الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: محاولة لخطٍّ إسلاميٍّ أصيل
المبحث الأول: ضلال وقصور
أولًا: ضلال الاتجاهات الدخيلة
لقد نقل البعض عن الغرب علمانيةً في التعليم والإعلام، وفي القانون، ونقلوا منه تحرير المرأة من بيتها ومن زيها، ونقلوا عنه إضعاف دور الدين، وإضعاف رجاله، وظنوا ذلك طريق المدنية والتحضر والنهضة، فهل تحقق لهم ذلك؟
إن المنطق أولًا يرفض ذلك النقل الآليّ.
إن شخصين قد يمرضان بمرض واحدٍ، ومع ذلك يعرضان على طبيب واحد، فيقضي لكل مريضٍ منهم بدواءٍ مختلف عن الآخر.
وإن نباتًا واحدًا، قد يزرع في أرضين كلاهما خصبة، فتنبت الواحدة وترفض الأخرى، وإن شخصين في سنٍّ واحدة، ودرجة ثقافة واحدة، قد يلقنان علمًا أو عقيدةً، فيورث أحدهما جهلًا والآخر علمًا، ويورث أحدهما إيمانًا والآخر كفرًا!!
إن الشعوب تمامًا كالأشخاص؛ لأنها مجموعة أشخاص، ما يطبُّ شعبًا، قد يمرض شعبًا آخر، وما يعلِّمُ شعبًا.. قد يورث الآخر جهلًا.
وما يدفع شعبًا إلى الإيمان، قد يدفع الآخر إلى الكفر والفسوق والعصيان!
بل إن النبات ليأخذ بالاختيار، فيتخير من عناصر التربة ما يصلح له؛ فما يختاره النخيل، قد لا يختاره شجر البرتقال، وهكذا..
فهل يؤتى النبات فطرة الاختيار، ويفقد الإنسان الذي أوتي الإرادة قدرة الاختيار؟؟
ثم إن الأصالة ترفض ذلك النقل؛ فالشعوب الأصيلة تستمسك بما لديها من تراث، باعتباره أحد عناصر استقلالها، بل أهم عناصره، وهي -حتى تحت الهزيمة- قد تستمسك به، ولدينا مَثَلٌ من الأمة الإسلامية الأولى حين غلبت على أمرها أمام زحف التتار، رفضت أن تأخذ بالياسق الذي وضعه الغالبون جزءًا من شريعة جنكيزخان، وجزءًا من شريعة الإسلام، وأجزاء من شرائع أخرى.
ومَثَلٌ من الأمة الألمانية، والأمة اليابانية، لم يفقدا برغم الهزيمة المرة العناصر المميزة لشعوبهما، ولم يذهبا إلى نقل كل وارد من غير تمحيص، وها هي الأمتان تعودان أقوى مما كانتا، تعودان لتقرضا أغنى دول العالم، ولتنشرا على مستوى العالم كله منتجاتهما!!
والإسلام بعد ذلك يرفض ذلك النقل الأعمى؛ لأنه هو الأعلى، والأعلى لا يمد اليد لما هو أدنى.
لأنه الطيب؛ والطيب لا يستبدل به الخبيث؛ لأن عنده ما ينفع الناس، ولا يستبدل بما ينفع الناس الزبد أو الغثاء.
ولا يتسع المجال لندلل من النقل والعقل أن الإسلام هو الأعلى، وهو الطيب، وأن عنده ما ينفع الناس.
فنحسب أنه لا ينكر على الإسلام ذلك إلّا معاندٌ، أو جاهل، وفي الإعراض عن كليهما خير، أيّ خير.
والماركسية في منهجها الأخير تحاول أن تقيم صلحًا بينها وبين الإسلام، والكفر والإيمان لا يصطلحان، والشر والخير لا يتقاربان، ولا يجتمعان.
ومن ثَمَّ كانت دعوةً مرفوضةً غير مشكورةٍ، ولتبحث لها عن دين آخر، يقبل الصلح أو التقارب أو الاجتماع.
فلقد شب أبناء الإسلام عن طوقهم، ولم يعودوا يقبلون ذلك التغفيل أو التضليل، والماركسية بتراجعاتها الكثيرة في مجال النظرية:
في التفسير الماديّ للتاريخ، وفي مفهوم المادة ذاته، وتراجعاتها الأكثر في مجال التطبيق العمليّ، بعد عدولها الجزئيّ عن إلغاء الملكية، وبعدولها المرحليّ عن إلغاء الأسرة، وبعدول بعض أجزائها الأوربية عن مبدأ دكتاتورية البروليتاريا، وبعدولها المرحليّ "التكتيكيّ" عن الهجوم على الدين، وبأخذها عن "الرأسمالية" نظرة الحوافز، وبمهادنتها للنظم الرجعية، بل إعلانها الوفاق مع بعضها..
كل ذلك، لم يعد معه من المقبول -علمًا ومنطقًا- ان نقول بوجود النظرية الماركسية.
وأخيرًا..
فماذا فعلت الماركسية حين أعطيت لها القيادة في بعض البلاد الإسلامية، هل حققت تقدمًا اقتصاديًّا؟
الواقع الأليم يحكم على الاشتراكية والاشتراكيين بالخراب، كل الخراب، هل حققت تقدمًا سياسيًّا؟
في ظل توجيهاتها العليا كانت أكبر محنة للشعب المسلم في المنطقة حين استذلته واستعمرت أرضه أذل أمة في الوجود.
هل حققت تقدمًا اجتماعيًّا؟
ليس سوى التمزق بين أبناء البلد الواحد، بل بين أبناء الأسرة الواحدة؛ من اتهامات باليمينية، والإمبريالية.
وغيرها من الألفاظ والمصطلحات الرنانة.
ثانيًا: قصور بعض الاتجاهات الإسلامية:
ماذا فعلت بنا الاتجاهات الإسلامية التي عرضنا لها، من اقتصار على العقيدة، إلى اقتصار على النسك، إلى اقتصار على محاولة إصلاح التعليم؟؟
كلها باقتصارها على جانبٍ واحدٍ، أشبه بجيش جرار معه سلاحه وذخيرته، لكنه يقف مكانه يحرك رجليه،
وليس له ثمة تقدم يذكر.
إنه يسير مكانه، والعالم كله يسير إلى الإمام، أو هي من ناحيةٍ أخرى.
تقيم جزءًا من البناء، وتهمل الباقي.
فما يتكون البناء المتكامل الذي يشد بعضه بعضًا.
وما يكون نصيب الجزء الذي بُنِيَ إلّا أن تعشش فيه الغربان، وتأوي إليه الحشرات، فلا يلبث أن يبدو بعد حين كريها لكل ناظر..
والإسلام أعز من ذلك وأكرم، إذن فأين الطريق؟؟