المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(السادس) صلاة الخوف - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٤

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(الأول) مبطلات الصلاة

- ‌(الثاني) قضاء الفوائت

- ‌(الثالث) صلاة المريض

- ‌(الرابع) الأعذار المسقطة للصلاة

- ‌(الخامس) صلاة المسافر

- ‌(السادس) صلاة الخوف

- ‌(السابع) الجمعة

- ‌(1) فضل يوم الجمعة

- ‌(2) مزايا يوم الجمعة

- ‌(3) ما يطلب ليلة الجمعة ويومها

- ‌(4) صلاة الجمعة

- ‌(5) شروط الجمعة

- ‌(1) مكان الجمعة

- ‌(2) وقت الجمعة

- ‌(3) خطبة الجمعة

- ‌(6) منهاج الخطابة

- ‌(7) إمام الجمعة

- ‌(8) كيفية صلاة الجمعة

- ‌(9) ما تدرك به الجمعة

- ‌(10) ما يقال بعد صلاة الجمعة

- ‌(11) متى يصلى الظهر من لم تلزمه الجمعة

- ‌(12) ترك الجمعة

- ‌(13) اجتماع العيد والجمعة

- ‌(14) كفارة ترك الجمعة لغير عذر

- ‌(15) راتبة الجمعة

- ‌(16) بدع الجمعة

- ‌(الثامن) صلاة العيدين

- ‌(1) مشروعية صلاة العيد

- ‌(2) حكم صلاة العيدين

- ‌(3) من تطلب منه صلاة العيد

- ‌(4) خروج النساء إلى العيد

- ‌(5) ما يطلب للعيد

- ‌(6) وقت صلاة العيد

- ‌(7) مكان صلاة العيد

- ‌(8) ليس لصلاة العيد نداء

- ‌(9) التكبير فى صلاة العيد

- ‌(10) القراءة فى صلاة العيد

- ‌(11) كيفية صلاة العيد

- ‌(12) خطبة العيد

- ‌(13) الجماعة فى صلاة العيد

- ‌(14) تأخير صلاة العيد لعذر

- ‌(15) التهنئة بالعيد

- ‌(16) الرجوع بعد صلاة العيد

- ‌(17) هل للعيد راتبة

- ‌(18) تكبير التشريق

- ‌(19) اللعب والغناء يوم العيد

- ‌(20) بدع العيد

الفصل: ‌(السادس) صلاة الخوف

(السادس) صلاة الخوف

الكلام فيها ينحصر فى تسعة فروع:

(1)

سببها: هو حضور العدو يقيناً ولو لم يشتد الخوف.

(2)

دليلها: هى مشروعة بالكتاب والسنة (قال) تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} الآية (1).

(وقد ثبت) عن النبى صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة أنه صلاها مع أصحابه رضى الله عنهم كما سيمر عليك.

(3)

شرعت فى السنة السابعة من الهجرة على الراجح (لقول) جابر بن عبد الله: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ست مرار قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف فى السنة السابعة. أخرجه أحمد وفى سنده ابن لهيعة ضعيف (2). [102].

(4)

حكمها: قد أجمع العلماء على أنها كانت مشوعة فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم. واختلفوا فى جوازها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (فقال) الجمهور: هى جائزة بعده لا تختص بزمانه، لعموم آية:{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} . ولفتوى ابن عمر وغيره من الصحابة بها بعد النبى صلى الله عليه وسلم، وفعلهم لها فى عدة أماكن، وإجماعهم على ذلك، وقد تقدم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صلوا كما رأيتمونى أُصلى (3).

(1) سورة النساء: آية 102.

(2)

ص 7 ج 7 الفتح الربانى. (ست مرار) المراد بها الغزوات التى وقع فيها قتلا. وهى بدر وأحد والخندق وقريظة والمريسيع (بنى المصطلق) وخيبر.

(3)

تقدم رقم 23 ص 27 (ترتيب الفوائت).

ص: 91

(وقال) المزنى والحسن بن زياد: إنها غير مشروعة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم. وروى عن أبى يوسف لمفهوم آية: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} فإنه يفيد أنه إذا لم يكن فيهم لا تصلى بهذه الكيفية.

(وقال) بعض فقهاء الشام: تؤخر الصلاة فى الحرب إلى وقت الأمن كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق.

(وسبب) الاختلاف أن صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف، هل هى عبادة أو لمكان فضل النبى صلى الله عليه وسلم؟ فمن رأى أنها عبادة، لم ير أنها خاصة بزمانه صلى الله عليه وسلم، ومن رآها لمكان فضله، رأى أنها خاصة به صلى الله عليه وسلم.

قال الطحاوى: كان أبو يوسف قد قال مرة: لا تصلى صلاة الخوف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعم أن الناس إنما صلوها معه صلى الله عليه وسلم لفضل الصلاة معه. وهذا القول عندنا ليس بشئ (1).

(وأجاب) الجمهور:

(أولا) بأن الأصل فى فعل النبى صلى الله عليه وسلم التشريع حتى يقوم دليل على التخصيص. فآية: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} كآية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} . وليس هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم اتفاقاً، وإن كان هو المخاطب به. فالحكم بعده باق لا سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتمونى أُصلى. فمنطوقه مقدم على مفهوم آية: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} .

وأيضاً فإن شرط كونه فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لخصوص وجوده، والمعنى: بين لهم بفعلك كيفية صلاة الخوف لكونه لا لخصوص وجوده، والمعنى: بينلهم بفعلك كيفية صلاة الخوف لكونه أوضح من القول (قال) ابن المنير: الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف فى

(1) ص 189 ج 1 شرح معانى الآثار (صلاة الخوف).

ص: 92

قوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} (1).

(ثانياً) بأن تأخيره صلى الله عليه وسلم يوم الخندق كان قبل مشروعية صلاة الخوف فهو منسوخ بها، ويحتمل أنه شغله المشركون فنسى الصلاة (2).

(ويؤيده) مذهب الجمهور تأدية الصحابة والأئمة بعدهم صلاة الخوف فى عدة أماكن من غير نكير بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (قال) النووى قد ثبتت الآثار الصحيحة عن جماعة من الصحابة أنهم صلوها فى مواطن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مجامع بحضرة كبار الصحابة (وممن) صلاها على بن أبى طالب فى حروبه بصفين (3) وغيرها، وحضرها من الصحابة خلائق لا ينحصرون (ومنهم) سعد بن أبى وقاص وأبو موسى الأشعرى البيهقى وغيره، وبعضها فى سنن أبى داود.

قال البيهقى: والصحابة الذين رأوا صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فى الخوف لم يحملها أحد منهم على تخصيصها للنبى صلى الله عليه وسلم ولا بزمنه، بل رواها كل واحد وهو يعتقدها مشروعة على الصفة التى رآها (4).

(5)

وشروط أربعة:

(أ) حضور العدو يقيناً أو خوف من نحو سبع كحية عظيمة أو حرق أو غرق، وإن لم يخف فوت الوقت على الصحيح عند الحنفية (وقالت الشافعية): يشترط تأديتها آخر الوقت، وهو قول لبعض الحنفيين،

(1) سورة النساء: آية 101.

(2)

حديث تأخير الصلاة يوم الخندق تقدم رقم 20 ص 25.

(3)

صفين، كسجين: موضع بشاطئ الفرات كانت به الواقعة العظمى بين على ومعاوية غرة صفر سنة 37 هجرية ..

(4)

ص 405 ج 4 شرح المهذب (مذاهب العلماء فى صلاة الخوف).

ص: 93

فلو صلوها مع ظن حضور العدو فى غير جهة القبلة فبان خلافه أعادوا.

(قال) أبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: ومن صلى صلاة الخوف لسواد ظنه عدواً فبان أنه ليس بعدو أو بينه وبينه ما يمنعه منه فعليه الإعادة، سواء أصلى صلاة شدة الخوف او غيرها، وسواء أكان ظنهم مستنداً إلى خبر ثقة او غيره أو رؤية سواد أو نحوه، لأنه ترك بعض واجبات الصلاة ظناً منه أنه قد سقط فلزمته الإعادة، كما لو ترك غسل رجليه ومسح على خفيه ظناً منه أن ذلك يجزى فباتا مخرقين، وكما لو ظن المحدث أنه متطهر فصلى، ويحتمل ألا تلزم الإعادة إذا كان بينه وبين العدو ما يمنع العبور، لأن سبب الخوف متحقق وإنما خفى المانع (1).

(ب) أن يكون فى المصلين كثرة يمنكن تفريطهم طائفتين كل طائفة تقاوم العدو.

(حـ) وأن يخاف هجوم العدو.

(د) وأن يكون قتاله مباحاً. فتجوز فى قتاله الكفار، ولأهل العدل فى قتال البغاة وقطاع الطرق، ولا يجوز للبغاة والقطاع أن يصلوا صلاة يرتكبون فيها ما لا يباح فى غير حالة الخوف لما فى ذلك من إعانتهم على معصيتهم. أما ما يباح فى حالة الأمن، كأن يصلى الإمام لكل من الطائفتين جميع الصلاة، فلا يمنع منه العصاة، إذ لا ترخص فيه. قاله العراقى فى طرح التثريب (2).

(6)

أنواعها:

هى ثلاثة أنواع: أن تكون فى غير شدة الخوف، والعدو فى جهة القبلة أو فى غير جهتها، وأن تكون فى شدة الخوف.

(1) ص 142 ج 2 الشرح الكبير (آخر صلاة الخوف).

(2)

ص 136 ج 3 (هل تجوز صلاة الخوف للبغاة وقطاع الطريق؟ ).

ص: 94

(7)

كيفيتها:

لصلاة الخوف فى غير شدته سبع كيفيات:

(الأولى) أن يكون العدو فى جهة القبلة، فيصفّ الإمام القوم صفين ثم يحرم فيحرمون خلفه ويركعون إذا ركع ويرفعون إذا رفع، فإذا سجد سجد معه الصف الذى يليه وبقى الصف الآخر قائماً للحراسة، وإذا قام الإمام ومن سجد معه للركعة الثانية سجد الآخرون السجدتين، فإذا قاموا إلى الركعة الثانية تقدموا مكان الصف الأول وتأخر الصف الأول مكانه، فإذا ركع الإمام ركوع الثانية ركعوا جميعاً ثم يرفعون برفعه ثم يسجد معه الصف الذى يليه ويبقى الصف الآخر السجدتين وجلس للتشهد، فإذا سلم الإمام سلموا جميعاً، والتقدم والتأخر غير لازم.

ويشترط فى الصلاة على هذه الكيفية ألا يخاف المسلمون كميناً يأتى من خلفهم، وألا يخفى بعض الكفار عنا، فإن خفنا كميناً أو خفى بعضهم عنا صلينا كما لو كانوا فى غير جهة القبلة. وبهذه الكيفية قال سفيان الثورى والشافعى وأحمد، وهى رواية عن مالك، مستدلين:

(أ) بقول أبى عياش الزرقى: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان (1) وعلى المشركين خالد بن الوليد، فصلينا الظهر، فقال المشركون:

(1) عسفان بض 1 م فسكون: قرية بين مكة والمدينة على نحو ثلاثة مراحل من مكة، وتسمى مدرج عثمان. وكانت صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بها فى جمادى الأول سنة سبع من الهجرة. وهى أول غزوة شرعت فيها صلاة الخوف على الراجح، ويقال لها غزوة بنى لحيان. وسببها ما قاله أحمد بن عبد الجبار وغيره: لما أصيب خبيب بن عدى وأصحابه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مطالباً بدمائهم ليصيب من بنى لحيان غرة، فسلك طريق الشام ليرى (بضم الياء) أنه لا يريد بنى لحيان حتى نزل بأرضهم فوجدهم قد حذروا وتنمعوا فى رءوس الجبال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنا هبطنا عسفان لرأت قريش أنا قد جئنا مكة فخرج فى مائتى راكب حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين حتى جاءا كراع الغميم ثم انصرفا. فذكر أبو عياش الزرفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعسفان صلاة الخوف. أنظر ص 81 ج 4 البداية والنهاية (غزوة بنى لحيان).

ص: 95

لقد أُصبنا غرة، لقد أُصبنا غفلة، لو كنا حملنا عليهم وهم فى الصلاة، فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر. فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة والمشركون أمامه. فصفّ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف، وصفّ بعد ذلك صف آخر، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذى يليه وقام الآخرون يحرسونهم، فلما صلى هؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذى يليه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول.

ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذى يليه وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم والصف الذى يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً فسلم عليهم جميعاً، فصلاها بعسفان، وصلاها يوم بنى سليم. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن حبان والبيهقى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (1). [

103].

(1) ص 3 ج 7 الفتح الربانى. وص 99 ج 7 المنهل العذب (صلاة الخوف) وص 231 ج 1 مجتبى. وص 256 ج 3 سنن البيهقى (العدو يكون وجاه القبلة) وص 337 ج 1 مستدرك. و (الغرة) بكسر الغين وشد الراء: الغفلة، وما بعده تأكيد له. والمراد أن المسلمين كانوا غافلين عن حفظ مقامهم وما يخشى من مهاجمة العدو. و (آية القصر) ىية صلاة الخوف (ففى رواية) أحمد: فنزل جبريل عليه السلام بهذه الايات بين الظهر والعصر: " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " وفى رواية النسائى:

فنزلت يعنى صلاة الخوف. وأطلق عليها ىية القصر للمجاورة. و (غزوة بنى سليم)(بالتصغير) كانت بالكدر (بضم فسكون) موضع على ثمانية برد من المدنية وكان القائد فيها على رضى الله عنه، واستخلف النبى صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم وغنم فيها خمسمائة بعير، فقسم أربعمائة على المجاهدين، فخص كل واحد بعيران، وأخذ النبى صلى الله عليه وسلم مائة. أفاده فى بهجة المحافل (ومنه) تعلم أن " ما فى بعض" كتب التاريخ من أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى بنى سليم فى ثلثمائة رجل من أصحابه فوجدهم قد تفرقوا فى مياههم ولم يلق كيداً. أهـ " غير صحيح" والحديث صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بعسفان ثم أن فى أرض سليم. ولا يعارضه ما قيل إن غزوة بنى سليم كانت قبل أحد ولم تكن شرعت صلاة الخوف يومئذ، لاحتمال أن النبى صلى الله عليه وسلم غزا بنى سليم مرتين: مرة قبل أحد ولم يصل فيها صلاة الخوف، ومرة بعد عسفان وصلى بها صلاة الخوف.

ص: 96

(ب) وبما روى عطاء عن جابر عبد الله أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف وذكر أن العدو كانوا بينه وبين القبلة، وأنا صففنا خلفه صفين، فكبر وكبرنا معه جميعاً ثم ركع وركعنا معه جميعاً، فلما رفع رأسه من الركوع سجد وسجد معه الصف الذى يليه، وقام الصف المؤخر فى نحو العدو، فلما قام وقام معه الصف المقدم، فركع وركعنا معه جميعاً، ثم سجد وسجد معه الصف الذى يليه، فلما سجد الصف الذى يليه وجلس انحدر للصف المؤخر بالسجود، ثم سلم وسلمنا جميعاً. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والبيهقى (1). [104].

(الكيفية الثانية) أن يكون العدو فى غير جهة القبلة، فيجعل الإمام الجيش طائفتين بحيث تكون كل طائفة تقاوم العدو تقف بإزاء العدو، ويصلى بطائفة ركعة فى فرض ثنائى - وكذا فى العيد عند الحنفيين وركعتين فى غيره ولو مغرباً. وبعد السجدة الثانية من الركعة الأولى فى الثنائى، وبعد التشهد فى غيره تمضى هذه الطائفة مشاة إلى وجه العدو ولو مستدبرة القبلة، وتجئ الطائفة التى كانت عند العدو فيصلى الإمام بهم ما بقى له ويسلم وحده، وتذهب

(1) ص 4 ج 7 الفتح الربانى. وص 125 ج 6 نووى مسلم (صلاة الخوف) وص 230 ج 1 مجتبى. وص 257 ج 3 سنن البيهقى (العدو يكون وجاه القبلة).

ص: 97

الطائفة الثانية ندباً إلى وجه العدو، فلو أتموا الصلاة مكانهم صحت، وتجئ الطائفة الأولى إلى مكان صلاتهم ندباً ويتمون بلا قراءة عند الحنفيين، لأنهم لاحقون، ثم يذهبون إلى العدو، ولو أتموا عنده صح، ثم تجئ الطائفة الأخرى إن شاءوا ويتمون صلاتهم بقراءة اتفاقاً، لأنهم مسبوقون. وبهذه الكيفية أخذ الحنفيون والأوزاعى والشافعى وأحمد وأشهب المالكى. ورجحها ابن عبد البر:

(أولا) لقوة أدلتها. وهى:

(أ)(قول) ابن مسعود: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فقاموا صفين، فقام صف خلف النبى صلى الله عليه وسلم صف مستقبل للعدو، فصلى النبى صلى الله عليه وسلم بالصف الذى يليه ركعة، ثم قاموا فذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلى العدو وجاء أولئك فقاموا مقامهم، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم، ثم قاموا فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبل العدو ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا. أخرجه احمد وأبو داود والطحاوى والبيهقى بسند رجاله ثقات (1). [105].

(وظاهره) أن الطائفة الثانية والت بين ركعتها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها.

(ب) وقو ابن عمر: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة للعدو. ثم انصرفوا وقاموا

(1) ص 10 ج 7 الفتح الربانى. وص 119 ج 7 المنهل العذب (من قال يصلى بكل طائفة ركعة ثم يسلم .. ) وص 184 ج 1 شرح معانى الآثار (صلاة الخوف) وص 261 ج 3 سنن البيهقى (من قال فى هذا كبر بالطائفتين جميعاً ثم قضى كل طائفة ركعتها الباقية .. ).

ص: 98

مقام اصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك فصلى بهم النبى صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة. أخرجه البيهقى والسبعة إلا ابن ماجه وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (1). [106].

(وظاهره) أنهم أتموا لأنفسهم فى حالة واحدة، ويحتمل أنهم اتموا على التعاقب كما فى حديث ابن مسعود وهو الراجح، لئلا يلزم تضييع الحراسة المطلوبة.

(حـ) وما روى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى صلاة الخوف: تقوم طائفة مع الإمام وطائفة بإزاء العدو، فيكبر الإمام بالطائفة التى معه ويصلى بهم ركعة، فإذا فرغ منها وذهبوا حتى يكونوا بإزاء العدو من غير أن يتكلموا والإمام مكانه، وتأتى الطائفة التى بإزاء العدو فيصلى بهم الإمام ركعة أخرى حتى إذا فرغ منها انصرف الإمام وذهب هؤلاء من غير أن يتكلموا حتى يكونوا بإزاء العدو، فيجئ الآخرون فيقضون وحداناً ركعة ركعة ويسلمون. فذلك قوله تعالى:{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} الآية. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (2)(28)

(1) ص 260 ج 3 سنن البيهقى (من قال يصلى بكل طائفة ركعة ثم يقضون الركعة الأخرى). وص 11 ج 7 الفتحالربانى. وص 293 ج 2 فتح البارى (صلاة الخوف) وص 124 ج 6 نووى مسلم. وص 116 ج 7 المنهل العذب (من قال يصلى بكل طائفة ركعة). وص 229 ج 1 مجتبى (صلاة الخوف) وص 394 ج 1 تحفة الأحوذى.

(2)

انظر رقم 375 ص 75 (صلاة الخوف).

ص: 99

(ثانياً) ولموافقتها الأصول فى أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام غمامه (ولم يفرق) الحنفيون ومالك فى العمل بهذه الكيفية بين أن يكون العدو فى جهة القبلة أم لا (وفرق) الشافعى وأحمد والجمهور فحملوا حديثى ابن مسعود وابن عمر على أن العدو كان فى غير جهة القبلة. وأما إذا كان فى جهتها فيعمل بما تقدم فى حديثى ابى عياش وجابر (ويؤيده) ما تقدم فى حديث ابى عياش من (قوله) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة والمشركون أمامه (وقول) عطاء عن جابر: وذكر أن العدو كانوا بينه وبين القبلة.

(ولا فرق) فى ذلك بين الثنائية وغيرها، لعموم آية:{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} فإذا صلى الرباعية صلاة الخوف فرق القوم طائفتين فصلى بكل طائفة ركعتين وتتم لنفسها. وهل تفارقه الطائفة الأولى فى التشهد الأول أو حين يقوم إلى الثالثة؟ وجهان.

(ودليل) هذا ما روى ابو سلمة عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبى صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من المشركين وسيف النبى صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة فاختر طه فقال له: تخافنى؟ فقال له: لا. قال: فمن يمنعك منى؟ قال: الله، فتنهده أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبى صلى الله عليه وسلم اربع وللقوم ركعتان. أخرجه أحمد والشيخان والبيهقى (1). [107].

(1) ص 21 ج 7 الفتح الربانى. وص 302 ج 7 فتح البارى (غزوة ذات الرقاع) وص 129 ج 6 نووى مسلم (صلاة الخوف) وص 259 ج 3 سنن البيهقى (الإمام يصلى بكل طائفة ركعتين) والرجل من المشركين هو غورث بن الحارث بغين معجمة مفتوحة وقد تضم. ورواه الخطابى بالتصغير وبالشك فى إعجام الغين وإهمالها اسلم وصحب النبى صلى الله عليه وسلم (فاختر طه) أى سله من غمده. و (قال) أى رسول الله (الله) يمنعنى. وفى رواية لأحمد: فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك منى؟ قال: كن خير آخذ. فخلى سبيله.

ص: 100

حمل الحنفيون ومالك هذا الحديث على الصلاة الرباعية فى الخوف، وتأولوا قوله: وللقوم ركعتان، بأن المراد ركعتان مع الإمام ثم أتموا لنفسهم.

وحمله الشافعى وأحمد والحسن البصرى على أنه بيان لصفة أخرى لصلاة الخوف وهى أن يصلى الإمام بكل طائفة ركعتين فيكون مفترضاً فى الأولين متنفلا فى الأخريين، مستدلين بقول أبى بكرة: صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصلى ببعض اصحابه ركعتين ثم سلم فتأخروا، وجاء آخرون فكانوا فى مكانهم فصلى بهم ركعتين ثم سلم، فصار لنبى صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان. اخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والدارقطنى والطحاوى (1). [108].

(وأعله) ابن القطان بأن أبا بكرة اسلم بعد وقوع صلاة الخوف بمدة (ورده) الحافظ بأن هذا ليس بعلة لنه يكون مرحل صحابى. ويرده أيضا قول أبى بكرة: صلى بنا فى رواية أحمد، وعند الطحاوى: صلى بهم.

(وأجاب) الحنفيون عن حديث أبى بكرة بأنه معلول كما تقدم (لكن) يريده حديث أشعث بن عبد الملك الحمرانى عن الحسن عن أبى بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم فى صلاة الخوف صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم انصرف، وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ست ركعات وللقوم ثلاثاً ثلاثاً. أخرجه الدارقطنى والحاكم وقال:

(1) اص 19 ج 7 الفتح الربانى. وص 126 ج 7 المنهل العذب (من قال يصلى بكل طائفة ركعتين) وص 321 ج 1 مجتبى (آخر صلاة الخوف) وص 186 سنن الدارقطنى. وص 176 ج 1 شرح معانى الآثار (صلاة الخوف).

ص: 101

هذا حديث غريب. أشعث الحمرانى لم يكتبه غلا بهذا الإسناد، وهو صحيح على شرط الشيخين (1). [109].

(وأما قول) الحافظ: لم يقع فى شئ من الأحاديث المروية فى صلاة الخوف تعرض لكيفية صلاة المغرب (2)(فمحمول) على أنه لم يرد فى صلاتها مجزأة بين الطائفتين. واختلفوا فيما إذا صليت كذلك. هل يصلى الإمام بالأولى ركعتين وبالثانية واحدة أو العكس؟ (فقال) الحنفيون ومالك وأحمد: يتعين الأول واختاره الشافعى. لما روى فى البحر عن علىّ أنه صلى بالطائفة الأولى ركعتين. قال: وهو توقيف.

(وأجاز) الشافعى أن يصلى بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين، لما ورى عن علىّ أيضاً أنه صلى بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين.

(وأجاب) عنه فى البحر بأن الرواية الأولى ارجح من جهة المعنى، لأنها أخف وأوفق للمعتاد فى نظم الصلاة من انصراف كل طائفة عقب التشهد (وعليه) تفارق الطائفة الأولى الإمام وهو جالس للتشهد او قائم على الثالثة وتتم لنفسها، وتأتى الطائفة الثانية فتصلى معه الركعة الثالثة له ثم تفارقه بعد السلام أو حين جلوسه للتشهد.

(وإذا صلى) بالطائفة الأولى ركعة تفارقه إذا قام للثانية وتتم لنفسها وتأتى الطائفة الثانية وهو فى قيام الثانية وتصلى معه ركعتين ثم تفارقه إذا جلس للتشهد الأخير او بعد سلامه.

(فائدة) يستحب عند الجمهور حمل السلاح حال صلاة الخوف، لقوله تعالى:{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} (3)، ولأنهم لا يؤمنون أن يفاجئهم عدوهم

(1) ص 187 سنن الدارقطنى. وص 337 ج 1 مستدرك.

(2)

ص 296 ج 2 فتح البارى الشرح (باب يحرس بعضهم بعضاً فى صلاة الخوف).

(3)

سورة النساء: آية 102 وصدرها: " وإذا كنت فيهم".

ص: 102

فيميلون عليهم كما قال تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً} (1).

(وقالت) الظاهرية: يجب حمل السلاح حال صلاة الخوف. وهو قول للشافعى لظاهر الأمر، وقد اقترن به ما يدل على الوجوب وهو قوله تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} (2) فنفى الحرج مشروطاً بالأذى دليل على لزوم حمل السلاح عند عدم الأذى.

(وأجاب) الجمهور: بأن الأمر بأخذ السلاح للرفق بهم والصيانة. فليس للإيجاب، لأنه لو وجب لكان شرطاً فى الصلاة كالسترة. (والحجة) مع من قال بوجوب حمله، لما تقدم، وهم يقولون بأن حمل السلاح عند عدم الذى شرط فى صحة الصلاة كالسترة.

(الكيفية الثالثة) إذا كان العدو فى غير جهة القبلة وهى: أن يجعل الإمام القوم طائفتين، طائفة تقف عند العدو وطائفة تصلى معه ركعة ثم تتم لنفسها وتنصرف على وجه العدو والإمام قائم للثانية، وتأتى الطائفة التى كانت عند العدو فيصلى بهم ركعة ويثبت جالساً حتى يصلى هؤلاء ركعتهم الثانية ثم يسلم بهم.

وبهذا قال مالك والشافعى وأحمد لما روى صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتى معه ركعة ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم

(1) سورة النساء: آية 102.

(2)

سورة النساء: آية 102.

ص: 103

الركعة التى بقيت من صلاته ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم. أخرجه الشافعى والجماعة غلا ابن ماجه (1). [110].

ولا يقدح فيه جهالة من روى عنه صالح بن خوات، لأنه صحابى، والصحابة كلهم عدول.

(الكيفية الرابعة) هى كالثالثة، غير أن الإمام لا ينتظر الطائفة الثانية حتى تتم لنفسها ويسلم بها، بل تجلس معه للتشهد، فإذا سلم أتموا صلاتهم وسلموا. وبهذا قال مالك والشافعى وأحمد والظاهرية، لما روى عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات ان سهل بن أبى حشمة حدثه أن صلاة الخوف ان يقوم الإمام وطائفة من أصحابه - وطائفة مواجهة العدو- فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم، فإذا استوى قائماً ثبت قائماً وأتموا لنفسهم الركعة الباقية ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم، فكانوا وجاه العدو. ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام فيركع

(1) ص 202 ج 1 بدائع المنن. وص 329 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة الخوف) وص 16 ج 7 الفتح الربانى. وص 297 ج 7 فتح البارى (غزوة ذات الرقاع) وص 128 ج 6 نووى مسلم (صلاة الخوف) وص 107 ج 7 المنهل العذب. وص 229 ج 1 مجتبى. وص 395 ج 1 تحفة الأحوذى. و (من صلى مع رسول الله) هو خوات بن جبير أبو صالح على ما جزم به النووى فى تهذيبه (وذات الرقاع) بكسر الراء: غزوة كانت بأرض غطفان من نجد سنة سبع منالهجرة على ما اختاره البخارى، سميت بذلك لأن اقدام المسلمين وقت من الحفاء فلفوا عليها الخرق. قال أبو موسى الأشعرى: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت (من باب فرح) اقدامنا ونقبت قدماى وسقطت أظفارى فكنا نلف على أظفارنا الخرق فسميت غزوة ذاتالرقاع لما كنا نعصب (بفتح فسكون فكسر) على أرجلنا من الخرق. أخرجه البخارى ص 297 ج 2 فتح البارى، وقيل: سميت باسم جبل يقال له الرقاع لن فيه بياضاً وحمرة وسواداً (وحاصلها) أن النبى صلى الله عليه وسلم بلغه أن أنماراً وثعلبة وغطفان تجمعوا لغزو المسلمين فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج صلى الله عليه وسلم فى أربعمائة رجل أو سبعمائة فسار حتى أتى أرض غطفان فلم يجد إلا نسوة فأخذهن وهربت الأعراب إلى رءوس الجبال، ولم يقع ثم قتال، لكن توقع المسلمون ذلك، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف. (وجاه) بكسر الواو وضمها: أى مقابل العدو.

ص: 104

بهم ويسجد بهم ثم يسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون.

أخرجه مالك والبخارى والأربعة، وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح لم يرفعه يحيى بن سعد الأنصارى عن القاسم بن محمد. وهكذا رواه أصحاب يحيى بن سعيد موقوفاً. ورفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد (1)(29).

(الكيفية الخامسة) أن يفرق الإمام القوم فرقتين: فرقة تقف عند العدو، وفرقة تقف خلفه، فيحرم الكل بإحرامه ولو مستدبرين القبلة، ويصلى بمن خلفه ركعة ثم ينصرفون مقابل العدو، ويأتى الآخرون فيصلون لأنفسهم ركعة والإمام قائم، ثم يصلون معه الركعة الثانية، ثم تأتى الطائفة التى عند العدو فتصلى لنفسها الركعة الثانية والإمام والطائفة الثانية جالسون ثم يسلم بالطائفتين جميعاً.

وبهذه الكيفية قال إسحاق وأحمد والظاهرية (لقول) أبى هريرة: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر فقامت معه طائفة وطائفة أخرى مقابلة العدو ظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا جميعاً الذين معه والذين يقابلون العدو، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) ص 330 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة الخوف) وص 300 ج 7 فتح البارى (غزوة ذات الرقاع). وص 108 ج 7 المنهل العذب. وص 395 ج 1 تحفة الأحوذى (صلاة الخوف) وص 196 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 321 ج 1 مجتبى.

ص: 105

ركعة واحدة، وركعت الطائفة التى معه، ثم سجد فسجدت الطائفة التى تليه، والآخرون قيام مقابلة العدو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت الطائفة التى معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التى كانت مقابلة العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو. ثم قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى وركعوا معه وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التى تقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه، ثم كان السلام فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا جميعاً. فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعة ركعة. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والحاكم وصححه والطحاوى والبيهقى بسند رجاله ثقات (1). [111].

(الكيفية السادسة) أن تصلى إحدى الطائفتين مع الإمام الركعة الأولى إلى الجلوس بين السجدتين ويبقى هو جالساً وتسجد وحدها السجدة الثانية وترجع إلى الوراء حتى تقف عند العدو، وتأتى الطائفة الثانية فتقف خلف الإمام فيحرمون ثم يركعون ويرفعون من الركوع وحدهم، ثم يسجد الإمام سجدته الثانية فيسجدون معه، ثم يقوم إلى الركعة الثانية ويسجدون

(1) ص 23 ج 7 الفتح الربانى. وص 111 ج 7 المنهل العذب (من قال يكبرون جميعاً وإن كانوا مستدبرين القبلة) وص 229 ج 1 مجتبى (صلاة الخوف) وص 338 ج 1 مستدرك. وص 185 ج 1 شرح معانى الآثار. وص 264 ج 3 سنن البيهقى (من قال قضت الطائفة الثانية الركعة الأولى عند مجيئها .. ) و (ركعة ركعة) هذا لفظ ابى داود والحاكم، أى كان للنبى صلى الله عليه وسلم ركعتان مع الجماعة، ولكل طائفة ركعة معه وركعة منفردين. فعند أحمد والنسائى والطحاوى: ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان. وصوبه البيهقى.

ص: 106

لأنفسهم السجدة الثانية، ثم تجئ الطائفة الأولى خلف الإمام فيصلى بهم جميعاً الركعة الثانية ثم يسلم بهم جميعاً.

وبهذا قال إسحاق وأحمد وابن المنذر والظاهرية لما روى عن عائشة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف بذات الرقاع، فصدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس صدعين، فصفت طائفة وراءه وقامت طائفة تجاه العدو، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرت الطائفة الذين صفوا خلفه ثم ركع وركعوا، ثم سجد فسجدوا، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فرفعوا معه، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وسجدوا لأنفسهم السجدة الثانية، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون القهقرى حتى قاموا من ورائهم، فأقبلت الطائفة الأخرى فصفوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا ثم ركعوا لأنفسهم، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا ثم ركعوا لأنفسهم، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدته الثانية فسجدوا معه، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ركعته وسجدوا هم لأنفسهم السجدة الثانية. ثم قامت الطائفتان جميعاً فصفوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع فركعوا جميعاً ثم سجد فسجدوا جميعاً ثم رفع رأسه ورفعوا معه، كل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً جداً لا يألو أن يخفف ما استطاع. ثم سلم فسلموا. فقام وقد شاركه الناس فى الصلاة كلها. أخرجه أحمد - وهذا لفظه - وأبو داود والبيهقى والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وهو أتم حديث وأشفاه فى صلاة الخوف (1). [

112].

(1) ص 25 ج 7 الفتح الربانى. وص 115 ج 7 المنهل العذب وصدره: كبر رسول الله. وص 265 ج 3 سنن البيهقى (من قال قضت الطائفة الثانية الركعة الأولى عند مجيئها .. ) وص 336 ج 1 مستدرك. و (صدعين) بكسر فسكون مثنى صدع وهو القسم. و (سريعاً جداً) أى صلى الركعة الثانية مسرعاً فى سجودها الثانى إسراعاً مبالغاً فيه مع مراعاة ما يحصل به أقل الكمال (وحكمة) هذا الإسراع مخافة هجوم العدو خصوصاً حال السجود .. و (المشاركة فى كل الصلاة) باعتبار أن الطائفة الثانية قضت معظم الركعة التى فاتتها قبل سلام الإمام وسلمت بسلامه، فلا يرد أنها لم تشاركه فى الركعة إلا فى سجدة واحدة.

ص: 107

(الكيفية السابعة) أن يصلى الإمام بإحدى الطائفتين ركعة ثم تذهب تحرس العدو، وتأتى الطائفة الأخرى فتصلى معه الركعة الثانية ثم يسلم، فتكون له ركعتان ولكل طائفة ركعة بلا قضاء.

وبهذا قال الثورى وأحمد وإسحاق وابن المنذر والظاهرية، مستدلين بما روى ثعلبة بن زهدم قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة بن اليمان: أنا. فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا. أخرجه أبو داود والنسائى والطحاوى والبيهقى والحاكم وقال: هذا صحيح الإسناد (1)[113].

(وقال) الجمهور: صلاة الخوف كصلاة الأمن، فلا يجوز الاقتصار فيها على ركعة واحدة، وتأولوا الحديث ونحوه بأن المراد أن كل طائفة صلت مع الإمام ركعة وأتموا لنفسهم ركعة (وقوله) ولم يقضوا: أى لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن، وهو بعيد، لن معناه المتبادر: لم يصلوا ركعة أخرى غير التى صلوها مع الإمام.

(1) ص 122 ج 7 المنهل العذب (من قال يصلى بكل طائفة ركعة ولا يقضون) وص 228 ج 1 مجتبى (صلاة الخوف) وص 183 ج 1 شرح معانى الآثار. وص 261 ج 3 سنن البيهقى (من قال يصلى بكل طائفة ركعة ولم يقضوا) وص 335 ج 1 مستدرك. و (زهدم) بفتح الزاى وسكون الهاء، و (طبرستان) بفتح الطاء والباء الموحدة وكسر الاء: مركب من طبر، وهى بالفارسية اسم للفأس، وستان وهى الناحية، سميت بذلك لأنها لكثرة اشجارها واشتباكها لا يتمكن الجيش من سلوكها إلا بعد قطع الأشجار بالطبر. وهى بلاد واسعة بالعجم، فتحت سنة 29 من الهجرة فى عهد عثمان على يد سعيد بن العاص رضى الله عنهما.

ص: 108

ويؤيده (حديث) ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذى قرد وصف الناس خلفه صفين: صفاً خلفه وصفاً موازى العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا. أخرجه النسائي والحاكم وقال: هذا شاهد للحديث الذي قبله وهو صحيح الإسناد (1). [114].

(قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: ويجوز أن يصلى صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أحمد: كل حديث يروى فى أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز. وقال: ستة أوجه أو سبعة تروى فيها كلها جائز. قال الأثرم: قلت لبى عبد الله: تقول بالأحاديث كلها، كل حديث فى موضعه أو تختار واحداً منها؟ قال: أنا أقول: من ذهب إليها كلها فحسن، وأما حديث سهل فأنا أختاره (2).

{فوائد} :

(الأولى) إنما تلزم صلاة الخوف بكيفية مما ذكر إذا لم يرض القوم

(1) ص 228 ج 1 مجتبى (صلاة الخوف) وص 335 ج 1 مستدرك. و (ذى فرد) بفتح القاف والراء، وهى أرض بنى سليم بين خيبر والمدينة على ليلتين منها: كانت غزوتها قبل خيبر بثلاثة ايام (لقول)(سلمة بن الأكوع فى حديث طويل عند مسلم: ثم "أى بعد غزوة ذى قرد" أردفنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة فوالله ما لبثنا 0 أى بالمدينة) إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وص 182، 183 ج 12 نووى مسلم.

(2)

ص 268 ج 2 مغنى (ما ورد فى صفة صلاة الخوف) وحديث سهل تقدم فى الكيفية الرابعة ص 104 اثر 29.

ص: 109

إلا بالصلاة خلف الإمام، اما إذا رضوا فالأفضل ان يصلى بطائفة كل الصلاة ويصليها بالأخرى غمام آخر.

(الثانية) تجوز صلاة الخوف فى الحضر إذا دعت غليها الحاجة بنزول العدو بالبلد أو قريباً منها، لعموم أدلة صلاة الخوف، ولأنها جوزت للاحتياط للصلاة والحرب، وهذا موجود فى الحضر.

(وبهذا) قال الحنفيون والشافعي وأحمد والأوزاعى. وهو مشهور مذهب مالك. وعنه أنها لا تجوز فى الحضر؛ لأن الآية غنما دلت على صلاة ركعتين، وصلاة الحضر أربعاً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها فى الحضر.

(وأجاب) الأولون بأن الآية عامة فى الحضر والسفر. وصلاة الحضر كما تكون أربعاً تكون ركعتين كما فى الصبح والجمعة، وثلاثاً كالمغرب.

وترك للنبى صلى الله عليه وسلم فعلها فى الحضر إنما كان لغناه عنها فيه.

(الثالثة) تبطل صلاة الخوف بالمشي لغير اصطفاف طالباً او مطلوباً وبالركوب مطلقاً ولو لاصطفاف، لأنه عمل كثير بلا ضرورة. وبالقتال الكثير الزائد على الحاجة، وكذا إذا صلى فى المغرب بالطائفة الأولى ركعة وبالأخرى ركعتين تفسد صلاتهما عند الحنفيين ومالك وأحمد لانصراف الأولى فى غير أوان الانصراف، ولأن الثانية لما أدركت الركعة الثانية صارت من الطائفة الأولى، وقد انصرف أوان رجوعها، ولا تبطل صلاتهما عند الشافعي لما روى أن علياً رضى الله عنه صلى المغرب ليلة الهرير بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين. ذكره البيهقى بلا سند وأشار على ضعفه فقال: ويذكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علياً .... إلخ (1)(30).

(1) ص 414 ج 4 شرح المهذب. وليلة الهرير من ليالى صفين، سميت بذلك لنهم كان لهم هرير (صوت) عند حمل بعضهم على بعض.

ص: 110

ولو جعلهم ثلاث طوائف فصلى بكل طائفة ركعة فسدت صلاة الأولى فقط- عند الحنفيين ومالك وأحمد - لانصرافها فى غير أوان الانصراف.

والأصح عند الشافعية صحة صلاة الكل.

(الرابعة) دلت أحاديث صلاة الخوف والعدو فى غير جهة القبلة على تفريق الجيش فرقتين، وأنه لا يجوز أن يفرقهم الإمام أكثر من فرقتين، فيصلى لكل فرقة ركعة أو يصلى بالأولى ركعتين وبالباقيتين ركعة ركعة فى الصلاة الرباعية، إذ لم يرد ذلك فى شئ من أحاديث الباب. والرخص يقتصر فيها على ما ورد. فإذا فعل الإمام ذلك بطلت صلاته ومن خلفه عند سحنون المالكى لمخالفتها المشروع فى صلاة الخوف.

وقال الحنفيون وأحمد: تبطل صلاة الإمام لزيادته على انتظارين ولم يعهد فى صلاة الخوف سواهما. وتبطل صلاة الطائفة الثالثة والرابعة لاقتدائهم بالإمام بعد بطلان صلاته. وأما الطائفة الأولى والثانية فصلاتهم صحيحة لمفارقتهم الإمام قبل بطلان صلاته كما جزم به الرافعى.

(وقال النووى) الأصح ان صلاة الإمام صحيحة، فإنه قد تدعوا الحاجة إلى ذلك، وعليه ففى صلاة المأمومين قولان: أصحهما أنها صحيحة (والصحيح) عند المالكية ان صلاة الطائفة الأولى والثالثة باطلة وصلاة غيرهما صحيحة. أفاده العراقى (1).

(الخامسة) ظاهر إطلاق أحاديث الباب أن صلاة الخوف تجوز ايضاً فى الجمعة، وعليه فيجوز أن تصلى على هيئة صلاة عسفان بأن يرتبهم الإمام صفين خلفه ويحرس فى سجود كل ركعة صف على ما تقدم. ويجوز أن تصلى علىهيئة صلاة ذات الرقاع بشرط أن يخطب بهم جميعاً أو يخطب بفرقة تفى بالعدد الواجب حضوره فى الجمعة على ما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.

(1) ص 139 ج 3 طرح التثريب (هل للإمام أن يفرقهم أربع فرق فى الرباعية أو ثلاثاً فى المغرب).

ص: 111

(8)

صلاة شدة الخوف:

وإن اشتد الخوف والتحم القتال ولم يتمكن الجيش من تركه لقتلهم وكثرة العدو أو لم يلتحم، لكن لم يأمن الجيش أن ينقلب العدو عليهم لو انقسموا صلوا، بحسب الإمكان رجالا وركباناً مستقبلى القبلة وغير مستقبليها يؤمنون بالركوع والسجود على قدر الطاقة، ويجعلون السجود اخفض من الركوع فيسقط عنهم ما عجزوا عنه من الأركان (لقول) الله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} ، ولما روى نافع أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس فيصلى بهم الإمام ركعة.

(ثم قال) فإن كان خوف هو اشد من ذلك صلوا رجالا قياماً على أقدامهم أو ركباناً مستقبلى القبلة أو غير مستقبليها.

قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مالك والشافعي والشيخان والبيهقى، وهذا لفظ البخاري (1). [115].

(وبهذا) قالت الأئمة والجمهور إلا أن المالكية قالوا: لا تصلى على هذه الحالة إلا إذا ضاق الوقت (واختلفوا) هل يغتفر للجيش حينئذ التقدم والتأخر والقتال والأفعال الكثيرة المحتاج إليها؟ فعند مالك وأحمد يغتفر ذلك، وهو الأصح عن الشافعى. وقيل: تبطل الصلاة به، لكن يمضى فيها لحرمة الوقت ثم يعيد (قال) الشافعى: فأما إذا تابع الضرب أو الطعن فلا تجزئه صلاته ويمضى فيها ولا يدعها فى هذه الحال إذا خاف ذهاب وقتها ويصليها ثم يعيدها (2).

(1) ص 331 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة الخوف) وص 203 ج 1 بدائع المنن وص 129 ج 8 فتح البارى (قوله): " فإن خفتم فرجالا أو ركباناً فإذا أمنتم " الآية. وص 125 ج 6 نووى مسلم. وص 256 ج 3 سنن البيهقى (صلاة شدة الخوف).

(2)

ص 197 ج 1 كتاب الأم (الوجه الثانى من صلاة الخوف .. ).

ص: 112

(وقال) الحنفيون: إن اشتد الخوف صلوا وحداناً (رجالا) واقفين - لا مشاة - (أو ركباناً) ولو مع السير مطلوبين للضرورة لا طالبين، يؤمنون بالركوع والسجود إلى أى جهة قدروا إن عجزوات عن التوجه إلى القبلة، فليس لهم أن يقاتلوا فى حال الصلاة، فإن فعلوا بطلت صلاتهم. وإذا دعا الحال إلى القتال أخروا الصلاة لجله.

(وقال) ابن أبى ليلى والحكم بن عتبة: إذا اشتد القتال ودعا الحال إلى الركوب لا تصلى الفريضة على الدابة بل تؤخر الصلاة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يصل يوم الخندق راكباً وأخر الصلاة.

(قال) علىّ رضى الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس. أخرجه الشيخان (1). [116].

(وأجاب) الأولون بأن غزوة الخندق كانت قبل مشروعية صلاة الخوف فلا يحتج بما وقع فيها على ترك الصلاة فى شدة الخوف راكباً او تأخيرها إن احتاج الأمر للقتال (فقد) تقدم أن أبا سعيد الخدرى قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد الغروب بهوى من الليل حتى كفينا وذلك قوله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِياً عَزِيزاً} فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام الظهر (الحديث)، وفيه: ثم أقام العشاء فصلاها كذلك. وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل فى صلاة الخوف: {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} .أخرجه الشافعى والطحاوى وقال: فأخبر أبو سعيد أن تركهم للصلاة يومئذ ركباناً إنما كان قبل ان يباح لهم ذلك، ثم أُبيح لهم بهذه الآية (2).

(1) انظر ص 285 ج 7 فتح البارى (غزوة الخندق) وص 127 ج 5 نووى مسلم (دليل من قال الصلاة الوسطى هى صلاة العصر).

(2)

تقدم رقم 21 ص 25 ترتيب الفوائت: و (الهوى) بفتح الهاء وكسر الواو وشد الباء: الزمن الطويل.

ص: 113

(فالراجح) جواز صلاة الخوف إن اشتد الخوف والتحم القتال ركباناً ومشاة مع القتال، والضرب والكر والفر إن دعت إليه الحاجة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه فى غير شدة الخوف، فأمرهم بالمشى إلى جهة العدو وهم فى الصلاة ثم يعودون لقضاء ما بقى من صلاتهم، وهذا مشى كثير وعمل طويل واستدبار للقبلة. فإذا جاز ذلك مع عدم شدة الخوف فمع شدته أولى.

{فوائد} :

(الأولى) اختلف العلماء فى جواز الكلام فى صلاة شدة الخوف إن احتيج إليه (فقالت) المالكية: يحل فيها كلام أجنبى لغير إصلاح الصلاة إن احتيج له فى القتال كتحذير وإغراء وأمر ونهى (لقول) حذيفة بن اليمان لسعيد بن العاص: وتأمر أصحابك إن هاجم هيج من العدو فقد حل لهم القتال والكلام. هذا بعض أثر أخرجه أحمد بسند صحيح (1)(31).

(وقال) الحنفيون والشافعى وأحمد: تبطل صلاة الخوف بالكلام وإن احتيج إليه. قال الشافعى: وإذا تعمد فى الصلاة كلمة يحذر بها مسلماً أو يسترهب بها عدواً وهو ذاكر انه فى صلاة فقد انتقضت صلاته وعليه إعادتها متى أمكنه (2).

(وقال) النووى: ولا يجوز الصياح ولا فيره، والكلام بلا خلاف، فإن صاح فبان معه حرفان فإن بطلت صلاته، لأنه غير محتاج إليه، بخلاف المشى وغيره. ولا تضر الأفعال اليسيرة بلا خلاف، لأنها لا تضر فى غير الخوف

(1) ص 29 ج 7 الفتح الربانى. و (إن هاجهم .. إلخ) أى إن أزعجهم حرب من العدو فقد حل لهم القتال والكلام الضرورى وهم يصلون.

(2)

ص 197 ج 1 كتاب الأم (الوجه الثانى من صلاة الخوف).

ص: 114

ففيه أولى. وأما الأفعال الكثيرة فإن لم تتعلق بالقتال أبطلت بلا خلاف.، وإن تعلقت به كالطعنات والضربات المتوالية، فإن لم يحتج إليها أبطلت بلا خلاف لأنها عبث، وإن احتاج إليها ففيها ثلاثة أوجه: أصحها عند الأكثرين لا تبطل وصححه الرافعى وغيره قياساً على المشى، ولأن مدار القتال على الضرب ولا يحصل المقصود غالباً بضربة وضربتين ولا يمكن التفريق بين الضربات (1).

(وأجابوا) عن قول حذيفة بأنه موقوف عليه فلا يعارض عموم ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس (2).

(الثانية) تجوز الجماعة فى صلاة شدة الخوف عند أحمد لإطلاق قول ابن عمر: فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياماً على أقدامهم

إلخ (3).

وقالت الشافعية: الجماعة أفضل، ولا يمنع من الاقتداء اختلاف الجهة كالمصلين حول الكعبة وفيها (وقالت) المالكية: تكره الجماعة فيها (وقال) الحنفيون: لا تصح الجماعة فيها فى ظاهر الرواية إلا إذا كان المقتدى والإمام على دابة واحدة، فيصح الاقتداء لاتحاد المكان والجهة.

(الثالثة) من أمن فى أثناء صلاة الخوف أتمها صلاة آمن، ومن كان آمناً فخاف أو أشتد خوفه أتم صلاة خائف (وبيانه) أن من صلى بعض الصلاة حال الخوف ثم ذهب خوفه، لا يجوز انحرافه ومشيه إلى جهة العدو، وتصلى كل طائفة فى مكانها، ومن انحرف قبل زوال الخوف بنى على

(1) انظر ص 426 ج 4 شرح المهذب (صلاة شدة الخوف).

(2)

تقدم رقم 5 ص 3 (مبطلات الصلاة).

(3)

تقدم برقم 115 ص 112.

ص: 115

ما صلى، ومن ابتدأ الصلاة آمناً ثم طرأ الخوف جاز له الانحراف إلى جهة العدو فى وقته لوجود الضرورة، ومن صلى بعض الصلاة حال شدة الخوف مع الإخلال بشئ من فرائضها كالاستقبال والركوع والسجود فآمن فى أثنائها اتمها بفرائضها؛ فإن كان راكباً إلى غير القبلة نزل واستقبلها، وإن كان ماشياً وقف واستقبل حال نزوله أو أخلّ بشئ من فرائضها بعد أمنه فسدت صلاته وإن ابتدأها آمناً ثم حدث خوف أتمها بما استطاع. افاده ابن قدامة (1).

(9)

صلاة الطالب والمطلوب:

من كان مطلوباً أو طالباً للعدو فخاف فوته أوفوت الوقت صلى بالإيماء ولو ماشياً إلى غير جهة القبلة عند الأوزاعى وابن حبيسب المالكى وهو رواية عن الشافعى (لقول) عبد الله بن أنيس: دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد بلغنى أن خالد بن سفيان بن نبيح يجمع لى الناس ليغزونى وهو بعرنة فأته فاقتله. قلت: يا رسول الله انعته لى حتى أعرفه. قال: إذا رايته وجدت له قشعريرة. فخرجت متوشحاً بسيفى حتى وقعت عليه وهو بعرنة مع ظُعُن يرتاد لهن منزلا وكان وقت العصر. فلما رأيته وجدت ما وصف لى رسول الله صلى الله عليه وسلم منالقشعريرة، فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بينى وبينه محاولة تشغلنى عن الصلاة، فصليت وأنا أمشى نحوه أومئ برأسى للركوع والسجود. فلما انتهيت إليه قال: من الرجل؟ قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاءك لهذا. قال: أجل انا فى ذلك، فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكننى حملت عليه السيف حتى قتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه، فلما قدمت على رسول الله صلى الله علييه وسلم قال:

(1) تقدم برقم 115 ص 112.

ص: 116

افلح الوجه. قلت: قتلته يا رسول الله. قال: صدقت (الحديث) اخرجه أحمد والبيهقى (1). [117].

(وقال الحنفيون) يصلى المطلوب راكباً بالإيماء بخلاف الماشى والسائح والطالب ولو راكباً (وقال) أحمد وعطاء والثورى: المطلوب يصلى سائراً بالإيماء بخلاف الطالب. وهذا هو المختار عند الشافعى، وإذا انهزم الكفار وتبعهم المسلمون خشية أنهم لو ثبتوا وكملوا للصلاة فاتهم العدو، لا تجوز لهم صلاة شدة الخوف فى هذه الحالة- عند الشافعية- إلا إن خافوا كميناً او رجوع العدو.

وعند المالكية فى ذلك قول بالجواز وقول بالمنع.

(وكالمطلوب) فى ذلك كل من منعه عدو عن الركوع والسجود أو خاف على نفسه أو أهله أو ماله من نحو لص او سبع، فإنه يصلى بالإيماء على أى جهة توجه غليها، والمختار عند مالك الإعادة فى الوقت إن أمن، ويجوز ذلك فى كل هرب مباح من سيل أو حريق إذا لم يجد معدلا عنه، أو من سبع.

وكذا المدين المعسر إذا كان عاجزاً عن بينة الإعسار ولو ظفر به المستحق لحبسه ولم يصدقه، وكذا إذا كان عليه قصاص يرجو العفو عنه إذا سكن الغضب بتغيبه واستبعد إمام الحرمين جواز هربه بهذا التوقع. أفاده العراقي (2).

(1)(انظر ص 26 ج 7 - الفتح الربانى. وص 256 ج 3 سنن البيهقى 0 صلاة شدة الخوف). و (أنيس) و (نبيح) مصغران. و (عرنة) بضم ففتح: موضع قرب عرفة. و (قشعريرة) بضم ففتح فسكون فكسر، أى رعدة. و (ظعن) بضمتين: جمع ظعينة وهى فى الصل الراحة يظعن (أى يسار) عليها. وقيل هى المرأة فى الهودج. ثم أطلقت على المرأة بلا هودج. و (الحديث) انظره تاماً ص 122 ج 7 المنهل العذب.

(2)

انظر ص 150 ج 3 طرح التثريب (صلاة الخوف للمنهزم والهارب).

ص: 117

(وأجابوا) عن حديث عبد الله بن أنيس بأنه وقعة عين خاصة به لورود الأمر الخاص به وكونه عليه الصلاة والسلام عينه لقتل هذا الرجل وجعل له علامة عليه وهى قشعريرة تحصل له عند رؤيته، فكان ذلك كما أخبر، وكان معجزة وعلماً من أعلام النبوة، فلا يلزم من اغتفار المشى الكثير له فى هذه الحالة اغتفار ذلك لغيره. ويحتمل أن يقال: كان عبد الله بن أنيس فى معنى الطالب الذى يخشى كرة العدو، إذ لا يأمن شر خالد بن سفيان لو عرفه قبل المبادرة إليه.

قال ابن المنذر: كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول: إن المطلوب يصلى على دابته يومئ غيماء، وإن كان طالباً نزل فصلى على الأرض. قال الشافعى: إلا أن ينقطع عن أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه فيجزئه ذلك. وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل بخلاف المطلوب. ووجه الفرق ان شدة الخوف فى المطلوب ظاهرة، وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه وإنما يخاف أن يفوته العدو، وهذا متعقب بكلام الأوزاعى فإنه لم يفرق بين الطالب والمطلوب: قاله الحافظ (1).

والظاهر ان مرجع هذا الخلاف إلى الخوف المذكور فى الاية، فمن قيده بالخوف على النفس والمال من العدو فرق بين الطالب والمطلوب، ومن جعله أعم من ذلك لم يفرق بينهما وجوز صلاة الخوف للراجل والراكب عند حصول أى خوف.

(تنبيه) علم مما تقدم حرص الشارع على الصلاة واهتمامه بأمرها حتى طلب تأديتها من المجاهدين فى سبيل الله تعالى والعدو يطاردهم ويطاردونه، ولم يبح لهم تأخيرها عن وقتها، وبهذا تميزت عن سائر العبادات، إذ كلها تسقط بالأعذار بخلاف الصلاة، فإنه لا يحل لمن فى راسه عقل تركها بحال من الأحوال، فإن تركها جريمة كبرى توجب قتل التارك ولو لصلاة واحدة،

(1)(انظر ص 298 ج 2 فتح البارى) صلاة الطالب والمطلوب).

ص: 118