الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أى وقت، مستدلين بما تقدم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها (1).
(وإن شك) فى شغل ذمته بها قضاها فى غير أوقات النهى عن النافلة.
ويحرم قضاؤها فى أوقات حرمة النافلة، ويكره فى أوقات كراهتها.
(وقالت) الشافعية: يجوز قضاؤها فى كل وقت (لحديث) أنس السابق إلا وقت خطبة الجمعة، فإنه لا يجوز فيه قضاء الفوائت لما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت. أخرجه الشافعى والجماعة وصححه الترمذى (2). [26].
ووجه الدلالة أنه إذا منع من هذه الكلمة وهى أمر بمعروف-لما فيها من الاشتغال عن الخطبة- فالمنع من الصلاة أولى. ويستثنى من ذلك تحية المسجد لورود النص بها كما تقدم فى بحث " التحية"(3).
(وقالت) الحنبلية: يجوز قضاؤها فى كل وقت بلا استثناء، لعموم حديث أنس السابق.
(الثالث) صلاة المريض
قال الله تعالى: " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ"(4).
قال ابن مسعود وغيره: الآية نزلت فى الصلاة، أى صلوا قياماً إن قدروا
(1) تقدم رقم 22 ص 26.
(2)
ص 166 ج 1 بدائع المنن، ص 366 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية الكلام)(والامام يخطب) وانظر الحديث رقم 801 ص 418 ج 1 فيض القدير للمناوى. وتقدم رقم 64 ص 40 ج 2 (الصلاة وقت خطبة الجمعة).
(3)
تقدم ص 233 ج 3.
(4)
سورة آل عمران: الآية 191.
وقعوداً إن عجزوا عنه وعلى جنوبهم إن عجزوا عن القعود. أخرج معناه الطبرانى وابن أبى حاتم (1).
(وقال) عمران بن حصين: كانت بى بواسير، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة. فقال: صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب. أخرجه السبعة إلا مسلماً وزاد النسائى: فإن لم تستطع فمستلقياً "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"(2). [27].
والكلام بعد ينحصر فى أحد عشر فرعاً:
(1)
قيام المريض:
يلزمه القيام فى الفرض إجماعاً إن قدر عليه ولو معتمداً على نحو حائط وعصا لما تقدم عن أُم قيس بنت محصن أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً فى مصلاة يعتمد عليه. أخرجه أبو داود، وفى سنده عبد الرحمن بن صخر، مجهول (3). [28].
(ويلزمه) حينئذ القيام مستنداً عند غير المالكية على ما تقدم فى بحث " القيام" من أركان الصلاة (قال) أبو عبد الله بن قدامة: وإن قدر على القيام بأن يتكئ على عصا، أو يستند إلى حائط، او يعتمد على أحد جانبيه لزمه؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر، فلزمه كما لو قدر بغير هذه
(1) ص 329 ج 6 مجمع الزوائد (آل عمران) وص 377 ج 1 فتح القدير للشوكانى.
(2)
تقدم رقم 190 ص 142 ج 2 (القراءة).
(3)
تقدم رقم 190 ص 142 ج 2 (القراءة).
الأشياء (1). ومن قدر على بعض القيام ولو متكئاً على عصا أو حائط قام لزوماً بقدر ما يقدر ولو بقدر آية أو تكبيرة على الصحيح عند الحنفيين وغيرهم. ومن قدر على القيام إذا صلى منفرداً وعجز عنه إذا صلى مع الإمام لتطويله صلى مع الإمام قائماً، وإذا شعر بضعف قعد وأتم الصلاة جماعة حسبما يقدر عند غير الحنبلية. وعن أحمد روايتان.
(قال) أبو عبد الله بن قدامة: وإن قدر المريض على الصلاة وحده قائماً ولا يقدر عليه مع الإمام لتطويله يحتمل ان يلزمه القيام ويصلى وحده، لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة، والجماعة تصح الصلاة بدونها.
ويحتمل أنه يخير بين الأمرين، لأنا أبحنا له ترك القيام المقدور له مع إمام عاجز عن القيام مراعاة للجماعة، فهنا أولى ولأن الثواب يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام، بدليل أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، وصلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده سبعاً وعشرين درجة. وهذا أحسن وهو مذهب الشافعي (2).
(2)
عجز المريض عن الركوع
من قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود، لم يسقط عنه القيام عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور، بل يصلى قائماً مومياً بالركوع ثم يجلس فيومئ بالسجود. ومن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ للسجود، لأن القيام ركن قدر عليه فلزمه الإتيان به، والعجز عن غيره لا يقتضى سقوطه، لأن الطاعة بقدر الطاقة.
(قال) الحنفيون: يسقط عنه القيام لأن ركنيته لكونه وسيلة إلى السجود
(1) ص 782 ج 1 مغنى (صلاة القادر على القيام متكئاً).
(2)
ص 283 منه.
فيسقط بسقوط اصله، ويخير المصلى بين القيام مومياً بالركوع والسجود وبين القعود وهو أفضل من القيام، لأن رأسه فى الإيماء قاعداً يكون أقرب إلى الأرض، ويكون إيماؤه للسجود اخفض من إيمائه للركوع.
(3)
عجزه عن القيام:
من عجز عن القيام بنفسه او مستنداً لمرض حقيقى بأن يلحقه بالقيام ضرر، او حكمى بأن خاف زيادته أو بطأه أو دوران رأسه، أو وجد ألماً شديداً بسبب القيام، أو كان لو صلى قائماً سلس بوله او تعذر عليه الصيام صلى قاعداً كيف شاء ولو مستنداً بركوع وسجود، لما تقدم، ولقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1).
(وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يصلى المريض قائماً، فإن نالته مشقة صلى جالساً، فإن نالته مشقة صلى نائماً يومئ براسه " أخرجه الطبرانى فى الأوسط وفى
سنده حلس بن محمد الضبعى. قال الهيثمى: لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات (2)[29].
(وبهذا) قال الأئمة الأربعة والجمهور، لأن فى تكليفه القيام حينئذ حرجاً، والعبرة فى عدم استطاعة القيام بوجود مشقة فيه، ومنها دوران الرأس فى حق راكب السفينة ونحوها.
(قال النووى) ولو جلس للغزاة رقيب يراقب العدو فحضرت الصلاة ولو قام لرآه العدو، أو جلس الغزاة فى مكمن ولو قاموا لرآهم العدو وفسد التدبير، فلهم الصلاة قعوداً وتجب الإعادة لندوره (3).
(1) سورة الحج: من آية 78، وصدرها:" وجاهدوا فى الله حق جهاده".
(2)
ص 149 ج 2 مجمع الزوائد (صلاة المريض والجالس).
(3)
ص 148 منه وص 306 ج 2 سنن البيهقى (الإيماء بالركوع والسجود إذا عجز عنهما).
(قال المختار) بن فلفل: سألت أنساً عن صلاة المريض، فقال: يركع ويسجد قاعداً فى المكتوبة. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (1)(6).
(وعلى) أى حال إن قعد العاجز عن القيام أجزأه، واختلفوا فى الأفضل (فقال) مالك والثورى والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد: الأفضل التربع، لأنه بدل القيام، والقيام يخالف القعود فى الصلاة، فينبغى أن يكون بدله كذلك، ولأنه أبعد عن السهو والاشتباه (وعن) أبى حنيفة وزفر والزنى أن الافتراش أفضل.
(4)
عجزه عن السجود:
من قدر على القعود وعجز عن السجود ركع وأ ومأ إلى السجود، وإن عجز عن الركوع والسجود وأومأ بهما (ويكره) تحريماً عند الحنفيين أن يرفع إلى وجهه شيئاً يسجد عليه (الحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة، فأخذه فرمى بها، فأخذ عوداً ليصلي عليه، فأخذه فرمى به وقال: صلى على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك. أخرجه البراز والبيهقي في المعرفة والسنن بسند قوي (2). [30].
(وعن أبي حنيفة) عن حماد عن إبراهيم أنه قال في المريض: إذا لم يستطع القيام يصلي جالساً، فإن لم يستطع يسجد فليوم إيماء، ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولا يسجد على الحجر ولا على عود. أخرجه أبو يوسف في الآثار (3)(7).
(1) انظر رقم 233 ة ص 63 - الآثار.
(2)
ص 785 ج 1 مغنى (إيماء العاجز عن الركوع والسجود).
(3)
ص 283 منه.
فإن رفع شيئاً يسجد عليه وكان ينخفض رأسه للسجود صح، وإلا فلا، لتركه فرض الإيماء للسجود (وهذا) مشهور مذهب الحنبلية.
(قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: فأما إن رفع إلى وجهه شيئاً فسجد عليه، فقال بعض أصحابنا لا يجزيه. وروى عن ابن مسعود وابن عمر وجابر وأنس أنهم قالوا: يومئ ولا يرفع إلى وجهه شيئاً. وهو قول عطاء ومالك والنووي. وروي الأثري عن أحمد أنه قال: أي ذلك فعل فلا بأس يومئ أو يرفع المرفقة فيسجد عليها، قيل له: المروحة؟ قال: لا، أما المروحة فلا. وعن أحمد أنه قال: الإيماء أحب إلي. وإن رفع إلى وجهه شيئاً فسجد عليه أجزأه. وهو قول أبي ثور. ولابد من أن يكون بحيث لا يمكنه الانحطاط أكثر منه. ووجه الأول أنه سجد على ما هو حامل له فلم يجزه كما على يديه (1).
(5)
عجزه عن القعود:
من عج عن القعود بنفسه أو مستنداً ولو كان العجز حكمياً كما لو أخرج الطبيب الماء من عينيه وأمره بعدم القعود أياماً صلى بالإيماء للركوع والسجود مضطجعاً على جنبه الأيمن أو الأيسر، ووجهه إلى القبلة.
(6)
عجزه عن الإضطجاع:
فإن عجز عن الإضطجاع على جنبه: صلى - عند الشافعية - بالإيماء فى الركوع والسجود مستلقياً على ظهره رافعاً رأسه بوسادة ليصير وجهه ورجلاه إلى القبلة (لحديث) علىّ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يصلى المريض قائماً إن استطاع، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلى قاعداً صلى على
(1) ص 175 ج 1 مغنى (إيماء العاجز عن الركوع والسجود).
جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلى على جنبه الأيمن صلى مستلقياً ورجلاه مما يلى القبلة. أخرجه الدارقطنى (1). [31].
وفى سنده: (أ) حسين بن زيد، ضعفه على بن المدينى.
(ب) الحسن بن الحسين العرنى، قال الحافظ متروك. ولذا قال النووى: هذا حديث ضعيف. أ. هـ لكن له شواهد منها حديث ابن عباس عند الطبرانى (2).
(قالت) المالكية والحنبلية: الترتيب بين الاضطجاع والاستلقاء مستحب، فلو صلى على ظهره، استلقى على بطنه عند المالكية وجعل رأسه للقبلة، فإن استلقى على بطنه مع قدرته على الاستلقاء على ظهره لا تصح صلاته.
(7)
عجزه عن الإيماء:
من عجز عن الإيماء للركوع والسجود برأسه أومأ بعينه ونوى بقلبه، ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتاً عند جماعة من المالكية والشافعية والحنبلية (لحديث) جعفر بن محمد عن أبيه عن علىّ بن أبى طالب أن
(1) ص 179 سنن الدارقطنى (صلاة المريض).
(2)
تقدم رقم 29 ص 33.
النبى صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم يستطع أومأ بطرفه. أخرجه زكريا الساجى (1)[32].
ولما يأتى فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه منقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطتعم. أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى (2). [33].
(وقال)(الحنفيون) من تعذر عليه الإيماء بالرأس تؤخر عنه الصلاة ويقضيها متى قدر إن دام عجزه خمس صلوات فأقل وهو يعقل، وإن زادت على خمس فلا يقضيها وإن كان يفهم الخطاب على الصحيح، لأن مجرد العقل لا يكفى لتوجه الخطاب، ولا يومئ بعينه ولا بقلبه ولا بحاجبه لعدم الأمر به فى حديث عمران (ولما روى) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يصلى المريض قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء، فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه. ذكره صاحب الهداية. وقال ابن الهمام: غريب (3). [34].
ولأن السجود تعلق بالرأس دون العين والحاجب والقلب، فلا ينتقل إليه خلفه وهو الإيماء (واختاره) بعض الحنبلية (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: وإن لم يقدر على الإيماء براسه أومأ بطرفه أو نوى بقلبه، ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتاً. وحكى عن ابى حنيفة أن الصلاة تسقط عنه.
وذكر القاضى: أن هذا ظاهر كلام أحمد فى رواية محمد بن يزيد، لما روى عن أبى سعيد الخدرى أنه قيل له فى مرضه: الصلاة. قال: قد كفانى، إنما العمل فى الصحة (8). ولأن الصلاة أفعال عجز عنها بالكلية فسقطت عنه لقول الله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} (4).
(1) ص 322 ج 1 كشاف القناع (صلاة أهل الأعذار) وفيه: عن على بن الحسين وهو تحريف، والصواب عن على بن أبى طالب.
(2)
يأتى رقم 238 ج 8 (من أفطر لعذر ومات قبل زواله) ..
(3)
ص 376 ج 1 فتح القدير (صلاة المريض) وص 176 ج 2 نصب الراية.
(4)
ص 786 ج 1 مغنى (الإيماء بالطرف).
(وقال) محمد بن الحسن فيمن قطعت يداه من المرفقين ورجلاه من الساقين: إنه لا صلاة عليه.
(وقال) علاء الدين الحصكفى: ولو اشتبه على مريض أعداد الركعات والسجدات لنعاس يلحقه، لا يلزمه الأداء ولو أداها بتلقين ينبغى أن يجزئه (1).
(8)
تركه القيام للتداوى:
ومن كان مريضاً يقدر على القيام أو القعود، فقال له طبيب حاذق مسلم ثقة: إن صليت مستلقياً أمكن مداوتك، فله الصلاة مستلقياً عند أبى حنيفة والثورى وأحمد؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى جالساً حين جحش شقه (2). والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بل تركه للمشقة او وجود الضرر فأشبه المريض، فهو حجة على الجواز، ولأنا أبحنا له ترك الوضوء إذا لم يجد الماء أو وجده زائداً على ثمن المثل حفظاً لجزء من ماله، وحفظ البدن مقدم على حفظ المال.
وقال مالك والأوزاعى: لا يجوز، لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه لما كف بصره أتاه رجل فقال: " لو صبرت سبعة ايام لم تصلّ إلا مستلقياً داويت عينك ورجوت أن تبرأ، فأرسل فى ذلك إلى عائشة وأبى هريرة وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل قال له: إن مت فى هذه الأيام ما الذى تصنع بالصلاة؟ فترك معالجة عينه. ذكره ابن قدامة (3)(9).
(وأجاب) عنه الأولون بأنه إن صح يحتمل أن المخبر لم يخبر عن يقين وإنما قال أرجو، أو أنه لم يقبل خبره لكونه مجهول الحال.
(1) ص 562 ج 1 - الدر المختار هامش رد المحتار (صلاة المريض).
(2)
تقدم فى الحديث رقم 112 ص 80 ج 3 (اقتداء قائم بقاعد لعذر).
(3)
ص 784 ج 1 - مغنى (ترك القيام فى الصلاة للتداوى).
المرض والصحة فى اثناء الصلاة:
ومن مرض فى أثناء الصلاة أتمها بما قدر، فلو شرع فيها قائماً فعرض له مرض منعه من القيام أتمها قاعداً يركع ويسجد إن قدر، وإلا أتمها مومياً قائماً أو قاعداً إن قدر، وإلا أتمها مضطجعاً أو مستلقياً؛ لأن ما مضى من الصلاة كان صحيحاً فيبنى عليه كما لو لم يتغير حاله. وهذا مجمع عليه.
ولو كان مريضاً فافتتح الصلاة قاعداً بركوع وسجود ثم صح فى أثنائها أتم قائماً عند ابى حنيفة وأبى يوسف والشافعى ومالك والثورى وأحمد لما تقدم أنه يجوز عندهم اقتداء القائم بالقاعد لعذر، فجاز البناء، وشهد له الدليل.
(وقال) محمد بن الحسن: يستأنف الصلاة ولا يبنى لما فيه من بناء القوى على الضعيف. ومن افتتحها بإيماء للعجز عن الركوع والسجود ثم قدر عليهما فى أثنائها بنى على ما مضى من صلاته عند الشافعية والمالكية والحنبلية.
(وقال) الحنفيون: يستأنف، لما فيه منبناء القوى على الضعيف. وقد تقدم أنه لا يجوز اقتداء الراكع والساجد بالمومى.
(10)
من صلى جالساً لعذر فله أجر القائم من رحمة الله بعبده المؤمن وإحسانه إليه أنه إذا اعتاد تأدية طاعة من الطاعات فأقعده مانع قهرى من مرض أو سفر أو نوم عن تأديتها على وجهها يعطى ثوابها كاملا.
(روى) ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما أحد من الناس يصاب ببلاء فى جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه فقال: اكتبوا لعبدى كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان فى وثاقى. أخرجه أحمد والبزار والطبرانى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما (1). [35].
(1) ص 144 ج 5 - الفتح الربانى. وص 303 ج 2 مجمع الزوائد (ما يجرى على المريض) وص 348 ج 1 مستدرك، وذكر الجسد ليس للاحتراز، فإن كل من اعتاد طاعة فمنعه منها أى مانع قهرى لولاه لأداها فله ثوابها كاملا كما تقد فى حديث أبى موسى الأشعرى رقم 167 ص 120 ج 3 (أعذار ترك الجماعة).
(وعن عائشة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة. اخرجه النسائى (1). [36].
(وعن أبى هريرة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج على المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك منأجرهم شيئاً. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند قوى (2). [37].
(11)
كفارة الصلاة:
تقدم أن الصلاة لا تجب عند الحنفيين على مريض عجز عن الإيماء براسه، فغذا مات ولم يقدر على أدائها ولو بالإيماء برأسه لا يلزمه الإيصاء بها وإن قلت، بأن كانت خمس صلوات فأقل (لما تقدم) عن ابن عمر مرفوعاً: يصلى المريض قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء، فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه (3)(ولعدم) قدرته على القضاء بإدراك زمنه على قول من فسر قبول العذر بجواز التأخير. ومن فسره بالسقوط فظاهر.
(ومن مات) وهو يقدر على أدائها ولو بالإيماء ولم يؤدها، يلزمه الإيصاء بكفارتها من ثلث ماله، وعلى من له التصرف فى ماله بوصاية أو وراثة أن يعطى الفقير لكل صلاة نصف صاع من بر أو دقيقة أو سويقه أو صاع تمر أو زبيب أو شعير او قيمته وهى أفضل، لأنها انفع. ونصف الصاع قدح بالكيل المصرى. والوتر كصلاة عند ابى حنيفة، لأنه فرض
(1) ص 255 ج 1 مجتبى (من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها النوم).
(2)
ص 166 ج 5 - الفتح الربانى. وص 262 ج 4 - المنهل العذب (من خرج يريد الصلاة فسبق بها) وص 137 ج 1 مجتبى (حد إدراك الجماعة)
(3)
تقدم رقم 34 ص 37.
عملى عنده خلافاً لبى يوسف ومحمد (وإن لم يوص) لا يلزم الولى الإطعام.
وإن تبرع به هو أو غيره صح وله الثواب. ول قضاها ورثته أو غيرهم ولو بإذنه لا تسقط عنه، لأنها عبادة بدنية، ولما يأتى عن ابن عباس قال: لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة. أخرجه النسائي فى الكبير والبيهقى بسند صحيح (1)(10).
(وقال) ابن عمر: لا يصلين أحد عن أحد، ولا يصومنّ أحد عن أحد، ولكن عن كنت فاعلا تصدقت عنه أو أهديت. أخرجه عبد الرزاق (2)(11).
(فقد دل) الأثر على أن من مات وعليه صيام يطعم عنه وليه عن كل يوم قدر على قضائه ولم يقضه مداً من حنطة.
(وقاس) الحنفيون الصلاة على الصوم، (قال) الطحاوى: اعلم أنه قد ورد النص فى الصوم بإسقاطه بالفدية. واتفقت كلمة المشايخ على أن الصلاة كالصوم استحساناً، لكونها أهم منه، وإنما الخلاف بينهم فى أن صلاة يوم كصومه، أو كل فريضة كصوم يوم وهو المعتمد. إذا علمت ذلك تعلم جهل من يقول: إن إسقاط الصلاة لا أصل له (3).
(وقال) غير الحنفيين: لا كفارة للصلاة إلا قضاؤها. فمن مات وعليه صلوات لا يكفى فى إسقاطها الإطعام (لما تقدم) عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك (4).
(1) ص 463 - نصب الراية. ويأتى ص 407 ج 8 (فدية ما فات من الصوم).
(2)
ص 463 ج 2 - نصب الراية (أحاديث فى عدم إجزاء الصوم عن الغير).
(3)
ص 237 حاشية الطحاوى على مراقى الفلاح (إسقاط الصلاة).
(4)
تقدم رقم 22 ص 26 (ترتيب الفوائت).