الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى سنده ابو سلمة بن نبيه وعبد الله بن هارون، وهما مجهولان.
(وقال) أبو حنيفة وأبو يوسف: لا تجب الجمعة على من كان خارج البلد ولو سمع النداء (لقول) على رضى الله عنه: لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا فى مصر جامع أو مدينة عظيمة. أخرجه ابن أبى شيبة، وهذا لفظه، وعبد الرازق والبيهقى والطحاوى فى المشكل وصححه ابن حزم (1). (41).
(وأجاب) الأولون عنه بأن معناه لا تصح الجمعة إلا فى مصر كما سيأتى لا ينافى وجوبها على من سمع النداء منالمصر (وقال) مالك والليث: تجب الجمعة على من كان بينه وبين بلدها ثلاثة أميال وثلث فأقل.
(ب) وأما شروط صحتها فأربعة: المكان والوقت والخطبة والجماعة.
(1) مكان الجمعة
اختلف العلماء فى المكان الذى تصح فيه إقامة الجمعة. فقال الحنفيون: لا تقام إلا فى المصر او فنائه بكسر الفاء، وهو الموضع المعد لمصالح المصر، بشرط الا ينفصل عنه بغلوة (2)، فلا تصح فىقرية ولا مفزة. وبه قال على وحذيفة وعطاء وإبراهيم النخعى ومجاهد وابن سيربن والثورى وسحنون لما تقدم أن علياً رضى الله عنه قال: لا جمعة ولا تشريق ولا صلاةفطر ولا أضحى إلا فى مصر جامع أو فى مدينة عظيمة (3) والموقوف فى مثله كالمرفوع، لأنه من شروط العبادة ولا مدخل للرأى فيها، وكفى بقول على رضى الله عنه قدوة.
(1) ص 195 ج 2 نصب الراية (صلاة الجمعة) وص 179 ج 3 سنن البيهقى (العدد الذين إذا كانوا فى قرية وجبت عليهم الجمعة) وص 54 ج 2 مشكل الاثار (العيدان يجتمعان) وص 52 ج 5 المحلى (صلاة الجمعة).
(2)
الغلوة بفتح فسكون فى الأصل: الغاية وهى رمية سهم أبعد ما يقدر عليه، وقدرها ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة وهو الأصح أى 139 متراً إلى 186.
(3)
تقدم أثر 41 ص 166 ..
(والمصر) عندهم هى بلدة كبيرة فيها سوق ووال يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحشمته وعلمه أو علم غيره، يرجع الناس إليه فيما يقع من الحوادث، وقيل هو ما لا يسع أكبر مساجده اهله المكلفين بالجمعة.
(وقال) الشيخ غبراهيم الحلبى: وعن محمد أن كل موضع مصره الإمام فهو مصر حتى إنهلو بعث إلىقرية نائباً لإقامة الحدود والقصاص تصير مراً؛ فإذا عزله تلحق بالقرى. ووجه ذلك ما صح أنه كان لعثمان عبدُ أسود أمير له على الزبدة يصلى خلفه أبو ذر وعشرة منالحابة الجمعة وغيرها. ذكره ابن حزم فىالمحلى (1).
ويجوز إقامتها بمنى أيام الموسم إذا كان الأمير أمير الحجاز أو كان الخليفة هناك عند ابى حنيفة وابىيوسف خلافاً لمحمد، لأنها تتمصر إذ ذاك، فإن لها سككاص ويصير لها بالموسم اسواق، بخلاف عرفات لأنها لا أبنية بها.
وبخلاف ما إذا لم يكن إلا أمير الموسم، أى أمير الحج، لأنه لم يفوض إليه غقامة الجمع. ولا يصلى العيد بها بالاتفاق لا لعدم التمصر، ولكن للاشتغال فيه بأمور الحج من الرمى والذبح والحلق وطواف الإفاضة وغيرها فيقع الحرج بصلاتها. فعلى هذا ينبغى أن تيقط الجمعة عن أهل مكة إذا خرجوا للحج واتفق أن العيد يوم الجمعة (2).
(وقالت 9 المالكية: تقام الجمعة فى المصر وفى كل قرية بيوتها متصلة ذات طرق وسوق ومسجد تؤدى فيه الصلوات جماعة وإن لم يكن لهم وال.
(وقالت) الشافعية والحنبلية: تؤدى فى كل قرية فيها أربعون رجلا أحراراً مكلفين مقيمين بها، لا ينتقلون إلا لحاجة، بشرط أن تكون أبنيتها مجتمعة عرفاً.
(1) ص 52 ج 5 المحلى. و (الربذة) كقصبة: قرية شرقى المدينة على نحو ثلاثة اميال منها، كانت عامرة فى صدر الإسلام، وهى الآن دارسة وبها قبر ابى ذر الغفارى.
(2)
ص 551 غنية المتملى بشرح منية المصلى (صلاة الجمعة).
(قال) أبو عبد الله بن قدامة: فأما القرية فيعتبر أن تكونمبنية بما جرت به العادة ببنائها به من حجر او طين او لبن أو قصب او شجر ونحوه.
فأما أهل الخيام وبيوت الشعر والحركات فلا جمعة عليهم ولا تصح منهم، لأن ذلك لا ينصب للاستيطان غالباً، ولذلك كانتقبائل العرب حول المدينة فلم يقيموا جمعة ولا أمرهم بها النبى صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك لم يخف ولم يترك نقله مع كثرته وعموم البوى به، لكن إن كانوا مقيمين بموضع يسمعون النداء لزمهم السعى إليها كأهل القرية الصغيرة إلى جانب المصر. ويشترط فى القرية ايضاً ان تكون مجتمعة البناء بما جرت العادة فى القرية الواحدة، فإن كانت متفرقة المنازل تفرقاً لم تجر العادة به، لم تجب عليهم الجمعة إلا أن يجتمع منا ما يسكنه اربعون، فتجب الجمعة بهم ويتبعهم الباقون، ولا يشترط اتصال البنيان بعضه ببعض.
وحكى عن الشافعى أنه شرط ولا يصح، لأن القرية المتقاربة البنيان قرية مبنية على ما جرت به عادة القرى؛ فأشبهت المتصلة، ومتى كانت القرية لا تجب الجمعة على أهلها بأنفسهم وكانوا بحيث يسمعون النداء من المصر أو من قرية تقام فيها الجمعة لزمهم السعى إليها، لعموم الاية (1).
(وقال) العلامة منصور بن إدريس: ولا يشترط للجمعة المصر، خلافاً لأبى حنيفة، لما روى الأثرم عن أبى هريرة أنه كتب إلى عمر يسأله عن الجمعة بالبحرين، وكان عامله عليها، فكتب إليه عمر: جمعوا حيث كنتم.
قال أحمد: إسناده جيد (2). واسنده ابن ابى شيبة عن حذيفة وعلىّ وعمر وغيرهم. (43)(3).
(واستدلوا) أيضا بقول ابن عباس: إن أول جمعة فى الإسلام بعد
(1) ص 171 ج 2 مغنى (اشتراط القرية للجمعة).
(2)
ص 345 ج 1 كشاف القناع (ما يشترط لصحة الجمعة).
(3)
ص 259 ج 2 فتح البارى.
جمعة جمعت فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة لجمعة جمعت بجوائى قرية من قرى البحرين. أخرجه البخاري وأبو داود والبيهقى (1). (44).
(وأجاب) الحنفيون بأن ما ذكر لا ينافى اشتراط المصر، إذ القرية تطلق فى لغة القرآن والصدر الأول على المصر، قال تعالى:{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ} (2) أى أنطاكية {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (3) أى مكة والطائف. وفى الصحاح: جوائى حصن بالبحرين. فهى مصر على ما تقدم بيانه. ولكن يؤيد القول بصحة الجمعة فى القرى ما تقدم عن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين ان جَمَّمعوا حيثما كنتم (4) وهو يشمل المدن والقرى، وقال الوليد بن مسلم: سألت الليث بن سعد عن المصر، فقال: كل مدينة أو قرية جماعة أمروا بالجمعة، فإن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون على عهد عمر وعثمان بأمرهما، وفيها رجال من الصحابة. أخرجه البيهقى (5). (45).
(واختلفوا) أيضاً فى اشتراط المسجد لصحة صلاة الجمعة. فقالت المالكية: يشترط إقامتها فى مسجد مبنى بناء معتاداً لأهل البلد، وأن يكون واحداً؛ فلو تعدد فالجمعة للعتيق، وهو الذى أقيمت فيه الجمعة أولا، وإن تأخر بناؤه ما لم يهجر العتيق أو يكون التعدد لحاجة أو يحكم حاكم بصحتها فى الجديد وإلا صحت فيه، ومن الحاجة المبيحة للتعدد ضيق العتيق
(1) ص 259 منه (الجمعة فى القرى والمدن). وص 215 ج 6 المنهل العذب.
وص 176 ج 3 سنن البيهقى 0 العدد الذين كانوا فى قرية وجبت عليهم الجمعة) و (جواثى) بضم الجيم وواو مخففة وقد تبدل همزة مقصورة أو ممدودة. . (والبحرين) اسم بلاد على ساحل بحر العرب بين برة وعمان.
(2)
سورة يس: الاية 13.
(3)
سورة الزخرف: الآية 31.
(4)
تقدم أثر 43 ص 168 ..
(5)
(انظر ص 259 ج 2 فتح البارى 0 الجمعة فى القرى والمدن).
عمن يحضر لصلاة الجمعة ولو كان حضوره مندوباً كالنساء والصبيان (ومنها) وجود عداوة بين أهل البلد.
ويشترط فى المسجد أيضاً ان يكون داخل البلد.
وقال ابن ناجى: يصح أن يكون خارجها بحيث ينعكس عليه دخان البلد، وحدّه بعضهم بأربعين ذراعاً وبعضهم بأربعين باعاً (ومحل) كلامه إذا بنى خارج البلد ابتداء، أما إذا بنى داخل البلد ابتداء ثم خرجت وصار خارجاً عنها فالجمعة فيه صحيحة.
(وقال) الحنفيون والشافعى وأحمد والجمهور: المسجد غير شرط فى صحة الجمعة، لأن الليل المثبت لوجوب الجمعة ساكت عن اشتراطه، فتجوز فى مسجد البلد وفى أبنيتها وفى الفضاء التابه لها إذا كان لا تقصر فيه الصلاة (قال) فى البحر: وهذا القول قوى إن صحت صلاته صلىالله عليه وسلم فى بطن الوادى. أ. هـ.
(وقد روى) صلاته صلى الله عليه وسلم فى بطن الوادى ابن سعد وأهل السير. ولو سلم عدم صحة ذلك، لا يدل فعلها فى المسجد على اشتراطه، ولو كان شرطاً فى صحة الصلاة لما جاز أن يسكت عنه صلى الله عليه وسلم ولا أن يترك بيانه لقوله تعالى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1).
(فائدة) كانت الجمعة فى عهد النبى صلىالله عليهوسلم وعهد الخلفاء الراشدين والسلف الصالح تقام فى مكان واحد من المر، وكانوا يتركون المساجد الصغيرة إلى المسجد الجامع (قال) ابن عمر: إن أهل قباء كانوا
(1) سورة النحل: الآية 440.
يجمعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة. أخرجه ابن ماجه. وفى سنده عبد الله بن عمر العمرى وهو ضعيف (1).
[173]
.
(وقال) ابن عمر: لا جمعة إلا فى المسجد الأكبر الذى يصلى فيه الإمام. اخرجه ابن المنذر (46).
(وعن) بكير بن الأشج أنه كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجده صلى الله عليه وسلم يسمع أهلها تاذين بلال، فيصلون فى مساجدهم، ولم يكونوا يصلون الجمعة فى شئ من تلك المساجد إلا مسجد النبى صلى الله عليه وسلم. اخرجه أبو داود فى المراسيل والبيهقى فى المعرفة (47).
(ويشهد) له صلاة أهل العوالى مع النبى صلى الله عليه وسلم الجمعة كما فى التصحيح.
ذكره فى تلخيص الحبير (2) وفيه: وروى البيهقى أن أهل ذى الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة. ولم ينقل أنه أذن لأحد فى إقامة الجمعة فى شئ من مساجد المدينة ولا فى القرى التى بقربها (3).
(وقال) تقى الدين السبكى فى فتاويه: إن دمشق من فتوح عمر إلى اليوم (شهر رمضان سنة 756 هـ) لم يكن فى داخل سورها إلا جمعة واحدة (4). أهـ.
وقد اعتمد السبكى أنه إذا كان فى مصر أو قرية جامع يسع أهلها ثم أريد
(1) ص 179 ج 1 سنن ابن ماجه (من أين تؤتى الجمعة؟ ) و (قباء) بضم القاف يمد ويقصر ويصرف ولا يصرف: موضع جنوب المدينة على ميلين منها. و (يجمعون) من التجميع ..
(2)
انظر هامش 1 ص 498 ج 4 شرح المهذب. و (العوالى) موضع قريب من المدينة.
(3)
اانظر هامش 1 ص 498 ج 4 شرح المهذب. و (العوالى) موضع قريب من المدينة.
(4)
ذكر الخطيب فىتاريخ بغداد أن أول جمعة أحدثت فى الإسلام فى بلد مع قيام الجمعة القديمة فى أيام المعتضد فى دار الخخلافة من غير بناء مسجد لإقامة الجمعة. وسبب ذلك خشية الخلفاء على أنفسهم فى المسجد العام وذلك سنة 280 هـ. ثم بنى فى أيام المكتفى مسجد فجمعوا فيه. أهـ. ذكره فى تلخيص الحبير. انظر هامش 1 ص 498 ج 4 شرح المهذب.
إحداث جمعة ثانية فى بعض المساجد أن ذلك لا يجوز. وقال ابن جريح: قلت لعطاء: أرأيت اهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر كيف يصنعون؟ قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه ثم يجزئ ذلك عنهم. أخرجه عبد الرازق (48).
هذا. وقد اختلف العلماء فى جواز غقامتها فى مواضع، فالمنقول عن الشافعى فى الجديد أنه لا يجوز غقامتها فى أكثر من موضع. قال فى الأم: ولا يجمع فى مصر وإن عظم أهله وكثر عامله ومساجده إلا فى موضع المسجد الأعظم وغن كانت له مساجد عظام لم يجمع فيها إلا فى واحد، وايها جمع فيه أولا بعد الزوال فهى الجمعة. وإن جمع فى آخر سواه بعده لم يعتد الذين جمعوا بعده بالجمعة وكان عليهم أن يعيدوا ظهراً أربعاً (1).
وعن ابى يوسف: لا تجوز فىموضعين من المصر إلا أن يكون بينهما نهر. وعنه تجوز بموضعين لا غير. (وقال) ابو حنيفة ومحمد: يجوز ذلك مطلقاً.
(قال) العلامة ابن نجيم: يصح أداء الجمعة فى مصر واحد بمواضع كثيرة. وهو قول ابى حنيفة ومحمد وهو الأصح، لن فى الاجتماع فى موضع واحد فى مدينة كبيرة حرجاً بيناً وهو مرفوع. وذكر الإمام السرخسى أن الصحيح من مذهب ابى حنيفة جواز إقامتها فى مصر واحد فىمسجدين وأكثر وبه نأخذ لإطلاق: لا جمعة إلا فى مصر (2) شرط المصر فقط.
وبما ذكرناه اندفع ما فى البدائع من أن ظاهر الرواية جوازها فى موضعين، ولا يجوز فى أكثر من ذلك، وعليه الاعتماد. أهـ. فإن المذهب الجواز مطلقاً (3).
(1) ص 171 ج 1 كتاب الأم (الصلاة فى مسجدين فأكثر).
(2)
هو بعض أثر عن على رضى الله عنه تقدم 41 ص 166 (هل تلزم الجمعة من كان خارج بلدها؟ ).
(3)
ص 142 ج 2 البحر الرائق (صلاة الجمعة).
ثم قال: وأما ما استدل به من يمنع التعدد من أنها سميت جمعة لاستدعائها الجماعات فهى جامعة لها، فلا يفيده لأنه حاصل مع التعدد، ولهذا قال العلامة ابن جرباش فى النجعة (بضم النون) فى تعداد الجمعة: لا يقال إن القول بالاجتماع المطلق قول بالاحتياط وهو متعين فى مثله ليخرج به المكلف عن عهدة ما كلف به بيقين، لأن الاجتماع أخص من مطلق الاجتماع، ووجود الأخص يستلزم وجود الأعم من غير عكس، ولأن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين، ولم يوجد دليل عدم جواز التعدد، بل قضية الضرورة عدم اشتراطه، وقد قال الله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} (1). وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2).
والقول بعدم تعدد الجمعة مع الحاجة وكثرة الناس، عسر يأباه سهولة الدين ويسره (وقالت) المالكية والحنبلية: يجوز تعدد الجمعة لحاجة كضيق المسجد عمن يحضر لصلاة الجمعة وكوجود عداوة بين أهل البلد (قال) الشيخ منصور بن إدريس: وتجوز إقامتها فى أكثر من موضع من البلد لحاجة (كضيق) مسجد البلد عنأهله (وخوف) فتنة بأن يكون بين أهل البلد عداوة فيخشى إثارة الفتنة ياجتماعه فى مسجد واحد (وبُعد) الجامع عن طائفة من البلد ونحوه كسعة البلد وتباعد أقطاره، فتصح الجمعة السابقة واللاحقة، لأنها تفعل فى الأمصار العظيمة فى مواضع من غير نكير، فكان إجماعاً. قال الطحاوى: وهو الصحيح من مذهبنا. وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يقمها هو ولا أحد من الصحابة فى أكثر من موضع فلعدم الحاجة إليه، ولأن الصحابة كانوا يؤثرون سماع خطبته وشهود جمعته وإن بعدت منازلهم، لأنه المبلغ عن الله تعالى، وكذا العيد تجوز غقامتها فى أكثر منموضع من البلد للحاجة لما سبق. فإن حصل الغنى بجمعتين اثنتين لم تجز الجمعة الثلثة لعدم الحاجة إليها. وكذا إذا حصل الغنى بثلاث لم تجز الرابعة، أو بأربع لم تجز
(1) آخر سورة البقرة.
(2)
ص 143 ج 2 البحر الرائق، والآية آخر سورة الحج.
الخامسة، وهكذا. ويحرم إقامة الجمعة والعيد بأكثر من موضع من البلد لغير حاجة. قال فى المبدع: / لا نعلم فيه خلافاً إلا عن عطاء (1). وبقول عطاء قال أبو حنيفة ومحمد- كما علمت- والظاهرية.
ومشهور مذهب الشافعية جواز تعدد الجمعة لحاجة. قال الشيخ على الشبراملسى فى رسالة له فى حكم صلاة الظهر بعد الجمعة، الصحيح أنه لا يجوز تعدد الجمعة ما يشق الاجتماع فى محل واحد- ولو غير مسجد- مشقة لا تحتمل عادة، أى يقيناً كما قيد به الشهاب بن حجر، وتبعه شيخ مشايخنا الشمس الرملى، سواء أحال نهر بين أجزاء محلها أم لا، وسواء أكانت قرى واتصلت أم لا.
نعم إن حال بينهما سور جاز التعدد مطلقاً لفعل بعضهم لها داخله وبعضهم خارجه. وهل العبرة فيمن يعسر اجتماعه بمن يصليها بالفعل أو من تصح منه أو من يغلب حضوره، أو من تلزمه؟ احتمالات، اعتمد الشمس الرملى كأبيه والشهاب بن حجر، ثالثها حتى لو كان الغالب يختلف باختلاف الأزمنة اعتبرناه فى كل زمن بحسبه. واعتمد بعض مشايخنا. ويجوز التعدد بقدر الحاجة إن شق الاجتماع بكثرة أهل محلها أو لقتال بينهم أو لبعد أحد طرفيه عنالآخر بحيث لا يسمع من فى أحدهما النداء من الآخر على ما فى الأنوار، وبحيث لو خرج من فى أحدهما منه للآخر عقب الفجر لم يدركها على ما قاله الشهاب بن جحر وتبعه الشمس الرملى، أو بحيث تناله مشقة لا تحتمل عادة بالسعى إليها من أحدهما للآخر على ما قاله الشهاب العبادى (2). أهـ.
(وقال) كثير من الشافعية: إن هذا هو مذهب الإمام، لأنه دخل بغداد وفيها مسجدان تقام فيهما جمعة ولم ينكر عليه، ويكون كلامه فى الأم
(1) ص 351 ج 1 كشاف القناع (صلاة الجمعة ركعتان).
(2)
ورقة 1 رسالة فىحكم صلاة الظهر بعد الجمعة رقم 3597 مجاميع فقه شافعى المكتبة الأزهرية.
مقيدا بما إذا لم يعسر الاجتماع (وقال) بعضهم: إن أحد المسجدين كان خارج السور، وقال آخرون: لم ينكر عليهم لأن المسألة اجتهادية، والمجتهد لا ينكر على مجتهد مثله. واياً فهذا هو مختار أكثر أصحاب الشافعى.
(تنبيه) علم مما تقدم أن جمهور العلماء قالوا بجواز تعدد الجمعة ولا سيما إذا كان لحاجة وأنها فرض الوقت. وعهليه فلا تطلب صلاة الظهر بعدها، لأن المكلف لا يطالب بفرضين فى وقت واحد مع ما فى أدائه جماعةمن إيهام نقض الجمعة، وإيقاع العامة فى اعتقاد أن ليوم الجمعة بعد زواله فرضين: صلاة الجمعة، ولاة الظهر، بل هو الذى لا يرتابون فيه، ويزيدون عليه أنه لا يصح إلا جماعة.
(قال) فى الدر المختار: وهى (يعنى الجمعة) فرض مستقل آكد من الظهر وليست بدلا عنه. وفى البحر: وقد أفتيت مراراً بعدم صلاة الأربع بعدها بنية آخر ظهر خوف اعتقاد عدم فرضية الجمعة وهو الاحتياط فى زماننا (وأما) من لا يخاف عليه مفسدة منها، فالأولى أن تكون فى بيته خفية (1).
(وقال) زين الدين بن نجيم: يلزم من فعلها (أى الظهر) فى زماننا مفسدة عظيمة، وهو اعتقاد الجهلة أن الجمعة ليست بفرض لما يشاهدونه من صلاة الظهر فيظنون أنها الفرض وأن الجمعة ليست بفرض فيتكاسلون عن أدائها فكان الاحتياط فى تركها (2) أى الظهر. ولا يخفى أن محو اعتقاد غير الصواب من صدور العامة بتمحيص الحق باب عظيم من أبواب الدعوة إلى الخير.
(وكتب) العلامة البجرمى على قول شيخ الإسلام فى المنهج: "وألا يسبقها بتحرم ولا يقارنها فيه جمعة بمحلها إلا إن كثر أهله وعسر اجتماعهم بمكان ".
(1) ص 423 ج 1 حاشية البجر مي على المنهج (شروط صحة الجمعة).
(2)
ص 171 ج 1 كتاب الأم (الأرض تكون بها المساجد).
(قال) أى كثروا بحيث يعسر اجتماعهم، اى بأن يحصل لهم مشقة من الاجتماع لا تحتمل أى اجتماع من يجوز له حضور الجمعة وإن لم تلزمه، فيدخل فيه الأرقاء والصبيان والنساء. فعلى هذا القول يكون التعدد في مصر كله لحاجة، فلا تجب الظهر حينئذ، كما نقل عن ابن الحق (1).
(ومن) قال من المتأخرين: إنه يسن إقامة ظهر بعد الجمعة خروجاً منت خلاف من يمنع التعدد مطلقاً كما هو ظاهر نص الشافعي في الأم (فقوله) غير مسلم، فإن الشافعي لا يجيز صلاة الظهر عند الشك في السبق وعدمه إلا حيث ضاق الوقت.
(قال) في الأم: وإن كان وال يصلى في مسجد صغير فجاء وال غيره فصلى في المسجد عظيم فأيهما صلى أولا فهي الجمعة، فإذا لم يدر أيهما صلى أولا فأعاد أحدهما الجمعة في الوقت أجزأت. وإن ذهب الوقت أعادا معاً فصليا معاً أربعاً أربعاً. قال الربيع: يريد يعيد الظهر (2).
(وقال) النووي: من لزمته الجمعة لا يجوز أن يصلى الظهر قبل فوات الجمعة بلا خلاف لأنه مخاطب بالجمعية؛ فإن صلى الظهر قبل الجمعة ، فقولان مشهوران الصحيح بطلانها ويلزمه إعادتها؛ لأن الفرض هو الجمعة (3).
(فهذه) النصوص صريحة في أن الشافعي وأصحابه لا يجيزون صلاة الظهر لمن أشكل عليهم أمر السبق إلا حيث ضاق الوقت عن تأديتها جمعة. فما يفعله كثير من الناس إقامة ظهر عقب صلاة الجمعة في حالة التعدد وإشكال الأمر، مخالف لما قاله الشافعي وأصحابه.
(1)
(2)
(3)
ص 496 ج 4 شرح المهذب.
(ولذا) لما علم والي مصر حسين باشا في عهد السلطان مصطفي الثلث العثماني أن الظهر بعد الجمعة لا أصل له من كتاب ولا سنة ولا من عمل الأئمة (أمر) في سنة 1277 هجرية بعدم إقامتها في الأزهر وغيره، فجزاه الله خيراً على منع هذه البدعة وأثابه، ووفق من يتنبه لمنعها (1).
(1) وقد نعى كثير من أفاضل علماء الأزهر على المتمسكين بأذيال هذه البدعة (منهم) فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ حامد محيسن الشافعي وكيل كلية اللغة العربية بالجامعة الأزهرية. قال في العدد السابع من السنة الثالثة لمجلة نور الإسلام الصادر في جمادى الثانية 1356 هـ: تذهب إلى مسجد من مساجد القاهرة أو بلد أخر لتصلى فريضة الجمعة فتسمع أذانا ثم أذانا ثم خطبه ثم خطبه ثانية ثم تقوم الصلاة فتصلى ركعتين الجمعة مؤتماً أنت وجميع من في المسجد بإمام واحد حتى إذا سلم الإمام رأيت طائفة من الجماعة قد انشقت عليه وانحازت إلي جانب من المسجد فاقامت صلاة غير التي صلاة مع الجماعة وركعت أربع ركعات هى صلاة ظهر يوم الجمعة. وما هي بتلك الصلاة الثانية الا كالتي نقضت غزلها من بعد قوه. إذ هي بما أتت قد رجعت إلي تلك الاعمال الكثيرة التي تقدمة صلاة الجمعة فابطلتها مع المقصد التي تلاها ورجعة الي هذا الجمع المترابط الملتئم فصدعته وابطلت غرض الشارع منه. بل أبطلت الغرض العام من الدين والمقصد الاسمي له وهو تضامن الأمه وإتحادها وأن لا يتفرقوا في دينهم شيعا. وإن الذي يصدع قلبك ويملأ نفسك أسفا ويفعمها عجبا أن تري بين هؤلاء الذين صدعوا الجميع واظهروا التفرق علماء دينيون آمين ومؤتمنين. نعم تمتلئ أسفاً وعجباً إذ أنه ليس من شك ولا عمون أنهم تابعون له في تلك الصلاة لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على عهد خليفة من الخلفاء الراشدين ولا عرفها إمام الأمة المجتهدين ولا إمام المذهب الذي يزعمون أنهم تابعون له في تلك الصلاة وهو الإمام الشافعي رضى الله عنه .. ثم هم مع هذا يفعلونها غير مخجلهم أن هذه عبادة مخترعة مبتدعة لا يعرفها الإسلام إذ الإسلام لا يعرف صلاة سادسة، وإذ أنت بحثت عن مبني اختراعهم لتلك العبادة وابتداعهم صلاة سادسة وجدت كل ما هناك أن الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه قال: لا يجمع في مصر وإن عظم وكثرت مساجده إلا في مسجد واحد. تلك كلمة الإمام التي لم يجدوا إلى تأويلها سبيلا إلا أن يخترعوا عبادة لا يعرفها الإسلام ولا من فهموا الإسلام من صحابة الرسول وأئمة المسلمين المجتهدين، ولقد فات هؤلاء أن الإمام الجليل الإمام الشافعي ما أراد من هذا إلا تحقيق الغرض الذي رمي إليه الشارع بهذا التشريع (فريضة الجمعة) =