الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: الجدل
الجدل الذي يمزح ماركس بينه وبين المادة، هو ما أشار إليه هيجل من احتواء الشيء على النقيضين، وغَيَّرَ ماركس ذلك النسيج، وغَرَّه أن كان العلم -على قرنه التاسع عشر، يعتبر الطبيعة قائمة على عنصرين- الطاقة والمادة، ومن ثَمَّ أخذ الجدل، وبني عليه فلسفته المادية الجدلية، وأثبت العلم بعده وحدة الطاقة والمادة، وأن المادة ليست إلّا طاقة مركزة، والطاقة مادة، لا نقول عنها أنها طاقة إلا أن تسير بسرعة الضوء، وكان تفجير الذرة تكذيبًا لما قال به ماركس من قيام التناقض داخل المادة، فقد توهم من وجود السالب "الإلكترون" والموجب "النيترون" أنهما متناقضان، وفات ماركس أن الاختلاف لا يعني التناقض، أن وجود السالب والموجب داخل الذرة، وداخل الكهرباء وبل وفي النبات، وفي الحيوان، وفي الإنسان، لا يعني أبدًا التناقض.
إنه يعني شيئًا آخر فات ماركس، هو التكامل والتزاوج، فمن العنصرين تقوم الحياة، وصدق الله {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْن} 1.
1 الذاريات 49.
ومظاهر الطبيعة الأخرى التي قد تعطي ظلًّا من الاختلاف؛ كالليل والنهار مثلًا، إنما تعطي الحقيقة التكامل الذي أشرنا إليه، وهو ما يشير إليه القرآن الكريم {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} 1.
ومن ثَمَّ، فلا تناقض متى وجد التكامل، بل إنها كلها تسير وفق نظامٍ رسمه لها خالقها {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 2 ولا يقع التناقض ولا الصراع إلّا أن تخرج المادة عن نظامها الذي خلقها عليها خالقها؛ فالذرة لا تتفجر حتى يختل ترتيب الإلكترونات والبروتونات، ومثل الذرة كل مظاهر الكون والطبيعة، لا تختل حتى تخرج عن نظامها المفطور، أو مدارها المرسوم.
ومثل الطبيعة الإنسان، لا تتناقض فيه بين الذكر والأنثى، بل تكامل وتزاوج {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} 3 والتناقض والتناثر لا يتأتى إلّا أن يخرج الرجل عن طبيعته، أو تخرج المرأة عن طبيعتها، ولا تناقض داخل الإنسان نفسه، لا تناقض بين روحه وجسده، بل كذلك، تكامل وتزاوج، ولا يأتي التناقض والتنافر حتى تطغى إحدى القوتين على الأخرى.
فيتوهم الإنسان أنه يمكن أن يعيش جسدًا بغير روح يلبي رغائب الجسد وشهواته، وفي مقدمتها شهوتي البطن والفرج، وينسى أن له روحًا لها غذاءٌ ولها أشواق، ولابد معها من الضوابط للقوة الأولى؛ قوة الجسد.
أو يتوهم الإنسان أنه يمكن أن يعيش روحًا بلا جسد؛ فيعرض
1 عم 10، 11.
2 يس 40.
3 الروم 21.
عن مطالب الجسد، أو يكاد؛ فيرهق نفسه بالصيام دهرًا، وبقيام الليل كله، وينسى سنة الرسول -صلاة الله عليه وسلامه "إن لربك عليك حقًّا، ولبدنك عليك حقًّا، ولزوجك عليك حقَّا، فاعط كل ذي حقٍّ حقه".
وبذا ينهار جدل ماركس، ومن قبله جدل هيجل، وتعيش الحقيقة الخالدة {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 1.
1 الذاريات 49.