النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً والعصر بذى الحليفة ركعتين. أخرجه الشافعى وأحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى (2). [58]

(1) الغلوة: كشهوة: ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة، أى تسعة وثلاثون ومائة متر إلى ستة وثمانين ومائة متر.

(2)

ص 116 ج 1 بدائع المنن. وص 102 ج 5 الفتح الربانى. وصدره: صلى بنا رسول الله. وص 386 ج 2 فتح البارى (يقصر إذا خرج من موضعه) وص 199 و 200 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين). وص 156 ج 7 المنهل العذب (متى يقصر المسافر؟ ) وص 145 ج 3 سنن البيهقى.

ص: 61

وقول على بن ربيعة: خرجنا مع على بن أبى طالب فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت، ثم رجعنا فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت. أخرجه الحاكم والبيهقى، وذكره البخارى معلقاً، قال: وخرج على رضى الله عنه فقصر وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة؟ قال: حتى ندخلها (1). (16).

(قال الحافظ): ومناسبة أثر على لحديث أنس أن اثر على دال على أن القصر يشرع بفراق الحضر، وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقصر حتى نزل ذا الخليفة، إنما هو لكونه أول منزل نزله ولم يحضر قبله وقت صلاة. واستدل به على أن من اراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد (2).

وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال لظاهر ما تقدم من قول أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ يصلى ركعتين (3). قالوا: المراد به بيان المسافة التى يبتدئ منها القصر ولا يخفى بعده كما تقدم فى بحث (مسافة القصر).

(قال) ابن المنذر: ولا أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قصر فى سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة (4).

(5)

مدة القصر:

هى مدة السفر فيستمر المسافر يقصر حتى يرجع إلى وطنه أو ينوى الإقامة خمسة عشر يوماً فأكثر بموضوع واحد يصلح لإقامته عند الحنفيين والثورى والمزنى والليث بن سعد (لقول) ابن عباس وابن عمر: إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفى نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة بها،

(1) ص 385 ج 2 فتح البارى وراية الحاكم بالشرح والتعليق بالمصنف ص 145 ج 3 سنن البيهقى.

(2)

ص 385 ج 2 فتح البارى. الشرح.

(3)

تقدم رقم 42 ص 48.

(4)

ص 385 ج 2 فتح البارى.

ص: 62

وإن كنت لا تدرى متى تظعن فاقصرها. أخرجه الطحاوى (1). (17).

وأخرج نحوه- عن ابن عمر- محمد بن الحسن فى الآثار (2).

(وروى) أبو حنيفة عن حماد أن إبراهيم قال: إذا خرجت من البيوت فصل ركعتين، وإذا قدمت البلد الذى تريد فصل ركعتين حتى ترجع إلى أهلك. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (3). (18).

والموقوف فى هذا كالمرفوع، إذ لا مدخل للرأي فى التقديرات الشرعية (فإن نوى) إقامة أقل من خمسة عشر يوماً أو نوى إقامتها بموضعين كبنها وطنطا لا يصير مقيماً إلا أن يبيت بأحدهما، لأن إقامة المرء تضاف إلى مبيته.

(وقال) الشافعى وأبو ثور: إن المسافر إذا نوى إقامة اقل من أربعة أيام قصر، وإن نوى الإقامة أربعة ايام سوى يومى الدخول والخروج أتم. وهى رواية عن أحمد (روى) مالك عن عطاء الخرسانى أنه سمع سعيد بن المسيب قال: من أجمع إقامة أربع ليالى وهو مسافر أتم الصلاة. قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلىّ (4). (19).

(وبه قالت) المالكية، غير أنهم اعتبروا نية إقامة أربعة ايام صحاح (ومشهور) مذهب احمد انه إذا عزم المسافر على إقامة ثنتين وعشرين صلاة فأكثر يتم، وإن نوى اقل من ذلك قصر (لحديث) جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة الرابع من ذى الحجة فأقام الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح فى اليوم الثامن ثم خرج إلى منى. ذكره فى منتقى الأخبار وقال: ومعنى ذلك فى الصحيحين (5). [59].

(1) ص 398 ج 1 فتح القدير لابن الهمام (صلاة المسافر 9 وإنى لم أجد هذا الأثر فى شرح معانى الآثار

(2)

ص 398 ج 1 فتح القدير.

(3)

انظر رقم 371 ص 75 ..

(4)

ص 268 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة المسافر إذا أجمع - عزم ونوى مكثاً) ..

(5)

ص 255 ج 3 نيل الأوطار (من دخل بلداً فنوى الإقامة فيه أربعاً يقصر).

ص: 63

(قال) الحافظ: وتكون مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة أربعة أيام سواء، لأنه خرج منها فى اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى. ومن ثم قال الشافعي: إن المسافر إذا أقام ببلد قصر أربعة أيام. وقال أحمد: يقصر إحدى وعشرين صلاة (1) أى لأنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة من صبح رابع ذى الحجة إلى صبح الثامن.

(وأجاب) الأولون:

(أ) بأن سعيد بن المسيب تابعي فلا يعارض قوله قول الصحابي كابن عمر وابن عباس.

(ب) وبأن قصره صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين صلاة بمكة حجة على من قدر المدة بأقل من ذلك، لا على من قدر بأكثر، لأنه مسكوت عنه. فالراجح ما قاله الحنفيون ومن وافقهم.

وأما من لم ينو الإقامة بل عزم على الرجوع إلى بلده متى قضى حاجته، فإنه يقصر مدة انتظاره قضاء حاجته، ولو بقى على ذلك سنين عند الحنفيين ومالك وأحمد. وروى عن الشافعي، لأن الأصل فى حقه السفر.

(روى) يحيى بن أبى إسحاق عن أنس قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلى ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بها شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً. أخرجه الستة وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (2). [60].

(1) ص 38 ج 20 فتح البارى الشرح (كم يقيم حتى يقصر).

(2)

ص 380 منه (البخارى) وص 202 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين) الصلاة فى السفر وص 384 ج 1 تحفة الأحوذى (فى كم تقصر الصلاة؟ ) وص 172 ج 1 سنن ابن ماجه (كم يقصر الصلاة المسافر؟ ).

ص: 64

(وقال) عمران بن حصين: ما سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً قط إلا صلى ركعتين حتى يرجع، وشهدت معه حنيناً والطائف فكان يصلى ركعتين. ثم حججت معه واعتمرت، فصلى ركعتين. ثم قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع ابى بكر واعتمرت فصلى ركعتين ركعتين، ثم قال: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عمر واعتمرت فصلى ركعتين ركعتين، ثم قال: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عثمان واعتمرت فصلى ركعتين، ثم إن عثمان أتم بمنى. أخرجه أبو داود الطيالسى والبيهقى (1). [61].

(وقال) جابر: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة. أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والبيهقى وقال: تفرد معمر بروايته سنداً (2). [62].

(ومشهور) مذهب الشافعية أن من أقام ببلد ينتظر قضاء حاجة يقصر الصلاة إلى ثمانية عشر يوماً (لما تقدم) عن عمران بن حصين قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلى إلا ركعتين ويقول: يا أهل البلد صلوا أربعاً فإنا قوم سفر. أخرجه الشافعي مطولا وأبو داود (3). [63].

(وعن) ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة. قال ابن عباس: ومن أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام

(1) ص 115 مسند الطيالسى. وص 135 ج 3 سنن البيهقى (رخصة القصر فى كل سفر لا يكون معصية). و (سفر) بفتح فسكون، أى مسافرون.

(2)

ص 111 ج 5 الفتح الربانى. وص 96 ج 7 المنهل العذب (إذا اقام بأرض العدو يقصر) وص 152 ج 3 سنن البيهقى (من قال يقصر ابداً ما لم يجمع مكثاً) وتبوك بفتح فضم: موضع بين المدينة والشام، وبه كان آخر غزوة غزاها النبى صلى الله عليه وسلم، جاءها وهم ينزحون ماءها بقدح فقال: ما زلتم تبكونها (بشد الكاف، أى تزحمون عليها) وقد صالح النبى صلى الله عليه وسلم أهلها على الجزية.

(3)

ص 113 ج 1 بدائع المنن. وتقدم رقم 105 ص 74 ج 3 (علم المأموم بحال إمامه).

ص: 65

أكثر أتم. أخرجه أبو داود، وابن حبان بسند على شرط البخاري (1). [64].

(وأجاب) الأولون:

(أ) بأنه ليس فى حديث عمران بن حصين ما يدل على نفى القصر فى الزيادة، كيف وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر.

(ب) وبأن اختيار ابن عباس قد عارضه اختيار غيره من الصحابة ومن بعدهم. وقد ذكر الترمذى خلاف العلماء فى هذا وقال: ثم أجمع أهل العلم على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون (2).

(وقال) أنس: إن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة اشهر يقصرون الصلاة. أخرجه البيهقى بسند صحيح فيه عكرمة بن عمار احتج به مسلم (3)(20).

(6)

ما يوجب إتمام الصلاة:

يجب على المسافر إتمام الصلاة بواحد من أربعة:

(الأول) أن ينوى الإقامة بموضع صالح إقامته مدة معينة على ما تقدم تفصيله فى البحث السابق.

(الثانى) اقتداء المسافر بمتم كمقيم أو مسافر نوى الإقامة كما تقدم تفصيله فى بحث (علم المأموم بحال إمامه)(4).

(1) ص 89 ج 7 المنهل العذب (متى يتم المسافر؟ ).

(2)

ص 385 ج 1 تحفة الأحوذى (فى كم تقصر الصلاة؟ ).

(3)

ص 152 ج 3 سنن البيهقى (من قال يقصر أبداً ما لم يجمع مكثاً) و (رامهرمز) اسم مدينة بخوزستان. ورام بالفارسية: المراد والمقصود. وهرمز بضم فسكون فضم: احد الأكاسرة. فهى مركبة معناها فى الأصل مقصود وهرمز ومراده.

(4)

تقدم ص 74 ج 3 الدين الخالص.

ص: 66

(الثالث) الرجوع إلى المكان الذى ابتدأ منه السفر أو نية الرجوع إليه قبل أن يقطع مسافة القصر، أما إن نوى الرجوع بعد قطع مسافة القصر فإنه لا يتم إلا إذا عاد بالفعل.

هذا. والوطن قسمان على التحقيق:

الأول: وطن أصلى: وهو المكان الذى ولد فيه أو تزوج أو قصد التعيش فيه دون الارتحال منه.

الثانى: وطن إقامة: وهو ما خرج إليه ونوى الإقامة فيه خمسة عشر يوماً فأكثر ثم يسافر ولم يكن مولداً له ولا به أهل (ويبطل) الوطن الأصلى بمثله. فمن ولد بطنطا ثم تركها إلى القاهرة وتزوج بها أو قصد التعيش فيها صارت وطناً أصلياً له، فإذا سافر من القاهرة إلى طنطا لزمه القصر ما لم ينو الإقامة بها مدة تقطع السفر، لما تقدم أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين قصروا بمكة وقد كانت وطنهم الأصلى، لكونهم استوطنوا المدينة (ولا يبطل) الوطن الأصلى بوطن الإقامة ولا بالسفر، فلو سافر من وطنه الأصلى إلى جهة وأقام بها خمسة عشر يوماً فأكثر ثم عاد إلى وطنه لزمه الإتمام وإن لم ينو الإقامة (ويبطل) وطن الإقامة بمثله وبالسفر وبالوطن الأصلى. وهذا متفق عليه.

(قال) الشيخ منصور بن إدريس: ولو مر المسافر بوطنه أتم ولو لم يكن به حاجة سوى المرور عليه، لأنه فى حكم المقيم به، أو مر ببلد له فيه امرأة أتم ولو لم يكن وطنه حتى يفارقه لما تقدم، أو مر ببلد تزوج فيه أتم حتى يفارق البلد الذى تزوج فيه (لقول) عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تأهل فى بلد فليصل صلاة المقيم. أخرجه أحمد (1).

(الرابع) دخول وقت الصلاة وهو مقيم فيلزمه صلاتها تامة عند الحنبلية لوجوبها عليه تامة بدخول الوقت (وقال) غيرهم: المعتبر فى كون الصلاة

(1) ص 327 ج 1 كشاف القناع (القصر) والحديث تقدم رقم 57 ص 57.

ص: 67

سفرية أو حضرية آخر الوقت. وهو عند الحنفيين قدر ما يسع التحريمة، لأن وجوب الصلاة يتعلق به، فمن سافر آخر الوقت ولم يكن صلى، لزمته مقصورة فتقضى ولو فى الحضر ركعتين، كما أن فائتة الحضر الرباعية تقضى أربعاً، لأن القضاء يكون على حسب الأداء.

وعند الشافعية يعتبر قدر ما يسع ركعة لأن أداء الصلاة يتعلق به؛ فمن سافر وقد بقى من الوقت ما لا يسع ركعة لزمته تامة فيقضيها أربعاً ولو فى السفر، وإن بقى من الوقت ما يسع ركعة فأكثر اعتبرت فائتة سفر تقصى فى السفر ركعتين وفى الحضر أربعاً كما تقدم فى بحث (كيفية القضاء)(1).

(وعند) المالكية: المعتبر أن يبقى قبل الغروب بالنسبة للظهر والعصر ما يسع ثلاث ركعات، وقبل الفجر بالنسبة للمغرب والعشاء ما يسع أربع ركعات. فمن سافر قبل الغروب بقدر ما يسع أقل من ثلاث ركعات ولم يكن صلى الظهر والعصر، لزمته الظهر تامة وتكون العصر فائتة سفر يقضيها ركعتين ولو فى الحضر. وإن بقى قبل الغروب ما يسع ثلاث ركعات فأكثر صلاهما مقصورتين إن تركهما ناسياً، وكذا إن تركهما عمداً على المنصوص ويكون آثماً بالتأخير. ومن سافر قبل الفجر بقدر ما يسع ثلاث ركعات فأقل ولم يكن صلى المغرب والعشاء لزمته العشاء تامة، وإن بقى على الفجر ما يسع أربع ركعات فأكثر كانت العشاء فائتة سفر تقضى ركعتين ولو فى الحضر.

(تنبيه) علم مما تقدم أن شروط الإتمام على ما قاله الفقهاء ستة: ترك السفر، ونية الإقامة مدة تقطع السفر على ما تقدم تفصيله، وكونه مستقلا بالرأى، فلا تعتبر نية التابع إلا إذا علم بنية المتبوع، واتحاد موضع الإقامة وصلاحيته لإقامة المسافر، فلا تصح نيتها بمفازة لغير سكان البوادى.

(1) تقدم ص 29.

ص: 68

(7)

التطوع فى السفر:

النفل المطلق والتهجد والوتر مشروعة فى السفر اتفاقاً، وكذا رواتب الفرائض عند مالك والشافعى وأحمد والجمهور (لقول) ابن عباس: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فى السفر ركعتين وهى تمام، والوتر فى السفر سنة. أخرجه أحمد والبزار. وفى سنده جابر الجعفى، وثقه شعبة والثورى وضعفه آخرون (1). [65].

(ولقول) جابر الجعفى: سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلى فى السفر إلا ركعتين، غير أنه كان يتهجد من الليل. قال جدابر: فقلت لسالم: كانا يوتران؟ قال: نعم. أخرجه أحمد (2). [66].

(ولحديث) ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه. وكان ابن عمر يفعله. أخرجه البخارى (3)[67].

(ولقول) ابن عمر: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحضر والسفر، فصلى الظهر فى الحضر أربعاً وبعدها ركعتين، وصلى العصر أربعاً وليس بعدها شئ، وصلى المغرب ثلاثاً وبعدها ركعتين، وصلى العشاء أربعاً، وصلى فى السفر الظهر ركعتين وبعدها ركعتين، والعصر ركعتين وليس بعدها شئ، والمغرب ثلاثاً وبعدها ركعتين، والعشاء ركعتين وبعدها ركعتين. أخرجه أحمد. وكذا الترمذى مختصراً (4). [68].

(1) ص 141 ج 5 الفتح الربانى. وص 155 ج 2 مجمع الزوائد (صلاة السفر) و (تمام) أى غير مقصورة لأنها فرضت ركعتين كما تقدم فى بحث (قصر الصلاة).

(2)

ص 141 ج 5 الفتح الربانى. و (إلا ركعتين) أى فى غير المغرب لأنها لا تقصر. و (يوتران) يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وابن عمر.

(3)

ص 391 ج 2 فتح البارى (من تطوع فى السفر فى غير دبر الصلاة) و (يسبح بشد الباء: أى يصلى السبحة وهى النافلة.

(4)

ص 140 ج 5 الفتح الربانى، وص 386 ج 1 تحفة الأحوذى (التطوع فى السفر).

ص: 69

(ولقول) الباء بن عازب: سافرت مع النبى صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً فلم أره ترك الركعتين قبل الظهر. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى والترمذى وقال: حسن غريب (1). [69].

وقال يحيى: سئل مالك عن النافلة فى السفر فقال: لا بأس بذلك بالليل والنهار، وقد بلغني أن بعض أهل العلم كان يفعل ذلك (2). (وقال) أحمد: أرجو ألا يكون بالتطوع بالسفر بأس (3). (وقال) الحسن البصري: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون ويتطوعون قبل المكتوبة وبعدها (4)(21).

(وقال) جماعة منهم ابن عمر: لا تستحب الرواتب فى السفر. واختاره ابن القيم (لقول) حفص بن عاصم بن عمر: صحبت ابن عمر فى طريق فصلى بنا ركعتين ثم أقبل فرأى ناساً قياماً فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون.

قال: لو كنت مسبحاً أتممت صلاتى، يا بن أخى إنى صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل. وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. وقد قال الله عز وجل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذى. وهذا لفظ ابى داود (5). [70].

(1) ص 141 ج 5 الفتح الربانى. وص 79 ج 7 المنهل العذب. وصدره: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وص 158 ج 3 سنن البيهقى (تطوع المسافر) وص 385 ج 1 تحفة الأحوذى. ولفظه كأبى داود.

(2)

ص 270 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة النافلة فى السفر).

(3)

ص 113 ج 2 الشرح الكبير لابن قدامة.

(4)

ص 113 منه.

(5)

ص 142 ج 5 الفتح الربانى. وص 197 ج 5 نووى مسلم (صلاةالمسافرين) وص 79 ج 7 المنهل العذب (التطوع فى السفر) وص 213 ج 1 مجتبى (ترك التطوع فى السفر) وص 171 ج 1 سنن ابن ماجه، و (لأتممت) أى لو كنت مخيراً بين الإتمام وصلاة الراتبة، لكان الإتمام أحب إلى. فقد فهم أن المقصود من القصر التخفيف علىالمسافر ومنه ترك الراتبة (فإن قلت) كيف ينفى ابن عمر صلاة الرواتب فى السفر وقدتقدم عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها؟ (قلت) يجمع بينهما بحمل النفى على غالب أحواله صلى الله عليه وسلم فى السفر، والإثبات على انه صلى الله عليه وسلم صلاها أحياناً لبيان جوازها فى السفر، أو أنه إذا كان نازلا وقت الصلاة أتى بالرواتب، وإن كان سائراً اقتصر على الفريضة.

ص: 70

وأجاب الجمهور:

(أ) عن الحديث باحتمال أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى الرواتب فى رحله ولا يراه ابن عمر، أو باحتمال أنه تركها أحياناً تنبيهاً على جواز الترك.

ويؤيده ما تقدم عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الرواتب فى السفر.

(ب) وعن قول ابن عمر: ولو تطوعت لأتممت، بأن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وفيه مشقة على المسافر، وأما النافلة فهى إلى اختيار المكلف، فالرفق به يقتضى مشروعيتها، وهو بالخيار إن شاء فعلها وحصل ثوابها وإن شاء تركها (1) (وقول) ابن القيم: لم يحفظ عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها فى السفر إلا ما كان من سنة الفجر (يرده) ما تقدم عن ابن عمر والبراء بن عازب (2).

(والمختار) عند الحنفيين أن المسافر إذا كان فى حال أمن وقرار يأتى بالرواتب، وإن كان فى حال خوف وفرار لا يأتى بها. وبه يجمع بين الأحاديث.

(8)

الجمع بين الصلاتين:

لا يجوز- عند الحنفيين - الجمع بين صلاتين فى وقت واحد سوى الظهر والعصر يجمع الحاج بينهما بعرفة جمع تقديم، والمغرب والعشاء يجمع

(1) ص 198 ج 5 شرح مسلم للنووى.

(2)

تقدم رقم 68 ص 69 ورقم 69 ص 70.

ص: 71

بينهما بمزدلفة جمع تأخير. ورواه ابنالقاسم عن مالك (لقول) ابن مسعود: ما رايت رسول الله صلى الله عليهوسلم صلى صلاة قط إلا لوقتها إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى والطحاوى (1). [71].

(ولقول) الحسن وابن سيرين: ما نعلم من السنة الجمع بين الصلاتين فى حضر ولا سفر إلا بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع. أخرجه ابن أبى شيبة (22).

(وقال) الجمهور ومنهم الشافعى وأحمد فى المشهور عنه: يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فى السفر تقديماً وتأخيراً بعرفة وغيرها.

وروى عن مالك (لحديث) ابى الزبير عن أبى الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً. أخرجه الشافعي والجماعة إلا البخاري. وهذا لفظ الشافعي وأبى داود. وزاده أحمد ومسلم: قلت: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد ألا يخرج أمته (2). [72].

(1) ص 97 ج 1 شرح معانى الاثار (الجمع بين صلاتين كيف هو؟ ) وانظر رقم 205 ص 75 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة بجمع) وباقى المراجع بهامش 2 ص 77 منه (وجمع) بفتح فسكون: المزدلفة، سميت جمعاً لاجتماع الناس بها. وسميت بالمزدلفة لمجئ الحجاج إليها فى زلف من الليل، وهى شرقى منى، بينها وبين مكة نحو عشرة آلاف متر.

(2)

ص 171 ج 1 بدائع. وص 261 ج 1 الزرقانى الموطأ (الجمع بين الصلاتين) وص 229 ج 5 مسند أحمد (حديث معاذ بن جبل .. ) وص 216 ج 5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين فى السفر) وص 59 ج 7 - المنهل العذب. وص 171 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 98 ج 1 مجتبى (الوقت الذى يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر وص 387 ج 1 تحفة الأحوذى. و (أراد ألا يحرج أمته) أى لأن فى السفر مشقة، فإذا كلف المسافر أداء كل صلاة فى وقتها كان فى ذلك حرج زيادة على مشقة السفر فشرع الجمع تخفيفاً ودفعاً للحرج.

ص: 72

(وروى) ابن عباس قال: ألا اُخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السفر؟ قلنا: بلى. قال: كان إذا زالت الشمس وهو فى المنزل قدم العصر إلى وقت الظهر، ويجمع بينهما فى الزوال. وإذا سافر قبيل الزوال أخر الظهر إلى وقت العصر ثم جمع بينهما فى وقت العصر. وإذا حانت المغرب فى منزله جمع بينها وبين العشاء. وإذا لم تحن فى منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما. أخرجه الشافعي وأحمد بسند جيد (1). [73].

(ولقول) أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فى السفر. أخرجه أحمد (2). [74].

(وأجاب) الأولون عن أحاديث جمع التأخير بأن المراد بالجمع فيها الجمع الصوري، أى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الأولى فى آخر وقتها والثانية فى أول وقتها (لقول) ابن عباس: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، لا فى خوف ولا فى سفر. أخرجه مالك وقال: أرى ذلك كان فى مطر. وأخرجه الشافعي ومسلم والنسائي والطحاوى وأبو داود، وأخرجه من طريق آخر بلفظ: جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. فقيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته (3). [75].

(1) ص 116 ج 1 بدائع المنن. وص 119 ج 5 الفتح الربانى.

(2)

ص 117 منه.

(3)

ص 263 ج 1 زرقانى الموطأ. وص 118 ج 1 بدائع المنن وص 215 ج 5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين فى السفر) وص 99 ج 1 مجتبى (الجمع بين الصلاتين فى الحضر) وص 95 ج 1 شرح معانى الآثار (الجمع بين صلاتين كيف هو) وص 65، 68 ج 7 المنهل العذب.

ص: 73

(وجه) الدلالة أن الإجماع على عدم جواز الجمع الحقيقى فى الحضر بغير مطر؛ فدل على أن المراد بالجمع هنا الصورى (ولا ينافيه) حديث أيوب السخستيانى عن نافع أن ابن عمر استصرخ على صفية وهو بمكة، فسار حتى غربت الشمس ووبدت النجوم فقال: إنالنبى صلى الله عليهوسلم كان إذا عجل به أمر فى سفر جمع بين هاتين الصلاتين، فسار حتى غاب الشفق، فنزل فجمع بينهما. أخرجه أبو داود والبيهقى. وكذا الترمذى من حديث عبد الله عن نافع وقال هذا حديث حسن صحيح (1). [76].

(لأن المراد) بقوله: حتى غاب الشفق: أى قرب غيابه.

(روى نافع) وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة. قال: سر حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل فصلى المغرب ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذى صنعت (الحديث) أخرجه أبو داود والدار قطنى (2). [77].

دل على أن ذلك الجمع صوري. وبه يتم الجمع بين الأحاديث.

(1) ص 62 منه. وص 159 ج 3 سنن البيهقى (الجمع بين الصلاتين فى السفر) وص 388 ج 1 تحفة الأحوذى. و (استصرخ) مبنى للمجهول، أى أتاه من يخبره باحتضار زوجه صفية بنت أبى عبيدة بن مسعود الثقفية، يقال: استصرخ الإنسالن أو به إذ أتاه الصارخ أى المصوت يعلمه بأمر حدث يستعين به عليه أو ينعى له ميتاً. و (عجل) كتعب. والباء فى (به) زائدة: أى أسرعه (أمر).

(2)

ص 70 ج 7 المنهل العذب (الجمع بين الصلاتين). وص 151 سنن الدار قطنى.

ص: 74

(وقول) النووى: وهو ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل (مردود)

فقد استحسن القرطبي القول بالجمع الصوري، رجحه إمام الحرمين وابن الماجشون والطحاوى، وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء - راوي الحديث عن ابن عباس- قال به.

(روى) ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أبى الشعثاء عن ابن عباس قال: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً.

قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء. قال: وأنا أظن ذلك. أخرجه الشافعي وأحمد ومسلم (1). [78].

وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره. ويقوى الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع، فإما أن تحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بلا عذر، وإما أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم إخراج الصلاة عن وقتها. ويجمع بها بين الأحاديث والجمع الصوري أولى. قاله الحافظ (2).

واستدل الجمهور على جمع التقديم فى السفر بما روى هشام بن سعد عن أبى الزبير عن أبى الطفيل عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى غزوة تبوك إذ زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر

(1) ص 118 ج 1 بدائع المنن. وص 132 ج 5 الفتح الربانى وص 217 ج 5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين فى السفر)(وثامنياً) يعنى الظهر والعصر (وسبعاً) يعنى المغرب والعشاء. وكان هذا فى المدينة (لقول) ابن عباس: صلى الله عليه وسلم فى المدينة مقيما غير مسافر سبعاً وثمانياً. أخرجه أحمد (ص 131 ج 5 الفتح الربانى)(1) و (قلت) القائل عمرو بن دينار.

(2)

ص 16 ج 2 فتح البارى (تأخير الظهر إلى العصر).

ص: 75

والعصر. وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر. وفى المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما. أخرجه أبو داود والبيهقى والدار قطنى (1). [79].

وهشام مختلف فيه، وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبى الزبير كمالك والثورى وقرة بن خالد، فلم يذكروا فى روايتهم جمع التقديم (2).

(ولذا) لم يقل الحنفيون به. والصحيح فى هذا الباب حديث أنس قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى (3). [80].

احتج به من أبى جمع التقديم، لكن رواه إسحاق بن راهويه عن شبابة فقال: كان إذا كان فى سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً، ثم ارتحل. أخرجه الإسماعيلى. وأعل:(أ) بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة.

(ب) ثم تفرد جعفر الفريابى به عن إسحاق. وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان

(1)(ص 63 ج 7 المنهل العذب) الجمع بين الصلاتين) وص 162 ج 3 سنن البيهقى. وص 150 سنن الدارقطنى.

(2)

ص 394 ج 2 فتح البارى (إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس .. ).

(3)

ص 121 ج 5 الفتح الربانى. وص 393 ج 2 فتح البارى (إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس .. ) وص 214 ج 5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين) وص 76 ج 7 المنهل العذب. وص 161 ج 3 سنن البيهقى. و (تزيغ) بزاى وغين معجمتين أى تميل إلى جهة المغرب فى رأى العين.

ص: 76

حافظان. وأخرج الحاكم فى الأربعين الحديث بسند جيد وفيه: فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب. قاله الحافظ (1). [81].

(والمشهور) عند المالكية اختصاص الجمع بحالة الجد فى السير لخوف فوات أمر أو لإدراك مهم. وبه قال أشهب (لقول) عبد الله بن دينار: غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى قلنا الصلاة، فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم، ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعاً، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير صلى صلاتى هذه يقول يجمع بينهما بعد ليل. أخرجه أبو داود والبيهقى (2). [82].

(وأجاب) الجمهور بأن فى حديث معاذ وغيره التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم جمع نازلا، وهى زيادة يجب الأخذ بها.

(قال) ابن عبد البر بعد ذكر حديث معاذ: فى هذا أوضح الدلائل واقوى الحجج فى الرد على من قال: لا يجمع المسافر بين الصلاتين إلا إذا جد به السير. وقد أجمع المسلمون على الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة. وروى مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله: هل يجمع بين الظهر والعصر فى السفر؟ فقال: نعم لا بأس بذلك، ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة (3)؟ (23).

(1)(ص 393 ج 2 فتح البارى الشرح) إذا ارتحل بعد ما زالت الشمس صلى الظهر ثم ركب).

(2)

ص 74 ج 7 - المنهل العذب (الجمع بين الصلاتين) وص 160 ج 3 سنن البيهقى. و (ويجمع بينهما) أى بين المغرب والعشاء. (بليل) أى بعد دخول الليل د\خولا بيناً.

(3)

ص 264 ج 1 زرقانى الموطأ (الجمع بين الصلاتين .. ).

ص: 77

(وقال) ابن الماجشون وابن حبيب وأصبغ من المالكية: يجمع المسافر إذا جد به السير لمجرد قطع المسافة (لقول) ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء. أخرجه البخارى (1). [83].

(وجوابه) ما تقدم من أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع نازلا وسائراً، فقد تقدم فى حديث معاذ: فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً (2).

(قال) الشافعى فى الأم: قوله " ثم دخل ثم خرج " لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلا وسائراً (3). وقال ابن عبد البر: هذا أوضح دليل على رد من قال: لا يجمع إلا من جد به السير. ففيه أن المسافر له أن يجمع نازلا وسائراً. وكأنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز (4).

(ولتعارض) الأدلة قال مالك بكراهة الجمع (وحكى) القرطبى عنه أنه كره الجمع للرجال دون النساء (وقالت) الشافعية: ترك الجمع أفضل للخروج من خلاف من لا يجوز الجمع. وعن أحمد روايتان.

{فائدة} قال الحافظ العراقى: لم يبين فى حديث ابن عمر ولا فى غيره هل كان يجمع فى كل سفر أو كان يخص به السفر الطويل وهو سفر القصر، لكن الظاهر من الجد فى السفر أنه إنما يكون فى الطويل. والحق أن هذه واقعة عين محتملة. فلا يجوز الجمع فى السفر القصير مع الشك فى ذلك. ومذهب مالك أنه لا يختص ذلك بالطويل. ومذهب أحمد اختصاصه به وهو الأصح عند الشافعية (5).

(1) ص 392 ج 2 فتح البارى (الجمع فى السفر بين المغرب والعشاء).

(2)

تقدم رقم 72 ص 72.

(3)

117 ج 1 بدائع المنن.

(4)

262 ج 1 زرقانى الموطأ (الجمع بين الصلاتين فى الحضر والسفر).

(5)

ص 129 ج 3 طرح التثريب (هل يختص الجمع بالسفر الطويل؟ ).

ص: 78

(وقال) ابن رشد: اختلفوا فى نوع السفر الذى يجوز فيه الجمع، فظاهر رواية ابن القاسم أنه سفر القربة كالحج والغزو. وقال الشافعى: هو السفر المباح، وهو ظاهر رواية المدنيين عن مالك (1).

الجمع فى الحضر لمطر أو غيره:

اختلف العلماء فى ذلك، فقال الشافعى: يجوز الجمع- فى الحضر لمطر- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم، بشرط أن يكون المطر حاصلا وقت افتتاح الصلاتين. وبه قال أبو ثور وجماعة (لما تقدم) عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً فى غير خوف ولا سفر. قال مالك: أرى ذلك كان فى مطر (2).

(وقال أحمد) يجمع بين المغرب والعشاء فقط. وبه قال ابن عمر وعروة ابن الزبير والفقهاء السبعة (3) لقول أبى سلمة بن عبد الرحمن: إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء. أخرجه الأثرم (24).

وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال نافع: كان عبد الله بن عمر يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء (25).

وقال هشام بن عروة: رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين فى الليلة المطيرة: المغرب والعشاء. فيصليهما معه عروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن ولا ينكرونه، ولا يعرف لهم فى عصرهم مخالف فكان إجماعاً. رواه الأثرم (4)(26).

(1) ص 136 ج 1 بداية المجتهد (السباب المبيحة للجمع).

(2)

تقدم رقم 75 ص 73 (الجمع بين الصلاتين) و (أرى) بضم الهمزة، أى أظن أن جمع النبى صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين من غير خوف ولا سفر كان لمطر ووافق مالكاً على ما ظنه جماعة منهم الشافعى.

(3)

الفقهاء السبعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عتبة.

(4)

ص 117 ج 2 مغنى ابن قدامة.

ص: 79

(وقال) مالك: يجمع بين المغرب والعشاء لمطر واقع أو متوقع، وللطين مع الظلمة إذا كان الطين كثيراً يمنع أواسط الناس من لبس النعل.

وكره الجمع بين الظهر والعصر للمطر، لأن الغالب أن الناس وقتئذ ينتشرون فى أسواقهم وزراعائهم وأمور معايشهم ولا يمنعهم مطر ولا طين من ذلك، فيكره أن يمتنعوا لذلك من أداء فرائضهم فى أوقاتها المختارة، وأمما المغرب والعشاء فإن وقتهما ليس وقت سعى لما ذكر، بل إذا جمع بينهما رجع إلى منزله للراحة.

(وجملة) القول فى هذا ما قاله النووى: ويجوز الجمع بالمطر فى وقت الأولى ولا يجوز فى الثانية على الأصح لعدم الوثوق باستمراره إلى الثانية.

ويشترط وجوده عند الإحرام للأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية. ويجوز ذلك لمن يمشى إلى الجماعة فى غير كِنّ بحيث يلحقه بلل المطر. وبه قال جمهور العلماء فى الظهر والعصر وفى المغرب والعشاء. وخصه مالك وأحمد بالمغرب والعشاء. وأما المريض فالمشهور من مذهب الشافعى والأكثرين أنه لا يجوز له الجمع. وجوزه مالك وأحمد وجماعة من الشافعية، وهو قوى فى الدليل (1).

والدليل ما تقدم عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته (2).

(1) ص 213 ج 5 شرح مسلم (الجمع بين الصلاتين) و (الكن) بكسر فشد: السترة، يقال: أكننته من باب قتل سترته فى كنه.

(2)

تقدم بالحديث رقم 75 ص 74. وفى رواية فيه: ولا سفر. بدل قوله: ولا مطر. ولم يقع مجموعاً بالثلاثة فى كتب الحديث. بل المشهور: من غير خوف ولا سفر و (ما أراد إلى ذلك؟ ) أى ما قصد بجمعه بين الصلاتين؟ فإلى بمعنى الباء. وفى رواية أحمد: وما أراد لغير ذلك، أى ما قصد بجمعه لغير الخوف والمطر.

ص: 80

(وأجاب) من لم يقل بالجمع للمرض ونحوه بأنه لا يصح حمل الجمع فيه على الجمع للمرض، لأنه لو كان كذلك لما صلى معه صلى الله عليه وسلم إلا من كان مريضاً. والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه كما صرح بذلك ابن عباس فى روايته. قاله الحافظ (1).

(بل يحمل) الجمع فى الحديث على الجمع الصورى كما تقدم. ويؤيده ما تقدم عن عمرو بن دينار قال: أخبرنى أبو الشعثاء جابر بن زيد أنه سمع ابن عباس يقول: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً. قلت له: يا ابا الشعثاء أظنه أجل الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء. قال: وأنا أظن ذلك (2).

(وقول) النووي: حمله على الجمع الصوري احتمال ضعيف أو باطل، لأنه مخالف للظاهر لا تحتمل (تقدم رده)(3).

(ومما يدل) على تعيين حمل أحاديث الباب على الجمع الصوري قول ابن مسعود: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. فقيل له فى ذلك، فقال: صنعت هذا لكى لا تخرج أمتي. أخرجه الطبرانى فى الأوسط والكبير. وفى سنده عبد الله بن عبد القدوس.

ضعفه ابن معين والنسائي ووثقه ابن حبان. وقال البخاري: صدوق. قال الهيثمى: وقد روى هذا عن الأعمش وهو ثقة (4). [84].

(وهذه) الرواية تعين المراد بلفظ جمع، لما تقرر فى الأصول أن لفظ جمع بين الظهر والعصر لا يعم وقتهما، بل مدلوله لغة الهيئة الاجتماعية وهى

(1) ص 16 ج 2 فتح البارى (تأخير الظهر إلى العصر).

(2)

تقدم رقم 78 ص 75.

(3)

تقدم ص 75.

(4)

ص 161 ج 2 مجمع الزوائد (الجمع للحاجة).

ص: 81

موجودة فى جمع التقديم والتأخير والجمع الصورى، إلا أنه لا يتناول جميعها ولا اثنين منها، إذ الفعل المثبت لا يعم أقسامه ولا يتعين واحد إلا بدليل.

وقد قام الدليل على أن الجمع فى أحاديث الباب هو الجمع الصورى.

(وقول) الحافظ: وإرادة نفى الحرج تقدح فى حمل الجمع على الجمع الصورى، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج (1). (يجاب عنه) بأن الشارع قد عين الأوقات بعلامات لا تكاد تلتبس على العامة فضلا عن الخاصة، فلا حرج فى مراعاتها لمن أراد الجمع الصورى. ولا شك أن فعل الصلاتين والخروج إليهما مرة واحدة أخف وأيسر من خلافه.

(ولا يقال) حمل الجمع فى الأحاديث على الجمع الصورى مناف لقوله صلى الله عليه وسلم: لئلا تحرج أُمتى، وإلغاء لمضمونه (لأنا نقول) رفع الحرج ليس منسوباً إلى أقواله صلى الله عليه وسلم المبينة للأوقات الشاملة للجمع الصورى، بل الحرج منسوب لأفعاله صلى الله عليه وسلم ليس إلا (قالت) عائشة: ما صلى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة لآخر وقتها مرتين حتى قبضه الله. ذكره الشوكانى (2). [85].

فربما ظن ظان أن فعل كل صلاة فى أول وقتها متحتم، لمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك. فكان فى جمعه جمعاً صورياً تخفيف وتسهيل على من اقتدى بمجرد الفعل. وقد كان اقتداء الصحابة بالأفعال أكثر من اقتدائهم بالأقوال كما هو معروف. وتمامه فى المنهل (3).

(ولذا) قال الحنفيون: لا يجوز الجمع بين الصلاتين لسفر ولا مطر

(1) ص 17 ج 2 فتح البارى (تأخير الظهر إلى العصر).

(2)

ص 267 ج 3 نيل الأوطار (جمع المقيم لمطر أو غيره).

(3)

ص 69 ج 7 المنهل العذب (الجمع بين الصلاتين).

ص: 82

ولا مرض ولا عذر آخر إلا للحاج يجمع بين الظهر والعصر بعرفة جمع تقديم، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة جمع تأخير.

(10)

الأذان والإقامة للمجموعتين:

يسن لمن جمع بين الصلاتين لسفر أو غيره أن يؤذن للأولى ويقيم لكل منهما (لحديث) جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم سار حتى أتى عرفة رأى القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له حتى إذا انتهى إلى بطن الوادى خطب الناس ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً. أخرجه النسائى (1). [86].

وفى هذا خلاف يأتى بيانه فى الحج، وأن الراجح ما دل عليه حديث جابر (2):

هذا. ويستحب السفر لمصلحة دينية أو دنيوية، وهو وإن كان فيه مشقة على النفس ففيه فوائد دنيوية وأُخروية عظيمة يأتى بيانها. ويطلب ممن عزم على السفر التحلى بآداب والاشتغال بالدعاء والذكر كما يأتى تفصيله فى الحج (3).

(فائدة) يجوز ركوب اثنين على الدابة إذا كانت تطيق ذلك. ويسن أن يكون صاحبها فى المقدمة إلا إذا أذن لغيره بالركوب أمامه (لقول) بريدة الأسلمى: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى إذ جاءه رجل معه حمار فقال: يا رسول الله راكب، فتأخر الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، أنت أحق بصدر دابتك منى إلا أن تجعله لى. فقال: فإنى

(1) ص 100 ج 1 مجتبى (الجمع بين الظهر والعصر بعرفة).

(2)

يأتى ص 184، 189 ج 9 إرشاد الناسك (الجمع بعرفة ومزدلفة).

(3)

يأتى ص 6 - 16 ج 9 (فضل السفر وآدابه وأذكاره).

ص: 83

جعلته لى. فركب. أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان بسند جيد (1). [87].

(ولقول) عمر: قضى النبى صلى الله عليه وسلم أن صاحب الدابة أحق بصدرها. أخرجه أحمد بسند جيد (2). [88].

(11)

السفر يوم الجمعة:

يباح السفر يوم الجمعة قبل الزوال عند الجمهور ومنهم الحنفيون ومالك وأحمد فى المشهور عنهما والشافعى فى القديم (لحديث) الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: بعث النبى صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة فى سرية فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه، فقال: أتخلف فأصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم رآه فقال له: ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ قال: أردت أن أُصلى معك ثم أحلقهم. فقال: لو أنفقت ما فى الأرض ما أدركت فضل غدوتهم. أخرجه أحمد والبيهقى وقال: انفرد به الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف. وأخرجه الترمذى وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه (3). [89].

(وروى) الأسود بن قيس عن أبيه قال: أبصر عمر رضى الله عنه رجلا عليه هيئة السفر فسمعه يقول: لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت، فقال عمر:

(1) ص 353 ج 5 مسند أحمد (حديث بريدة الأسلمى

) وص 28 ج 3 سنن أبى داود (رب الدابة أحق بصدرها).

(2)

ص 19 ج 1 (مسند عمر رضى الله عنه).

(3)

ص 224 منه (مسند عبد الله بن العباس .. ) وص 187 ج 3 سنن البيهقى (لا تحبس الجمعة عن سفر) وص 372 ج 1 تحفة الأحوذى (فى السفر يوم الجمعة)(و 0 مقسم) بكسر فسكون، ابن بجرة بضم فسكون. و (السرية) كعطية: طائفة من الجيش أكثرها أربعمائة. و (الغدوة) بفتح الغين: المرة من العدو وهو السير من أول النهار إلى الزوال. والمراد منه هنا الذهاب إلى القتال.

ص: 84

اخرج فإن الجمعة لا تحبس من سفر. أخرجه الشافعى والبيهقى (1)(27).

(وقال الشافعى) فى الجديد: يمنع السفر يوم الجمعة من بعد طلوع الفجر، وهو رواية عن مالك وأحمد (لحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ألا يصحب فى سفره ولا يعان على حاجته. أخرجه الدارقطنى فى الأفراد، وفى سنده ابن لهيعة متكلم فيه. [90]

(ويعارضه) ما تقدم. والأولى الجواز مطلقاً، لأن ذمته بريئة من الجمعة. فلم يمنعه إمكان وجوبها عليه كما قبل يومها (واختار) (أبو إسحاق المروزى وإمام الحرمين جواز السفر يومها لواجب دون غيره 0 وقال) كثير من الشافعية: يجوز السفر يومها لمطلق الطاعة واجبة أو مندوبة.

(وأما السفر) بعد دخول وقتها ممن تجب عليه، فالجمهور على منعه لما تقدم فى حديث ابن عمر من أن الملائكة تدعو على من يسافر يوم الجمعة (2) ولأن الجمعة قد وجبت عليه فلا يجوز له الاشتغال بما يمنع منها كاللهو والتجارة والسفر.

(وروى) عن أبى حنيفة والأوزاعى جواز السفر بعد دخول وقت الجمعة كسائر الصلوات، ولما تقدم عن عمر أنه قال: الجمعة لا تحبس عن سفر (3).

(وأجاب) عنه الجمهور بأنه محمول على السفر قبل الوقت جمعاً بين الأدلة، وفرقوا بين الجمعة وغيرها من الصلوات بوجوب الجماعة فى الجمعة دون غيرها (فالظاهر) ما ذهب إليه الجمهور من منع السفر بعد دخول

(1) ص 154 ج 1 بدائع المنن. وص 187 ج 3 سنن البيهقى (لا تحبس الجمعة عن سفر).

(2)

تقدم رقم 90.

(3)

تقدم أثر 27.

ص: 85

الوقت لمن وجبت عليه إلا أن يخشى ضرراً من تخلفه للجمعة كانقطاع رفقة لا يمكن السفر إلا معها. وقد أجاز الشارع التخلف عن الجمعة لعذر المطر ونحوه، فجوازه لما هو أشق منه أولى.

(12)

آداب الرجوع من السفر:

يستحب لمن قدم من السفر أن يبدأ بالمسجد فيصلى فيه ركعتى القدوم من السفر، وأن يجلس من يقصد للسلام عليه والتهنئة فى مكان بارز سهل على زائريه، وألا يأتى أهله بغتة (لقول) جابر بن عبد الله: كنت مع رسول الله ثلى الله عليه وسلم فى سفر، فلما قدمنا المدينة قال لى: ادخل المسجد فصلى ركعتين. أخرجه البخارى (1). [91].

(ولقول) كعب بن مالك: كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يقدم من سفر إلا نهاراً فى الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه فيأتيه الناس فيسلمون عليه. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (2). [92]

(ولقول) أنس بن مالك: كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا، كان يدخل عليهم غدوة أو عشية. اخرجه أحمد والبخارى (3). [93].

(1) ص 117 ج 6 فتح البارى (الصلاة إذا قدم من سفر - الجهاد).

(2)

ص 79 ج 5 الفتح الربانى. وص 117 ج 6 فتح البارى. وص 227 ج 5 نووى مسلم. وص 91 ج 3 سنن ابى داود (الصلاة عند القدوم من السفر) والتقييد بالنهار باعتبار الغالب وإلا ففى الحديث بعده: كان يدخل عليهم غدوة أو عشية (والغدوة) ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس. (والعشية) ما بعد الزوال إلى الغروب. والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى من سفره ليلا مكث بالمسجد حتى يصلى الصبح ثم يذهب إلى بيته. وإذا أتى نهاراً مكث به ولا يدخل بيته إلا فى العشية. والحكمة فى ذلك أن يستعد أهله بالنظافة وتغيير الملابس.

(3)

ص 79 ج 5 الفتح الربانى. وص 401 ج 3 فتح البارى (الدخول بالعشى -الحج).

ص: 86

(ولحديث) جابر بن عبد الله أن النبىصلى الله عليه وسلم قال له: إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة، وإذا دخلت فعليك الكيس الكيس. أخرجه أحمد والبخارى (1). [94].

(أفادت) هذه الأحاديث أنه يكره لمن طال سفره ان يقدم على امرأته ليلا بغتة (فأما) من كان سفره قريباً تتوقع امرأته إتيانه ليلا فلا بأس. ففى رواية: إذ أطال الرجل الغيبة، وكذا إذا علمت امرأته وأهله وقت قدومه فلا بأس بقدومه متى شاء، لزوال سبب النهى وهو مفاجأة أهله قبل أن يتأهبوا لقدومه. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة.

(ويستحب) لمن قدم من سفر ودخل بيته أن يقول ما فى حديث ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ 1 اراد الرجوع (يعنى من السفر) قال: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون. وإذا دخل على أهله قال: توباً توباً، لربنا أوباً، لا يغادر حوباً. أخرجه أحمد وابن السنى، والطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح (2). [95].

(ويستحب) أن يقال لمن قدم من سفر: الحمد لله الذى سلمك، الحمد لله الذى سلمك، الحمد لله الذى جمع الشمل بك، ونحو ذلك (قالت) عائشة: كان رسول الله صلى الله

(1) ص 80 ج 5 الفتح الربانى، وص 273 ج 9 فتح البارى (طلب الولد).

و(المغيبة) من أغابت المرأة، من غاب عنها زوجها. واستحدادها: استعدادها بالنظافة لتستقبله على أحس حال. و (الشعثة) بفتح فكسر: من تلبد شعرها لعدم غسله وتمشيطه.

و(الكيس) بفتح فسكون فى الأصل: العقل أريد به هنا الجماع، فكأنه جعل طلب الولد من الجماع عقلا. وفيه الحث على طلب الولد واستعمال الكيس والرفق فيه.

(2)

ص 75 ج 5 الفتح الربانى، و (توباً) مصدر تاب منصوص على تقدير: تب علينا توباً أو نسألك توباً. و (أوباً) من آب إذا رجع. و (الحوب) الإثم.

ص: 87

عليه وسلم فى غزوة، فلما دخل استقبلته فأخذت بيده فقلت: الحمد لله الذى نصرك وأعزك وأكرمك. أخرجه ابن السنى. [96].

(13)

سفر المرأة:

لا يحل للمرأة السفر ولو للحج إلا مع محرم أو زوج (لما تقدم) عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم"(الحديث)(1).

(وتقدم) عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا مع ذى محرم "(2).

(فهذه) الأحاديث تشمل كل سفر ومنه الحج، ولا تعارض آية:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} ، لأن الأحاديث تضمنت أن المحرم فى حق المرأة من جملة الاستطاعة - علىالسفر- المطلقة فى الاية.

هذا. والمحرم كل من حرم عليه نكاح المرأة على التأييد لسبب مباح لحرمتها. وسيأتى بيان من ليس بمحرم (3).

ومنه عند الحنبلية المحرم الكافر فإنه لا يعد محرماً لقريبته المسلمة عندهم، لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها.

(وهل العبد) كالمحرم؟ عند الجمهور لا (لحديث) ابن عمر: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سفر المرأة مع عبدها ضيعة. أخرجه سعيد بن

(1) تقدم رقم 44 ص 51 (مشاقة السفر).

(2)

تقدم رقم 45 ص 51.

(3)

يأتى ص 31 ج 9 (حج المرأة).

ص: 88

منصور والبزار والطبرانى فى الأوسط بسند فيه ضعيف (1). [97].

وقيل إنه كالمحرم إذا كانافى قافلة. أما إذا كانا وحدهما فلا، لهذا الحديث.

هذا. وقد أطلق السفر فى الحديث الأول وقيد فى غيره. وقد عمل أكثر العلماء فى هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات، وليس المراد بالتحديد ظاهره، بل كل ما يسمى سفراً، فالمرأة منهية عنه بغير زوج أو محرم (2).

(وقال) الحنفيون: النهى مقيد بسفر القصر (لحديث) أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام فصاعداً إلا مع أبيها أو أخيها أو ابنها أو زوجها أو مع ذى محرم. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه (3). [98].

(وجه) الدجلالة أنه قيد المنع من سفرها وحدها بالثلاث فيعمل به، لأنه المتحقق، وما عداه مشكوك فيه فيترك على الأصل.

(وأجاب) الجمهور بأن التحديد غير مارد، لأنه مختلف باختلاف حال السائلين فلا يعمل بمفهومه، ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها، فيؤخذ بأقل ما ورد من ذلك وهو البريد (فعن أبى هريرة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر امرأة بريداً إلا مع زوج أو ذى رحم محرم. أخرجه الطحاوى والبيهقى (4). [99].

(1) ص 214 ج 3 مجمع الزوائد (سفر النساء) ..

(2)

ص 103 ج 9 شرح مسلم (سفر المرأة مع محرم .. ).

(3)

ص 86 ج 5 الفتح الربانى. وص 108 ج 9 نووى مسلم. وص 263 ج 10 المنهل العذب (المرأة تحج بغير محرم)، وص 109 ج 2 سنن ابن ماجه (المرأة تحج بغير ولى).

(4)

ص 356 ج 1 شرح معانى الآثار (المرأة لا تجد محرماً، هل يجب عليها فرض الحج؟ )(وص 139 ج 3 سنن البيهقى) حجة من قال: لا تقصر المرأة الصلاة فى أقل من ثلاثة أيام).

ص: 89

(وقال) الشوكانى: قد ورد من حديث ابن عباس عند الطبرانى ما يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد. ولفظه: لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذى محرم. [100].

(وهذا) هو الظاهر، أعنى الأخذ بأقل ما ورد، لأن مافوقه منهى عنه بالأولى (والتنصيص) على ما فوقه كالثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين (لا ينافيه) لأن الأقل موجود فى ضمن الأكثر، وغاية الأمر أن النهى عن الأكثر يدل مفهومه على أن ما دونه غير منهى عنه، والنهى عن الأقل منطوق، وهو أرجح من المفهوم (1).

(فائدة) يستحب لمن له أكثر منزوجة وأراد السفر بإحداهن أن يقرع بينهن تطبيباً لخاطرهن، فمن خرج سهمها أخذها معه (لحديث) عائشة: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. أخرجه أحمد والبخارى وابن ماجه وأبو داود. واللفظ له (2). [101].

(1) ص 16 ج 5 نيل الأوطار (النهى عن سفر المرأة إلا بمحرم).

(2)

ص 87 ج 5 الفتح الربانى. وص 250 ج 9 فتح البارى (القرعة بين النساء إذا أراد سفراً) وص 243 ج 2 سنن أبى داود (القسم بين النساء) وص 311 ج 1 سنن ابن ماجه (القسمة بين النساء) وص 311 ج 1 سنن ابن ماجه (القسمة بين النساء).

ص: 90