الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مرحلة إسقاط الخلافة الإسلامية
أولا: فصل الدين عن الدولة
…
المبحث الثاني: مرحلة إسقاط الخلافة الإسلامية
لابد أن تسقط الخلافة الإسلامية قبل أن تقوم دولة إسرائيل.
ذلك ما تنبأ به نيلوس بعد أن اطلع على بروتوكولات حكماء صهيون، وذلك منذ سنة 1319هـ -1901م1 وذلك يؤكده طلب "قرصو" زعيم اليهود في سالونيك، إلى السلطان عبد الحميد، إعطاء فلسطين لهم ليتخذوها وطنًا قوميًّا، فلما رفض الخليفة توعده الزعيم اليهوديّ2 وكان من بين من سلمه قرار العزل بعد ذلك اثنان من زعماء اليهود3.
ولابد أن يقطع الشجرة أحد أعضائها كما أوصى بذلك أحد مؤتمرات التبشير، لكن قبل أن تقطع الشجرة التي أظلت بلاد الإسلام منذ عهد النبوة، وقبل أن يقضى على البطل الإسلاميّ السلطان عبد الحميد، كان ثمة تمهيد، كان بث فكرة فصل الدين عن الدولة.
أولًا: فصل الدين عن الدولة
أشار الكاتب الأمريكي "وليام غاي كار"4 إلى أن فكرة فصل الدين عن الدولة، كانت من عمل اليهود، وبصرف النظر عما قاله "وليام غاي كار" فإن الواضح في الشرق الإسلاميّ أن الفكرة كانت غريبة عنه، ومن ثَمَّ، فإن الأيدي الأجنبية كانت وراءها، سواء كانت أيدي الصليبية المتعصبة، أو اليهودية الحاقدة. ذلك أن فقهنا الإسلاميّ، ومن بعده فكرنا الإسلاميّ، لم يعرف مثل هذه الفكرة ولم يتصورها، بل إنه على العكس
1 الخطر اليهودي.
2 تنس المرجع السابق.
3 د. على جريشة، في المشروعية الإسلامية العليا ص231.
4 في كتابه: أحجار على رقعة الشطرنج.
من ذلك يعرف أن قرآنه يحرم تجزئة الكتاب، ويعتبر ذلك كفرًا وفتنة وجاهلية.
ويعرف أن الوظيفة الأولى لهذا القرآن أن يحكم، لا أن يوضع على الأرفف والمناضد، أو تحشى به الجيوب والتمائم، أو تتغنى به وتتسلى بعض العمائم.
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} 1.
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} 3.
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 6.
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 7.
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 8.
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 9.
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} 10.
1 سورة الأعراف الآية 3.
2 سورة إبراهيم الآية 1.
3 الجاثية 18.
4 المائدة 48
5 المائدة 49
6 المائدة 50
7 المائدة 44
8 المائدة 45
9 المائدة 47
10 المائدة 89
والدولة فيه قسم لا قسيم.
فكما ينظم شئون الفرد، وينظم شئون الأسرة، ينظم شئون الدولة وينظم شئون المجتمع الدوليّ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 1 {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} 2 ذلك فقه الإسلام وفكره، الدولة جزء من الدين قسم له لا قسيم.
تاريخ الإسلام لم يعرف هذه الثقافة:
وليس في أحداثه ما يبررها.
فلئن عرفها الغرب كرد فعلٍ لاضطهاد الكنيسة للعلم والعلماء، وافتئاتها على عقائد الناس وعقولهم، حتى سولت لنفسها أن تصدر صكوك الغفران وقرارات الحرمان عن هوًى، وتحكم إذا كان ذلك، فإن شرقنا الإسلاميّ لم يعرف اضطهاد العلم والعلماء، بل حفظ لهم الإسلام، وحفظت لهم أمته أكرم مكانة وأعز منزلة، وكيف لا؟ وهم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم على دينه وشرعه وميراثه.
ومن ثَمّ فلم يكن هناك محل، لا من الناحية الفكرية، ولا من الناحية التاريخية، لبَثِّ فكرة فصل الدين عن الدولة.
لكن الأمر كان يدبر بليل، واعتنق حزب الاتحاد والترقي في تركيا الفكرة، وعمل على ترويحها، ثم عمل عن طريق ضباطه على عزل عبد الحميد، ذلك الخليفة الذي رفض أن يعطي فلسطين وطنًا لليهود، وبصق في وجه زعيمهم قرصو.
وصارت الحكومة المدنية في أنقره هي التي تحكم، والخليفة في الأستانة بغير سلطانٍ تطبيقًا لفصل الدين عن الدولة.
1 الأنبياء 107.
2 سبأ 28.