الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ورّه) الجمهور بأن الجمعة شرعت على خلاف القياس. فيراعى فيها كل الخصوصيات التى وردت فيها، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلاها بعد دخول وقت العصر، ولا عن أحد من السلف إلى يومنا هذا.
(وإن خرج) الوقت وهم فيها قبل السلام بطلت عند الحنفيين، غير أنها تنقلب نفلا عند الإمام، لفوات الشرط، ويلزم استئناف الظهر.
(وقالت) المالكية: إن غربت الشمس بعد تمام ركعة من الجمعة بسجدتيها أتموها جمعة وإلا أتموها ظهراً.
وقالت الشافعية: إذا شرعوا فيها وقد بقى من وقت الظهر ما يسعها ولكنهم أطالوها حتى خرج الوقت أتموها ظهراً، ويسر الإمام فيما بقى، ويحرم عليهم قطعها، وإن شرعوا فيها ولم يبق من الوقت ما يسعها فخرج وهم فيها بطلت واستأنفوا ظهراً.
(وقالت) الحنبلية: إن خرج وقتها وقد صلوا ركعة أتموها جمعة اتفاقاً، وكذا إن خرج ولم يتموا ركعة على المذهب.
(قال) الشيخ منصور بن يونس: ولا تسقط الجمعة بشك فى خروج الوقت، لأن الأصل عدمه والوجوب محقق؛ فإن بقى من الوقت قدر التحريمة بعد الخطبة صلوها، فإن تحققوا خروجه قبل التحريمة صلوا ظهراً، لأن الجمعة لا تقضى، وإن لم يتحققوا خروجه قبل التحريمة أتموا جمعة، لأن الأصل بقاؤه، وهى تدرك بالتحريمة كما تقدم كسائر الصلوات، فإن علموا إحرامهم بعد الوقت، قضوا ظهراً لبطلان جمعتهم (1).
(3) خطبة الجمعة
هى شرط لصحة الجمعة عند الأئمة الأربعة والجمهور (لقوله) تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ، والذكر هو الخطبة لاشتمالها عليه، أمر بالسعى إليه
(1) ص 345 ج 1 شرح المنتهى (ولصحتها شروط).
فيكون واجباً، لأنه يجب السعى لغير الواجب، ولمواظبته صلى الله عليه وسلم على الخطبة.
(قال) ابن عمر: كان النبى صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يخطب فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب. اخرجه السبعة إلا ابن ماجه، وهذا لفظ أبى داود (1). [183].
(ولم يرد) أنه عليه الصلاة والسلام أو أحداً من الخلفاء الراشدين فمن بعدهم صلى الجمعة بدون خطبة. فهى من جملة الخصوصيات التى لم يرد غسقاط الركعتين إلا مع مراعاتها فكانت شرطاً.
(ويشترط) عند المالكية والشافعية خطبتان، وهو مشهور مذهب الحنبلية لما تقدم (ومنه) قوله صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتمونى أُصلى (2).
ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم، صلى الجمعة بدون خطبتين.
(وقال) الحنفيون والأوزاعى وإسحاق بن راهويه وابن المنذر: الشرط خطبة واحدة والثانية سنة. وهو رواية عن أحمد (وقال) الحسن البصرى والظاهرية وابن الماجشون المالكى: الخطبة مستحبة.
(قال) الشوكانى: وهذا هو الظاهر. وأجاب عن أدلة الجمهور بما ملخصه: أما استمراره صلى الله عليه وسلم على الخطبة فى كل جمعة، فهو مجرد فعل لا يفيد الوجوب فضلا عن الشرطية.
(1) ص 89 ج 6 الفتح الربانى، وص 273 ج 2 فتح البارى (الخطبة قائماً) وص 149 ج 6 نووى مسلم (ذكر الخطبتين .. ) وص 209 ج 1 مجتبى (الفصل بين الخطبتين)(وص 362 ج 1 تحفة الأحوذى 0 الجلوس بين الخطبتين) وص 252 ج 6 المنهل العذب (الجلوس إذا صعد المنبر).
(2)
تقدم رقم 23 ص 27 (ترتيب الفوائت).
(وقوله) صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتمونى أُصلى"، لا يدل على وجوب الخطبة، لأنها ليست صلاة، بل ولا يدل على وجوب الصلاة على الصفة التى كان يصليها، لأنه كان يواظب على أشياء ليست واجبة، كما يدل عليه حديث المسئ صلاته، فإنه لم يعلمه التشهد وكان يواظب عليه.
(واستدلالهم) بقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} لا يفيد وجوب الخطبة، لأن الذكر ليس نصاً فى الخطبة بل محتمل لها وللصلاة، وحمله على الصلاة أولى، للاتفاق على وجوبها، بخلاف الخطبة ففى وجوبها خلاف (1).
ورد: (أ) بأن وجوب الخطبتين ظاهر من المواظبة عليهما، وهو بيان لصفة صلاة الجمعة الواجبة، وهذا ظاهر مطابق لقواعد الأصول ودقائق الشريعة المطهرة، وأيضاً فإن صلاة الجمعة وجبت بهذه الصفة التى واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن قصر فيها عما كان عليه العمل فإنه لم يؤد ما وجب عليه وهو واضح فى الشرطية.
(ب) بأن تواتر العمل بهذه الصفة من عهد النبى صلى الله عليه وسلم إلى الآن، والأحاديث الصحيحة بينت هذه الصفة تفصيلا، فلم يصلَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بدون خطبتين. وهذه المواظبة المستمرة لا يصح حملها إلا على أنها بيان لهذا الواجب يلحق به فى الوجوب.
(حـ) بأن تأدية الخطبة داخل تحت كيفية الصلاة المأمور بها فى حديث: " صلوا كما رأيتمونى أُصلى " لقيام الخطبتين مقام ركعتين. قال الشيخ منصور بن إدريس: وعن ابن عمر وعائشة قصرت الصلاة من أجل الخطبتين فهما بدل ركعتين، فالإخلال بإحداهما إخلال بإحدى الركعتين (2).
هذا. وللخطبة شروط واركان وسنن ومكروهات:
(1) ص 336 ج 2 نيل الأوطار (حكم خطبة الجمعة).
(2)
ص 347 ج 1 كشاف القناع (يشترط لصحتها) و (نصرت) مبنى للمفعول.
(شروطها) يشترط لصحتها عند الجمهور اثنا عشر شرطاً:
(1)
كونها قبل الصلاة، لأنها شرط والشرط يتقدم على المشروط، فلا يعتد بالخطبتين عن تأخرتا عن الصلاة، وتعاد معهما عند الأئمة الثلاثة.
(وقالت) المالكية: إن تأخرتا أعيدت الصلاة فقط دون الخطبة إن قرب الزمن عرفاً ولم يخرج الإمام من المسجد، فإن طال أو خرج الإمام أعيدت الخطبتان والصلاة.
(2)
وكونها فى وقت الجمعة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يصلَّها بدون خطبة فى الوقت، فلو خطب قبله وصلى فيه لم تصح.
(3 و 4) وونهما بحضرة جماعة ممن تنعقد بهم الجمعة بأن يكونوا ذكوراً مكلفين ولو صماً أو نياماً، فلو خطب بحضرة النساء أو الصبيان أو المجانين فقط لا تصح، وكذا لو خطب بحضرة واحد على الأصح عند الحنفيين.
(5)
ويشترط الجهر بالخطبة بحيث يسمع اركانها من تنعقد به الجمعة حيث لا مانع كنوم أو غفلة أو صمم عند الجمهور.
(وقالت) المالكية: الشرط الجهر بها، ولا يشترط سماع الحاضرين ولا إصغاؤهم، وإن كان الإصغاء واجباً عليهم، فلو أسر بها لا تصح.
(6)
ويشترط- عند الحنفيين - الموالاة بين الخطبة والصلاة، بألا يفصل بينهما بعمل يقطع الخطبة كالأكل والجماع، بخلاف غير القاطع كالوضوء والغسل، وقضاء فائتةوافتتاح تطوع بينهما، فإنه لا يبطل الخطبة، وإن كان الأولى إعادتها.
(وقالت) المالكية والحنبلية: يشترط الموالاة بين الخطبتين وبينهما وبين الصلاة بألا يفصل بين ذلك بفاصل طويل عرفاً.
(وقالت) الشافعية: يشترط الموالاة بين أركانها وبينهما وبين الصلاة بألا يفصل بين ما ذكر بقدر ركعتين خفيفتين، وإلا بطلت الخطبة.
(7)
ويشترط كون الخطبة بالعربية للقادر عليها عند ابى يوسف ومحمد والشافعى وأحمد، فإن عجز عن العربية خطب بما يقدر عليه، إلا الآية التى هى من اركان الخطبة عند الشافعى وأحمد فلا ينطقها بغير العربية إن عجز عنها، بل يأتى بدلها بذكر أو دعاء عربى، فإن عجز عن هذا سكت بقدر الآية.
(وقالت) المالكية: يشترط كونها باللغة العربية ولو كان القوم عجماً، فإن لم يوجد فيهم من يحسن العربية سقطت عنهم الجمعة ن وقال أبو حنيفة: تصجح الخطبة بغير العربية ولو من قادر عليها والقوم عرب.
(8، 9) ويشترط للخطبة الطهراة من الحدث، والخبث، وستر العورة عند الشافعية، وهو رواية عن مالك، ولا يشترط ما ذكر عند الحنفية والحنبلية، وهو مشهور مذهب المالكية، فلو خطب غير متطهر او عارياً لا تصح عند الشافعية، وتصح عند غيرهم مع الكراهة لمخالفته المتوارث.
(قال) الشيخ منصور بن إدريس: ولا يشترط للخطبتين الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، فتجزئ خطبة محدث وجنب، لأنه ذكر تقدم الصلاة فاشبه الذان، وظاهره ولو كان الجنب بالمسجد، لأن تحريم مكثه لا تعلق له بواجب العبادة، كمن صلى ومعه درهم غصب. ولا يشترط لهما ستر عورة وإزالة نجاسة لما تقدم، ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة، لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة فأشبها اللاتين، ولا حضور النائب فى الصلاة والخطبة (ولا يشترط) أن يتولى الخطبتين رجل واحد، لأن كلا منهما منفصلة عن الأخرى.
(قال) فى النكت: فليلغز بها فيقال: عبادة واحدة بدنية محضة تصح
من اثنين، بل يستحب ذلك، أى الطهارة وستر العورة وإزالة النجاسة، وأن يتولى الخطبتين والصلاة واحد خروجاً من الخلاف (1) وكذا لا يشترط فى الإمام أن يكون هو الخطيب عند الحنفيين، وهو الأصح عند الشافعية.
وقالت المالكية: يشترط أن يكون الخطب هو الإمام إلا لعذر كما سيأتى فى بحث " إمام الجمعة".
(10)
ويشترط نية الخطبة عند الحنفيين وأحمد، فلو خطب بلا نية لا يعتد بالخطبة (2).
(وقالت) الشافعية: يشترط عدم الصارف، فلو عطس وحمد الله
(1) ص 348 ج 1 كشاف القناع (يشترط لصحتها).
(2)
(تنبيه) يؤخذ من هذا الشرط ومما قاله المالكية منأنه يشترط فى إمام الجمعة أن يكون هو الخطيب، أنه لا تصح صلاة الجمعة ممن اكتفوا بسماع الخطبة من المذياع (الراديو) لاختلاف الخطيب والإمام عند المالكية ولعدم علم الخطيب أمام المذياع بالمساجد التى بها آلة الراديو حتى يقصدهم بالخطبة عند الحنفية والحنبلية ولأن الأصل فى مشروعية الجمعة استقلال اهل كل مسجد بغقمتها كما كانت تقام فى عهد المصطفى صلى الله عليهوسلم، والخلفاء الراشدين والسلف الصالح، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" صلوا كما رايتمونى اصلى ". تقدم رقم 23 ص 27 (ترتيب الفوائت).
(وقد ورد) إلى إدارة مجلة نور الإسلام سؤال فى هذا المعنى نصه: جئ بجهاز راديو فى مسجد فى بلدنا يوم جمعة، وأفتى بعض حضرات العلماء بأن صلاة الجمعة جائزة اعتماداً على الخطبة المذاعة فى الراديو من مصر، واستمر المسلمون يصلون الجمعة بدون خطبةمن إمام المسجد اسابيع عدة. فنرجو أن تبينوا الحكم الشرعى فى صحة هذه الصلاة. وما العمل فى حكم الصلاة السابقة إذا أفتيتم ببطلانها؟
(فأجاب) الستاذ الجليل الشيخ محمد قطب البشبيشى واعظ مركز إمبابة بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله (أما بعد) فإن صلاة الجمعة على هذه الصورة لا يعتد بها. وليس مع من أفتى بجوازها شبهة فضلا عن دليل والأدلة على بطلان مثل هذه الصلاة كثيرة، ولكن يكفينا منها ما يأتى: =
لعطاسة أو سبح تعجباً، لم يكف عند الأولين، لعدم قصد الخطبة. وعند الشافعية للصارف. وعند المالكية وتشترط نية الخطبة.
= (أ) إن الجمعة شعيرة منأهم شعائر الدين ألزم الله أهل كل بلد - متى توفرت فيهم شروطها- بأدائها على سبيل الاستقلال، أى بحيث يكون خطيبهم وإمامهم منهم وهذا هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف. فلو اكتفى أهل بلد بخطبة المذياع التى يلقيها خطيب بلد آخر وهو أجنبى عنه، لصدق عليهم أنهم صلوا من غير خطبة يقوم بها خطيب منهم. وإذا عدمت الخطبة - على هذا الاعتبار- عدم الاعتداد بالصلاة قطعاً لاستعانتهم بغيرهم دون استقلالهم بجزئيات الجمعة.
(ب) إن الغرض من الخطبتين ليس إبلاغ الوعظ والإرشاد بأى طريق من طرق الإبلاغ حتى يكفى بصوت الخطيب دون حضوره مع المصلين بل الغرض من الخطبتين الوعظ والإرشاد. وهناك مقصود آخر هو أعظم منما وهو رقابة الإمام واطلاعه على حالة المصلين بحيث يمكنه أن ينكر ما عساه أن يبدر منهم مما يخالف الدين وليوجه إليه السؤال الضرورى إذا اضطر إليه بعض المصلين، وعلى هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلفت نظر بعض المصلين حين ترك ما هو مطلوب منه وقت دخوله المسجد تارة. وسأله بعض الحاضرين عنأمور هامة فأجابه تارة أخرى. يعلم هذا كله من اطلع على السنة الصحيحة.
(حـ) إن الخطيب كالطبيب يجب أن يواجه المريض ويفحص حالته بنفسه. ولهذا تتبين الحكمة فى اشتراط بعض الأئمة أن يكون الخطيب فقد اكتفى باطلاعه على الحاضرين ساعة وجوده بينهم خطيباً ووعظهم، وأما الخطيب الغائب فقد وجد صوته دون رقابته وجزء العلة لا يكفى كمال هو معلوم.
(د) إن الخطبة عند بعض الأئمة معتبرة كركعتين لتكمل مع ركعتى الجمعة ظهر يومها. ولهذا اشترط فى الخطيب ما اشترط فى الإمام من وجوده مع المصلين بمكان واحد. ووجود الخطيب بالقاهرة والمصلون ببلد آخر مضيع لهذا الشرط ويفقده لا نتوقف فى الحكم ببطلان المعة كما هو افترق المكان بالإمام والمصلين سواء بسواء.
(هـ) يشترط فى بعض المذاهب أن يكون الخطيب هو الإمام إلا لعذر شديد. وحيث لا عذر هاهنا، فلا يصح أن يكون الخطيب غير الإمام. =
(11)
ويشترط القيام فيها للقادر عند مالك والشافعي والجمهور وأحمد في رواية (لحديث) ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة قائماً ثم يقعد فيخطب. أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والاوسط بسند رجاله ثقات (1).
(ولحديث) أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر
= (و)(إن أداء الصلاة بهذه الكيفية مناف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رايتمونى أصلى" 019) وبالبداهة نعلم أنالمراد بالصلاة فى الجمعة هو ذلك الأمر المركب من ركعتى الجمعة والخطبة لما بينهما منالارتباط الوثيق، بل إن كثيراً منالعلماء اعتبروا الخطبة كأذكار الصلاة المتصلة بها كتكبيرة الإحرام والفاتحة، فاشترطوا الطهارة الكاملة للخطيب، وكذلك هو مناف لقوله صلى الله عليه وسلم:" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "(*)(20).
(ز) إن هذه الخطبة قد ضيعت على المصلين معظم السنن والآداب كاستقبال الحاضرين للخطيب ولحظه بالعيون وتضييع سنن الخطبة وآدابها على جمع كبير ليس بالأمر الهين فى الدين.
(وأما حكم) الصلاة السابقة فهى صحيحة لعذر المصلين فى تقليد عالمهم. أهـ. من العدد السابع عشر الصادر فى غرة ذى القعدة سنة 1956 هـ.
(اقول) ولعل شبهة من أفتى بصحة صلاة الجمعة اعتماداً على الخطبة المذاعة فى الرادية أنه راعى القول بأن الخطبة سنة. ولكن لا يخفى ما يترتب على ترك السنة وعدم الاهتمام بشأنها من الفساد وضياع أحكام الدين حكماً بعد حكم (قال) عبد الله بن الديلمى: بلغنى أن أول ذهاب الدين ==ترك السنة، يذهب الدين سنة سنة كما يذهب فى دينهم إلا نزع الله من سننهم مثلها ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة (2) (وقال) ابو قلابة: ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف (3) أخرج هذه الاثار الديلمى ص 45 ج 1 (.اتباع السنة).
(*) أخرجه مسلم وابو داود وابن ماجه عن عائشة. انظر رقم 22 ص 37 فتاوى أئمة المسلمين.
(1)
انظر ص 89 ج 6 الفتح الرباني. وص 187 ج 2 مجمع الزائد (الخطبة قائماً).
كانوا يخطبون يوم الجمعة قياماً يفصلون بينهما بجلوس، حتى جلس معاوية في الخطبة الأولى وخطب في الاثنية قائماً. أخرجه الشافعى (1). [185]
وجلوس معاوية في الخطبة كان لضرورة كثرة لحمه.
(روى) الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعداً لما كثر شحم بطنه ولحمه. أخرجه ابن أبي شيبة (2). (52)
(وقال) الحنفيون وأحمد في رواية عنه: القيام في الخطبة سنة، لأنه الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم وفعل الخلفاء الراشدين بعده، وليس بفرض، لأن الفعل بمجرده لا يفيد الفرضية (وهذا) هو الظاهر.
قال أبو محمد عبد الله بن قدامة: وقوله (أي الخرقي) خطبهم قائماً يحتمل أنه أراد اشتراط القيام في الخطبة، وأنه متى خطب قاعداً لغير عذر لو تصح. ويحتمله كلام أحمد رحمه الله.
قال الأثرم سمعت ابا عبد الله يسأل عن الخطبة قاعداً أو يقعد في إحدى الخطبتين، فلم يعجبه وقال: قال الله تعالى: ((وتركوك قائماً)) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً فقال له الهيثم بن خارجة: كان عمر بن عبد العزيز يجلس في خطبته فظهر منه إنكار، وهذا مذهب الشافعي.
وقال القاضي: يجزيه الخطبة قاعداً، وقد نص عليه أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة، لأنه ذكر ليس من شرطه الاستقبال فلم يجب له القيام كالآذان (3).
(وما يدل) على عدم وجوب القيام في الخطبة أن كعب بن عجرة دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم حكيم يخطب قاعداً، فقال: انظروا الى هذا
(1) انظر ص 162 ج 1 بدائع المنن.
(2)
ص 272 ج 2 فتح الباري (الخطبة قائماً).
(3)
انظر ص 150 ج 2 مغنى (القيام في الخطبة).
الخبيث قاعداً والله تعلاى يقول: " وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها وتركوك قائماً " أخرجه مسلم والنسائي (1). (53)
ولم يحكم هو ولا غيره ببطلان الخطبة، فعلم أن القيام فيها ليس بشرط بل هو سنة أو واجب، كما قاله بعض الحنفيين.
(12)
والجلوس بين الخطبتين شرط عند الشافعية، (لقول) جابر ابن سمرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويذكر الناس. أحمد ومسلم والدرامي والبيهقي والأربعة إلا الترمذي (2). [186]
(1) ص 152 ج 6 نووي مسلم وص 207 ج 1 مجتبي (قيام الامام في الخطبة)" وتركوك قائماً " حاصله أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بتاجارة فيها ما يحتاج اليه الناس من بر (القمح) ودقيق وزيت وغيرها، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة. فلما علموا بقدوم دحية قاموا اليه بالبقيع، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا رهط منهم أبو بكر وعمر، فنزلت الآية. (قال) جابر بن عبد الله: قدمت عير مرة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فخرج الناس وبقى اثنا عشر منهم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما فنزلت: ((وإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها)) أخرجه أحمد والشيخان والترمذي. أنظر ص 305 ج 18 الفتح الرباني. وص 172 ج 1 تيسير الوصول (سورة الجمعة)(4) قال ابن كثير: قد قيل إن هذه القصة كانت لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة. (قال) مقاتل بن حيان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوم الجمعة قبل الخطبة مثل العديدين حتى إذا كان يوم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل وقال: إن دحية بن خليفة قدم بتجارة فانفضوا ولم يبق معه إلا نفر يسير. أخرجه أبو داود في المراسيل ص 361 ج 8 تفسير ابن كثير. (21)
(2)
ص 90 ج 6 الفتح الرباني. وص 149 ج 6 نووي مسلم (ذكر الخطبتين والجلسة بينهما) وص 366 ج 1 سنن الدرامي (القعود بين الخطبتين) وص 210 ج 3 سنن والبيهقي. وص 255 ج 6 المنهل العذب (الخطبة قائماً) وص 209 ج 1 مجتبي (القراءة في الخطبة
…
) وص 188 ج 1 سنن ابن ماجة (الخطبة يوم الجمعة).
(ولقول) ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة مرتين بينهما جلسة. أخرجه أحمد وابن ماجه (1).
…
[187]
(وقال) الجمهور: الجلوس بين الخطبتين سنة، لأن مجرد فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب.
(قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: وروي عن أبي إسحق قال: رأيت علياً يخطب على المنبر فلم يجلس حتى فرغ. (54)
وجلوس النبي صلى الله عليه وسلم كان للاستراحة، فلم تكن واجبة كالجلسة الأولى (أي التي قبل الخطبة) ولكن يستحب. فإن خطب جالساً لعذر فصل بين الخطبتين، وكذلك إن خطب قائماً فلم يجلس.
(قال) ابن عبد البر: ذهب مالك والعراقيون وسائر الفقهاء إلا الشافعي أن الجلوس بين الخطبتين لا شيء على من تركه (2).
(هذا) ويشترط في الخطيب غير ما تقدم أن يكون عالماً بالعقائد الصحيحة حتى لا يزيغ ولا يضل الناس بسوء عقيدته، وأن يكون عالماً بما تصح به الصلاة، وينبغي أن يكون ملماً بأحكام الفقه ليتمكن من إجابة من يساله عن بينة، ويرشده بنور الشريعة الى الصراط المستقيم، ولا يخبط خبط عشواء في أمور الدين.
أركان الخطبة:
ركنها عند مطلق النعمان مطلق ذكر الله تعالى بنيتها. فيكفى فيها تسبيحة أو تحميدة أو تهليلة أو تكبيرة (لقوله) تعالى: " فاسعوا إلى ذكر الله " فدل على أن الركن مطلق الذكر طويلاً أو قصيراً.
(1) ص 89 ج 6 الفتح الرباني. وص 177 ج 1 سنن ابن ماجة (الخطبة يوم الجمعة).
(2)
ص 153 ج 2 مغنى ابن قدامة (الجلسة بين الخطبتين).
(وقد) روى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه لما خطب في أول جمعة ولى الخلافة صعد المنبر فقال: الحمد لله. فأرتج عليه، فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالاً، وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى قوال، وستأتيكم الخطب بعد، وأستغفر الله لي ولكم، ونزل وصلى ولم ينكر عليه أحد. قاله ابن الهمام (1). (55)
فكان إجماعاً منهم على الإكتفاء بهذا القدر وأن الطول المسمى خطبة في العرف ليس بشرط، فكان الشرط مطلق الذكر. فلو اقتصر على قوله: الحمد لله، أو سبحان الله، أو لا إله إلا الله، أو نحو ذلك، أجزأ مع الكراهة التنزيهية، لمخالفته المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المواظبة على الذكر المسمى خطبة، المشتمل على التحذير وغيره، فكان هذا واجباً أو سنة لا ركناً.
(وقالت) المالكية والأوزاعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد: ركنها الذكر الطويل المشتمل على التحذير وتبشير المسمى خطبة عرفاً. واقله قدر التشهد أو ثلاث آيات، لأن التسبيحة ونحوها خطبة عرفاً ولا لغة.
(وقالت) الشافعية والحنبلية: أركانها الحمد لله، والصلاة على رسول الله، والوصية بالتقوى في كل من الخطبتين، وقراءة آية من القرآن في إحداهما، وكذا الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بأخروى في الثانية عند الشافعية.
(قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: ويشترط لكل واحدة منهما الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم قال: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر (2). [188]
(1) انظر ص 415 ج 1 فتح القدير (صلاة الجمعة)، (فأرتج عليه) أي لم يقدر على اتمام الخطبة: يقال: أرتج على القارئ بالبناء للمفعول إذا لم يقدر على القراءة.
(2)
أخرجه ابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة بلفظ: كل أمر ذي بال لا يبدا فيه بالحمد لله فهو أقطع. انظر رقم 6282 ص 13 ج 5 فيض القدير.
وإذا وجب ذكر الله تعالى وجب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، لما روى في تفسير قوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} . قال: لا أذكر إلا ذكرت معي (1). [189]
(ويحتمل) ألا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في خطبة ذلك (أما القراءة) فقال القاضي: يحتمل أن تشترط في إحداهما 6، لما روي الشعبي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال: السلام عليكم، ويحمد الله ويثنى عليه، ويقرأ سورة ثم يجلس، ثم يقوم ويخطب ثم ينزل. كان أبو بكر وعمر يفعلانه. رواه الأثرم. [190]
(وظاهر) هذا أنه إنما قرأ في الخطبة الأولى ووعظ في الخطبة الثانية، وظاهر كلام الخرقي أن الموعظة إنما تكون في الخطبة الثانية لهذا الخبر.
وقال القاضي: تجب في الخطبتين، لأنها بيان المقصود من الخطبة، فلم يجز الإخلال بها (2)
سنن الخطبة:
هي كثيرة المذكور منها هنا ثمان عشرة:
(1)
سلام الخطيب على الحاضرين قبل صعوده المنبر عند الشافعي وأحمد
(2، 3) واستقبالهم وسلامه عليهم بعد صعوده المنبر اتفاقاً (لقول)
(1) روي أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية (ورفعنا لك ذكرك): قال الله تعالى: إذا ذكرت ذكرت معي.
أخرجه البغوى وابن جرير وأبو يعلى: انظر ص 217 ج 5 هامش تفسير ابن كثير (22).
(2)
ص 151 ج 3 مغني.
ابن عمر: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده من الجلوس، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلم قبل أن يجلس)) أخرجه البيهقي وحسنه. [191]
(ولقول) سلمة بن الأكوع: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتين وجلس جلستين. وحكى الذي حدثني قال: استوى صلى الله عليه وسلم على الدرجة التي المستراح قائماً ثم وجلس على المستراح حتى فرغ المؤذن من الأذان، ثم قام فخطب الخطبة الأولى، ثم جلس ثم قام فخطب الثانية. أخرجه الشافعي. (1)[192]
دل ما كان: (أ) على أنه يسن للخطيب إذا صعد المنبر أن يسلم على الحاضرين ويستقبلهم. وهو متفق عليه.
(ب) على أنه يسن سلام الإمام على من عند المنبر قبل صعوده. وبه قال الشافعي وأحمد (وقالت) المالكية والحنفية: لا يسن سلامه على من عند المنبر. والحديث حجة عليهم.
(4)
ويسن الجلوس على المنبر قبل الخطبة حتى يفرغ المؤذن، لما تقدم، ومنه ما في الحديث ابن عمر قال: كان النبي صلى الله علية وسلم يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن (الحديث)(2)) وهذا مجمع عليه.
(5 - 12) ويسن ابتداء الخطبتين بالحمد لله وذكر الشهادة لله بالوحدانية وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. والإتيان بأما بعد، واشتمالها على الغيصاء بالتقوى وعلى آية قرآنية، ،ان يدعو في الخطبة الثانية للمؤمنين والمؤمنات.
(1) انظر ص 205 ج 3 سنن البيهقي (الإمام إذا صعد المنبر
…
).
(2)
قدم رقم 183 ص 188 (خطبة الجمعة).
(وبهذا) قال الحنفيون ومالك، وكذا الشافعية والحنبلية في غير ما عدوه مما ذكر ركناً في الخطبة، كالحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهما مما تقدم (لما روي) الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمة الله أنه قال: ينبغي أن يخطب خطبة خفيفة يفتتح بحمد الله ويثنى عليه ويتشهد ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويعظ ويذكر ويقرأ سورة (أي آية) ثم يجلس جلسة خفيفة. ثم يقوم فيخطب خطبة أخري يحمد الله تعالى ويثني عليه ويتشهد ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات. ذكره علاء الدين الكاساني (1).
تقدم عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله تعالى فهو أبتر (2).
(وقال) أبو هريرة: قال أن رسول الله عليه وسلم: كل خطبة ليس بها شهادة كاليد الجذماء. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه (3). [193]
وفي سنده عبد الواحد بن زياد. قال الذهبي: ثقة وقال ابن معين: ليس بشيء.
(وقال) جابر بن عبد الله: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بها هو له أهل، ثم قال: أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. ثم يرفع صوته وتحمر وجنتاه ويشتد غضبه إذا
(1) ص 263 ج 11 بدائع الصنائع (سنن الخطبة).
(2)
تقدم رقم 188 ص 198 (أركان الخطبة).
(3)
ص 85 ج 6 الفتح الرباني. وص 261 ج 4 سنن أبى داود (في الخطبة كتاب الأدب) وفيه تشهد بدل شهادة أي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
و(الجذماء) المقطوعة: أي أن الخطبة الخالية من الشهادتين ناقصة وقليلة البركة.
ذكر الساعة كأنه منذر جيش، ثم يقول: أتتكم الساعة، بعثت أنا والساعة هكذا، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطي، صبحتكم الساعة ومستكم. من ترك مالا فلأهله، ومن ترك ديناً فالي وعلى. والضياع يعني ولده المساكين. أخرجه مسلم وأحمد وهذا لفظه (1). [194]
(وعن ابن عباس) أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فقال: إن الحمد لله نستعينة ونستغفره، ونستهديه ونستنصره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل بلا هادى له. واشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى حتى يفئ إلى أمر الله. أخرجه الشافعى فى مسنده (2). [195].
(ولصلاة) على النبى صلى الله عليه وسلم وإن لم تثبت فى خطبه إلا أنها ثبتت من عمل الصحابة. قال أبو جحيفة: صعد علىّ رضى الله عنه المنبر وحمد
(1) ص 153 ج 6 نووي مسلم. ص 86 ج 6 الفتح الرباني. و (الهدي) بفتح فسكون وهو الطريق، أي أحسن الطريق محمد صلى الله عليه وسلم. وروي بضم ففتح ومعناه الدلالة والإرشاد وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن، قال تعالى:(وإنك لنهدي إلى صراط مستقيم). وقال (إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم). وقد يضاف إلى الله تعالى ويكون بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة، قال تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء). و (المحدثات) جمع محدثة وهي ما لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع. و (المنذر) المعلم والمخوف من الإنذار، معني أنه صلى الله عليه وسلم كان يخوفهم من قيام الساعة وقربها، ليستعدوا لها بطاعة الله واجتناب المعاصي، كما يخوف الجيش بهجوم العدو ليستعد للقائه (وأشار بإصبعيه) أي قرب بينهما إشارة إلى قرب ما بين البعثة والساعة، وأن التفاوت بينهما كالتفاوت بين الإصبعين تقريباً لا تحديداً. و (ضياعاً) بفتح الضاد المعجمة: فسرها الراوى بقوله: ولده (أي المتوفى) المساكين (فإلى) أي إلى تربية أولاده (وعلى) قضاء دينه.
(2)
ص 163 ج 1 بدائع المنن.
الله واثنى عليه وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم (الأثر) أخرجه عبد الله ابن أحمد (1). (56).
وسيأتى أن ابا بكر رضى الله عنه قال فى خطبته: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك افضل ما صليت على أحد من خلقك (2) وأن عمر رضى الله عنه صلى على النبى صلى الله عليه وسلم فى خطبته (3).
(وعن سمرة) بن جندب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. أخرجه الطبرانى فى الكبير والبزار، وقال: لا نعلمه عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وفيه يوسف بن خالد السمتى وهو ضعيف (4). [196].
(13)
ويسن للناس استقبال الإمام حال الخطبة (لحديث) عدى بن ثابت عن أبيه قال: كان النبى صلى الله عليه سلم إذا قام على المنبر استقبله احابه بوجوههم. اخرجه ابن ماجه بسند رجاله ثقات إلا أنه مرسل، وأخرجه
(1) ص 256 جلاء الأفهام. وأما:
(أ)
…
ما روى ابو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة على فهو اقطع أبتر ممحوق من كل بركة (فقد) أخرجه عبد القادر الرهاوى " بضم الراء أو بفتحها " فى الأربعين وقال: غريب تفرد بذكر اللاة فيه إسماعيل بن زياد وهو ضعيف جداً لا يعبر بروايته ولا بزيادته، وقال الدارقطنى: متروك يضع الحديث ز وقال التاج السبكى: حديث غي ثابت ز وقال القسطلانى: فى إسناده ضعفاء ومجاهيل. انظر ص 14 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير (23).
(ب)
…
أما قول ابن الزبير: ليس من سنة الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر، فقد أخرجه الطبرانى فى الكبير وفى سنده ليث بن أبى سليم وهو مدلس انظر ص 188 ج 2 مجمع الزوائد (الخطبة والقراءة فيها)(5).
(2)
يأتى فى الخطبة رقم 23 اثر 64.
(3)
يأتى فى الخطبة رقم 26 أثر 67.
(4)
ص 190 ج 2 مجمع الزوائد (الاستغفار للمؤمنين يوم الجمعة) ..
الترمذى عن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى اله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا. وفى سنده محمد ابن الفضل بن عطية وهو ضعيف (1). [197].
والأحاديث هنا وإن كانت ضعيفة يقويها عمل السلف على مقتضاها.
(قال) الترمذى: والعمل على هذا عند أهل العلم منأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يستحبون استقبال الإمام إذا خطب. أهـ. وهو قول الأئمة الأربعة وسفيان الثورى والأوزاعى وإسحاق.
(قال) الأثرم: قلت لأبى عبد الله أحمد بن حنبل: يكون الإمام متباعداً، فإذا أردت أن أنحرف إليه حولت وجهى عن القبلة. فقال: نعم تنحرف إليه (2).
(والحكمة) فى ذلك أنهبلغ فى الاستماع فاستُحِبّ كاستقبال الإمام للمأمومين (قال) العلامة الصنعانى: والحديث (أى حديث ابن مسعود) يدل على أن استقبال الناس الخطيب مواجهين له أمر مستمر، وهو فى حكم المجمع عليه، وجزم بوجوبه أبو الطيب من الشافعية (3).
(14)
ويسن أن يخطب على منبر أو مكان مرتفع، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبر. ويستحب كونه صغيراً ثلاث درجات بالمقعدة كما كان منبر النبى صلى الله عليه سلم. وتقدم بيانه (4).
(15)
ويستحب أن يكون المنبر عن يمين الإمام كما كان منبر النبى صلى الله عليه وسلم.
(1) ص 180 ج 1 سنن ابن ماجه (استقبال الإمام وهو يخطب) وص 363 ج 1 تحفة الأحوذى.
(2)
ص 186 ج 2 الشرح الكبير لابن قدامة.
(3)
ص 82 ج 2 سبل السلام. شرح الحديث رقم 28 من (باب الجمعة).
(4)
تقدم برقم 12 من بدع المساجد صفحة 308 الدين الخالص ج 3.
(16)
ويسن- عند الجمهور- اتماد الخطيب حال خطبته على نحو قوس أو عصا (لحديث) الحكم بن حزن الكلفى قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليهوسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله زرناك فادع الله لنا بخير، فدعا لنا بخير وأمر بنا فأنزلنا، وأمر لنا بشئ منالتمر والشأن غذ ذاك دون، فلبثنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اياماً شهدنا فيها الجمعة، ، فقام متوكئاً على عصاً أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: ايها الناس، إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أُمرتم به ولكن سددوا وابشروا. اخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وابو يعلى بسند جيد وصححه ابن خزيمة وابن السكن، وحسن الحافظ سنده (1). [198].
وحكمة ما ذكر ما فيه من البعد عن العبث باليد وانه اثبت للقلب (واختلف) العلماء بأى اليدين يعتمد على العصا أو القوس؟
(والظاهر) قول مالك: يستحب أخذ ما يعتمد عليه بيده اليمنى (لقول) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن فى ترجله وتنعله وطهوره وفى شأنه كله. أخرجه أحمد والشيخان (2). [199]
(1) ص 92 ج 6 الفتح الربانى. وص 256 - 6 المنهل العذب (الرجل يخطب على قوس) وص 206 ج 3 سنن البيهقى. و (حزن) بفتح فسكون. و (الكلفى) بضم ففتح: نسبة إلى بنى كلفة بن حنظلة بن مالك. و (دون) أى والحالة إذ ذاك حال إعسار وضيق من العيش و (سددوا) أى الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط (وأبشروا) بالثواب على العمل الصالح الدائم وإن قل. والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره. وأبهم المبشر به تعظيماً له وتفخيماً.
(2)
ص 5 ج 2 - الفتح الربانى. وص 189 ج 2 فتح البارى (التيمن فى الوضوء والغسل) وص 160 ج 2 نووى مسلم (حبه صلى الله عليه وسلم للتيامن) و (الترجل) تسريح الشعر.
(قال) الإمام ابن القيم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمد على قوس أو عصاً قبل أن يتخذ المنبر. وكان فى الحرب يعتمد على قوس، وفى الجمعة يعتمد على عصاً. ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف (وما يظنه) بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائماً، وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف (فمن فرط) جهله القبيح من وجهين:
(أحدهما 9 أنالمحفوظ أنه صلى اللهعليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس.
(الثانى) أن الدين إنما قام بالوحى، أما السيف فلمحق اهل الضلال والشرك، ومدينة النبى صلى الله عليه وسلم التى كان يخطب فيها افتتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف، ولا يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه بعد اتخاذ المنبر كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره، ولا قبل اتخاذه أنه اخذ بيده سيفاً ألبتة، وإنما كان يعتمد على عصاً أو قوس (1).
ويؤيده (حديث) عمار بن سعد قال: حدثنى أبى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب فى الحرب خطب على قوس، وإذا خطب فى الجمعة خطب على عصاً. أخرجه ابن ماجه والبيهقى (2). [200].
وفى سنده عبد الرحمن بن سعد وهو ضعيف.
(وقال) ابن جريح: قلت لعطاء: أكان النبى صلى الله عليه وسلم يقوم على عصاً إذا خطب ظ قال: نعم كان يعتمد عليها اعتماداً. اخرجه الشافعي والبيهقى مرسلا (3). [201].
(17)
ويسن للخطيب رفع صوته لإسماع الحاضرين، وإظهار الشهامة،
(1) ص 177 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم فى خطبة).
(2)
ص 177 ج 1 سنن ابن ماجه (فى الخطبة يوم الجمعة) وص 206 ج 3 سنن البيهقى (الإمام يعتمد على عصاً أو قوس .. ).
(3)
ص 162 ج 1 بدائع المنن. وص 206 ج 3 سنن البيهقى.
وتفخيم أمر الخطبة، والإتيان فيها بجزيل الكلام (لما تقدم) فى حديث جابر ابن عبد الله (1).
(وقال) جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم (الحديث) أخرجه مسلم (2). [202].
(وهذا) متفق عليه، فيستحب كون الخطبة فصيحة بليغة مرتبة مبينة من غير تمطيط ولا تقعير، ولا تكون ألفاظاً مبتذلة ملفقة، فإنها لا تقع فى النفوس موقعاً كاملاً، ولا تكون وحشية، لأنه لا يحصل مقصودها، بل يختار ألفاظاً جدلة مفهومة (3).
(18)
ويسن تقصير الخطبة قصراً معتدلا حتى لا يملها الناس (لقول) جابر بن سمرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هى كلمات يسيرات. اخرجه أبو داود والحاكم والبيهقى بسند رجاله ثقات (4). [203].
(ولقول) عمار بن ياسر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة. اخرجه أحمد ومسلم (5). [204].
(1) تقدم رقم 194 ص 201 ..
(2)
ص 153 ج 6 نووى مسلم (خطبته صلى الله عليه وسلم فى الجمعة) و (صبحكم ومساكم) أى أتاكم العدو وقت الصباح والمساء.
(3)
ص 528 ج 4 شرح المهذب.
(4)
ص 271 ج 6 المنهل العذب (إقصار الخطبة)، وص 289 ج 1 مستدرك. وص 208 ج 3 سنن البيهقى (القصد فى الكلام).
(5)
ص 91 ج 6 الفتح الربانى. وص 158 ج 6 نووى مسلم (صلاة الجمعة وخطبتها) و (مئنة) بفتح فكسر وشد النون مفتوحة، أى أن قصر الخطبة علامة على فقه الرجل، لأن الفقيه هو المطلع على جوامع الألفاظ، فيمكن بذلك من التعبير باللفظ المختصر عن المعانى الكثيرة (واقصروا) أمر من قصر من باب نصر، والأمر بتطويل الصلاة هنا ينافى الأحاديث الآمرة بتخفيف الصلاة، لأن المراد هنا أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة للخطبة لا طول يشق على المأمومين. وهى حينئذ معتدلة.
(ولقول) عبد الله بن أبى أوفى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة. اخرجه النسائى بسند صحيح (1). [205].
(ولقول) أبى راشد: خطبنا عمار بن ياسر فتجوز فى خطبته، فقال رجل من قريش: لقد قلت قولا شفاء فلو أنك أطلت؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نطيل الخطبة. أخرجه بسند جيد (2).
[206]
.
ويستحب للخطيب ألا يحضر للجمعة إلا بعد دخول الوقت بحيث يشرع فيها أول وصوله المنبر، لأن هذا هو المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا وصل المنبر صعده ولا يصلى تحية المسجد، وتسقط بسبب الاشتغال بالخطبة، كما تسقط فى حق الحاج إذا دخل المسجد الحرام بسبب الطواف.
(وقال) بعض الشافعية: تستحب له تحية المسجد ركعتان عند المنبر، والمذهب أنه لا يصليها لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه صلاها، ولم يذكر الشافعى وجماهير الأصحاب التحية، فظاهر كلامه أنه لا يصليها (3).
(وينبغى) أن يكون الخطيب ملماً باللغة العربية خصوصاً علم الإنشاء ليقتدر على تأليف كلام بليغ، ينير به أفئدة السامعين، وان يكون نبيهاً، لا تعزب عنه شاردة ولا واردة، لسناً فصيحاً معباً عما يخطر بباله من المعانى والأسرار. وأن يكون وجيهاً تهابه القولب وتعظمه النفوس حتى يكون لكلامه تأثير فيها، ويجد له سميعاً يعى ما يقال ويعمل بما يسمع. وأن يكون
(1) ص 209 ج 1 مجتبى (تقصير الخطبة) ..
(2)
ص 91 ج 6 الفتح الربانى. و (شفاء) أى أن الخطبة كانت مؤثرة وشافية لأمراض القلوب. .
(3)
ص 529 ج 4 شرح المهذب.
صالحاً ورعاً قنوعاً غير متجاهر بمعصية ولا مرتكباً مخالفة، عاملا بما يقول، فإن ذلك أدعى إلى قبول موعظته والعمل بها. قال الإمام أبو الأسود الدؤلى رضى الله عنه:
يأيها الرجل المعلم غيره
…
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذى السقام وذى العنا (1)
…
كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالشاد عقولنا
…
أبداً وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
…
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
وهناك يقبل ما تقول ويشتفى
…
بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتى مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
(وقد) حذر الله تعالى من القول بلا عمل فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ؟ . كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2)
مكروهات الخطبة:
يكره فيها ترك سنة منهذه السنن، وتغميض الخطيب عينيه، ودقة المنبر بما فى يده من قوس أو عاً؛ فإن هذا باطل لا أصل له وبدعة قبيحة.
دويكره- عند مالك والشافعى وجماعة - رفع يديه حال الدعاء بل يقتصر على رفع السبابة (لقول) حصين بن عبد الرحمن السلمى: كنت إلى جنب عمارة ابن رؤيبة السلمى وبشر يخطبنا، فلما دعا رفع يديه فقال عمارة: قبح الله هاتين اليدين، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب إذا دعا يقول هكذا ورفع السبابة وحدها. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى والثلاثة: وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (3). [208].
(1) العناء: المشقة. يقال: عنى يعنى من باب تعب إذا أصابه مشقة.
(2)
سورة الصف: آية 2، 3.
(3)
ص 93 ج 6 الفتح الربانى. وص 162 ج 6 نووى مسلم. وص 210 ج 3 سنن البيهقى (يدعو فى خطبته). وص 268 المنهلالعذب (رفع اليدين على المنبر) وص 209 ج 1 مجتبى (الإشارة فىالخطبة) وص 268 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية رفع الأيدى علىالمنبر) و (بشر) هو ابن الحكم ابن أبى العاص بن أمية.
(قال) القاضى عياض: كره مالك وقوم من السلف رفع اليدين فى الخطبة لهذا الحديث، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يزد على الإشارة بالمسبحة.
وأجازه بعض اصحابنا وآخرون؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رفعهما فى خطبة الجمعة حين استسقى (1). أهـ.
(وأجاب) المانعون بأن رفعه فى الاستسقاء لا يستلزم طلب رفع اليدين حال خطبة الجمعة. فقد تركه صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضى وهو التشلايع وعدم المانع، فكان الترك سنة والرفع بدعة.
(ويكره) تباطؤ الخطيب حال صعود المنبر ودعاؤه مستقبل القبلة قبل جلوسه، وربما توهم بعض جهلة الخطباء أنها ساعة إجابة الدعاء، وذلك خطأ لما تقدم فى موضعه.
(ومن) مكروهات الخطبة: الالتفات فى الخطبة الثانية عند الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وهو باطل مكروه.
(ومنها) المجازفة فى أوصاف السلاطين فى الدعاء لهم وكذبهم فى كثير من ذلك، كقولهم: السلطان العالم العادل ونحوه.
(ومنها) مبالغتهم فى الإسراع فى الخطبة الثانية وخفض الصوت بها (2).
(أما الدعاء) للسلطان بلا مبالغة وكذب فىالوصف فقد اختلف فيه العلماء: فأفتى العز بن عبد السلام بأنه بدعة غير محبوبة.
(1) ص 269 ج 6 المنهل العذب (رفع اليدين على المنبر).
(2)
ص 529 ج 4 شرح المهذب.
(وقال) الشيخ الصاوى: من جملة اللغو الدعاء للسلطان والترضى عن الصحب (1).
وقال الشيخ الباجورى: ولا يسن الدعاء للسلطان بعينه كما فى شرح المنهج، بل مقتضى نالشافعى كراهته لقوله: ولا يدعو فى الخطبة لأحد بعينه، فإن فعل ذلك كرهته. والمختار كما فى المجموع أنه لابأس به، فقول المحشى (البرماوى) تبعاً للقليوبى. ويسن الدعاء للسلطان بعينه ضعيف، ولا يجوز وصفه بالصفات الكاذبة (2).
(وقال) ابن نجيم: وأما الدعاء للسلطان فى الخطبة فلا يستحب، لما روى أن عطاء سئل عن ذلك، فقال: إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيراً (3).
(وقال) ابو محمد عبد الله بن قدامة: ويستحب أن يدعو للمؤمنين والمؤمنات ولنفسه والحاضرين، وإن دعا لسلطان المسلمين بالصلاح فحسن.
(وقد روى) ضبة بن محسن أن ابا موسى كان إذا خطب فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم يدعو لعمر وابىبكر.
وأنكر عليه ضبة البداية بعمر قبل الدعاء لبى بكر، ورفع ذلك إلى عمر، فقال لضبة: أنت أوثق منه وارشد.
(وقال) القاضى: لا يستحب ذلك لأن عطاء قال: هو محدث. وقد ذكرنا فعل الصحابة له وهو مقدم على قول عطاء، ولأن سلطان المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم، ففى الدعاء له دعاء لهم، وذلك مستحب غير مكروه (4).
(ومن المكروه) اتفاقاً ما يفعله المؤذون حال الخطبة من الترضى ونحوه،
(1) ص 156 ج 1 بلغة السالك لقرب المسالك (الجمعة).
(2)
ص 226 ج 1 حاشية الباجورى على ابن القيم.
(3)
ص 148 ج 2 البحر الرائق (وسن خطبتان).
(4)
ص 157 ج 2 مغنى (سنن الخطبة).