الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول: هى ما بين أن يجلس الإمام (يعنى على المنبر) إلى أن تقضى الصلاة. أخرجه مسلم والبيهقى وأبو داود (1). [124].
(وقيل) غير ذلك وارجح الأقوال ما دل عليه حديث أبى موسى وحديث عبد الله بن سلام.
(واختار) ابن القيم ان ساعة الإجابة منحصرة فى أحد الوقتين المذكورتين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر، لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما فى وقت وعلى الآخر فى وقت آخر. وهذا كقول ابن عبد البر:
الذى ينبغى الاجتهاد فى الدعاء فى الوقتين المذكورتين. وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد.، وهو أولى فى طريق الجمع. ذكره الحافظ (2).
(3) ما يطلب ليلة الجمعة ويومها
هو أمور المذكور منها هنا عشرون:
(1)
يستحب الإكثار في يومها وليلتها من قراءة القرآن والذكر والدعاء، لحديث أبى أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتاً فى الجنة. أخرجه الطبرانى في الكبير والأصفهاني وفى سنده فضال بن جبير وهو ضعيف جداً (3). [125].
وحديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى يغيب الشمس. أخرجه الطبرانى في الأوسط والكبير. وفى سنده طلحة بن يزيد الرقى وهو ضعيف (4). [126].
(1) ص 140 ج 6 نووى مسلم (الجمعة) وص 250 ج 3 سننالبيهقى (الساعة التى فى يوم الجمعة .. ) وص 189 ج 6 المنهل العذب (الإجابة اية ساعة هى فى يوم الجمعة).
(2)
انظر ص 287 و 288 ج 2 فتح البارى (الساعة التى فى يوم الجمعة).
(3)
انظر ص 168 ج 2 مجمع الزوائد (ما يقرأ ليلة الجمعة ويومها).
(4)
كسابقه.
وحديث أبى سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ سورة الكهف فى يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين. أخرجه النسائي وكذا البيهقي والحاكم مرفوعاً وموقوفاً وقال: هذا صحيح الإسناد.
ورواه الدارمى موقوفاً على أبى سعيد قال: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق. وفى سند غير الحاكم أبو هاشم يحيى بن دينار الرماني، تكلم فيه ووثقه الأكثر. وفى سند الحاكم نعيم بن حماد. قال الأزدى: كان نعيم يضع الحديث فى تقوية السنة، وروى أحاديث منا كير عن الثقات، وضعفه النسائى ووثقه أحمد والعجلى (1). [127].
(فيسن) قراءة ما ذكر كله أو بعضه ليلة الجمعة ويومها لا على وجه يشوش على مصل أو نائم. أما رفع الصوت بالقراءة فى المسجد فمكروه أو حرام لما تقدم فى بحث (رفع الصوت فى المسجد) من الأحاديث والنصوص (2).
(وقال) العلامة الشيخ عبد العزيز المليبارى الشافعى: وسن قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها لأحاديث فيها. وقراءتهما نهاراً آكد وأولاه بعد الصبح مسارعة للخير، وأن يكثر منها وم سائر القرآن فيهما. ويكره الجهر بقراءة الكهف وغيرها إن حصل به تأذ لمصل أو نائم كما صرح به النووى.
(وقال) شيخنا فى شرح العباب: ينبغى حرمة الجهر بالقراءة فى المسجد.
وحمل قول النووى بالكراهة على ما إذا خف التأذى، وعلى كون القراءة فى غير المسجد (3)، فها هو ذا العلامة ابن حجر شارح العباب يقول بحرمة رفع
(1) انظر ص 261 ج 1 (الترغيب فى قراءة سورة الكهف وما يذكر معها ليلة الجمعة ويومها) وص 249 ج 3 سنن البيهقى. وص 368 ج 2 مستدرك (سورة الكهف) وص 494 ج 2 سنن الدارمى (فضل سورة الكهف) ..
(2)
تقدم ص 263 ج 3 الدين الخالص.
(3)
انظر ص 110 فتح العين شرح قرة العين (سنن الجمعة).
الصوت بقراءة سورة الكهف فى المسجد، وبين أن قول النووى بالكراهة محمول على ما إذا كانت القراءة خارج المسجد وكان التأذى خفيفاً.
(وقال ابن الحاج): وينبغى له (أى لإمام المسجد)(أن ينهى من يقرأ الأعشار بالجهر والناس ينتظرون صلاة الجمعة أو غيرها، لأنه موضع النهى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن " (1) ثم قال: : وينبغى له أن ينهى عن قراءة الأسباع فى المسجد لما تقدم من أن المسجد إنما بنى للمصلين والذاكرين (يعنى سراً) وقراءة الأسباع فى المسجد مشوشة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار (2). [128].
(وقد سئل) الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده مفتى مصر عما اعتيد من قراءة فقيه سورة الكهف جهراً يوم الجمعة لأجل عدم غوغاء الفلاحين بالكلام الدنيوى (فأجاب) بقوله: وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة جاء فى عبارة الأشباه عند تعداد المكروهات ما نصه: ويكره إفراده بالصوم وإفراد ليلته بالقيام وقراءة الكهف فيه، خصوصاً وهى لا تقرأ إلا بالتلحين وأهل المسجد يلغون ويتحدثون ولا ينصتون، ثم أن القارئ كثيراً ما يشوش على المصلين فقراءتهما على هذا الوجه محظورة (3).
(2)
ويندب الإكثار من الصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه
(1) هذا عجز حديث تقدم رقم 381 ص 263 ج 3 الدين الخالص (حرمة رفع الصوت بالمسجد).
(2)
ص 88 ج 2 المدخل (قراءة الأعشار والأسباع) والحديث أخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس. وأخرجه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت رقم 9899 ص 431 ج 6 فيض القدير.
(3)
هذه بعض فتوى (منقولة) من دفاتر دار إفتاء الديار المصرية رقم 311 جزء ثالث بتاريخ 22 من ربيع الأول سنة 1323 هـ.
وسلم ليلة الجمعة ويومها لحديث أوس بن أبى أوس: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علىّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علىّ. فقالوا: يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ يعنى وقد بليت. قال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. أخرجه أحمد والحاكم وصححه وابن حبان والبيهقى والأربعة إلا الترمذى (1). [129].
ولحديث أبى أمامة: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا علىّ من الصلاة فى كل يوم جمعة، فإن صلاة أمتى تعرض على فى كل يوم جمعة، فمن كان أكثركم علىّ صلاة كان أقربكم منى منزلة. أخرجه البيهقى بسند حسن (2). [130].
والأحاديث فى هذا كثيرة (3).
(1) ص 9 ج 6 الفتح الربانى: وص 278 ج 1 مستدرك. وص 248 ج 3 سنن البيهقى (ما يؤمر به فى ليلة الجمعة ويومها
…
) وص 185 ج 6 المنهل العذب (فضل يوم الجمعة) وص 203 ج 1 مجتبى (إكثار الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وص 174 ج 1 سنن ابن ماجه (فضل الجمعة) والمراد بالنفخة النفخة الثانية، وهى نفخة البعث، وبالصعقة النفخة الأولى التى يموت بها كل حى إلا رؤساء الملائكة كما تقدم: و (أرمت) بفتحتين فسكون: اصله ارممت أى بليت: ، فحذفت إحدى الميمين، ويجوز كسر الراء.
(2)
ص 249 ج 3 سنن البيهقى (ما يؤثر به فى ليلة الجمعة ويومها).
(3)
منها (حديث) أكثروا الصلاة على يوم الجمعة وليلة الجمعة. فمن صلى على صلاة صلى الله عليه عشراً. أخرجه البيهقى عن أنس ص 249 ج 3 (8) و (حديث) إن عن ابن مسعود. ص 311 ج 14 الفتح الربانى (9)(ومنا) ما يأتى ص 356 ج 9 (فضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وفى هذه الأحاديث أيضا دليل على أن النبي عليه الصلاة والسلام حى فى قبره. (قال الشوكانى) وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم حى بعد وفاته وأنه يسر بطاعات أمته، وأن الأنبياء لا يبلون، مع أن مطلق الإدراك كالعلم والسماع ثابت لسائر الموتى. وقد صح عنابن عباس مرفوعاً: ما من أحد يمر على قبر اخيه المؤمن: وفى رواية: بقبر الرجل كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلاعرفه ورد عليه. ولابن أبى الدنيا: إذا مر الرجل بقبر يعرفه فيسلم عليه رد عليه وعرفه، إذا مر بقبر لا يعرفه رد عليه السلام (10).
(وصح) أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى البقيع لزيارة الموتى ويسلم عليهم (وورد) النص فى كتاب الله تعالى فىحق الشهداء أنهم أحياء يرزقون وأن الحياة فيهم متعلقة بالجسد. فكيف بالأنبياء والمرسلين؟ . وقد ثبت فى الحديث أن الأنبياء أحياء فى قبورهم. رواه المنذرى وصححه البيهقى. وفى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مررت بموسى ليلة اسرى بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى فى قبره. ص 305 ج 3 نيل الأوطار (11)(طاعة الأمة تعرض على الرسول، هو هو فى قبره حى).
(3 - 6) ويطلب الغسل والسواك والتطيب ولبس أحسن الثياب يوم الجمعة (لحديث) أبى سعيد وأبى هريرة: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة واستاك ومس من طيب، إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتى المسجد فلم يتخط رقاب الناس حتى ركع ما شاء إن يركع، ثم أنصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته، كان كفارة لما بينها وبين الجمعة التى قبلها. وكان أبو هريرة يقول: ثلاثة أيام زيادة، إن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها. أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود وأخرج نحوه ابن ماجه عن أبى ذر الغفارى (1). [131].
(1) ص 43 ج 6 الفتح الربانى. وص 283 ج 1 مستدرك. وص 204 ج 2 المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة) وص 176 ج 1 سنن ابن ماجه (الزينة يوم الجمعة)(وأنصت .. إلخ) أى من تحلى يوم الجمعة بالغسل وما بعده ثم سكت مستمعاً إذا خرج الإمام للخطبة إلى أن ينتهى من الصلاة، كانت هذه الخصال ماحية للذنوب التى حصلت منه طول الأسبوع وزيادة ثلاثة أيام من الجمعة الآتية. والمراد بالذنوب الصغائر لما فى رواية أبةى هريرى عند مسلم: ما لم يغش الكبائر. وظاهره أنتكفيره الذنوب فى هذه المدة مشروط بفعل كل هذه الخصال مع ترك الكبائر ..
(ولحديث) ابن عمرو: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة، كانت كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً. أخرجه أبو داود، وفى سنده عمرو بن شعيب مختلف فيه (1).
والأحاديث فى هذا كثيرة (2).
(1) ص 211 ج 3 المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة). و (كانت له ظهراً) أى كانت الجمعة كصلاة الظهر فىالثواب لا كصلاة الجمعة لنقصانه بتخطى الرقاب واللغو ..
(2)
(منها) ما تقدم فى بحث اقسام الغسل ص 306 ج 1 و (منها) ما روى أن رجلا سأل ابن عباس عن الغسل يوم الجمعة أواجب هو؟ فقال: لا، ومن شاء اغتسل.
وسأحدثكم عن بدء الغسل، كان الناس محتاجين وكانوا يلبسون الصوف وكانوا يسقون النخل على ظهورهم وكان مسجد النبى صلى الله عليه وسلم قصيراً إنما هو ثلاث درجات فعرق الناس فى الصوف فثارت أرواحهم أرواح الصوف (أى ظهرت من أجسادهم رياح كريهة. فالأرواح جمع ريح. والثانية بدل منالأولى) فتأذى بعضهم ببعض حتى بلغت أرواحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: يا أيها الناس إذا جئتم الجمعة فاغتسلوا، وليمس أحدكم من أطيب طيب إن كان عنده. أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط البخارى. وأخرجه أبو داود وزاد: قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع الله مسجدهم وذهب بعض الذى كان يؤذى بعضهم بعضاً من العرق. أهـ. ص 42 ج 6 الفتح الربانى. وص 280 ج 1 مستدرك. وص 219 ج 3 - المنهل العذب وصدره: ايها الناس إذا كان هذا
…
(الرخصة فى ترك الغسل يوم الجمعة)(12).
(وقد اتفق) العلماء على استحباب ذلك كله إلا الغسل فقد تقدم بيان المذاهب فى حكمه ووقته وأدلته فى بحث اقسام الغسل (1).
(والمراد) بأحسن الثياب البيض، لما يأى عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم، وكفوا فيها موتاكم. أخرجه أحمد والحاكم والبيهقى والأربعة إلا النسائى وصححه الترمذى (2).
ويأتى فى هذا أحاديث كثيرة (3). [133].
(وحكمة) مشروعية الغسل والسواك والطيب والتجمل بأحسن الثياب يوم الجمعة أن يكون المصلى على أكمل حال وأطيبه، فلا يتأذى به أحد، ولأن الملائكة تقف على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول، فربما صافحوه أو لمسوه.
(7 - 8) ويندب الأخذ من الشعر وقص الظفر يوم الجمعة (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة. أخرجه البزار والطبرانى فى الأوسط وفى سنده إبراهيم بن قدامة. ذكره ابن حبان فى الثقات. وقال البزار: ليس بحجة إذا تفرد بحديث، وقد تفرد بهذا (4). [134].
(1) تقدم بصفحة 306 ج أول.
(2)
يأتى رقم 455 ص 256 ج 7 (تكفين الميت).
(3)
منها ما يأتى فى هذا المرجع (وقد) كان الغالب من لباسه صلى الله عليه وسلم فى الجمعة البياض فلا ينافى أنه أحياناً كان يلبس غيرها (قال) جابر: كان النبى صلى الله عليه وسلم يلبس برده الأحمر فى العيدين والجمعة. أخرجه البيهقى. ص 247 ج 3 (الارتداء ببرد)(13).
(4)
انظر ص 170 ج 2 مجمع الزوائد (الأخذ من الشعر والظفر يوم الجمعة).
(ولحديث) عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قلم أظفاره يوم الجمعة وقى من السوء إلى مثلها. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده احمد بن ثابت الملقب بفرجونة أو فرجويه، وهو ضعيف (1). [135].
(9)
ويسن قراءة سورة " ألم تنزيل السجدة" بعد الفاتحة فى الركعة الأولى من صلاة صبح الجمعة، و" هل أتى على الإنسان " فى الركعة الثانية (لحديث) ابن عباس: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة فى صلاة الصبح " ألم تنزيل" و" هل أتى على الإنسان "، وفى صلاة الجمعة بسورة " الجمعة "و" المنافقين ". أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (2). [136].
(وظاهره) أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يواظب على قراءة هاتين السورتين فى صبح الجمعة كما يشعر به لفظ كان. ويؤيده (حديث) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى صلاة الصبح يوم الجمعة " ألم تنزيل السجدة" و" هل أتى على الإنسان" يديم ذلك. أخرجه الطبرانى فى الصغير بسند رجاله ثقات، وهوعند ابن ماجه غير قوله: يديم ذلك (3). [137].
(1) ص 171 منه.
(2)
ص 111 ج 6 الفتح الربانى. وص 167 ج 6 نووى مسلم (ما يقرأ فى يوم الجمعة) وص 224 ج 6 المنهل العذب مقتصراً على (ما يقرأ فى صلاة الصبح .. ) وص 210 ج 1 مجتبى (القراءة فى صلاة الجمعة) وص 141 ج 1 سنن ابن ماجه (القراءة فى صلاة الفجر يوم الجمعة).
(3)
ص 141 منه. وص 168 ج 2 مجمع الزوائد " ما يقرأ فيها" أى فى صلاة صبح الجمعة.
(وكان) صلى الله عليه وسلم يقرأ السورتين بتمامهما خلافاً لما يفعله بعض الناس من الاقتصار على بعضهما، فهو خلاف السنة.
وهذا مذهب الشافعى، وبه قال الحنفيون وأحمد، إلا أنه تكره المداومة عليهما عندهم. قال فى المحيط: يستحب قراءة هاتين السورتين فى صبح يوم الجمعة بشرط أن يقرأ غير ذلك أحياناً لئلا يظن الجاهل أنه لا مجزئ غيره أو يرى القراءة بغيره مكروهة (1).
(وقالت) المالكية: يكره تعمد قراءة سورة سجدة فى الفريضة، وهو رواية ابن القاسم عن مالك.
(وروى) أشهب عنه جواز قراءة السورة التى فيها السجدة إذا كان وراء الإمام عدد قليل لا يخاف أن يختلط عليهم.
(وقال) ابن حبيب: يجوز قراءة سورة فيها سجدة فى الصلاة الجهرية دون السرية لأمن التخليط فى الجهرية. ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض.
(قال) ابن دقيق العيد: أما القول بالكراهة مطلقا فيأباه الحديث، لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة فينبغى أن تترك أحياناً لتندفع، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة، وهو يحصل بالترك فى بعض الأوقات (2).
ولا وجه للقول بالكراهة مطلقاً أو فى الصلاة السرية، بل يرده حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد فى صلاة الظهر ثم
(1) ص 258 ج 2 فتح البارى (ما يقرأ فى صلاة الفجر يوم الجمعة).
(2)
ص 258 منه.
قام فركع، فرأينا أنه قرأ " تنزيل السجدة ".أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما (1). [138].
(فهو) يدل على عدم التفرقة بين السرية والجهرية. (فالراجح) أن قراءة هاتين السورتين فى صبح يوم الجمعة سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا وجه للقول بتركها فى بعض الأحيان لخوف اعتقاد العوام الوجوب أو نحوه، إذ لا عبرة بتوهم خلاف الوارد وإلا لترك غالب أحكام الشريعة خوف اعتقاد العوام خلاف الوارد، وهو غير معقول.
(وليس) فى هذه الأحاديث ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يسجد حين يقرأ هذه السورة فى صبح يوم الجمعة (قال) الحافظ: لم أر فى شئ من الطرق التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سجد لما قرأ سورة " ألم السجدة" فى هذا المحل إلا فى كتاب الشريعة لابن أبى داود من طرق أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: غدوت علىالنبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فى صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد (الحديث) وفى إسناده من ينظر فى حاله (2). [139].
(وروى) على رضى الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد فى صلاة الصبح فى تنزيل السجدة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط والصغير. وفى سنده الحارث الأعور وهو ضعيف (3). [140].
(والحكمة) فى قراءة النبى صلى الله عليه وسلم هاتين السورتين فى صبح الجمعة أنهما تضمنتا ما كان وما يكون فى يومها، فإنهما اشتملتا على خلق
(1) ص 162 ج 4 الفتح الربانى. وص 230 ج 5 النهل العذب (قدر القراءة فى صلاة الظهر والعصر).
(2)
ص 258 ج 2 فتح البارى ..
(3)
ص 169 ج 2 مجمع الزوائد (ما يقرأ فيها) أى فى صلاة صبح الجمعة.
آدم وعلى ذكر المعاد وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، فكان فى قراءتهما فى هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه وما يكون، فتكون السجدة جاءت تبعاً وليست مقصودة.
(10)
ويندب التبكير إلى صلاة الجمعة (لحديث) أبى سعيد الخدري أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون من جاء من لناس على منازلهم، فرجل قدم جزوراً، ورجل قدم بقرة، ورجل قدم شاة، ورجل قدم دجاجة، ورجل قدم عصفوراً، ورجل قدم بيضة. فإذا أذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر طويت الصحف ودخلوا المسجد يستمعون الذكر. أخرجه أحمد والضياء المقدسى بسند رجاله ثقات وحسنه المنذرى (1). [141].
(ولحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فى الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح فى الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح فى الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح فى الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح فى الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة. فإذا خرج الإمام اقبلت الملائكة يستمعون الذكر. أخرجه مالك والشافعى والبخارى والثلاثة والبيهقى وابن أحمد فى زوائد المسند (2). [142].
(1) انظر ص 61 ج 6 الفتح الربانى. و" الجزور": البعير ذكر أو أنثى.
(2)
ص 185 ج 1 زرقانى الموطأ (غسل يوم الجمعة) وص 156 ج 1 بدائع المنن. وص 249 ج 2 فتح البارى (فضل الجمعة) وص 206 ج 1 مجتبى (وقت الجمعة) و 359 ج 1 تحفة الأحوذى (التبكير إلى الجمعة) وص 215 ج 3 - المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة) وص 226 ج 3 سنن البيهقى (فضل التبكير إلى الجمعة) وص 57 ج 6 الفتح الربانى. و" البدنة": الواحد من الإبل ذكراً كان أو أنثى.
والكبش: فحل الغنم. ووصفه بأفرن لأنه أكمل وأحسن صورة. و"الدجاجة " بفتح الدال وكسرها وتضم: تطلق على الذكر والأنثى من الدجاج. والتاء للوحدة لا للتأنيث: وفى رواية للنسائى بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة. وفى رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفور ثم بيضة كما تقدم. وهما روايتان سندهما صحيح وزيادة الثقة مقبولة. و (أقبلت) أى دخلت (الملائكة) المسجد. وفى رواية: حضرت. وفى مسلم: فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر، أى الخطبة. والمراد أنهم يطوون الصحف التى كانوا يكتبون فيها ثواب حاضرى صلاة الجمعة قبل الزوال. وهؤلاء الملائكة غير الحفظة.
(وقوله غسل الجنابة) من باب التشبيه، أى غسلا كغسل الجنابة فى الكيفية لا فى الحكم (ففى حديث) ابن جريح عن سمى: فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة. أخرجه عبد الرزاق (1) وبهذا قال الأكثر. وقيل: المراد غسل الجنابة حقيقة. فيستحب له أن يواقع زوجه ليغتسلا من الجنابة.
(وحكمته) أن تسكن نفسه فى الرواح إلى الصلاة ويغض بصره.
(ويؤيده) ما فى حديث أوس بن أوس الثقفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها. أخرجه البيهقى والأربعة وحسنه الترمذى وأخرجه أحمد عن ابن عمرو (2). [143].
(من غسل) روى مخففاً ومشدداً ومعناه: جامع امرأته قبل الخروج إلى الصلاة فاغتسلت، وقيل التشديد فيه للمبالغة، اى بالغ فى غسل الرأس لما
(1) ص 249 ج 2 فتح البارى.
(2)
229 ج 3 سنن البيهقى (فضل المشى إلى الصلاة .. ) وص 209 ج 3 المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة) وص 205 ج 1 مجتبى (فضل المشى إلى الجمعة) وص 357 ج 1 تحفة الأحوذى (فضل الغسل يوم الجمعة) وص 174 ج 1 سنن ابن ماجه، و 51 ج 6 - الفتح الربانى.
فيها من الشعث (واغتسل) اى غسل سائر جسده. ويؤيده ما فى رواية لأبى داود بلفظ: من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل (1).
هذا. وقد اختلفوا فى المراد بالساعات الواردة فى هذه الأحاديث (فمشهور)(مذهب المالكية أن المراد بها أجزاء الساعة التى قبل الزوال 0 وروى) عن مالك أن المراد بها لحظات لطيفة بعد زوال الشمس. وبه قال القاضى حسين وإمام الحرمين من الشافعية، لأن الرواح الذهاب بعد الزوال، ولما فى حديث ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: المهجر إلى الجمعة كالمهدى بدنة (الحديث) أخرجه أحمد وغيره (2). [144].
والتهجير: السير وقت الهاجرة، أى شدة الحر.
(وقال) الجمهور: يستحب التبكير إلى الجمعة أول النهار. وبه قال الشافعى وابن حبيب المالكى. فالساعات عندهم من أول النهار. والمراد بالساعات الفلكية. والرواح يكون أول النهار وآخره. والتهجير: التبكير.
هذا. ومن جاء فى أول ساعة من هذه الساعات، ومن جاء فى آخرها مشتركان فى تحصيل البدنة أو البقرة أو الكبش، ولكن بدنة الأول أكمل من بدنة من جاء فى آخر الساعة، وبندة المتوسط متوسطة. هذا هو الراجح المختار. وقال الرافعى: ليس المراد من الساعات، الساعات الفلكية، وإنما المراد ترتيب الدرجات وتفضيل السابق على الذى يليه لئلا يستوى فى الفضيلة رجلان جاءا فى طرفى ساعة (3).
(وقال) الصيدلانى: التبكير يكون من ارتفاع النهار وقت الضحى
(1) انظر 211 ج 3 المنهل العذب.
(2)
انظر ص 60 ج 6 الفتح الربانى.
(3)
ص 541 ج 4 شرح المهذب.
وأول الهاجرة. وهو الظاهر من أحاديث الباب التى فيها الحث على التهجير إلى الجمعة وينتهى بالزوال حين يحضر الإمام وتطوى الملائكة الحف.
وهذه المدة مقسمة إلى ست ساعات زمنية لا فلكية.
(11 و 12 و 13) ويطلب المشى للجمعة، والقرب من الإمام، والإنصات له (لما تقدم) عن أوس بن أوس الثقفى وابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم بلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها (1).
(ولحديث) عطاء الخراسانى عن مولى امرأته أم عثمان قال: سمعت علياً رضى الله عنه على منبر الكوفة يقول: إذا كان يوم الجمعة خرج الشياطين يربثون الناس إلى أسواقهم ومعهم الرايات، وتقعد الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام.
فمن دنا من الإمام وأنصت واستمع ولم يلغ، كان له كفلان من الأجر. ومن نأى وجلس حيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ، كان له كفل من الأجر. ومن دنا من الإمام فلغا ولم ينصت ولم يستمع، كان عليه كفلان من الزور. ومن نأى عنه فلغا ولم ينصت ولم يستمع، كان عليه كفل من الوزر. ومن قال صه فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له. ثم قال: هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه
(1) تقدم رقم 143 ص 137، و" بكر" بالتشديد: أى بالغ إلى صلاة الجمعة و (ابتكر) أى أدرك أول الخطبة، أو أدى ما يؤديه المبكر من صلاة وتسبيح وغيرهما.
وقيل هو بمعنى بكر، وجمع بينهما للتأكيد (والخطوة) بضم فسكون: ما بين القدمين وقت المشى، وجمعه خطاً وخطوات كغرف وغرفات. وبفتح الخاء: المرة من المشى وجمعها خطوات كسجدة وسجدات.
وسلم. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى. ومولى امرأة عطاء مجهول (1). [145].
(وتقدم) عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت (2). قال الترمذى: والعمل عليه عند أهل العم. كرهوا للرجل التكلم والإمام يخطب، وإن تكلم غيره فلا ينكر عليه إلا بالإشارة.
(واللغو) الكلام الذى لا ثواب فيه، وقيل: الإثم والباطل.
(وفى هذه) الأحاديث دليل على حرمة الكلام حال خطبة الجمعة مطلقاً ولو أمراً بمعروف، وهو قول مالك والأوزاعى وأبو يوسف ومحمد وأحمد.
(وللشافعية) قولان أصحهما لا يحرم الكلام حال الخطبة. والإنصات مستحب بناء على أن المراد باللغو ما لا ثواب فيه، ويرده:
(1) انظر ص 62 ج 6 الفتح الربانى. وص 192 ج 6 المنهل العذب (فضل الجمعة) وص 220 ج 3 البيهقى (الإنصات للخطبة وإن لم يسمعها). و (يربثون) بالباء المشددة: من التربيث وهو الحبس والتثبيط. والمعنى: أن الشياطين تقعدهم عن السعى إلى الجمعة حتى تمضى الأوقات الفاضلة. و (الرايات) جمع راية. ولعله كناية عن طاعة الناس للشياطين واتباعهم لهم كما يتبع الجيش حامل الراية. و (كفلان) مثنى كفل بكسر فسكون: التنصيب وإنما كان له كفلان من الأجر لدنوه من الإمام وإنصاته (ومن نأى) أى ابتعد عن الإمام فصار لا يتمكن من السماع والنظر فأنصت ولم يلغ فله نصيب من الأجر لإنصاته (ومن دنا) أى قرب من الإمام فلغا ولم ينصت فعليه كفلان من الوزر لعدم إنصاته ولغوه (ومن نأى) أى بعد بحيث لا يمكنه السماع ولغا فعليه وزر لغوه (فلا جمعة له) أى أنه حرم من ثواب صلاة الجمعة وإن سقط بها الفرض. وقيل صارت له ظهراً. ويؤيده ما تقدم فى حديث ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً. تقدم رقم 132 ص 131.
(2)
تقدم رقم 26 ص 30 (قضاء الفائتة فى أوقات النهى).
(أ) ما تقدم فى حديث على رضى الله عنه: ومن دنا من الإمام فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه كفلان من الوزر. وقوله: ومن قال صه فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له (1).
(ب)(وحديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذى يقول له أنصت ليس له جمعة. أخرجه أحمد والبزار والطبرانى، وفى سنده مجالد بن سعيد ضعفه كثير، ووثقه النسائى فى رواية، وقال الحافظ فى بلوغ المرام: رواه أحمد بسند لا بأس به (2). [146].
(وقال) أبو حنيفة: يحرم الكلام ويجب الإنصات إذا خرج الإمام إلى الخطبة إلى أن يفرغ منها. (والمراد) بخروجه صعوده على المنبر أو خروجه من الحجرة إن كانت، لما روى عن على وابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم أنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام. أخرجه ابن أبى شيبة (3)(32).
وقول الصحابى: فى مثل هذا حجة، فإنه لا يقال من قبل الرأى، فهو فى حكم المرفوع.
(وقال) مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد: لا بأس بالكلام ما لم يشرع فى الخطبة، لأن المنع منه لما فيه من الإخلال بفرض الاستماع، ولا استماع هنا، ولقول الزهرى: خروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام. أخرجه مالك (4)(33).
(1) تقدم رقم 145 ص 139.
(2)
ص 97 ج 6 الفتح الربانى. وص 184 ج 2 مجمع الزوائد (الإنصات والإمام يخطب).
(3)
ص 202 ج 2 نصب الراية.
(4)
ص 195 ج 1 زرقانى الموطأ (الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب).
ومحل الخلاف فى الكلام الدنيوى، أما الأخروى فلا يكره قبل الخطبة عند أبى حنيفة أيضاً على الأصح. ويشهد له قول أبي أمامة بن سهل: سمعت معاوية بن أبى سفيان وهو جالس على المنبر، أذن المؤذن، فقال: الله أكبر، الله أكبر. فقال معاوية: الله أكبر، الله أكبر. فقال أشهد أن لا إله إلا الله. قال معاوية: وأنا. فلما قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال معاوية: وأنا، فلما أن قضى التأذين قال: يا أيها الناس إنى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم على هذا المجلس حين أذن المؤذن يقول ما سمعتم من مقالتى. أخرجه البخاري (1). [147].
(وهذا) كله فى حق من سمع الخطبة، سواء أكان فى المسجد أم لا، أما من لم يسمعها بأن كان بعيداً ففيه خلاف (فقال) الجمهور: يجب الإنصات أيضاً ويحرم الكلام عليه كالسامع. (وقال) أحمد وعطاء والنخعى: لا يحرم، ويجوز له أن يسبح أو يتكلم فى مسألة علمية.
(وقالت) المالكية: يحرم الكلام على من بالمسجد أو رحبته لا خارجها سداً للذريعة لئلا يسترسل الناس حتى يتكلم من يسمع الإمام.
(وهذا)(كله فى الكلام حال الخطبة، أما قبل الشروع فيها وبعد صعود الخطيب على المنبر وبعد الفراغ منها، فالأكثر على الجواز 0 قال) الشافعى: لا بأس أن يتكلم والإمام على المنبر قبل كلام الإمام، فإذا ابتدأ فى الكلام لم أحب أن يتكلم حتى يقطع الإمام الخطبة الآخرة، فإن قطع الآخرة فلا باس أن يتكلم حتى يكبر الإمام، وأحسن فى الأدب ألا يتكلم من حين يبتدئ الإمام الكلام حتى يفرغ من الصلاة، وإن تكلم رجل والإمام يخطب لم أحب ذلك له (2).
(1) انظر ص 269 ج 2 فتح الباري (يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء) ..
(2)
انظر ص 180 ج 1 كتاب الأم (الإنصات للخطبة).
(وقال) الحافظ: واستدل به، أي بحديث " إذا قلت لصاحبك أنصت " على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة. وبه قال الجمهور فى حق من سمعها، وكذا الكلام فى حق من لا يسمعها عند الأكثر، وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة (1).
ثم قال: ونقل صاحب (المغنى) الاتفاق على أن الكلام الذى يجوز فى الصلاة يجوز فى الخطبة كتحذير الضرير من البئر.
(وعبارة الشافعى): وإذا خاف على أحد لم أر باساً إذا لم يفهم عنه بالإيماء ان يتكلم. وقد استثنى من الإنصات فى الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان، بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه.
وقال النووى: محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب.
ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشى على نفسه (2).
(وقال) الترمذي: واختلفوا فى رد السلام وتشميت العاطس، فرخص بعضهم فيهما والإمام يخطب، وهو قول أحمد وإسحاق. وكره بعض التابعين وغيرهم ذلك، وهو قول الشافعي. أ. هـ. وحكى ابن العربي عن الشافعي موافقة أحمد وإسحاق.
(قال) العراقي: وهو أولى مما نقله عنه الترمذى. وقد صرح الشافعي فى مختصر البويطى بالجواز فقال: ولو عطس رجل يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه، لأن التشميت سنة. ولو سلم رجل على رجل كرهت ذلك له ورأيت أن يرد عليه؛ لأن السلام سنة ورده فرض. وقال النووى فى شرح المهذب: إنه الأصح (3).
(1) انظر ص 281 ج 2 فتح الباري (الإنصات يوم الجمعة).
(2)
انظر ص 282 منه.
(3)
ص 366 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهة الكلام والإمام يخطب).
(فعلى) العاقل أن يتأدب بآداب الشريعة ويتحلى بتعاليمها ولا سيما فى صلاة الجمعة ليكون ممن سلك أحسن سبيل (روى) عبد الله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يحضر الجمعة ثلاثة، فرجل حضرها يلغو فذاك حظه منها، ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله عز وجل، فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهى كفارة له إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، فإن الله يقول:{مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} .أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة والبيهقى بسند جيد (1). [148].
(14)
ويندب لمن أتى المسجد قبل الجمعة التنفل مع طول القيام ما لم يصعد الإمام المنبر (لقول) نافع: كان ابن عمر يغدو إلى المسجد يوم الجمعة فيصلى ركعات يطيل فيهن القيام، فإذا انصرف الإمام رجع إلى بيته فصلى ركعتين وقال: هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح، وهذا لفظ أحمد (2).
[149]
.
(15)
ويطلب ممن دخل المسجد ولم يجد مكاناً يجلس فيه ألا يقيم غيره ليجلس مكانه، بل يطلب التوسعة (لحديث) جابر بن عبد الله: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالفه إلى مقعده، ولكن ليقل أفسحوا. أخرجه أحمد ومسلم (3). [150].
(1) ص 64 ج 6 الفتح الربانى. و 280 ج 6 المنهل العذب (الكلام والإمام يخطب) وص 219 ج 3 سنن البيهقى (الإنصات للخطبة).
(2)
ص 76 ج 6 الفتح الربانى. وص 295 ج 6 المنهل العذب (الصلاة بعد الجمعة) وفيه: ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
(3)
ص 70 ج 6 الفتح الربانى. وص 161 ج 14 نووى مسلم (تحريم إقامة الإمسان من موضعه. كتاب السلام) و (لا يقيم) روى بصيغة
الخبر، والمراد النهى. ووفى رواية لمسلم: لا يقيمن احدكم الرجل من مجلسه بصيغة النهى المؤكد. وفى رواية له: لا يقيم أحد أخاه يوم
الجمعة .. إلخ، بصيغة النهى بلا تأكيد.
(وذكر) يوم الجمعة من التنصيص على بعض أفراد العام لا من باب التقييد، للأحاديث المطلقة (1).
(ومن سبق) إلى مكان مباح ولو غير مسجد فى يوم جمعة أو غيره لصلاة أو غيرها، فهو أحق به. ويحرم على غيره غقامته منه والقعود فيه. وكذا من جلس فى مكان ثم قام منه لقضاء حاجته ثم يعود إليه فإنه احق به ممن جلس فيه بعد قيامه كما تقدم بيانه فى بحث (إقامة الإنسان من مكان مباح سبق إليه)(2).
(16)
ويندب لمن بالمسجد إذا غلبه النعاس فى مكان التحول منه إلى آخر (لحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا نعس أحدكم فى المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره. أخرجه احمد وأبو داود وابن أبى شيبة والبيهقي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (3). [151].
(وذكر) يوم الجمعة من التنصيص على بعض إفراد العام اعتناء به أو نظراً للغالب لطول المكث فى المسجد يوم الجمعة. ففى رواية أبى داود: إذا نعس أحدكم وهو فى المسجد.
(وحكمة) الأمر بالتحول أن الحركة تذهب النعاس، أو لأن المكان
(1) منها ما تقدم رقم 287 ص 240 ج 3 الدين الخالص: عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه
آخر، ولكن تفسحوا وتوسعوا (14).
(2)
مما تقدم ص 204 ج 3 الدين الخالص.
(3)
ص 69 ج 6 الفتح الربانى. وص 287 ج 6 المنهل العذب (الرجل ينعس والإمام يخطب) وص 237 ج 3 سنن البيهقي (النعاس فى المسجد يوم
الجمعة) وص 72 ج 1 تحفة الأحوذى (باب فيمن ينعس يوم الجمعة يتحول .. من مجلسه).
الذى أصابه فيه النوم فيه شيطان، ولذا أمر النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه بالانتقال من الوادى الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس وقال: إن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان (1).
(ولا يقال) إن الانتقال وقت الخطبة عمل منهى عنه، لما فيه من الاشتغال عن سماع الخطبة المأمور به فلا يشمله الحديث (لأن) انتقال الناعس يؤدى إلى ذهاب نعاسه فينتبه للخطبة، ولذلك أمره الشارع بالتحول.
(17)
ويطلب ممن دخل المسجد ألا يتخطى الرقاب (روى) عبد الله بن بسر أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: اجلس فقد آذيت وآنيت. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والحاكم وصححه. وأخرجه ابن ماجه عن جابر (2). [152].
(دل) على حرمة تخطى الرقاب يوم الجمعة. وظاهر التقييد بيوم الجمعة أن الحرمة مختصة به، ويحتمل أن التقييد به خرج مخرج الغالب لكثرة الناس فيه، فيكون باقي الصلوات كالجمعة فى عدم جواز التخطي. وهذا هو الظاهر لوجود العلة وهى الإيذاء، بل يجرى ذلك فى مجالس العلم وغيرها.
(1) قال أبو هريرة: عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأخذ كل
رجل براس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، ففعلنا فدعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين (الحديث) أخرجه مسلم ص 183 ج 5
نووى مسلم (قضاء الفائتة .. )(15) و" عرسنا " من التعريس وهو التزول آخر الليل.
(2)
ص 71 ج 6 الفتح الربانى. وهو 285 اج 6 المنهل العذب (تخطى الرقاب يوم الجمعة) وص 207 ج 1 مجتبى (النهى عن تخطى الرقاب والإمام
على المنبر). وص 288 ج 1 مستدرك. وص 178 ج 1 سنن ابن ماجه: " وآنيت " أى تأخرت.
(وبحرمة) تخطى الرقاب يوم الجمعة صرح الشافعي وهو المختار للأحاديث الصحيحة. وعدّه ابن القيم من الكبائر (ومشهور) مذهب الشافعية والحنبلية كراهة التخطي إلا لفرجة فلا يكره.
(وقالت) المالكية: يحرم التخطى حال الخطبة يوم الجمعة ولو لفرجة، ولا يكره قبل جلوس الخطيب إن كان لسد فرجة وإلا كره.
(وقال) الحنفيون: لا بأس بالتخطى ما لم يخرج الإمام أو يؤذ أحداً إلا لسد فرجة فيجوز (قال) الشيخ إبراهيم الحلبى: وقد علم أن التخطى جائز بشرطين: أحدهما: ألا يؤذى أحداً، لأن الإيذاء حرام والدنو مستحب.
وترك الحرام مقدم على فعل المستحب. والثانى: ألا يكون الإمام فى الخطبة، لن تخطيه حينئذ عمل وهو حرام فى حال الخطبة فلا يرتكبه لأجل أمر مستحب.
وينبغى أن يقيد بما إذا وجد بداً، أما إذا لم يجد بان لم يكن فى الوراء موضع وفى القدام موضع، فله أن يتخطى إليه للضرورة (1).
وقد استثنى من التحريم أو الكراهة الإمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها غلا بالتخطى ولم يجد غيرها. ويستأنس له بحديث عقبة بن الحارث قال: صليت وراء النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته، فقال: ذكرت شيئاً من تبر كان عندنا فكرهت أن يحبسنى فأمرت بقسمته. أخرجه البخاري والنسائي (2). [153].
(1) انظر ص 565 غنية المتملى فى شرح منية المصلى.
(2)
انظر ص 229 ج 2 فتح البارى (من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم) و (التبر) بكسر فسكون: الذهب غير مضروب.
(فهو) يدل على جواز التخطى للحاجة ولمن لا يتأذى الناس بتخطيه، ولذا خص بعضهم عدم جواز التخطى بغير من يتبرك الناس بمروره.
(فائدة) فرق النووى بين التخطى والتفريق بين الاثنين وهو الظاهر، لأن التفريق يحصل بالجلوس بينهما وإن لم يتخط، وهو ممنوع إن لم يكن بينهما فرجة، وإلا فلا بأس به.
(18)
قال الأوزاعى وجماعة: يطلب تجنب الاحتباء فى المسجد يوم الجمعة. وهو
أن يجلس على إليتيه رافعاً ساقيه ضاماً وركيه إلى بطنه بثوبه أو يديه (لحديث) معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه الحاكم وقال: هذا صحيح الإسناد والبيهقى (1). [154].
وفى سنده سهل بن معاذ وهو ضعيف، وابو مرحوم عبد الرحيم ضعفه ابن معين، وقال النسائى: لا بأس به. وذكر ابن حبان فى الثقات.
(والحكمة) فى النهى عن الاحتباء أنه يجلب النوم ويعرض الطهارة للنقض. ويلحق به فى الكراهة الاستناد إلى الحائط أو غيره، لأنه فى معنى الاحتباء وأكثر.
(وقال) الأئمة والجمهور: لا يكره الاحتباء فى المسجد (قال) أبو داود: وكان ابن عمر يحتبى والإمام يخطب وأنس بن مالك وشريح وصعصعة ابن ضوحان وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعى ومكحول (2)(34).
(1) ص 72 ج 6 الفتح الربانى. وص 224 ج 6 المنهل العذب (الاحتباء والإمام يخطب) وص 367 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 289 ج 1 مستدرك و 235 ج 2 سنن البيهقى (من كره الاحتباء والإمام على المنبر). و (الحبوة) بضم الحاء وكسرها والجمع حبى بالضم والكسر.
(2)
انظر ص 276 ج 6 المنهل العذب (الاحتباء والإمام يخطب). و (صوحان) بضم الصاء.
(وقال) يعلى بن شداد: شهدت مع معاوية بيت المقدس، فجمع بنا، فنظرت فإذا جل من بالمسجد أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، فرأيتهم محتبين والإمام يخطب. أخرجه أبو داود والبيهقي (1)(35).
(وأجابوا) عن أحاديث النهى أنها ضعيفة فلا تقوم بها حجة، وعلى فرض صحتها فيجمع بينها وبين ما تقدم بأن الاحتباء المنهي عنه ما ابتدئ أثناء الخطبة لما فيه من التشاغل عنها. والاحتباء الجائز ما ابتدئ قبلها واستمر إلى الفراغ منها. أفاده الطحاوى (2).
(هذا) ويكره الاحتباء ولو خارج الصلاة لمن كان لابسا ثوباً واحداً مخافة أن تنكشف عورته (لقول) أبى هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتبى الرجل فى ثوب واحد ليس على فرجه منه شئ. أخرجه البخاري والبيهقي (3).
[155]
.
ولا بأس به لمن يخش انكشاف العورة. روى أبو حاتم الرازى بالسند إلى ابن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم محتبياً بفناء الكعبة يقول بيده هكذا. وشبك أبو حاتم بيديه. أخرجه البخارى والبيهقى (4). [156].
(19)
وإذا دخل وقت الجمعة وصعد الخطيب المنبر وجلس عليه، أذن واحد خارج المسجد على سطحه أو على بابه (لقول) السائب بن
(1) ص 257 ج 6 المنهل العذب. وص 235 ج 3 سنن البيهقى (الاحتباء والإمام على المنبر).
(2)
ص 276 ج 6 المنهل العذب.
(3)
ص 325 ج 1 فتح البارى (ما يستر من العورة) وص 236 ج 3 سنن البيهقى (الاحتباء المحظور .. ) والمذكور بعض الحديث.
(4)
ص 235 منه (الاحتباء المباح .. ).
يزيد: كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، ويقيم إذا نزل، ثم كان كذلك فى زمن أبى بكر وعمر رضى الله عنهما حتى كان عثمان. أخرجه أحمد والنسائي (1). [157].
(ولقول السائب) إن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر، فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك. أخرجه البخاري والبيهقى والأربعة. وأخرجه الشافعي.
وفيه: أمر عثمان بأذان ثان فأذن به فثبت الأمر على ذلك. وكان عطاء ينكر أن يكون أحدثه عثمان ويقول: أحدثه معاوية. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (2). [158].
وقال الشافعى: وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول: أحدثه معاوية. وأيهما كان فالأمر الذى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلىّ (3).
(والزوراء) موضع بسوق المدينة (وما قيل) من أنه حجر كبير على
(1) انظر ص 81 ج 6 الفتح الربانى. وص 207 مجتبى (الأذان للجمعة).
(2)
ص 267 ج 2 فتح البارى (الأذان يوم الجمعة) وص 192 ج 3 سنن البيهقى ج 1 مجتبى وص 318 ج 6 تحفة الأحوذى وص 180 ج 1 سنن ابن
ماجه. وص 160 ج 1 بدائع المنن. و (أمر عثمان بالأذان الثالث) وفى رواية أحمد: فأمر بالأذان الأول بالزوراء. وعند الشافعى: أمر
عثمان بأذان ثان. ولا تنافى بينهما، لأنه سمى أولا باعتبار كونه مقدماً فى الفعل على الأذان والإقامة المشروعين فى عهد النبى صلى الله
عليه وسلم.
وسمى ثانياً باعتبار الأذان المتقدم فى المشروعية. وثالثاً باعتبار كونه مزيداً على الأذان والإقامة ..
(3)
ص 173 ج 1 كتاب الأم ..
باب المسجد (مردود) بما فى رواية ابن ماجه: فلما كان عثمان وكثر الناس، زاد النداء الثالث على دار فى السوق يقال لها الزوراء (1). وأمر به فى ذاك المكان ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت.
(وكان) يفعل عند دخول الوقت لا قبله، فما يفعله الناس قبل دخول الوقت مما يسمونه بالأولى والثانية، لا أصل له، لأنه لم يفعله النبى صلى الله عليه وسلم، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه ولا من السلف، بل هو محدث، فيتعين تركه، لأنه صلى الله عليه وسلم تركه مع وجود المقتضى - وهو تشريع الأحكام فى حياته- واستمر على ذلك حتى فارق الدنيا. وهو يدل على عدم مشروعيته، وكذلك إجماع الأمة من الصحابة والسلف الصالح على هذا الترك دليل على أن تركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة.
(ولا يقال) إنه داخل تحت الأوامر العامة، كقوله تعالى:{وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لأن تركه صلى الله عليه وسلم إياه وكذا الصحابة، دليل على عدم دخوله فى تلك الأوامر {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئاً يبعدكم عن الله تعالى إلا وقد نهيتكم عنه. أخرجه الطبرانى فى التكبير عن زيد بن أرقم (2). [159].
وأيضا فإن هذا ليس من الخير، بل هو ضلال كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: أُوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدى بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً: فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعفوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أخرجه أحمد وأبو داود
(1) انظر ص 180 ج 1 سنن ابن ماجه (ما جاء فى الأذان يوم الجمعة).
(2)
انظر رقم 55 ص 90 فتاوى أئمة المسلمين.
وابن ماجه عن العرباض بن سارية، وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (1). [160].
ويكفى فى منع ما ذكر أنه بدعة مذمومة، وأن فيه تشويشاً على من بالمسجد وهو حرام بالإجماع، وأنه وسيلة إلى اعتقاد العوام أنه من الدين ومن الأمور الشرعية التى لابد منها، والآيات والأحاديث والآثار ناطقة بمنع ذلك كله.
هذا. والأذان الذى زاده عثمان رضى الله عنه كان يفعل على الزوراء بعيداً عن المسجد لتنبيه من بالسوق (أما) ما يفعل من تأدية الذانين على سطح المسجد أو أحدهما فوقه والآخر داخل المسجد (فهو) مخالف لما كان عليه الأمر فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما، وكذا فى عهد عثمان رضى الله عنه، فإن الغرض الذى زاد سيدنا عثمان الأذان لأجله- وهو إسماع من لا يسمع الذان على سطح المسجد- ليس موجوداً فى زماننا، فإن الكل يفعل بالمسجد أو خارجه.
(ولذ 1) يطلب الاقتصار على أذان واحد فى الجمعة خارج المسجد كما كان فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر (قال) الشافعى فى الأم: وأحب أن يكون الآذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على موضعه الذى يخطب عليه، منبر أو شئ مرفوع له أو الأرض، فإذا فعل أخذ المؤذن فى الذان، فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه، وأحب أن يؤذن مؤذن واحد إذا كان على المنبر لا جماعة مؤذنين (2).
(1) ص 188 ج 1 الفتح الربانى. وص 201 ج 4 سنن أبى داود (لزوم السنة) وص 11 ج 1 سنن ابن ماجه (اتباع سنة الخلفاء الراشدين).
(2)
ص 172، 173 ج 1 الأم (وقت الذان للجمعة).
(وعلى الجملة) فقد دلت الأحاديث على أنه كان لا يؤذن للجمعة إلا آذان واحد خارج المسجد حين يجلس النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر، وكذا فى عهد أبى بكر وعمر رضى الله عنهما.
(أما) ما يفعل الآن فى بعض المساجد أمام المنبر داخل المسجد (فمحدث) أحدثه هشام بن عبد الملك وليس من السنة فى شئ. وقد أحدثوا بدعة أخرى مذمومة وهى ما يفعلونه الآن فى بعض المساجد من جعلهم مؤذنين: أحدهما أمام المنبر، والثانى على مكان مرتفع داخل المسجد، يقول الأول جملة من الذان ويسكت فيقولها الثانى، ثم يقول الأول الجملة التى تليها من الأذان ويسكت فيقولها الثانى، وهكذا حتى ينتهى الذان بهذه الكيفية، فهذه بدعة لا اصل لها فى الدين يجب إبطالها.
(وقد) اتفقت كلمة العلماء على أن الآذان داخل المسجد خلاف السنة.
(وقال) ابن نجيم: وينبغى للمؤذن أن يؤذن فى موضع يكون اسمع للجيران ولا يؤذن فى المسجد (1). وفى فتاوى قاضيخان: وينبغى أن يؤذن على المئذنة أو خارج المسجد ولا يؤذن فى المسجد (2).
(وقال) شمس الدين الرملى: ويستحب أن يؤذن على مكان عال كمنارة وسطح للاتباع ولزيادة الإعلام، وفى البحر: لو لم يكن للمسجد منارة من أن يؤذن على الباب. وينبغى تقييده بما إذا تعذر فى سطحه، وإلا فهو أولى (3).
(وقال) الشيخ محمد عليش: وفعله- يعنى الأذان فى المسجد- بدعة مضيعة لثمرته من إسماع الناس الخارجين عن المسجد ليسعوا إلى ذكر الله ويذروا البيع وكل ما يشغلهم عنه نوالحاضرون فى المسجد لا حاجة لهم فى الأذان،
(1) انظر ص 255 ج 1 البحر الرائق (الأذان).
(2)
انظر ص 74 ج 1 هامش الفتاوى الهندية (مسائل الأذان).
(3)
انظر ص 305 ج 1 نهاية المحتاج (الأذان والإقامة).
فالصواب فعله فى محل الأذان المعتاد لإسماع من ليس فى المسجد كما كان فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم (1).
(وقال) ابن الحاج: السنة فى أذان الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنار (2) أو الباب، كذلك كان فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وصدر من خلافه عثمان رضى الله عنهم، ثم زاد عثمان أذاناً آخر بالزوراء وهو موضع بالسوق لما كثر الناس، وأبقى الأذان الذى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنار والخطيب على المنبر إذ ذاك.
ثم إنه لما تولى هشام بن عبد الملك جعل الأذان الذى فعله عثمان بالزوراء على المنار، ثم نقل الأذان الذى كان على المنار حين صعود الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان بين يديه.
قال علماؤنا: وسنة النبى صلى الله عليه وسلم هى التى تتبع، فقد بان أن فعل الأذان فى المسجد بين يدى الخطيب بدعة تمسك بعض الناس بها، ثم تطاول الأمر على ذلك حتى صار بين الناس كأنه سنة معمول بها، وهذا وما شاكله ليس له أصل فى الشرع (3).
(1) ص 118 ج 1 منح الجليل على مختصر خليل (الأذان والإقامة).
(2)
أراد بالمنار سطح المسجد لارتفاعه، لأنه لم يكن منائر فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه (قال) السيوطى فى الأوائل: أول من رقى منارة مصر للأذان شرحبيل بن عامر المرادى. وفى عرافته بنى مسلمة المنائر للأذان بأمر معاوية ولم تكن قبل ذلك (وقال) ابن سعد بالسند إلى أم زيد بن ثابت: كان بيتى أطول بينت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فكان يؤذن بعد ذلك على ظهر المسجد وقد رفع له شئ فوق ظهره (16) انظر ورقة 7 الوسائل لمعرفة الأوائل رقم 3298 تاريخ (المكتبة الأزهرية).
(3)
ص 74 ج 2 المدخل (دكك المؤذنين).