المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: التغيير السياسي - أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي

[علي جريشة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌باب تمهيدي:

- ‌الباب الأول: الإتجاه الغربي

- ‌الفصل الأول: مراحل الغزو الفكري الغربي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: مرحلة ما قبل إسقاط الخلافة الإسلامية

- ‌أولا: الحروب الصليبية

- ‌ثانيًا: الاستشراق

- ‌ثالثًا: التبشير

- ‌رابعًا: تقطيع أوصال دولة الخلافة

- ‌المبحث الثاني: مرحلة إسقاط الخلافة الإسلامية

- ‌أولا: فصل الدين عن الدولة

- ‌ثانيًا: نشر القومية في مواجهة الخلافة

- ‌ثالثًا: إسقاط الخلافة الإسلامية

- ‌المبحث الثالث: مرحلة ما بعد إسقاط الخلافة الإسلامية

- ‌الفصل الثاني: التغيير السياسيّ والاجتماعيّ في المنطقة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: التغيير السياسيّ

- ‌المبحث الثاني: التغيير الاجتماعيّ

- ‌المبحث الثالث: أساليب التغيير الإجتماعي "أو التغريب

- ‌مدخل

- ‌أولًا: العلمانية

- ‌ثانيًا: القومية

- ‌ثالثًا: تحرير المرأة

- ‌المبحث الرابع: ما يفعل بنا الصليبيون

- ‌مدخل

- ‌أولًا: بالنسبة للأسلوب

- ‌ثانيًا: بالنسبة للهدف

- ‌الباب الثاني: الإتجاه الماركسي

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: الوعاء

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: البيئة

- ‌المبحث الثاني: مؤسس للفكرة

- ‌الفصل الثاني: المبدأ

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: المبدأ في أساسه

- ‌أولا: المادة

- ‌ثانيًا: الجدل

- ‌المبحث الثاني: الماركسية والدين

- ‌مدخل

- ‌أولًا: موقف الماركسية من الدين

- ‌ثانيا: موقف الدين من الماركسية

- ‌الفصل الثالث: ماذا فعلت الماركسية بالمسلمين

- ‌المبحث الأول: المسلمون في الاتحاد السوفيتي

- ‌المبحث الثاني: المسلمون في غير الاتحاد السوفيتي من البلاد الماركسية

- ‌أولا: من الصين

- ‌ثانيًا: من يوغسلافيا

- ‌ثالثًا: من بلغاريا

- ‌رابعًا: من ألبانيا

- ‌خامسًا: من الصومال

- ‌المبحث الثالث: كيف يعملون الآن في العالم الإسلاميّ

- ‌الباب الثالث: الصهيونية "اليهودية العالمية

- ‌الفصل الأول: التعريف بالصهيونية ومنشؤها

- ‌المبحث الأول: التعريف بالصهيونية

- ‌المبحث الثاني: منشأ الصهيونية

- ‌الفصل الثاني: مقومات الصهيونية

- ‌المبحث الأول: المقومات الدينية

- ‌أولًا: امتلاك فلسطين والأقطار المجاورة لها

- ‌ثانيًا: فكرة المسيح المنتظر:

- ‌ثالث: اخضاع العالم لسلطان اليهود-شعب الله المختار

- ‌التعاليم السرية في التلمود والكبالا:

- ‌المبحث الثاني: المقومات السياسية

- ‌الفصل الثالث: مناهج الصهيونية ووسائلها

- ‌المبحث الأول: مناهج الحركة الصهيونية

- ‌السيطرة الفكرية

- ‌ السيطرة المالية:

- ‌ السيطرة السياسية:

- ‌ السيطرة العسكرية:

- ‌المبحث الثاني: وسائل تنفيذ المناهج الصهيونية

- ‌مدخل

- ‌بروتوكولات صهيون:

- ‌محاربة الصهيونية للإسلام:

- ‌الفصل الرابع: المنظمات الصهيونية

- ‌مدخل

- ‌منظمات يهودية علنية:

- ‌المنظمات السرية

- ‌المحافل الماسونية

- ‌الباب الرابع: اتجاهات إسلامية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: إتجاهات قاصرة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: اتجاهات نحو العقيدة

- ‌أولا: صواب البدء بالعقيدة

- ‌ثانيًا: خطأ وخطر:

- ‌المبحث الثاني: الاقتصار على النسك

- ‌المبحث الثالث: مدارس العقل والعقلاء

- ‌الفصل الثاني: محاولة لخطٍّ إسلاميٍّ أصيل

- ‌المبحث الأول: ضلال وقصور

- ‌أولًا: ضلال الاتجاهات الدخيلة

- ‌المبحث الثاني: أين الطريق

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الإنسان كله:

- ‌ثانيًا: الشريعة كلها

- ‌الفصل الثالث: جوانب شريعة الله

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: العقيدة والأخلاق والشعائر

- ‌أولًا: جانب العقيدة

- ‌ثانيًا: جانب الأخلاق

- ‌ثالثًا: جانب الشعائر

- ‌المبحث الثاني: بقية الجوانب

- ‌مدخل

- ‌النظام الاقتصاديُّ الإسلاميُّ:

- ‌النظام السياسيّ الإسلاميّ:

- ‌المراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المبحث الأول: التغيير السياسي

‌الفصل الثاني: التغيير السياسيّ والاجتماعيّ في المنطقة الإسلامية

‌المبحث الأول: التغيير السياسيّ

منذ أتيح للغرب الصليبيّ أن يتسلط على الشرق الإسلاميّ، أخذ يحدث التغيير السياسيّ اللازم لبقاء سيطرته أولًا، ثم لتحقيق الهدف من هذه السيطرة ثانيًا، فكان:

احتلال فرنسا للجزائر سنة 1246هـ-1830م.

وتونس سنة 1299هـ-1881م.

ومراكش سنة 1330هـ-1912م.

وللشام سنة 1338هـ-1920م.

وكان احتلال بريطانيا سنة 1274هـ-1857م، للهند إيذانًا بزوال إحدى الدول الإسلامية الكبرى التي قامت في مستهلِّ القرن السادس عشر.

واحتلالها لمصر سنة 1300هـ-1882م.

والعراق سنة 1332هـ-1914م.

وفلسطين سنة 1337هـ-1819م.

ولم يكن ذلك التوزيع وليد الصدفة، فلقد كشف الاتفاق المنعقد بين بريطانيا وفرنسا سنة 1322هـ- 1904م عن جانب من سياسة تقطيع أوصال العالم الإسلاميّ.

وصحب ذلك التقسيم إثارة القوميات المختلفة؛ كالقومية الطورانية في تركيا، والقومية العربية في البلاد العربية، حتى اقتتل المسلمون تحت قيادة النصارى باسم القومية والتحرير!!

ص: 45

وقد صحب ذلك دعوة خبيثة إلى العلمانية، بمعنى: فصل الدين عن الدولة، تبنتها جماعات كثيرة مشبوهة الصلات والأهداف، من أمثال: حزب الاتحاد والترقي في تركيا، الذي كانت من قياداته قيادات يهودية من يهود الدونمة..

وتبع ذلك..

ما رسم له أعداء الإسلام من قبل، حين عقدوا أكثر من مؤتمر للنظر في المسألة الشرقية، وقد كانت في البداية تعني ردَّ الزحف الإسلاميّ الذي كانت تقوده تركيا على أوربا، ثم لمَّا توقف المد، انتقل البحث إلى كيفية تقطيع أوصال الخلافة، ثم القضاء على الخلافة بعد ذلك.

ومهما يكن من أمر الأخطاء التي وقع فيها سلاطين تركيا، وفي مقدمتها: أنها جعلت عضلاتها أقوى من عقلها، ومهما يكن من أمر المظالم التي ارتكبها سلاطين تركيا، وفي مقدمتها التفرقة الظالمة بين بني الدين الوحد، وتميز الأتراك على غيرهم من بني الأوطان الأخرى.

مهما يكن من هذه وتلك -مما نسجه ونحذر منه- فلقد كانت الخلافة تظل المسلمين وتجمع شملهم، وترهب عدو الله وعدوهم.

من أجل ذلك، لم يكتف أعداء الإسلام بتقطيع أوصال دولة الخلافة، بل جاوزوا ذلك إلى القضاء على الخلافة نفسها، ومنع قيامها بعد ذلك في أي قطر أو وطن آخر!!

وسواء كان ما ارتكبه مصطفى كمال -الشهير بأتاتورك- كان بحسن نية، كرد فعلٍ لأحداث ذلك الحين التي خطط لها أعداء الإسلام بما يدفع أتاتورك إلى إلغاء الخلافة، أو كان بسوء نيةٍ، استجابةً للتخطيط اليهودي-الصليبي، الذي تبدَّى فيما ذكره كاتب روسي سنة 1319هـ-1901م بعدما طالع بروتوكولات حكماء صهيون، من أنه لا بد للأفعى اليهودية من أن تمر بالقسطنطينية لتصل إلى فلسطين1، وما أعقب ذلك من محاولة زعيم يهوديّ رشوة السلطان عبد الحميد لمنح فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، وبصق الخليفة المسلم فيس وجهه، ثم توعد

1 هو الكاتب الروسي سرجي نيلوس، راجع "الخطر اليهودي" لمحمد خليفة.

ص: 46

اليهودية للخليفة، وخلع الخليفة بعد ذلك بقرارٍ حمله ثلاثة؛ اثنان منهم من اليهود، ثم ما أعقب ذلك من إعلان وعد بلفور سنة 1336هـ-1917م، من جانب وزير الخارجية البريطانية، بمنح فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، وما تَمَّ من هجرةٍ لليهود في ظل ذلك الانتداب البريطانيّ، وانسحاب بريطانيا سنة 1367هـ- 1948م من فلسطين؛ ليتمكن منها اليهود بعد ذلك، واتفاق المعسكرين الشيوعيّ والرأسماليّ على الاعتراف بإسرائيل وتدعيها..

الأمر الذي لا يزال حتى اليوم باديًا، فروسيا تمد إسرائيل بالقوة البشرية والقوة العقلية، وأمريكا تمدها بالقوة العسكرية والقوة التكنولوجية.

كل ذلك أو بعضه، قد يثير أو يشير إلى أن خطوة أتاتورك بإلغاء الخلافة لم تكن عن حسن نيةٍ، ابتغاء المصلحة الوطنية لتركيا، خاصةً إذا أضيف إليها ما قيل عن شروط كيرزون لمنح تركيا الاستقلال، ومن بينها إلغاء الخلافة الإسلامية.

نقول: سواء كانت جريمة أتاتورك بحسن نية أو بسوء نية، فلقد حققت لأعداء الإسلام ما بيغونه بنقص عرى الإسلام؛ أولها: الحكم، وآخرها الصلاة.

وكان المفروض أن تقف الحملة الضارية على الإسلام والمسلمين عند حدِّ تقطيع دولة الخلافة، والقضاء عليها، لكن الصليبيين وعوا من الإسلام درسًا هامًّا عن الإسلام والمسلمين، وهو ما صرح به أحدهم من أن صحوة الإسلام تتم بسرعة، وما صرَّح به بعضهم، من أن المسلمين أشد خطورة عليهم من اليهود والبلاشقة والشعوب الصفراء1.

1 كتبت إحدى المجلات الأمريكية تحت عنوان: "محمد يتهيأ للعودة" المسلمون رقدوا 500 سنة ويتحركون الآن ويتوثبون للسطان.

ومن هذه التصريحات ما قاله لورانس براون: كنا نخوف من قبل بالخطر اليهوديّ والخطر الأصفر وبالخطر البلشفيّ، إلا أننا لم نجد هذا التخوف كما تخيلناه؛ لأننا وجدنا اليهود أصدقاءً لنا، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد، ثم رأينا البلاشفة حلفاءً لنا أثناء الحرب الثانية، أما الصفر -اليابان والصين- فإن هناك دولًا ديمقراطيةً كبرى، تتكفل بقاومتها، لكن الخطر الحقيقيّ:

كان من المسلمين، وفي قدرتهم على التوسع والإخضاع، وفي الحيوية المدهشة العنيفة التي يمتلكونها.

- وفي كلمة لمسؤول فرنسيّ سنة "1371هـ-1952م"

ليست الشيوعية خطرًا على أوربا -فيما يبدو لي- أن الخطر الحقيقيّ الذي يهددنا تهديدًا مباشرًا عنيفًا هو الخطر الإسلاميً، والمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربيّ، فهم يملكون تراثهم الروحيّ الخاصِّ، ويتمتعون بحضارةٍِ تاريخيةٍ ذات أصالة، وهم جديرون أن يقيموا بها قواعد عالم جديد، دون حاجتهم إلى الاستغراب، وفرصتهم في تحقيق أحلامهم هي اكتساب التقدم الصناعيّ الذي أحرزه الغرب راجع:

- لم هذا الرعب كله من الإسلام، الأستاذ جودت سعيد.

- الخطر الصهيونيّ على العالم الإسلاميّ، الأستاذ ماجد الكيلاني.

- الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، الدكتور محمد محمد حسين.

ص: 47

وبغض النظر عن مدى صحة ما قرره أولئك، من خطر الإسلام والمسلمين عليهم، فإن هذا هو الذي شكّل تفكيرهم، وكان الباعث وراء تصرفاتهم بعد ذلك..

الأسلوب الجديد:

وفي منتصف القرن العشرين، في الخمسينيات على وجه التحديد، قررت الولايات المتحدة الأمريكية أن ترث النفوذين: البريطاني والفرنسيّ في المنطقة؛ لتحقيق نفس الأهداف التي كان يحققها هذان النفوذان1.

لكن إن اتفقت الولايات المتحدة مع بريطانيا وفرنسا في الاستراتيجية والأهداف، فلقد اختلفت معهما في التكتيك والأسلوب، ومارست الولايات المتحدة في مهارةٍ ما يسمى بلعبة الأمم: تحقيقًا لأهدافها. وكان أهم أساليبها في ذلك الانقلابات العسكرية التي تصنع عن طريقها البطل أو الزعيم الذي تتعلق به آمال الأمة، فيمتص بذلك ما يمور في باطنها، وما كان يمكن أن يؤدي إلى ثورة في غير صالحها وينحرف بهذه القوة، المواردة داخل الشعوب عن أهدافها التي تحقق فيها مصالح الغرب،

1 ما يلز كوبلاند -لعبة الأمم- ص33، تعريب مراد سرخيس، التوزيع: دار الفتح للطباعة والنشر. وقد أشار إلى اتصال السكرتير الأول للسفارة البريطانية في واشنطن "سيشل" بمساعدة وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى وأفريقيا؛ ليسلمه رسالة تشير إلى اعتزام بريطانيا إلى انهاء وصايتها على بعض أرجاء العالم لأزمة مالية تمر بها، فإنها لن تتمكن من القيام بأعباء مقاومة الشيوعية في كل من تركيا واليونان.

2 يشير مايلز كوبلاند، مندوب المخابرات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، في كتابه "لعبة الأمم" إلى هذه الحقائق حين يقرر:

أ- لقد كان من المفهوم في التقارير والوثائق السرية للحكومة الأمريكية، في أوائل عام 1947م-1366هـ" أن دبلوماسيتنا وأجهزة مخابراتنا بالحالة التي كانت عليها في ذلك الوقت، يجب أن تعمل لإحداث تغييرات في قيادات بعض دول الشرق الأوسط.

ويشير المؤلف في الفصل الثاني من كتابه إلى حضور السفير البريطاني إلى وزارة الخارجية الأمريكية لإبلاغها بقرار الحكومة البريطانية وقف مساعدتنا لحكومتي تركيا واليونان، ويفسر ذلك بأن معناه انسحاب بريطانيا من الشرق الأوسط، وضرورة حلول أمريكا محلها في المنطقة لملء الفراغ.

ب- على العموم، فإن ما كنا نحاوله هو ملء الفراغ الناتج عن انسحاب بريطانيا من اليونان وتركيا، هذا الفراغ الذي يشمل كما قلنا من قبل جميع منطقة الشرق الأوسط ص38، ثم يشير المؤلف إلى قرار وزير الخارجية الأمريكية "دين اتشيسون" بالتدخل، ولو بالأساليب غير النظيفة=

ص: 48

القوة العسكرية المحلية تقوم بالدور الجديد:

لم تعد الشعوب تحتمل أن ترى السترة الصفراء الأجنبية تحكمها، مهما حاولت أن تدعي الصداقة أو حتى أن ترفع راية الإسلام1.

وكان لابد من أن ترحل السترة الصفراء الأجنبية، لكنّ الباطل لا يستغني عن القوة، وإلا تهاوى وسقط! ومن ثَمَّ كان لابد من أن يبحث عن مصدرٍ آخرٍ للقوة حتى يمضي في تنفيذ مخططه الأثيم لابعاد شعوب الإسلام عن الإسلام، وهداه شيطانه إلى ما نجح فيه إلى حد ما.

استبدل السترة الصفراء الأجنبية بالسترة الصفراء المحلية، وصرَّح بعض كتابه أن هؤلاء أقدر على التغيير الاجتماعيّ المطلوب2، وعرفت المنطقة الانقلابات العسكرية3 بديلًا عن جيوش الاحتلال الأجنبية، ومن أمثلة ذلك كما صرح أحد الكتاب الأمريكيين.

سوريا سنة 1368هـ-1949م.

مصر سنة 1371هـ-1952م.

= ج- ونتيجةً لذلك، فإنه في نهاية 1951م قرَّرَ تشكيل لجنة خبراء سرية لدراسة العالم العربيّ فيما يتعلق على الخصوص بالنزاع العربي الإسرائيلي؛ لاستعراض المشاكل واقتراح الحلول، سواء كانت تتفق مع أساليب العمل الحكوميّ النظيف أم لا. ص48.

ويشير بعد ذلك إلى تدخلهم في انقلاب حسني الزعيم "ص42" في سوريا، والدروس التي استفادوها منها، ثم استعدادهم للعملية الكبرى في مصر.

د- كان روز فلت غير واثق من الانقلابلات العسكرية بعد أن رأى ما أدت إليه في سوريا من فوضى، ولكنه وافق على أن يقابل الضباط الذين قدمتهم له المخابرات المركزية الأمريكية على أنهم زعماء التنظيم السري العسكري الذي يدبر انقلابًا عسكريًّا في مصر. ص53.

ثم يشير إلى أن من أهداف هذا الانقلاب استبعاد الثورة الشعبية التي يسعى لها -بجد- الإخوان المسلمون ص54 س15، 59، س2 وللتمويه يضيف والشيوعيون.

1 ادعت بريطانيا الصداقة لمصر أثناء احتلالها، وادّعى نابليون من قبل الإسلام، وأعلن خليفته في مصر فعلًا إسلامه، وعندما اقتربت جيوش الألمان من مصر، كانت المنشورات فيها توزع باسم محمد هتلر!!

2 راجع ما كتبه مورو بيرجو -الكاتب الأمريكي- عن أن النخبات الوطنية أقدر من النخبات الأجنبية في إحداث التغيير الاجتماعيّ المطلوب، وتحذيره من الاكتفاء بمجرد فرض التغيير، بل لابد من تعهده حتى يعمق في نفوس المجتمع.

3 المرجع السابق ص304-305 ويذكر صراحةً ما يلز كوبلاند في لعبة الشعوب كان انقلاب حسني الزعيم يوم 30 آذار -مارس- 1949 من إعدادنا وتخطيطنا، لعبة الأمم، ص49، ثم يقول في ص58- وكان قرارنا الأخير -أن تكون مصر خطواتنا الجديدة.

ص: 49

ومن قبل هؤلاء:

إيران سنة 1338هـ-1920م.

تركيا سنة 1326هـ-1908م.

وفي كل مرة يستفيدون من تجارب المرة السباقة..

فمثلًا، الخطأ الذي وقع فيه كمال أتاتورك في محاولة فرض التغيير الاجتماعيّ بالقوة، استبدلت القدوة بالقوة، مع وسائل الإعلام المختلفة، وما يصبحها من وسائل أخرى للتبشير، أشرنا إليها.

فقد كان أتاتورك غبيًّا حين فرض خلع الطربوش بالقوة، فقد خلعه الناس في مصر لمَّا رأوا رجال الانقلاب الجديد الأبطال لا يلبسونه، بدون حاجةٍ إلى قانون! وهكذا!

لكن القوة بقيت لازمة تؤدي أمرين:

أولهما: قمع المعارضة والمعارضين، خاصةً إن كانوا من أصحاب العقائد.

ثانيهما: مساندة الباطل والمبطلين فيما يمضون فيه من تخطيطٍ أثيمٍ لابعاد الناس عن الإسلام.

ولبيان هذين الخطين نقدم وثيقةً جاءت في حيثيات حكمٍ صدر في بلد إسلاميٍّ، نسقط منها أسماء الضحايا، وأسماء المجرمين؛ لنصل بها إلى الموضوعية الكاملة1.

تبدأ الوثيقة بالإشارة إلى أسماء أعضاء اللجنة التي قدَّمت معلوماتها واقتراحاتها، وأكثرهم من رجال المخابرات والمباحث والأمن.

ثم تلخص معلوماتها بالإشارة إلى أن تدريس التاريخ الإسلاميّ

1 هذا الحكم منشور في كتاب "الزنزانة" للدكتور جريشة، الناشر: دار الشروق.

ص: 50

في المدارس للنشء بحالته القديمة، يربط الدين بالسياسة في لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر، ثم الإشارة إلى صعوبة التمييز بين معتنقي الأفكار ".." وبين غيرهم من المتدينين.. إلخ.

ليصل إلى المطالبة:

1-

بمحو فكرة ارتباط السياسة بالدين.

2-

إبادة تدريجية بطيئة؛ مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم بحمل الدعوة الإسلامية، ولا يقتصر الأمر على هذه الفئة، بل يمتد إلى كل المتدنين، باعتبارهم يمثلون الاحتياطيّ الذي يصب في هذه الفئة!

ومن وسائل الإبادة: الإعدام، والسجن، والاعتقال، ويبلغ الأمر غاية خسته حين تصرح -بالنسبة لنسائهم، سواء كن زوجات، أو بنات، فسوف يتحررن ويتعرضن مع غياب عائلهن، وحاجتهن المادية إلى انزلاقهن.

وهكذا تفقد الأنظمة العسكرية حتى الشرف والكرامة!!

بقي السؤال: لماذا يفضلونهاوطنية؟

نسمع إجابتين:

إجابة من الكاتب الأمريكيّ: مايلز كوبلاند.

فكان الحكام من "طراز.." يعطون الأولوية على غيرهم؛ لأن استيلاءهم على السلطة يوفر أفضل الفرص -أو أقلها سوءًا- لنجاح لعبتنا"1.

وفي مكان آخر: "أن نموذجًا "

..." كان من الأهمية بمكان بخصوص اللعبة، وأنا كنا ملزمين بالبحث عن مثيلٍ له، فيما لو لم يكن على قيد الحياة"2.

وإجابةً من الكاتب الأمريكيّ: مورو بيرجر.

وكان الجيش من بين كل جماعات النخبة الوطنية أكثرها دنوًّا من المشاكل التي تواجهها مصر، دنوا بالمعنى الحسابيّ، والعلمانيّ،

1، 2 لعبة الأمم ص28، ص26.

ص: 51

والواقعيّ، وبهذه الصورة كان الجيش أكثر النخبات تغربًا1.

والواضح من تقرير "

" الموجز، أن الضباط كانوا علمانيين، يتوقون إلى بثِّ التعاصر في مصر، متماشين مع الخط الغربيّ التكنولوجيّ.

ولم يكن الضابط على ثباتٍ أيديولوجيّ، بل كانوا جماعة علمانية في البناء السياسيّ والاجتماعيّ للحياة المصرية، إلا أن قيادتهم كانت تضع نصب عينيها صورة من مصر العلمانية كما يتصورنها، ويتحركون صوب هذا الهدف على خطٍ مستقيم4.

ويعمم الكاتب.. وعلى ذلك، فبينما يترك الحكام الغربيون منطقة الشرق الأدنى، تتحول هذه المنطقة فتصبح أكثر غربيّةً، ويواجه الزعماء العرب طريقتين: فهم يطردون الغرب سياسيًّا، ويسحبون الكتل الشعبية إلى الغرب ثقافيًّا"3.

ونجيب بعد هؤلاء، فنقول بعون الله:

1-

إن النخبة الوطنية التي حلَّت محل النخبة الأجنبية، وفرت على الأخيرة أولًا: الدم والمال التي كانت تبذل في الحروب الصليبية، أو في محاولات الاستعمار.

2-

وأنها كذلك منعت إثارة المشاعر الدينية أو الوطنية التي كانت تتحرك حين يرى الشعب الجيوش الأجنبية قادمة تتحدى قيمه الدينية، أو قيمه الوطنية، ومن ثَمَّ، فقد مَيَّعَت المقاومة أو منعتها!

3-

أنها بلباس الوطنية نفذت المطلوب، ليس فقط دون مقاومةٍ، بل أحيانًا مع استحسان الجماهير وحماستها!! 4.

1، 2، 3 العالم العربيّ اليوم ص312، ص314، ص340 وراجع قدمنا، والمقصود "بتغربًا": الميل إلى الغرب في قيمه ومثله، بدلًا من قيم الإسلام ومثله.

4 وفي هذا السبيل لا بأس من أن تسمح الجهات الأجنبية بمهاجمتها؛ لتكسب الحاكم مزيدًا من الصفات الوطنية، ولتكسب استحسان الجماهير وحماستها، وفي هذا المعنى يقول مايلز كوبلاتد: فإن مساندتنا لأي زعيمٍ للوصول إلى دست الحكم، والبقاء هناك حتى يحقق لنا بعض المصالح التي نريدها، لابد أن يرتطم بالحقيقة القاسية، وهي أنه لابد له من توجيه بعض الإساءات لنا؛ حتى يتمكن من المحافظة على السلطة ويضمن استمرارها "ص55 من كتاب لعبة الأمم".

وفي الوقت نفسه يقول السياسيّ الصهيونيّ مستر سكوثان، في مقال يرثي فيه زعيمًا عربيًّا: "كان الرجل الوحيد الذي اقتنع بضرورة التعايش السلميّ مع إسرائيل، كانت لديه الجرأة والسلطة الكافية لإيجاد الظروف اللازمة لهذا التعايش، ص ز/ مقدمة كتاب الدبلوماسية والميكافيلية في العلاقات العربية الأمريكية، دكتور محمد صادق.

وفي مكانٍ آخر يقول مايلز كوبلاتد:

إن الهدف الرئيسيّ من دعمتنا "

" هو رغبتنا في توفر زعيم عربيٍّ رئيسيٍّ يتمتع بنفوذٍ قويٍّ على شعبه، وعلى بقية العرب، له من القوة ما يمكنه أن يتخذ ما شاء من القرارات الخطيرة، وغير المقبولة من الغوغاء، مثل: عقد صلح مع إسرائيل "ص89 لعبة الأمم".

ص: 52

4-

إنها استطاعت أن تقضي على كل معارضةٍ من أيِّ فئةٍ دون أن يتحرك أحد لنصرة هذه الفئة، بل مع اعتقادهم بما تذيعه النخبة الوطنية، من أن المعارضين.. خوارج، أو خونة!!

وأخيرًا سؤالٌ لا ينفك عن السؤال الأخير، لماذا يفضلونها.. "عسكرية"؟

نقول بعون الله:

1-

لأنها أسرع في الوصول إلى الحكم، وأكثر شغفًا بالسلطة1.

2-

لأنها أسرع في تلبية الأوامر الخارجية، والالتزام حرفيًّا بها، فهكذا تعلمهم الحياة العسكرية.

3-

لأن قبضتها أقوى، بالنسبة لأية معارضة، أو أية مقاومة.

4-

أن الطبقة العسكرية في أغلبها، أُعِدَّت إعدادًا خاصًّا يجعلها علمانية وغربية، لا تستنكف الانحلال لنفسها، ولا لغيرها، ومن ثَمَّ فهي أنسب الفئات لتنفيذ مخطط الإبعاد من الإسلام.

5-

أنها تزيح بذلك احتمال تقدم عنصر دينية إلى الحكم، عن الطريق الشعبيّ العاديّ2!

وليس معنى اللجوء إلى الانقلاب العسكرية انتهاء الوسائل الأخرى، إن القوى الأجنبية المعادية للإسلام لا تزال محتفظة لبعض الأنظمة بالبقاء، أولًا: لأنها تنفذ ما يطلب منها، وثانيها: لأنها أضعف من أن تقف يومًا في وجهها، وثالثًا: لأنه داخل هذه الأنظمة نفسها يجري التغيير باستعداء الابن على أبيه، والأخ على أخيه، بعدما ما يجري الاتفاق على الصفقة، ماذا يبيع لكي يجلس على العرش؟! ورابعًا: لأنها حين يبدو العصيان يكون الردع سريعًا وعنيفًا، وحوادث

1 لقول مايلز كوبلاند: وكان مبتغانا أن ندفع إلى الرئاسة حاكمًا أكثر شغفًا بالسلطة، -ص59 من لعبة الأمم.

2 ص63-65 من "لعبة الأمم".

ص: 53

الاغتيال السياسيّ في الماضي القريب شاهدة على ذلك، وقد كانت موضع تحقيق "الكونجرس" في فضائح المخابرات المركزية الأمريكية.

وأخيرًا، فإن بقاء هذه الأنظمة -في نظر أعداء الإسلام- رهينٌ بانتهاء العصبيات التي تستند إليها، وفي المواجهة بزيادة قوة وقدرة القوات المسلحة لتولي الأمر، حينئذٍ، سوف تخلعها بيسر وبغير حياء، ولا احترام للود البادي والوفاء الظاهر!!

وهكذا نرى اتفاقًا غربيًّا على عملنة التعليم، وعلمنة الإعلام، وعلمنة المجتمع كله عن طريق المرأة، وعن طريق الشباب؛ ليبتعد بذلك عن الإسلام، نجدها في الدول الإسلامية رغم اختلاف نظم الحكم الحاكمة؛ لأن التغيير السياسيّ وإن اختلف أسلوبه، فالهدف لا يختلف، وهو التغيير الاجتماعيّ، أو التغريب، أو بالعبارة الواضحة: الإبعاد عن الإسلام!

لكن، هل انتهت تمامًا وسيلة الحروب والاستعمار التي كانت سبيل الغرب من قبل لفرض أهدافه وغاياته؟

لا نستطيع أن نجيب بالنفي؛ لأن الحروب انتهت في أغلب البلاد في صورتها العسكرية، واستبدلت بها الحرب الفكرية والنفسية؛ لتحطيم عقيدة الأمة ومبادئها.

ولا نستطيع أن نجيب بالإثبات؛ لأنها لا تزال تستعمل في نطاق محدود، وهو ما اصطلح الغرب على تسميته بالحرب المحدودة، واحتلال الجيوش الأمريكية لشواطئ لبنان سنة 1377هـ-1958م، مَثَلٌ قريبٌ، وتحركات الأسطول السادس كذلك.

لكن في رأينا أن الحرب المحدودة ارتدت كذلك ثوبًا محليًّا، فأصبحت الجيوش العربية أو الإسلامية تسلط لهذا الغرض، وتَدَخُّل سوريا في لبنان مثلٌ قريب، وانفصال بنجلاديش عن باكستان من قبلها مثلٌ قريبٌ كذلك!

ص: 54