الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أضرِحَةُ المنَامَاتِ .. والمَزَارَات المُزَوَّرَات
تُوجَدُ في كثير من بلاد العالم الإسلامي مقابر وهميةٌ يُزْعَمُ أنها مقابرُ لأولياءَ صالحين، وَيرْجعُ الفضل في بنائها إلى "رُؤًى مناميةٍ"؛ إذ يكفي عند القوم أن يَدعِيَ مُدَّعٍ أنه رأى رؤيا تُكَلِّفُهُ ببناء قبر أو قبة فوق المكان الفلاني؛ ليصبح مزارًا لأحد الأولياء.
ومن أشهر أضرحة الرؤيا: مشهد السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاهرة، أقامته زوجة الخليفة العبيدي الآمر بأحكام الله (1)، وكذا ضريح السيدة سُكَيْنَة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم (2).
ومنها: القبر المنسوب إلى زينب بنت علي رضي الله عنهما بالقاهرة، فإنه كذب لا أصل. له، ويقال: إن موضعه كان ساقية، فلما رأى صاحبها أنها لا تُغِلُّ له مع التعب إلا اليسير، زعم للناس: أنَّهُ رأى زينب في المنام، تأمره أن يقيمَ لها قبة في هذا المكان؛ فأقامها، وأعانه العوام، ثم كان سادنًا لها، فجاءته الأموال الكثيرة (3).
ولم يكن قبر النبي شيث معروفًا قبل القرن الحادي عشر للهجرة، حيث رأى أحد ولاة الموصل في ذلك القرن منامًا يدل على موضع القبر، فبنى الضريح، ثم بُني عليه جامع كبير (4).
وكان الناس يؤمون ضريحًا في شرق الجزائر، ويتبركون بأعتابه، ثم اكتشفوا أن هذا القبر كان لراهبٍ نصراني، ولم يصدق الناس ذلك حتى
(1)"الآثار الإسلامية في مصر من الفتح العربي حتى نهاية العصر الأيوبي" لمصطفى عبد الله شيحة ص (143).
(2)
"مساجد مصر وأولياؤها الصالحون"(1/ 102).
(3)
"صراع بين الحق والباطل" ص (111).
(4)
"الانحرافات العقدية والعلمية"(1/ 284، 285).
عثروا على الصليب في القبر (1).
وفي اللاذقية حضرة يُقال إنها مدفن الفرس التي كان يركبها الولي المغربي، لا تزال حتى اليوم تُزار وتُبَخَّر (2).
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه تَعَالَى-: "حدثني بعض أصحابنا أنه ظهر بشاطئ الفرات رجلان، وكان أحدهما قد اتخذ قبرًا تُجْبَى إليه أموال ممن يزوره، ويُنْذَرُ له من الضُّلَّال، فعمد الآخر إلى قبر، وزعم أنه رأى في المنام أنه قبر عبد الرحمن بن عوف، وجعل فيه من أنواع الطيب ما ظهرت له رائحة عظيمة"(3).
وقال شيخ الإسلام: "وغالب ما يَسْتَنِدُ إليه الواحد من هؤلاء: أن يَدَّعِي أنه رأى منامًا، أو أنه وجد بذلك القبر علامة تدل على صلاح ساكنه: إما رائحة طيبة، وإما توهم خرق عادة ونحو ذلك، وإما حكاية عن بعض الناس: أنه كان يُعَظِّمُ ذلك القبر.
فأما المنامات فكثير منها -بل أكثرها- كذب، وقد عرفنا في زماننا بمصر، والشام، والعراق من يَدَّعي أنه رأى منامات تتعلق ببعض البقاع أنه قبر نبي، أو أن فيه أثر نبي، ونحو ذلك، ويكون كاذبًا، وهذا الشيء مُنْتَشِرٌ، فرائي المنام غالبًا ما يكون كاذبًا، وبتقدير صِدْقِهِ: فقد يكون الذي أخبره بذلك شيطان، والرؤيا المحضة التي لا دليل يدل على صِحَّتِهَا لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق؛ فإنه قد ثَبَتَ في "الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الرُّؤيَا ثَلَاثَةٌ: رُؤيَا مِنَ اللَّهِ، ورُؤيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ المَرْءُ نَفْسَهُ، ورُؤيَا مِنَ الشَّيْطَانِ".
فإذا كان جنس الرؤيا تحته أنواع ثلاثة، فلابد من تمييز كل نوع منها عن نوع" (4).
(1)"نفسه"(1/ 290).
(2)
"مشكلات الجيل في ضوء الإسلام" ص (134).
(3)
"مجموع الفتاوى"(27/ 459).
(4)
"نفسه"(27/ 457، 458).