الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وظلت الماركسية تعتز بموقفها من الدين طوال صدامها مع الكنيسة، حتى إذا قيض للماركسية أن تجد لها أتباعًا في شرقنا الإسلاميّ، فإنها بدأت تراجع موقفها من الدين؛ لتتخذ إزاءه خطةً مرحليةً، بعدما وجدت من عقيدة الإسلام صخرةً صلبةً تقف في طريقها، وكان أن قرر بعض المؤتمرات الشيوعية ضرورة الابتعاد عن الهجوم على الدين، وتلا ذلك نصائح بعض مفكريهم بعدم إنكار أثر الدين، وبمحاولة الاستفادة منه، وهكذا يقول أحدهم:"وإن هناك لأملًا كبيرًا مشتركًا بين ملايين المسيحيين في العالم، وبين ملايين الشيوعيين، وهو أن نبني المستقبل دون أن نضيع شيئًا من ميراث القيم الإنسانية التي جاءت بها المسيحية منذ ألفي عام" ويضيف أن تكذيب صيغة "أفيون الشعوب" التي لخص بها ماركس ولينين تجربة لا سبيل إلى نكرانها، ليس قضية فحسب، بل هو أيضًا أمر ممارسة سياسية واجتماعية1.
1 روجيه جارودي، المرجع السابق ص202، وإن كان يعترف في نفس الوقت بإلحاد للماركسية، ويميز إلحاد الماركسية من الحاد القرن الثامن عشر الذي كان في جوهره سياسيًّا، وإلحاد القرن التاسع عشر، الذي كان بصورة عامة إلحاد علموي. "يقصد علمي" أي: من تناقض العلم مع دينهم في ذلك الحين، ويسمى الإلحاد الماركسيّ، إلحاد القرن العشرين، ويقول: إنه في جوهره إنسيّ، ص143، 144 المرجع السابق، وهو يعتبر الدين جهدًا إنسانيًّا ص162.
ثانيا: موقف الدين من الماركسية
ونحن نقصد بذلك ديننا -دين الإسلام، فلئن كان في ظروف الدين المسيحيّ -على وضعه الحالي- ما أتاح للماركسية أن تنتهكه، بل أن تلتهمه، فليس في ظروف ديننا شيء من ذلك، ليس في ديننا شيء من التحريف أو التشويه، كما حدث لدين المسيح عليه السلام، مما حدا بمفكري الماركسية أن ينظرون إلى الدين على أنه مشروعٌ إنسانيّ، أي: جهد بشريّ.
ولا وقف علماء الإسلام من العلم مثل ما فعل رجال الدين المسيحيّ مع العلم والعلماء في القرون الوسطى، ومن ثَمَّ، فإن موقفنا من الماركسية يختلف عن موقفهم، ومحاولة التوفيق أو التلفيق التي يصنعها أذكياء الماركسية للتدليس، أوالتدسس إلى الإسلام؛ بإعلانهم قبول الإسلام عقيدةً، والاشتراكية العلمية منهجًا، محاولة مفضوحة مردودة.
أولًا: لأنه واضح فيها التكتيك المرحليّ:
وهو ما كشفت عنه كثير من كتابات مفكريهم، بل ما أوصى به بعض مؤتمراتهم.
وثانيًا: سواء اعتبروا تلك المصالحة، أو التوفيق "تكتيكًا" مرحليًّا، أو قبلوه استراتيجيةً دائمةً، أو حتى أدخلوه في نظريتهم، واعتبروه جزءًا من أيديلوجية "عقيدة" دائمة، على كل هذه الفروض، فإن ذلك العرض مرفوض؛
لأن القول بأن الإسلام عقيدة، والاشتراكية العلمية منهج، قول يتنافى مع طبيعة الإسلام، فهو عقيدة ومنهج حياة، وهو في هذا لا يقبل التجزئة، ولا التفرقة، ولا المساومة، ولا التلفيق، ولا الترقيع..!
ويسمى كل ذلك: كفرًا، وفتنة، وجاهليةً، ومحادة لله ورسوله {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} ؟ 1.
1 البقرة 85.
{وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} 1، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 2، {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 3.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن الذين صنعوا الدين رجال، وهم رجال، ولهم أن يصنعوا مثل ما صنعوا، ومن ثَمَّ لهم أن يشرعوا الماركسية، كما شرع البابوات المسيحية.
وليس في ديننا صكوك غفران، ولا قرارات حرمان؛ فعقيدته أن الشرع كالخلق خالص حق الله.
{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 4.
والألوهية التي نرفعها لنا شهادة وشعارًا، ونقر بها لله سبحانه وتعالى، وننفيها عمن سواه، هذه الألوهية من معانيها: التسليم لأمر الله وشرعه.
وشريعته كذلك، شملت كل نواحي الحياة {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} 5 تشمل الحياة السياسية، والحياة الاجتماعية، والحياة الاقتصادية، ولا يمكن فيها فصل حياة عن حياة، ومن ثَمَّ فللماركسية أن تبحث لها عن دينٍ آخر.
1 المائدة: 49.
2 المائدة: 50.
3 البقرة: 278، 279.
4 الأعراف: 54.
5 النحل: 89.
تجري معه التوفيق أو التلفيق، ولقد سبقتهم إلى ذلك يومًا قريش، فقال الله لهم:
1 الكافرون.