الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: تحرير المرأة
كما كانت العلمانية شعارًا خادعًا يخفي وراءه الحرب على الدين، وكما كانت القومية شعارًا خادعًا كذلك، يُسْتَعْمَلُ في مواجهة الدين.
فلقد رفع هذا الشعار: "تحرير المرأة" بقصد اجتذاب المرأة المسلمة واستخدامها حربًا على دينها، وأوّل من أوصى به أحد مؤتمرات التبشير، وكان الهدف يومئذٍ تنصير المرأة المسلمة، ثم تبعهم المسشرقون، وتبعهم مَنْ تَلَقَّوْا العلم والمعرفة على أيديهم، وهم في شرقنا الإسلاميّ كثير.
ماذا يقصدون بالتحرير؟
التحرير لا يكون إلّا من عبودية؟ فهل كانت المرأة المسلمة كذلك؟
إن المسلم لا يعطي العبودية لمخلوق، بل يعطيها للخالق، وللخالق وحده، ومن ثَمَّ، فإن أكثر الناس تحررًا من عبودية المخاليق، سواءً كانت آدمية، أو كانت مالًا، أو جاهًا، أو سلطانًا، أو غير ذلك من متاع الحياة الدنيا.
والمرأة المسلمة لها ما للرجل {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} 1 هذه الدرجة ليست درجة العبودية أبدًا، ولن
1 البقرة: 228.
تكون، لكنه أمر اقتضاه التنظيم، أن يكون للسفينة ربان واحد لا ربانان، وإلّا لغرقت السفينة بمن فيها.
ولقد سبقت المسلمة غيرها من النساء، فعرفت واجبها، وعرفت حقها، وكانت لها الشخصية القانونية المستقلة؛ تتعامل باسمها دون حاجةٍ إلى اعتماد تصرفها من أحد، بينما ظلت المرأة الفرنسية لا تتعامل باسمها وحدَه، بل لابد من إجازة الزوج لتصرفها، وذلك إلى عهد قريب.
فماذا يعني التحرر أو التحرير، بعدما أعطاها الإسلام ما لم يعطها نظام آخر.
قالوا: إنه يعني تحريرها من بيتها، وتحريرها من زيها.
قلنا: وبماذا يخدمهم تحريرها من بيتها، وتحريرها من زيها، وبعبارة أخرى، كيف يمكن من خلال هذا وذاك إبعاد الأمة عن الإسلام؟
المرأة بلا شكٍّ نصف المجتمع، وهي نصف خطير؛ لأنه يؤدي رسالةً خطيرةً، وإن غفل عنها الكثيرون.
إن الذين يتخرجون من المدارس والجامعات يمكن تعدادهم، ويمكن أن يوجد غيرهم لم يتخرجوا من هذه أو تلك، أما الجامعة التي لابدّ أن يتخرج منها كل مسلم، بل كل إنسان، فهي الأم؛ فإن صلحت، صلح خريجوها، وإن فسدت، فسد خريجوها، وتحرير المرأة من بيتها، يعني: إغلاق هذه الجامعة.
وإذا كانت هذه هي الجامعة الأولى التي خرجت من قبل تلك الأجيال العظيمة التي حملت إلينا الإسلام، بل حملته للدنيا كلها، فإن إغلاق هذه الجامعة يعني: إنعدام الخريجين من ذلك الطراز، ويعني: غلبة الخريجين من طراز آخر.
ولقد رأينا في عصرنا بداية الثمار؛ رأينا ممن تسلطوا على فكرة هذه الأمة، بل وعلى سلطانها، مَنْ كانت أمه راقصةً في نادٍ ليليّ، وأخرى تعمل في الغناء، وليس بين الاثنين كبير اختلاف.
أما ماذا يعني تحريرها من زيها؟
فإنه يعني: كشف ما أمر الله أن يستر، وهتك ما أمر الله أن يصان.
يعني: عرضًا رخيصًا لسلعةٍ غاليةٍ، صانها ربها، وصانها الإسلام..
يعني: إثارة اللحم والدم، وهو أمر لا يستطيع أن ينكره إلّا غبيّ أو متغابٍ.
فإذا أضفنا إلى تحرير المرأة من بيتها تحريرَها من زيِّهَا، كانت النتيجة، نتيجة الاثنين غير نتيجة الواحد.
أن التحرر من البيت وحده، قد يكون له النتيجة السلبية الخطيرة السابقة، وهي الإغراء بالفاحشة والدعوة إليها، لكن التحريرين، قد يعنيان فوق النتيجتين السابقتين مجتمعتين.
نتائج أخرى أخطر وأشد: إن أولها بلا شكٍّ انحلال المجتمع وسقوطه، بسقوط قيمه وأخلاقه ومثله.
إن فرنسا -غير الإسلامية، وصاحبة الإمبراطورية الكبيرة، سقطت تحت أقدام ألمانيا- على مدى أسبوع واحدٍ، وهي كما صرح رئيس وزرائها، أن فرنسا هزمها الانحلال قبل أن يهزمها الاحتلال.
فما بالنا بأمه إسلاميةٍ، أساس نظامها عقيدة وأخلاق، وما بالنا بأمة إسلاميةٍ لم تصل بعد من ناحية القوة المادية إلى ما وصلت إليه فرنسا أو أمريكا.
إن إشاعة الانحلال -في الأمة الإسلامية- عن طريق تحرير المرأة من بيتها وزيها، يعني: أن الأمة الإسلامية وهي بعد لم تقف على قدميها، تمامًا كما يصاب الطفل بمرض خطير لا يستطيع أن يقاومه الرجل الكبير؛ أنها جريمة كبرى، وخيانة عظمى، يقارفها كل من يدعو إلى هذا السبيل بالكلمة أو الصورة أو القدوة السيئة.
وفي عام 1395هـ-1975، طالب "جوزيف ريد" المدير العام لهيئة رعاية الأطفال، بعقوبات شديدة ضد الأشخاص الذين يتاجرون ببيع الأطفال في السوق السوداء؛ حيث يباع سنويًّا خمسين ألف طفل، وكلهم -بكل أسف- جاءوا من سفاح، ويجري الاتفاق مع الفتيات اللائي حملن بهن من غير زواج، مقابل مبلغ من المال، إلى جانب التكاليف الصحية والسكنية1..
أيُّ جيلٍ يكون، ذلك الذي لا يعرف له أبًا، ولا يعرف له أمًّا كذلك..؟
أيّ ارتداد إلى عصر الرق؟ ذلك الذي يباع فيه الأطفال ويشترون؟
ترى، هل يخرج لنا تحرر المرأة في شرقنا الإسلاميّ، ما أخرجه في ذلك العرب الصليبيّ؟
وهل نقم منا الغرب أن كانت لنا روابط أسرية متينة، يقوم عليها -بإذن الله- مجتمع متين؟
أم نقم منا أن لنا دينًا، هو سر ابتعاثنا بين الحين والحين، فخشي هذه الابتعاثة، ورغب لنا في رقدةٍ لا نهوض بعدها ولا قيام؟
أما المرأة الريفية:
فلم يشأ المخططون لتغريب المسلمين أن يتركوها في حالها وحيائها، أصروا على أن يغزوها في عقر دارها؛ ليذهبوا بما بقي من حيائها؛ لتشارك أختها في المدينة ما وصلت إليه من مدنية، تحت ستار الأمم المتحدة انطلقت أمريكا تغزو الريف المسلم باسم
1 مجلة المجتمع، العدد:492، 2جمادى الأولى 1395- 13 مايو سنة 1975 نقلًا عن وكالة اليونيتدبريس، واشنطن.
التربية الأساسية.
أما ما هي التربية الأساسية؟
فهي كما عرفها أحد سدنتها، الدكتور حامد عمار، في بحثٍ ألقاه في مؤتمر أمريكيّ: منهج من مناهج الإصلاح الاجتماعي لرفع مستوى المعيشة، يؤكد قيمة العملية التربوية ، وتغيير الأفكار والنزعات.
وفي مكان آخر: تسعى التربية الأساسية إلى محاولة تغيير الأفكار والنزعات والاتجاهات1.
وفي سرس الليان مصر، مركز للأمم المتحدة.
وفي قرى سوريا مراكز2، وقد تكون وصلت إلي غيرها.
أما قضايا المرأة:
التي يتعمدون إثارتها بين الحين والحين؛ ليظهروا بمظهر المدافعين عن المرأة المحبين لمصلحتها، فزوبعة في فنجان، فنسبة الطلاق في البلاد الإسلامية ضئيلة، ونسبة التعدد أشد ضآلة، بما لا يصح أن يرتفع الصوت معها كأنها مشكلة أو قضية3.
ولئن كانت هناك قضية أو مشكلة، فهم سببها، حين تسببوا بوسائل إعلامهم في تصديع البيوت، وفي إثارة المشاكل، وحين تسببوا بدعاوي المساواة العريضة في أن لا يكون للبيت قوامة، وأن يكون فيه رئيسان الرجل والمرأة، ورئيسان في مركب واحد يغرقانه -كما هو المثل.
1 حصوننا مهددة من داخلها، للدكتور محمد محمد حسين، الناشر: مكتبة المنارة الإسلامية، الكويت ص48 وما بعدها.
2 المرجع السابق.
أ- حديث الحبيب بورقيبة بأهرام 20/ 12/ 1975، صرح الرئيس التونسي بأنه أصدر في سنة 1956 قانونًا بمنع تعدد الزوجات، يعتبر التعدد جنحة بعاقب مرتكبها بالسجن لمدة سنة، وغرامة مالية "240 دينارًا" وفي مقال شيخ الأزهر ذكر أن أحد التونسيين ضبط متلبسًا بجريمة الزواج بثانية، ولم يخل سبيله إلّا بعد أن قرر أن هذه الثانية خليلة وليست زوجة، وهكذا يطيب لبعض الحكام أن يحرموا ما أحل الله، وأن يحلوا ما حرم الله، ألَا ساء ما يزرون.
ثم حين ساندوا وساعدوا انحلال الأخلاق، وانفلتت من قيود الدين، فلم يعد الرجل يخشى الله في المرأة، ولم تعد المرأة تخشى الله في الرجل؛ فدَّبَ الخلاف والشقاق..
والحلّ ليس تحررًا من الدين، أو مزيدًا من التحرر، وإنما عودةٌ إلى الدين، والتزامٌ بضوابطه وأخلاقه، تصير المشكلة محلولة {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} 1، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 2.
هذه شعارات الغرب ووسائله لإحداث التغير الاجتماعي فينا..
علمانية:
في التعليم.
في الإعلام.
في القانون.
قوميات:
تمزق الأمة الواحدة.
وتمزق الدولة الواحدة.
تحرير المرأة:
ليسقط المجتمع في حمأة الرذيلة.
ويقضي بنفسه على نفسه.
1 الذاريات 21.
2 الرعد 11.
ولو نجحت هذه الدعوات، فماذا يبقى لنا من الإسلام؟
وإذا نجحت، فماذا يبقى في مجتمعٍ لم يقف بعد على قدميه؟
لقد استجاب لها الطامعون في السطلة، واستجاب لها الراغبون في السقوط؛ لأنهم لا يقدرون على الارتفاع.
واستجاب لها السذج الجاهلون الذين حسبوها علاجًا لهذا الشرق الإسلاميّ، من تخلفه وعدم نهوضه.
وبقي أن ينهض العالمون الصادقون؛ ليقوموا بما قام به من قبل نبيهم ورسولهم محمد عليه الصلاة والسلام، فهم خلفاؤه على ميراثه، وهم الأمناء على رسالته، وهم أمل الأمة الباقي، بعد أن تردى غيرهم وسقط في الشراك..
ولنكمل الصورة، أو نقترب بها من الكمال، نقدم لأمتنا بعضًا مما فعل ويفعل الصليبيون؟