الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: المبدأ
مدخل
…
الفصل الثاني: المبدأ
من مادية "فيورباخ" وجدلية "هيجل"، أقام كارل ماركس فلسفته على المادية الجدلية1، وربطها بأربعة قوانين، وبهذه المادية فسر التاريخ تفسيرًا ماديًّا، وبهذه النظرية المادية أرجع كل شيء في الاقتصاد إلى أدوات الإنتاج، وقال بفائض القيمة.
وبذا تبدو الماركسية أشبه بالدين، نظرةً إلى الحياة، وتفسيرًا للكون، ونظامًا للمجتمع، ولا يتسع المقام للعرض لجوانب الماركسيةكمذهب، وكنظام اجتماعيّ، واقتصاديّ، وسياسيّ، لكنا نكتفي منها بالأساس؛ فإذا انقض الأساس فبقية البناء محكوم عليه بالسقوط والانهدام، وتبدو الرابطة واضحةً بين أساس الماركسية الفكريّ، وأساس الغرب الفكريّ، بل إن الماركسية مدينةٌ للغرب في فكرها، فإن ماركس لم يأت بجديدٍ، وإنما من التلفيق بين ما قاله هيجل، وما قاله فيورباخ، أقام فلسفته التي كانت -كما أشرنا- رد فعل للفلسفة المثالية التي أغرقت في الخيال2، أو كما قال بحقٍّ أحد الكتاب: كانت تعبيرًا عن أزمة الفلسفة المثالية في القرن التاسع عشر.
وفلسفة ماركس مضى عليها أكثر من قرن، ومن ثَمَّ فهي كفكرٍ بشريٍّ محكوم عليه بالرجعية، وإن ادعت، أو ادعى أنصارها لها عكس ذلك، ويبدو ذلك واضحًا في محاولاتٍ كثيرةٍ، جرت لترقيعها؛ ومنها ما قال به لينين حين واجهت النظرية العمل والتطبيق، وبدأ امتحانها الحقيقيّ؛ ومنها ما أدخله عليها ستالين وخروشوف، والمؤتمر الذي انعقد سنة 1963، في موسكو من 29 عالم سوفيتي ليضع
1، 2 يعترف ماركس وانجلز ولنين، أن الينبوع الفلسفيّ الأساسيّ للفلسفة الماركسية، كان المثالية الألمانية، وأنه لولا الفلسفة الألمانية، ولا سيما فلسفة هيجل -ونضيف إليها فيورباخ- لما تَأتَّى للاشتراكية العلمية أن ترى النور.
ماركسية القرن العشرين، ترجمة لكتاب جارودي "التحول الكبير في الاشتراكية" الطبعة الثالثة سنة 1972م، تعريب نزيه حكيم.
أسس الماركسية اللينينية، مما انهارت معه بعض أسس تلك الفلسفة أمام حقائق العلم الحديث، وأخيرًا منها ما قال به الفليسوف الفرنسيّ روجيه جارودي في سنة 1966م في كتابه "التحول الكبير في الاشتراكية".
والذي عرب تحت اسم: "ماركسية القرن العشرين"1.
وبه بعدت الماركسية كثيرًا من أساسها، وغضب لذلك أنصارها، فأخرجوه من الحزب سنة 1969، بعد أن كان يحتل مركز عضو المكتب السياسيّ، وفيلسوف الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ، وأعقب ذلك رفض الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ لدكتاتورية البروليتاريا، وتبعه في ذلك الحزب الشيوعيّ الإيطاليّ.
وفي الصفحات التي تلى، نحاول -بمشيئة الله- في بحث، أن نعرض للمبدأ في أساسه2، ثم نحاول أن نعرض في مبحث ثانٍ نظرتهم إلى الدين قديمًا وحديثًا؛ ليحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون، وسوف نلتزم الموضوعية في عرضنا للمبدأ، ومناقشتنا له -إن شاء الله.
1 مشار إليه "ماركسية القرن العشرين"، ترجمة لكتاب جارودي "التحول الكبير في الاشتراكية" الطبعة الثالثة سنة 1972، تعريب نزيه حكيم.
2 بالنسبة للتفسير الماديّ للتاريخ، تراجعت عنه الماركسية فيما قرره فردريك انجلز من خطئه، وصاحبه في تقديم العامل الماديّ على غيره من العوامل، وحسبنا منهم ذلك، وبالنسبة للماركسية كنظامٍ، فإن مكان دراستها كنظامٍ اقتصاديٍّ -علم الاقتصاد، وكنظام سياسيّ -علم السياسة، وكنظام اجتماعيّ -علم الاجتماع، بيد أننا كما أشرنا بهدم الأساس يتهدم -باذن الله- بقية البناء، والله غالب على أمره، راجع لنا عرضًا سريعًا تحت عنوان:"فتنة الماركسية" في كتاب "شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها".