الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه محبة، ولا ذوق، ولا لذة عند وجده، ويحب سماع المكاءِ والتصدية (1)، ويجد عنده مواجيد، فهذه أحوال شيطانية، وهو ممن يتناوله قوله -تَعَالَى-:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].
فالقرآن هو ذكر الرحمن، قال -تَعَالَى-:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه: 124 - 126]، يعني: تركتَ العملَ بها. {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تكفَّل الله لمن قرأ كتابه، وعمل بما فيه، ألَّا يَضِلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة"، ثم قرأ هذه الآية) (2) اهـ.
حِيَلٌ لَا خَوَارِقُ
من الخوارق ما لا يكون بتسبب شيطاني مباشر، وإنما يكون بطريق التعلم والحيلة، كما يفعله النصارى كثيرًا، وكما كان يفعل ابن تومرت (3)، وكما رُوِيَ عن الحلَّاج، من أنه (كان يدفن شيئًا من الخبز، والشواء، والحلوى في موضع من البَرِّيَّة، ويُطْلِعُ بعض أصحابه على ذلك، فإذا أصبح قال لأصحابه:"إن رأيتم أن نخرج على وجه السياحة"، فيقوم، ويمشي الناس معه، فإذا جاءوا إلى ذلك المكان، قال له صاحبه الذي أطلعه على ذلك:"نشتهي الآن كذا وكذا"، فيتركهم الحلاج، وينزوي عنهم إلى ذلك المكان، فيصلي ركعتين، ويأتيهم بذلك، وكان يمد يده إلى الهواء، ويَطْرَحُ الذهب في أيدي الناس، ويُمَخْرِقُ،
(1) المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق.
(2)
"الفرقان" ص (147 - 151).
(3)
انظر حيل ودجل ابن تومرت في "المهدي" للمؤلف ص (226) وما بعدها.
وقد قال له بعض الحاضرين يَوْمًا: "هذه الدراهم معروفة، ولكن أؤمن بك إذا أعطيتني درهمًا عليه اسمك واسم أبيك"، وما زال يُمَخْرِقُ إلى وقت صَلْبِهِ) (1).
ومن ذلك ما ذكره بعض أصحاب ابن الشَّبَّاس قال: (حضرنا يومًا عنده، فأخرج جَدْيًا مشويًّا، فأمرنا بأكله، وأن نكسر عظمه ولا نهشمها، فلما فرغنا، أمر بردها إلى التنور، وترك على التنور طبقًا، ثم رفعه بعد ساعة، فوجدنا جديًا حيًّا يرعى حشيشًا، ولم نَرَ للنار أثرًا، ولا للرمَّادِ ولا للعظام خبرًا، قال: فتلطفتُ حتى عرفتُ ذلك، وذلك أن التنور يفضي إلى سرداب، وبينهما طبق نحاس بلولب، فإذا أراد إزالة النار عنه: فركه، فينزل عليه، فيسده، وينفتح السرداب، فإذا أراد أن يظهر النار: أعاد الطبق إلى فم السرداب، فتراءى للناس.
قال ابن الجوزي رحمه الله تَعَالَى:
(وقد رأينا في زماننا من يشير إلى الملائكة، ويقول:"هؤلاء ضيف مُكْرَمون"، يوهم أن الملائكة قد حضرت، ويقول لهم:"تقدموا إليَّ".
وأخذ رجل في زماننا إبريقًا جديدًا فترك فيه عَسَلًا، فتشرب في الخزف طعم العسل، واستصحب الإبريق في سفره، فكان إذا غرف به الماء من النهر، وسقى أصحابه، وجدوا طعم العسل، وما في هؤلاء من يعرف اللَّه، ولا يخاف في اللَّه لومة لائم، نعوذ باللَّه من الخِذلان) (2).
* * *
(1)"تلبيس إبليس" ص (539).
(2)
"نفسه" ص (541، 542)، وانظر:"مجموع الفتاوى"(11/ 445، 610)، و"البداية والنهاية"(14/ 36).