الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: البيئة
ظهرت الماركسية أول ما ظهرت في أوربا، وكان كل شيء هناك يمهد لها.
الدين..الاقتصاد..الفلسفة..ولنعط كلًّا كلمة:
أولًا: الدين في القرن التاسع عشر1
قاست أوربا الكثير مما آل إليه أمر دينها، هذه حقيقة لابد من الاعتراف بها، ففي الوقت الذي بدأت تتفتح فيه على العلم وتأخذ بأسبابه، وفي الوقت الذي اتصلت فيه بالشرق الإسلاميّ -بأكثر من طريق- وعرفت عقيدته السهلة وشريعته السمحة، تفتحت آذانها وعيونها على دينٍ معقَّدٍ يصادم العقل ويرهقه، فمن قائلٍ بأقانيم ثلاثة:"الأب والابن والروح والقدس"، ومن قائلٍ:"المسح ابن الله"، ومن قائلٍ:"إن الله هو المسيح بن مريم".
وكل ذلك تحريف لدين المسيح عليه السلام وخروج عليه، فكيف لأبناء عصر النهضة أن يسيغوا ذلك الخلط والخبط؟
وكيف بمن سمعوا شيئًا عن عقيدة الإسلام: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 2.
1 راجع عرضًا طيبًا في كتابٍ للأستاذ عبد الحليم خفاجي، ص69 وما بعدها.
2 الأنبياء 22.
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} 1 {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 2.
كيف بمن سمع بهذه البساطة أن يسيغ ذلك التعقيد؟ ثم كيف مع ذلك التعقيد بما انحدر إليه رجال الدين..
كرسي الاعتراف.. صكوك الغفران.. قرارات الحرمان.. وأخيرًا تلك الوصمة التي لا تنسى..
اضطهاد العلم والعلماء وتكفيرهم، وسوقهم إلى محاكم التفتيش؛ لترتفع أعظم الرؤوس على أعواد المشانق.
لم يكن بعد ذلك غريبًا أن ترتفع الصيحة: "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس".
ثم بأن تكون الردة عن ذلك الدين إلى دين ماركس.
ثانيًا: الاقتصاد في القرن التاسع عشر 3:
كانت الرأسمالية في عنفوانها، أصحاب المصانع -بعد الثورة الصناعية- يمارسون إقطاعًا من نوع آخر..
قلة تملك وتكدس الثروات وتعيش حياة الترف الداعر، وملايين محرومة، تعيش حياة البؤس والشقاء، وتشهد من قريب من يرفلون في عرق جبينهم.
والتطرف يفضي إلى تطرفٍ، ذاك قانون الطبيعية، فليس غريبًا أن تستمع الطبقة الكادحة لذلك النداء الخادع..
1 الشورى 1.
2 الإخلاص.
3 راجع تفصيلًا في مؤلف الدكتور محمد البهيّ "تهافت الفكر الماديّ بين النظرية والتطبيق" ص 17 وما بعدها ، الناشر: مكتبة وهبة، الطبعة الثالثة، أكتوبر سنة 1975.
يا صعاليك العالم اتحدوا، فأمامكم عالم تعنونه، وليس عندكم من شيء تفقدونه غير القيود والأغلال1.
وليس غريبًا أن يصدقوا نظرية "فائض القيمة، وإلغاء الملكية الفردية" وشيوعية المال، وأسطورة: من كل حسب طاقته، ولكل حسب حاجته.
ثالثًا: الفلسفة في القرن التاسع عشر
كانت الفلسفة السائدة في ذلك القرن هي ما يمكن أن يسمى بالفلسفة المثالية، والتي كانت ميراثًا كبيرًا منذ أفلاطون إلى فيورباخ.
وقد أغرقت في التحليق في الخيال، وأغرقت كذلك في الخوض فيما ليس لها فيه علم؛ مثل كثير من "الإلهيات" فكانت الفلسفة المادية القائمة على الحسِّ، رد فعل لتلك الفلسفة المثالية المغرقة في الخيال2.
وهكذا كان الدين في أوربا يمهد للماركسية، وكانت الرأسمالية في أوربا تمهد للماركسية، وكانت الفلسفة المثالية في أوربا تمهد للفلسفة المادية، وكان على البشرية كلها أن تكفر عن خطيئة أوربا بخطيئةٍ أخرى، هي الماركسية.
وقبل أن نعرض لها نلقي بعض الضوء على صاحبها ومؤسس أول دولة لها؛ ليكتمل الحديث عن الوعاء..
1 هذه صيحة ماركس، استغل فيهال نكسة الرأسمالية وارتكاسها؛ لينتقل بالعالم إلى نكسةٍ وارتكاسةٍ أشد خطورة.
2 راجع عرضًا جميلًا للأستاذ عبد الحليم خفاجي، عن أن الفلسفة المادية كانت تعبيرًا عن أزمة الفلسفة المثالية من ص55-66 من كتابه القيِّمِ "حوار مع الشيوعيين في أقبية السجون" الطبعة الأولى1394-1974، دار القلم، الكويت.