المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الثاني) قضاء الفوائت - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٤

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(الأول) مبطلات الصلاة

- ‌(الثاني) قضاء الفوائت

- ‌(الثالث) صلاة المريض

- ‌(الرابع) الأعذار المسقطة للصلاة

- ‌(الخامس) صلاة المسافر

- ‌(السادس) صلاة الخوف

- ‌(السابع) الجمعة

- ‌(1) فضل يوم الجمعة

- ‌(2) مزايا يوم الجمعة

- ‌(3) ما يطلب ليلة الجمعة ويومها

- ‌(4) صلاة الجمعة

- ‌(5) شروط الجمعة

- ‌(1) مكان الجمعة

- ‌(2) وقت الجمعة

- ‌(3) خطبة الجمعة

- ‌(6) منهاج الخطابة

- ‌(7) إمام الجمعة

- ‌(8) كيفية صلاة الجمعة

- ‌(9) ما تدرك به الجمعة

- ‌(10) ما يقال بعد صلاة الجمعة

- ‌(11) متى يصلى الظهر من لم تلزمه الجمعة

- ‌(12) ترك الجمعة

- ‌(13) اجتماع العيد والجمعة

- ‌(14) كفارة ترك الجمعة لغير عذر

- ‌(15) راتبة الجمعة

- ‌(16) بدع الجمعة

- ‌(الثامن) صلاة العيدين

- ‌(1) مشروعية صلاة العيد

- ‌(2) حكم صلاة العيدين

- ‌(3) من تطلب منه صلاة العيد

- ‌(4) خروج النساء إلى العيد

- ‌(5) ما يطلب للعيد

- ‌(6) وقت صلاة العيد

- ‌(7) مكان صلاة العيد

- ‌(8) ليس لصلاة العيد نداء

- ‌(9) التكبير فى صلاة العيد

- ‌(10) القراءة فى صلاة العيد

- ‌(11) كيفية صلاة العيد

- ‌(12) خطبة العيد

- ‌(13) الجماعة فى صلاة العيد

- ‌(14) تأخير صلاة العيد لعذر

- ‌(15) التهنئة بالعيد

- ‌(16) الرجوع بعد صلاة العيد

- ‌(17) هل للعيد راتبة

- ‌(18) تكبير التشريق

- ‌(19) اللعب والغناء يوم العيد

- ‌(20) بدع العيد

الفصل: ‌(الثاني) قضاء الفوائت

لا خضوع البدن فقط، ولا تقل الله أكبر وفى قلبك شئ أكبر من الله، ولا تقل وجهت وجهي إلا وقلبك متوجه بكله إلى الله ومعرض عن غيره، ولا تقل الحمد لله إلا وقلبك طافح بشكر نعمته عليك فرح مستبشر، ولا تقل إياك نعبد وإياك نستعين إلا مستشعر ضعفك وعجزك وأنه ليس إليك ولا إلى غيرك من الأمر شئ، وكذلك في جميع الأذكار والأعمال. أهـ (1).

(وقال) الغزالى: وقد روى أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه الصلاة والسلام: يا موسى إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكرى خاشعاً مطمئناً، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل وناجني بقلب وجل ولسان صادق (2).

(وقال) العلامة الحلبي: وبالجملة فالتفكير في الصلاة بغير ما يتعلق بها إن كان دنيوياً فمكروه أشد الكراهة، بل مفسد عند أهل الحقيقة (3) لفوات الركن الأصلي المقصود بالذات، وإن كان أُخروياً فهو ترك الأولى، فإن الاشتغال في الصلاة بها أولى من الاشتغال بغيرها من أمور الآخرة؛ فإنها قد ساوت ذلك الغير في كونها من أمور الآخرة، وترجحت بأن الوقت والمحل لها. فاعلم ذلك راشداً. وبالله التوفيق (4).

(الثاني) قضاء الفوائت

اعلم أن الأداء الكامل تسليم عين المطلوب في وقته بجماعة، والأداء الناقص تسليم المطلوب في وقته بلا جماعة. والقضاء تسليم نفس المطلوب بعد وقته.

(1) ص 445 غنية المتملى.

(2)

ص 119 ج 1 - إحياء علوم الدين (المعانى الباطنة التى بها تتم حياة الصلاة).

(3)

(أهل الحقيقة) كالغزالى وغيره ممن يرى أن الخشوع ركن من أركان الصلاة كما تقدم فى بحث "الخشوع" من سنن الصلاة. ص 263 ج 2.

(4)

ص 445 غنية المتملى.

ص: 19

والإعادة فعل مثل المطلوب في وقته لخلل غير الفساد. والكلام هنا في ستة فروع:

(أ) حكم القضاء:

هو فرض في الفرض، وواجب في الواجب كالوتر عند من يوجبه، وسنة فيه عند من يرى أنه سنة كما تقدم بيانه في بحث "قضاء الوتر"(1).

وسنة أيضاً في سنة الصبح وغيرها من الرواتب على ما تقدم تفصيله في بحث "قضاء الرواتب"(2). هذا. ويفترض قضاء المكتوبة على من فاتته لعذر أو غيره (لقول) أبى قتادة: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة. فقال: إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسى أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها. أخرجه النسائي والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح (3). [15]

(ولحديث) أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول: "أقم الصلاة لذكرى". أخرجه مسلم (4). [16]

(ففي) هذه الأحاديث دلالة على وجوب القضاء على من فاتته الصلاة ولو عامداً وهو مذهب الجمهور. والتقييد فيها بالنسيان أو النوم، لا للاحتراز بل من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي والنائم مع سقوط الإثم عنهما، فيجب على العامد بالأولى.

(1) تقدم ص 22 ج 3.

(2)

تقدم ص 312 ج 2.

(3)

ص 101 ج 1 مجتبى (من نام عن صلاة) وص 157 ج 1 تحفة الأحوذى (النوم عن الصلاة).

(4)

ص 193 ج 5 نووى مسلم (قضاء الفائتة).

ص: 20

(وقال) جماعة: العامد لا يقضى الصلاة أخذاً بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم "فإذا نسى" لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلى (وهو مردود) بما تقدم وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم: نعم فدين الله أحق أن يقضى. أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس (1). [17]

وبأنه قد ثبت في حق تارك الصلاة أمران:

(الأول) ثبوت الإثم عن تاركها عمداً. والإثم سوء أكان صغيراً أم كبيراً يرتفع بالتوبة. وهى لا تتحقق إلا بقضاء ما عليه. ولا نزاع في أن تارك الصلاة عمداً إذا قضاها لا يسقط عنه إثم التأخير. ولا يلزم من عدم سقوطه أنه لا فائدة في القضاء فقد سقط به الطلب الثابت بطريق الأولى من أمر الناسي والنائم بالقضاء.

(الثاني) شغل ذمة التارك بوجوب الصلاة عليه إذا دخل وقتها. وبراءة ذمته تكون إما بالأداء ولم يوجد في وقتها، وإما بالعجز ولم يتحقق فإنه قادر على أصل العبادة وإن عجز عن إدراك فضيلة الوقت لخروجه، وإما بإسقاط صاحب الحق لحقه، وهذا لم يوجد لا صراحة ولا ضمناً، إنما الذي وجد خروج الوقت وهو لا يصلح مسقطاً لما تقرر في ذمته أولاً. ولما لم توجد براءة الذمة بأي نوع من تلك الأنواع كان ما ترتب في ذمته باقياً يطلب منه أداؤه، فيجب الإتيان به لأجل براءة الذمة.

(وبما تقدم) تعلم سقوط قول الشوكاني: إن قضاء العامد لا فائدة فيه، فيكون إثباته مع عدم النص عبثاً (2).

(قال) النووي: وشذ بعض أهل الظاهر فقال: لا يجب قضاء الفائتة بغير عذر، وزعم أنها أعظم من أن يخرج من وبال معصيتها بالقضاء. وهذا خطأ من صاحبه وجهالة (3). وهو كلام حق يجب المصير إليه.

(1) ص 140 ج 4 فتح البارى (من مات وعليه صوم) وص 24 ج 8 نووى مسلم (قضاء الصوم عن الميت).

(2)

ص 3 ج 2 نيل الأوطار (قضاء الفوائت).

(3)

ص 183 ج 5 شرح مسلم.

ص: 21

(ب) وقت القضاء:

الأمر في الأحاديث السابقة بفعل الفائتة عند تذكرها استدل به جماعة على وجوبها على الفور، منهم أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد، وهو الراجح من مذهب مالك. فلا يجوز تأخير القضاء إلا لعذر كالسعى لتحصيل الرزق ودرس العلم الواجب عليه وجوباً عينياً والأكل والنوم. ولا يرتفع الإثم بمجرد القضاء بل لابد من التوبة، والاشتغال بالنوافل لا ينافى القضاء فوراً عند الحنفيين. لكن الأولى أن يشتغل بقضاء الفوائت ويترك النوافل إلا الرواتب وصلاة الضحى وتحية المسجد.

(وقالت) المالكية: يحرم على من عليه فوائت التنقل بغير السنة كصلاة العيد وركعتي الفجر والشفع المتصل بالوتر. فإن صلى نافلة غير هذه كالتراويح، فله ثواب الصلاة وعليه إثم تأخير القضاء.

(وقالت) الحنبلية: يحرم عليه النفل المطلق ولا ينعقد. أما النفل المقيد كالرواتب والوتر فله أن يصليه، ولكن الأولى تركه إن كثرت الفوائت إلا سنة الفجر لتأكدها.

(وقالت) الشافعية: إن فاتت الصلاة لغير عذر وجب قضاؤها فوراً إلا لضرورة كالسعى لتحصيل الرزق وضيق وقت الحاصر وتذكر الفائتة وقت خطبة الجمعة، فإنه يجب تأخيرها حتى يصلى الجمعة، وكذا لو تذكرها بعد الشروع في الحاضرة فإنه يتمها ولو اتسع الوقت. ويحرم على من لزمه القضاء فوراً الاشتغال بصلاة التطوع ولو راتبة حتى تبرأ ذمته من الفوائت.

(أما من فاتته) الصلاة لعذر كنوم أو نسيان فيلزمه القضاء على التراخي لما روى ابن المسيب عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس وقال لبلال: اكلأ لنا الليل. فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً، ففزع فقال: يا بلال، فقال: أخذ

ص: 22

بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول الله بأبي أنت وأمي. فاقتادوا رواحلهم شيئاً ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا فأقام لهم الصلاة وصلى لهم الصبح.

فلما قضى الصلاة قال: من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال:"أقم الصلاة لذكرى". أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه وأخرجه الشافعي مرسلا عن ابن المسيب (1). [18]

فقوله: فاقتادوا رواحلهم شيئاً، دليل على أن قضاء الفائتة واجب على التراخي (والأمر) في قوله صلى الله عليه وسلم: فليصلها إذا ذكرها (محمول) على الاستحباب. ووقت التذكر متسع، فإنه لو تذكرها ودام ذلك التذكر مدة وصلى أثناء تلك المدة صدق عليه أنه صلاها حين التذكر، وليس بلازم أن يكون أول حال التذكر.

هذا (وقد) اتفق العلماء على أن النائم ليس بمكلف حال نومه للأحاديث السابقة (ولا ينافيه) إيجاب الضمان عليه فيما أتلفه من المال وإلزامه دية ما جناه على إنسان (لأن ذلك) من الأحكام الوضعية لا التكليفية. وأحكام الوضع تلزم النائم والصبي والمجنون بالاتفاق.

(وظاهر) الأحاديث أنه لا تفريط في النوم سواء أكان قبل دخول وقت الصلاة أم بعده قبل تضييقه إلا إذا اتخذ ذلك وسيلة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه بأنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت، فإنه يكون آثماً بذلك، كما أنه يأثم إذا نام بعد ضيق الوقت.

(1) ص 54 ج 1 بدائع المنن. وص 181 ج 5 نووي مسلم (قضاء الفاتنة) وص 20 ج 4 - المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) وص 122 ج 1 سنن ابن ماجه. و (الكرى) بفتحتين: النعاس وقبل النوم. و (يا بلال) أي لم نمت حتى خرج وقت الصلاة؟ وفى رواية: ماذا صنعت بنا يا بلال؟ . (للذكرى) بشد الذال وفتح الراء بعدها ألف مقصورة، أي لذكراها. وفى رواية: لذكرى بلام واحدة مع كسر الراء، أي لتذكرني فيها، فهو من إضافة المصدر لمفعوله.

ص: 23

(جـ) القضاء لا يتكرر:

لا يجب على من قضى الصلاة إعادتها في مثل وقتها من الغد إجماعاً (لقول) عمران بن حصين: سرينا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان من آخر الليل عرسنا فلم نستيقظ حتى أيقظنا حر الشمس، فجعل الرجل منا يقوم دهشاً إلى طهوره. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يسكنوا. ثم ارتحلنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ ثم أمر بلالا فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام الصلاة فصلينا فقالوا: يا رسول الله ألا نعيدها في وقتها من الغد؟ فقال: أينهاكم ربكم تعالى عن الربا ويقبله منكم؟ . أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وصححه (1). [19]

(قال) الخطابي: وأما قوله: ومن الغد للوقت (2). فلا أعلم أحداً من الفقهاء قال بإعادتها وجوباً، ويشبه أن يكون الأمر بها استحباباً ليحرز فضيلة الوقت في القضاء عند مصادفة الوقت (3). وما قاله من استحباب الإعادة من الغد لم يقل به أحد من السلف.

قال النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها. فمعناه أنه إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ولا يتحول في المستقبل بل يبقى كما كان. فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد ولا يتحول، وليس معناه أنه يقضى الفائتة مرتين: مرة في الحال ومرة في الغد. وإنما معناه ما قدمناه وهو الصواب (4).

(1) ص 302 ج 2 - الفتح الرباني. وص 322 ج 1 مجمع الزوائد (من نام عن صلاة أو نسيها) وص 274 ج 1 مستدرك (وسرينا) من سرى يسرى سرياً، وهو السير ليلا. (دهش دهشاً) فهو دهش من باب تعب: ذهب عقله حياء وخوفاً. و (أينهاكم) أي لا تعيدوها فإن الله نهاكم عن الربا فلا يقبله منكم في قضاء الصلاة.

(2)

يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى قتادة عند أبى داود: فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها ومن الغد للوقت. وص 29 ج 4 - المنهل العذب.

(3)

ص 139 ج 1 معالم السنن (من نام عن صلاة أو نسيها).

(4)

ص 187 ج 5 شرح مسلم (قضاء الفائتة).

ص: 24

هذا. وقد استفيد من حديث عمران مشروعية الأذان والإقامة والجماعة للفائتة، وأن سنة الفجر تقضى إذا فاتت. وقد تقدم بيانه في محله.

(فائدة) من فاتته فرائض لا يدرى عددها يلزمه القضاء حتى يغلب على ظنه براءة ذمته عند الحنفيين ومالك وحتى يتيقن براءتها عند الشافعية والحنبلية. ويكفى حال القضاء تعيين المنوي كالظهر أو العصر عند الأئمة الثلاثة. وقال الحنفيون: إنه لابد من تعيين الزمن بأن ينوى أول ظهر أو آخر ظهر عليه.

(د) ترتيب الفوائت:

قال الحنفيون والثوري والليث: يجب الترتيب بين الفوائت وبين الفائتة والوقتية (لحديث) جابر أن عمر رضى الله عنه شغل يوم الخندق وقال: يا رسول الله ما كدت أُصلى العصر حتى كادت الشمس أن تغرب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، فتوضأ وتوضأنا، فصلى العصر بعدما غربت الشمس وصلينا بعدها المغرب. أخرجه الشيخان والنسائي والترمذي وقال هذا حسن صحيح (1). [20]

فلو كان الترتيب مستحباً لما أخر النبي صلى الله عليه وسلم لأجله المغرب. وعن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء. أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وقال: ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله. وأخرجه

(1) ص 45 ج 2 فتح البارى (من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت) وص 159 ج 1 تحفة الأحوذى (الرجل تفوته الصلوات بايتهن يبدأ؟ ) وص 117 ج 2 تيسير الوصول (وجوب الصلاة أداء وقضاء).

ص: 25

الشافعي والطحاوى عن أبى سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة (الحديث) بنحوه إلى: ثم أقام العشاء فصلاها، قال: وذلك قبل أن ينزل فى صلاة الخوف: " فرجالا أو ركباناً"(1). [21].

(قال) الحلبى: ولو كان الترتيب مستحباً لتركه عليه الصلاة والسلام مرة أو أشار إلى تركة ولم ينقل. ولا نقل أيضاً عن أحد من الصحابة قولا ولا فعلا (2).

هذا. ويسقط الترتيب عند الحنفيين بواحد من ثلاثة:

(الأول) ضيق الوقت؛ لأنه يحرم تأخير الصلاة عن وقتها بالكتاب والسنة والإجماع، فرجح على دليل اشتراط الترتيب.

(الثانى) نسيان الفائتة؛ لأن وقتها وقت تذكرها ولم يوجد (لحديث أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك: وأقم الصلاة لذكرى" أخرجه الشيخان وأبو داود والطحاوى (3). [22].

فلو صلى الظهر ناسياً أن عليه الصبح مثلا، أو صلى فائتة ناسياً ما قبلها ثم تذكر بعد ما صلى، فلا شئ عليه.

(1) ص 309 ج 2 - الفتح الربانى. وص 107 ج 1 مجتبى (الاجتزاء للفائت من الصلاة بأذان واحد) وص 158 ج 1 تحفة الأحوذى (الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ؟ ) وص 55 ج 1 بدائع المنن. وص 190 ج 1 شرح معانى الآثار (وذلك قبل أن ينزل .. إلخ)

يعنى أنهم بعد نزول هذه الآية لا يؤخرون الصلاة حال الخوف بل كانوا يصلونها رجالا أو ركباناً حسبما تيسر.

(2)

ص 530 غنية المتملى (قضاء الفوائت).

(3)

ص 47 ج 2 فتح البارى (من نسى صلاة فليصل إذا ذكر

) وص 193 ج 5 نووى مسلم (قضاء الفائتة) وص 37 ج 4 المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) وص 270 ج 1 شرح معانى الآثار (الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها كيف يقضيها؟ ).

ص: 26

(الثالث) كثرة الفوائت بصيرورتها ستاً، سواء أكانت فوائت حقيقية أم حكمية، كما لو كان عليه فائتة وصلى خمس صلوات متذكراً فى كل الفائتة، فإذا صلاها بعد خروج وقت الخامسة تبين صحة الكل. وإنما سقط الترتيب بكثرة الفوائت لأن فى التزامه حرجاً وهو مرفوع بنص الكتاب، وقد يؤدى الاشتغال بالترتيب إلى تأخير الوقتية، وه حرام كما تقدم.

(ولا يعود) الترتيب بعود الفوائت إلى القلة بقضاء بعضها على المختار.

(وحاصل) مذهب المالكية أن ترتيب الفوائت فى نفسها قلت أو كثرت واجب غير شرط عند الذكر فيقدم الظهر على العصر وهى على المغرب وهكذا، فإن نكس صحت وأثم إن تعمد. وكذا يجب ترتيب يسير للفوائت وهو خمس فأقل مع الحاصرة، فمن كان عليه المغرب والعشاء والصبح وجب عليه تقديمهما على الصبح الحاضرة وإن أدى ذلك إلى إخراجها عن وقتها. وعن أشهب: يتخير فى البدء بالحاضرة أو الفائتة.

(وقالت) الشافعية: ترتيب الحاضرتين المجموعتين جمع تقديم واجب وترتيب المجموعتين جمع تأخير سنة، وكذا الترتيب بين الفوائت وبين الفائتة والحاضرة التى لم يضق وقتها ولم يخش فواتها بعدم إدراك ركعة منها فى الوقت.

(وإذا) شرع فى الفائتة قبل الحاضرة معتقداً سعة الوقت فظهر له بعد الشروع فيها أنه لو أتمها لم يدرك من الحاضرة ركعة فى الوقت، فإما أن يقطع الفائتة أو يقبلها نفلا وهو أفضل.

(وأجابوا) عن أدلة من قال بوجوب الترتيب بأن مجرد فعله صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب.

(ورد) بأن فعله صلى الله عليه وسلم قرن:

(أ) بقوله صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتمونى أُصلى. أخرجه البخارى من حديث مالك بن الحويرث (1)

[23]

.

(1) تقدم رقم 190 ص 142 ج 2 (القراءة).

ص: 27

(ب) وقوله: من نسى صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليتم صلاته فإذا فرغ منها فليصل التى نسى ثم ليعد التى صلاها مع الإمام. أخرجه مالك والطحاوى والدارقطنى وصحح وقفه والطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات عن ابن عمر والبيهقى وقال: تفرد أبو إبراهيم الترجمانى برواية هذا الحديث مرفوعاً. والصحيح (أنه من قول ابن عمر موقوفاً (1). [24].

(ورد) بأن الترجمانى وثقه غير واحد وفى روايته زيادة الرفع، وهى زيادة ثقة فوجب قبولها.

(وقالت) الحنبلية: يجب ترتيب الحاضرين بشرط التذكر، فإن كان مسافراً وأراد الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو تأخير، وجب عليه تقديم الظهر على العصر. فإن خالف وهو متذكر للظهر ولو فى أثناء العصر بطلت ويقطعها، وقيل يتمها نفلا. وإن استمر ناسياً حتى فرغ من صلاة العصر صحت.

(ويجب) الترتيب بين الفائتة والحاضرة عند التذكر واتساع الوقت الاختيارى للحاضرة. فمن أحرم بالحاضرة ثم ذكر فى أثنائها أن عليه فائتة والوقت متسع، فإنه يتمها ويقضى الفائتة ثم يعيد الصلاة التى كان فيها، وقيل يقطعها. أما إذا لم يتذكر الفائتة إلا بعد فراغه من الحاضرة فإنها تجزئه ويقضى الفائتة. وكذا الترتيب بين الفوائت واجب قلت أو كثرت. فإن كان عليه ظهر وعصر مثلا وصلى العصر قبل الظهر متذكرها بطلت المتقدمة.

(واستدلوا) بما تقدم للحنفيين (وبحديث) أبى جمعة حبيب بن سباع:

(1) ص 305 ج 1 زرقانى الموطأ (العمل فى جامع الصلاة) وص 270 ج 1 شرح معانى الآثار (الرجل عن الصلاة أو ينساها كيف يقضيها؟ ) وص 162 سنن الدارقطنى. وص 324 ج 1 مجمع الزوائد (من صلى صلاة وعليه غيرها) وص 211 ج 2 سنن البيهقى (من ذكر صلاة وهو فى أخرى).

ص: 28

أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى المغرب عام الأحزاب، فلما فرغ قال: هل علم أحد منكم أنى صليت العصر؟ فقالوا: يا رسول الله ما صليتها. فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب. أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فى الكبير. وفى سنده ابن لهيعة وهو ضعيف (1). [25].

(هـ) كيفية القضاء:

تقضى الصلاة على الصفة التى فاتت عليها، ففائتة الحضر تقضى أربعاً ولو قضاها فى السفر اتفاقاً. وكذا لو كان القضاء فى الحضر عند الحنفيين ومالك، لأنها وجبت مقصورة، فيجب قضاؤها كما وجبت.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: يجب قضاؤها أربعاً، لن الأصل الإتمام فيجب الرجوع إليه فى الحضر. ومن فاتته صلاة سرية كالظهر أسر فى قضائها إن قضاها نهاراً اتفاقاً، وكذا لو قضاها ليلا خلافاً للشافعى فإنه اعتبر وقت القضاء فى السر والجهر. ومن فاتته صلاة جهرية كالعشاء جهر فى قضائها إن قضاها ليلا اتفاقاً، وكذا لو كان القضاء نهاراً خلافاً للشافعى.

(و) هل تقضى الفائتة فى أوقات النهى؟

تقدم بيانه مفصلا فى بحث " الأوقات المنهى عن الصلاة فيها" وما بعدها (2).

(وجملة) القول فيه أن مذهب الحنفيين أنها تقضى فى كل وقت إلا وقت طلوع الشمس ووقت استوائها ووقت غروبها، مستدلين بعموم النى عن الصلاة فى هذه الأوقات، بناء على أن النهى يقتضى الفساد. وهذا ما يشهد له الدليل.

(وقالت) المالكية: إن كانت الفائتة فى ذمته يقيناً أو ظناً قضاها فى

(1) ص 106 ج 4 مسند أحمد. وص 220 ج 1 سنن البيهقى (ترك الترتيب فى قضائهن) وص 324 ج 1 مجمع الزوائد (من صلى صلاة وعليه غيرها).

(2)

تقدم ص 28 - 40 ج 2.

ص: 29