المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصلٌ * قال الحافظ الذهبي رحمه الله تَعَالَى-: " … وقد رأيت - أصول بلا أصول

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول سُلطَانُ المَنَامَاتِ

- ‌تعريف الرؤيا:

- ‌نقد موقف المدرسة النفسية المادية من المنامات

- ‌فرويد" لم يعرف من الرؤى إلا أضغاث الأحلام:

- ‌يقول الأستاذ الدكتور "سعد الدين السيد صالح" في معرض نقده نظرية الأحلام الفرويدية:

- ‌ويقول الدكتور عمر الأشقر -حفظه اللَّه

- ‌القول الفصل، والمنهج الوسط في شأن الرؤى

- ‌تنبيه: حول معنى كون الرؤيا جزءًا من النبوة:

- ‌غلو المُفرِطين في شأن الرُّؤى

- ‌نماذج واقِعِيَةٌ مِن انحِرَاف النَّاسِ في التَّعَامُلِ مَعَ المَنَامَاتِ

- ‌ دِمَاءُ المُسْلِمِينَ لَا تُسْفَكُ بِالأَحْلامِ:

- ‌ لا يُطعَنُ في الرَّاوِي بِمجرد منام:

- ‌الرُّؤْيَا تَسُرُّ، وَلَا تَغرُّ:

- ‌الفراغ" من أسباب ظاهرة الاستغراق في المنامات

- ‌مَنَامَات في خدمَةِ البِدَعِ والضَّلَالَاتِ

- ‌ قال ابن عربي:

- ‌ وزعم ابْنُ الفَارِضِ:

- ‌أما البوصيري صاحب "البردة" فيقول:

- ‌ الأمِيرُ بُرهَان نظَام شَاه:

- ‌ عَصَا العَيدَرُوسِ:

- ‌أضرِحَةُ المنَامَاتِ .. والمَزَارَات المُزَوَّرَات

- ‌هذه الظَّاهِرَةُ .. إلى متى

- ‌ثم لماذا رقم (13)

- ‌رُؤيَة رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ

- ‌فائدة:

- ‌نَمَاذِجُ مِن الاستِغلَالِ السَّيِّئ لِمَا يزُعَمُ مِن رُؤيَةِ النبي صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ

- ‌الوَصِيَّةُ الخُرَافيَّةُ المُزمِنَةُ

- ‌ من افتِرَاءَاتِ صَاحِبِ الوصيةِ المَزعُومَةِ:

- ‌الرؤيا ليست حجة شرعية

- ‌الأدلة على أن الرؤيا ليست، مصدرًا للتشريع:

- ‌قول الإمام أبي إسحاق الشاطبي

- ‌1 - قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى

- ‌نصوص أُخَر لبعض أهل العلم في المسألة

- ‌وأخيرًا إليك هذه الوقائع:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرؤيا والاستخارة

- ‌دلالة رؤى الأنبياء على الأحكام

- ‌رؤى الأنبياء عليهم السلام:

- ‌من فوائد الرؤى

- ‌أولًا: البشارة والنذارة

- ‌ثانيًا: الرؤيا قد تصحح مسار حياة الإنسان

- ‌ثالثًا: الرؤى دليل على بقاء الأرواح بعد فناء الأبدان

- ‌رابعًا: الرؤى وسيلة تواصل مع الأموات

- ‌خامسًا: وقد تفيد الرؤية تزكية بعض الصالحين، وذم من سواهم

- ‌سادسًا: وقد تكون الرؤية وسيلة لاكتشاف ما ينفع البشر

- ‌الفصل الثاني دَلَالَات خوارِقِ العَادَاتِ

- ‌وخَرقُ العَادَةِ أَنوَاعٌ

- ‌بَينَ المعُجِزَةِ والكرامَةِ

- ‌الكرَامَةُ تَدُلُّ عَلَى الوَلَايَةِ، لَكِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى العِصمَةِ

- ‌من ضَوَابِطِ الحُكمِ عَلَى خَرقِ العَادَةِ النَّظَرُ فيِ سِيَرةِ واستِقَامَةِ مَن خُرِقَتْ لَهُ

- ‌مِن شُرُوطِ الكرَامَةِ

- ‌خَرقُ العَادَةِ بمُجَرَّدِهِ لا يَدُلُّ عَلَى الوَلَايَةِ

- ‌مَنِ القادِرُ عَلَى التَّمييزِ بَينَ "الأَحوَالِ الرَّحمانِيَّةِ" وَ "الأَحوَالِ الشَّيطَانِيَّةِ

- ‌أَمثِلَةٌ مِنَ الأَحوَالِ الشَّيطَانِيَّةِ

- ‌التَّفْرِيقُ بَيْنَ كَرَامَاتِ الْأَوْليَاءِ وَالأحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ:

- ‌حِيَلٌ لَا خَوَارِقُ

- ‌الإمام شهاب الدين القرافي وحِيل النصارى

- ‌ابن تيمية يكشف حِيَلَ الرهبان

- ‌الفَصل الثَّالِث دَعوَى رُؤيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً بَعدَ وَفَاتِه وَالتَّلَقِّي عَنهُ مُبَاشَرَةً

- ‌أ- ذِكْرُ جُمْلَةٍ مِنْ نُصُوص التِّجَانية تُصَرِّحُ بِإِيمَانِهِمْ بِرؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً بَعْدَ مَوْتِهِ، فِي الدُّنيَا:

- ‌ب- ذِكرُ أَدلَّتِهِمْ وَمُنَاقَشَتُهَا:

- ‌الدَّلِيلُ الأَوَّلُ:

- ‌الدليل الثَّاني للتِّجانية:

- ‌ المناقشة:

- ‌ليس كلُّ مُمكنٍ يقعُ في الوجود

- ‌الدَّلِيلُ الثَّالِثُ مِن أَدِلَّتِهِم:

- ‌ المناقشة:

- ‌دَلِيلُهُم الرَّابعُ:

- ‌ المناقشة:

- ‌دَليلُهُمُ الخَامِسُ:

- ‌ المناقشة:

- ‌فَصلٌ فِيمَا يَدَّعِي التِّجَانِيَّةُ تَلَقِّيَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعدَ مَوتِهِ يَقَظَةً

- ‌المناقشة:

- ‌تَنبِيهَاتٌ:

- ‌الأوَّلُ: ذكر العلامة محمد حبيب الله الشنقيطي رحمه الله اختلاف العلماء في هذه المسألة

- ‌الثَّاني: بحسب قلة علم الرجل يُضِلُّه الشيطان:

- ‌الفَصلُ الرَّابِع الإِلهَامُ والكَشفُ والتَّحدِيث

- ‌تعريف الإلهام لغة:

- ‌تعريف الإلهام اصطلاحًا:

- ‌إلهام الأنبياء وحي

- ‌فالمقامات ثلاثة:

- ‌الأول: الإلقاء في روع الموحَى إليه

- ‌المقام الثاني: تكليم الله لرسله من وراء حجاب:

- ‌المقام الثالث: الوحي إلى الرسول بواسطة مَلَك الوحي جبريل عليه السلام

- ‌حكم مُنكِر إلهامِ الأنبياء

- ‌إلهام غير الأنبياء

- ‌أثر التقوى في تنوير البصيرة

- ‌موقف ابن تيمية من الكشف

- ‌ويُعرف خطأ الكشف عند ابن تيمية بأحد أمور

- ‌الإلهام منقوض بالمعارضة بالمثل

- ‌(قال: وهو -أي الإلهام- على ثلاث درجات:

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌نقد موقف أبي حامد الغزالي من الكشف والإلهام

- ‌فائدة:

- ‌لَا عِلمَ إلَّا بدَلِيلٍ أو شَاهِدٍ

- ‌ قال الإمام المحقِّقُ ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى-

- ‌الصُّوفِيَّةُ والإلهَامُ

- ‌ذِكْرُ الأَدِلَّةِ علَى أنَّ الخَضِرَ نَبِيٌّ وَلَيْسَ وَليًّا فحَسْبُ:

- ‌التَّحدِيثُ وَالمُحَدَّثُونَ

- ‌الأحَادِيثُ الوَارِدَةُ في المُحَدَّثِينَ:

- ‌التَّحدِيثُ إلهَامٌ خاصٌّ

- ‌الصِّدِّيقُ أكمَلُ مِنَ المُحَدَّثِ

- ‌الفَرقُ بَينَ الفِرَاسَةِ والإلهَامِ

- ‌هل في الأُمَّةِ المُحَمَّديَّة مُحَدثَّونَ

- ‌الفَرقُ بَينَ النَّبِيِّ والمُحَدَّثِ

- ‌المُحدَّثُ يَجِبُ أن يعرضَ آراءَهُ علَى الكِتَابِ والسَّنَّةِ:

- ‌شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَةَ يدحَضُ مقُولَةَ: "حدَّثَني قلبِي عن رَبِّي

- ‌فَصلٌ

- ‌الفَصلُ الخَامِسُ ادِّعَاءُ لُقيَا الخَضِرِ والتَّلَقِّي عَنهُ

- ‌خُلاصَةُ التصور الصُّوفيِ للْخَضِرِ عليه السلام

- ‌نُقُولٌ عَنِ الصُّوفِيَّة فيِ لُقيَا الخَضِرِ والتَّلَقِّي عَنهُ

- ‌وقال الحافظ ابن حجر -رحمه اللَّه تعالى

- ‌إِبطَالُ دَعوَى الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الخَضِرَ حَيٌّ

- ‌ قال العلَّامةُ القرآني محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تَعَالَى

- ‌وقال ابن الجوزي في "عجالة المنتظر في شرح حال الخضر

- ‌وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تَعَالَى

- ‌وقال الإمام أبو الحسن بن المنادي رحمه الله

- ‌وقال الإمام أبو الخَطَّابِ بن دحية رحمه الله

- ‌وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية -رحمه اللَّه تعالى

- ‌وقال الألوسي -رحمه اللَّه تعالى- في موضع آخر:

- ‌وقال العلامَةُ الشيخ بكر أبو زيد -حفظه اللَّه

- ‌وَالسُّؤَالُ الآنَ:إذا صَدَقَ الذين زعموا لقيا الخَضِرِ، والخَضِرُ ميت على الراجح، فما الجواب عن حكاياتهم

- ‌قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه تعالى

- ‌وقال أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

- ‌فَصلٌ في إبطَالِ احتِجَاجِ الصُّوفِيَّةِ بِقِصَّةِ مُوسَى وَالخَضِرِ عَلَى أنَّ الوَليَّ يَخرُجُ عَن شَرِيعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-

- ‌وقال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق -حفظه اللَّه تعالى

- ‌فهرس‌‌ المراجع

- ‌ ا

- ‌ب

- ‌ح

- ‌(خ)

- ‌ر

- ‌س

- ‌ز

- ‌ش

- ‌ص

- ‌ع

- ‌ط

- ‌ف

- ‌غ

- ‌(ق)

- ‌ك

- ‌ل

- ‌م

- ‌(ن)

- ‌(و)

الفصل: ‌ ‌فَصلٌ * قال الحافظ الذهبي رحمه الله تَعَالَى-: " … وقد رأيت

‌فَصلٌ

* قال الحافظ الذهبي رحمه الله تَعَالَى-:

"

وقد رأيت غير واحد من هذا النمط الذين زال عقلهم أو نقص، يتقلبون في النجاسات، ولا يصلون، ولايصومون، وبالفحش ينطقون، ولهم كشف كما -واللَّه- للرهبان كشف، وكما للساحر كشف، وكما لمن يُصرع كشف، وكما لمن يأكل الحية، ويدخل النار حالٌ مع ارتكابه للفواحش، فواللَّه، ما ارتبطوا على مسيلمة والأسود إلا لإتيانهم بالمغيبات (1) ". اهـ.

وقال الإمام المحقق ابن القيم رحمه الله تَعَالى-: "الفراسة الثانية: فراسة الرياضة والجوع، والسهر والتخلي، فإن النفس إذا تجردت عن العوائق، صار لها من الفراسة، والكشف بحسب تجردها، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدل على إيمان، ولا على وَلاية، وكثير من الجهال يغتر بها، وللرهبان فيها وقائع معلومة، وهي فراسة لا تكشف عن حق نافع، ولا عن طريق مستقيم، بل كشفها جزئي من جنس فراسة الولاة، وأصحاب عبارة الرؤيا، والأطباء، ونحوهم.

وللأطباء فراسة معروفة مِن حذقهم في صناعتهم، ومَن أحب الوقوف عليها، فليطالع تاريخهم وأخبارهم" (2). اهـ.

وقال العلامة عبد الرحمن المُعَلِّمِيُّ اليماني رحمه الله تَعَالَى-: "

ثم جاء القرن الثاني، فتوغل أفرادٌ في العبادة والعزلة وكثرة الصوم والسهر وقلة الأكل، لعزَّة الحلال في نظرهم، فجاوزوا ما كان عليه الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فوقعوا في طرفٍ من الرياضة، فظهرت على بعضهم

(1)"نزهة الفضلاء"(4/ 3671)، وانظره:(4/ 1683، 1733)، وانظر:"مجموع الفتاوى"(10/ 435) وما بعدها.

(2)

"مدارج السالكين"(2/ 486، 487)، وانظر:"قطر الولي" ص (171 - 179)، فإنه مهم.

ص: 224

بعض آثارها الطبيعية؛ كالإخبار بأن فلانًا الغائب قد مات، أو سيقدم وقت كذا، وأن فلانًا يضمر في نفسه كذا، وما أشبه ذلك من الجزئيات القريبة (1)، فكان

(1) علق العلامة الألباني رحمه الله على هذا الموضع قائلًا: (قلت: الإخبار عما في نفس الغير ليس من الجزئيات القريبة، بل هو من خصوصيات الله تبارك وتعالى، {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} [المائدة: 116]، فيستحيل أن يصل إلى هذه المرتبة من يتعاطى الرياضة من مؤمن أو كافر، ونحوه الإخبار بموت الغائب، أو بقدومه، نعم هذان الأمران الأخيران ونحوهما قد يكون من وحي الشيطان الجني الذي يسترق السمع إلى الشيطان الإنسي، أو يمكنه بحكم جبلته أن يطلع على موت فلان، قبل أن يطلع عليه البعيد عنه من بني الإنسان، فيخبر به من يريد أن يضله من الإنس، كهؤلاء المرتاضين الذين يتحدث عنهم المصنف -رحمه الله تعالى- ومثله قدوم الغائب، ومكان الضالة، ونحو ذلك، فهذه أمور ميسورة للجن، فَيُطْلِعون بعض الإنس بها لإضلالهم: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6]، وأما الاطلاع على ما في الصدور والإخبار به، فليس في طوق أحد منهم إلا بإخبار الله عز وجل من شاء من عباده الذين ارتضاهم لرسالته، كما قال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}، نعم ليس من هذا القبيل ما يُلهمه الرجل الصالح، ثم يقع كما أُلهم، لأنه لو سئل عنه قبل ذلك لم يستطع الجزم به، فلأنه لا يدري أمن إلهام الرحمن هو، أم من وحي الشيطان؟ بخلاف التي قالت:{مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} . وليس منه أيضًا ما يتنبأ به الإنسان بفراسته وملاحظته الدقيقة التي لا يتنبه لها غيره، وقد وقع لي شخصيًّا من هذا النوع حوادث كثيرة لولا أنني كنت أبادر إلى الكشف عن أسبابها الطبيعية لظنها الناس كشفًا صوفيًّا! فمن ذلك أنني كنت يومًا في حلقة الدرس أنتظر أن يكتمل الجمع، إذ قلت لمن عن يميني -وهو حي يرزق-:"بعد قليل يدخل فلان -لشاب سميته-"، فلم يمضِ سوى لحظات حتى دخل! فنظر إلى جليسي دهشًا كأنه يقول: أكشف؟ فقلت: "لا بل هي الفراسة"، ثم شرحت له سر المسألة، وذلك أن الشاب المشار إليه أعرف أن له دراجة عادية يأتي عليها إلى الدرس، وأعرف أيضًا أن الراكب لها إذا أراد النزول عنها أوقف تحريك رجليه إذا اقترب من المكان الذي يريد النزول عنده، وأنه عند ذاك يُسمع منها صوتُ بعض مسنناتها، وكانت دراجة الشاب من النوع المعروف بـ (السباقية)، والصوت الذي يسمع منها عند النزول أنعم من الأخريات، وكان هو الوحيد الذي يركبها من بين الذين يحضرون الدرس عادة، فلما أراد النزول، وأوقف رجليه طرق سمعي ذلك الصوت، فعرفت أنه هو، وأخبرت جليسي به، فكان كذلك!

وقد اتفق لي مرارًا -ويتفق مثله لغيري- أنني وأنا في صدد تقرير مسألة يقوم بعض الحاضرين يريد أن يسأل، فأشير إليه بأن تمهل، فإذا فرغت منها، قلت له:"الآن فَسَل"، فيقول:"ما أردت السؤالَ عنه قد حصل! " فأقول: أهذا هو الكشف؟! فمثل هذه الإجابة قد تقع تارة عفوًا، وتارة بقصد من المدرس الذي بحكم مركزه قد يتنبه لما لا يتنبه له الحاضرون، فيعرف من علاماتٍ خاصة تبدو له =

ص: 225

الناس يظنون أن جميع ذلك من الكرامات، والواقع أن كثيرًا منه كان من آثار الرياضة، وهي آثار طبيعية غريبة تحصل لكل من كان في طبعه استعداد وتعانى الرياضة بشروطها؛ سواء أكان مسلمًا -صالحًا أو فاجرًا- أم كافرًا، فأما الكرامات الحقيقية فلا دخل فيها لقوى النفوس، فلما وقعوا في ذلك وجد الشيطان مسلكًا للسلطان على بعض أولئك الأفراد بمقدار مخالفتهم للسنَّة؛ فمنهم من كان عنده من العلم ما دافع به عن دينه؛ كما نُقِل عن أبي سليمانَ الداراني أنه قال:"ربما تقع في قلبي النكتة من نكت القوم أيامًا، فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنَّة، ذكرها ونحوها من كلامهم أبو إسحاق الشاطبي في "الاعتصام" (106 - 121).

ومنهم من سلم له أصل الإيمان، لكن وقع في البدع العلمية، ومنهم من كان سلطان الشيطان عليه أشد؛ فأوقعه في أشد من ذلك، كما ترى الإشارة إلى بعضه في ترجمة رياح بن عمرو القيسي من "لسان الميزان"، ثم صار كثير من الناس يتحرون العزلة والجوع والسَّهَرَ لتحصيل تلك الآثار، فقوي سلطان الشيطان عليهم، ثم نُقِلت مقالات الأمم الأخرى، ومنها الرياضة، وشرح ما تثمره من قوة الإدراك والتأثير، فضمها هواتُها إلى ما سبق، ملصِقين لها بالعبادات الشرعية، وكَثُرَ تعاطيها من الخائضين في الكلام والفلسفة، فمنهم من تعاطاها؛ ليروج مقالاته المنكرة بنسبتها إلى الكشف والإلهام والوحي، ويتورع عن الإنكار عليه، بزعم أنه من أولياء اللَّه -تَعَالَى-، ومنهم من تعاطاها على أمل أن يجد فيها حلًّا للشكوك والشُّبَهِ التي أوقعه فيها التعمقُ في الكلام والفلسفة.

= من الذي يريد السؤال، ما هو سؤاله، فيجيبه قبل أن يسأل! فيظن كثير من الناس أنه كشف أو إخبار عما يضمر في نفسه، وإنما هو الظن والفراسة، ويستغل ذلك بعض الدجالين، فيلقون في نفوس مريديهم أنهم يطلعون على الضمائر، وأنهم يعلمون الغيب، فيتقبلون ذلك منهم ببساطة وسلامة قلب، حتى إن الكثير منهم لا يسافرون، ولا يأتون عملًا يهمهم، إلا بعد موافقة شيخهم عليه، فكأنه عندهم {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176]. واللَّه المستعان). اهـ. من هامش "القائد إلى تصحيح العقائد" ص (66، 67).

ص: 226

هذا، والشرع يقضي بأن الكشف ليس مما يصلح الاستناد إليه في الدين، ففي "صحيح البخاري" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إلَّا المُبَشِّرَاتُ"(1)، قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ".

وفيه حجة على أنه لم يبق مما يناسب الوحي إلا الرؤيا، اللهم إلا أن يكون بقي ما هو دون الرؤيا، فلم يعتد به، فدل ذلك أن التحديث، والإلهام، والفراسة، والكهانة، والكشف، كلها دون الرؤيا، والسر في ذلك أن الغيب على مراتب:

الأُوْلَى: ما لا يعلمه إلا اللَّه، ولم يُعْلِمْ به أحدًا، أو أعلم به بعض ملائكته.

الثَّانِيَةُ: ما قد علمه غير الملائكة من الخلق.

الثَّالِثَةُ: ما عليه قرائن ودلائل إذا تنبه لها الإنسان عرفه؛ كما ترى أمثلة ذلك فيما يحكى من ذكاء إياس، والشافعي، وغيرهما، فالرؤيا قد تتعلق بما هو من المرتبة الأولى، لكن الحديث يقضي أنه لم يبق منها إلا ما كان على وجه التبشير فقط، وفي معناه التحذير، والفراسة، تتعلق بالمرتبة الثالثة، وبقية الأمور بالمرتبة الثانية، وإنما الفرق بينهما -واللَّه أعلم- أن التحديث والإلهام من إلقاء الملَك في الخاطر، والكهانة من إلقاء الشيطان، والكشف قوة طبيعية غريبة؛ كما يسمى في هذا العصر قراءة الأفكار.

نعم، قد يقال: إن الرياضة قد تؤهل صاحبها لأن يقع له في يقظته ما يقع له في نومه، فيكون الكشف ضربًا من الرؤيا.

وأقول: إن صح هذا، فقد تقدم أن الرؤيا قصاراها التبشير والتحذير، وفي الصحيح أن الرؤيا قد تكون حقًّا وهي المعدودة من النبوة، وقد تكون من الشيطان، وقد تكون من حديث النفس، والتمييز مُشْكِل، ومع ذلك فالغالب أن

(1) تقدم تخريجه ص (21).

ص: 227

تكون على خلاف الظاهر؛ حتى في رؤيا الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كما قُصَّ من ذلك في القرآن، وثبت في الأحاديث الصحيحة؛ ولهذه الأمور اتفق أهل العلم على أن الرؤيا لا تصلح للحُجَّة، وإنما هي تبشير، وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حجة شرعية صحيحة؛ كما ثبت عن ابن عباس أنه كان يقول بمتعة الحج؛ لثبوتها عنده بالكتاب والسنَّة، فرأى بعض أصحابه رؤيا توافق ذلك؛ فاستبشر ابن عباس.

هذا حال الرؤيا، فَقِس عليه حال الكشف إن كان في معناها، فاما إن كان دونها، فالأمر أوضح، وتجد في كلام المتصوفة أن الكشف قد يكون حقًّا، وقد يكون من الشيطان، وقد يكون تخيلًا موافقًا لحديث النفس، وصرحوا بأنه كثيرًا ما يكشف للرجل بما يوافق رأيه حقًّا كان أو باطلًا، ولهذا تجد في المتصوفة من ينتسب إلى قول أهل الحديث، ويزعم أنه يكشف له بصحة مذهبه، وهكذا تجد فيهم الأشعري والمعتزلي والمتفلسف وغيرهم، وكلٌّ يزعم أنه يُكْشَفُ له بصحة مذهبه، ومخالفه منهم لا يُكذِّبُهُ، ولكنه يُكذِّبُ كشفه، وقد يكشف لأحدهم بما يوافق مقالات الفرقة التي ينتسب إليها، وإن لم يكن قد عرف تلك المقالاتِ من قبل؛ كأنه لحسن ظنه بهم، وحرصه على موافقتهم إنما تتجه همته إليهم؛ فيقرأ أفكارهم، وترتسم في مخيلته أحوالهم.

فالكشف إذن تبع للهوى، فغايته أن يؤيد الهوى، ويرسخه في النفس، ويحول بين صاحبه وبين الاعتبار والاستبصار، فكأن الساعي في أن يحصل له الكشف إنما يسعى في أن يضله اللَّه عز وجل، ولا ريب أن من التمَس الهدى من غيرِ الصِّراط المستقيم مستحق أن يضله اللَّه عز وجل، وما يزعمه بعض غلاتهم من أن لهم علاماتٍ يميزون بها بين ما هو حق من الكشف وما هو باطل دعوى فارغة، إلا ما تقدم عن أبي سليمان الداراني، وهو أن الحق ما شهد له الكتاب والسنَّة، لكن المقصود الشهادة الصريحة التي يفهمها أهل العلم من الكتاب والسنَّة بالطريق التي كان يفهمها بها السلف الصالح.

ص: 228

فأما ما عُرِفَ عن المتصوفة من تحريف النصوص بما هو أشنع وأفظع من تحريف الباطنية، فهذا لا يشهد لكشفهم، بل يشهد عليه أوضح شهادة بأنه من أبطل الباطل:

أولًا: لأن النصوص بدلالتها المعروفة حجة؛ فإذا شهدت ببطلان قولهم، عُلِم أنه باطل.

ثانيًا: لأنهم يعترفون أن الكشف محتاج إلى شهادة الشرع؛ فإن قبلوا من الكشف تأويل الشرع؛ فالكشف شهد لنفسه، فمن يشهد له على تأويله؟ " (1). اهـ.

* * *

(1)"القائد إلى تصحيح العقائد" ص (66، 67) باختصار.

ص: 229